المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني في حقيقة الرياء لغة وشرعا وما يتعلق به - رسالة إنقاذ الهالكين في حكم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن الكريم

[البركوي]

الفصل: ‌المبحث الثاني في حقيقة الرياء لغة وشرعا وما يتعلق به

‌المبحث الثاني في حقيقة الرياء لغة وشرعاً وما يتعلق به

اعلم أن الرياء بالمد في اللغة مصدر رآه على فاعله، أي أراه خلاف ما عليه (1).

وفي الشرع إرادة نفع الدنيا بعمل الآخرة (2).

والمراد بنفع الدنيا، الحظ العاجل، أعني قبل الموت سواء أراده من الله تعالى أو من الناس ، قال الله تعالى:(مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)(3) فليس الاعتبار بلفظة (4) الرياء واشتقاقها من الرؤية، وإنما سميت هذه الإرادة الفاسدة بهذا الاسم، لأنها أكثر ما يقع من قبل الناس ورؤيتهم، كذا قال الإمام حجة الإسلام (5) في منهاج العابدين (6).

(1) انظر المصباح المنير ص247، لسان العرب مادة رأي 5/ 84 فما بعدها.

(2)

انظر تعريف الرياء اصطلاحاً في: مختصر منهاج القاصدين ص223، إحياء علوم الدين 3/ 290، التعريفات ص60، فتح الباري 11/ 408.

(3)

سورة الشورى، الآية 20.

(4)

في ط بلفظ.

(5)

هو محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي، الإمام الفقيه الأصولي المتكلم المشهور، من مصنفاته المستصفى في علم الأصول، إحياء علوم الدين، تهافت الفلاسفة توفي سنة 505هـ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 19/ 322، طبقات الشافعية الكبرى 6/ 191.

(6)

ص 158 - 159.

ص: 53

ويؤيده أن الرياء ضد الإخلاص، كما أن التكبر ضد التواضع والحسد ضد النصيحة (1) والإخلاص هو إرادة نفع الآخرة بعملها فقط. وإن شئت قلت إرادة التقرب إلى الله تعالى بطاعته دون شيء آخر.

قال القشيري (2) في رسالته: [الإخلاص إفراد الحق في الطاعة بالقصد وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر]. انتهى (3).

ولا ضير في كونهما شافعيين (4)، إذ الرياء والإخلاص من الأخلاق، لا من أعمال الجوارح، فلا يكون من الفقه المصطلح (5).

والفقهاء لم يتكلفوا ببيان جميع ما لزم العبد، بل العلوم التي هي فرض عين (6) ثلاثة: علم التوحيد مقدار ما يعرف به ذات الله تعالى

(1) نهاية 8/أ.

(2)

في ط القشير وهو خطأ، والقشيري هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك الخراساني النيسابوري المفسر الزاهد المعروف له التيسير في علم التفسير، لطائف الشذرات، الرسالة القيشيرية توفي سنة 465هـ انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 18/ 227.

(3)

الرسالة القشيرية ص114.

(4)

يشير بذلك إلى الغزالي والقشيري، وعبارة المصنف تفوح منها رائحة التعصب المذهبي إذ هو حنفي وهما شافعيان!!؟

(5)

الفقه المصطلح أي في اصطلاح الفقهاء هو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، أو هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، انظر المعتمد 1/ 8، المستصفى 1/ 4، الإحكام للآمدي 1/ 6، شرح الورقات ص68، بيان معاني البديع 1/ 1/96.

(6)

فرض العين ما طلب الشارع فعله من كل مكلف على سبيل الحتم والإلزام، انظر شرح الكوكب المنير 1/ 374، الفروق 1/ 116 - 117 تهذيب الأسماء واللغات 2/ 2/71.

ص: 54

وصفاته على ما يليق به تعالى، وتصديق نبيه صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به من عند الله تعالى (1).

وعلم الأخلاق مقدار ما يحصل به تعظيم الله تعالى، وإخلاص عمله وإصلاحه (2).

وعلم الفقه مقدار ما يتعين عليه فعله أو تركه (3).

والباحثون عن الأول هم المتكلمون (4)، وعن الثاني هم (5) المتصوفون (6)، وعن الثالث الفقهاء.

وإن أبيت إطلاق الرياء على ما لم يوجد فيه إراءة (7) العمل، كمن استأجر رجلاً على مال معلوم (8) ليصلي ركعتين، أو يصوم يوماً ويعطي ثوابه له أو لواحد من أقرباءه، فلا شبهة في إلحاقه بالرياء في الحكم الشرعي، إذ مضرة الرياء وقبحه ليس إلا لإخلاله بالإخلاص وهو مشترك بينهما.

(1) انظر كشف الظنون 2/ 424.

(2)

انظر في تعريف علم الأخلاق كشف الظنون 1/ 91.

