الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التوبة]
التوبة قال صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (1) والإنسان ضعيف في نفسه، وضعيف في همته وعزمه، ولا يستطيع أن يحتمل تبعة ذنبه وخطيئته، فخفف الله على الإنسان رحمة به، فشرع له التوبة، وحقيقة التوبة: ترك الذنب لقبحه - خوفا من الله، ورجاء لما أعده لعباده -، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما بقي من العمر بالأعمال الصالحة (2) فهي كما ترى عمل قلبي صرف بين العبد وبين ربه، لا تعب عليه ولا نصب، ولا معاناة عمل شاق، إنما هي عمل القلب، والإقلاع عن الذنب، وألا تعود إليه، وفي الامتناع ترك وراحة (3) .
فلا تحتاج لأن تتوب على يد بشر يفضح أمرك، ويكشف سترك ويستغل ضعفك؛ إنما هي مناجاة بينك وبين ربك، تستغفره وتستهديه فيتوب عليك.
فليس في الإسلام خطيئة موروثة، ولا مخلص منتظر من البشر، بل كما وجدها اليهودي النمساوي المهتدي محمد أسد حيث قال: " لم
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده، جـ 3، ص: 198، والترمذي في سننه في أبواب صفة القيامة، جـ 4، ص: 49، وابن ماجه في كتاب الزهد، جـ 4، ص:491.
(2)
المفردات في غريب القرآن، ص: 76، بتصرف يسير.
(3)
الفوائد، لابن القيم، ص:116.
أستطع أن أجد في أيما مكان في القرآن أيما ذكر لحاجة إلى " الخلاص " ليس هناك في الإسلام من خطيئة أولى موروثة تقف بين الفرد ومصيره؛ ذلك أنه {لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39](1) ولا يطلب من الإنسان أن يقدم قربانا أو يقتل نفسه لتفتح له أبواب التوبة ويتخلص من الخطيئة " (2) بل كما قال تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38](3) .
وللتوبة آثار وثمار عظيمة، نذكر منها: 1 - أن يعرف العبد سعة حلم الله وكرمه في ستره، وأنه لو شاء لعاجله على الذنب ولهتكه بين عباده، فلم يطب له معهم عيش، بل جلله بستره، وغشاه بحلمه، وأمده بالحول والقوة، والرزق والقوت.
2 -
أن يعرف حقيقة نفسه، وأنها نفس أمارة بالسوء، وأن ما صدر منها من خطيئة وذنب وتقصير فهو دليل على ضعف النفس وعجزها عن الصبر عن الشهوات المحرمة، وأنه لا غنى بها عن الله - طرفة عين - ليزكيها ويهديها.
3 -
شرع سبحانه التوبة ليستجلب بها أعظم أسباب سعادة العبد، وهو اللجوء إلى الله والاستعانة به، كما يستجلب بها أنواع الدعاء والتضرع والابتهال والفاقة والمحبة والخوف والرجاء، فتقرب النفس من خالقها قربا خاصا لم يكن ليحصل لها بدون التوبة واللجوء إلى الله.
(1) سورة النجم، الآية:39.
(2)
الطريق إلى الإسلام، محمد أسد، ص: 140، بتصرف يسير.
(3)
سورة النجم، الآية:38.
4 -
أن يغفر الله له ما سلف من ذنبه، قال تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38](1) .
5 -
أن تبدل سيئات الإنسان حسنات، قال تعالى:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70](2) .
6 -
أن يعامل الإنسان بني جنسه - في إساءتهم إليه، وزلاتهم معه - بما يحب أن يعامله الله به في إساءته وزلاته وذنوبه، فإن الجزاء من جنس العمل، فإذا عامل الناس بهذه المعاملة الحسنة تعرض لمثلها من ربه تعالى، وأنه سبحانه يقابل إساءته وذنوبه بإحسانه، كما كان هو يقابل إساءة الخلق إليه.
7 -
أن يعلم أن نفسه كثيرة الزلات والعيوب، فيوجب له ذلك الإمساك عن عيوب الخلق، ويشتغل بإصلاح نفسه عن التفكر في عيوب الآخرين (3) .
وأختم هذه الفقرة بخبر رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله ما تركت حاجة ولا داجة إلا قد أتيت قال: (أليس تشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؟) ثلاث مرات، قال: نعم. قال:
(1) سورة الأنفال، الآية:38.
(2)
سورة الفرقان، الآية:70.
(3)
انظر مفتاح السعادة، جـ 1، ص: 358، 370.
(ذاك يأتي على ذاك) » ، وفي رواية:«فإن هذا يأتي على ذلك كله» (1) .
وفي رواية أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها فلم يشرك بالله تعالى شيئا، وهو في ذلك لا يترك حاجة أو داجة إلا اقتطعها بيمينه، فهل لذلك من توبة؟ قال: هل أسلمت؟ قال: أما أنا فأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (نعم! تفعل الخيرات، وتترك السيئات؛ فيجعلهن الله عز وجل لك خيرات كلهن) . قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: (نعم) . قال: الله أكبر. فما زال يكبر حتى توارى» (2) .
فالإسلام يجب ما قبله، والتوبة الصادقة تمحو ما قبلها، كما ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه أبو يعلى في مسنده، جـ 6، ص: 155، والطبراني في المعجم الأوسط، جـ 7، ص: 132، والصغير، جـ 2، ص: 201، والضياء في المختارة، جـ 5، 151، 152، وقال: إسناده صحيح، وقال في المجمع، جـ 10، ص: 83: رواه أبو يعلى والبزار بنحوه، والطبراني في الصغير والأوسط، ورجالهم ثقات.
(2)
رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، جـ 5، ص: 188، والطبراني في الكبير، جـ 7، ص: 53، وص: 314، وقال الهيثمي في المجمع، جـ 1، ص: 32: رواه الطبراني والبزار بنحوه، ورجال البزار رجال الصحيح، غير محمد بن هارون أبي نشيط وهو ثقة.