الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«فصل» يذكر فيه تقسيمات وأحكام تتعلق بالخبر
.
«الخبر مفرد» وهو ما لعوامل الأسماء تسلط على لفظه عاريًا من إضافة وشبهها أو ملتبسًا بأحدهما نحو: زيد منطلق، وعمرو قائم أبوه، وذكر المصنف أن قولك:(قائم أبوه) من هذا المثال ونحوه ليس بجملة عند المحققين.
قلت: وقد يقال الخبر في قولك: (زيد منطلق، أو قائم أبوه) ليس هو اسم الفاعل بمفرده، بل المجموع منه ومن مرفوعة هو الخبر سواء كان المرفوع ضميرًا كما في (منطلق)، أو ظاهرًا ملتبسًا بالضمير كما في (قائم أبوه)، وليس لعوامل الأسماء تسلط على المجموع أصلًا، وإنما لها تسلط على جزته الأول فقط فتأمله.
وقد تنبه نجم الدين سعيد لذلك، فقال في شرح الكافية: المفرد ما لعوامل المبتدأ تسلط على كلمة منه، وذلك بأن يكون كلمة واحدة نحو: زيد غلام، أو أكثر نحو: زيد قائم أخوه، ولكن تسلط العوامل على كلمة واحدة، وهي (قائم) من مثالنا. على أن في عبارته - أيضًا - مسامحة.
وقال ابن الحاجب في أماليه: لم يختلفوا [في] أن اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة مع الضمير ليست بجملة لأمرين:
أحدهما: أن الجملة هي التي تستقل بالإفادة، وهذه ليست كذلك.
الثاني: أن وضعها أن تفيد معنىً في ذات تقدم ذكرها، فإذا استعملت، مبتدأ
خرجت عن وضعها؛ ولذلك لما خرج بعضها عن هذا المعنى، وجعل بمعنى الفعل بشرط سبق ما يكون كالعوض عما كان يستحقه من الاعتماد أو كالدال على إخراجه عن وضعه الأصلي، جاز أن يكون مع مرفوعة جملة مثل: أقائم الزيدان؟ ، والذين يخالفون في: زيد ضارب غلامه ويجعلون (ضارب غلامه) جملة [مثل: أقائم الزيدان؟ ] فليسوا مخالفين/ في الذي ذكرناه، بل الخلاف في أنه هل ثبت أن ضارب (غلاماه) مثل: أضارب الزيدان؟ ، فمن جوزه أخرج الصفة عن موضوعها الأصلي، واستعملها استعمال الفعل. انتهى.
«وجملة» ولا إشكال في تعريفها بما يعرف به الكلام إذا جعلت مرادفة له، وأما إذا جعلت أعم - لصدقها دونه على الصلة [مثلا] من قولك: الذي قام أبوه زيد - فيحتاج إلى إفرادها بتعريف.
فقال ابن هشام: هي عبارة عن الفعل وفاعله: كقام زيد، والمبتدأ وخبره: كزيد قائم، وما كان بمنزلة أحدهما، نحو: ضرب اللص، وأقائم الزيدان؟ ، وكان زيد قائمًا، وظننته قائمًا. هذا نصه في مغني اللبيب.
قلت: أما المثال الأول - وهو ضرب اللص، ببناء الفعل للمفعول - فهو منزلة الفعل والفاعل بناء على أن المرفوع فيه نائب عن الفاعل، وأما على رأي من يقول:
هو فاعل اصطلاحًا كالزمخشري، فلا يكون مما نزل منزلته بل هو نفسه.
وأما الثاني - وهو أقائم الزيدان؟ - فهو مما نزل منزلة المبتدأ وخبره، فإن الوصف فيه مبتدأ، لكن مرفوعة ليس خبرًا عنه، وإنما هو بمنزلة الخبر كما أسلفناه عن جماعة.
وأما الرابع - وهو ظنته قائمًا - فإيراده فيما ينزل لمنزلة أحدهما مشكل؛ لأنه على التحقيق جملة فعلية منتظمة من فعل - وهو (ظن) - وفاعل، وهو تاء المتكلم، فليس مما نزل منزلة الفعل والفاعل، ولا منزلة المبتدأ والخبر.
فإن قلت: لعله يشير إلى أنه] مما] نزل منزلة المبتدأ أو الخبر، باعتبار المفعول الأول والثاني، فإنهما مبتدأ وخبر في الأصل، وبعد دخول الناسخ يكونان بمنزلة المبتدأ أو الخبر.
قلت: لو كان كذلك لزم كونهما جملة اسمية، وهو باطل، وإنما هما بعد دخول الناسخ مفردان تسلط عمله في كل منهما، وليس جملة.
ولو قيل: الجملة لفظ يستقل بالإفادة في الحال أو في الأصل لكان حسنًا:
فالأول - نحو: قام زيد، وزيد قائم، فإن كلًا منهما مفيد في الحال.
والثاني - كمدخول حرف الشرط في قولك: إن قام زيد، فإنه مفيد بالنظر إليه قبل دخول العارض، وهو أداة الشرط، وكذا الصلة في قولنا: الذي قام أبوه زيد مستقلة بالإفادة باعتبار النظر إليها قبل الوصل؛ إذ أصله - حينئذ - قام أبوه زيد، وكذا أمثاله مما طرأ عليه ما يمنعه من الاستقلال في الحال.
ويمكن [عند] إرادة زيادة التوضيح أن يقال: الجملة ما انتظم من مبتدأ غير وصف وخبره باقي الحكم أو منسوخه بحرف، أو من مبتدأ وصف مرفوعه، أو من فعل تام ومرفوعه، أو من فعل ناقص ومعموليه وهذا فيه طول، لكن لا بأس به طلبًا لزيادة البيان:
فمثال الأول: زيد قائم.
ومثال الثاني: إن زيدًا فاضل، وما عمرو ذاهبًا، وإنما قيدنا الناسخ بكونه حرفًا احترازًا من نحو: ظننت زيدًا قائمًا.
ومثال الثالث: أقائم الزيدان؟ ، وما مضروب العمران.
ومثال الرابع: قام زيد، وضرب اللص.
ومثال الخامس: كان زيد قائمًا، فكل من الأقسام الثلاثة الأول جملة اسمية، وكل من القسمين الأخيرين جملة فعلية.
وقال ابن قاسم: - تابعًا للمصنف - الجملة ما تضمن جزءين بالإسناد، لعوامل الأسماء تسلط على لفظها أو لفظ أحدهما.
فخرج بذكر الإسناد نحو: صاحب زيد.
133 وقوله: (لعوامل ا؟ لأسماء) كذا هو/ في النسخة التي رأيتها، والظاهر أنه سقطت منه كلمة (ليس)؛ إذ جملة الخبر من قولك: زيد أبوه قائم لا يتأثر لفظها بدخول (كان) أو (ظن) على نا هي خبر عنه، بل يبقى لفظها بحاله، ويكون العمل في محلها.
وقوله: (أو لفظ أحدهما) مراده به أن يخرج نحو: قائم أبواه، من: زيد قائم أبواه، فإن دخول (كان) - مثلًا - يؤثر في لفظ الأول فقط، ولا يؤثر في الثاني.
ولو اقتصر على قوله: (لفظهما)، لدخل هذا في حد الجملة؛ لأنه إذا لم يتسلط العامل على الثاني صدق [عليه] أنه لم يتسلط عليهما، ولا يخفى فساد هذا التعريف؛ لأنه يلزم عليه أن لا يكون (أبوه قائم) من قولنا: زيد أبوه قائم، جملة؛ لأن لعوامل ا؟ لأسماء تسلطًا على لفظ جزئيها، نحو: ظننت أباه قائمًا، وعلى لفظ أحدهما، نحو: زيد كان أبوه قائمًا، وزيد إن أباه قائم، باعتبار نقله من الرفع إلى النصب، فتأمله.
