المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[عاقبة من لم يلتزم بالإسلام] - الإسلام أصوله ومبادئه - جـ ٢

[محمد بن عبد الله بن صالح السحيم]

فهرس الكتاب

- ‌[خلق الكون]

- ‌[خلق الإنسان وتكريمه]

- ‌[مكانة المرأة]

- ‌[حكمة خلق الإنسان]

- ‌[حاجة البشر إلى الدين]

- ‌[ضوابط الدين الحق]

- ‌[أقسام الديانات]

- ‌[حال الديانات القائمة]

- ‌[حقيقة النبوة]

- ‌[آيات النبوة]

- ‌[حاجة الناس إلى الرسل]

- ‌[المعاد]

- ‌[أصول دعوة الرسل]

- ‌[الرسالة الباقية]

- ‌[ختم النبوة]

- ‌[معنى كلمة الإسلام]

- ‌[حقيقة الإسلام]

- ‌[حقيقة الكفر]

- ‌[أصول الإسلام ومصادره]

- ‌[من مصادر الإسلام القرآن العظيم]

- ‌[من مصادر الإسلام السنة النبوية]

- ‌[مراتب الدين]

- ‌[المرتبة الأولى]

- ‌[شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من مراتب الدين الصلاة]

- ‌[من مراتب الدين الزكاة]

- ‌[من مراتب الدين الصيام]

- ‌[من مراتب الدين الحج]

- ‌[المرتبة الثانية]

- ‌[الإيمان بالله]

- ‌[الإيمان بالملائكة]

- ‌[الإيمان بالكتب]

- ‌[الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم]

- ‌[الإيمان باليوم الآخر]

- ‌[الإيمان بالقضاء والقدر]

- ‌[المرتبة الثالثة]

- ‌[من محاسن الإسلام]

- ‌[التوبة]

- ‌[عاقبة من لم يلتزم بالإسلام]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[عاقبة من لم يلتزم بالإسلام]

[عاقبة من لم يلتزم بالإسلام]

عاقبة من لم يلتزم بالإسلام كما تبين لك في هذا الكتاب أن الإسلام هو دين الله، وهو الدين الحق، وهو الدين الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين، وقد رتب الله الأجر العظيم في الدنيا والآخرة لمن آمن به، وتوعد بالعذاب الشديد من كفر به.

وبما أن الله هو الخالق المالك المتصرف في هذا الكون، وأنت أيها الإنسان خلق من خلقه، خلقك وسخر لك جميع ما في الكون، وشرع لك شرعه، وأمرك باتباعه؛ فإن آمنت وأطعت ما أمرك به، وانتهيت عما نهاك عنه، فزت بما وعدك الله به في الدار الآخرة من النعيم المقيم، وسعدت في الدنيا بما يمن عليك من أصناف النعم، وكنت متشبها بأكمل الخلق عقولا، وأزكاهم نفوسا، وهم الأنبياء والمرسلون والصالحون والملائكة المقربون.

وإن كفرت وعصيت ربك خسرت دنياك وأخراك، وتعرضت لمقته وعذابه في الدنيا والآخرة، وكنت متشبها بأخبث الخلق، وأنقصهم عقولا، وأحطهم نفوسا من الشياطين والظلمة والمفسدين والطواغيت، هذا على سبيل الإجمال.

ص: 159

وسأبين لك شيئا من عواقب الكفر على وجه التفصيل، وهي: 1 - الخوف وعدم الأمن: وعد الله الذين آمنوا به واتبعوا رسله بالأمن التام في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82](1) والله هو المؤمن والمهيمن، وهو المالك لجميع ما في الكون، فإذا أحب عبدا لإيمانه منحه الأمن والسكينة والطمأنينة، وإذا كفر به المرء سلبه طمأنينته وأمنه، فلا تراه إلا خائفا من مصيره في الدار الآخرة، وخائفا على نفسه من الآفات والأمراض، وخائفا على مستقبله في الدنيا، ولذا يقوم سوق التأمين على النفس وعلى الممتلكات لعدم الأمن، ولعدم التوكل على الله.

2 -

المعيشة الضنك: خلق الله الإنسان، وسخر له جميع ما في الكون، وقسم لكل مخلوق حظه من الرزق والعمر، فأنت ترى الطير يغدو من عشه ليجد رزقه فيلتقطه، وينتقل من غصن إلى غصن، ويتغنى بأعذب الألحان، والإنسان مخلوق من هذه المخلوقات التي قسم لها رزقها وأجلها، فإن آمن بربه، واستقام على شرعه، منحه السعادة والاستقرار، ويسر له أمره، وإن لم يتوافر له إلا أدنى مقومات الحياة.

