المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌شُبُهات ورُدُود يردد بعض المفتونين بالليبرالية عددًا من الشبهات يعارضون بها - الإسلام والليبرالية نقيضان لا يجتمعان

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌سؤالان يوضحانالفرق بين الإسلام والليبرالية

- ‌مقدمة

- ‌ما هي الليبرالية

- ‌بيان معنى العَلَمانيّة التي هي أصل الليبراليّة:

- ‌الأركان التي تقوم عليها العَلَمانية:

- ‌حكم مَن يؤمنون ببعض الدين ويكفرون ببعض:

- ‌ بعض الآيات القرآنية الدالة على وجوب التحاكم إلى شريعة الله وكُفْر مَن لم يعتقد وجوب التحاكم إليها

- ‌معنى الليبرالية:

- ‌مبدأ الليبرالية:

- ‌الأسس الفكرية لليبرالية:

- ‌تناقض الليبرالية:

- ‌التعددية

- ‌دعاة الليبرالية في بلاد المسلمين

- ‌الليبرالية من الداخل

- ‌من ثمرات الليبرالية: باعتراف حكومي 28 ألف عصابة تنشط في الولايات المتحدة:

- ‌أسئلة موجهة لليبراليين

- ‌الإسلام والليبرالية نقيضان لا يجتمعان

- ‌أكذوبة ما يسمى بالليبرالية الإسلامية:

- ‌المشروع الأمريكي لقضية الإسلام الليبرالي:

- ‌هل هذا ما يريده أدعياء الليبرالية الإسلامية المزعومة

- ‌فتوى الشيخ الفوزان عن الليبرالية

- ‌لماذا لا يجوز إطلاق مصطلح (الليبرالية الإسلامية)

- ‌الحكم الشرعي في الليبرالية

- ‌بعض أنواع الكفر والشرك الواقعة في الليبرالية:

- ‌شُبُهات ورُدُود

- ‌آثار وأخطار الفكر الليبرالي على المسلمين ودينهم

- ‌صَدَرَ للمؤلف

الفصل: ‌ ‌شُبُهات ورُدُود يردد بعض المفتونين بالليبرالية عددًا من الشبهات يعارضون بها

‌شُبُهات ورُدُود

يردد بعض المفتونين بالليبرالية عددًا من الشبهات يعارضون بها الحكم السابق عليها، منها:

الشبهة الأولى: شبهة التكفير:

وهذه الشبهة تظهر في الحكم على كل مذهب إلحادي يَفِدُ على البلاد الإسلامية، حيث يقولون: إن بعض الليبراليين ينطقون الشهادتين، ويصلون، ويؤدون الشعائر التعبدية، والقول بأن الليبرالية عقيدة كفرية يكون بمثابة تكفير المسلمين، وهذه هي عقيدة الخوارج الضالين.

والجواب عن هذه الشبهة بأن ثبوت الإسلام للإنسان يشترط له بالإضافة إلى الإتيان بالواجبات المذكورة في الشبهة وغيرها: ترك النواقض والمبطلات لحقيقة الإيمان والإسلام، فمن يأتي بهذه الواجبات، وهو قائم على نواقض الإيمان، فإنها لا تنفعه حتى يترك النواقض.

ص: 78

ولهذا حذرت الشريعة الإسلامية من نواقض الإيمان، وبينت خطورتها، فقد يكفر الإنسان ويخرج من الملة، وهو لا يزال يشهد أن لا إله إلا الله ويؤدي بعض الواجبات، وهذه حقيقة شرعية قطعية.

وهذه الحقيقة موجودة في كل دين، لأنه ما من دين إلا ويوجد له نواقض إذا وُجِدَتْ بطل أصلُ هذا الدين، وكذلك الأمر في العبادات كالصلاة والوضوء وغيرها لو أتى الفرد بواجباتها وارتكب مبطلاتها لم تنفعه هذه الواجبات.

ومن جهة أخرى فإن التكفير الوارد حول هذا المذهب يقع على العقائد، والأفكار، والآراء التي يتضمنها، وهذا يسمى «كفر النوع» ، وهو تحرير المسائل الكفرية دون النظر للمُعَيَّنِين، أما الفرد المُعَيَّن فإنْ وُجِدَتْ فيه هذه العقائد والأفكار، والآراء، فإنه لابد من توفر شروط التكفير فيه وانتفاء موانعه عنه، مثل قيام الحجة وانتفاء الشبهة والتأويل، وعدم الإكراه.

