المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[خلق الإنسان وتكريمه] - الإسلام أصوله ومبادئه - جـ ٢

[محمد بن عبد الله بن صالح السحيم]

فهرس الكتاب

- ‌[خلق الكون]

- ‌[خلق الإنسان وتكريمه]

- ‌[مكانة المرأة]

- ‌[حكمة خلق الإنسان]

- ‌[حاجة البشر إلى الدين]

- ‌[ضوابط الدين الحق]

- ‌[أقسام الديانات]

- ‌[حال الديانات القائمة]

- ‌[حقيقة النبوة]

- ‌[آيات النبوة]

- ‌[حاجة الناس إلى الرسل]

- ‌[المعاد]

- ‌[أصول دعوة الرسل]

- ‌[الرسالة الباقية]

- ‌[ختم النبوة]

- ‌[معنى كلمة الإسلام]

- ‌[حقيقة الإسلام]

- ‌[حقيقة الكفر]

- ‌[أصول الإسلام ومصادره]

- ‌[من مصادر الإسلام القرآن العظيم]

- ‌[من مصادر الإسلام السنة النبوية]

- ‌[مراتب الدين]

- ‌[المرتبة الأولى]

- ‌[شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من مراتب الدين الصلاة]

- ‌[من مراتب الدين الزكاة]

- ‌[من مراتب الدين الصيام]

- ‌[من مراتب الدين الحج]

- ‌[المرتبة الثانية]

- ‌[الإيمان بالله]

- ‌[الإيمان بالملائكة]

- ‌[الإيمان بالكتب]

- ‌[الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم]

- ‌[الإيمان باليوم الآخر]

- ‌[الإيمان بالقضاء والقدر]

- ‌[المرتبة الثالثة]

- ‌[من محاسن الإسلام]

- ‌[التوبة]

- ‌[عاقبة من لم يلتزم بالإسلام]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[خلق الإنسان وتكريمه]

[خلق الإنسان وتكريمه]

خلق الإنسان وتكريمه قضى الله أن يخلق خلقا جديرا بعمارة هذا الكون، فكان هذا المخلوق هو الإنسان، واقتضت حكمته سبحانه أن تكون المادة التي يخلق منها الإنسان هي الأرض، وبدا خلقه من طين، ثم صوره على هذه الصورة الحسنة التي عليها الإنسان، فلما استوى متكاملا في شكله نفخ فيه من روحه، فإذا هو إنسان في أحسن تقويم، يسمع ويبصر ويتحرك ويتكلم، فأسكنه ربه جنته، وعلمه كل ما يحتاج إلى معرفته، وأباح له كل ما في هذه الجنة، ونهاه عن شجرة واحدة - ابتلاء وامتحانا - وأراد الله أن يظهر منزلته ومكانته، فأمر ملائكته بالسجود له، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس امتنع عن السجود تكبرا وعنادا، فغضب عليه ربه، لمخالفة أمره، وطرده من رحمته، لأنه تكبر عليه، فطلب إبليس من ربه أن يمد في عمره وأن يمهله إلى يوم القيامة، فأمهله ربه ومد في عمره إلى يوم القيامة، وحسد الشيطان آدم عليه السلام لما فضل عليه هو وذريته، وأقسم بربه أن يغوي جميع بني آدم، وأنه سيأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، إلا عباد الله المخلصين الصادقين المتقين، فإن الله عصمهم من كيد الشيطان ومكره، وحذر الله آدم عليه السلام من كيد الشيطان، فوسوس

ص: 34

الشيطان لآدم عليه السلام وزوجه حواء، ليخرجهما من الجنة، وليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، وأقسم لهما إني لكما ناصح، وأن الله لم ينهكما عن تلك الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.

فأكلا من تلك الشجرة التي نهى الله عنها، فكان أول ما أصابهما من عقوبة على مخالفة أمر الله أن بدت لهما سوآتهما، فذكرهما ربهما بتحذيره لهما من كيد الشيطان، فاستغفر آدم عليه السلام ربه، فغفر له وتاب عليه واجتباه وهداه، وأمره أن يهبط من الجنة التي كان يسكنها إلى الأرض، إذ هي مستقره، وفيها متاعه إلى حين، وأخبره أنه منها خلق وعليها يعيش وفيها يموت، ومنها يبعث.

