المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني عشر«باب المبتدأ» - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٣

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌الباب الثاني عشر«باب المبتدأ»

‌الباب الثاني عشر

«باب المبتدأ»

«وهو ما عدم» يشمل الاسم الصريح نحو: زيد والمؤول به نحو: {وأن تصوموا} ويشمل الفعل نحو: يقوم. «حقيقة» كزيد من (زيد قائم). «أو حكمًا» نحو: {هل من خلق غير الله} ف (خالق) مبتدأ خبره (غير الله)، ولا يخفى أنه غير عادم للعامل حقيقة، لأنه ملتبس به، لكن لما كان العامل زائدًا قدر عدمه، فمدخوله عادم له حكمًا لا حقيقة، ومن كلام العرب (ناهيك بزيد) وأعرب بعض النحاة (ناهيك) خبرًا، و (زيد) مبتدأ زيدت فيه الباء، وهو ظاهر، لأن المعنى أن زيدًا ناهيك عن تطلب غيره؛ لما فيه من الكفاية. «عاملًا لفظيًا» لا معنويًا، فإن المبتدأ لم يعدم العامل مطلقاُ، وإنما عدم العامل اللفظي، وأما العامل المعنوي فثابت له.

«من مخبر عنه» إما بأمر يرجع إلى اللفظ نحو: زيد ثلاثي، أو بأمر يرجع إلى

ص: 13

المعنى نحو: زيد قائم، فخرج الفعل؛ لأنه مخبر به لا عنه.

«أو وصف» أتي به؛ ليدخل أحد قسمي المبتدأ، وذلك أن المبتدأ على قسمين: مسند إليه كما مر، ومسند كالوصف في قولك: أقائم الزيدان؟ ، يعني بالوصف اسم الفاعل كما مثلنا، واسم المفعول نحو: ما مضروب العمران، والصفة المشبهة نحو: أحسن أخوك؟ ، والمنسوب جار مجرى الوصف نحو: أقرشي أبوك؟ .

«سابق» نعت للوصف، احترز به من نحو؛ أخواك خارج أبوهما، ف (خارج) خبر لا مبتدأ، لأنه غير سابق.

«رافع ما انفصل» أي رافع لاسم مستقل غير مفتقر للاتصال بغيره، فخرج الضمير المتصل، ودخل الاسم الظاهر كما مثلنا، والضمير المنفصل نحو: أقائم أنتما؟ ولو عبر بقوله: (ما استقل) لكان أظهر؛ لئلا يتوهم أن المراد الضمير المنفصل، وذلك غير متعين اتفاقًا، بل قال: بامتناعه جماعات، والصحيح الجواز، وهو مذهب البصريين بدليل قول الشاعر:

114/ خليلي ما واف بعهدي أنتما إذا لم تكونا لي على من أقاطع.

قال ابن هشام: هذا البيت وقوله تعالى: {أراغب أنت عن ألهتي} مما يقطع [به] على بطلان مذهب المانعين لرفع الوصف المذكور ضميرًا منفصلًا على أنه فاعل به؛ وذلك لأن القول بأن الضمير مبتدأ يؤدي - في البيت - إلى الإخبار عن الاثنين بالواحد، ويؤدي - في الآية - إلى فصل العامل من معموله بأجنبي.

ص: 14

قلت: وقد أجيب عن الأول ب [احتمال] أن يكون [أنتما] مبتدأ خبره الجملة الشرطية بعده مع الجواب المحذوف المدلول عليه بقوله: (ما واف بعهدي)، والتقدير: أنتما يا خليلي إذا لم تكونا لي على من أقاطعه فما أحد واف بعهدي، أي أن عدم قيامكما معي على من أقاطعه سبب لأن لا يكون أحد يفي بعهدي، لأن من سواكما ليس عندي في مرتبتكما من خلوص المودة وصدق الإخاء، فإذا لم تساعداني وتكونا لي على من أقاطعه لم يوف أحد بعهدي؛ لا تسامه بكما؛ وادعائه أنه أحق بعدم الوفاء.

وأجيب عن الثاني: بأنا نمنع تعليق الجار ب (راغب) المذكور ليلزم المحذور، ويجعل متعلقا بمحذوف، والتقدير: أراغب أنت ترغب عن ألهتي.

وجعل ابن قاسم من أدلة الجواز قول الآخر:

فما باسط خيرًا ولا دافع أذى من الناس إلا أنتم آل دارم

قلت: وهذه المسألة لا تقبل الخلاف؛ إذ الفصل في مثل هذا [في] الفعل واجب، نحو: ما قام إلا أنت، والمانعون إنما اعتلوا بأن الوصف إذا رفع الفاعل الساد مسد الخبر كان جاريًا مجرى الفعل، والفعل لا ينفصل فيه الضمير، وأنت خبير بأن هذه العلة لا تأتي مع الحصر ب (إلا)، فتأمله. «وأغنى» قالوا: عن الخبر. وهو

ص: 15

منتقد بأنه لم يكن لهذا المبتدأ الخاص من خبر أصلًا، حتى يحذف ويغني غيره عنه أو يسد مسده، ولو تكلفت له تقدير خبر لم يتأت؛ إذ هو في المعنى كالفعل والفعل لا خبر له، ومن ثم [تم] بفاعله كلامًا، ولو فسر قول المصنف:(وأغنى) بأن معناه: أن يكون مكتفيً به، أي يستقل مع الوصف المذكور كلامًا: ليحترز به عن مثل: أقائم أبواه زيد، فإن الفاعل فيه ليس بمكتفي به؛ ضرورة التباسه بالضمير المفتقر إلى زيد المعود إليه لكان حسنًا.

وعليه فيعرب (زيد) مبتدأ مؤخرًا، و (قائم) خبرا مقدمًا، لا مبتدأ و (أبواه) فاعلًا به، ولا يجعل من هذا الباب. وفيه نظر، فليتأمل.

قال ابن قاسم: لو عطف على هذا الوصف ب (بل) انفصل الضمير، فتقول: أقائم الزيدان بل قاعدهما؟ . قال المازني: وتقول أقائم أخواك أم قاعدهما؟ هذا القياس والوجه، وحكى: أم قاعدان، بالضمير المتصل. [انتهى].

وعلى تقدير العطف - مع كون الضمير متصلًا - يرد على المصنف إشكال، وذلك أن المعطوف على المبتدأ مبتدأ، ولا خبر هنا، والوصف لم يرفع ما انفصل، وإنما رفع ضميرا متصلًا. بل أقول: ولو رفع منفصلاُ - فقلت: أقائم الزيدان أم قاعدهما؟ ، وفسر (أغنى) ب (اكتفى به) - ورد عليه من حيث افتقار مرفوع الوصف إلى غيره، فتأمله.

ص: 16

«والابتداء كون ذلك» الذي عدم حقيقة أو حكمًا عاملًا لفظيًا «كذلك» أي مثل ما ذكرناه من كونه مخبرًا عنه، أو وصفًا رافعًا لما انفصل وأغنى.

«وهو» أي الابتداء «يرفع المبتدأ، والمبتدأ [يرفع] الخبر» وهذا مذهب سيبويه.

قال في الكتاب: فأما الذي يبني عليه شيء هو هو فإن المبني عليه يرتفع به، كما ارتفع هو بالابتداء، وذلك قولك: / عبد الله منطلق، ارتفع (عبد الله)؛ لأنه ذكر ليبنى عليه (المنطلق)، وارتفع (المنطلق)؛ لأن المبني على المبتدأ بمنزلته. وبقول سيبويه قال جمهور [البصريين]. «خلافًا لمن رفعهما به» أي: رفع المبتدأ والخبر جميعًا بالابتداء، وهو اختيار ابن الحاجب وجماعة من المتأخرين، قالوا: لأن الابتداء يطلب المبتدأ أو الخبر على السواء، فكان عاملًا فيهما. «أو» رفعهما «بتجردها للإسناد» ، وهو مذهب الجرمي والسيرافي وجماعة من البصريين. والفرق بين الابتداء والتجرد للإسناد [أن التجرد للإسناد] وصف هو التجرد، مقيد بقيد واحد، وهو كونه للإسناد، أي: إسناده إن كان خبرًا أو وصفًا لمكتفئ به، أو الإسناد إليه إن كان مبتدأ غير وصف، وأن الابتداء عبارة من أوصاف متعددة، وهي المشروحة في الحد المشار إليه بقوله:(كون ذلك كذلك).

«أو رفع بالابتداء المبتدأ وبهما» جميعًا أي: بالابتداء والمبتدأ «الخبر» ، وهو

ص: 17

قول أبي إسحاق الزجاج وأصحابه ونسب إلى المبرد، ورد بأنه يلزم عليه امتناع تقدم الخبر؛ لأن المعمول لا يتقدم [على عامله] إلا حيث يكون العامل متصرفًا، ولا يرد بأنه يلزم اجتماع عاملين على معمول واحد؛ لأن العمل عند صاحب هذا القول منسوب لمجموع الأمرين، لا لكل منهما. «أو قال» المبتدأ والخبر «ترافعا» فكل منهما عامل في الآخر، وهذا مذهب الكوفيين، والنظر في هذه المذاهب توجيهًا أو اعتراضًا مما يطول الكلام فيه.

«ولا خبر للوصف المذكور» وكيف يكون له خبر، والخبر إنما هو للمخبر عنه، وهذا ليس بمخبر عنه أصلًا، بل هو مسند كالفعل! ! فلا يقال: إن له خبرًا «لا يصغر» ، فلا يقال: أضويرب الزيدان. «ولا يوصف» ، فلا يقال: أضويرب الزيدان. «ولا يوصف» فلا يقال: أضارب عاقل الزيدان، ولا أضارب الزيدان عاقل. «ولا يعرف» فلا يقال: أالقائم الزيدان؟ على أن يكون الزيدان فاعلًا بالوصف.

قال ابن السراج: لأنه قد يكمل اسما معرفة، والمعرفة لا تقوم مقام الأفعال. «ولا يثنى ولا يجمع» فلا يقال: أقائمان الزيدان؟ ولا أقائمون الزيدون؟ ، على أن يكون الزيدان والزيدان فاعلًا.