«والمفرد مشتق» وهو الدال على موصوف مصوغًا من مصدر مستعمل:
كضارب ومضروب وحسن، أو من مصدر مقدر، نحو: ربعة وحزور، من الصفات التي أهملت مصادرها، فيقدر لها مصادر. كذا قال المصنف. «وغيره» أي وغير مشتق، وهو ما عري مما رسم به المشتق: كأسد وحجر: «وكلاهما» أي المشتق وغيره. «مغاير للمبتدأ لفظًا، متحد به معنى» نحو: زيد قائم، وهذا زيد؛ وذلك لأنه حق الخبر أن يكون صادقًا على المبتدأ، على معنى أن ما يقال له المبتدأ، يقال له الخبر، وهو الذي يعبر عنه ب (هو هو)، وهذا يقتضي اتحاد المبتدأ والخبر بحسب الذات، وتغايرهما بحسب المفهوم، فإن تغاير الذات ينافي (هو هو)، واتحاد المفهوم يمنع إسناد أحدهما إلى الآخر، فإن الإسناد نسبة، والنسبة مستدعية للمنتسبين المستلزمين للأبنية المنافية لاتحاد المفهوم.
وحق المبتدأ أن يكون لفظه غير لفظ الخبر، اللهم إلا أن يكون اللفظ مشتركًا بين معنيين، أحدها صادق على الآخر، فيذكر اللفظ مرتين، يجعل في إحداهما مبتدأ، وفي الأخرى خبرًا كما ستراه.
«ومتحد به لفظًا، دال على الشهرة وعدم التغير» كقول رجل من
طيئ: - في المشتق -
خليلي خليلي دون ريب وربما ألان امرؤ قولًا فظن خليلًا
أي: خليلي من لا أشك في صحبته، ولا يتغير في حضوره وغيبته، وكقول أبي النجم: -[في الجامد]-
أنا أبو النجم وشعري شعري.
أي: شعري على ما ثبت في النفوس من جزالته، لم يتغير عن ذلك.
وينبغي أن يزاد: ويكون لكل منهما متعلق مغاير لمتعلق الآخر نحو: {والسابقون السابقون} أي إلى الخيرات، وإلى الجنات.
وقال ابن الحاجب: - في شرح المفصل - إنما جاز (وشعري شعري) على تقدير مضاف، ـ وهو (مثل)، وصح تشبيه الشيء بنفسه باعتبارين، أي وشعري الآن مثل شعري فيما مضى، أي هو المعروف المشهور بالصفات التامة.
«ومغاير له مطلقًا» [أي لفظًا ومعنى]. «دال على التساوي حقيقة» نحو: {وأزواجه أمتهم} ، أي مساويات لأمهاتهم في التحريم والاحترام
حقيقة. «أو مجازًا» كقوله:
ومجاشع قصب خوت أجوافها لو ينفخون من الخؤورة طاروا
أي: مساوون للقصب الخاوية الأجواف في طيرانها بالنفخ، وهذا التساوي ليس حقيقة وإنما هو مجاز. «أو قائم مقام مضاف» نحو:{هم درجات عند الله} ، أي ذوو درجات، ونحو:{ولكن البر من أمن} [أي: / بر 134
من آمن].
وظاهر هذا أن الخبر يتعين أن يكون محل التقدير، وهو حسن؛ لأنه تقدير حيث الحاجة.
وقد قال الزجاج: - في {ولكن البر من أمن} -[بخلاف ذلك، فإنه قدر: ولكن ذا البر.
وقال قطرب: التقدير: بر من آمن] كما يقتضيه قول المصنف، وكلهم قدروا - في {هم درجات} -[هم][ذوو درجات].
ولا يختص الحكم بالخبر المفرد كما يوهمه كلامه، بل يأتي ذلك في الجار والمجرور [وقد] قال الفارسي: - في {أجعلتم سقاية الحاج} الآية - التقدير أهل سقاية [الحاج]، أو كإيمان من آمن؛ لتشبه ذات بذات، أو حدث بحدث.
وقال بعضهم: - في {والعقبة للتقوى} - إن التقدير لذوي التقوى. وكأن المعنى - أيضًا - على تقدير صفة للمبتدأ، أي والعاقبة الحسنة، أو المحمودة.
«أو مشعر بلزوم حال تلحق العين بالمعنى» نحو: زيد صوم، جعلته إياه مبالغة، وليس بتقدير (ذو). لأنه - حينئذ - يصدق على القليل والكثير، وإنما يقال:
فلان صوم، إذا أدمن الصوم. «والمعنى بالعين» نحو: نهاره صائم وليله قائم.
«مجازًا» راجع إلى مسألتي إلحاق العين بالمعنى، والمعنى بالعين.
«ولا يتحمل غير المشتق ضميرًا» فإذا قلت: هذا أسد - مشيرًا إلى السبع - فأسد اسم جامد لا ضمير فيه. «ما لم يؤول بمشتق» فيتحمل الضمير نحو: زيد أسد، إذا أول بشجاع، ويسند - حينئذ - إلى الظاهر فيرفعه نحو: زيد أسد أبوه، على أن يكون (أبوه) فاعلًا ب (أسد). قاله المصنف. «خلافًا للكسائي» في قوله: إن الجماد يتحمل الضمير مطلقًا: أول بمشتق أو لم يؤول به، فالخلاف راجع إلى قوله: ولا يتحمل غير المشتق ضميرًا. فقط.
قال المصنف: وهذا القول وإن كان مشهور الانتساب إلى الكسائي، دون تقييد، فعندي استبعاد لإطلاقه؛ إذ هوة مجرد عن دليل، والأشبه أن يكون حكم بذلك في جامد عرف لمساه معنى ملازم لا انفكاك عنه: كالإقدام والقوة للأسد، والحمرة والحرارة للنار. وهذا تقييد يرجع بالمسألة إلى الوفاق فإن ما قيد به هو معنى التأويل بالمشتق.
ونقل ابن المصنف هذا القول في شرح الخلاصة عن الكوفيين وسبقه إلى نقل ذلك عنهم صاحب البسيط، وزاد نقله عن الرماني.
قال الرضي: وكأن الكسائي نظر إلى أن معنى (زيد أخوك): متصف بالأخوة،
وهذا زيد [أي] متصف بالزيدية، أو محكوم عليه بكذا؛ وذلك لأن الخبر عرض فيه معنى الإسناد بعد أن لم يكن، فلا بد من رابط، وهو الذي يقدره أهل المنطق بين المبتدأ والخبر.
«ويتحمله المشتق خبرًا» نحو: زيد قائم «أو نعتًا» نحو: رب رجل كريم لقيته. «أو حالًا» نحو: جاء زيد راكبًا. «ما لم يرفع ظاهرًا لفظًا» نحو: الزيدان قائم أبواهما. «أو محلًا» نحو: الكافر مغضوب عليه، فلا يتحمل الضمير حينئذ.
«ويستكن الضمير» فيما ذكر من خبر ونعت وحال. وظاهره إيجاب الاستكنان، فإن قيل: قائم هو، كان توكيدًا، لا فاعلًا، وقد أجاز سيبويه الوجهين معًا في: مررت برجل مكرمك هو. «إن جرى متحمله» وصفًا كان أو فعلًا «على صاحب معناه» نحو: [زيد] هند ضاربته، أو تضربه، أي (هي) في الصورتين.