(1) سورة الأنعام، الآية:82.

ص: 160

وإن كفر بربه، واستكبر عن عبادته جعل حياته ضنكا، وجمع عليه الهموم والغموم، وإن ملك جميع وسائل الراحة، وأصناف المتاع.

ألست ترى كثرة المنتحرين في الدول التي كفلت لأفرادها جميع وسائل الرفاهية؟ ألست ترى الإسراف في أصناف الأثاث وأنواع الأسفار من أجل الاستمتاع بالحياة؟

إن الذي يدفع إلى الإسراف في ذلك هو خلو القلب من الإيمان، والشعور بالضيق والضنك، ومحاولة تبديد هذا القلق بوسائل متغيرة ومتجددة، وصدق الله حيث يقول:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124](1) .

3 -

أنه يعيش في صراع مع نفسه، ومع الكون من حوله: ذلك أن نفسه فطرت على التوحيد، قال تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30](2) وجسده استسلم لخالقه، وسار على نظامه، فأبى الكافر إلا أن يناقض فطرته، ويعيش في أموره الاختيارية معارضا لأمر ربه، فلئن كان جسده مستسلما فإن اختياره معارضا.

وهو في صراع مع الكون من حوله، ذلك لأن هذا الكون كله من أكبر مجراته إلى أصغر حشراته يسير على التقدير الذي شرعه له ربه، قال تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]

(1) سورة طه، الآية:124.

(2)

سورة الروم، الآية 30.

ص: 161

(1)

بل هذا الكون يحب من وافقه في استسلامه لله، ويكره من خالفه، والكافر هو النشاز في هذا الخلق حيث نصب نفسه معارضا لربه مظاهرا عليه، ولذا حق للسماوات والأرض وسائر المخلوقات أن تبغضه وتبغض كفره وإلحاده، قال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا - لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا - تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا - أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا - وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا - إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 88 - 93](2) وقال سبحانه عن فرعون وجنده: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29](3) .

4 -

أنه يعيش جاهلا: إذ الكفر هو الجهل، بل هو أعظم الجهل؛ لأن الكافر يجهل ربه، يشاهد هذا الكون الذي خلقه ربه فأبدعه، ويرى من نفسه عظيم الصنعة، وجليل الخلقة، ثم يجهل من خلق هذا الكون، ومن ركب نفسه، أليس هذا أعظم الجهل؟ ؟

5 -

أن يعيش ظالما لنفسه، ظالما لمن حوله: لأنه سخر نفسه لغير ما خلقت له، ولم يعبد ربه، بل عبد غيره،

(1) سورة فصلت، الآية:11.

(2)

سورة مريم، الآيات: 88 - 93.

(3)

سورة الدخان، الآية:29.

ص: 162

والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وأي ظلم أعظم من توجيه العبادة لغير مستحقها، وقد قال لقمان الحكيم مبينا شناعة الشرك:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ} [لقمان: 13](1) .

وهو ظلم لمن حوله من البشر والمخلوقات، لأنه لا يعرف لذي حق حقه، فإذا كان يوم القيامة قام في وجهه كل من ظلمه من إنسان أو حيوان يطلب من ربه أن يقتص له منه.

6 -

أنه عرض نفسه لمقت الله وغضبه في الدنيا: فيكون عرضة لأن تنزل به المصائب، وتحل به الكوارث؛ عقوبة عاجلة، قال جل ثناؤه:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ - أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ - أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 45 - 47](2) وقال سبحانه: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد: 31](3) وقال عز من قائل: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: 98](4) وهذا شأن كل من أعرض عن ذكر الله، قال تعالى مخبرا عن عقوبات الأمم الماضية الكافرة:

(1) سورة لقمان، الآية:13.

(2)

سورة النحل، الآيات 45 - 47.

(3)

سورة الرعد، الآية:31.

(4)

سورة الأعراف، الآية:98.

ص: 163

{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40](1) وكما ترى مصائب من حولك ممن حلت به عقوبة الله ونكاله.

