الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة
الحمد لله الذي جعل اللسان العربيّ أداة كتابه العزيز، وجعله حافلا بالنفع والقول الوجيز، وأصلي وأسلم على منْ دعا إلى تعلّم لغات الآخرين؛ اتّقاءً لمكرهم، وخشية التمكين والتعزيز، - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين -، وبعد:
فإنّ من الظواهر اللُّغوية التي حظيت باهتمام اللغويين العرب: ظاهرة (الاقتراض اللغوي)، والتي تعني: العملية التي تأخذ فيها لغة (ما) بعض العناصر اللغوية للغة أخرى. ومحاولة نسخ صورة مماثلة لنمط لغوي لإحدى اللغات في لغة أخرى (1) .
وهذه الدلالة لـ (الاقتراض اللغوي) دلالة مجازية؛ لأن حقيقة الاقتراض: أن يأخذ المرء شيئا من آخر؛ لينتفع به فترة من الزمن ثم يعيده إلى صاحبه. وليس كذلك الاقتراض بين اللغات؛ لأن اللغة التي تقترض لفظا من لغة أخرى لا تحرم صاحبة اللفظ من استعماله، ولا تعيده إليها (2) .
والمقصود بـ (الاقتراض اللغوي) في هذا البحث: المفردات المُعرّبة والدخيلة التي أضيفت إلى القاموس العسكري من مفردات لغات أجنبية، كان المُعرّب فيها خاضعا للقوانين الصوتية العربية؛ مما يسهّل النطق بها، ويسهّل انتشارها. وكان الدخيل فيها مستعملا بلفظه الأجنبي دون خضوع للقوانين الصوتية العربية.
(1) الألفاظ العربية المقترضة في العبرية الدارجة: 103.
(2)
اللغات يقترض بعضها من بعض: 66.
وقد حدث الاقتراض اللغوي عن طريق الاحتكاك بالشعوب الأخرى: لُغويا وسياسيا وماديّا (1) ، الأمر الذي أدّى إلى دخول كثير من المفردات الأجنبية في اللغة العربية - خاصة الفارسية والسريانية والتركية - (2) وذلك عن طريق الجوار والمخالطة؛ لأنّ العرب كانوا قبائل عديدة متفرقة، يخالطون جميع الأقوام المجاورين لهم: فتغْلب واليمَن كانوا مجاورين لليونان، وبَكْر للقبْط والفُرس، وعبد القيس وأزْد عُمَان كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفُرس، وأهل اليمن كانوا مختلطين مع الهند والحبشة، وثقيف وأهل الطائف كانوا مخالطين لتجّار اليمن المقيمين عندهم (3) . وكان من نتائج ذلك الجوار وتلك المخالطة: أن حلّت العربية محل الآرامية والفارسية في العراق، وقهرت العربية كلا من: السريانية واليونانية في الشام. كما حلّت العربية محل القبطية في مصر، ومحل البربريّة في معظم نواحي المغرب (4) . ولا يعني ذلك: أن اللغة العربية هي صاحبة الاستقلال بالاقتراض اللغوي؛ إذ من المعلوم أنّ اقتراض المفردات يُعتبر حركة طبيعية لأية لغة يُراد لها أن تتطور وتنمو (5) ، فقد أقرضت اللغة العربية غيرها من اللغات أشياء كثيرة، واقترضت من غيرها أشياء كثيرة كذلك، وهذه أهمّ ملامح اللغات الحيّة الفاعلة (6) .
(1) فقه اللغة، علي عبد الواحد وافي:193.
(2)
دور أساتذة اللغات الشرقية في قضية التعريب: 24، وعلم اللغة، علي عبد الواحد وافي:239.
(3)
المزهر: 1/212.
(4)
اللغات يقترض بعضها من بعض: 67.
(5)
دراسات لغوية: القياس في الفصحى - الدخيل في العامية: 294.
(6)
عن اللغة والأدب والنقد: 59.
