الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو بكر بن الملك الأشرف أبي الفتح محمد بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الدين شاذي رحمه الله مولده بمصر في النصف الآخر من شعبان سنة سبع وتسعين وخمسمائة سمع من حلب من ابن طبرزد وحنبل ودخل بغداد وسمع بها من أصحاب أبي الوقت السجزي وحدث بدمشق وغيرها وكانت وفاته في الثاني والعشرين من ذي الحجة بالياروقية بحلب رحمه الله.
؟؟
السنة الثامنة والخمسون والستمائة
أولها يوم الخميس فيها كثر الإرجاف بوصول التتار إلى البلاد العربية فجفل الناس من بين أيديهم إلى الديار المصرية والجبال والأماكن المتوعرة وفي منتصف صفر ورد الخبر إلى دمشق باستيلاء التتار على بلاد حلب بالسيف وكان نزولهم على حلب في ثاني صفر واستولوا عليها في تاسعه وأمنوا أهلها ثم غدروا بهم فقتلوهم ولما اتصل ذلك بالملك الناصر رحمه الله سار عن دمشق بأمرائه نحو القبلة وكان رسل التتار بقرية حرستا فدخلوا دمشق ليلة الأثنين سابع عشر صفر وقرئ في يوم الأثنين بعد صلاة الظهر فرمان جاء من عند ملكهم يتضمن الأمان لأهل دمشق وما حولها وشرع أكابر البلد في تدبير أمرهم معهم وفي سابع عشر ربيع الأول وصل إلى دمشق نواب التتار فلقيهم كبراء البلد أحسن ملتقى وقرئ ما معهم من الفرمان المتضمن الأمان بالميدان الأخضر ووصلت عساكرهم من جهة الغوطة مارين وراء
الضياع إلى جهة الكسوة وأهلكوا في ممرهم جماعة كانوا قد تجمعوا وتخرموا وعدم بسبب ذلك جماعة من غيرهم وفي السادس والعشرين منه جاء منشور من هولاكو للقاضي كمال الدين عمر بن العديم بتفويض قضاء القضاة إليه بمدائن الشام والموصل ومارين وميافارقين والأكراد وغير ذلك وتفويض جميع الأوقاف إلى نظيره ووقف الجامع وغيره وكان القاضي قبله صدر الدين أحمد بن سنى الدولة من جمادى سنة ثلاث وأربعين وكان كمال الدين ينوب عنه في الحكم بدمشق وفي ربيع الآخر رجعت عساكر التتار التي كانت عبرت على دمشق بعد ما عاثت في بلاد حوران وأرض نابلس وما حولها وكان الأمير محي الدين إبراهيم بن أبي زكري بنابلس فقاتلهم قتالاً شديداً وأبلى بلاء حسناً بحيث قتل بيده منهم عشرة نفر ثم قتل رحمه الله فلما بلغ الملك الناصر رحمه الله ذلك وهو بغزة توجه نحو الديار المصرية فنزل العريش ثم قطيا ثم تفرق عسكره عنه فتوجه معظم العسكر إلى الديار المصرية مع الأثقال وعاد الملك الناصر في طائفة من خواصه لشئ بلغه عم ملك مصر ونزل بوادي موسى ثم نزل بركة زيزاء فكبسه التتار بها وتفرق عنه معظم أصحابه ثم
أستأمن له بعض أصحابه وصار إليهم فكان معهم في ذل وهوان إلى أن قتل على ما نذكر إن شاء الله تعالى.
وأما العساكر التترية فبلغت غارتهم أرض غزة وبلد الخليل صلوات الله عليه والصلت وبركة زيزاء وموجب الكرك ونحو ذلك فقتلوا الرجال وسبوا النساء والصبيان واستاقوا من الأسرى والأبقار والأغنام والمواشي شيئاً كثيراًَ وأخذوا من الأسلاب والأثاث ما لا يحصى فلما وصلوا دمشق اشترى من الأسرى شئ كثير وأطلقوا وهرب بعضهم واستصحبوا معهم من بقي وقد كانت قلعة دمشق امتنع بها الأمير بدر الدين محمد بن فريجار واليها وجمال الدين بن الصيرفي نقيبها في جمع كثير بها واحتيج إلى حصارها فجاءها من التتر خلق كثير وصلوا يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى فما يأتوا تلك الليلة حتى قطعوا من الأخشاب ما احتاجوا إليه فكانوا أستصحبوا معهم أكثر من عشرين منجنيقاً تجرها الخيل وهم ركاب عليها وقدموا قبل ذلك بأسلحة تجرها البقر على العجل وأصبحوا يوم الاثنين يجمعون الحجارة لرمي المجانيق فاخربوا حيطاناً كثيرةً وأخذوا حجارتها من أساسها وأخربوا طرفاً من القنوات بسبب الحجارة وهيؤها للرمي ونصبت المجانيق ليلة الثلاثاء وأصبحوا يرمون بها رمياً فأخربوا كثيراً من القلعة من غربيها فما أمسوا حتى طلبوا الأمان فأمنوهم وخرجوا من الغد ونهب ما في القلعة وأحرق
