المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[خلق الكون]

- ‌[خلق الإنسان وتكريمه]

- ‌[مكانة المرأة]

- ‌[حكمة خلق الإنسان]

- ‌[حاجة البشر إلى الدين]

- ‌[ضوابط الدين الحق]

- ‌[أقسام الديانات]

- ‌[حال الديانات القائمة]

- ‌[حقيقة النبوة]

- ‌[آيات النبوة]

- ‌[حاجة الناس إلى الرسل]

- ‌[المعاد]

- ‌[أصول دعوة الرسل]

- ‌[الرسالة الباقية]

- ‌[ختم النبوة]

- ‌[معنى كلمة الإسلام]

- ‌[حقيقة الإسلام]

- ‌[حقيقة الكفر]

- ‌[أصول الإسلام ومصادره]

- ‌[من مصادر الإسلام القرآن العظيم]

- ‌[من مصادر الإسلام السنة النبوية]

- ‌[مراتب الدين]

- ‌[المرتبة الأولى]

- ‌[شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من مراتب الدين الصلاة]

- ‌[من مراتب الدين الزكاة]

- ‌[من مراتب الدين الصيام]

- ‌[من مراتب الدين الحج]

- ‌[المرتبة الثانية]

- ‌[الإيمان بالله]

- ‌[الإيمان بالملائكة]

- ‌[الإيمان بالكتب]

- ‌[الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم]

- ‌[الإيمان باليوم الآخر]

- ‌[الإيمان بالقضاء والقدر]

- ‌[المرتبة الثالثة]

- ‌[من محاسن الإسلام]

- ‌[التوبة]

- ‌[عاقبة من لم يلتزم بالإسلام]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[ضوابط الدين الحق]

[ضوابط الدين الحق]

ضوابط الدين الحق كل صاحب ملة يعتقد أن ملته هي الحق، وكل أتباع دين يعتقدون أن دينهم هو الدين الأمثل والمنهج الأقوم، وحينما تسأل أتباع الأديان المحرفة أو أتباع الملل البشرية الوضعية عن الدليل على اعتقادهم، فيحتجون بأنهم وجدوا آباءهم على طريقة، فهم على آثارهم مقتدون، ثم يذكرون حكايات وأخبارا لا يصح سندها، ولا يسلم متنها من العلل والقوادح، ويعتمدون على كتب متوارثة لا يعلم من قالها ولا من كتبها، ولا بأي لغة كتبت أول مرة، ولا في أي بلد وجدت، إنما هي أمشاج جمعت فعظمت فتوارثتها الأجيال دون تحقيق علمي يحرر السند، ويضبط المتن.

وهذه الكتب المجهولة والحكايات والتقليد الأعمى لا تصلح حجة في باب الأديان والعقائد، فهل كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية صحيحة أم باطلة؟

يستحيل أن يكون الجميع على حق، لأن الحق واحد لا يتعدد، ويستحيل أن تكون كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية من عند الله وأنها حق، وإذا تعددت - والحق واحد - فأيها الحق؟ إذا فلا بد من

ص: 54

ضوابط نعرف بها الدين الحق من الدين الباطل، فإذا وجدنا هذه الضوابط منطبقة على دين علمنا أنه الحق، وإذا اختلت هذه الضوابط أو واحد منها في دين علمنا أنه باطل.

الضوابط التي نميز بها بين الدين الحق والدين الباطل هي: الأول: أن يكون الدين من عند الله أنزله بواسطة ملك من الملائكة على رسول من رسله ليبلغه إلى عباده، لأن الدين الحق هو دين الله، والله - سبحانه - هو الذي يدين ويحاسب الخلائق يوم القيامة على الدين الذي أنزله إليهم، قال تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [النساء: 163](1) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25](2) وبناء على ذلك فأي دين يأتي به شخص ما وينسبه إلى نفسه لا إلى الله فهو دين باطل لا محالة.

الثاني: أن يدعو إلى إفراد الله سبحانه بالعبادة، وتحريم الشرك، وتحريم الوسائل المفضية إليه، لأن الدعوة إلى التوحيد هي أساس دعوة

(1) سورة النساء، الآية:163.

(2)

سورة الأنبياء، الآية:25.

ص: 55

جميع الأنبياء والمرسلين، وكل نبي قال لقومه:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73](1) وعليه فإن أي دين اشتمل على الشرك وأشرك مع الله غيره من نبي أو ملك أو ولي فهو دين باطل ولو انتسب أصحابه إلى نبي من الأنبياء.

