الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
تيار الأصالة الثورية في الجزائر
يظهر العرض السابق أن الجزائر عاشت حياة الثورة الكامنة أحيانا والثورة الدموية في أحيان أخرى منذ أن وطئت أقدام الغزاة الاستعماريين ثرى الجزائر الطهور. غير أن قوة القمع الوحشية وأساليب الحرب الصليبية (الحضارية) تمكنت من إسقاط عدد كبير من المواطنين الجزائريين في شباكها - ولو أن هذا العدد الكبير بقي بالنسبة لعدد مسلمي الجزائر قليلا ومحدودا - وقد استطاعت الإدارة الاستعمارية الإفادة من هذه المجموعة الساقطة من المجتمع الجزائري - في تكوين تيار لا هو فرنسي ولا هو إسلامي، وظيفته خدمة المخططات الاستعمارية الصليبية في الجزائر، دون التمتع بأي امتيازات. وكان لا بد من خلق تيار مضاد، وهنا ظهر دور (رابطة علماء المسلمين الجزائريين. في تنظيم هذا التيار الذي كان موجودا دونما ريب، غير أن هذه الرابطة استطاعت توحيد الجهد في تيار واحد، وفي ذلك ظهرت كفاءة القائد العظيم ابن باديس. وقد وصف الزعيم الجزائري - عباس فرحات - هذا التيار بقوله:
(وكان الجزائريون المتخرجون من جامعة الزيتونة في تونس، والأزهر في القاهرة، يجعلون من نهضة الإسلام والقومية العربية الشروط الأولى للنهضة الجزائرية. وكان أنصارهم من جماهير الفلاحين يشكلون عددا ضخما. فقد كان الشعب الجزائري الذي أرهقه حكم بولسي، واستثمار عنصري، ينطوي على نفسه، ويتمسك بقوة بعقيدته الدينية وانتمائه القومي)(1). وكان لا بد لهذا التيار من أن يضم إليه بالضرورة كل أولئك الذين يلتقون معه فكريا وعقائديا، ممن يمثلون الطليعة الفكرية، سواء كان هؤلاء من رجال الصحافة أو من الشعراء أو من الأدباء. وكان لا بد لهذا التيار أيضا من أن يؤثر بقوته على كل التيارات الفرعية التي تمارس عملها بعيدا عن التنظيم، إذا صح التعبير، ويمثل الفئة الأولى الشاعر الجزائري الثائر - محمد العيد - والأستاذ أحمد رضا حوحو، في حين يمثل الفئة الثانية الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض - قائد النهضة الإسلامية في ميزاب، ومعه الصحافي (أبو اليقظان).
هذه النماذج - وأمثالها مما يصعب حصره - هي التي عبرت عن تيار الأصالة الثورية، وإذا كان هذا التيار قد استطاع إبراز هذه النماذج ورفعها، فإنه كان ولا ريب تيارا عنيفا، قويا، جبارا، ضم جيوشا من الجنود المجهولين الذين مارسوا دورهم بتجرد وإنكار للذات لا يعرفه إلا أولئك المتصوفة. وشتان بين الصوفية السلبية الهروبية، وبين هذه الصوفية المخلصة الإيجابية. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن هذا التيار هو نسيج متصل، شأنه في ذلك
(1) ليل الاستعمار (فرحات عباس) ترجمة وليم خوري - ص 270.