المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العالية من الجدار، والصخرة العظيمة المشرِفة من الجبل (1) ، - أثر التوجيه الشرعي في الدلالة اللغوية لبعض المناهي اللفظية

[يحيى بن أحمد عريشي]

الفصل: العالية من الجدار، والصخرة العظيمة المشرِفة من الجبل (1) ،

العالية من الجدار، والصخرة العظيمة المشرِفة من الجبل (1) ، والبناء يُبنى علَما للخيل يُستبق إليها، ومنها ما هو مثل المنارة والهدف المُشْرِف (2)، ومنه الحديث:"إذا مرّ أحدكم بطربال مائل فليسرع المشي"(3)، و ((كان أبو عبيدة يقول: هذا شبيه بالمنظر من مناظر العجم كهيئة الصومعة والبناء المرتفع، قال جرير:

ألُوىْ بها شَدْبُ العُرُوقِ مُشَذب

فكأنما وكنَتْ على طِرْبال)) (4) .

و (الطِرْبال) معرّب: (تَرْبالي)(5) .

ويمكن الجمع بين مدلول الطربال قديما وحديثا عن طريق المشابهة في الشخوص والسَّعة وتحقيق الفائدة، إذ يصح لنا أن نطلق الاستعمال اللغوي الفصيح على الاستعمال الدّارج في عُرف كثير من الناس- مدنيين وعسكريين- إذ الغالب استخدام الطربال لكل ما علا وارتفع؛ وذلك بهدف الحماية والحفاظ على الأنفس والممتلكات، كما هو المشاهد في العصر الحديث، إذ من فوائد الطربال القتالية: استخدامه في التمويه المصاحب لمعدّات القتال، وكذلك حماية الجنود في العربات.

(1) الصحاح: 4/1428، والقاموس المحيط:1325.

(2)

اللسان (طربل) : 11/400.

(3)

الفائق في غريب الحديث والأثر: 2/79.

(4)

غريب الحديث، للهروي:2/18، والنهاية في غريب الحديث والأثر:560.

(5)

المفصل في الألفاظ الفارسية: 232- 233.

(6)

اللسان (عسكر) : 4/568، وشفاء الغليل:212.

ص: 469

*‌

‌ العسْكَر:

من المفردات الشائعة في الحياة العسكرية جمعاء: (العسكر)، والذي يعني: مجتمع الجيش، والجيش نفسه (6) ، والمجتمع الذي فيه السلاح

(6) اللسان (عسكر) : 4/568، وشفاء الغليل:212.

ص: 469

والرجال والخيل (1) .

وهو فارسي معرَّب (لشْكَر)(2) ، أبدلت اللام فيه عينا (عشكر) ، والشين سينا (عسكر) وإنما لم تبقَ العين مع وجود اللام في العربية؛ لأنّ اللام لا توجد هكذا في أمثلة الرباعي إلا في نحو (لَجْلَج)(3)

وقد عرف العرب مادة (ع س ك ر) ، واستعملوها في معان خاصة، مثل: الشِدَّة والجدْب، من ذلك قول طرفة:

ظلّ في عسكرة من ُحبِّها ونأتْ شحْطَ مزار المدَّكر

أي: ظلّ في ِشدة من حبِّها وحَيْرة (4) . وعساكر القوم: ما ركب بعضه بعضا وتتابع، وعسْكُرالليلِ: ظلْمتُه، والعسكر الجمع، وعسكر مكرم: اسم بلد معروف، وعسكرٌ من مال: أي كثير (5) .

أما اختصاص (العسكر) بالجيش، فقد عرفه العرب عن طريق اللغة الفارسية؛ إذ سمعوا الفرس يقولون:(لشكر) أي: الجيش المحارِب، فعرّبوها وقالوا:(عسكر)(6) . والذي دعاهم لذلك: أنه لا يوجد في كلام العرب شين بعد لام، كما قال ابن سيدة (ت458?) في المحكم:((ليس في كلام العرب شين بعد لام في كلمة عربية محضة. الشينات كلها في كلام العرب قبل اللامات)) (7) ؛ ولهذا قال أبو

(1) تصحيح الفصيح وشرحه، لابن درستويه: 488، والصحاح: 2/640.

(2)

شرح الفصيح، للزمخشري: 2/672

(3)

التعريب في القديم والحديث: 69، والمخصص: 14/224.

(4)

ديوان طرفة: 52.

(5)

اللسان (عسكر) : 4/567، والعشرات في غريب اللغة: 105، ورسالة في الكلمات المعربة:803.

(6)

التعريب في القديم والحديث: 82، والمزهر: 1/280.

(7)

المزهر: 1/275.

ص: 470

منصور الجواليقي (ت540 هـ) : ((اعلم أنهم كثيرا ما يجترئون على تغيير الأسماء الأعجمية إذا استعملوها، فيبدلون الحروف التي ليست من حروفهم إلى أقربها مخرجا. وربما أبدلوا ما بعُد مخرجه أيضا، والإبدال لازم؛ لئلا يدخلوا في كلامهم ما ليس من حروفهم. وربما غيروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب. وهذا التغيير يكون بإبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف، أو إبدال حركة بحركة، أو إسكان متحرّك، أو تحريك ساكن. وربما تركوا الحرف على حاله لم يغيّروه)) (1) .

وعلى هذا فإنّ الشين في (لشكر) الفارسية، قد أصبحت سينا في اللغة العربية عن طريق التعريب؛ ذلك لأن الشين والسين من الأصوات المتقاربة في الصفة، المتباعدة في المخرج (2) ؛ إذ إن مخرج السين من طرف اللسان وفُويق الثنايا، ومخرج الشين من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى (3) .

وكأني بالعرب قد تأثّروا بلهجاتهم في قلب الشين في (عشكر) سينا؛ جريا على عاداتهم النطقية في مثل: عطس فسمّته وشمّته (4)، وحُمِس الرَّجل وحُمش: إذا اشتدّ غضبه (5) ، والدّست والدشت بمعنى الصحراء (6) ، وسعرتُ وشعرت (7) .

(1) المعرب، للجواليقي: 94، والمزهر: 1/273.

(2)

الاشتقاق، لعبد الله أمين:252.

(3)

الكتاب: 4/433.

(4)

الإبدال، لابن السكيت:41.

(5)

درة الغواص: 110.

(6)

الإبدال، لأبي الطيب: 2/163، والمزهر:1/275.

(7)

الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث: 470.

ص: 471