وإنما حملنا قوله: (متحمله) على ما هو أعم من الصفة والفعل؛ لأنه قد صرح في شرحه بوجوب الإبراز في الفعل عند خوف اللبس نحو: غلام زيد يضربه هو، وهو حسن. وأما قول غيره إنك ترفع اللبس بتكرير الظاهر ففيه وضع الظاهر موضع المضمر في غير موضع التفخيم، وهو ضعيف. قاله ابن قاسم.
وقد يعارض بأن في الإبراز [أيضًا] فصل الضمير مع تأخره عن العامل/ وقوة الطالب. «وإلا» يجر متحمله على صاحب معناه، بل على غيره «يرز» وجوبًا إن
خيف اللبس نحو: زيد عمرو ضاربه هو، باتفاق أهل البلدين. «وقد يستكن» وقد لا يستكن «إن أمن اللبس، وفاقًا للكوفيين» فيجوز - على قولهم في: زيد هند ضاربها هو - كون (هو) فاعلًا، وكونه تأكيدًا، وأما زيد عمرو ضاربه هو، ففاعل لا غير، والبصريون يوجبون الفاعلية فيهما، ويمنعون التأكيد؛ لإيجابهم الإبراز، وتظهر فائدة ذلك في التثنية والجمع، فيقول البصريون: الهندان الزيدان ضاربتهما هما، ويقول الكوفيون: مثل ذلك: إن قدروا الضمير فاعلًا، وإن قدروه توكيدًا قالوا: ضاربتاهما هما، وكذلك الحكم في الجمع، والمسموع من العرب إفراد الوصف إلا على لغة: أكلوني البراغيث.
وقد استدل للكوفيين بما حكاه الفراء عن العرب: كل ذي عين (ناظرة إليك وأجيب: بأن التقدير ألحاظ كل ذي عين)، وحمل عليه - أيضًا - {فظلت أعناقهم لها خاضعين} ، وتوالت على إقحام الأعناق، أو جعلها جمعًا لعنق، بمعنى جماعة، ومنه قولهم: أتانا عنق من الناس، أي جماعة واستدل لهم - أيضًا - بقول الشاعر:
قومي ذرى المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان
وأجيب: بأن التقدير قومي بانون ذرى المجد بانوها.
ولما رأى المصنف ما في هذه التأويلات من التكلف قال بالمذهب الكوفي، تمسكًا بالظاهر. «والجملة اسمية» نحو: زيد أبوه قائم. «وفعلية» نحو: زيد قام أبوه: وبعض المحققين على أن لا إسناد في الجملة - من حيث هي - إلى زيد، بل القيام - مثلا - في نفسه مسند إلى الأب، ومع تقييده مسند إلى زيد، وأما المجموع المركب من زيد، ومن القيام والنسبة الحكمية بينهما فلم يسند إلى زيد؛ ولذلك يؤولون (زيد قام أبوه) بأنه قائم الأب، وأما قولهم: إن الخبر هو الجملة بأسرها فمن الاتساعات التي لا تلتبس معانيها.
وزاد ابن هشام - في أقسام الجملة - الظرفية، وهي المصدر بظرف أو جار ومجرور نحو: أعندك زيد؟ ، أو أوفي الدار زيد؟ ، إذا قدرت زيدًا فاعلًا بالظرف أو
الجار والمجرور، لا بالاستقرار المحذوف، ولا مبتدأ مخبرًا عنه بهما.
«ولا يمتنع كونها» أي الجملة الواقعة خبر المبتدأ «طلبية» نحو: زيد اضربه، ومنه قول الشاعر:
قلب من عيل صبره كيف يسلو؟ صاليًا نار لوعة وغرام
«خلافًا لابن الأنباري [وبعض الكوفيين]» فإنه ذهب إلى أنه لا يصح الإخبار عن المبتدأ بالجملة الطلبية لأن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب.
وينبغي أن يمنع الإنشائية التي ليست بطلبية أيضًا لعين هذه العلة، وهذا غلط نشأ من اشتراك لفظ الخبر بين ما يقابل الإنشاء وبين خبر المبتدأ، ولم يرد النحاة أن خبر المبتدأ يجب أن يكون ثابتًا للمبتدأ، على معنى أنه يجب أن تكون نسبته إليه موقعة موجبة؛ ليتجه أن هذا الوجوب مختص بالكلام الخبري والقضية الموجبة، بل أريد أنه يجب أن تعتبر نسبته إلى المبتدأ سواء كانت مرفوعة أو موضوعة أو مشككًا فيها، فيدخل في ذلك الظرف في نحو: قولك أزيد عندك؟ ؛ إذ تقديره: أزيد حاصل عندك؟ [واعتبار النسبة بالثبوت بينهما مما لا ينبغي أن ينازع فيه، لأن المبتدأ إنما]
ذكر لينسب إليه - بطريق من الطرق - حال من أحواله، ويرتبط به - بوجه من الوجوه - حكم من أحكامه؛ ولهذا فرق بين: ضربت زيدًا، وزيد ضربته، فحكم بأن زيدًا - في الأول مفعول به، وفي الثاني مبتدأ، مع أن فعل الفاعل واقع عليه في 136 الصورتين، لأنه ذكر في الأول بيانًا لما/ وقع عليه الفعل، وفي الثاني ليسند إليه حال من أحواله وحكم من أحكامه؛ ولذلك صرحوا بأن (زيد أبوه منطلق) معناه زيد منطلق الأب، وعلى هذا فنقول معنى الجملة الإنشائية - طلًا كان أو غيره - وإن كان حاصلًا معها لكنه قائم بالطالب والمنشئ، فإذا قلت: زيد اضربه، فطلب الضرب صفة قائمة بالمتكلم، وليس حالًا من أحوال زيد، إلا باعتبار تعلقه به، أو كونه مقولًا في حقه، واستحقاقه أن يقال فيه، ولابد أن يلاحظ في وقوعه خبرًا - هذه الحيثية، فكأنه قيل: زيد مطلوب ضربه، أو مقول في حقه ذلك، لا على معنى الحكاية بل على معنى أنه يستحق أن يقال فيه، فيستفاد - من لفظ (اضربه) - طلب ضربه، ومن ربطه بالمبتدأ معنى آخر لا يستفاد من قولك: اضرب زيدًا.
وامتناعه من احتمال الصدق والكذب بحسب المعنى الأول لا ينافي احتمالها بحسب المعنى الثاني. هكذا قرر هذا الحل بعض المتأخرين، وهو في غاية الحسن. «ولا» [يمتنع أيضًا كون الجملة الواقعة خبرًا للمبتدأ جملة]«قسيمة، خلافًا لثعلب» فإنه منع نحو: زيد لأكرمنه، وعلل ذلك بعضهم بأن نحو: لأفعلن لا محل له، فإذا بنى على المبتدأ فقيل: زيد ليفعلن، صار له موضع.
قال ابن هشام في المغني: وليس بشيء؛ لأنه إنما منع وقوع الخبر جملة قسمية لا جملة هي جواب القسم، ومراده أن القسم وجوابه لا يكونان خبرًا، إذ لا ينفك إحداهما عن الأخرى، وجملتا القسم والجواب يمكن أن يكون لهما محل كقولك: قال زيد أقسم لأفعلن. انتهى.
قلت: هذا فيه تسليم لصحة ما اعتل به هذا القائل من أن صيرورة ما لا محل له ذا محل باطل، ورده أن كل جملة أخبر بها عن ضمير الشأن لا محل لها قبل الإخبار بها عنه، بوعد الإخبار تصير ذات محل من الإعراب، ألا ترى أن قولك: - ابتداء - زيد قائم، لا محل له من الإعراب، ويصح جعلها خبرًا لضمير الشأن، فتقول: هو زيد قائم، فيصير في محل رفع.