فهبط آدم عليه السلام إلى الأرض هو وزوجه حواء، وتناسلت ذريتهما، وكانوا يعبدون الله وفق ما أمرهم، إذ كان آدم عليه السلام نبيا.

وقد أخبرنا الله هذا الخبر فقال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ - قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ - قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ - قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ - قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 11 - 15] 36 {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ - ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ - قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ - وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ - فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ - وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ - فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ - قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ - قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ - قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: 16 - 25](1) .

وحينما تتأمل عظيم صنع الله لهذا الإنسان، حيث خلقه في أحسن تقويم، وألبسه خلع الكرامة كلها من العقل، والعلم، والبيان، والنطق، والشكل، والصورة الحسنة، والهيئة الشريفة، والجسم المعتدل، واكتساب العلوم بالاستدلال والفكر، واقتناص الأخلاق الشريفة الفاضلة من البر، والطاعة، والانقياد، فكم بين حاله وهو نطفة داخل الرحم مستودع هناك، وبين حاله والملك يدخل

(1) سورة الأعراف، الآيات: 11 - 25.

ص: 35

عليه في جنات عدن؟ {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14](1) .

فالدنيا قرية، والإنسان ساكنها والكل مشغول به، ساع في مصالحه، والكل قد أقيم في خدمته وحوائجه، فالملائكة الموكلون به يحفظونه آناء الليل وأطراف النهار، والموكلون بالقطر والنبات يسعون في رزقه ويعملون فيه، والأفلاك سخرت منقادة دائرة بما فيه مصالحه، والشمس والقمر والنجوم مسخرات جاريات بحساب أزمنته وأوقاته وإصلاح رواتب أقواته، والعالم الجوي مسخر له برياحه وهوائه، وسحابه وطيره وما أودع فيه، والعالم السفلي كله مسخر له، مخلوق لمصالحه، أرضه وجباله، وبحاره وأنهاره، وأشجاره وأثماره، ونباته وحيوانه، وكل ما فيه كما قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ - وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ - وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 32 - 34](2) ومن تمام تكريمه أن خلق له جميع ما يحتاج إليه في حياته الدنيا، وما يحتاج إليه من الوسائل التي تبلغه الدرجات العلى في الدار الآخرة، فأنزل إليه كتبه، وأرسل إليه رسله، يبينون له شرع الله ويدعونه إليه.

(1) سورة المؤمنون، الآية:14.

(2)

مفتاح دار السعادة، جـ 1، ص: 327، 328، والآيات من سورة إبراهيم، 32 - 34.

ص: 37

ثم خلق له من نفسه - أي من نفس آدم عليه السلام زوجا يسكن إليه، ملبيا لحاجاته الفطرية - نفسية وعقلية وجسدية - بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة، لأن تركيبهما الجسدي والنفسي والعصبي ملحوظ فيه تلبية وغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما لإنشاء جيل جديد، وأودعت نفوسهما هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارا للحياة والمعاش، وأنسا للأرواح والضمائر، واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء.

واختص الله المؤمنين من بين بني الإنسان، فجعلهم أهل ولايته، استخدمهم في طاعته، يعملون له وفق شريعته، ليكونوا أهلا لمجاورة ربهم في جنته، اصطفى منهم الأنبياء والمرسلين والأولياء والشهداء، ومنحهم في هذه الدنيا أعظم نعمة تنعم بها النفوس ألا وهي عبادة الله وطاعته ومناجاته، واختصهم بنعم عظيمة - لا يجدها غيرهم - منها الأمن والطمأنينة والسعادة، بل أعظم من ذلك أنهم يعلمون الحق الذي جاء به المرسلون ويؤمنون به، وادخر لهم - في الدار الآخرة - من النعيم المقيم والفوز العظيم ما يليق بكرمه سبحانه، ويكافئ إيمانهم به وإخلاصهم له، بل ويزيدهم من فضله.

ص: 38