وأقرب دليل على ذلك: أنّ اللغة العربية التي تأثرت بمجموعة من الألفاظ الفارسيّة، قد أمدّت اللغة الفارسية وغيرها من اللغات الشرقية كالأُورديّة والتركية. بل إنّ معاجم الفرس تحوي أكثر من أربعين بالمئة من الألفاظ العربيّة. وهذا التبادل اللغوي لا يعيب العربيّة، كما لا يعيب الفارسيّة؛ إذ غدت كل لغة مُزدانة بأفانينَ من أطايب لغات جاراتها (1) .
وعلى الرغم من كون الاقتراض اللغوي ظاهرة لغوية عالميّة لا تكاد تستغني عنها لغة أي أمة (2) ، إلا إنّ ثمّة مخاطر تنجم عن هذه الظاهرة في اللغة العربية، منها: ضياع القيمة التعبيريّة للجذر العربي، وتغيير البنية الصوتية العربية بإدخال أصوات غريبة عنها، وإرباك المعجميّة العربيّة، وغموض معنى المقتَرض في معاجمنا، وصعوبة ضبط اللفظ المعَرّب، وخرق القواعد الصرفية العربية، وتضييع خصائص اللغة العربية (3) .
ولكن يبقى للاقتراض اللغوي بشقّيه: المعرَّب والدخيل أثره الفاعل قديما وحديثا، ودوره الإيجابي في مسايرة الحياة والحضارة؛ حيث ظهرت مستحدثات لم يكن للعرب ولا للغتهم عهد بها من قبل، في ميادين الاقتصاد والصناعة والزراعة والتجارة والعلوم والفلسفة والدين والأدب والسياسة (4) ، ناهيك عن تطوّر المعدّات الحربيّة والقتاليّة التي أصبحت قوام الحياة العسكريّة في العصر الحديث، مما كان له أكبر الأثر في التطّور الذي طرأ على المفردات العسكريّة
(1) معجم المعربات الفارسية: (المقدمة ل) .
(2)
اللغة العربية بين التأثر والتأثير: 141.
(3)
مخاطر الاقتراض اللغوي على العربية: 25- 33.
(4)
فقه اللغة، علي عبد الواحد وافي: 194
بحكم التواصل المعرفي، والتطوّر الحضاري، والاحتكاك بالشعوب الأخرى عن طريق الزيارات العسكريّة، والمناورات القتاليّة، وشراء المعدّات الحربيّة، والإسهام في خوض المعارك، وأقرب دليل على ذلك: ما كان في حرب تحرير الكويت، إذ تحقق فيه ما أشير إليه من قبل.
وكان من نتائج ذلك كله: إضافة معاني جديدة إلى المفردات العسكريّة، بعضها ُمكتَسَب، والبعض الآخر له دلالته القديمة، إما في أصل وضعه لتلك الدلالة، وإما عن طريق الاقتراض اللُغوي من لغات أخرى. ومن هذه المفردات العسكريّة ما تضمّنه هذا البحث المتواضع من مفردات داخلها الاقتراض اللُّغوي من مُعرَّب أو دخيل، بعضها قديم في وضعه ودلالته، مثل:(البُنْدُق، الجَوْرب، الخندَق، السِرْداب، الرَّصاص، العسكر، المُناوِب، المَِنْجَنيق) . ومنها ما بقي لفظه وتغيّر معناه، مثل:(البُصْطار، الخُوذة، الطِربال، القُبُوع، القيافة، الكَمَر، المِنَصَّة) . ومنها ما هو دخيل ومُحْدَث، مثل:(البارود، الجَوَنْتي، القايش، المُسدَّس، الوُرْنيك) .
وفي الختام: فإني أعترف بقلة البضاعة، وضعف الخبرة باللغات الأخرى. وحسبي أني ناقل ومجتهد في هذا البحث المتواضع، فما كان من توفيق وسداد فمن الله، وما كان من نقص وزلل فمن نفسي والشيطان.
والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.