7 -

أن تكتب له الخيبة والخسران: فبسبب ظلمه خسر أعظم ما تتمتع به القلوب والأرواح، وهو معرفة الله والأنس بمناجاته، والسكينة إليه، وخسر الدنيا، لأنه عاش فيها حياة بائسة حائرة، وخسر نفسه التي كان يجمع من أجلها، لأنه لم يسخرها لما خلقت له، ولم يسعد بها في الدنيا؛ لأنها عاشت شقية، وماتت شقية، وستبعث مع الأشقياء، قال تعالى:{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [الأعراف: 9](2) وخسر أهله، لأنه عاش معهم على الكفر بالله، فهم مثله في الشقاء والضنك سواء، ومصيرهم إلى النار، قال تعالى:{إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 15](3) ويوم القيامة يحشرون إلى النار، وبئس القرار، قال تعالى:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ - مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 22 - 23](4) .

(1) سورة العنكبوت، الآية:40.

(2)

سورة الأعراف، الآية:9.

(3)

سورة الزمر، الآية: 15، وسورة الشورى، الآية:45.

(4)

سورة الصافات، الآيتان: 22، 23.

ص: 164

8 -

أنه يعيش كافرا بربه جاحدا لنعمه: فإن الله أوجده من عدم، وأسبغ عليه جميع النعم، فكيف يعبد غيره، ويوالي سواه، ويشكر من دونه. . . وأي جحود أعظم من هذا؟ وأي نكران أشنع من هذا؟

9 -

أنه يحرم الحياة الحقيقية: ذلك أن الإنسان الجدير بالحياة هو الذي آمن بربه، وعرف غايته، وتبين مصيره، وأيقن بمبعثه، فعرف لكل ذي حق حقه، فلا يغمط حقا، ولا يؤذي مخلوقا، فعاش عيشة السعداء، ونال الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97](1) وفي الآخرة: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 12](2) .

أما من عاش في هذه الحياة عيشة شبيهة بحياة البهائم، فلا يعرف ربه، ولا يدري ما غايته؟ ولا يعلم أين مصيره؟ بل غايته أن يأكل ويشرب وينام. . فأي فرق بينه وبين سائر الحيوانات؟ بل هو أضل منها، قال جل ثناؤه:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179](3) وقال عز من قائل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44](4) .

(1) سورة النحل، الآية:97.

(2)

سورة الصف، الآية:12.

(3)

سورة الأعراف، الآية:179.

(4)

سورة الفرقان، الآية:44.

ص: 165

10 -

أنه يخلد في العذاب: ذلك أن الكافر ينتقل من عذاب إلى عذاب، فهو يخرج من الدنيا - وقد تجرع غصصها ومصائبها - إلى الدار الآخرة، وفي أول مرحلة منها تنزل به ملائكة الموت تسبقها ملائكة العذاب، لتذيقه من العذاب ما يستحقه، قال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50](1) ثم إذا خرجت روحه ونزل في قبره لقي من العذاب أشده، قال تعالى مخبرا عن آل فرعون:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46](2) ثم إذا كان يوم القيامة وبعثت الخلائق، وعرضت الأعمال، ورأى الكافر أن الله قد أحصى عليه جميع أعماله في ذلك الكتاب الذي قال الله عنه:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49](3) هناك يود الكافر لو كان ترابا: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النبأ: 40](4) .

ولشدة هول الموقف فإن الإنسان لو كان يملك جميع ما في الأرض لافتدى به من عذاب ذلك اليوم، قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ} [الزمر: 47](5) وقال تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ - وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ - وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ - وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} [المعارج: 11 - 14](6) .

(1) سورة الأنفال، الآية:50.

(2)

سورة غافر، الآية:46.

(3)

سورة الكهف، الآية:49.

(4)

سورة النبأ، الآية:40.

(5)

سورة الزمر، الآية:47.

(6)

سورة المعارج، الآيات: 11 - 14.

ص: 166

ولأن تلك الدار دار جزاء وليست دار أماني فلا بد أن يلقى الإنسان جزاء عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وشر ما يلقى الكافر في الدار الآخرة عذاب النار، وقد نوع الله على أهلها أصناف العذاب ليذوقوا وبال أمرهم، فقال تعالى:{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ - يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 43 - 44](1) وقال مخبرا عن شرابهم وملابسهم: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ - يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ - وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 19 - 21](2) .

(1) سورة الرحمن، الآيتان 43 - 44.

(2)

سورة الحج، الآيات: 19 - 21.

ص: 167