المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الشبهة الرابعة شبهة أخرى والجواب عليها] - شبهات حول السنة

[عبد الرزاق عفيفي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌[الشبهة الرابعة شبهة أخرى والجواب عليها]

[الشبهة الرابعة شبهة أخرى والجواب عليها]

الشبهة الرابعة

شبهة أخرى والجواب عليها س9: ما حكم من يقول: إن بعض الأحاديث تنكر بعضها؟ * الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام ليس برجل بدوي يخبط خبطا عشوائيا وهو أمّي وأمته أميَّة فلا يمكن أن يتكلم بتخمين؛ فكونه يخبر بأن الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، لا يمكن أن يتكلم به عن طريق اجتهاده في أمر لا يعنيه وليس من شأنه، إنما يتكلم فيه عن وحي ولذلك علل وقال: في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، فالمسألة ليست مسألة اجتهاد قال بمقتضاه في أمر ليس من شأنه، إنما هو وحي من الله، فمثله لا يمكن أن يدخل فيه باجتهاده، وهو أمي في أمة أمية يقول في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء، وليس هناك من أمته من العرب من يدري عن

ص: 69

خواص الذباب ولا خواص ما في أجنحته، هذا ما يمكن أن يقوله رسول من عند نفسه في شأن من شؤونه، إنما هو وحي من الله أوحى به إلى رسوله فتكلم به.

أما موضوع التلقيح فهم رجال نخل في بلاد العرب، وهم رجال التمور، وقد يدخل في مثل هذا باجتهاده، كما دخل في مسألة النزول في ميدان القتال واجتهد، ولما أراد أن يصطلح مع قريش والأحزاب لما جاءت إلى المدينة في غزوة الأحزاب، وأن يبرم معهم صلحًا وأن ينزل لهم عن بعض الشيء فأبى الأنصار فرجع إلى رأي الأنصار الذي أشاروا به وكانت الحرب، هذا فيه مجال للاجتهاد فيمكن أن يقول فيه برأيه، ويمكن أن يظهر له خطؤه وأن يرجع عنه.

أما الذي لا يحق لمثله الدخول فيه أصلا وهو من الأمور الغيبية بالنظر له ولأمته فمثل ما جاء في قوله: في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، هذا لا يمكن أن

ص: 70

يكون منه، ولا يجترئ عليه وهو أمي، بل لا بد أن يكون بوحي من الله.

فالذين يقولون هذا الكلام ينظرون إلى كلمات المشوشين في الموضوع، الذين يقولون: إنما بُعث للتشريع وهذا صحيح، ولكن أيضًا أحيانًا يخبر بأمور غيبية فيها مصلحة المسلمين وفيها علاج مثل العلاج بالرقية (1) وهذا لا يقول به الأطباء، فالأطباء لا يقولون بالكي وهم يكوون، أي يعالجون بالكي وهم ينكرون الكي ويسجنون من كوى وسلم نفسه للكي، فهم يعالجون بعض الأدواء بالكي لكنه لا يسلخ الجلد وذلك بالكهرباء، والعرب يعالجونه بالكي، فهم يعالجون بالكي وهو أسرع- من جهة السبب- في العلاج، والعلاج بالكهرباء بطئ، وذلك مثل الشلل فهو يعالج بالكي وهم يعالجونه بالكهرباء، فهذا فقط نوع من العلاج لا يسلخ الجلد ولا يُوجد جرحًا، وذلك نوع من

(1) أحاديث الرقية كثيرة في الصحيحين وغيرهما.

ص: 71

العلاج البدائي أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول:«إن كان الشفاء في شيء ففي ثلاث وذكر منها الكي» (1) هل أتبع أولئك وأقول هذا ليس من فنه؟ أم أن التجربة أيضًا أثبتت أن هذا يعالج به، فأتخير الشخص الذي يكوي. *

(1) تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع: * الأول: فعله صلى الله عليه وسلم بيده أو أمره به، أخرج مسلم (2208) وغيره عن جابر قال:" جرح سعد بن معاذ في أكحله قال: فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية ". قال ابن القيم في (زاد المعاد) : أو الحسم: هو الكي ". وأخرج الترمذي (2050) عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة "، قال الترمذي: " حسن غريب "، وصححه الشيخ الألباني (المشكاة) (4534) ، وأخرج مسلم (2207) وغيره عن جابر قال: " بعث رسول الله " إلى أبَي ابن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه ". * الثاني: عدم محبته له: أخرج البخاري (7502) ومسلم (2205)(71) عن جابر عن النبي قال: إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم، أو لدغة بنار، وما أحب أن أكتوي) . الثالث: الثناء على من تركه، أخرج البخاري (5752) ومسلم (220) من حديث ابن عباس في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب قال: هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون "، وأخرجه مسلم (218) من حديث عمران قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاَ بغير حساب " قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: " هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون " * الرابع: النهي عنه، أخرج البخاري (5680) وغيره عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي ". قال الإمام ابن القيم في (زاد المعاد) بعد ذكر هذه الأنواع:" ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى فإن فعله بدل على جوازه وعدم محبته لا تدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من حدوث الداء. . والله أعلم ". . أهـ.

ص: 72

كذلك الرقية هل يؤمن بها الأطباء؟ ! هم يتبعون الفرنجة الكفرة فلا يعملون بالرقية، والرقية ثابتة شرعًا، وهي نوع من العلاج، نوع من التشريع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء للتشريع، ولا يقال: ما الذي أدخله في الرقية والعلاج؟ وما الذي يدخله في حل السحر؟ وما الذي يدخله في الإثمد وأنه خير أنواع العلاج للعين؟ فهذه الأمور دخل فيها بحالتين:

أ- منها ما يرجع إلى التجربة في قومه.

ب- ومنها ما يرجع إلى الوحي.

فالتي قامت القرائن على أنه من الوحي نؤمن به

ص: 73

ونكذب الأطباء، فالآن السرطان هل اكتشف الأطباء ميكروب السرطان؟ لم يكتشف الأطباء ميكروب السرطان إلى اليوم، ويوجد كثير من الأشياء ما وصلوا إليها في الوقت الحاضر، وآفات كثيرة ما وصلوا إلى علاجها، وقد يكشف طبيب أو جملة من الأطباء ويشخّصون مرضًا ويتبين أن المرض على خلاف ما شخصوا، وهم جملة، فهم يخطئون.

القصد أنني أتهم الأطباء، ولا أتهم الله، ولا أتهم رسوله، ولا أتهم علماء المسلمين العدول، الذين ضبطوا ما نقلوا بسند متصل، ولم ينقض كلام بعضهم بعضًا، وليس هناك تعارض بينهم، وبين القرآن، فأنا أثق بهم أكثر من ثقتي بالأطباء مهما كانوا أقوياء.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ص: 74