الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاقتراض اللغوي وأثره في بعض المفردات العسكريّة
* البارود:
إنّ من الأدوات المشترَكة بين الاستخدام العسكري والاستخدام المدني، وبين مواطن الحرب والسِلم: استخدام (البارود)، والذي هو: اسم لما يُركَّب من الملح والفحم والكبريت. ويُعرف عند أهل العراق بالمُستَعمَل في أعمال النار المتصاعدة والمتحرّكة، مما يزيدها خِفّة وسرعة التهاب (1) .
وقد قيل: إنّ العرب هم الذين اخترعوا بارود المدفع؛ ليسهّل الانفجار، وذلك في العصر المملوكي (2) . أما أول من استخرجه للجِلاء بالتقطيع، ولتحريك الأثقال وتغيير المعادن فهو الطبيب (جالينوس الصِقلِّي)(3) .
إما البداية الحقيقيّة لاستخدام (البارود) في القتال فقد كانت عام (1346م) عندما استخدم (إدوارد الثالث ملك انجلترا) مدافع بدائيّة كثيرة الأعطال، ضعيفة التأثير (4) .
و (البارود) لفظ موَلَّد من البِرادة؛ لشبهه بها، وهذا عائد لطبيعة تركيبه من ذلك الملح والكبريت. وقد استعمله بعض الأطباء في علاج حصْر البول (5) .
(1) تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية: 6، وسواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل: 18-19، وشفاء الغليل فيما في اللغة العربية من الدخيل:98.
(2)
موروث المصطلحات العسكرية التركية والفارسية في الجيوش العربية: 52.
(3)
قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل: 243.
(4)
إدارة الحرب الحديثة بواسطة الحاسبات الآلية: 17- 18.
(5)
شفاء الغليل: 98، ومعجم الألفاظ والتراكيب المولدة في شفاء الغليل: 139، وسواء السبيل: 18- 19.
وقد ذكر الخفاجي (ت 1069هـ) أنّ (البارود) بالدال المهمَلة، وأنّ استخدامه بالتاء (باروت) غلط (1) .
وقد اعتُرض على هذا الحكم من الخفاجي: بأنّ (الباروت) بالتاء غلط؛ وذلك لأنّ (البارود) إنما هو تعريب (بورتيس) باليونانيّة، وهو حجر معدني تخرج منه النار عند القَدْح. وهذه الكلمة اليونانيّة مشتقّة من (بُور) بمعنى النار، مما يجعل (الباروت) بالتاء هو الأصل، وليست تركيّة كما قال طُوبيا العُنَيْسي (2) ، وعبد الصبور شاهين (3) .
والذي يظهر لي: أنّ (البارود) يكون بالدال المهملة، ويكون بالتاء (الباروت) وذلك لأنّ العرب قد استخدمت في لهجاتها كلمات وردت بالدال تارة، وبالتاء تارة أخرى، من ذلك قولهم:(رجُل ِصْنِديد وصِنْتيت) : إذا كان كريما (4)، وقولهم: قَرَت الدمُ، وقَرِد الشيءُ (5) . وقد تعاقبت التاء والدال في كثير من كلام العرب (6) .
ومثل هذا التصرُّف في إبدال حروف بعض كلمات العرب، يحدث الإبدال - أيضا - في حروف الكلمات المُعَرّبَة التي تنقلها العرب إلى لغتهم؛ لأنّ العرب ((كثيرا ما يجترئون على تغيير الأسماء الأعجميّة إذا استعملوها، فيبدلون الحروف
(1) شفاء الغليل: 98، وقصد السبيل:243.
(2)
تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية: 6، وسواء السبيل: 18ـ19.
(3)
انظر كتابه: دراسات لغوية: 312.
(4)
الإبدال، لأبي الطيب اللغوي: 1/107.
(5)
الخصائص: 2/158.
(6)
ينظر: الإبدال، لابن السكيت:53، والإبدال، للزجاجي:42.
التي ليست من حروفهم إلى أقربهامخرجا. وربما أبدلوا ما َبُعد مخرجُه أيضا. والإبدال لازم؛ لئلا يدخلوا في كلامهم ماليس من حروفهم. وربما غيّروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب، وهذا التغييريكون بإبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف
…
)) (1) . وكما يقول ابن جني: ((ولكنّهم إذا اشتقّوا من الأعجمي خلَّطوا فيه؛ لأنّه ليس من كلامهم فاجترءوا عليه فغيّروه)) (2) .
كما إني أميل إلى استخدام (الباروت) بالتاء؛ لأنّ صوت التاء المهموس (3) يناسب طبيعة البارود؛ إذ أصل البارود في اللغة الإنجليزيّة: (Gun Powder) ، ومن المعلوم أنّ طبيعة (البودرة) الخفة والسرعة؛ إذ لايمكن أن نساوي صوت وأثر البارود بصوت وأثر المتفجرات الأخرى. كما إنّ لاستخدام التاء في (الباروت) نظائر أعجميّة، مثل:(هاروت، ماروت)(4) .
وإذا كان هذا الرأي وهذا التعليل مقبولا، فإني لا أقصد باستخدام التاء في لفظة (الباروت) الحصر والتخصيص مما يضفي عليها الإطلاق والتعميم، وإنما المراد أنّ استخدام التاء فيه مناسبة للاستخدامات العصريّة، مثل مناسبات الأفراح، ومواسم الصيد وما شاكلها. أما استخدامه بالدال (البارود) ففيه مناسبة للتطوّر الذي طرأ عليه؛ لأنّ (البارود) قد تطوّر وضعه، وتوسّعت دلالته؛ إذ أصبح أداة قتاليّة عالية المستوى، فقد تمّ تسليح القوّات البرِيّة، ومشاة البحريّة الأمريكيّة بالبارودة الآليّة طراز (16 M-) من عيار (5،56ملم) ذات مدى فعّال يصل (640مترا) ،
(1) المعرّب، للجواليقي:94.
(2)
المنصف: 153.
(3)
الكتاب: 4/434.
(4)
المعرب، للجواليقي: 629، وفقه اللغة، للثعالبي: 325، وتفسير الخازن: 1/65.