ص: 18

«إلا على لغة: يتعاقبون فيكم ملائكة» وسيأتي الكلام عليها في الفاعل.

قال ابن هشام: ولا يدخل عليه حرف جر، ولهذا رد إعراب الزمخشري {هل من خلق غير الله} حيث جعله من هذا الباب، [أعني أن] يكون خالق مبتدأ وغير الله فاعلًا به، والصواب أنه من باب المبتدأ [وخبره] كما أسلفناه.

ولم يتعرض المصنف في هذا الكتاب لحكم الوصف المذكور في حالتي مطابقته للمرفوع في إفراد، نحو: أقائم زيد؟ وغيره، نحو: أقائمان أخواك؟ ، وأقائمون إخوتك؟ ، وعدم مطابقته إياه، نحو: أقائم أخواك؟ ، فيتعين أن يكون [هذا] من هذا الباب في القسم الأخير، ومن باب المبتدأ والخبر في القسم الثاني، وهو المطابقة في غير الإفراد إلا على اللغة المذكورة، فيكون - حينئذ كالقسم الأول، فيجوز فيه الأمران، وهما: أن يكون الوصف مبتدأ، والمرفوع بعده فاعلًا [به]. وأن يكون الوصف خبرًا مقدمًا، والمرفوع مبتدأ مؤخرًا، مع أن هذه المسألة مذكورة في المختصرات. «ذلك المجرى باستحسان» من كونه مبتدأ، والمرفوع الواقع بعده فاعلًا مكتفئ به «إلا بعد نفي» ب (ما) و (إن) ونحوهما، كقولك: ما قائم الزيدان و [إن] ذاهب العمران. «أو استفهام» بالهمزة أو غيرهما من أدوات الاستفهام نحو: أقائم الزيدان؟ ، وهل معتق عبداك ومن

ص: 19

116 ضارب العمران؟ ومتى راجع أخواك؟ ، وأيان قاعد صاحباك؟ ، وكيف مقيم ابناك؟ ، وكم ماكث صديقاك؟ ، وأيان قادم رفيقاك؟ ، كذا قال المصنف «خلافًا للأخفش» والكوفيين [في] تجويزهم رفع الصفة الظاهر بعدها باستحسان، على أنه فاعل لها من غير اعتماد على النفي أو الاستفهام، فيجوزون: قائم الزيدان، كما يجوز: ما قائم الزيدان، وأقائم الزيدان؟ ، وأشار المصنف بقوله:(باستحسان) إلى أن الوصف قد يجري ذلك المجرى في كونه مبتدأ رافعًا لما بعده، على أنه فاعل له، وإن [كان] لم يعتمد على نفي أو استفهام، لكن لا باستحسان، ونسب المصنف ذلك إلى سيبويه، قال: ومن زعم خلاف ذلك [عليه] فقد قول سيبويه ما لم يقل، وجعل من ذلك قول الشاعر:

خبير بنور لهب فلاتك ملغيا مقالة لهبي إذا الطير مرت

وقال الآخر:

ص: 20

فخير نحن عن الناس منكم إذا الداعي المثوب قال يالا

ووجه الاستدلال بالأول أنه لو جعل (بنو لهب) مبتدأ مخبرًا عنه بقوله: (خبير) لزم عمم المطابقة، فتعين كون (خبير) مبتدأ، و (بنو لهب) فاعلًا به.

وأجيب: بأن فعيلًا يستوي فيه المفرد وغيره، قال الله تعالى:{والملائكة بعد ذلك ظهير} ، وقال تعالى:{وحسن أولئك رفيقا} وقال تعالى: {خلصوا نجيا} .

ومنه قول الشاعر:

جملت أسدًا على سود الكلاب فقد أضحى شريدهم في البحر ضلالًا

ص: 21

فوضع (شريدًا) موضع الجمع؛ ولذا قال: (ضلالًا).

ووجه الاستدلال بالثاني [أنه] لو جعل (خير) خبرًا مقدما؛ و (نحن) مبتدأ لزم الفصل بين اسم التفضيل و (من) بمبتدأ، وهو أجنبي منهما، فتعين أن يكون (خير) مبتدأ، و (نحن) فاعلًا به.

وأجيب: بأنا لا نسلم أن (نحن) مبتدأ ولا فاعل، وإنما هو تأكيد للضمير المستكن في (خير) و (خير)[خبر] مبتدأ محذوف، والتقدير: فنحن خير نحن، كما تقول: أنت قائم أنت، على ذلك خرجه ابن خروف.

وتلخص من [هذا] أن سيبويه والأخفش متفقان على جواز: قائم الزيدان،

ص: 22

والخلاف ينهما إنما هو الاستحسان، فسيبويه، يقول: ليس بحسن، والأخفش يقول: هو حسن، وكذا الكوفية. «وأجري في ذلك» المذكور من كون المرفوع بعد الوصف فالعلًا به. «غير قائم، ونحوه» مثل: غير مضروب. «مجرى [ما] قائم» فتقول: غير قائم الزيدان، وغير مضروب العمران، كما تقول: ما قائم الزيدان، وما مضروب العمران.

وعلى ذلك خرج ابن الشجري قول أبي نواس:

غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن

فجعل (غير) مبتدأ لا خبر له، [بل] لما أضيف إليه مرفوع يغني عن الخبر، وذلك لأنه في معنى النفي، والوصف بعده مخفوض لفظًا، وهو في قوة المرفوع بالابتداء، فكأنه قيل: مأسوف على زمن ينقضي مصاحبًا للهم والحزن، فهو نظير:

ص: 23

ما مضروب الزيدان، والنائب عن الفاعل الظرف، وجزم المصنف بتخريجه على هذا الوجه تبعًا لابن الشجري، وجوز ابن الحاجب ذلك وزاد وجهًا ثانيًا اختاره هو وجزم به ابن جني، وهو أن يكون (غير) خبرًا مقدمًا، والأصل: زمن ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه، ثم قدمت (غير) وما بعدها، ثم حذف (زمن) دون صفته، فعاد الضمير المجرور ب (على) على غير مذكور، فأتى بالاسم الظاهر مكانه. وفيه حذف الموصوف مع أن الصفة غير مفردة، وهو جائز في الشعر. وخرجه ابن الخباز على أن يكون (غير) خبر [مبتدأ] محذوف 117 و (مأسوف) مصدرًا جاء على/ مفعول، كالمعسور والميسور، والمراد به اسم الفاعل، والمعنى [أنا] غير آسف على زمن هذه صفته. وهو ظاهر التعسف.

«ويحذف الخبر» وهو ما أسند إلى المبتدأ حذفًا «جوازًا» أي جائزًا، فهو مصدر بمعنى الفاعل، ك (زيد عدل) «لقرينة» كقولك: زيد، لن قال: أفي الدار أحد؟ والتقدير: زيد فيها.

ص: 24

قال المصنف في الشرح: ومنه الخبر بعد إذا الفجائية، نحو: خرجت فإذا السبع، يجوز حذفه لكن قليلًا؛ ولذلك لم يرد في القرآن مبتدأ بعد (إذا) إلا وخبره ثابت. هذا كلامه، وهو مبني على أن إذا الفجائية حرف، وأما على مذهب المبرد القائل بأنها ظرف مكان فلا يقدر محذوف، بل تجعل هي الخبر، والتقدير: فبالمكان السبع.

قال الرضي: وما ذهب إليه لا يطرد في جميع واضع إذا المفاجأة؛ إذ لا معنى لقولك: (فبالمكان السبع بالباب)، في تأويل قولهم: خرجت فإذا السبع بالباب.

وأما على مذهب الزجاج القائل: بأن إذا المفاجأة ظرف زمان، فيجوز أن تكون في قولهم: فإذا السبع - خبرًا عما بعدها بتقدير مضاف، أي فإذا حصول السبع، أي ففي ذلك الوقت حصوله؛ لأن ظرف الزمان لا يكون خبرًا عن الجثة، كما سيجيء.

ويجوز أن [يكون] الخبر محذوفًا، و (إذا) ظرف لذلك الخبر غير ساد مسده، أي ففي ذلك الوقت السبع بالباب، فحذف (بالباب)، لدلالة قرينة (خرجت) عليه.

ويجوز أن يكون ظرف الزمان مضافًا إلى الجملة الاسمية، وعامله محذوف، على ما قال ابن الحاجب، أي: ففاجأت وقت وجود السبع بالباب.

ص: 25

لكن يلزم هذا إخراج (إذا) عن لظرفية؛ ضرورة أنه - حينئذ - مفعول [به] ل (فاجأت)، ولا داعي إلى ذلك، فإن (إذا) الظرفية غير متصرفة على الصحيح.

فإن قلت: فما هذه الفاء الداخلة على إذا المفاجأة؟ .

قلت: نقل عن الزيادي أنه جواب شرط مقدر.

قال الرضي: ولعله أراد أنها فاء السببية التي المراد منها لزوم ما بعدها لما قبلها، أي مفاجأة السبع لازمة للخروج.

وقال المازني: هي زائدة، ويرده امتناع حذفها.

وقال أبو بكر مبرمان: هي للعطف حملًا على المعنى، أي خرجت ففاجأت ذكا وهو قريب.

وكان اللائق بالمصنف تقديم قوله: (لقرينة) على قوله: (جوازًا)؛ ليكون ذلك متناولًا لصورتي الحذف الجائز والواجب «و» حذفًا «وجوبًا» أي واجبًا «بعد (لولا) الامتناعية» نحو: لولا زيد لهلك عمرو، وهذا تفريغ على أن الاسم الواقع بعد لولا غير مرفوع بها، وهو مذهب الجمهور، وسيأتي الخلاف فيه، قالوا: ولا يجوز أن يكون جواب (لولا) خبره؛ لخلوه عن الفائدة في الأغلب، فخبره محذوف وجوبًا؛ لحصول

ص: 26

شرطي وجوب الحذف:

أحدهما القرينة الدالة على الخبر المعين، وهي لفظة (لولا)؛ إذ هي موضوعة لتدل على انتفاء الملزوم، ف (لولا) دالة على أن خبر المبتدأ الذي بعدها (موجود)، لا (قائم)، ولا (قاعد)، ولا غير ذلك.