فيها مواضع كثيرة وهدم من أبراجها وأعاليها ثم ساروا إلى بعلبك وكان قبل ذلك حضر عند هولاكو تقي الدين الحديثي الحشائشي وكان هذا تقي الدين أصله من قرية حديثا من بقاع بعلبك وربي ببعلبك بين أهلها كأحدهم ثم سافر إلى الديار المصرية وفاق أهل عصره في معرفة الحشائش والأعشاب وخواصها ومنافعها ومضارها وتقدم عند الملك المعز أيبك التركماني وأعطاه أقطاعاً جيداً ثم جهزه إلى الملك الناصر في بعض مهماته فاتفق قتل الملك المعز وهو بالشام فأقام بدمشق فورد كتاب هولاكو على الملك الناصر رحمه الله يطلب جماعة التقى أحدهم فسيرهم إليه فحصل له منه إقبال فلما حصل الإستيلاء على حلب سأل من هولاكو فرمان لأهل بعلبك وشحنة من التتر فأجابه إلى ذلك فوصل المذكور ومعه الفرمان والشحنة ودخل بعلبك واجتمع به أهلها وكلهم معارفه ومعظم أصحابه وتحدث معهم في الدخول في الطاعة وقبول الأمان وكان سائر أهل البلاد إلا القليل قد صعدوا إلى القلعة بأموالهم وحريمهم مصممين على العصيان وكان نائب السلطنة بالأعمال البعلبكية الأمير ناصر الدين محمد بن البتيني رحمه الله فعندما بلغ أهل البلد منازلة التتر لحلب سألوه المقام عندهم والذب عنهم وتدبير أمورهم فأجابهم وأصعد إلى القلعة شيئاً كثيراً فلما بلغه أخذ حلب وتوجه إلى الملك الناصر من دمشق رجع عن الصعود إلى القلعة وسافر من جهة بانياس والصبيبة وكانت تحت نظره وولايته وسافر معه جماعة من أهل بعلبك فلما اتفق بعد ذلك قدوم التقى
تحللت العزائم وجنحت إلى قبول الأمان فقال لهم ينزل معي جماعة من أعيان البلد إلى دمشق لأحضرهم عند نواب الملك وأعرفهم بدخولهم في الطاعة فتعوجه صحبته جماعة من الأعيان قريب خمسة عشر نفراً فلما وصلوا دمشق أنزلوا في مدرسة الأمير ناصر الدين القيمري ورتب لهم راتب متوفر من الطعام والحلواء والفاكهة وغير ذلك وأحسن إليهم غايةالإحسان وخلع عليهم خلع سنية وهذا لم يجر لغيرهم مع التتر فرجعوا إلى بعلبك صحبة التقى على أن تسلموا القلعة وينزل الناس إلى بيوتهم فاتفق يوم وصولهم إلى بعلبك وصول بدر الدين يوسف الخوارزمي إلى بعلبك من عند هولاكو ومعه فرمان بولاية بعلبك وأعمالها، وكان هذا بدر الدين رحمه الله قد ولي مدينة بعلبك في الأيام الناصرية ورفق بأهلها وعاملهم أجمل معاملة وصادق كثيراً منهم وعاشرهم ثم عزل وولي ولايات أخر ثم عزل عنها واعتقل بدمشق وأنقضت الدولة الناصرية وهو بالاعتقال فخرج من الحبس وقصد هولاكو وكان عنده وتوصل ومعرفة بسائر الألسن، وهو مقبول الصورة وله معرفة بابن كشلوخان وكان ابن كشلوخان مع التتر وله صورة عندهم فلما حضر بدر الدين المذكور عند هولاكو ذكر معرفته ببعلبك وأهلها وتكفل بتسهيل ما تعسر منها وكان لبعلبك عند التتر صورة كبيرة لحصانة قلعتها ونجدة رجالها فكتب له فرمان بولايتها واتفق وصوله على ما تقدم فتحلل لقدومه معظم العزائم ودخل
البلد وأمر ونهى وأنس به الناس لقديم المعرفة وتمسك بالعصيان شجاع الدين إبراهيم والي القلعة ومن عنده من المستخدمين وقريب نصف أهل البلد
وقد كتب شجاع الدين إلى الملك الناصر رحمه الله يعرفه صورة الحال واستأذنه في ما يفعل وسير الكتاب مع شخص يعرف بالمقرئ إبراهيم فوجده ببركة زيزاء فأعطاه المطالعة فقرأها وقال داروا عن أنفسكم وكتب الجواب بمثل ذلك. كتب شجاع الدين إلى الملك الناصر رحمه الله يعرفه صورة الحال واستأذنه في ما يفعل وسير الكتاب مع شخص يعرف بالمقرئ إبراهيم فوجده ببركة زيزاء فأعطاه المطالعة فقرأها وقال داروا عن أنفسكم وكتب الجواب بمثل ذلك.
حكى لي المقرئ إبراهيم المذكور قال لما قرأ المطالعة وأمر بكتب الجواب حصل له في خلال ذلك رعاف يسير فمسح أنفه بمنديل كان في يده ورماه وطلب غيره فلم يكن عنده غيره فغسل بيده موضع الدم منه وحمله قال ولم أجد معه إلا نفراً يسيراً جداً إن في ذلك لعبرة.