ص: 79

هذا في حال تلبسه بهذه المكفرات، أما مجرد الانتماء لهذا المذهب وحده، فهو غير كافٍ في اعتباره متلبسًا بهذه المكفرات، لأن الواقع يشهد بأنه يوجد من ينتمي إلى مذهب فإذا سئل عنه، وصفه بغير حقيقته دون إقرار بالمكفرات التي هي مناط الكفر.

وبناء على ذلك فإن المُعَيَّنين تختلف أحوالهم، وأوضاعهم ولكن العقائد والأفكار تبقى ثابتة يمكن أن يطلق عليها حكم محدد، ولا يعكر على ذلك اختلاف أحوال المعينين وأحكامهم.

والكلام هنا حول العقائد والأفكار، وليس على المعينين فلهم شأن آخر. وهذا أمر معروف عند علماء السلف الصالح حيث يطلقون وصف الكفر على المقالة، ويبينون وجه مناقضتها لأصل الدين دون أن يقتضي هذا تكفير كل معين يقول بهذه المقالة، فضلا عن تكفير المنتمي لفرقة تقول بها لمجرد انتمائه.

ص: 80

وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا» (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية لمسلم: «إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ» (1).

والتكفير حكم شرعي تترتب عليه لوازم في الدنيا والآخرة، فيجب الاحتياط فيه، والحذر من الاستعجال فيه، ولهذا قد تكون المقالة كفرًا ناقلًا عن الملة، ولا يكون القائل بها كافرًا إذا لم تَقُم عليه الحجة أو كان متأولًا.

(1) قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم (2/ 50):

«فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَوْجُهٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ لِذَلِكَ.

الثَّانِي: مَعْنَاهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ نَقِيصَتُهُ لِأَخِيهِ وَمَعْصِيَةُ تَكْفِيرِهِ.

الثَّالِثُ: مَعْنَاهُ أن ذلك يؤول بِهِ إِلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ كَمَا قَالُوا بَرِيدُ الْكُفْرِ وَيُخَافُ عَلَى الْمُكْثِرِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِبَةَ شُؤْمِهَا الْمَصِيرُ إِلَى الْكُفْرِ.

الرَّابِعُ: مَعْنَاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَلَيْهِ تَكْفِيرُهُ فَلَيْسَ الرَّاجِعُ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ بَلِ التَّكْفِيرُ لِكَوْنِهِ جَعَلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا فَكَأَنَّهُ كَفَّرَ نَفْسَهُ إِمَّا لِأَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ هُوَ مِثْلَهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُ إِلَّا كَافِرٌ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ دِينِ الْإِسْلَامِ». (اهـ باختصار).

ص: 82

ولكن هذا لا يعني أن المعَيَّن لا يُكَفَّر إذا وُجِدَتْ فيه الشروط، وانتفت عنه الموانع، فإنه إذا تم التأكد من ذلك يُكَفَّر بعينه، فقد أفتى علماء الإسلام بردة عدد ممن أعلنوا الكفر وتحققت فيهم شروط الكفر، ويدخل في هذا الصدد قتال الصحابة للمرتدين، وفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في قتال التتار وتكفيرهم، وغيرهم.

أما تكفير المذاهب الإلحادية المعاصرة فهو أمر ضروري لتَعْلَمَ الأمة الإسلامية خطورة هذه المذاهب وتحْذَر منها، ومن ذلك: ما قرره مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي من تكفير «العلمانية» ، وهي المنبع الذي خرجت منه سائر المذاهب المعاصرة بما فيها «الليبرالية» (1).

(1) جريدة الوطن السعودية، (العدد 1727، بتاريخ 22/ 6/2005م).

ص: 83

الشبهة الثانية:

أن الليبرالية مجرد آلة وليست عقيدة:

هذه الشبهة تقوم على أن الليبرالية ليست عقيدة يمكن أن تُوصَف بالإيمان أو الكفر، وإنما هي مجرد آلة عصرية يمكن الاستفادة منها لتحديث المجتمع وتطويره.

