الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الإفادة من مال اليتيم في عقود التبرعات
.
المطلب الأول: إقراض ماله
.
…
المبحث الثاني: الإفادة من ماله في عقود التبرعات
وفيه مطالب:
المطلب الأول: قرض ماله
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ملك ذلك.
اختلف العلماء رحمهم الله في ملك الولي لقرض مال اليتيم على قولين:
القول الأول: أنه يجوز قرضه للمصلحة مطلقاً.
مثل: أن يخاف عليه الهلاك من نهب، أو غرق، أو غيرهما، أو يكون مما يتلف بتطاول مدته، أو حديثه خير من قديمه كالحنطة ونحوها، فيقرضه خوفاً من السوس، أو نقص قيمته، وأشباه هذا.
وهو قول جمهور أهل العلم1. واستثنى الحنفية، وبعض الشافعية القاضي: فله قرضه مطلقا.
وحجة هذا القول:
1-
ما تقدم من الأدلة على عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن2، وإقراضه عند المصلحة قربان له بالتي هي أحسن.
2-
ما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما “كان يستقرض مال اليتيم” 3.
1 بدائع الصنائع 5/153، وحاشية الطحطاوي 4/342، والفروق 4/39، والقوانين ص 327، والمهذب مع تكملة المجموع الثانية 13/353، والمحرر 1/347، والفروع 4/319.
2 ينظر: ص (290) .
3 سبق تخريجه (ص: 293) .
قال الإمام أحمد: “إنما استقرض نظراً لليتيم، واحتياطا له إن أصابه شيء غرمه”. 1
3-
أن لليتيم في إقراض ماله للمصلحة حظاً، فجاز كالتجارة به.
4-
أنه إذا لم يكن في إقراض ماله حظ لم يجز؛ لأنه تبرع بمال اليتيم فلم يجز كهبته2.
واحتج من استثنى القاضي فله قرض ماله مطلقا:
1-
أن إقراض القاضي من باب حفظ الدين، إذ الظاهر أن القاضي يختار أملى النّاس وأوثقهم، وله ولاية التّفحّص عن أحوالهم؛ فيختار مَن لا يتحقّق إفلاسه ظاهراً وغالباً3.
2-
أن القاضي ينشغل عن مال اليتيم؛ لكثرة أشغاله، فيملك إقراضه 4.
القول الثاني: عدم جواز قرض مال اليتيم مطلقاً.
وهو وجه عند الشافعية 5، ورواية عن الإمام أحمد 6.
وحجة هذا القول:
1-
ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “لا تشتر شيئاً من ماله ـ أي اليتيم ـ ولا تستقرض شيئاً من ماله 7.
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه محمول على عدم المصلحة، كما أنه مخالف
1 المغني 6/344، والشرح الكبير مع الإنصاف 13/378.
2 المصدر السابق، وكشاف القناع 4/449.
3 بدائع الصّنائع 5/153.
4 مغني المحتاج 2/175.
5 روضة الطالبين 4/191.
6 الإنصاف مع الشرح الكبير 13/378.
7 سبق تخريجه (293) .
لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما1.
2-
أن القرض إزالة الملك من غير عوض للحال، وهو معنى قولهم: القرض تبرع، وهو لا يملك سائر التبرعات 2.
ولعله يناقش: بعدم التسليم، فالقرض ليس تبرعاً من كل وجهٍ، بل يثبت بدله، وما فيه من شائبة التبرع مقرون بالمصلحة.
الترجيح:
يترجح ـ والله أعلم ـ جواز قرض مال اليتيم للمصلحة، لقوة دليله، والإجابة عن دليل المخالف.
المسألة الثانية: شرط القرض عند من أجازه.
الأول: شرط الرهن.
اختلف الفقهاء رحمهم الله في اشتراط الرهن لإقراض مال اليتيم على قولين:
القول الأول: أنه إن رأى الولي المصلحة في أخذ الرهن أخذه، وإن رأى المصلحة في تركه تركه.
وهذا مذهب الشافعية3، وعند الحنابلة4، عدم اشتراط الرهن، ولعل هذا فيما إذا كانت المصلحة في تركه، فإن كانت المصلحة في أخذه اشترط، إذ تصرفات الولي عند الحنابلة منوطة بالمصلحة.
وحجته:
1-
ما تقدم من الأدلة على عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن5.
1 سبق تخريجه (292) .
2 بدائع الصنائع 5/153.
3 المهذب مع تكملة المجموع الثانية 13/354، وأسنى المطالب 2/214.
4 الإنصاف مع الشرح الكبير 13/ 379 والمبدع 4/339.
5 ينظر: ص (290) .
وجه الدلالة: أن إقراض ماله للمصلحة قربان له بالتي هي أحسن وإن لم يكن رهن، إذ قد يمتنع أخذ الرهن.
2-
أن الظاهر أن من يستقرض مال اليتيم لمصلحة اليتيم لا يبذل رهناً، فاشتراط الرهن يفوت هذا الحظ 1.
القول الثاني: اشتراط الرهن لإقراض مال اليتيم.
وهو وجه في مذهب الحنابلة 2.
وحجته: الاحتياط لماله.
ونوقش: بأن الأحوط لماله إقراضه إذا كان فيه حظ له.
الترجيح:
يترجح ـ والله أعلم ـ القول الأول.
فرع: فإن أمكن أخذ الرهن، فهل يجب على الولي أخذه؟
لا شك أن الأولى أخذه احتياطاً؛ لكن إن ترك الولي أخذه ففي ضمانه عند الحنابلة احتمالان.
الاحتمال الأول: أنه لا يجب على الولي أخذ الرهن، فلا يضمن؛ لأن الظاهر السلامة.
الاحتمال الثاني: أنه يجب على الولي أخذ الرهن، فإن لم يفعل ضمن لتفريطه 3.
الشرط الثاني: أن يكون المقترض مليئا ثقة.
1 المبدع 4/339.
2 الشرح الكبير مع الإنصاف 13/379.
3 المغني 6/344، والمصدر السابق.
وهو قول جمهور أهل العلم 1.
وحجته:
1-
أن غير الملئ لا يمكن أخذ البدل منه، فيؤدي ذلك إلى تأخر استرداد مال اليتيم 2.
2-
أن غير الثقة قد يجحد مال اليتيم، أو يماطل في إيفائه 3.
الشرط الثالث: أن يشهد على ذلك.
وهو مذهب الشافعية 4.
ولعل مأخذه الاحتياط لمال اليتيم.
الشرط الرابع: أن لا يقرض ماله بقصد مصلحة الغير كنفعه، أو مكافأته ونحو ذلك، نص عليه الإمام أحمد 5.
لأنه لاحظ لليتيم في ذلك 6.
الشرط الخامس: أن لا يكون المقترض الولي، أو الحاكم.
وبه قال بعض الحنابلة 7.
ولعل الأقرب: عدم الاشتراط، إذ القرض منوط بالمصلحة، وحينئذٍ لا تهمة للولي أو الحاكم.
1 بدائع الصنائع 5/153، والمهذب مع تكملة الثانية 13/354، والمبدع 4/339.
2 المبدع 4/339.
3 المهذب مع تكملة المجموع الثانية 13/354..
4 تكملة المجموع الثانية 13/354.
5 تقدم ص (312)
6 كشاف القناع 3/450.
7 الإنصاف مع الشرح الكبير 13/381.