والثاني اللفظ الساد مسد الخبر، وهو جواب (لولا).

وأشار المصنف بقوله: «غالبًا» إلى صورتين مغلوبين بالنسبة إلى ما تقدم: إحداهما - أن يراد بخبر المبتدأ الواقع [بعد (لولا) كون) مقيد لا دليل عليه عند الحذف فتعين ذكره، نحو: لولا زيد سالمنا ما سلم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:(لولا قومك حديثو عهد بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم).

الثانية - أن يراد به كون مقيد يقوم عليه دليل/ عند الحذف، فيجوز لك فيه - 118 حينئذ - الإثبات، نحو: لولا أنصار زيد حموه لم ينج، [والحذف نحو: لولا أنصار زيد لم ينج]؛ لولا الدال على هذا الخبر الخاص.

قال المصنف - بعد ذكر هذا التفصيل -: وما ذهبت إليه هو مذهب الرماني

ص: 27

والشلوبين، والذي عليه الجمهور أن الخبر بعد (لولا) لا يكون إلا كونا مطلقًا، فيجب حذفه دائمًا، ومن ثم لحنوا المعري في قوله:

يذيب الرعب منه كل غضب فلولا الغمد يمسكه لسالا

وخرجه لعضهم على أن (يمسكه) حال من الضمير المستكن في الخبر، أي فلولا الغمد موجود في حال كونه يمسكه.

ورد بأن الأخفش نقل أن العرب لا يأتون بالحال بعد الاسم الواقع بعد (لولا) كما لا يأتون بالخبر.

ص: 28

نعم يحتمل تقدير (يمسك) بدل اشتمال على أن الأصل: أن يمسكه، ثم حذفت (أن) وارتفع الفعل؛ أو تقدير (يمسكه) جملة معترضة.

فإن قلت: ما فائدة إتيان المصنف بقيد (الامتناعية) في قوله: [بعد] لولا الامتناعية)؟ .

قلت: بيان المحل الذي يقع فيه المبتدأ المذكور، ولم يقصد به الاحتراز، فإن (لولا) التي يقع بعدها المبتدأ لا تكون إلا امتناعية، وهي الداخلة على اسمية ففعلية، لربط امتناع الثانية بوجود الأولى. «و» يحذف الخبر أيضًا وجوبًا «في قسم صريح» نحو: لعمرك لأفعلن، فإن صراحة (لعمرك) في القسم، وتعينه له دال على الخبر المحذوف، أي لعمرك ما أقسم به، وجواب القسم ساد مسد الخبر المحذوف.

والعمر [والعمر] بمعنىً، ولا يستعمل مع اللام إلا المفتوح؛ لأن القسم موضع التخفيف؛ لكثرة استعماله.

واحترز المصنف بقوله: (صريح) من نحو: (عهد الله)، فلا يجب حذف خبره، بل يجوز إثباته، فتقول: علي عهد الله لأفعلن؛ وذلك لأنه لا يشعر بالقسم حتى تذكر المقسم عليه، بخلاف [نحو] لعمرك، وأيمن الله، وأمانة الله، مما هو صريح في القسم.

«وبعد واو المصاحبة الصريحة» قال ابن قاسم: نحو كل رجل وضيعته، أي مقرونان، والخبر محذوف؛ لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية، وكان الحذف

ص: 29

واجبًا؛ لقيام الواو مقام (مع).

قلت: هذا مشكل، فإن الخبر ليس (مع) حتى إذا قامت الواو مقامه وسدت مسده يكون الحذف واجبًا، وإنما الخبر هو قولنا:(مقرونان) الذي قدره بعد المعطوف والمعطوف عليه، وليس ثم شيء سد مسده، فلو قيل: التقدير (كل رجل [مقرون] وضيعته، أي [هو] مقرون وضيعته مقرونة به، كما تقول: زيد قائم وعمرو، ثم حذف (مقرون) وأقيم المعطوف مقامه، لبقي البحث في حذف خبر المعطوف وجوبًا من غير ساد مسده.

قال الرضي: ويجوز أن يقال عند ذلك [إن] المعطوف أجري مجرى المعطوف عليه في وجوب حذف خبره، قال: هذا والظاهر أن حذف الخبر في مثله غالب لا واجب. «و» يحذف الخبر أيضًا وجوبًا «قبل حال إن كان المبتدأ أو معموله مصدرًا عاملًا في مفسر صاحبها، أو مؤولا بذلك» فهذه ثلاث صور يجب فيها حذف الخبر قبل الحال:

الصورة الأولى: أن يكون المبتدأ مصدرًا عاملًا في مفسر صاحب الحال، نحو: ضربي زيدًا قائمًا، وأصل التركيب: - على ما اختاره المصنف، كما ستعرفه - ضربي زيدًا ضربه قائما، ف (ضربي) مبتدأ، وهو مصدر عامل في (زيدًا) و (زيدًا) هذا مفسر 119 لصاحب الحال من قوله ضربه قائمًا، فإن (قائما) حال من الضمير الذي اتصل/ بالخبر، وهو ضربه، ومفسر هذا الضمير هو (زيد)، كما قلناه.

ص: 30

الصورة الثانية: أن يكون معمول المبتدأ مصدرًا عاملًا في مفسر صاحب الحال كما مر، نحو: أكثر شربي السويق ملتوتا، والتقدير: أكثر شربي السويق شربه ملتوتًا، فالمبتدأ - وهو أكثر - له معمول هو المصدر المضاف هو إليه، وهو الشرب، والشرب عامل في السويق الذي هو مفسر لصاحب الحال الذي هو الضمير المضاف إليه من قولنا: شربه.

الصورة الثالثة: أن يكون معمول المبتدأ ليس مصدرًا صريحًا، وإنما هو مؤول بالمصدر نحو: أخطب ما يكون الأمير قائمًا، والتقدير: أخطب أكون الأمير كونه قائمًا، فالمبتدأ - وهو أخطب - له معمول هو (ما يكون)، وهو ليس بمصدر صريح، لكنه مؤول بالمصدر وهو الكون، وإنما قدرناه بالأكوان؛ أجل إضافة أفعل التفضيل ضرورة أنه بعض ما يضاف إليه، فلا بد من تعدده، ثم هذا المصدر مضاف عند السبك إلى معمول الفعل، فتقول: أكون الأمير، فإذن هو مؤول بمصدر عامل في الأمير الذي هو مفسر لصاحب الحال الذي هو الضمير المضاف إليه من قولنا:(كونه قائمًا).

فالخبر في الصور الثلاث محذوف وجوبًا؛ لاجتماع شرطي وجوب الحذف: وهما وجود القرينة، ووجود اللفظ الساد مسد الخبر وهو الحال. «والخبر الذي سدت مسده مصدر مضاف إلى صاحبها» كما قدرناه في الصور الثلاث. «لا زمان مضاف إلى فعله» أي إلى فعل صاحب الحال، فالتقدير: ضربي زيدًا إذا كان قائمًا، [وأكثر شربي السويق إذا كان ملتوتًا، وأخطب ما يكون الأمير إذا كان قائمًا]، هذا إن أريد الاستقبال، وإن أريد المضي فيقدر (إذ)، والخبر في الحقيقة هو ما يتعلق به الظرف من الاستقرار، وهذا مذهب الجهور، لكن المصنف خالفهم وقال بالقول

ص: 31

الأول. «وفاقًا للأخفش» لقلة الحذف على تقدير كونه مصدرًا مع صحة المعنى؛ لأنه لم يحذف منه إلا خبر مضاف إلى مفرد مع ذلك المفرد.

ومذهب الجمهور يقتضي حذف الخبر، وهو متعلق الظرف ثم ناب عنه وهو (إذا) أو (إذ) مع فعل وفاعل.

فإن قلت: ويلزم على مذهب الأخفش حذف المصدر وإبقاء معموله، وهو محذور كما نص عليه سيبويه.

قلت: المسألة خلافية، وسيأتي الكلام عليها في موضعها إن شاء الله تعالى.

ثم اعلم أن (كان) المقدرة عند الجمهور في التركيب المذكور تامة؛ [ولذا جعلوا المنصوب بعدها حالًا، وليست ناقصة]، ولذا لم يجعلوا المنصوب بعدها خبرًا لها، وإنما فعلوا ذلك؛ لأن مثل هذا المنصوب - أي الذي يجيء بعد المصدر المضبوط بالضابط المذكور - لا يكون إلا نكرة، فلو كان خبرًا ل (كان) لجاز تعريفه.

«ورفعها خبرًا» أي رفع الصفة التي كانت حالا على أن تجعل خبرًا للمبتدأ «بعد (أفعل)» حالة كونه «مضافًا إلى (ما) موصولة ب (كان) أو (يكون) جائز» نحو: أخطب ما كان أو ما يكون الأمير قائم، هذا عند الأخفش والمبرد، ومنعه سيبويه، واختار المصنف القول بالجواز، لأنك جعلت ذلك الكون أخطب مجازًا، ف [جاز] جعله قائمًا أيضًا على جهة المجاز، ولا يجوز مثل ذلك في مصدر صريح، فلا تقول: ضربي زيدًا قائم، إذ لا مجاز في أول الكلام، ولا شك أن المجاز يؤنس بالمجاز.

ص: 32

وأنت خبير بما في قول المصنف: (مضافًا إلى ما) من المسامحة، ولا ينجيه منها قوله:(موصولة بكان أو يكون) فتأمله.

«وفعل ذلك» أي مطلق الرفع «بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع» / وقد، أسلفنا وجهه.

وإنما قلنا: مطلق الرفع؛ لأن كلام المصنف في الشرح يقتضيه، فإنه قال: وأشرت بقولي (دون ضرورة) إلى أنه إن اقتضت الضرورة رفعه رفع، ولكن لا يجعل خبرًا عن (ضربي)، بل يجعل خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: ضربي زيدًا وهو قائم، والجملة حال سد مد الخبر. بهذا وجهه، فحينئذ لا يكون قوله:(وفعل ذلك) مقصورًا به الإشارة إلى رفعه خبرًا للمبتدأ المنطوق به في التركيب المذكور، بل الإشارة إلى مطلق الرفع فقط.

