المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوحدة الموضعية في القرآن الكريم - سلسلة حتى لا نخطئ فهم القرآن

[محمود محمد غريب]

الفصل: ‌الوحدة الموضعية في القرآن الكريم

‌الوحدة الموضعية في القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى

أما بعد.

الدارس للقرآن الكريم يرى أن السورة القرآنية تمثل وحدة متكاملة في مضمونها بحيث تعالج الهدف الذي نزلت من أجله علاجا واضحا

وهي مع ذلك ترتبط بالسورة التي قبلها في ترتيب المصحف ارتباط الجار الكريم بجاره الملاصق له بحيث لو رفعنا الفاصل بين السورتين

وهو البسملة - بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ -

لوجدنا وحدة بين السورتين كاملة فضلا عن الارتباط الكبير الذي بين آيات الموضوع الواحد في كل القرآن فبين آيات السورة انسجام

وبين السورة والسورة المجاورة لها ارتباط وبين آيات الموضوع الواحد

- كالجهاد - والصلاة - والمواعظ - تكامل

وقد اخترت سورة الواقعة مثالا لذلك.

فهي تأتي بعد سورة الرحمن لأنها تتحد معها في أغراض كثيرة

فسورة الرحمن تتحدث عن الكون. . . . من إنسان وشمس وقمر وأرض.

وسورة الواقعة تتحدث عن نهاية. . . . الإنسان والشمس والقمر والأرض

وسورة الرحمن تتحدث عن ملامح النهاية والجنة والنار

وهو نفس الهدف الذي تهدف إليه سورة الواقعة

وسورة الرحمن تختم بقوله تعالى

{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}

فلو رفعنا من القرآن - بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ -

لكان المعنى منسجما تمام الانسجام لأنَّ الجلال لله تعالى في الدنيا والآخرة

ولكنه أكمل ما يكون الجلال {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} الواقعة1 لأنَّ سلطانه المطلق يومها لا ينكره أحد. .

قال تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}

ص: 2

أما انسباك آيات السورة مع بعضها فنجد سورة الواقعة تعالج موضوع البعث والجزاء. . . .

وهي مقسّمة إلى الأقسام الآتية:

مقدمة. . . . . . . . . . . وفصول ثلاثة. . . . . . . . . . . وخاتمة. . . . . . . . . . . . .

أما المقدمة: -

فتتحدث عن نهاية العالم وعن التغيير الذي سيحدث للكون. . . .

{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} إبراهيم 48

{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6}

والمقدمة تنتهي عند الآية رقم (6) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6}

ثم يأتي الفصل الأول:

وهو يقسم الناس إلى أقسام ثلاثة وهم: -

أصحاب الميمنة

وأصحاب المشأمة

والسابقون

ويذكر جزاء كل قسم وسبب استحقاقهم هذا الجزاء

{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ. فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ. وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ. وَمَاء مَّسْكُوبٍ. وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لَّا

مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ. وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ. إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً. عُرُباً أَتْرَاباً. لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ. ثُلَّةٌ مِّنَ

الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ}

الواقعة 27 - 40

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) }

ص: 3

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) }

الواقعة 10 - 26

وينتهي هذا الفصل بقوله تعالى: (هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ)

الفصل الثاني: -

يناقش المنكرين للبعث. . .

ويسوق أدلة واضحة على البعث مستخدما عناصر الطبيعة المعلومة لدى الجميع وهي: -

(1)

الجنين

وكيف أن الله تعالى يكونه في بطن أم بدون تدخل من أحد.

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ. أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ. نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ.

عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ}

الواقعة 57 - 62

(2)

الزرع

ص: 4

وكيف أن الله تعالى. . . . . يد القدر الأعلى. . . . . ترعاه فتغذيه وتحافظ عليه

{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ. أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ

مَحْرُومُونَ}

الواقعة 63 - 67

(3)

الماء

وكيف أن الله تعالى يسوقه إلى البلد الميت وينزله غيثا

{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ. لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}

الواقعة 68 - 70

(4)

النار

ومظهر قدرة الله تعالى فيها كبير

{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ. نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ}

الواقعة 71 - 73

ونلاحظ أن رجل الشارع. . . . . . . . .

يعرف عناصر المناقشة الأربعة

كما أن الدارس في أرقى البلاد. . . . . . . . .

يدرك عظمة الصانع الحكيم فيها

وبسرعة يأمر القرآن العاقل أن

يسـ ـبح

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}

الواقعة 74

سبحان ربّي العظيم وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته

الفصل الثالث: -

وهو يبدأ بالقسم بمواقع النجوم على كرم القرآن ونزوله من عند الله تعالى. . .

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ. لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنزِيلٌ مِّن

رَّبِّ الْعَالَمِينَ}

الواقعة 75 - 80

وللقسم أثر عظيم في النفس

ومن الظريف أنني رأيت بعض المنكرين لوجود الله تعالى. . . يقسم في حديثه بالله العظيم!!!!

ص: 5

ثم يتكلم القرآن عن الروح مظهرا ضعف الدنيا أمام سرها العجيب

{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) }

الواقعة 83 - 87

وعجز الناس عن عودة الروح إلى الجسد كافٍ في أثبات البعث والجزاء

ثم تأتي الخاتمة وهي ترد العجز إلى الصدر

وتقسم الناس - مرة أخرى - إلى ثلاثة أقسام

والذي أرتاح له ويتفق مع فهمي للقرآن. . . .

أن نهاية السورة لا تكرر أولها

لأنَّ القرآن لا تكرار فيه (إلا لفائدة)

فكيف نفهم خاتمة السورة بعيدا عن التكرار؟ ؟ ؟

نلاحظ أن أول السورة قسم الناس إلى (أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقين)

هذا التقسيم جاء بعد نهاية الدنيا. . . .فهو بيان لدرجات الناس في الآخرة. . . . .

أما آخر السورة وهو قوله تعالى: -

{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)

الواقعة 88 - 94

فيأتي بعد بيان نهاية الإنسان

ونهاية الإنسان تفهم من قوله تعالى: -

{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) }

الواقعة 83 - 87

إذن آخر السورة تقسم الناس في القبر إلى الأقسام الثلاثة

أصحاب يمين

وأصحاب شمال

ومقربين

فصدر السورة يتحدث عن الآخرة

وآخر السورة يتحدث عن جزاء القبر

وبذلك فلا تكرار. . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 6

وبعد: -

إن القرآن وحدة متكاملة وآياته حبات عقد نوراني لذلك فهو حق اليقين

وأي يقين أوضح من القرآن؟ ؟ ؟

أقول ذلك: -

حتى لا تخطئ فهم القرآن

من محاضرات الأستاذ الشيخ محمود غريب

ص: 7