الثالث: أن يكون متفقا مع الأصول التي دعت إليها الرسل من عبادة الله وحده، والدعوة إلى صراطه، وتحريم الشرك، وعقوق الوالدين، وقتل النفس بغير حق، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25](2) وقال جل ثناؤه: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151](3) وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45](4) .

الرابع: ألا يكون متناقضا ولا مختلفا بعضه مع البعض الآخر، فلا يأمر بأمر ثم ينقضه بأمر آخر، ولا يحرم شيئا ثم يبيح ما يماثله من غير

(1) سورة الأعراف، الآية:73.

(2)

سورة الأنبياء، الآية:25.

(3)

سورة الأنعام، الآية:151.

(4)

سورة الزخرف، الآية:45.

ص: 56

علة، ولا يحرم أمرا أو يجيزه لفرقة ثم يحرمه على أخرى، قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82](1) .

الخامس: أن يتضمن الدين ما يحفظ على الناس دينهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم وذرياتهم بما يشرع من الأوامر والنواهي والزواجر والأخلاق التي تحفظ هذه الكليات الخمس.

السادس: أن يكون الدين رحمة للخلق من ظلم أنفسهم وظلم بعضهم لبعض، سواء أكان هذا الظلم بانتهاك الحقوق، أم بالاستبداد بالخيرات، أم بإضلال الأكابر للأصاغر، قال - تعالى - مخبرا عن الرحمة التي ضمنها التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام:{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154](2) وقال سبحانه مخبرا عن مبعث عيسى عليه السلام: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً} [مريم: 21](3) وقال جل ثناؤه عن صالح عليه السلام: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} [هود: 63](4) وقال عز من قائل

(1) سورة النساء، الآية:82.

(2)

سورة الأعراف، الآية:154.

(3)

سورة مريم، الآية:21.

(4)

سورة هود، الآية:63.

ص: 57

عن القرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82](1) .

السابع: أن يتضمن الهداية إلى شرع الله، ودلالة الإنسان على مراد الله منه، وإخباره من أين أتى؟ وإلى أين المصير؟ قال تعالى مخبرا عن التوراة:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44](2) وقال عز شأنه عن الإنجيل: {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 46](3) وقال جل ثناؤه عن القرآن الكريم: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: 33](4) والدين الحق هو الذي يتضمن الهداية إلى شرع الله، ويحقق للنفس الأمن والطمأنينة، حيث يدفع عنها كل وسوسة، ويجيب عن كل تساؤل، ويبين عن كل مشكل.

الثامن: أن يدعو إلى مكارم الأخلاق والأفعال كالصدق والعدل والأمانة والحياء والعفاف والكرم، وينهى عن سيئها كعقوق الوالدين وقتل النفس وتحريم الفواحش والكذب والظلم والبغي والبخل والفجور.

التاسع: أن يحقق السعادة لمن آمن به، قال تعالى:{طه - مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1 - 2](5) وأن يكون متفقا مع الفطرة السوية: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30](6) متفقا مع العقل الصحيح

(1) سورة الإسراء، الآية:82.

(2)

سورة المائدة، الآية:44.

(3)

سورة المائدة، الآية:46.

(4)

سورة التوبة، الآية:33.

(5)

سورة طه، الآيتان:2.

(6)

سورة الروم، الآية:30.

ص: 58

لأن الدين الصحيح هو شرع الله، والعقل الصحيح هو خلق الله، ومحال أن يتناقض شرع الله وخلقه.

العاشر: أن يدل على الحق ويحذر من الباطل، ويرشد إلى الهدى وينفر من الضلال، وأن يدعو الناس إلى صراط مستقيم لا التواء فيه ولا اعوجاج، قال تعالى مخبرا عن الجن إنهم حينما سمعوا القرآن قال بعضهم لبعض:{يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: 30](1) فلا يدعوهم إلى ما فيه شقاؤهم قال تعالى: {طه - مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1 - 2](2) ولا يأمرهم بما فيه هلاكهم قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29](3) ولا يفرق بين أتباعه بسبب الجنس أو اللون أو القبيلة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13](4) فالمعيار المعتبر للتفاضل في الدين الحق هو تقوى الله.

وبعد أن استعرضت الضوابط التي تفرق بها بين الدين الحق والدين الباطل - واستشهدت لذلك بما جاء في القرآن الكريم مما يدل على أن هذه الضوابط عامة لكل الرسل الصادقين الذين أرسلوا من عند الله - فمن المناسب أن نستعرض أقسام الديانات.

(1) سورة الأحقاف، الآية:30.

(2)

سورة طه، الآيتان:2.

(3)

سورة النساء، الآية:29.

(4)

سورة الحجرات، الآية:13.

ص: 59