«وليس التالي (لولا) مرفوعًا بها» كما ذهب إليه الفراء محتجا بأنها مختصة

ص: 33

بالأسماء، فعملت كسائر العوامل. «ولا بفعل مضمر» وهو رأي الكسائي كما في قوله: لولا ذات سوار لطمتني.

قال الرضي: وهو قريب من وجه، وذلك أن الظاهر فيها أنها (لو) التي يقصد بها امتناع الأول لامتناع الثاني - كما يجيء في حروف الشرط - دخلت على (لا) وكانت لازمة للفعل؛ لكونها حرف شرط، فتبقى - مع دخولها على (لا) - على ذلك الاقتضاء، ومعناها مع (لا) أيضًا - باق على ما كان، كما بقى مع غير) (لا) من حروف النفي، فمعنى لولا علي لهلك عمر: لو لم يوجد علي لهلك عمر، فينتفي الأول - أي انتفاء وجود علي - لانتفاء هلاك عمر، وانتفاء الانتفاء ثبوت، فمن ثم كانت [لولا] مفيدة ثبوت الأول، وانتفاء الثاني، كإفادة (لو) في قولك: لو لم تأتني شتمتك.

لكن منع البصريين من هذا التقدير، وحملهم على أن قالوا:(لولا) كلمة

ص: 34

بنفسها، وليست (لو) الداخلة على (لا) أن الفعل بعد (لو) إذا أضمر وجوبًا فلا بد من الإيتان بمفسر كما في:{وإن أحد من المشركين استجارك} ، وليس بعد (لولا) مفسر، وأيضًا لفظ (لا) لا يدخل على الماضي - في غير الدعاء وجواب القسم.

إلا مكررًا في الأغلب، ولا تكرير بعد (لولا)، فمن ثم قال البصريون: الاسم المرفوع بعده مبتدأ.

«خلافًا للكوفيين» ولسوا جميعًا قائلين بأن التالي (لولا) مرفوع [بها، وإنما يقول بذلك بعضهم، ولا كلهم قائلين بأن تالي (لولا) مرفوع] بفعل مضمر، وإنما يقول بذلك بعضهم، [والمصنف] أجمل كما رأيت.

فإن قلت: إنما فعل ذلك؛ لأنه ذكر أمرين لا يقول بهما قائل واحد، ثم ذكر أن الكوفيين خالفوا في دينك الأمرين، ومعلوم أنهم لم يخالفوا من حيث إن كلهم يقول بهذا وذاك جميعًا، بل لم يخالفوا إلا من حيث إن بعضهم يقول بهذا، وبعضهم يقول بهذا.

قلت: من الجائز أن يخالفوا من حيث إن كلهم يجوز كلا من الأمرين على التخير،

ص: 35

بمعنى أن لك أن تقول بهذا، [ولك أن تقول بهذا]، فليس في نسبة الخلاف إلى جميعهم ما يشعر بانقسامهم إلى فرقتين، كل فرقة تقول بأمر من ذينك الأمرين، والله أعلم.

«ولا يغني فاعل المصدر المذكور» نحو: ضربي زيدًا قائمًا. «عن تقدير الخبر إغناء المرفوع بالوصف المذكور» نحو: أقائم الزيدان؟ فهذا على تقدير الإغناء مبتدأ لا خبر له؛ لكونه بمعنى الفعل. أي أضرب زيدًا قائمًا، كما أن الوصف المذكور مبتدأ لا خبر له، لكونه بمعنى الفعل، أي يقوم الزيدان، وهذا مذهب ابن درستويه.

«ولا الواو» أي ولا تغني الواو في قولهم: (كل رجل وضيعته) عن تقدير خبر، بحيث يكون هذا كلامًا والمبتدأ [فيه] لا خبر له؛ لاستغنائه بالواو المذكورة عن تقدير خبر، وهذا مذهب ابن خروف، واختاره ابن عصفور في شرح الإيضاح، ونسبه ابن الخباز إلى الكوفيين. «والحال» أي ولا تغني الحال أيضًا في مسألة: ضربي زيدًا قائمًا، عن تقدير الخبر تشبيهًا بالظرف، إذ التركيب المذكور في معنى 121 قولك: ضربي زيدًا في حال قيامه، وهذا مذهب ابن كيسان/ وقل المصنف:«المشار إليهما» صفة للواو والحال وقوله: «خلافًا لزاعمي ذلك» راجع إلى المسائل الثلاث، فقد عرفت المخالفين في ذلك بأعيانهم.

ص: 36

وترك المصنف قولًا آخر شديد الشهرة عن الكوفيين، وهو أن الخبر - في قولك: ضربي زيدًا قائمًا -[قائمًا -[مقدر بعد (قائمًا]، وتقديره ثابت أو حاصل، ويجعلون (قائمًا) حالًا من (زيد) والعامل فيه المصدر، واشتهر بين العلماء تقرير فساده بما نقوله وهو أن الكل متفقون على أن معنى ضربي زيدًا قائمًا: ما أضرب، أو ما ضربت زيدًا إلا قائمًا، وهذا المعنى المتفق عليه لا يستفاد إلا من تقدير البصريين والأخفش بناء على أن المصدر المبتدأ أضيف، فيعم كاسم الجنس الذي يقع على القليل والكثير بلفظ واحد إذا أضيف، قولنا: ماء البحر ظهور، فإنه يعم، فإذن قد وقع اسم الجنس - وهو المصدر المذكور عند البصريين - عامًا غير مقيد بالحال؛ إذ الحال من تمام الخبر، ثم أخبر عنه بحصوله في حال القيام، فيبقى المصدر المذكور على عمومه، فيكون المعنى: كل ضرب مني واقع على زيد حاصل في حال القيام، وهذا المعنى مطابق للمعنى المتفق عليه، أعني ما أضرب أو ما ضربت زيدًا إلا قائمًا، وأما عند الكوفيين فالمبتدأ عندهم مقيد بالحال المخصص له، فيكون المعنى: ضربي زيدًا المختص بحال القيام حاصل، وهو غير مطابق للمعنى المتفق عليه؛ لأنه لا يمتنع من حصول الضرب المقيد بالقيام حصول الضرب المقيد بالقعود في وقت آخر، فليس في تقديرهم إذا معنى الحصر المتفق عليه، وكذا نقول: - أيضًا في قولهم: أكثر شربي السويق ملتوتا - إذا جعلنا (ملتوتا)[حالًا] من تتمة الشرب صار المعنى الإخبار عن أكثر شرب [السويق] الملتوت بأنه حاصل، فيجوز على هذا أن يكون أكثر شرب السويق

ص: 37

غير ملتوت، إذا لم يخبر إلا عن أكثر شرب سويق ملتوت بالحصول، وذلك لا يمنع حصول شرب سويق غير ملتوت أضعافه، ويوضحه أنا لو قدرنا أنه شرب سويقًا ملتوتًا عشر مرات، وسويقًا غير ملتوت ألف مرة، فأراد أن يخبر عن تسعة من الأول بالحصول لقال: أكثر شربي السويق ملتوتا حاصل، وعلى المذهب المختار يكون أكثر الشرب للسويق غير مقيد باللت قد أخبر بحصوله حالة كون السويق ملتوتًا، فلو قدرت أكثرية أخرى باعتبار عدم اللت لكان مناقضًا، وهذا إنما يستفاد من مذهب البصريين كما قررناه.

«ولا يمتنع وقوع الحال المذكورة فعلًا، خلافًا للفراء» فيما حكي عنه، وأجاز ذلك الأخفش والكسائي وهشام، واختاره المصنف مستدلًا بقول الشاعر:

ورأى عيني الفتى أباكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا

ويقول الآخر:

ص: 38

عهدي بها في قد سربلت بيضاء مثل المهرة الضامر

«ولا جملة اسمية بلا واو، وفاقًا للكسائي» ، ونقل الجواز أيضًا عن البصريين، فتقول: ضربي زيدًا أبوه قائم، كما في قولهم: كلمته فوه إلى في.

واقتضى ظاهر كلام المصنف أن كونها بالواو جائز عند الجميع، ونقل في الشرح عن ابن كيسان أنه قال: مسرتك أخاك وهو قائم، جائز في كل قول، وليس كذلك، بل إجازته محكية عن الكسائي والفراء، ومنعه محكي عن الأخفش وسيبويه، ومن ثم قال بعضهم: - في مسألة الاسمية/ المجرد عن الواو - 122 مذهب سيبويه يقتضي المنع؛ لأن كون الاسمية بالواو هو الأصل، وكونها بدون الواو ثان عن كونها بالواو، فإذا امتنع الأصل فالفراغ أولى.

قلت: لا نسلم أن كون الاسمية بالواو هو الأصل، بل الأصل - في ربطها بذي الحال - الضمير؛ وذلك لأنها في المعنى حكم على صاحبها كالخبر، ووصف له

ص: 39

كالنعت، وكل منها يقتصر في ربطه على الضمير، [فكذا ينبغي أيضا أن يكون ما في معناها، ومما يدل عليه أيضا][الاقتصار][على الضمير] في الحال المفردة، فيكون الأصل في ربطها الضمير، لا الواو، ومما يدل لوقوع الحال المذكورة جملة اسمية بالواو قوله صلى الله عليه وسلم:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» ، وقال الشاعر:

خير اقترابي من المولى حليف رضى وشر بعدي عنه وهو غضبان

«ويجوز إتباع المصدر المذكور، وفاقًا له» أي للكسائي «أيضًا» أجاز ضربي زيدًا الشديد قائمًا، وشربي السويق كله ملتوتًا، ولم يذكر المصنف عليه شاهدًا، ومنعه غيره لغلبة معنى الفعل عليه، لا سيما ولم يسمع الإتباع بالاستقراء.

«ويحذف المبتدأ [أيضًا جوازًا] لقرينة» نحو: {من عمل صالحا فلنسفه

ص: 40

ومن أساء فعليها}، أي فصلاحه لنفسه وإساءته عليها، ومنه: قال لي كيف أنت؟ قلت: عليل.

وكان الأحسن تقديم قوله: (لقرينه) لما أسلفناه في حذف الخبر.

