المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حول معنى الهداية ** - سلسلة حتى لا نخطئ فهم القرآن

[محمود محمد غريب]

الفصل: ‌ حول معنى الهداية **

**‌

‌ حول معنى الهداية **

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيِّ المصطفى

أما بعد

قال تعالى: مخاطبا نبيه الكريم صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) }

وقال تعالى: في آية أخرى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}

القصص 56

نعيش هذا اللقاء مع الآيتين الكريمتين. . . . . . . . .

وموضوع هداية الله تعالى وقد قدمت آية الشّورى على آية القصص تقديما للإثبات على النفي ونحن نرى الآية الأولى تثبت الهداية للنبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه فتقول (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ونرى الآية الثانية تنفي قدرة هداية الناس عن النبيّ.

وتثبت ذلك لله تعالى وحده قال تعالى:

(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

وحتى لا تخطئ فهم القرآن أحب أن نتتبع معا كلمة الهداية في كل القرآن ليظهر لنا أنَّ لهذه الكلمة معنيين.

الأول: - هداية بمعنى الإرشاد إلى الخير.

وهذا ما أثبته القرآن للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولإخوانه من الأنبياء والصّالحين.

والثاني: هداية بمعنى التوفيق وانشراح الصدر للخير. . .

ص: 59

وهذه لا يقدر عليها إلا الله تعالى.

ومعلوم أنَّ دور الهداية الثانية وهي التوفيق من الله تعالى يأتي بعد قبول الهداية الأولى وتسليم الوجه لله تعالى قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} التغابن 11

وقال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} مريم 76

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} محمَّد 17

فإذا رفض الناس قبول هداية الأنبياء حرموا أنفسهم من هداية الله تعالى وتوفيقه.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النحل 104

وقد قدم القرآن الكريم نموذجا لهذا النوع من الناس وبين مصيرهم فقال تعالى: - {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فصلت 17 - 18

ومثل ذلك كسائق سيّارة سألك عن الطريق فأرشدته فشكر لك وأراد أن يسير فقلت له أن أمامك الطريق وعر فركبت معه حتى أوصلته. . . . . أترى هذا السائق لو رفض نصحك واتهمك بالجهل أيستحق مساعدتك؟ ؟ هذا ولله تعالى المثل الأعلى إن قبول الناس لهداية الأنبياء معناه صفاء فطرتهم وخضوعهم للخير فمثلهم جدير أن يوفق إلى الخير وأن ينشرح صدره له. . . . . ومن حق القارئ أن يسأل. . . . ما دام الأمر كذلك: - - الهداية الأولى توصل للهداية الثانية فما بال القرآن الكريم علق الهداية والإضلال على مشيئة الله تعالى فقال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}

ص: 60

ونقول: - إن الأمر سهل لأنَّ هناك آيات وضحت الذين شاء الله تعالى أن يضلهم كما أن هناك آيات وضحت الذين شاء الله تعالى أن يهديهم والآن مع الآيات. . . . . . . . .

(فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ) من هم ياربّ؟ ؟

فيقول تعالى: - {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَاّ الْفَاسِقِينَ} البقرة 26 {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} البقرة 27

{. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة 258 {. . . . . وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} التوبة 37

{. . . . . وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة 24

{. . . . . . إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}

غافر 28

{. . . . إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} الزمر 3

{. . . . إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النحل 104

فهل عرفت الذين شاء الله تعالى أن يضلهم؟ ؟

إنهم الذين: - - - آثروا الضلال على الهدى ورفضوا قبول هداية الله تعالى. ويهدي إليه من يشاء فسرتها آية أخرى وبينت الذين شاء الله هدايتهم فقال تعالى: - {. . . . . وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد 27 - 28

ص: 61

فهل عرفت الذين شاء الله تعالى هدايتهم: - إنهم الذين أنابوا إلى ربهم. . . . . . .إنهم الذين آمنوا بربهم قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يونس 9 - 10

يهديهم ربهم بإيمانهم. . . . . . . .أي بسبب إيمانهم. . . . إنهم الذين جاهدوا من أجل دين ربهم قال تعالى:

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}

العنكبوت 69

وبعد: - - - لعل الأمر قد ظهر جليا. . . . أنَّ النبيّ صلِّ يا ربِّ عليه وآله وبارك وسلِّم كما تحبه وترضاه يهدي الناس هداية تعليم وإرشاد وهذه الهداية هي سبب الهداية العليا. فالتوفيق كل التوفيق لمن صدَّّق بالنبيّ صلى الله عليه وسلم واتبع هديه.

والذين كفروا حرموا أنفسهم هداية الله تعالى.

أقول ذلك: - حتى لا نخطيء فهم القرآن

ص: 62