ويبدو على هذه الشبهة أسلوب المخادعة، والهروب من الحقيقة، فإن مَن يَدْرس الليبرالية يتبين له أنها عقيدة فكرية متكاملة، وفلسفة مادية إلحادية، فدعوى أنها مجرد آلة هي هروب مما تتضمنه الليبرالية من مناقضة لأحوال الإسلام.

وقد تبين من الكلام على حقيقة الليبرالية وأسسها الفكرية أن الليبرالية منظومة فكرية متكاملة، وعقيدة سياسية واقتصادية محددة، وليست مجرد آلة كما يزعم البعض.

الشبهة الثالثة:

أن الليبرالية تشتمل على بعض الإيجابيات:

وترى هذه الشبهة أن الليبرالية مشتملة على أمور إيجابية مثل إكرام الإنسان، وعدم إهدار حقوقه، وشحذ الدافع

ص: 84

الذاتي (الفردية) للإنسان مما ولد المنافسة القوية بين الشركات الكبرى بحيث توصلت من خلال هذه المنافسة إلى تحريك الاقتصاد، واكتشاف المخترعات الحديثة المفيدة للإنسان، هذا بالإضافة إلى المشاركة السياسية، والحرية في مؤسسات المجتمع، والصحافة، وتكوين الأحزاب والمعارضة وغيرها، ولا يمكن أن يكون هذا معارض للإسلام.

والجواب عن هذه الشبهة من وجوه عدة:

أولًا: أن وجود بعض الإيجابيات لا يدل على صحة هذا المذهب أو ذاك، لأنه ما مِن فكرٍ باطلٍ أو بدعةٍ مخترعةٍ إلا ويوجد فيها شيء من الحق كما قال تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (آل عمران:71)، فلا يكاد يوجد مذهب إلا وهو مشتمل على بعض الإيجابيات، ولكن ذلك لا يستلزم الصحة كما قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (البقرة:219).

ص: 85

ثانيًا: أن سلبيات الليبرالية ومساوئها أكثر، وأعظمها الكفر والشرك بالله سبحانه وتعالى، والأثرة، واتباع الهوى، والظلم للفقراء والطبقات المتدنية.

ثالثًا: أن إيجابيات الليبرالية لا تخلو من جوانب سلبية، لأنها حريات مفتوحة غير منضبطة فحقوق الإنسان فَتْحٌ لمجال الإلحاد، والفساد الأخلاقي إلى درجة الشذوذ، والفردية أصبحت شحًّا مطاعًا، وهوىً متبعًا، وأنانية مقيتة، والديمقراطية رفعت أصحاب رؤوس الأموال، وجعلتهم يتحكمون في المجتمع بأموالهم.

رابعًا: أن أي صفة إيجابية في مذهب باطل فإنها موجودة في دين الإسلام بأحسن وأكمل وأنقى من النقص من غيره، وهذا من كمال الدين وتمامه المنصوص عليه في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3)، وفي قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء:9)، وقوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ

ص: 86

لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 138)، فلا نحتاج إلى أن ننقل من المناهج والمذاهب المنحرفة بحجة وجود إيجابيات فيها، فلا خير إلا وقد دلنا له الإسلام ولا شر إلا حذرنا منه، فكل خير موجود في الإسلام دون أي شائبة.

الشبهة الرابعة:

قول بعضهم: «سنُقَيّد الليبرالية بقيود الشرع! فلا نقبل منها أي أمر يخالف شريعة الإسلام، حيث نؤقلمها مع عقيدتنا وظروفنا» :

والجواب: قد قيل مثل هذا ممن أراد الترويج للديمقراطية؛ مُدَّعِيًا أنه لن يقبل بالتصويت على أمر مخالف للإسلام، وأنه .. وأنه .. إلى آخر القيود، فقيل له: إذا قيدتها بهذه الأمور فلا تُسَمِّها «ديمقراطية» ؛ لأنها لن تكون كذلك! سَمِّهَا إسلامًا، ودَعْ هذا التلاعب.

ومثل هذا يقال لمن أراد أن يُقَيِّد الليبرالية بقيود الشرع؛ لأنها ستكون شيئًا آخر غير الليبرالية.

ص: 87