وأما أهل القلعة فتمسكوا بالعصيان وأنتظار ما يرد به جواب الملك الناصر فعاد كتبغا نوين بالعساكر وكان عند توجهه إلى دمشق اجتاز بعلبك ولم يتعرض لقتالها فلما عاد بعد أخذ قلعة دمشق أحضر معه بدر الدين محمد بن قريجار وجمال الدين بن الصيرفي ليتحدثا مع أهل القلعة فتحدثوا فلم يفد وحضر إبراهيم بجواب الملك الناصر فحلل ما بقي من العزائم غير أن الوثوق بأمان التتر غير محقق فلما رأى كتبغا أصرارهم نازل القلعة ونصب عليها عدة مجانيق في يوم الأحد وجميعها تضرب في برج واحد لعله من أحصن الأبراج بحيث فتحت فيه المجانيق طاقة كبيرة كالباب الكبير فِأذعن أهل القلعة بتسليمها وطلبوا
الأمان فأمنهم كتبغا على أنفسهم وأن يخرج كل أنسان بما يستطيع أن يحمله من ماله فخرجوا على هذه الصورة بعد عصيان يوم واحد ووفي لهم بذلك ولم يرق لأحد محجمة دم ثم بعد خروج الناس من القلعة دخلها كتبغا فرآها وصعد قلتها ونهبها التتر وأخذوا ما وجدوا فيها ورحلوا وقد بقي فيها من القمح والشعير والحبوب والدبس واللبن وغير ذلك من الطعومات شئ كثير فتلطف بدر الدين يوسف الخوارزمي وأحسن السياسة فيه بحيث شاور كتبغا وتلطف به حتى أجاب إلى أن يقرر عن هذا الطعم درهم معلوم فقرر على ذلك قريب خمسين ألف درهم بحيث ناب غرارة القمح عشرين درهما وغرارة الشعير عشرة دراهم وقنطار الدبس الشديد عشرين وقنطار اللبن ثلاثون درهما فحصل للناس بذلك رفق كثير.
ثم أن كتبغا أمر باعتقال شجاع الدين إبراهيم والي القلعة ببعلبك وديوانها فاعتقلوا خلا شاهد القلعة فإنه كان خرج منها قبل حصرها وطلع إلى جبل الكسروانيين فاعتقلوا ثم أستدعوا إلى مرج يرغوث وضربت رقابهم وضربت رقبة ولد الشجاع وصهره معه ولذلك ضرب هناك رقبة بدر الدين محمد بن فريجار وابن الصيرفي نقيب قلعة دمشق وجرى بألطاف الله تعالى بأهل بعلبك ما لم يكن في الحساب فلله الحمد على ذلك.
وفي غرة شعبان حضر الملك الأشرف موسى بن صاحب حمص
إلى بعلبك وقد استقر نائب هولاكو في الشام وسلم إليه حمص والرحبة وتدمر وتل باشر بقلاعها فأقام بظاهر بعلبك يومين فتوجه إلى دمشق.
وفيها توجه قاضي القضاة محي الدين يحيى بن الزكي وأولاده وأخوه لأمه شهاب الدين وقاضي القضاة صدر الدين أحمد بن سنى الدولة إلى أرد وهولاكو فأدركوه دون الفرات قبل قطعها ثم عادوا إلى طريق بعلبك فوصلوها سادس جمادى الآخرة أو سابعها بكرة الخميس ومحي الدين في تجمل عظيم وهو راكب في محفة ومعه من الحشم والغلمان والأولاد والحاشية ما لا مزيد عليه وصلى الجمعة في شباك قبة المدرسة الأمينية المجاورة جامع بعلبك وأحضر منبر إلى صحن الجامع قبالة الشباك المشار إليه وقرأ عليه تقليده وهو تقليد عظيم جدا بسط فيه القول والمبالغة في تفحيم القاضي محي الدين بحيث لا يخاطب فيه إلا بمولانا وهو يتضمن فيه تفويض القضاء إليه بسائر البلاد والشامية من قنسرين إلى العريش ونائبه أخوه لأمه شهاب الدين اسماعيل بن أسعد بن وحيس وكذلك الأوقاف وغيرها وأن يشارك النواب في أمورهم بحيث لا يخرج عن رأيه ولا يستبدون دونه بأمر وكان عليه حال قعوده في الشباك فرجية عظيمة سوداء منسوجة بالذهب قيل أنها الخلعة التي خلعت على الملك الناصر يوسف رحمه الله من جهة الخليفة أخذت من قلعة حلب وعلى رأسه بقيار صوف بغير طيلسان ثم توجه
إلى دمشق وأقام القاضي صدر الدين ببعلبك في منزل إلى حين توفي رحمه الله وسنذكره إن شاء الله تعالى.
ثم وصل محي الدين إلى دمشق وقرأ الفرمان بتوليته يوم الأربعاء أربع عشر جمادى الآخرة تحت النسر بجامع دمشق وحضر قرائته إيلبان نائب ملك التتر وكان من المغل وحضرت زوجته معه وقعدت على طراحة بسطت لها بين زوجها والقاضي إلى جانب العمود الشرقي في الباب الكبير الأوسط من باب أبواب النسر بالجامع ثم أضاف القاضي محي الدين إلى نفسه وأولاده عدة مدارس كالعذراوية والسلطانية والفلكية والركنية والقيمرية والكلاسية والصالحية وولاها عماد الدين بن عزى والأمينية ولاها ولده عماد الدين عيسى مع مشيخة الشيوخ وباشر أخوه شهاب الدين عنه نيابة الحكم مع التدريس الرواحية والشامية البرانية مع أن شرطها لا يجمع المدرس بينها وبين غيرها وبقي الأمر كذلك إلى أن ملك المسلمون في أواخر شهر رمضان من هذه السنة فبذل أموالاً جليلة على أن يستمر على حاله فأجيب إلى ذلك نحو شهر ثم أمر بالسفر مع السلطان الملك المظفر رحمه الله إلى مصر فتولى القاضي أبو بكر محمد بن سنى الدولة وقرئى تقليده تقليده بشباك الحكم بالجامع بدمشق يوم الجمعة الحادي والعشرين من ذي القعدة.
