المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الشبهة الثانية رد بعض الأحاديث لمخالفتها للعقل والجواب عنها] - شبهات حول السنة

[عبد الرزاق عفيفي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌[الشبهة الثانية رد بعض الأحاديث لمخالفتها للعقل والجواب عنها]

[الشبهة الثانية رد بعض الأحاديث لمخالفتها للعقل والجواب عنها]

الشبهة الثانية

رد بعض الأحاديث لمخالفتها للعقل أو لمعارضتها المستقر في بعض الأذهان بعض الناس من المسلمين يردُّ بعض أحاديث: إما لمعارضتها لفكره فيما يزعم، أو معارضتها لما يرى أن الطب جاء به، وأن الطب قرَّر قرارًا صحيحًا في أمور لا يليقُ أن يأتي على خلافها حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأمثال هؤلاء يردون أحاديث: إما لمعارضتها لفكرهم وعقولهم، وإما لمعارضتها لقواعد صحيّة.

مثَلَا: فحديث الذباب والأمر بغمسه إذا سقط في الطعام أو في الشراب:

أولا:

يرده جماعة ممن اقتنعوا بالطب، وبالنظريات الطبية، وقدسوا النظريات الطبية، ووثقوا بعقول الأطباء وبتجارب الأطباء، أعظم وأقوى من ثقتهم بتشريع الله

ص: 21

وبما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسنوا نظرهم بالنظريات الطبية أكثر مما حسنوه بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* وفي هذا طعن في أحد أمرين: - إما طعن في المشرعَ.

- أو في المبلَغ وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو خفض لوظيفته ومهمته.

* يقولون: إن وظيفة التشريع صيام، وصلاة وكذا. . . وليس له دراية بالطب، وما الذي يدخله في الطب؟ فهو له دائرة محدودة يدور فيها هي دائرة التشريع من صلاة، وصيام، وبيع، وشراء، وأمثال ذلك، فما الذي يدخله في هذا؟ . . . هذا ليس من اختصاصه، فالعمل فيه إنما يكون على النظريات الطبية لا على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الفن ليس فنًّا له ولا هو من اختصاصه.

ثانيًا: وإما أن يكون ردهم لهذا الحديث من جهة أخرى، هي طعنهم في الرواة الذين رووا هذا الحديث.

ص: 22

* الجواب على هذه الشبهة: أما من الجهة الأولى: فالرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن لهم العلَّة؛ فقال: «إن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء» .

وتعليله هذا- وهو أميٌّ لم يدخل مدارس طب، ولم يتفنن بتجارب قام بها- دليلٌ على أنه إنما تكلم بهذا عن طريق الوحي من الله جل شأنه.

والله سبحانه عليم بخواص مخلوقاته؛ فهو عليم بجناح الذباب، وما فيه من داء وما فيه من دواء، وأن هذا يكون علاجًا لهذا، يقول الله عز وجل:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]

ومعروف في الذباب، أنه إذا هبط من أعلى إلى أسفل في كل مرة أنه يهبط بميل، حتى الطائرات؛ ما تنزل الطائرة رأسية؛ لا بد أن تنزل مائلة إلا إن كانت طائرات مروحية (هليوكبتر) ، إنما الطائرات العادية المعروفة تنزل مائلة؛ ثم إذا أرادت أن تنزل من الجانب الآخر تميل. . وهكذا، هذا

ص: 23

النظام الكوني والطيور إذا أرادت أن تنزل تنزل بجناح، وإذا أرادت أن تقف في الجو تنصب الجناحين إلى الجانبين كما نراها.

القصد أن الذباب كسائر الطيور إذا نزل بالجناح مال على أحد جناحيه، فإذا غمسته كان جناحه الثاني وما فيه من شفاء علاجًا لما أصاب الشراب أو الطعام من الداء الذي نزل في الطعام من الجناح الآخر.

فهذا التعليلُ دليلٌ على أنه- وهو أميٌّ لم يقرأ ولم يكتب وليس صاحب تجارب في الطب، ولمْ يدخل مدارس طب، ولا جامعات طب- ليس تخمينا من عند نفسه ودخوله فيما لا يخصه من عند نفسه، إنما هو بوحي من الله جل شأنه والله عليم بمخلوقاته وما فيها من خواص.

والرسول صلى الله عليه وسلم مكلف بالبلاغ عن الله، وقد بلَّغ هذا عن ربه ويجب على الإنسان أن يثق بوحي الله جل شأنه أعظم من ثقته بنظريات الأطباء.

إن الأطباء لم يتفقوا على ما بنى عليه هؤلاء المعترضون

ص: 24

على هذا الحديث، هم مختلفون أيضًا فيما بينهم، والمسألة مسألة نظرية اجتهادية من الأطباء.

فكيف يُرَدُّ بمسألة نظرية اجتهادية- مازالت تحت البحث- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

وأما من الجهة الثانية

جهة السند: فالسند على طريقة المحدثين سند صحيح مستوف الشروط التي اشترطها علماء الحديث.

والناس الذين اعترضوا على هذا الحديث من جهة رجاله ليس عندهم سند يستندون إليه في ذلك، وهم فيِ معاملتهم وقبولهم للأخبار التي تصل إليهم يعتقدون يقينًا أو يظنون ظنًّا غالبًا بما وصلهم من الأخبار، يعتقدون ما دلت عليه فيلزمهم أن يقبلوا ما جاء عن رواة هذا الحديث، لأنهم أوثق وأضبط وأعدل من الرواة الذين يروون لهم أخبارًا بسفر فلان وفي إدانة فلان، وفي شهادة فلان، هم يقبلون ذلك عن أقل من الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 25

هذا الحديث.

ثم إن الذين يردون بعض الأحاديث لأنها لا تتفق مع أفكارهم ومداركهم يسلكون في ردِّها أحد ثلاثة مسالك: * الأول: فإما أن يردوها ويكذبوها، ويقولون: خالفت العقل إن لم يمكنهم أن يؤولوها.

* الثاني: وإما أن يتأولوها على خلاف ما دلَّت عليه مع كثرتها.

* الثالث: وإما أن يردوها لأنها أخبار آحاد. .

وهذا أيضًا وضع غير سليم واعتراض غير سليم فإن عقولهم يعتريها الخطأ والصواب، والوحي- الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وثبت عنهم- جاء عن الصادق الأمين بوحي من ربه، وهو لا ينطق عن الهوى.

ص: 26