ولم يعترض المصنف لما إذا دار الأمر بين أن يكون المحذوف مبتدأ أو خبرًا، ما الأحسن فيه؟

فقيل: الأحسن حذف الخبر؛ لأن الحذف تصرف واتساع، والأحق بذلك الخبر، فإنه يقع مفردًا وجامدًا ومشتقًا وجملة اسمية وفعلية وظرفية، وأيضًا فالحذف بالأعجاز أليق منه بالصدور.

وقيل: الأحسن حذف المبتدأ؛ لأن الخبر محط الفائدة. «ووجوبًا كالمخبر عنه بنعت مقطوع لمجرد مدح» نحو: الحمد لله الحميد. «أو ذم» نحو: أعوذ بالله من إبليس اللعين. «أو ترحم» نحو: مررت بزيد المسكين.

قال أبو علي: إذا ذكرت صفات للمدح أو للذم، وخولف في بعضها فقد خولف للافتناء، ويسمى ذلك قطعًا، وللتنبيه على شدة هذا الاتصال يلتزمون حذف الفعل أو المبتدأ في النصب أو الرفع؛ ليكون ذلك في صورة متعلق من متعلقات ما قبله.

ص: 41

وقال المصنف: إنما التزموا في هذه النعوت المقطوعة حذف الفعل؛ إشعارًا بأنه لإنشاء المدح والذم والترحم، كما فعلوا في النداء، إذ لو أظهروا لأوهم الإخبار، ثم [قال]: التزموا في الرفع حذف المبتدأ؛ ليجرى الوجهان على سنن واحد.

وكلام ابن قاسم يقتضي أن المصنف ذكر في المتن وجوهًا أخر يجب فيها حذف المبتدأ.

منها: أن يخبر عنه بمصدر هو بدل من اللفظ يفعله نحو: سمع وطاعة وعليه بيت الكتاب:

فقالت حنان ما أتى بك ها هنا؟ أذو نسب أن أنت بالحي عارف؟

ص: 42

ومنها: أن يخبر عنه بمخصوص في باب (نعم)، تقول: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، فحيث جعل المخصوص خبر مبتدأ وجب حذف ذلك المبتدأ، وسيأتي الكلام على ذلك في محله.

ومنها: أن يخبر عنه بصريح القسم، نحو: في ذمتي لأفعلن [كذا]، أي في ذمتي ميثاق أو يمين أو عهد، كما عكسوا في نحو: لعمرك لأفعلن، ذكر المسألة أبو علي الفارسي، ومن شواهد هذا الاستعمال قوله:

تساور سوارا إلى المجد والعلا وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا

ص: 43

123 / ولم تحضرني نسخة ثانية من التسهيل أحرر منه هذا المحل، ولم أجد هذا الكلام في المتن الذي بين يدي الآن، ولعلي أحرره بعد ذلك عند التمكن من مراجعة نسخ المتن إن شاء الله تعالى.

ص: 44

«وإن ولي معطوفًا) بالواو دون غيرها من حروف العطف «على مبتدأ فعل» وكذا وصف «لأحدهما واقع على الآخر» أو على ما لابسه نحو: عبد الله والريح يباريها، ونحو: زيد والمنية شارب بعقارها «صحت المسألة» عند البصريين على إضمار الخبر وسد الحال مسده، أي يجريان يباريها، وعند الكوفيين حملًا على المعنى، أي يتباريان، فيكون (يباريها) في موضع رفع. «خلافًا لمن منع» المسألة ووجهه أن (يباريها) خبر عن أحدهما، فيلزم بقاء الأخر بلا خبر، لا يصح ما حمله البصريون عليه؛ لأن الجملة حينئذ حال من ضمير يجريان، فإذا أولت الحال بالوصف كان التقدير مباريا لها، وذلك لا يكون حالًا من ضمير يجريان، ولا يطرد ما حمله الكوفيون [عليه] في [نحو] قولك: زيد والمنية شارب بعقارها، فالمنع متجه كذا قيل.

قلت: والذي يظهر لي صحة قول الكوفيين، وما ذكر من عدم أطراده ليس بصحيح؛ إذ يمكن تأويل مثل: زيد والمنية [شارب بعقارها]، [بقولك] زيد والمنية ملتبسان، وهذا لا يعوزك في مكان أصلا والله أعلم.

وإنما قال المصنف: (معطوفًا)؛ لأن المسألة لو كانت بغير عاطف نحو: عبد الله الريح يباريها، صحت إجماعًا.

وفاته التنبيه على ثلاثة أمور:

أحدها - كون العطف بالواو، إذ لو قيل: زيد فالريح يباريها، أو ثم الريح يباريها لم يجز قولًا واحدًا.

ص: 45

الثاني - كون الواقع بعد المعطوف على المبتدأ وصفًا أيضًا، فإنه من صور المسألة؛ إذ لو قلت: زيد والريح مباريها جاز عند من يجيز: زيد والريح يباريها.

الثالث - كون ذلك الفعل أو الوصف واقعًا على ملابس الآخر أيضًا، إذ لو قلت: زيد والريح يباري سرعتها كان ذلك من وجوه المسألة التي يطرقها الخلاف، وقد استدل ابن الانباري على صحة مثل هذا التركيب بقول الشاعر: واعلم بأنك والمنية شارب بعقارها.

وهو مما يدل على ما قلناه، وإن كان المصنف قدح فيه باحتمال كون الواو بمعنى (مع).

وكان ينبغي أن يذكر الخلاف بين المصححين لهذه المسألة في الوجه الذي صحت عليه ما هو؟

«وقد يغني مضاف إليه المبتدأ عن معطوف، فيطابقهما الخبر» نحو: راكب الناقة طليحان، والأصل: راكب الناقة وهي طليحان، فحذف المعطوف لوضوح المعنى، وقيل: إنما ذلك على حذف مضاف إلى الخبر، أي أحد طليحين، وهذا لا يتأتى إذا قيل: غلام زيد ضربتهما، ويتأتى التأويل الأول فكان أولى لعمومه؛ فلذلك عول عليه المصنف.

ص: 46

وفي المحكم: الطلاحة الإعياء من السفر ومن كلامهم: راكب الناقة طليحان أي والناقة، فحذف العاطف والمعطوف، كما قال الله تعالى:{فانفجرت} .

«والأصل تعريف المبتدأ» الذي هو اسم محكوم عليه؛ لأن أصل المسند إليه أن يكون معلومًا، وأما الوصف الرافع لمكتفئ به فذاك لا ينفك عن كونه نكرة.

«وتنكير الخبر» قال الرضي: لأنه مسند فشابه الفعل، والفعل خال من التعريف والتنكير؛ إذ هما من عوارض الاسم، ولا يصح تجريد الاسم عنهما، فجردناه مما يطرأ ويحتاج إلى العلامة، وهو التعريف وبقيناه/ على الأصل، فكان 124 نكرة.

وإنما كان الأصل في الإسناد الفعل دون الاسم؛ لأن الاسم يصلح لكونه (مسندًا ومسندًا إليه، والفعل مختص بكونه) مسندًا لا غير، فصار الإسناد لازمًا له دون الاسم.

قال: وأما قول النحاة (أصل الخبر التنكير؛ لأن المسند ينبغي أن يكون مجهولًا)، فليس بشيء؛ لأن المسند ينبغي أن يكون معلومًا كالمسند إليه، وإنما الذي ينبغي أن يكون مجهولًا هو انتساب [ذلك المسند إلى المسند إليه، فالمجهول في قولك: زيد أخوك، هو انتساب] أخوة المخاطب إلى زيد، وإسنادها إليه لا نفس أخوته.

ص: 47

«وقد يعرفان» نحو: {الله ربنا وربكم} . «وينكران» نحو: أفضل من زيد أفضل من عمرو. «بشرط الفائدة» قيد راجع إلى التعريف والتنكير.

قال المصنف: ونبعت بذلك على أن حصول شرط الفائدة شرط في صحة الخبرية، معترفين كانا أو نكرتين أو مختلفين.

ووقع لابن الحاجب - في شرح المفصل وغيره - أن الخبر يجب أن يكون نكرة، وأنك إذا قلت: زيد القائم، فليس (القائم) بخبر على الحقيقة، وأن الخبر مقدر بقولك: محكوم عليه بالقائم.

«وحصولها» أي الفائدة «في الغالب عند تنكير المبتدأ» لا في غير الغالب، فإنه لا مانع من صحة قول من خرقت له عادة: - فرأى أو سمع شيئًا من الخوارق - شجرة سجدت، أو حصاة سبحت. «بأن يكون» المبتدأ، وهذا ظرف مستقر خبر عن المبتدأ المتقدم، أي حصول الفائدة في الغالب عند تنكير الخبر ثابت بأن يكون المبتدأ «وصفًا» نحو: ضعيف عاذ بقرملة، أي إنسان ضعيف التجأ إلى مثله. والقرملة شجرة ضعيفة.

وقد يقال: إنما المبتدأ في التحقيق المحذوف، وهو موصوف، فهو من القسم الذي يأتي.

ص: 48

«أو موصوفًا بظاهر» نحو: {ولعبد مؤمن خير من مشرك} . «أو مقدر» نحو: السمن منوان بدرهم، التقدير: منوان منه، ف (منوان) مبتدأ، و (منه) المقدر وصفه، و (بدرهم) خبره، وهذه الجملة خبر المبتدأ الأول، وهو السمن.

«أو عاملًا» قال ابن هشام: إما رفعًا نحو: قائم الزيدان، عند أجازه، أو نصبا نحو:(وأمر بمعروف صدقة)، وأفضل منك جاءني، إذ الظرف منصوب المحل بالمصدر أو الوصف، أو جرًا نحو: غلام امرأة جاءني، و (خمس صلوات كتبهن الله)

ص: 49

قال: وشرط هذا أن يكون المضاف إليه نكرة كما مثلنا، أو معرفة [والمضاف] مما لا يتعرف بالإضافة نحو: مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود، وأما ما عدا ذلك فإن المضاف فيه معرفة.

