المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[استفسار وبياناته] استفسار وبياناته س2: هل في السنَّة شرع مبتدأ ليس - شبهات حول السنة

[عبد الرزاق عفيفي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌[استفسار وبياناته] استفسار وبياناته س2: هل في السنَّة شرع مبتدأ ليس

[استفسار وبياناته]

استفسار وبياناته س2: هل في السنَّة شرع مبتدأ ليس له أصل في القرآن أو زيادة على هذا القرآن، فإذا كان الأمر كذلك فكيف نفرق قول الشاطبي في الموافقات بأثره، ومن تفرع من الراجح من كبار العلماء العز بن عبد السلام في كتابه الفوائد؟

* الجواب: أما سؤال: هل في السُّنة أحاديث ليست في القرآن أو أصلها ليس في القرآن؟ فهذا فيه خلاف ذكره الشاطبي (1) في الموافقات وكذلك غيره، والخلاف في هذا يكاد يكون لفظيًّا؛ لأن الذين اختاروا أنه ليس في السنَّة شيء زائد على ما في القرآن، وإنما كل ما وجد في السنَّة فهو بيان لأصل في القرآن، فهؤلاء يتأولون ما قال مخالفوهم بأنه ليس في القرآن بل زائد.

فمثلا في الحديث الذي فيه النهي عن الجمع بين المرأة

(1) انظر الموافقات (4 / 12) وما بعدها.

ص: 49

وخالتها أو عمتها (1) علل فيه الرسول عليه الصلاة والسلام هذا النهي، فقال:" إن تفعلوا ذلك تقطعوا أرحامكم "، فبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذا وسيلة لقطيعة الرحم.

وهذا التعليل جعله الشاطبي (2) وجماعة أصلا من الأصول، وبين أن هذا الأصل من القرآن، وهو الذي بني عليه تحريم الأم، وتحريم الزواج بالبنت، وتحريم الزواج بالأخت، لأنه يصير فيه جانبان متقابلان متعارضان؛ حقوقِ الزوجية للزوج، وحق أمه عليه، وهي أقوى من حُرِّم نكاحه، ولذلك جاء في أول المحرمات في الآية، وكلما تأخر كان أخف في المفسدة، وفي تعارض الحقوق.

فلمَّا بيّن الله تعالى في القرآن الأصل الذي بُني عليه تحريم نكاح الأمهات والأخوات؛ وهو أن ذلك يؤدي إلى تعارض الحقوق وتقطع الأرحام أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا في حديث

(1) أخرجه البخاري (5109) ومسلم (1408)، وأخرج البخاري (5108) عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها.

(2)

انظر الموافقات (4 / 43) .

ص: 50

النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها.

وعلى هذا يكون حديث النهي بيانا للتعليل الذي بني عليه تحريم من حرم نكاحه في نص القرآن، وقد فهمه النبي صلى الله عليه وسلم وعلل به، وبهذا لم يكن الحديث زائدا عن التقعيد الذي في القرآن، إنما هو استنباط من ذلك التعقيد.

وكان التحريم فيه أخف، لأن تقطيع الرحم فيه أقل، وتعارض الحقوق فيه أقل، فجاء التحريم في الجمع دون التحريم في أصل الزواج، فله أن يطلِّق المرأة ويتزوج عمتها أو يطلِّق المرأة ويتزوج خالتها، وكذلك فإن أصل هذا التقعيد الذي فيه خفة في المفسدة موجود في تحريم الجمع بين الأختين، لأن الضرة من شأنها أن يقع بينهِا وبين ضرتها الخصومة، فحُرِّم الجمع بينهما مخافة المضارّة التي هي من شأن البشر، وخاصة النساء، فحُرِّم الجمع دون أن يحرم تزوج الأخت بعد وفاة أختها، أو بعد طلاق أختها. ومن أجل هذا يقول الشاطبي ومن وافقه: إنه مبني

ص: 51

على تقعيد مستنبط من القرآن فهو بيان لا تأصيل.

أما غيرهم فنظر إلى الظاهر، وأن هذا الحكم لم يكن موجودًا نصًّا، إذًا هو زائد على ما في القرآن، وهذا التعليل موجود في الموافقات للشاطبي ومن أحب فليرجع إليه.

س3: في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الداء والدواء في جناحي الذباب (1) هل جناح الذباب الذي فيه دواء موافق لهذا الداء الذي في الجناح الآخر؟ أو داء أو مرض غيره؟ وهل الذباب المذكور في الحديث هو الذباب المعروف؟

* الجواب على هذا يتضح مما يلي:

أولا: المعروف بالذباب في لغة العرب هو هذا النوع الذي يسقط على القاذورات والأوساخ، والذي يسقط في الطعام أو الشراب، وبهذا الفهم أيضًا هو ما يقصده الأطباء، فهو ليس عامًّا إذن في كل ما يطير بجناحيه.

(1) أخرج البخاري (3320)(5782) وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا وَقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ".

ص: 52

ثانيا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في هذا الحديث أن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر دواءً، وهذا يدلنا على أن المراد بالجناح جناح هذا الذباب الذي ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر في هذا عن كونه دواءً لغير هذا الداء، لأنه يعلل ما ذُكر في كلامه بالغمس ولم يجعل صلى الله عليه وسلم هذا تعليلا عامًّا لعلاج كل داء، إنما ذكره بمناسبة الداء الذي في جناح الذبابة، يقول:«فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاء» .

إذن فقوله صلى الله عليه وسلم عن دواء في الجناح هو دواء للداء الذي ينزل من الجناح الآخر، ولا يصح أن يقال: إن هذا يتعدى إلى علاج داء آخرإلا بدليل.

فالأصل أن ذلك يخص ما ذُكر في الخبر ولا يجوز تعديه إلى غيره، مثل أي طبيب يقول هذا الدواء دواء لهذا الداء، فلو ذهبت إلى الصيدلية لوجدتها مملوءة بالأدوية وكل ما فيها يقال: إنه دواء لكن لا يستعمل كل

ص: 53

دواء في الصيدلية لكل داء أيًّا كان، بل الأدوية التي في الصيدلية موزعة على الأدواء والأمراض، وفق خاصية الداء وخاصية الدواء.

وعلى هذا فلا بد للإنسان أن يقف عند ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام دون أن يتجاوزه بجعل هذا الدواء دواءً لكل داء.

ص: 54