الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: هبته، والصدقة به، ووقفه ونحو ذلك
.
…
المطلب الثالث: هبته ووقفه، والصدقة به، ونحو ذلك
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هبة ماله بلا عوض.
لا يجوز التبرع بمال اليتيم مجانا باتفاق الأئمة 1.
ويدخل في ذلك: هبته بلا عوض، ووقفه والصدقة به، والمحاباة به في البيع والشراء، والإجارة ونحو ذلك.
والحجة في هذا:
1-
ما تقدم من الأدلة على عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن2.
2-
أن هبة مال اليتيم والصدقة به ونحو ذلك إزالة لملكه من غير عوض، فكان ضرراً محضاً 3.
لكن إذا تضمن العفو عن شيء من ماله إدراك بقيمة ماله، فللولي ذلك4 وجوبا5.
لقوله تعالى: {وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها
1 بدائع الصنائع 5/153، الفتاوى الهندية 6/149، ومواهب الجليل 5/70، وشرح الخرشي 5/297، والمهذب مع تكملة المجموع الثانية 13/346، وحاشية قليوبي وعميره 2/305، والتنقيح المشبع ص 266.
2 ينظر ص (290) .
3 ينظر: بدائع الصنائع 5/153.
4 ينظر الفتاوى الهندية 6/149، وشرح الخرشي 5/297، ومغني المحتاج 2/174، ومعونة أولي النهى 4/438.
5 مغني المحتاج 2/174.
وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} 1.
فالخضر رحمه الله فوت جزءاً من السفينة بالعيب إدراكاً لجميعها 2.
وما لا يدرك كله لا يترك كله.
ولأن تصرفات الولي منوطة بالمصلحة، والمصلحة هنا بالعفو3.
المسألة الثانية: أن يكون بعوض.
مثل أن يهب كتاب اليتيم مقابل دراهم.
فاختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: الجواز.
وهو مذهب الحنابلة، بشرط كون العوض مثل قيمة الموهوب فأكثر 4.
وحجته:
1-
ما تقدم من الأدلة على جواز التجارة بمال اليتيم بالبيع والشراء، والهبة بعوض في معنى البيع 5.
2-
أن الهبة بعوض معاوضة المال بالمال فملكها كما يملك البيع 6.
3-
أن العوض إذا كان أقل من قيمة الموهوب، فهو نوع من المحاباة والولي لا يملك ذلك 7.
1 سورة الكهف آية (79) .
2 مغني المحتاج 2/174.
3 المصدر السابق.
4 الفروع 4/319، ومطالب أولي النهى 3/464، وكشاف القناع 13/450.
5 ينظر ص (291) .
6 بدائع الصنائع 5/153.
7 كشاف القناع 3/450.
القول الثاني: أن هبة الثواب لا تجوز إلا بغبطة ظاهرة.
وهو مذهب الشافعية 1.
ولم أقف له على دليل، ولعل دليلهم أن تصرفات الولي منوطة بالمصلحة ولا مصلحة إلا إذا كانت الهبة بعوض أكثر من القيمة، والله أعلم.
القول الثالث: عدم الجواز مطلقاً
وهو مذهب الحنفية 2، والمالكية 3.
وحجة هذا القول: أما الحنفية فعللوا: أن الهبة بعوض هبة ابتداء، بدليل أن الملك فيها يتوقف على القبض، وذلك من أحكام الهبة، فلم تنعقد هبته، فلا يتصور أن تصير معاوضة4.
ولعله يناقش: بعدم التسليم، بل الهبة بعوض مبادلة مال اليتيم، وهذا هو البيع.
وأما المالكية: فعللوا: أن الهبة إذا فاتت بيد الموهوب لا يلزمه إلا القيمة، والوصي لا يبيع بالقيمة 5.
وتقدم أن المالكية: لا يرون بيع مال اليتيم بالقيمة إلا إذا كان البيع لحاجة 6.
ولعله يناقش: بأن البيع بالقيمة جمهور أهل العلم على جوازه 7.
1 روضة الطالبين 4/189، وأسنى المطالب 2/213.
2 بدائع الصنائع 5/153.
3 مواهب الجليل 5/73، التاج والإكليل 5/72، وحاشية الدسوقي 3/300.
4 بدائع الصنائع 5/153.
5 الشرح الكبير للدردير 3/300
6 ينظر ص (302) .
7 ينظر: ص (299-301) .
الترجيح:
يترجح ـ والله أعلم ـ جواز هبة الثواب بمثل القيمة، أو أكثر، إذ هذا هو البيع، والولي يملكه.
المسألة الثالثة: التضحية عند ماله.
اختلف أهل العلم رحمهم الله في شراء الأضحية لليتيم من ماله على قولين:
القول الأول: أن الولي ونحوه يملك شراء الأضحية لليتيم من ماله إذا كان موسراً.
وهو قول جمهور أهل العلم 1.
وحجته:
1-
قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} 2.
وقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} 3.
وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 4.
وجه الدلالة: أن شراء الأضحية لليتيم من ماله من الإصلاح في ماله، والقيام له بالقسط وقربانه بالتي هي أحسن لما فيه من جبر قلبه، وإلحاقه بمن له أب، وإدخال السرور عليه 5.
2-
حديث نبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أيام التشريق أيام
1 الاختيار لتعليل المختار (17) ، ومجمع الأنهر 2/516، والفتاوى الهندية 6/149، والكافي لابن عبد البر 2/834، والمغني 13/378، والمبدع 4/340.
2 سورة البقرة آية (220) .
3 سورة النساء آية (127) .
4 سورة الأنعام آية (152) ، الإسراء آية (34)
5 كشاف القناع 3/450
أكل وشرب، وذكر الله عز وجل” 1.