ثم قال ابن هشام: إنما المانع عنده: إما كون جملة القسم لا ضمير فيها، فلا تكون خبرًا، لأن الجملتين هنا ليستا كجملتي الشرط والجزاء؛ لأن الثانية ليست معمولة لشيء من الأولى؛ ولذا منع بعضهم وقوعها صلة. وإما كون جملة القسم إنشائية، والخبر لابد له من احتماله للصدق والكذب. قال: وكل
منها ملغىً:
أما الأول - فلأن بين الجملتين ارتباطًا صارتا به كجملة وإن لم يكن ثم عمل.
وأما الثاني - فلأن احتمال الصدق والكذب [إنما هو] في الخبر القسيم للإنشاء، لا في خبر المبتدأ للاتفاق على أن أصله الإفراد واحتمال الصدق والكذب من صفات الكلام، وعلى [جواز] أين زيد؟ وكيف عمرو؟ .
قال: وزعم ابن مالك، أن السماع ورد بما منعه ثعلب، قال تعالى:{والذين أمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصلحين} ، {والذين أمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم} {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم} .
[ثم] قال: وعندي لما استدل به تأويل لطيف، وهو أن المبتدأ في ذلك
كله ضمن معنى الشرط، وخبره منزل منزلة الجواب، فإذا قدر قبله قسم كان الجواب له، وكان خبر المبتدأ المشبه لجواب الشرط محذوفا للاستغناء بجواب القسم المقدر قبله، ونظيره - في الاستغناء بجواب القسم المقدر قبل الشرط [المجرد من لام التوطئة]- {وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن} التقدير: والله ليمسن لئن لم ينتهوا يمسن. انتهى.
«ولا يلزم تقدير قول قبل الجملة الطلبية، خلافًا لابن السراج» فإذا قلت: / زيد اضربه، فالتقدير عنده: زيد أقول لك اضربه، وذلك القول المقدر هو 137 الخبر، والجملة الطلبية محكية [به]، فهي في محل نصل على التقدير، أو في محل رفع إن قدرت: زيد يقال لك أو مقول لك اضربه، وإنما التجأ إلى ذلك فرارًا من وقوع ما لا يحتمل الصدق والكذب خبرًا، وقد عرفت جوابه.
«وإن اتحدت» الجملة الواقعة خبرًا «بالمبتدأ» الذي هي خبره «معنى» منصوب على التمييز عن النسبة، والباء للمعية أو الإلصاق، [أي] إن اتحد معنى الجملة مع معنى المبتدأ، واتحد معناها ملتصقًا بالمبتدأ «هي» أي الجملة نحو: هجيرى أبي بكر لا إله إلا الله.
قال ابن قاسم: أي قوله في وقت الهاجرة.
قلت: إنما معناه دأبه وعادته قال في الصحاح: والهجير مثال الفسيق الدأب والعادة. وكذا الهجيرى ولا هجيرى. ومن مثل المسألة قوله -} -: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله)«أو بعضها» أي [أو] بعض الجملة نحو: {ولباس التقوى ذلك خير} ، فجملة الخبر - وهي (ذلك خير) -
ليست متحدة بالمبتدأ الذي هو (لباس التقوى) معنىً، وإنما بعضها هو المتحد به، وهو (ذلك)، وكذا قوله تعالى:{والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلوات إنا لا نضيع أجر المصلين} . «أو قام بعضها مقام مضاف إلى العائد» نحو: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن} .
قال المصنف: - تبعًا للأخفش والكسائي، ومخالفًا للجمهور - الأصل يتربص، أزواجهم، ثم جيء بالضمير مكان الأزواج؛ لتقدم ذكرهن فامتنع ذكر الضمير؛ لأن النون لا تضاف؛ لكونها ضميرًا، وحصل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف للضمير.
ويعارضه ما وقع له في قوله:
وعزة ممطول معنى غريمها
وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب التنازع.
وخرجت الآية على أن الرابط فيها: إما النون على أن الأصل: وأزواج الذين. وإما ضمير مخفوض بالإضافة حذف هو وما أضيف إليه على [سبيل] التدريج، وتقديرهما: إما قبل (يتربصن)، أي أزواجهم يتربصن. وإما بعده، أي يتربصن بعدهم. «استغنت» جواب (إن) من قوله:(وإن اتحدت)، أي [إن] وجد [أحد] الأمور المذكورة استغنت جملة الخبر «عن» ضمير «عائد» إلى المبتدأ «وإلا» يكن شيء من ذلك، أي [إن] لا تتحد الجملة بالمبتدأ معنى، لا هي ولا بعضها، ولم يقم بعضها مقام مضاف إلى العائد «فلا» تستغني جملة الخبر عن عائد، وهو ضمير يعود إلى المبتدأ.
ثم الأصل في الضمير أن يرجع إلى نفس المخبر عنه نحو: زيد أكرمته، وهذا لا إشكال فيه، ويأتي على وجهين آخرين:
أحدهما: أن يعود، إلى شيء المخبر عنه بعضه وقد تقدم ذكره، كقولك: - وقد ذكرت الأمور - ليس منهيها بآتيك ولا بقاصر عنك مأمورها.
وبيانه أن الضمير في (مأمورها) عائد إلى الأمور التي المنهي بعضها، فلما عاد على العام الذي ذلك الخاص جزء منه كان عائدًا على ذلك الخاص.
والثاني: أن يعود على شيء ملابس للمبتدأ، كقولك: - وقد ذكرت الخيل - ليس ردها بمعروف ولا مستنكر عدها، فإن الضمير - في (عدها) - للخيل لا للرد، ولكن الرد ملابس للخيل، فكأنه لملابسته لها داخل في جملتها، فصار عود الضمير على الخيل كأنه هود على الرد؛ إذ كان بينهما التلابس المذكور، وهذا معنى كلام سيبويه، وقد اعترض عليه من لم يفهم دقيق نظره.
«وقد يحذف» الضمير العائد «إن علم» فلا يحذف من نحو: زيد هو قائم، وإن أجازه بعضهم؛ لأنه حذف/ بلا دليل، ولا من نحو: زيد - ضربته في داره، لما مر 138 «ونصب بفعل» قال ابن قاسم:[نحو]:
ثلاث لكهن قتلت عندًا.
ومثله غيره بقوله تعالى: {أفحكم الجاهلين يبغون} ، وفيهما نظر؛ لأن كلًا من المسألتين ستأتي، ولم أتحقق له الآن مثالًا سالمًا من النظر فحرره.
«أو صفة» بالجر عطفًا على فعل، يعني أو نصب بصفة كقوله:
غنى نفس العفاف المغني والخائف الإملاق لا يستغني
ف (غنى نفس) خبر مقدم، خبر مقدم، وما بعده مبتدآن ثانيهما مخبر عنه بهذا الخبر المقدم،
وأولهما مخبر عنه بالمبتدأ الثاني وخبره، والقاعدة أنه إذا وجد مبتدآن متجاوران كان الثاني وخبره خبر الأول، وكذا الأمر هنا، لكن خبر الثاني مقدم في هذا المثال، وفيه نظر من هذه الجهة، إذا فيه فصل بين الخبر المقدم ومبتدئه المؤخر بأجنبي، فينبغي أن يعدل إلى وجه غير هذا، وهو أن يكون كل من الألفاظ الثلاثة في موضعه الأصلي، والمعنى: غنى نفس العفاف هو الذي يغنيه، لا يغنيه شيء غيره، وعليه ف (غنى نفس) مبتدأ أول، و (العفاف) مبتدأ ثان و (المغني) خبر هذا المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، ولا تقديم ولا تأخير، ولا يضر كون (غنى نفس) نكرة؛ لأنه صالح للابتداء به؛ لأنه مختص بالإضافة، وإنما الممتنع - عند الأخفش - الإخبار عن النكرة المختصة بالمعرفة، لا الإخبار عنها بجملة مصدرة معرفة.