وفيها لما استولى التتر على القلاع أبقوا بلاطنس على ابن واليها نجم الدين بن قايماز الظاهري فلما كسروا أستفسد
مظفر الدين عثمان بن منكورس صاحب صهيون من كان بها من الأجناد على نجم الدين واليها فسلموه إليه في العشر الأول من ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وبقيت في يده إلى أن سلمها لولده عز الدين أحمد فبقيت في يده مدة حياة أبيه إلى أن سلمها إلى نواب الملك الظاهر في سنة سبع وستين وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وفيها وصل الخبر باستيلاء التتر على عدة قلاع منها الصلت وعجلون وصرخد وبصرى والصبيبة وهدموا الجميع حسب ما أمكنهم.
وفيها وصل الخبر أن طائفة التتار وقعوا على العرب عند زيزاء وحسبان فهزموهم وغنموا من أولادهم ونسائهم وأنعامهم شيئاً كثيراً واستاقوا الجميع وهرب الملك الناصر إلى البراري فساقوا خلفه فأخذوه وقد بلغ شربة الماء نحو مائة دينار وأتوا به إلى كتبغانوين فوقفه بين يديه وأهانه وقرعه ثم أتوا به دمشق مع من قدم من الكرك من الدمشقيين الذين كانوا هربوا إليها وكان كتبغا سير القاضي كمال الدين التفليسي رحمه الله برسالة منه إلى الملك المغيث صاحب الكرك يلتمس منه الدخول في الطاعة فأجاب بجواب ظاهره الطاعة وباطنه المراوغة وانتظار ما تجري به المقادير فلما عاد القاضي كمال الدين إلى الكرك صحبه جماعة ممن كان ألتجأ إليها من الدمشقيين بعد مشقة شديدة وجدوها من تنردهم مع التتار كيف ما داروا نحو من خمسة وثلاثين يوما وكان وصولهم سادس شهر رجب وسار الملك الناصر رحمه الله
مع جماعة من التتار إلى هولاكو في رابع عشر شهر رجب ومعه ابنه الملك العزيز وأخوه الملك الظاهر علي والصاحب إسماعيل بن صاحب حمص وغيرهم.
وفيها في يوم الاثنين السابع والعشرين من جمادى الأولى طيف بدمشق برأس مقطوع مرفوع على رمح قصير معلق بشعره وهو في قطعة شبكة زعموا أنه رأس الملك الكامل محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب رحمه الله صاحب ميافارقين وتلك النواحي ودام في حصار التتار أكثر من سنة ونصف ولم يظاهر عليهم إلى أن فني أهل البلد لفناء زادهم فوجد مع من بقي من أصحابه موتى أو مرضى فقطع رأسه وطيف به البلاد ثم علق على باب الفراديس الخارج فقال قائل في ذلك:
ابن غاز غزا وجاهد قوماً
…
أثخنوا في العراق والمشرقين
ظاهراً غالباً ومات شهيداً
…
بعد صبر عليهم عامين
لم يشنه أن طيف بالرأس منه
…
فله أسوة برأس الحسين
وافق السبط في الشهادة والحم
…
ل لقد حاز أجره مرتين
جمع الله حسن ذي الشهدي
…
ن على فتح ذينك القلعتين
ثم واروا في مشهد الرأس ذلك ال
…
رأس فاستعجبوا من الحالين
وارتجوا أنه يجئ لدى البع
…
ث رفيق الحسين في الجنتين
ثم وقع من الأتفاق العجيب أن دفن في مسجد الرأس داخل
باب الفراديس في المحراب في أصل الجدار وغربي المحراب في طاقة يقال أن رأس الحسين رضي الله عنه دفن بها.
وفي نصف شعبان أغارت العرب على جشارات التتر بتل راهط وما حوله فاستاقوها وخرج الملك الأشرف صاحب حمص ومن بدمشق من التتار ثم رجعوا ولم يقعوا عليها وكان الملك الأشرف قد وصل قبل ذلك إلى دمشق ونزل في داره وقرئ فرمانه بأن تكون البلاد تحت نظره وفي ثاني رمضان وصل الخبر إلى دمشق باستيلاء التتار على صيداء من بلاد الفرنج ونهبها وخلاص ثلاثمائة أسير منها.
