الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: بيعه نسيئة
1
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ملك الولي لذلك.
اختلف العلماء رحمهم الله في الولي هل له بيع مال اليتيم نسيئة؟ على قولين:
القول الأول: أنه يجوز للولي بيعه نساء إذا كان هناك مصلحة، بأن يكون أكثر ثمناً وأنفع، أو الخوف عليه من نحو نهب، ونحو ذلك.
وهذا ظاهر مذهب المالكية: حيث أناطوا تصرفات الولي بالمصلحة وهو مذهب الشافعية، والحنابلة2.
وحجته: قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} 3.
وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 4.
وقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} 5
وإذا كان في بيع مال اليتيم نسيئة مصلحة، فهو من الإصلاح لماله، وقربانه بالتي هي أحسن، ومن القيام له بالقسط.
2-
أن الولي يملك الاتجار بمال اليتيم، والبيع نسيئة لمصلحته من عادة
1 النّسيئة: التّأخير، المصباح 2/604.
2 الفروق 4/39، والشرح الصغير 1/142، ونهاية المحتاج 3/375، وفتح الوهاب 1/208والشرح الكبير مع الإنصاف 13/377، والمبدع 4/339
3 سورة البقرة آية (220) .
4 سورة الأنعام آية (152) ، والإسراء آية 34
5 سورة النساء آية (127) .
التجار وعملهم 1.
القول الثاني: يجوز بيع مال اليتيم نسيئة إذا لم يكن الأجل فاحشاً لا يباع هذا المال به. وهذا قول الحنفية 2.
وظاهره: أن الأجل إذا كان يسيرا يعفى عنه، وإذا كان بعيداً اشترط زيادة الثمن لزيادة الأجل، وهذا يقول به جمهور أهل العلم.
ولعل حجته: أن الأجل اليسير مما جرى التسامح فيه بين الناس، كالغبن اليسير3.
وأما الأجل البعيد مع زيادة الثمن، فدليله ما تقدم من دليل جمهور أهل العلم4.
القول الثالث: أن الولي لا يملك البيع نسيئة مطلقاً.
وهو رواية عن الإمام أحمد5.
ولم أقف له على دليل، ولعل حجته الاحتياط لمال اليتيم، وأن بيعه نسيئة لا يساوي بيعه حاضراً.
ويمكن أن يناقش: بأنه يسلم مع عدم المصلحة في بيعه نسيئة، لكن مع المصلحة، فبيعه نسيئة كبيعه حاضرا، أو أنفع.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول وأن للولي بيع مال اليتيم بثمن
1 بدائع الصنائع 5/153.
2 الفتاوى البزازية 5/221، والفتاوى الهندية 3/176، وحاشية رد المختار 6/708.
3 المصادر ص (302)
4 ينظر ص (298) .
5 الإنصاف مع الشرح الكبير 13/377.
مؤجلاً إذا كان أصلح، لقوة ما استدلوا به، ولأن المصلحة تقتضي ذلك فالمصلحة لا تنحصر في زيادة الثمن فحسب، بل من المصلحة ألا تنفق السلعة إلا ببيعها نسيئة، وإلا فسدت على اليتيم، ولا شك أن البيع هنا أصلح ولو نسيئة، ومن المصلحة أيضا، تكثير المشترين ونحو ذلك.
المسألة الثانية: شرط ذلك عند من أجازه.
تقدم أن جمهور أهل العلم يرون جواز بيع مال اليتيم نسيئة، وقد ذكر بعض العلماء شروطاً مأخذها: حرمة مال اليتيم، والاحتياط له.
الشرط الأول: أن يأخذ على الثمن المؤجل رهناً وفياً به، ولا يجزئ الكفيل عن الرهن.
وهذا الشرط ذهب إليه الشافعية 1، واستثنوا الجد، فلا يشترط الرهن في حقه؛ لأنه أمين في حقه.
والقول الثاني: أنه يحتاط على الثمن برهن، أو كفيل موثوق به.
وبه قال جمع من الحنابلة2.
الشرط الثاني: أن يشهد على البيع وجوباً.
الشرط الثالث: أن يكون المشتري موسراً ثقة.
الشرط الرابع: أن يكون الأجل قصيراً عرفاً.
وهذه الشروط اشترطها الشافعية3.
واشترط الحنفية: أن يأمن الجحود، وهلاك الثمن، وهو مقتضى كلام
1 مغني المحتاج 2/175، ونهاية المحتاج 3/378.
2 الإنصاف مع الشرح الكبير 13/377.
3 المصادر السابقة للشافعية.
غيرهم 1.
ومأخذ هذه الشروط ـ كما تقدم ـ الاحتياط لليتيم.
ولعله يقال: بأن اشتراط مثل هذه الشروط كلها أو بعضها يختلف باختلاف الحال، فقد تدعو الحاجة إلى اشتراط هذه الشروط، أو بعضها، وقد تدعو الحاجة إلى عدم اشتراط البعض منها، ما دام أن البيع نسيئة مقيد بالمصلحة، فعلى الولي أن يجتهد بالنظر إلى ما يحفظ مال اليتيم، ويحقق مصلحته، والله أعلم.
1 المصادر السابقة للحنفية.