وهذا الوجه هو الذي يبني المصنف عليه؛ لأنه هو الظاهر وعليه يتم الاستشهاد بهذا البيت؛ لأن المعنى: غنى نفس العفاف هو الشيء الذي يغنيه، ففاعل (المغني) ضمير العفاف، وهو عائد إلى الألف واللام كما تقول: زيد الضارب.
وتحقيقه: أن الخبر (أل)، وهي جامدة، فلا ضمير يعود إلى المبتدأ الأول سوى الضمير المنصوب بالوصف، وأما على الوجه الأول فالتقدير: العفاف الذي يغنيه غنى نفس، ففاعل (المغني)(العفاف)، والهاء المحذوفة للرجل الذي وصف ب (المغني)
فلا شاهد فيه إلا على حذف عائد (أل)، على ما فيه من النظر الذي أسلفناه.
«أو جر بحرف تبعيض» كقولهم: السمن منوان بدرهم، أي منه، وكقول الخنساء:
كأن لم يكونوا حمى يتقى إذ الناس إذ ذاك من عز بزا
أي من عز منهم، وفي الأمثال: من عزبز، أي من غلب أخذ السلب.
وقيد بعضهم ذلك بأن لا يؤدي حذف المجرور إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، فلا يجوز: الرغيف أكلت، وأنت تريد (منه)، وقد يؤخذ هذا الشرط من قوله: - أولًا - (إن علم)؛ لأن المجرور هنا لو حذف لم يعلم؛ لجواز تقدير: أكلته، وأكلت منه. «أو» جر بحرف «ظرفية» كقوله:
فيوم علينا ويم لنا ويوم نساء ويوم نسر
أي: نساء فيه ونسر فيه، وكقولهم:[شهر ثرى] وشهر ترى وشهر مرعى، الشاهد في السجعة الثانية، أي: وشهر ترى فيه النبات، وأما الأولى والثالثة فليستا مما نحن فيه. «أو» جر «بمسبوق مماثل لفظًا ومعمولًا» كقوله:
أصح فالذي توصى به أنت مفلح فلاتك إلا في الفلاح منافسا
أي: أنت مفلح به، فحذف العائد المجرور؛ لكونه قد جر بحرف سابق عليه مماثل [للجار] لفظًا ومعمولًا، إذ الحرف الجار فيهما هو الباء والمجرور ضمير غيبة فيهما، فلو جر بحرف غير ذلك امتنع حذفه نحو: زيد مررت به.
«أو» جر «بإضافة اسم فاعل» كقوله:
سبل المعالي بنو الأعلين سالكة والإرث أجدر أن يحظى به الولد/ [أي] سالكتها، وخرج بذلك نحو: زيد قام غلامه.
قال ابن قاسم: وقد صرح بعضهم بأن المجرور بالإضافة لا يجوز حذفه مطلقًا. [قلت]: ووقع لأبي البقاء - في قوله تعالى في سورة الأعراف: {والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وأمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} - أن (الذين) مبتدأ، [وإن] وما بعدها خبر، والعائد محذوف، أي: لغفور لهم ورحيم بهم. ولم تدخل هذه الصورة تحت واحدة من الصور التي قالها المصنف في المجرور، ولا يخفى أنه خرج بقول المصنف:(إن نصب. أو جر) ما إذا كان العائد مرفوعًا، سواء رفع بفعل نحو: الزيدان قاما أو بغيره نحو: زيد هو القائم، أو زيد القائم هو.
«وقد يحذف» العائد «بإجماع إن مفعولًا به، والمبتدأ (كل)» كقراءة ابن عامر: {وكل وعد الله الحسنى} بالرفع، وكقول أبي النجم
قد أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا كله لم أصنع
برفع (كل)، وكذا قول الآخر:
ثلاث كلهن قتلت عمدا.
«أو شبهه» أي: والمبتدأ إما (كل) أو شبه (كل)«في العموم والافتقار» ، وذلك كل مفتقر من موصول وغيره نحو: أيهم يسألني أعطي، ونحو: رجل يدعو إلى الخير أجيب، أي: أعطيه، وأجيبه، الأول شرط إن جزمت الفعلين أو موصول [كالشرط] إن رفعتهما، والثاني مشبه بالشرط، فيحتاج إلى جملة تكون صفة له ليتم بها معناه، كما يتم بالشرط معنى اسم الشرط، وكما يتم بالصلة الموصول. وقد رأيت نقل المصنف الإجماع في مسألتي (كل) وشبهها:
فأما نقله لذلك في المسألة [الأولى] فقدح فيه بأن مذهب البصريين في ذلك
المنع، ونص ابن عصفور على شذوذ قراءة ابن عامر، [وسلك ابن] [أبي] [الربيع نفي الأدب في ذلك فقال: جاء في الشعر، وفي قليل من الكلام كقراءة ابن عامر]، وأجاز ذلك الكسائي والفراء فيما نقله الصفار عنهما.
وأما نقله لذلك في شبه (كل) فقال أبو حيان: لا أعلم له في ذلك سلفًا «ويضعف» الحذف «إن كان المبتدأ غير ذلك» كقراءة السلمي: {أفحكم الجاهلين يبغون} [بالرفع]، أي يبغونه، وكقول الشاعر:
وخالد يحمد سادتنا بالحق لا يحمد بالباطل
برفع (خالد) و (سادتنا)، أي يحمده سادتنا.
«ولا يختص جوازه بالشعر، خلافًا للكوفيين» وما استشهدنا به حجة عليهم.
«ويغني عن الخبر - باطراد - ظرف» مكاني، نحو: زيد أمامك، أو زماني نحو: القتال غدًا. «أو حرف جر تام» برفع (تام) على الصفة ل (حرف)، واحترز به من الناقص، وهو الذي لا يدل ذكره على متعلقة، نحو: بك، وفيك، وعنك، أي: واثق بك، وراغب فيك، ومعرض عنك. «معمول» أي الظرف أو حرف الجر التام «- في الأجود - لاسم فاعل كون مطلق» نحو:(زيد عندك، وعمرو في الدار، أي: كائن) عندك، وكائن في الدار، ونحوه: حاصل ومستقر، مما لا دلالة له على الكون المقيد، احترازًا مما يدل على المقيد، نحو: زيد في الدار، وتريد (ضارب) مثلًا. قال ابن عقيل: فلا يجوز إذ ذاك، والصواب: فلا يغنى عن [الخبر] الظرف،
وأما جوازه بشرط وجود الدليل فلا يمنعه أحد، ومنه: من لي بفلان، أي: من يتكفل لي به، ويصح - في نحو:{النفس بالنفس} - تقدير: مقتولة، ولكن لا يكون ذلك المحذوف المقيد واجب الحذف، ولا ينتقل الضمير منه إلى الظرف، ولا يسمى حبرًا، ولا محله رفع، ولا يصدق عليه أنه يغني عن الخبر، بدليل صحة الجمع بينهما. «وفاقًا للأخفش تصريحًا، ولسيبويه إيماءً، لا لفعله» كما ذهب إليه الفارسي والزمخشري، قيل: وسيبوبه، ونسبه ابن الحاجب إلى الأكثر. «ولا 140 للمبتدأ» كما ذهب إليه ابن خروف وابن أبي العافية، ونباه إلى/ سيبوبه، وهو ضعيف، لأنهما - في غير هذا الباب - إما أن يتعلقا بفعل أو شبهه فليكن في باب المبتدأ كذلك.