قلت: وهو منتقد من وجهين:

الأول: أن (قائم الزيدان) ليس مما نحن فيه؛ لأن الكلام في أحد قسمي المبتدأ، وهو المحكوم عليه؛ لأن هذا القسم هو الذي يقول النحاة فيه: لابد أن يكون معرفة أو نكرة قريبة من المعرفة بما حصل لها من التخصيص؛ ليكون المحكوم عليه معنيا.

وأما القسم الثاني من قسمي المبتدأ - وهو الوصف الرافع لمكتفئ به - فيجب كونه نكرة، ولا يعرف كما سبق، فلا حاجة إلى الاعتذار عن الإيتان به نكرة بأنه مخصص فعلم أنه لا مدخل له فيما نحن بصدد.

الثاني: أن قوله: (وشرط هذا أن يكون المضاف إليه نكرة) إلى آخره [أمر] لا حاجة إليه، فإن المسألة مفروضة فيما إذا كان المبتدأ نكرة، فنحن في غنية عن التنبيه على هذا الشرط.

«أو معطوفًا» نحو: زيد ورجل عندي، ومثل له في الشرح بقوله:

ص: 50

عندي اصطبار، وشكوى عند قاتلي فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا! !

/ واعترضه ابن هشام باحتمال كون الواو للحال، وهو مسوغ، وإن سلم 125 العطف فثم صفة مقدرة يقتضيها المقام، أي: وشكوى عظيمة.

قال: على أنا لا نحتاج إلى شيء من هذا كله، فإن الخبر هنا ظرف مختص وهذا بمجرده مسوغ وكأنه توهم أن التسويغ مشروط بتقدمه على النكرة، وقد أسلفنا أن التقديم إنما لدفع توهم الصفة، وإنما لم يجب هنا، لحصول الاختصاص بدونه، وهو ما قدمناه من الصفة المقدرة الوقوع بعد واو الحال، فلذلك جاز تأخير الظرف، كما في قوله تعالى:{وأجل مسمى عنده} .

قال: ولا يجوز أن تكون الواو للعطف، ويكون العطف هو المسوغ لأن المعطوف في البيت جملة لا مفرد نكرة، ولو جعلت الواو عاطفة لاسم وظرف على مثليهما؛ ليكون من عطف المفردات، لزم العطف على معمولي عاملين؛ إذ الاصطبار معمول للابتداء، والظرف معمول للاستقرار، ولا يندفع هذا بأن يقدر لكل من الظرفين استقرار، ويجعل التعاطف بين الاستقرارين، لا بين الظرفين؛ لأن الاستقرار

ص: 51

[الأول] خبر، وهو معمول للمبتدأ نفسه كما هو مختار المصنف، فيرجع الأمر إلى العطف على معمولي عاملين.

«أو معطوفًا عليه» نحو: {طاعة وقول معروف} ، أي أمثل، وبعضهم يقول: العطف مسوغ على شريطة أن يكون المعطوف أو المعطوف عليه مما يصح الابتداء به. كما مثلنا، وكثير منهم أطلق العطف وأهمل الشرط كما فعل المصنف.

«أو مقصودًا به العموم» قال ابن قاسم: وهو على ضربين: عموم شمول نحو: كل يموت. وعموم بدل نحو: تمرة خير من جرادة.

قلت: ظاهر كلام ابن الحاجب في الأمالي أن العموم - في: تمرة خير من جرادة - استغراقي لا بدالي، وذلك أن قال:

الظاهر أنه غير مختص بتمرة متميزة، فكان فيه معنى العموم، كما في: لا رجل أفضل منك، وذلك بمعنى كونه غير مختص من وجهين:

أحدهما: أنه لما فضل واحد من جنس على واحد من جنس علم أنه لا خصوصية لمفرد منه على مفرد؛ لأنه قد يفهم أن الأفضلية إنما وقعت باعتبار كونه من ذلك القبيل، والمفضولية إنما وقعت لكون الآخر من القبيل الآخر، وإذا كان كذلك فلا خصوصية لمفرد على مفرد.

والثاني: أن في معنى التمرية ما يشعر بالتفضيل على الجرادية باعتبار كونه تمرًا وجرادًا من غير خصوصية لمفرد دون مفرد، وإذا لم يكن ثم خصوصية لمفرد منه متميز حصل الشياع، بخلاف ما إذا حكمت بحكم من الأحكام مختص، فإن المفهوم منه الحكم على واحد متخصص، كقولك: رجل في الدار؛ فلذلك امتنع؛ لأنه لا

ص: 52

يستقيم فيه كل رجل وجودًا فضلًا عن الدلالة؛ ولو استقام وجودًا فليس فيه قرينة تشعر بقصد الدلالة عليه، إذ لا مفاضلة بين جنسين، وليس في معنى الرجولية ما يقتضي أن يكون في الدار كما في المثال المتقدم، بل القرينة [فيه] بعكسه؛ لأنه إنما استقام الحكم عليه بأنه في الدار لكونه متخصصًا نعم لو قلت: رجل خير من زيد، فهذا يتجاذ به الطرفان؛ لأن الحكم عليه بالأفضلية يشعر بأنه في معنى الرجولية كما في الأول في أحد وجهيه، وتخصيصه بالأفضلية على زيد يشعر بأنه متخصص كما في الحكم عليه بأنه في الدار، فيحتاج إلى السماع، والظاهر منعه؛ لأنه إنما ثبت التعميم في الموضع الذي لا يختص فيه الخبر بوجه، فلا ينبغي أن يحمل عليه ما يصح أن يكون فيه نوع تخصيص؛ لفقدان معنى مناسب في الأصل المتفق عليه.

إلى هنا كلامه رحمه الله [تعالى].

«أو» بأن يكون مقصودًا / به «الإبهام» نحو: ما أحسن زيدًا، بهذا مثل له 126 المصنف، وجعل مسوغ الابتداء ب (ما) معنى التعجب. «أو» بأن

ص: 53

يكون «تالي الاستفهام» نحو: {أءله مع الله} ونحو: هل رجل في الدار؟ . «أو» تالي «نفي» نحو: ما رجل في الدار، ولا يخفي أن النكرة هنا واقعة في سياق النفي، والمقصود بها العموم، فقد دخل ذلك في قول المصنف:(أو مقصودًا به العموم)«أو» تالي «لولا» كقول الشاعر:

لولا اصطبار لأودي كل ذي مقة لما استقلت مطاياهن للظعن

«أو» تالي «واو الحال» كقوله:

سرينا ونجم [قد] أضاء فمذ بدا محياك أخفي ضوءه كل شارق

والشرط إنما هو وقوعها في أول جملة حالية بدليل قوله:

الذئب يطرقها في الدهر واحدة وكل يوم تراني مدية بيدي

ص: 54

فيمن رواه برفع (مدية)، وليس وقوعها بعد واو الحال بلازم.

«أو» تالي «فاء الجزاء» كقول بعض العرب: إن مضى عير فعير في الرباط كذا مثلوا له، ولا يخفي أن المعنى: فعير آخر، فالمسوغ الصفة المقدرة «أو» تالي «ظرف مختص» نحو:{ولدينا مزيد} ، ويلزم المصنف إجازة: عند رجل مال؛ إذ الظرف مختص؛ لقولهم: إن الإضافة إلى النكرة تفيد التخصيص، فالصواب أن يقال: أو ظرف يصلح مجرور للإخبار عنه. «أو» تالي «لاحق به» أي بالظرف المختص، والمراد به الجار والمجرور نحو: في الدار رجل، وشرطه أن يكون مختصًا كما مثلنا، فلو قلت: في دار رجل لم يجز، وجعل المصنف الجملة المشتملة على فائدة مما يلحق بالظرف المذكور، نحو: قصدك غلامه رجل. قال أبو حبان: ولا أعلم هذا لأحد غير المصنف.

«أو بأن يكون دعاء» نحو: {سلام على إل ياسين} و {ويل للمطففين} .

فإن قلت: لم جعل المصنف هذا معطوفًا على قوله: - أولًا - (بأن يكون وصفًا)، وهلا فعل فيه كما فعل في غيره؟ .

قلت: دفعًا لتوهم غير المقصود؛ لأنه لو لم يفعل ذلك، وقال:(أو دعاء) ربما

ص: 55

توهم أنه مجرور بالعطف على ما [قبله] تاليه، فيفسد المعنى؛ إذ يكون التقدير: - حينئذ - أو تالي دعاء، فأتى بما يفيد النص على المقصود، ففعل ما فعل. «أو» بأن يكون «جوابًا» لسؤال سائل، كأن يقال: - لك - من عندك؟ ، فتقول: رجل، أي رجل عندي.

قال المصنف: ولا يجوز أن يكون التقدير: عندي رجل؛ لأن مخالفة الجواب للسؤال ضعيفة، والسؤال تقدم فيه المبتدأ. وفيه نظر، لأنه قد جاء في التنزيل:{سيقولون لله} {فسيقولون الله} .

ثم الضعف مرتفع بمعارضة الاحتياج إلى مسوغ الابتداء بالنكرة، ثم كيف يقول:(لا يجوز)، ثم يسلم أن التخالف جائز على ضعف. وإنما جاز: رجل جاءني جوابًا ل: من جاءك؟ ولم يجز ذلك ابتداء؛ لأنه إذا وقع جوابًا علم أن المراد الإبهام، أي رجل لا أسميه جاءني؛ إذ السائل قد استدعى التعيين، ولم يعين له، وأما إذا

ص: 56

قيل: ابتداء فلم يعلم هل المتكلم مريد لكتمان بيان عينه أو لا، وعلى الثاني لا يتحصل منه فائدة، كذا قيل، وفيه بحث.

«أو» بأن يكون «واجب التصدير» نحو: من عندك؟ ، وكم عبد لك؟ . «أو» بأن يكون «مقدرًا إيجابه بعد نفي» نحو: شر أهر ذا ناب. الشر: - هنا - الفاقة على ما قيل وأهره: حمله على الهرير، وهو صوت دون النباح، وذو ناب: - هنا - الكلب. يقال: ذلك إذا لاحت مخائل الشر وأمارته، ومثله قول الشاعر:

قدر أحلك ذا المجاز وقد أرى - وأبي - مالك ذو المجاز بدار

ومن أمثلة الكتاب: شيء جاء بك.