وفيها خرج الملك المظفر سيف الدين قطز رحمه الله بعساكر الديار المصرية ومن انضاف منهم من عساكر الشام إلى لقاء التتار ودفعهم عن البلاد الشامية وكان كتبغانوين بالبقاع فبلغه الخبر فاستدعى الملك الأشرف وقاضي القضاة محي الدين واستشارهم في ذلك فمنهم من أشار بعدم الملتقى والاندفاع بين يدي الملك المظفر ومن معه من العساكر إلى حيث يجيئه مدد من هولاكو ليقوى على ملتقى العساكر الإسلامية ومنهم من أشار بغير ذلك وتفرقت الآراء فاقتضى رأي كتبغانوين الملتقى وتوجه من فوره على كره ممن أشار عليه بالأندفاع لما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه فحصل
التقاء العساكر على عين جالوت في يوم الجمعة خامس وعشرين شهر رمضان فانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة فحمل الملك المظفر رحمه الله في طائفة عظيمة من المسلمين أول البصائر فكسرهم كسرة عظيمة أتت على معظم أعيانهم وأصيب كتبغانوين قيل قتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي فولوا الأدبار لا يلوون على شئ واعتصم منهم طائفة بالتل المجاور لمكان الوقعة فأحدقت بهم العساكر وصابروهم حتى أفنوهم قتلاً وأسراً ونجا من نجا بحشاشته وأهل البلاد يتخطفونهم وفي حال الفراغ من المصاف حضر السعيد حسن ابن الملك العزيز عماد الدين بن الملك العادل بين يدي الملك المظفر رحمه الله تعالى وكان التتار لما ملكوا قلعة البيرة وجدوه فيها معتقلاً فأطلقوه وأعطوه بانياس وقلعة الصبيبة وبقي معهم وقاتل يوم المصاف المسلمين قتالاً شديداً فلما أيد الله المسلمين بنصره وحضر الملوك عند الملك المظفر فحضر المذكور فلم يقبله الملك المظفر رحمه الله وأمر به فضربت عنقه صبراً وورد كتاب المظفر إلى دمشق في سابع وعشرين شهر رمضان يخبر بالفتح وكسرة العدو ويعدهم بوصوله إليهم ونشر المعدلة فيهم فثاروا العوام بدمشق وقتلوا الفخر محمد بن يوسف ابن محمد الكنجي في جامع دمشق وكان المذكور من أهل العلم لكنه كان في شر وميل إلى مذهب الشيعة وخالطه الشمس القمي الذي
كان حضر إلى دمشق من جهة هولاكو ودخل معه في أخذ أموال الغياب عن دمشق فقتل ومن نظمه في علي رضوان الله عليه:
وكان علي أرمد العين يبتغي
…
دواء فلما لم يحس مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلة
…
فبورك مرقياً وبورك راقيا
وقال سأعطي الراية اليوم فارساً
…
كمياً شجاعاً في الحروب محاميا
يحب الإله والإله يحبه
…
به يفتح الله الحصون كما هيا
فخص دون البرية كلها
…
علياً وسماه الوصي المواخيا
وقتل بدمشق أيضاً من أعوان التتار الشمس ابن الماكسيني وابن البغيل وغيرهما وكان النصارى بدمشق قد شمخوا وتجرؤا على المسلمين واستطالوا بتردد إيلبان وغيره من كبار التتار إلى كنائسهم وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاؤا من عنده بفرقان يتضمن الوصية بهم والاعتناء بأمرهم ودخلوا به البلد من باب توما وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون حولها بارتفاع دينهم واتضاع دين الإسلام ويرشون الخمر على الناس وفي أبواب المساجد فحصل عند ذلك من المسلمين هم عظيم فلما هرب نواب التتر حين بلغهم خبر الكسرة أصبح الناس إلى دور النصارى ينهبونها ويخربون ما استطاعوا منها واخربوا كنيسة اليعاقبة وأحرقوا كنيسة مريم حتى بقيت كوما والحيطان حولها تعمل النيران في أخشابها وقتل منهم جماعة واختفى الباقون ولما عبر
النصارى من باب توما قاصدين درب الحجر وقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان رحمه الله ونادوا بشعارهم ورشوا الخمر في باب الرباط وفعلوا مثل ذلك على باب مسجدي الحجر الكبير والصغير وألزموا الناس في دكاكينهم بالقيام للصليب ومن لم يقم أخرقوا به وأهانوه وشقوا السوق على هذا الوجه على عند القنطرة آخر سويقة كنيسة مريم فقام بعضهم على الدكان الوسطى من الصف الغربي بين القناطر وخطب وفضل دين النصارى ووضع من دين الإسلام ثم عطفوا من خلف السوق إلى الكنيسة التي خربها الله تعالى وكان ذلك في ثاني وعشرين شهر رمضان وفي الغد صعد المسلمون مع قضاتهم وشهودهم إلى إيلبان بالقلعة فأهانوهم ورفعوا قسيس النصارى عليهم وأخرجوهم من القلعة بالضرب والإهانة وفي هذه حضر إيلبان إلى الكنيسة وفي غده كانت الكسرة ولله الحمد والمنة.
وهم بعض الناس بنهب اليهود فنهب شيء يسير ثم كفوا عنهم وفي يوم الجمعة ثاني شوال خطب بجامع دمشق الأصيل الأسعردي فبقي متوليا الخطابة والإمامة بجامع دمشق إلى سلخ شوال من سنة ثمان وخمسين وستمائة.
وحكى ابن الجزري في تاريخه عن والده إبراهيم بن أبي بكر الجزري رحمه الله قال خرجت من جامع دمشق بعد صلاة الجمعة وهي ثاني جمعة مرت من شهر رمضان من تحت الساعات ودخلت في
الخضراء إلى نحو دكاني بسوق الرماحين فوجدت جميع دكاكين الخضراء فيها الخمور والنصارى فيها يبيعون الخمر وبعض المسلمين القليلين الذين معهم وهم يشربون ويرشون الخمر على من عبر عليهم من المصلين وغيرهم قال فما ملكت نفسي إلا والدموع تسيل على خدي وحصل لي نحيب وبكاء كثير وما زلت كذلك إلى حيث وصلت دكاني بسوق البر بالرماحين وأنا على ذلك في البكاء والنحيب إذا قد جاء شخص يقال له الحاج عبد العزيز من أهل دمشق وقد جاء من المكان الذي جئت منه وقد حصل له حال مثل الحال الذي قد حصل لي فقعد كل واحد منا في ناحية وأخذ المنديل على وجهه يبكي وينتحب قال فبينا نحن نبكي وإذا بالشيخ محمد الخالدي قدس الله روحه قد عبر علينا وقال لي يا مليح لأجل أي شئ تبكي الذي رأيت يزول الساعة أبعث إليك محمد العطار يبشرك وأنا فما أقدر أقف ثم مشى وتركني وكان الشيخ محمد مدة مقام التتر بدمشق ليس للشيخ محمد الخالدي شغل سوى أنه يمشي من باب الجابية إلى الباب الشرقي قال فلما كان بعد ساعة إذا بالحاج محمد العطار قد جاءيني وقال لي الشيخ محمد يبشرك والمسلمين ويخبرك أن في أول ليلة الجمعة مرت من هذا الشهر وهو رمضان اجتمعت أشباح الأنبياء والأولياء جميعهم وإبراهيم الخليل وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين على صخرة بيت المقدس وسألوا الله تعالى أن يكشف عن المسلمين ما هم فيه من أمر التتار فلم يجبهم
فلما كان البارحة وهي ليلة الجمعة أجتمعوا ثانية وسألوا الله تعالى فأجابهم وما يخرج شهر رمضان إلا وهم مكسورين وما تعيد أنت والمسلمين بدمشق إلا بسلطان جديد مسلم قال والدي رحمه الله فكان الواقع كما قال الشيخ محمد قدس الله روحه.