«ولا للمخالفة» كنا ذهب إليه الكوفيون يعنون أن الخبر - لما كان هو المبتدأ في نحو: زيد قائم، أو كأنه هو في نحو:{وأزواجه أمهاتهم} ارتفع ارتفاعه، ولما كان مخالفًا له بحيث لا يطلق اسم الخبر على المبتدأ فلا يقال: - في زيد عندك - إن زيدًا هو عندك خالفه في الإعراب به فيكون العامل عندهم معنويًا، وهو معنى المخالفة التي اتصف الخبر بها، ولا يحتاج إلى تقدير شيء يتعلق به الخبر «خلافًا لزاعمي ذلك» وقد عرفت من المخالف في كل وجه من الوجوه التي حكاها، والمعول عندهم إنما هو على المذهبين الأولين:
أحدهما: أن العامل اسم فاعل كون مطلق.
الثاني: أن العامل فعل كون مطلق]. واختار المصنف الأول لوجوه منها: أن الأصل في الخبر الإفراد، وبهذا احتج ابن السراج وأبو الفتح.
قال الرضي: ولمانع أن يمنع، قالوا: إنما كان أصله الإفراد، لأنه القول المقتضي نسبة أمر إلى آخر، فينبغي أن يكون المنسوب شيئًا واحدًا كالمنسوب إليه، وإلا كانت هناك نسبتان أو أكثر، فيكون خبران أو أكثر، لا خبر واحد، فالتقدير: - في زيد ضرب غلامه - زيد مالك لغلام مضروب له.
والجواب: أم المنسوب يكون شيئًا واحدًا كما قلتم، ولكنه ذو نسبة في نفسه فلا
نقدره بالمفرد، فالمنسوب إلى زيد - في الصورة المذكورة - ضرب غلامه الذي تضمنته الجملة هذا [كله][كلامه]، وأنت خبير بما أسلفناه عن بعض المحققين، من أنه لا إسناد - في الجملة من حيث هي جملة - إلى المبتدأ، فتذكر.
ومنها: أن الفعل إذا فلابد من تقديره بالوصف؛ ليستدل به على أنه في موضع رفع، واسم الفاعل مستغن عن ذلك.
وهذا - أيضًا يندفع بأن صيرورة الجملة ذات محل من الإعراب لا يدل على كونها بتقدير مفرد يؤخذ منها، بل يكفي في ذلك وقوعها موقع مفرد، وزاد جماعة - في توجيه هذا الرأي - أن تقليل المحذوف أولى.
وتقريره: أنه وقع في عبارة بعضهم أن الظرف في ذلك مقدر بجملة، فظن هؤلاء الجماعة أن المحذوف الذي يقدر، وفاعله المستتر فيه، وذلك جملة.
قال ابن هشام: وليس هذا بشيء، لأن الحق أنا لم نحذف الضمير، بل نقلناه إلى الظرف، فالمحذوف فعل أو وصف، وكلاهما مفرد.
والمختار - عند الأكثرين كما نقله ابن الحاجب - أن العامل المقدر فعل؛ لأن بنا حاجة إلى ذلك المتعلق المحذوف، وإنما يتعلق الظرف باسم الفاعل في نحو: أنا جالس عندك، ومار بزيد؛ لمشابهته للفعل، فإذا احتجنا إلى المتعلق بع فالأصل أولى «وما يعزى» أي نسب «للظرف» والمراد به مما يشمل الجار، والمجرور «من خبرية» أو نعتيه أو حالية أو كونه صلة وكان حقه التنبيه على ذلك «و» من «عمل» في نحو: زيد عندك أبوه، حيث يقال: أبوه فاعل بالظرف «فالأصح» وفاقًا لابن كيسان وظاهر قول السيرافي، وخلافًا للفارسي وتلميذه ابن جني «كونه» أي كون ما يعزي له من ذلك «لعامله» لا له. «وربما اجتمعا» أي الظرف وعامله الذي هو اسم فاعل كون مطلق اجتماعا «لفظًا» أي ملفوظًا [به]، أو ذا لفظ كقوله:
لك العز إن مولاك عز وإن يهن فأنت لدى بحبوحة الهون كائن
قلت: قد يمنع دلالة (كائن) هنا على الكون المطلق المراد به مطلق الحصول والوجود؛ لجواز أن يراد به الثبوت المقتضى للرسوخ/ وعدم التزلزل، وجعل قوم 141
أقسام الخبر وأحكامه
من ذلك قوله تعالى: {فلما رءاه مستقرا عنده} ؛ لأن الحال والصفة والصلة كالخبر في وجوب ترك ذكر الاستقرار، وزعم ابن الدهان أن (عنده) ليس معمولًا ل (مستقرًا).
هذا وتوجيهه: أن المستقر هنا ليس المراد به الحصول المطلق، بل السكون وعدم التحرك، والظرف لا يعمل فيه إلا الكون المطلق، فيقدر هنا مستقرًا آخر. كذا قال ابن هشام.
قلت: أما كون المراد هنا بالاستقرار الكون الخاص فقد سبق إليه أبو البقاء وغيره.
وأما [أن] الظرف لا يعمل فيه إلا الكون المطلق فغير صحيح، بل يجوز أن يعمل فيه الكون الخاص قطعًا، ولا يحذف إلا لدليل، والحذف - حينئذ - جائز لا واجب، اللهم إلا [لمعارض كأن يكون] مثلًا أو شبهه.
وتوهم جماعة امتناع حذف الكون الخاص مردود بالإجماع على جواز حذف الخبر عند وجود الدليل، وعدم وجود معمول، فكيف يكون وجود المعمول مانعًا من الحذف، مع أنه هو الدليل أو مقو للدليل! ! ، واشتراط النحويين الكون المطلق إنما هو لوجوب الحذف لا لجوازه.
وقد استبان لك أن ما زعمه ابن الدهان من أن (عنده) ليس معمولًا ل (مستقر) المذكور غير متجه.
«ولا يغني ظرف زمان» احترازًا عن ظرف المكان، فإنه يغني بدون ما اشتراطه المصنف نحو: زيد مكانك.
قال ابن قاسم: وأشار بقوله: «غالبًا» إلى ما جاء فيه الإخبار بظرف الزمان عن اسم العين وليس مما ذكره، كقول امرئ القيس: اليوم خمر وغذًا أمر. ويمكن
تخريجه على حذف مضاف، أي: شرب خمر [وغدًا أمر)؛ لأن الأمر ليس اسم عين، وقد نص المصنف في الشرح على أن هذا - أي قول امرئ القيس: اليوم خمر - مما يقدر له مضاف هو اسم معنى. ولم يتكلم على قوله: (غالبًا) فينبغي أن يمثل لغير الغالب بنحو: (فلا كسرى بعده)، ونحو: زيد في يوم طيب «المعنى بالحدوث وقتًا دون وقت» نحو: الهلال الليلة.
قال ابن [عبد] الوارث: وهو ابن أخت الفارسي هو على ظاهره لا على
حذف مضاف، لأن الهلال يكون ظاهرًا ثم يستتر [ثم يظهر]، فلما اختلفت به الأحوال جرى مجرى الأحداث، ولذا قال ابن السراج: لو قلت: الشمس اليوم، والقمر الليلة لم يجز؛ لأنه غير متوقع، فلا يتضمن الدلالة على الحدث. وفيه ما فيه، فتأمله. «أو تعم إضافة معنى إليه» هكذا [هو] في أكثر النسخ:(أو تعم)، بصيغة المضارع، من العموم، وفي بعضها:(أو تنو)، مضارع (نويت)، [وفي بعضها]. (أو يغن)، مضارع (غنيت)، وهما صواب والثانية في أكثر النسخ - مصحفه. ومثال ذلك قولهم:
أكل يوم ثوب تلبسه وقول الراجز:
أكل عام نعم تحوونه *** يلقحه قوم وتنتجونه
أي: تجدد ثوب، وإحراز نعم.