(3)

انظر كشف الظنون 2/ 258.

(4)

هم علماء الكلام.

(5)

ليست في ط.

(6)

المتصوفون هم أتباع الطرق الصوفية وهي كثيرة وأغلبهم أهل بدع وخرافات، والتصوف له تعريفات عديدة، انظر التعريفات ص32، الموسوعة الميسرة ص341، مظاهر الانحرافات العقدية 1/ 28.

(7)

في ط إرادة.

(8)

نهاية 8/ب.

ص: 55

ويدل على هذا ما ذكرنا من الآيات والأخبار، فمن اشتغل بشيء من الآيات والأذكار

والأدعية، لحفظ نفسه أو لواحد من أصدقاءه من الآفات الدنيوية، أو لقهر العدو، فإن كان مراده من الحفظ والقهر، التفرغ للعبادة والتمكن من تأييد مذهب (1) أهل الحق، والرد على أهل البدع ونشر العلم، وحث (2) الناس على العبادة، ونحو ذلك، فهذه كلها إرادة سديدة، ونيات محمودة، لا يدخل شيء منها في باب الرياء، إذ المقصود منها أمر الآخرة بالحقيقة.

قال الإمام حجة الإسلام في منهاج العابدين: [اعلم أنني سألت بعض مشايخنا عما

(1) ليست في ط.

(2)

في ط وحصن وهو خطأ.

ص: 56

يعتاده أولياؤنا من قراءة سورة الواقعة في أيام العسر (1)، أليس المراد بذلك أن يدفع الله تعالى تلك الشدة عنهم (2) ويوسع عليهم بشيء (3) من الدنيا، على ما جرت به العادة، فكيف يصح إرادة متاع الدنيا بعمل الآخرة؟

فقال في جوابه كلاماً معناه: أن المراد منه أن يرزقهم الله تعالى قناعة أو قوتاً (4) يكون لهم عدة على عبادة الله تعالى، وقوة على درس العلم، وهذه من جملة إرادة الخير دون الدنيا] (5) انتهى.

وإن كان مراده منهما، التلذذ والتنعم بالدنيا، أو شرف النفس والرئاسة، فهذه رياء محظور. وكذا الدعاء لمن أنعم عليك من الناس أو (6) قراءة القرآن لروحه أو لروح

(1) وردت بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في قراءة سورة الواقعة لدفع الفاقة منها ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً) رواه الحارث بن أبي أسامة وابن السني وغيرهما وقال الألباني ضعيف، ثم ذكر حديثين آخرين موضوعين في ذلك، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 304 - 306، عمل اليوم والليلة لابن السني ص413، تفسير ابن كثير 6/ 79 - 80، إتحاف السادة المتقين 5/ 154، الفوائد المجموعة ص311.

(2)

نهاية 9/أ.

(3)

في ط شيء وهو خطأ.

(4)

في ط قوة.

(5)

منهاج العابدين ص 159.

(6)

في ط و.

ص: 57

أبويه (1) مثلاً إن (2) أردت به امتثال (3) قوله تعالى (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)(4) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)(5) فذلك محمود.

وإن أردت استمالة قلبه، ليزيد إنعامه ويتلذذ به (6) فذلك رياء محظور، وقس على هذا التصدق لِدفع البلاء ونحوه، فمناط الفرق هو النية والعزيمة، (فالله (7) تعالى لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم (8) وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم) (9)، (إنما الأعمال بالنيات ولكل (10) امرئ ما نوى) (11) 0).

(1) اختلف أهل العلم في وصول ثواب تلاوة القرآن للميت فمنعه جماعة وأجازه آخرون قياساً على وصول ثواب بعض الأعمال التي وردت بها النصوص، والمؤلف مشى على القول بالجواز، انظر تفصيل المسألة في الفروق 3/ 193، الروح لابن القيم ص142 - 143، تفسير المنار 8/ 249، فتاوى العقيدة ص452 - 454.

(2)

في ط إني.

(3)

في ط امتثالاً.

(4)

سورة الرحمن: الآية 60.

(5)

رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، سنن الترمذي 4/ 339، ورواه أبو داود في سننه بنحوه 4/ 255، ورواه أحمد في المسند في مواضع كثيرة، ورواه ابن حبان في صحيحه 8/ 198، وقال الألباني صحيح، صحيح سنن الترمذي 2/ 185، السلسلة الصحيحة ج1 الحديث رقم 417.

(6)

ليست في أ.

(7)

في ط فإن الله.

(8)

في ط وأجساتكم وهو خطأ.

(9)

رواه مسلم 4/ 1986 بلفظ (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وليس في شيء من كتب الحديث لفظة (ونياتكم) التي ذكرها المؤلف.

(10)

نهاية 9/ب.

(11)

رواه البخاري 1/ 3، ورواه مسلم 3/ 1515.

ص: 58