الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حقيقة النبوة]
حقيقة النبوة إن أعظم ما يجب على الإنسان أن يعلمه في هذه الحياة معرفة ربه الذي أوجده من عدم، وأسبغ عليه النعم، وإن أعظم غاية خلق الله الخلق لأجلها هي عبادته وحده سبحانه.
ولكن كيف يعرف الإنسان ربه حق معرفته وما يجب له من الحقوق والواجبات؟ وكيف يعبد ربه؟ إن الإنسان يجد من يعينه على نوائب دهره، ويقضي له مصالحه من علاج مرض، وتقديم دواء، وإعانة على بناء مسكن وما شابه ذلك، ولكنه لن يجد في سائر الناس من يعرفه بربه، ويبين له كيف يعبد ربه، لأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة مراد الله منها، إذ العقل البشري أضعف من أن يدرك مراد بشر مثله قبل أن يخبره بمراده، فكيف بمعرفة مراد الله؟ ولأن هذه المهمة مقصورة على الرسل والأنبياء الذين يصطفيهم الله لإبلاغ الرسالة، وعلى من بعدهم من أئمة الهدى ورثة الأنبياء، الذين يحملون منهاجهم، ويقتفون آثارهم، ويبلغون عنهم رسالتهم، لأن البشر لا يمكن أن يتلقوا عن الله مباشرة، وهم لا يستطيعون ذلك، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51](1) فلا بد من واسطة وسفير يبلغ عن الله شرعه إلى
(1) سورة الشورى، الآية:51.
عباده، وهؤلاء السفراء والوسطاء هم الرسل والأنبياء، فيحمل الملك رسالة الله إلى النبي، فيبلغها الرسول إلى الناس، ولا يحمل الملك الرسالات إلى الناس مباشرة، لأن عالم الملائكة يختلف عن عالم الناس في طبيعته، قال تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75](1) .
وقد اقتضت حكمته - سبحانه - أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم، ليفقهوا عنه، ويفهموا منه لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته، ولو بعث الرسول من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه (2) وقال تعالى:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ - وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 8 - 9](3) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] إلى أن قال جل ثناؤه: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21](4) .
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [النحل: 43](5) وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4](6)
(1) سورة الحج، الآية:75.
(2)
تفسير القرآن العظيم، تأليف أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، جـ 3، ص:64.
(3)
سورة الأنعام، الآيتان: 8، 9.
(4)
سورة الفرقان، الآيتان: 20، 21.
(5)
سورة النحل الآية: 43.
(6)
سورة إبراهيم، الآية:4.
ويتصف هؤلاء الرسل والأنبياء بكمال العقل، وسلامة الفطرة، والصدق في القول والعمل، والأمانة في تبليغ ما عهد إليهم، والعصمة من كل ما يشوه السيرة البشرية، وسلامة الأبدان مما تنبو عنه الأبصار، وتنفر منه الأذواق السليمة (1) وقد زكاهم الله في أنفسهم وأخلاقهم، فهم أكمل الناس خلقا، وأزكاهم أنفسا، وأكرمهم يدا، جمع الله لهم مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، كما جمع لهم الحلم والعلم، والسماحة والكرم والجود، والشجاعة والعدل حتى تميزوا في هذه الأخلاق بين أقوامهم، فهؤلاء قوم صالح عليه السلام يقولون له - كما أخبر الله تعالى عنهم -:{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود: 62](2) وقال قوم شعيب لشعيب عليه السلام: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87](3) واشتهر محمد صلى الله عليه وسلم في قومه بلقب " الأمين " قبل أن تتنزل عليه الرسالة، ووصفه ربه - جل وعلا - بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4](4) .
فهم خيرة الله من خلقه، اصطفاهم واختارهم لحمل الرسالة
(1) انظر: لوامع الأنوار البهية، جـ 2، ص: 265، والإسلام تأليف أحمد شلبي، ص:114.
(2)
سورة هود، الآية 62.
(3)
سورة هود، الآية:87.
(4)
سورة القلم، الآية:4.
وتبليغ الأمانة، قال تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124](1) وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33](2) .
وهؤلاء الرسل والأنبياء عليهم السلام على الرغم مما وصفهم الله به من صفات سامية، وما اشتهروا به من صفات عالية، إلا أنهم بشر يعتريهم ما يعتري سائر البشر، فهم يجوعون ويمرضون وينامون ويأكلون ويتزوجون ويموتون، قال تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30](3) وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38](4) بل ربما اضطهدوا أو قتلوا أو أخرجوا من ديارهم، قال تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30](5) ولكن العاقبة والنصر والتمكين لهم في الدنيا والآخرة: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40](6) وقال سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21](7) .
(1) سورة الأنعام، الآية:124.
(2)
سورة آل عمران، الآية:33.
(3)
سورة الزمر، الآية:30.
(4)
سورة الرعد، الآية:38.
(5)
سورة الأنفال، الآية:30.
(6)
سورة الحج، الآية:40.
(7)
سورة المجادلة، الآية:21.