وفيها فارق الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري الملك الناصر من دمشق مهاجراً إلى مصر إلى خدمة الملك المظفر سيف الدين قطز فلما وصل إلى غزة اتفق هو والشهرزورية وتزوج منهم وبعث الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري إلى الملك المظفر لتحليفه له فأجابه المظفر إلى ما طلبه منه واقترحه عليه فسار إليه ودخل القاهرة يوم السبت ثاني وعشرين ربيع الأول سنة ثمان وخمسين فركب المظفر للقائه وأنزله في دار الوزارة وأقطعه قصبة قيلوب لخاصته وأشار عليه بملاقاة التتار وقوي جأشه وحرك عزائمه وحرضه على التوجه للقائهم وتكفل له بحصول الظفر من تلقائه فخرج يوم الأثنين خامس عشر شعبان بجميع عساكر مصر مع ما انضاف إليهم من العرب وغيرهم لقصد التتار الذين بالشام فلما وصل إلى مرج عكا أتصل بكتبغانوين مقدم عسكر التتر بالشام خروج الملك المظفر وكان في بلد حمص فتوجه إلى الغور وبعث الملك المظفر للأمير ركن الدين البندقداري في عسكر ليتجسس خبر التتر فلما وقعت عينه عليهم كتب إلى
الملك المظفر ليعلمه بوصولهم ثم أنتهز الفرصة في مناوشتهم ليكون له اليد البيضاء عند الإسلام فلم يزل يستدرجهم تارة بالأقبال وتارة بالإحجام حتى وافى بهم إلى الملك المظفر على عين جالوت فكانت الوقعة التي أيد الله بها المسلمين على التتر وأخذ بها منهم ثأر أهل الوير والمدر وحاق بهم مكر السيف وحكم فيهم الحتف بالحيف وقتلوهم وأخذوهم ومعهم ملكهم كتبغانوين فقتل وأخذ رأسه وأسر أبنه وكانت الوقعة بين المسلمين والتتر على عين جالوت يوم الجمعة خامس وعشرين من شهر رمضان المعظم ووصل الخبر إلى دمشق في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فانهزم بتلك الليلة من كان بدمشق من التتار وأيل سبان نائب الملك وأتباعهم وتبعهم الناس وأهل الضياع ينهبونهم يقتلون من ظفروا به فلله الحمد والشكر وجرد الملك المظفر خلف التتر الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فتبعهم إلى حمص وقتل وأسر منهم خلقا كثيراً ورجع إلى دمشق ودخل السلطان الملك المظفر إلى دمشق يوم الأحد رابع شوال فأقام بها إلى أن خرج منها طالبا للديار المصرية ووصل إلى دمشق إلى خدمة الملك المظفر الملك الأشرف صاحب حمص والملك المنصور صاحب حماة فأنعم عليهما وأكرمهما غاية الإكرام وممن قتل بعد المعركة الملك السعيد حسن بن الملك العزيز عثمان ابن العادل صاحب الصبيبة وبانياس بقي محبوساً بقلاع الشام بعد موت الملك الصالح أيوب وابنه المعظم توران شاه
وكسرت الفرنج بالديار المصرية سنين كثيرة آخرها بقلعة البيرة على الفرات فلما وصل التتر إليها أخرجوه وصار معهم ثم قدم مع مقدمهم كتبغانوين إلى دمشق وحضر فتح قلعتها وتسلم بلاده فلما قدم العسكر المصري في هذه الكرة قاتل مع التتار فلما وقعت الكسرة عليهم جاء إلى الملك المظفر فلم يقبله وقال له لولا الكسرة ما جئت إلي وأمر به فقتل ووصل كتاب السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز إلى دمشق من طبرية تاريخه يوم الأحد السابع والعشرين من شهر رمضان وهو أول كتاب وصل منه إلى أهل دمشق يخبرهم بهذه الكسرة الميمونة العظيمة وبوصوله إليهم بعدها.