وهذا يشمل بيت اليتيم وغيره، فتشرع التضحية له من ماله.
3-
أن شراء الأضحية بمنزلة الثياب الحسنة، وشراء اللحم 2.
القول الثاني: أنه لا يجوز أن يضحى عنه.
وهو مذهب الشافعي 3، ورواية عن أحمد 4.
وحجته:
1-
أنه إخراج شيء من ماله بغير عوض، فلم يجز كالهدية 5.
ولعله يناقش: بالفرق فالهدية إخراج من ماله بلا مصلحة لليتيم، بخلاف الأضحية فيترتب عليه مصلحة جبر قلبه، وإدخال السرور عليه.
قال ابن قدامة: “ويحتمل أن يحمل الكلام أحمد في الروايتين على حالين، فالموضع الذي منع التضحية إذا كان الطفل لا يعقل التضحية، ولا يفرح بها، ولا ينكسر قلبه بتركها، لعدم الفائدة فيها، والموضع الذي أجازها إذا كان اليتيم يعقلها
…
” 6.
2-
أنه مأمور بالاحتياط لماله، ممنوع من التبرع، والأضحية تبرع 7.
1 أخرجه مسلم في الصيام باب تحريم صيام أيام التشريق (144) .
2 المغني 13/378.
3 المجموع شرح المهذب 8/425، وفتح الوهاب 2/190.
4 المغني 13/378.
5 المبدع 4/340.
6 المغني 13/378.
7 المجموع 8/425.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ مشروعية التضحية عن اليتيم من ماله، لما يترتب عليها من مصالح.
المسألة الرابعة: إعتاق رقيق اليتيم
وفيها أمور:
الأمر الأول: إعتاقه على غير مال.
لا يملك الولي إعتاق رقيق اليتيم على غير مال.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة 1.
وحجته: ما تقدم من الأدلة على عدم جواز التبرع بماله بلا عوض 2.
وأجاز الإمام أحمد رحمه الله عتق عبد اليتيم مجانا إذا كان هناك مصلحة، مثل أن تكون له أمة لها ولد يساويان مجتمعين مائة، ولو أفردت ساوت مائتين، ولا يمكن إفرادها بالبيع، فيعتق الولد، لتكثر قيمة الأمة 3.
وفي الإنصاف: (ولعل هذا كالمتفق عليه)4.
وذهب بعض المالكية: إلى جواز إعتاقه بغير مال إذا كان الولي موسراً5.
بناء على أنه ينفذ عتقه على الولي.
الأمر الثاني: إعتاقه على مال.
1 بدائع الصنائع 5/153، الفتاوى الهندية 6/149، وحاشية الدسوقي 3/301، وأسنى المطالب 2/313، والمحرر 1/347
2 ينظر ص (290) .
3 الفروع 4/319، والمبدع 4/337.
4 الإنصاف مع الشرح الكبير 13/373.
5 حاشية الدسوقي 3/301، وحاشية العدوي على شرح الخرشي 5/299.
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه يجوز إعتاقه على مال وكذا مكاتبته إذا كان له فيه حظ، مثل: أن تكون قيمته ألفاً، فيكاتبه بألفين، أو يعتقه بهما.
وهو مذهب المالكية 1، ومذهب الحنابلة 2.
وحجته:
1-
ما تقدم من الأدلة على عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن 3. وإذا كان إعتاقه على مال له فيه حظ فمن قربانه بالتي هي أحسن.
2-
أنها معاوضة لليتيم فيها حظ فملكها وليه كبيعه 4.
القول الثاني: أنها تجوز كتابته إذا كان له فيها حظ، ولا يجوز إعتاقه على مال.
وهو مذهب أبي حنيفة 5.
وحجته:
1-
أن الإعتاق على مال تعليق له على شرط، فلم يملكه الولي قياساً على التعليق على دخول الدار 6.
2-
أن المقصود من العتق على مال العتق دون المعاوضة، فلم يملكه الولي، قياساً على الإعتاق بغير عوض 7
1 شرح منح الجليل 3/184، وحاشية الدسوقي 3/301.
2 الشرح الكبير مع الإنصاف 13/372، والمحرر 1/347.
3 ينظر ص (290) .
4 المبدع 4/337.
5 بدائع الصنائع 5/154.
6 المغني 6/342، والشرح الكبير مع الإنصاف 13/372.
7 المصدر السابق.
3-
أن المكاتبة عقد معاوضة فيملكها الولي، فكانت في معنى البيع بخلاف الإعتاق على مال، فليست عقد معاوضة 1.
القول الثالث: لا تجوز كتابته، ولا إعتاقه على مال.
وهو مذهب الشافعي2.
وحجته:
1-
أن المقصود من الإعتاق والكتابة التبرع دون المعاوضة فلم يجز كالإعتاق بغير عوض 3.
2-
أن اليتيم يأخذ العوض من كسب الرقيق، وهو مال له فيصير كالعتق من غير عوض 4.
ولعله يناقش هذا الاستدلال: بأن محصلهما قياس الكتابة والإعتاق على مال على الإعتاق مجاناً، وهذا قياس مع الفارق، إذ لا حظ لليتيم في العتق مجانا، بخلاف الكتابة والعتق على مال فيهما نفع ظاهر خصوصاً إذا اقتضت المصلحة ذلك.
الترجيح:
يترجح ـ والله أعلم ـ أن الكتابة والإعتاق على مالٍ جائز مع المصلحة؛ لأنه من قربان مال اليتيم بالتي هي أحسن.
1 بدائع الصنائع 5/154.
2 المهذب مع تكملة المجموع الثانية 13/352، وأسنى المطالب 2/213.
3 الشرح الكبير مع الإنصاف 13/372.
4 المهذب مع تكملة المجموع الثانية 13/352.