«أو يعم» اسم العين «واسم الزمان خاص» نحو: نحن في شهر كذا. «أو مسؤول به عن خاص» نحو: في أي الفصول نحن؟ ، ولا أدري كيف يصح التمثيل بـ ـ ـ (نحن) لاسم العين العام، ولم يتضح لي المراد بذلك إلى الآن، وأتخيل أني وقفت فيه على كلام لابن أبي الربيع في شرح الإيضاح، ولا أذكره الآن، ولعلي أكشف عليه وأحرره عند/ الوصول إلى الديار المصرية إن شاء الله تعالى.
«ويغني» ظرف الزمان «عن خبر اسم معنى مطلقًا» أي سواء وقع في جميعه، أو في بعضه، وستقف على مثاله.
قال الأندلسي في شرح المفصل: وإنما لم يجز الإخبار بظرف الزمان عن الأعيان
مطلقًا - كما كان في المكان؛ لأن ظرف الزمان عام، فإذا أطلق العموم غشي كل شخص فيه، ويعلم ذلك بضرورة العقل، فلو أخبرت بأن زيدًا في ذلك اليوم لكان إخبارًا بما يعلمه المخاطب بالضرورة، فلا يكون - في الإخبار به - فائدة، وسواء صرحت بـ ـ ـ (في) أو لم تصرح، إلا أن تصف الزمان وتخصصه، فإنه يجوز إذا أظهرت في نحو: فلان في زمن خصيب.
وذكر بعضهم علة أخرى لذلك، وهي أن الزمان سيال منقض، والأعيان مستقرة ثابتة، وغير الثابت لا يكون خبرًا عن الثابت، ولما كان الحدث غير ثابت كالزمان جاز الإخبار به عنه، وأما ظرف المكان فليس عامًا كالزمان، بل قد ينفرد بعض الأجرام بأماكن لا تكون لغيرها، ومكان زيد لا يسعه عمرو، فجاز الإخبار به عن العين لحصول الفائدة، حتى لو كان ظرف المكان عامًا للجميع لم يجز أن يكون خبرًا عن العين، كقولك: زيد الأرض، أو عمرو مكان.
وقيل: إنما جاز الإخبار بالمكان عن العين: لأنه مستقر مثله، وعن غير الجثة؛ لأن الحدث قد يكون في مكان دون مكان فتحصل الفائدة.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقدر ما لا يعلمه المخاطب مثل: أن تقوم: زيد يوم الجمعة، أي حاضر أو مستقر أو موجود؟ .
قلت: الإخبار - حينئذ - لا يكون بالظرف، بل بتلك الصفة، وحينئذ لا يجوز حذفها إلا عند وجود دليل لفظي أو معنوي؛ لأن الإخبار بالظرف هو الإخبار بالكون، والاستقرار في ذلك الظرف، لأن هذا المعنى ملازم للظرفية؛ إذ من كان في الدار فلابد أن يكون كائنًا فيها، أي: مستقرًا حاصلًا، وأما ما زدا على ذلك من الخصوصيات فلا يجوز حذفه ألبته وإقامة الظرف مقامه، فلو قلت: زيد فيك - وأنت تريد (راغب) لم يجز أصلًا؛ لأن الظرف لا دلالة له إلا على مطلق الكون، أما ما وراء ذلك فلا يدل عليه، فلا يقوم مقامه.
[فإن] قيل: الظرف أيضًا يدل على الوجود، فأجيز: زيد يوم الجمعة، أي موجود.
قلنا: لا يجوز [أيضا]؛ لأنه كما يجوز أن يريد (موجود)، يجوز أن يريد (معدوم) في ذلك اليوم، وإذا احتمل لم يجز الاكتفاء بالظرف، فليس المحذوف - أبدًا مع الظرف - إلا الكون فقط. انتهى كلامه.
فإن قلت: فيه دليل على أن الظرف لا يعمل فيه إلا الكون المطلق، كما وقع في عبارة ابن هشام التي وجه بها كلام [ابن] الدهان فيما سبق.
قلت: ليس الأمر كذلك، بل فيه تصريح بأن الكون الخاص يعمل فيه، ولا يحذف إلا لدليل، وإنما أراد أن الظرف لا يكون قائمًا مقام المحذوف، إلا إذا كان كونًا مطلقًا، وأما إذا كان خاصًا فلا يقوم مقامه؛ لأنه لا يعمل فيه، ولا يحذف إلا عند قيام القرينة كما يظهر من كلامه، إذا تأملت.
«فإن وقع» اسم المعنى «في جميعه» أي جميع الظرف نحو: {وحمله وفصله
ثلثون شهرًا} و {غدوها شهر ورواحها شهر} «أو» في «أكثره» نحو: {الحج أشهر معلومات} . و «كان نكرة» كما مثلنا. «رفع» كما سمعته فيما تلوناه من الآيات الشريفة. «غالبًا» لغير الرفع. «ولم يمتنع نصبه ولا جره بـ ـ ـ (في)» نحو: الصوم يومًا أو في يوم. «خلافًا للكوفيين» ؛ وذلك لأن (في) عندهم توجب التبعيض، فلا يجيزون: صمت في يوم الجمعة، بل يوجبون النصب؛ صونًا للفظ عما يقتضي التبعيض فيما يقصد به الاستغراق، والأولى جوازه كما هو/ مذهب البصريين ومختار المنصف، ولا نسلم إفادة (في) للتبعيض؛ ولهذا صح: في الكيس ملؤه من الدراهم.
وإنما قيد بقوله: [وكان] نكرة؛ لأنه لو كان معرفة جاز فيه الرفع والنصب باتفاق الفريقين، نحو: قيامك يوم الخميس، وصيامك يوم الجمعة، إلا أن النصب هو الأصل والغالب. «وربما رفع خبرًا» بالنصب على الحال من نائب الفاعل [وهو الزمان] الآتي في قوله:«الزمان الموقوع في بعضه» الذي هو غير الأكثر بدليل ما تقدم، فيصدق على النصف فما دونه، ولا فرق في هذا بين المعرفة والنكرة، نحو:
{موعدكم يوم الزينة} ، وميعادك يوم أو يومان.
وقد روي بالوجهين قول النابغة:
زعم الغداف بأن رحلتنا غدًا *** وبذلك خبرنا الغداف الأسود
قال المصنف: الوجهان جائزان إجماعًا والنصب أقيس.
قال أبو حيان: لا إجماع، فإن هشامًا يوجب رفع النكرة. «ويفعل ذلك» أي الرفع «بالمكاني المتصرف» فخرج نحو: عند؛ لأنه غير متصرف، فيمتنع رفعه «بعد اسم عين راجحًا» حال من ذلك «إن كان المكاني نكرة» نحو: المسلمون جانب والمشركون جانب، ونحو [أنا] قدام وأنت خلف، والنصب
جائز عند الفريقين، ولكنه مرجوح بالنسبة إلى الرفع. «ومرجوحًا» بالنصب عطفًا على (راجحًا) الذي هو حال من (ذلك) المشار به إلى الرفع. «إن كان» الظرف [المكاني] «معرفة» نحو: زيد أمامك، وداري خلف دارك - بالرفع - وهو مرجوح، والمختار فيه النصب عند البصريين، ولا فرق بين أن يكون المخبر عنه اسم مكان أو ذات أو غيره «ولا يخص رفع المعرفة بالشعر، أو بكونه بعد اسم كان، خلافًا للكوفيين» فلا يجيزون الرفع [في] نحو: زيد خلفك أو أمامك، إلا في الشعر، ويجيزونه في نحو: داري خلف دارك أو أمامها، مطلقًا في الشعر وغيره.