ومن العجائب أن التتار كسروا وأهلكوا بأبناء جنسهم من الترك وعمل الشيخ شهاب الدين أبو شامة في ذلك شعراً:
غلب التتار على البلاد فجاءهم
…
من مصر تركي يجود بنفسه
بالشام بددهم وفرق شملهم
…
ولكل شيء آفة من جنسه
ولبعض شعراء دمشق أيضاً:
هلك الكفر في الشآم جميعاً
…
واستجد الإسلام بعد دحوضه
بالمليك المظفر الملك الأر
…
وع سيف الإسلام عند نهوضه
ملك جاءنا بعزم وحزم
…
فاعتززنا بسمره وببيضه
أوجب الله شكر ذاك علينا
…
دائماً مثل واجبات فروضه
ومما حكى ابن الجزري في تاريخه عن الملك المظفر قطز قال لما كان في رق ابن الزعيم بدمشق بالقصاعين اتفق أن أستاذه بعض الأيام غضب عليه ولطمه على وجهه ولعن واليه وأبوه وجده فقعد يبكي وينتحب كثيراً وحضر الطعام فلم يأكل منه شيئاً وبقي ذلك اليوم طول نهاره يبكي ثم أن استاذه ركب بين الصلاتين إلى الخدمة وأوصى به إلى الفراش وقال له أطعم قطز واعتبه واسترضه هذه صورة ما حكى الحاج على الفراش قال فجئت إليه بعد ركوب أستاذه فقلت له ما هذا البكاء العظيم من لطمة أو لطشة تعمل هذا كله لو ضربت ألف عصاة أو ألف دبوس أو جرحت بالسيف ما عملت هذا كله ولا بعضه فقال والله ما بكائي وغيظي من أجل لطشة إنما غيظي من لعنته أبواي وجدي وأبواي خير منه ومن أبوه وجده فقلت له من أنت ومن أبيك قطعة مملوك تركي كافر بن كافرين فقال والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلمين أنا محمود بن ممدود ابن اخت خوارزم شاه من أولاد الملوك قال فسكت وطايبته وتقلبت به الأحوال إلى أن ملك مصر والشام ولما ملك دمشق أحسن إلى الحاج على الفراش وأعطاه خمسمائة دينار مصرية.
وحكى المذكور أيضاً قال حكى لي الحاج أبو بكر المعروف بابن الدريهم الأسعردي الحاج زكي الدين إبراهيم الجزري المعروف بالجيلي استاذ الفارس أقطاي قال كنا عند الأمير سيف الدين قطز لما ملك أستاذه المعز فقد حضر عنده منجم ورد من بلاد الغرب وهو موصوف بالحذاقة والمعرفة في علم الرمل وعلم الفلك فأمر أكثر حاشيته بالإنصراف فانصرفوا وكنا نحن من أكابر أصحابه وأتباعه فجئنا حتى نقوم فأمرنا بالقعود وما ترك عنده إلا من يثق إليه في خواصه....... أنه صرف أكثر مماليكه وقال للمنجم أضرب فضرب وعمل صناعته وحدثه بأكثر ما كان في نفسه ثم آخر ما قال له أضرب وأبصر من يملك بعد أستاذي ومن يكسر التتر ومن يكون هلاكهم على يديه قال فضرب وبقي زماناً يحسب وهو مفكر يعد على أصابعه فقال ياخوند يطلع معي خمس حروف بلاب نقط وأبو هذا أيضاً خمس حروف بلاب نقط وأسمك يا خوند ثلاث حروف وكذلك ولد السلطان علي وفي الضرب خمسة بلا نقط فقال له لما لا تقول محمود بن ممدود فقال له المنجم يا خوند ولا يقع غير هذا الإسم فقال له أنا محمود ابن ممدود وأنا الذي أكسر التتر وآخذ بثأر خالي خوارزم شاه قالوا فتعجبنا من كلامه وفرحنا وقلنا إن شاء الله تعالى يكون هذا يا خوند ثم أننا استكتمنا هذا الأمر وأعطى المنجم ثلاث مائة درهم وصرفه
ثم قدر الله تعالى تملكه وكسره للتتر خذلهم الله تعالى.
وفيها توجه الملك المظفر إلى مصر وترك الأمير علم الدين سنجر الحلبي نائباً بدمشق وبحلب الملك المظفر علي بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ثم رجع طالب الديار المصرية في يوم الثلاثاء سادس عشرين شوال وقد نقل الصاحب عز الدين بن شداد في سيرة الملك الظاهر أن الملك المظفر لما ملك دمشق كان عازماً على التوجه إلى بلد حلب ليغسل عنها بالتفقد لها وضر التتر فوشى إليه واش أن الملك الظاهر تنكر له...... عليه وأنه عازم على مسكه فصرف وجه توجهه عن قصده وعزم للتوجه إلى مصر مضمرا للظاهر سوءاً أسره الى بعض خواصه فأطلع عليه الأمير ركن الدين البندقداري فخرجوا من دمشق يوم الثلاثاء سادس عشر من شوال ولم تزل الضغائن والحقود تتراءى في صفحات العيون والخدود وكل منهما يحترس من صاحبه بجنة الخداع ويترقب فرصة تقف الروح من الجسد بانتهازها على سنية الوداع إلى أن جمع رأي الظاهر على قتله واتفق مع الأمير سيف الدين بهادر المعزي والأمير بدر الدين بكتوت الجوكنداري المعزي والأمير سيف الدين بيدغان الركني والأمير سيف الدين بلبان الهاروني والأمير علاء الدين أنس الأصبهاني فلما قارب القصير بين الغرابي والصالحية انحرف عن الدرب للصيد فلما قضى وطره وعاد إلى الدهليز سايره