ص: 57

127 قال سيبويه: وإنما جاز أن يبتدأ به/؛ لأنه في معنى: ما جاء بك إلا شيء - يريد: لأن المبتدأ هنا في معنى الفاعل، والفاعل يجوز أن يكون نكرة، وتحقيق الكلام في الطريق التي حصل بها الحصر في هذا التركيب ليس من وظيفة هذا العلم، وإنما هو من وظيفة علم المعاني، فليراجع من هناك.

وبعض النحاة يجعل المسوغ فيما ذكر الوصف المقدر، أي شر فظيع أهر ذا ناب، وكذا غيره يقدر له صفة يقتضيها المقام.

«والمعرفة خبر النكرة عند سيبويه في نحو: كم مالك.» لأن أكثر ما يقع بعد أسماء الاستفهام [النكرة أو الجملة أو الظرف، ويتعين إذ ذاك أن يكون اسم الاستفهام] مبتدأ نحو: من قائم؟ ، ومن عندك؟ . فحكم على (كم) بالابتداء؛ حملًا للأقل على الأكثر. «واقصد رجلًا خير منه أوبوه» وهذه لغة أكثرهم، ويضعف أن تقول:(خبرًا) بالنصب على الوصف؛ لئلا يلزم رفع اسم التفضيل للظاهر في غير مسألة الكحل، ولم أر ما يثلج به الصدر في توجيه ما ذهب إليه سيبويه من أن المعرفة خبر النكرة في هذا المثال، أعني: خير منه أبوه.

«والأصل تأخير الخبر» لأن المبتدأ محكوم عليه، ولابد من وجوده قبل الحكم، فتقصد في اللفظ أيضًا أن يكون ذكره قبل ذكر الحكم عليه، وإنما قدم الفعل في الجملة [الفعلية]، للإيذان من أول الأمر (أنها فعلية، فلو قدم الفاعل لم يتعين الجملة

ص: 58

الفعلية من أول الأمر) إذا أمكن صيرورته كلامًا باسم آخر.

«ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائية الخبر» ، وذلك إذا استويا تعريفًا وتنكيرًا بلا قرينة نحو: زيد أخوك، وأفضل مني، فأيهما تقدم حكمت بأنه المبتدأ، فإذا قلت: زيد أخرك، فهو على تقدير أن المخاطب يعرف زيدًا ويجهل نسبة الأخوة إليه، وإذا قلت: أخوك زيد، فعلى العكس، أي يكون المخاطب يعرف أن لك أخًا ويجهل كونه زيدا، فلو جوز التقديم مع فقدان القرينة التبس المعنيان، ولو وجدت قرينة محصلة للتمييز جاز التقديم مثل: أبو حنيفة أوب يوسف؛ وذلك لأنا نعرف أن الخبر محط الفائدة، فما يكون فيه التشبيه والذي تذكر الجملة لأجله فهو الخبر.

ص: 59

ولا يخفي أن المقصود تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، فمع التقديم لا يحصل لبس؛ إذ الأعلى لا يشبه بالأدنى عند قصد الحقيقة، ومنه قول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا [بنوهن] أبناء الرجال الأباعد

أي: بنو أبنائنا مثل بنينا، فحذف (مثل) وقدم الخبر لوضوح المعنى. هذا ملخص ما ذكره المصنف في شرحه، ولا يعني باستوائهما في التعريف والتنكير استواءهما في رتبة التعريف ورتبة المسوغ، بل مراده تساويهما في مطلق التعريف ومطلق المسوغ، وقد أطلق بعض لقول بوجوب التقديم، ولم يفصل بين وجود القرينة المميزة وعدمها، وأجاز بعض الحكم بابتدائية ما شئت من الاسمين، ولم يبال بالإلباس؛ لحصول الفائدة للمخاطب، قدمت الخبر أو أخرته، وقد حكى ابن السيد في مسائله

ص: 60

وقوع كلام بين أهل عصره في قول الشاعر:

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر

[واختار هو تجويز أن يكون (شر النساء) مبتدأ و (البحاتر)] خبره والعكس.

«أو» لم يوهم تقديمه «فاعلية المبتدأ» نحو: زيد قام، فإنك لو قدمت الفعل في هذا التركيب أوهم أن المبتدأ فاعل.

وقد ذكر في علة امتناع تقديم الخبر في نحو المثال المذكور ثلاثة أوجه:

أحدهما: إيهام الفاعلية/ كما مر، وعلى هذه العلة أجاز بعضهم تقديمه في نحو: 128

ص: 61

أخواك قاما، ولم يعبأ باحتمال الفاعلية على لغة (أكلوني البراغيث)، إذ تقديم الخبر أكثر من تلك اللغة، والحمل على الأكثر أرجح، وطعن في هذه العلة بأمور: منها: أنهم لا يلتزمون رفع اللبس، بدليل إعلان (مختار)، ووضع (أو) للشك، وأسماء الأجناس والمشتركات.

والجواب أن الأصل مراعاة الإلباس، بدليل رفع الفاعل ونصب المفعول وإبراز الضمير في مسألة جريان الوصف على غير صاحبه، ومنع الترخيم في: يا مسلمة على لغة التمام، وترك إعلال (أبيض) ونحوه، وترك بناء صيغتي التعجب والتفضيل من فعله.

ومنها: أنه إنما يراعى الإلباس إذا رجع إلى المعنى، ولا فرق في المعنى بين الجملتين، فإن المقصود الإخبار بقيام زيد، وهو حاصل منهما جميعًا.

والجواب: المنع، بل في (زيد قام) تكرر الإسناد، فيحصل تقوي الحكم، والاعتناء بزيد ببناء الكلام عليه وإفادة الثبوت.

ومنها: أنهم أجازوا الفاعلية والابتداء في: أفي الدار زيد؟ ، وقال به قوم: في كيف زيد؟ ، وأين زيد؟ ، وآخرون [في]: في الدار زيد. كذا رأيت في كلام لابن

ص: 62

هشام رحمه الله، وقال: - بإثر هذا الكلام - وفيه نظر.

قلت: وكنت أجازوا: - في (ما قائم زيد) - إعراب (زيد) فاعلًا أو مبتدأ، ومنعوا في مثل: زيد قام بتقديم الخبر؛ لأدائه إلى الإلباس في مثل: زيد قام على تقدير تجويز التقديم يترتب عليه محذور، وهو تفويت تقوي الحكم، فمنعوه، ولا كذلك في ما قائم زيد، فأجازوه.

قلنا: وهذا أيضًا يترتب عليه محذور، فإنك إذا قلت: ما زيد قائم، كان. مشبهًا لزيد قائم في تقوى الحكم من جهة تضمنه الضمير، وإذا قلت: ما قائم زيد - على أن يكون زيد فاعلًا ب (قائم) - فليس فيه تقوي الحكم، ولا ما يشبهه ولم يحصل لذلك جواب.

وأقول: ظاهر كلام المصنف [أنه] يمنع تقديم الخبر في مثل قولنا: ما زيد قائم؛ لأنك لو قدمته فقلت: ما قائم زيد أوهم فاعلية المبتدأ، ويحتاج منعه إلى تجويز الفعل، فتأمله.

ص: 63

العلة الثانية - أنه إذا قيل: قام زيد، أمكن أن يكون (زيد) في محله فلا ينوى به غير محله.

ورد بأنهم قد أجازوا: - في نحو: كم جريبًا أرضك؟ - خبرية (كم) مع إمكان كونها في موضعها.

وقد أجاز قوم: - في (زيد أخوك) - كون زيد مبتدأ وكونه خبرًا، ولم ينظروا إلى اللبس، نظرًا إلى حصول أصل المعنى كما مر. فقضية هذا أن يجيزوا التقديم هنا.

والجواب أن سيبوبه جزم في - كم جريبًا أرضك؟ - بأن (كم) مبتدأ؛ إعمالًا لهذه القاعدة، والأخفش جزم بخبرتها؛ إعمالًا لقاعدة المعرفة والنكرة. فمن الذي أجاز الوجهين؟ ، والقول بذلك معترض، وكذا القول بالوجهين في المعرفتين.

العلة الثالثة - أن العامل اللفظي لا يعارضه العامل المعنوي، وعلى ذلك أجاز بعضهم: كان يقوم زيد.

«أو» لم «يقرن بالفاء» نحو: الذي يأتيني فله درهم، فيمتنع تقديمه؛ نظرًا

ص: 64

إلى أصل الفاء الذي هو التعقيب، وأيضًا لكونه فاء الجزاء، وهو عقيب الشرط لاستحقاق أداته صدر الكلام، فكذا ما شبه به.

«أو» لم يقرن «بإلا لفظًا» نحو: {وما محمد إلا رسول} ، «أو معنى» نحو:{إنما أنت منذر} . «وفي الاختيار» احترازًا عن حالة الاضطرار كقوله:

/ فيارب هل إلا بك النصر يرتجى عليهم وهل إلا عليك المعول 129

الأصل: وهل المعول [إلا عليك]، وستقف على علة ذلك في باب الفاعل أو باب المستثنى إن شاء الله تعالى.

ص: 65

«أو» لم «يكن» أي الخبر خبرًا «لمقرون بلام الابتداء» نحو: لزيد قائم، وأما قوله:

خالي لأنت ومن عويف خاله نال العلاء ويكرم الأخوالا

فقيل: اللام زائدة، لا لام الابتداء. وقيل: بل هي لام الابتداء، و (أنت) خبر [لمبتدأ] محذوف، أي لهو أنت. واعترض بمنافاة التوكيد الحذف، فالأولى الزيادة. وفيه نظر. «أو» لم يكن خبرًا «لضمير الشأن» نحو: هو زيد قائم.

قال المصنف: لأن تقديمه يوهم كون الضمير مؤكدًا لضمير الخبر لا ضمير الشن، ولا تطرد هذه العلة؛ لعدم دخول (هو أخوك زيد)، وكذا كل ما كان الخبر فيه جامدًا.