الظاهر وأصحابه وطلب منه إمرأة من سبي التتر فأنعم له بها فأخذ يده ليقبلها وكنت تلك إشارة بينه وبين من اتفق معه فلما رآه قد قبض على يده بادره الأمير بدر بن بكتكوت على عاتقه بالسيف فأبانه ثم أختطفه الأمير علاء الدين أنس وألقاه عن فرسه ثم رماه الأمير سيف الدين بهادر بسهم أتى على روحه وذلك يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة ثم ساروا إلى الدهليز فأجالوا قداح الرأي بينهم فيمن يملكوه عليهم ويسلموا إليه قيادتهم ويصونوا بمواضي عزمه حريمهم وأولادهم فوقع اتفاقهم على الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فتقدم الأمير فراس الدين أقطاي المعروف بالأتابك فبايعه وحلف له ثم الأمير سيف الدين بلبان الرشيدي ثم الأمراء على طبقاتهم ونعت بالملك القاهر ثم في الحالة الراهنة قال له الأمير فارس الدين الأتابك لا يتم لك الملك إلا بدخولك الى قلعة الجبل فركب هو والأمير فارس الدين الأتابك والأمير بدر الدين بيسري الشمسي والأمير سيف الدين قلاوون الألفي والأمير بدر الدين بيليك الخزندار وجماعة من خواصه وقصد قلعة القاهرة ليسبق إليها من يطمع نفسه بالملك ورتب في مسيرة إلى القاهرة الأمير جمال الدين آقوش التجيبي أستاذ دار والأمير
عز الدين الأفرم أمير جندار والأمير حسام الدين لاجين الدرفيل والأمير سيف الدين بلبان الرومي في الدوادارية وأقر بهاء الدين على عادته أمير أخور ولقيه في طريقه الأمير عز الدين الحلي نائب السلطنة عن الملك المظفر وكان قد خرج للقاء الملك المظفر فأعلمه بصورة الحال وعرض عليه أن يحلف له فحلف ثم تقدم بين يديه إلى القلعة فلم يزل على بابها ينتظره حتى وصل إليها فدخلها وتسلمها والطالع السرطان وكانت القاهرة قد زينت لقدوم الملك المظفر والناس في جذل وسرور وفرح وحبور فلما أسفر الصبح وطلع النهار لم يشعر الناس إلا والمنادي ينادي يا معشر الناس رحمكم الله ترحموا على الملك المظفر وادعوا لسلطانكم الملك القاهر ركن الدين بيبرس فوجموا الناس لما به دهموا خوفاً من عود دولة البحرية إليهم وإلقاء كلكلها عليهم ثم سرى عنهم ما لحقهم بمواعيد برزت إليهم لأن الملك المظفر كان قد أحدث على أهل مصر حوادث كثيرة في هذه السنة سنة ثمان وخمسين منها تسقيع الأملاك وتقويمها وزكاتها وأخذ ثلث الزكاة وأخذ ثلث الترك ودينار عن كل إنسان ومضاعف الزكاة ومبلغ ذلك في السنة ستمائة ألف دينار فأطلقه لهم الملك الظاهر وكتب بذلك توقيع وفرحوا غاية الفرح ولما اسفرت الليلة التي وصل فيها عن يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة جلس في إيوان القلعة حيث تجلس الملوك وكان الوزير يومئذ زين الدين ابن زبير وكان فاضلاً في الأدب والترسل
وعلم التاريخ وغيره فأشار بتغيير هذا اللقب وقال ما لقب به أحد فأفلح لقب به القاهر ابن المعتضد فلم تطل إمامته وخلع وسمل ولقب به الملك القاهر بن صاحب الموصل فسم ولم تزد أيامه في المملكة على سبع سنين فأبطل اللقب الأول الملك القاهر ولقب نفسه بالملك الظاهر وكتب إلى الملك الأشرف صاحب حمص وإلى الملك المنصور صاحب
حماة وإلى الامير مظفر الدين عثمان بن منكوس صاحب صهيون وإلى الإسماعيلية وإلى المظفر علاء الدين علي بن لؤلؤبن بدر الدين بحلب وإلى الأمير علم الدين الحلبي النائب بدمشق ولما بلغ الأمير علم الدين سنجر الحلبي قتل المظفر وتملك الظاهر للبلاد رغبت نفسه عن الأنقياد فجمع من كان عنده من الأمراء الذين رتبهم معهم الملك المظفر وأعيان دمشق من ذوي الحل والعقد وألزمهم بالحلف له على أن يكونوا في طاعته فأجابه بعض الأمراء ظاهراً ووافقه الباقون فلما استتب له مراده نعت نفسه بالملك المجاهد فكتب إلى النواب المسلمين القلاع الشامية وطلب تسليمها منهم إليه فمنهم من أجاب ومنهم من أبى وبعث إلى الأشرف صاحب حمص وإلى المنصور صاحب حماة والي الأمراء العزيزية بحلب يستميلهم إليه ويرغبهم في طاعته. ماة وإلى الامير مظفر الدين عثمان بن منكوس صاحب صهيون وإلى الإسماعيلية وإلى المظفر علاء الدين علي بن لؤلؤبن بدر الدين بحلب وإلى الأمير علم الدين الحلبي النائب بدمشق ولما بلغ الأمير علم الدين سنجر الحلبي قتل المظفر وتملك الظاهر للبلاد رغبت نفسه عن الأنقياد فجمع من كان عنده من الأمراء الذين رتبهم معهم الملك المظفر وأعيان دمشق من ذوي الحل والعقد وألزمهم بالحلف له على أن يكونوا في طاعته فأجابه بعض الأمراء ظاهراً ووافقه الباقون فلما استتب له مراده نعت نفسه بالملك المجاهد فكتب إلى النواب المسلمين القلاع الشامية وطلب تسليمها منهم إليه فمنهم من أجاب ومنهم من أبى وبعث إلى الأشرف صاحب حمص وإلى المنصور صاحب حماة والي الأمراء العزيزية بحلب يستميلهم إليه ويرغبهم في طاعته.
وفي العشر الأخير من ذي القعدة رسم الأمير علم الدين الحلبي بتجديد عمارة قلعة دمشق وزفت بالمغاني والطبول والبوقات وفرح أهل دمشق بذلك وحضر أمراء الدولة وخلع على الصناع والنقباء