قلت: والعلة المطردة أن في تأخير ضمير الشأن إخراجًا [له] عما وضع له من

ص: 66

تعظيم الأمر وتفخيمه بذكر الإبهام ثم التفسير، فمنع تأخيره لذلك «أو» لم يكن خبرًا «لشبهه» أي لشبه ضمير الشأن نحو: كلامي - زيد منطلق، فلو أخر المبتدأ هنا لم يفد شيئًا، لأن قولك: زيد منطلق، يعلم منه أنه كلامك لا كلام غيرك، فإذا قلت: - بعد ذلك - كلامي، فكأنك قلت: كلامي كلامي، كذا قال المصنف، وفيه نظر؛ إذ قد يقال: إنه يفيد أن ذلك كلام غيرك، فإن ما يتلفظ به الإنسان قد يكون كلام غيره، وحكاه، ولا يتجه أن يقال: السكوت مغن عنه.

«أو» لم يكن خبرًا «لأداة استفهام» نحو: أي الرجال عندك؟

«أو» لأداة «شرط» مثل: من يقم أكرمه. «أو» بشيء «مضاف إلى أحدهما» أي إلى أحد اللفظين اللذين هما أداة الاستفهام وأداة الشرط نحو: غلام من عندك؟ ، وغلام من يقم أكرمه.

وإنما وجب تأخير الخبر في هذه الصور؛ لأنه لو قدم لفات صدارة الاستفهام والشرط، وذلك مما لا يسوغ ارتكابه، فهذه إحدى عشرة مسألة ذكرها المصنف، وذكر غيره مواضع أخر لا نطول بذكرها.

ص: 67

«ويجوز: في داره زيد، إجماعًا» أي جوازًا مجمعًا عليه، فإجماعًا إما بمعنى اسم المفعول محذوف الصلة اتساعًا كما في المشترك، أو على حذف المضاف أي: ذا إجماع.

وإنما كان كذلك لأن الخبر منوي التأخير ب [حسب] الأصل، فهو مؤخر رتبة، وإن تقدم لفظًا، ومفسر الضمير - وهو زيد - مقدم الرتبة [ولا يشترط في معاد الضمير أن يجتمع له الأمران التقدم لفظًا والتقدم رتبة].

ورام الشيخ أو حيان أن يقدح في نقل الإجماع في المسألة [المذكورة] فقال: هي ممتنعة عند الأخفش، لأنه يجعل زيدًا فاعلًا.

وإنما يتم هذا لو قال الأخفش بوجوب الفاعلية، أما إذا قال بجوازها فالمسألة عنده جائزة على الابتداء، فصدق قوله: إن المسألة جائزة بإجماع.

ومما يؤيد هذا أن المصنف قد قال بإثر هذا -: إن الأخفش يجيز (في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند) ولا يمكن [أن يكون [أجازهما إلا على ما ذكرناه من الابتداء لا على الفاعلية.

وظهر بهذا قطعًا أن الأخفش لا يوجب الفاعلية في ذلك، بل يجوزها كما يقول أكثر الناس مع الاعتماد، بل ينبغي - في مسألة عدم الاعتماد - أن يكون ذلك [عند]

ص: 68

القائل هو أضعف، أما أنه يكون متعينًا فلا. «وكذا: في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند» يجوز «عند الأخفش» . والمنقول عن البصريين الجواز كالأخفش، وكلام المصنف يوهم أن غيره من البصريين يخالفه، وليس كذلك، نعم: الكوفيون مانعون لكلتا المسألتين، ووجه الجواز أن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد، فإذا كان المضاف مقدر التقديم بوجه ما/ كان المضاف إليه مقدر التقديم معه، وحينئذ فلا إشكال في جواز المسألتين ويشهد له قول العرب: في أكفانه درج الميت.

«ويجب تقديم الخبر إن كان أداة استفهام» نحو: كيف زيد؟ وأين بيتك؟ . «أو» كان «مضافًا إليها» أي إلى أداة استفهام مثل: صبح أي يوم السفر؟ ، واحترز من أن [لا] يكون الخبر نفسه أداة استفهام أو مضافًا إليها نحو: زيد هل ضربته؟ ، فإنه يجوز تقديمه وإن كان الخبر مصاحبًا للاستفهام في الجملة. «أو» كان «مصححًا تقديمه الابتداء بالنكرة» نحنو: في الدار رجل، وعندك امرأة، وكذا: قصدك غلامه رجل، قاله المصنف. «أو» كان «دالًا بالتقديم على ما [لا] يفهم بالتأخير» .

ص: 69

قال المصنف: نحو: لله درك، فإنه لا يفهم منه التعجب إلا بالتقديم، ونحو: سواء علي أقمت أم قعدت؛ إذ لو قدم لأوهم الاستفهام الحقيقي.

فأما تعليله للثاني فحسن، ولا في هذا كون الوهم يندفع بالآخرة؛ لأنهم لم يعتبروا ذلك، ألا تراهم منعوا: رجل في الدار، وإن كان توهم الصفة يندفع بالآخرة، وأوجبوا التقديم! !

وأما لله درك. فقد يقال: إنه كلام جرى مجرى المثل، [فلا يغير] لا أن معنى التعجب إنما يفهم بالتقديم.

«أو» كان «مسندًا دون (أما) إلى (أن) وصلتها» نحو: {وأية لهم أنا حملنا ذريتهم} فلا يجوز: أنك منطلق عندي، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، واختلف في تعليل ذلك:

فقيل: لئلا يلتبس (أن) المفتوحة ب (إن) المكسورة، ولم تدفع الفتحة الخفية اللبس، لكون الموقع موقع المكسورة؛ لأن لها صدر الكلام، بخلاف المفتوحة وقيل: لئلا تلتبس ب (أن) التي بمعنى (لعل).

وقل: لئلا يتعرض الأول لدخول النواسخ، ومن جملتها (أن)، فيستثقل

ص: 70

اجتماعهما، وأجاز ذلك الأخفش والفراء وأبو حازم قياسًا على (أن) نحو:{وأن تصوموا خيرا لكم} ، فلو كانت (أن) والية ل (أما) جاز بلا خلاف كقوله:

عندي اصطبار وأما أنني جزع يوم النوى فلوجد كان يبريني

وذلك لانتفاء المحذور، ضرورة أن الجملة التامة لا تتوسط بين (أما) وفائها كما ستعرفه في حروف الشرط.

«أو» كان مسندًا «إلى مقرون (بإلا) لفظًا» نحو: ما في الدار إلا زيد، «أو معنىً» نحو: إنما في الدار زيد، وقد نبهناك على أن علة ذلك ستأتي إن شاء الله [تعالى] في باب الفاعل أو في باب المستثنى «أو» كان مسندًا «إلى ملتبس بضمير ما التبس بالخبر» مثلوه بقولهم: على التمرة مثلها زبدًا، وبالحديث:

ص: 71

(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وبقول الشاعر:

أهابك إجلالًا وما بك قدرة على ولكن ملء عين حبيبها

فأما التمثيل بالبيت فصحيح، فإن الخبر - وهو ملء عين - أسند إلى المضاف من قوله:(حبيبها)، وهو ملتبس بضمير عائد إلى العين، والعين ملتبسة بالخبر، من حيث هو مضاف إليها.

وأما الأولان فالخبر الكون المطلق المحذوف، ويصح تقديره مؤخرًا على الأصل،

ص: 72

كما يصح اللفظ [به] مؤخرًا كذلك، وكما يذكر مؤخرًا لو كان [كونًا] خاصًا، مثل: على الله عبده متوكل، ولا يصح أن يقال: م بني على التجوز المشهور في تسميتهم الظرف النائب عن الكون المطلق خبرًا، لأنه ذلك غير متأت من جهة أنه قال:[إن] فيلزم على هذا أن الخبر هو (على).

وإنما قال المصنف: (ملتبس)، ولم يقل:(مضاف)؛ ليدخل [نحو]: (ملء عين حبيبها).

وقال: (ما التبس بالخبر)، ولم يقل:(ما أضيف/ إلى الخبر)؛ ليدخل [نحو]: (ملء عين) ونحو: (على التمرة) - على زعمهم - ونحو: من حسن إسلام المرء تركه الفضول.

وحاصل كلامه أن معنا مبتدأ وخبرًا كل منهما ملتبس بشيء، والمبتدأ ملتبس بضمير أو غيره، والخبر ملتبس بصاحب الضمير: إما بإضافة أو غيرها.

«وتقديم المفسر» وحده على المبتدأ «- إن أمكن - مصحح» لتأخير الخبر: إما مع الجواز نحو: زيدًا أجله محرز، أو مع الوجوب نحو: زيدًا أجله أحرز؛

ص: 73

لما علمت من أن الخبر في الصورة الأولى جائزة التأخير؛ إذ هو مثل: زيد قائم، وأنه في الصورة الثانية واجب التأخير، إذ هو مثل: زيد قام، وإنما زادت الصورتان فيما شبهناهما به بأن المبتدأ التبس بضمير ما التبس بالخبر، وأمكن تقديم صاحب الضمير، وكلتا الصورتين جائزة عند البصريين.

«خلافًا للكوفيين» فإنهم منعوهما جميعًا. «إلا هشامًا» فإنه خالفهم في جواز المسألتين جميعًا. «ووافق الكسائي» منهم [البصريين]«في [جواز] نحو: زيدًا أجله محرز» وهي مسألة اسم الفاعل. «لا في نحو: زيدًا أجله أحرز» وهي مسألة الفعل.

وحاصلة أن هشامًا وافق البصريين في مسألتي اسم الفاعل والفعل، وأن الكسائي وافقهم في مسألة اسم الفاعل لا في مسألة الفعل.

وحجة المانعين أنه لا يفصل العامل من معموله بأجنبي، ويرده:{وفي النار هم خلدون} .

وأجابوا: بأن الظرف يتوسع فيه. والعجب أن الكوفيين يقولون هذا، وهم

ص: 74

يجيزون: كان طعامك زيد آكلًا أو يأكل.

والجواب: عن الشبهة المذكورة أن نسبة الخبر من المبتدأ نسبة الفعل من الفاعل؛ لأنهما مسند ومسند إليه، ولا يمتنع تقديم المفعول وتأخير الفاعل [عنه]، فكذا لا يمتنع تقديم الخبر وتأخير المبتدأ.

ص: 75