«ويكثر رفع المؤقت» وهو المحدود كيوم ويومين، وفرسخ وفرسخين، فخرج المبهم نحو: أنت مني زمان، فلا يجوز رفعًا ولا نصبًا، وكذا المختص نحو: زيد دارك أو بستانك أو المسجد. «المتصرف» فخرج غير المتصرف نحو: ضحوة معينًا - فإنه يلزم النصب على الظرفية. «من الظرفين» الزماني والمكاني «بعد اسم عين مقدر إضافة (بعد) إليه» نحو: زيد مني يومان أو فرسخان، الرفع كثير، بل [أكثر، بل] واجب عند بعضهم:
أما أنه كثير فهو صريح كلام المصنف، وأما أنه أكثر فهو ظاهر مراده، وصرح [به] بعضهم. وأما أنه واجب فهو قول صاحب البسيط.
قال: إذا قلت أنت مني فرسخان - ولم ترد معنى المصاحبة - تعين الرفع؛ لأن المعنى بينى وبينك هذه المسافة. انتهى.
وإذا رفعت فلابد من تقدير محذوف، فقيل: هو المضاف من المبتدأ أي: بعدك، وهو ظاهر كلام المصنف أو نصه. وقي: مضافان من الخبر أي: ذو مسافة فرسخين، وهو تقدير أبي علي الفارسي.
قلت: نقل ابن هشام في المغني الأول عن الأخفش، ورجحه بأن القاعدة أنه ينبغي تقليل المحذوف ما أمكن، والأخفش قدر مضافًا لا يحتاج معه إلى تقدير شيء يتعلق به الظرف، والفارسي قدر شيئين يحتاج معهما إلى تقدير أمر ثالث. وقد يقال: تقدير الأخفش يحتاج أيضًا إلى تقدير [شيء] آخر يصح معه الإخبار؛ وذلك لأن (فرسخان) ليس هو البعد، ولا يصح أن يحمل عليه، فيحتاج إلى تقدير مصحح للحمل، أي مسافة بعدك مني فرسخان.
فإن قلت: لم يرتفع بذلك ترجيح تقدير [الأخفش؛ لاحتياج تقدير] الفارسي إلى [تقدير] متعلق الظرف.
قلت: هو وإن كان كذلك، لكن فيه وقوع الحذف حيث الحاجة، وأنه حذف من الأواخر دون الأوائل، وهذا يصلح [أن يكون] معارضًا، فيستوي التقديران.
فإن قلت: فبماذا يتعلق في قول الفارسي/؟
قلت: بفعل محذوف، أي: بعدت مني، وقدر بعضهم مضافين في الأول: أي:
بعد مكانك، وقد عرفت ما عليه.
«ويتعين النصب في نحو: (أنت مني فرسخين)، بمعني: أنت من شياعي ما سرنا فرسخين» وإنما تعين النصب في هذا المثال؛ لأن (مني) - فيه - عبر عن (أنت) مثلها في: {فمن تبعني فإنه مني} أي أنت من أشياعي، ينتصب) (فرسخين) على الظرفية، بخلافه على تقدير البعد، فلا يكون خبرًا، نقصانه، وقدر سيبويه: ما دمنا نسير فرسخين، وفيه وفي تقدير المصنف تقدير (ما) لمصدرية وفعل السير، وزاد سيبويه: تقدير فعل ناقص، وهو دام فتقدير المصنف ولى، وكلاهما مراده تقدير المعنى لا اللفظ لوجوه:
أحدها: أنه يجوز تعلق الظرف بما تعلق به قوله: (مني)، فلا حاجة لتكلف دعوى تقدير آخر.
والثاني: أن (ما) وصلتها نائبة عن ظرف زمان، ولابد له من ناصب، فليكن لناصب له هو الناصب لـ ـ (فرسخين) من أول الأمر، ولا حاجة للتقدير.
الثالث: أن ذلك يؤدي إلى حذف الموصول وصلته، وبقاء معمول الصلة، ذلك لا يجوز.
الرابع: أنه لا دليل على المحذوف. وهذا الرد اقتصر عليه ثعلب، فقال: - معترضًا على سيبويه - لا دليل على هذا الإضمار، ولا يدعو إليه اضطرار، [إذ]
لا يجوز دعوى الإضمار إذا أمكن قيام الكلام بنفسه.
وأجيب: بأنه تفسير معنى، وبيانه: أنه إذا أخبر أنه من أشياعه ما دام يسير فرسخين [علم] أنه ليس من أشياعه في أكثر من ذلك.
قلت: إذا كان المقصود تفسير المعنى لا تفسير ما يقتضيه الإعراب من اللفظ لم يكن لترجيح [تقدير] المصنف على تقدير سيبويه بقلة المحذوف وجه، ثم لا أدري ما دعاهم - في وجه النصب - إلى حمل الكلام على معنى يخالف معناه في وجه الرفع حتى ارتكبوه مع أنه يجوز تقدير ما يتفق به الكلامان من حيث المعنى من [غير] احتياج إلى هذا التكلف، وذلك بأن يكون التقدير: بعدت مني فرسخين، فحذف الفعل، لقيام القرينة، فانفصل الضمير، وهذا تقدير سهل لا غبار عليه، فتأمله.
«ونصب اليوم إن ذكر مع الجمعة» [كما في قولك: اليوم الجمعة] فيجوز رفع اليوم ونصبه «و» مع «نحوها» أي يوم الجمعة. «مما يتضمن عملًا» كالسبت والعيد والفطر؛ لأن فيهن معنى القطع والعود والإفطار، فتقول: اليوم السبت واليوم العيد، واليوم الفطر، برفع اليوم ونصبه. «جائز» خير عن المبتدأ
من قوله: - فيما قدم - (ونصب اليوم إذا ذكر مع الجمعة
…
) إلى آخره «لا إن ذكر مع الأحد ونحوه، مما لا يتضمن عملًا» : كالاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، فتقول: اليوم الأحد، برفع اليوم، ولا يجوز النصب، لأن هذا لا يتضمن عملًا؛ ضرورة أن الأحد بمعنى: الأول، والاثنين بمعنى الثاني، والثلاثاء بمعنى الثالث، والأربعاء بمعنى الرابع، والخميس بمعنى الخامس. فيتعين الرفع في الجميع؛ لئلا يخبر بظرف الزمان عن العين، كذا قالوا، والنصب إنما هو على معنى أنه كائن فيها شيء، ولا شيء كائن فيها بخلاف الجمعة، فإنه متضمن للاجتماع، وهو كائن في اليوم فيكون ظرفًا له «خلافًا للفراء وهشام» فإنهما لم يفصلا هذا التفصيل وأجازا الرفع في الجميع والنصب أيضًا، فتقول: -[على] رأيهما - اليوم الأحد، رفعًا ونصبًا، فإذا رفع جعل نفس ما بعده، وإذا نصب جعل اليوم بمعنى الآن، فكأنك قلت: الأحد واقع في هذا الوقت الذي هو الآن.
قال المصنف: وقد قال سيبويه ما يقوى هذا، لأنه أجاز: اليوم يومك، بنصب اليوم بمعنى الآن وقال: لأن الرجل قد يقول: أنا/ اليوم أفعل كذا، ولا يريد به 145
يومًا بعينه، فهذا يقوي قول الفراء.
واعترض: بأن معنى: (اليوم يومك)[اليوم] شأنك وأمرك الذي ذكرته، فأجريا مجرى واقع وموقوع فيه، بخلاف: اليوم الأحد.
«وفي الخلف مخبرًا به عن الظهر رفع ونصب» تقول: ظهرك خلفك، بالرفع والنصب، فالرفع على جعل الظهر نفس الخلف، والنصب على جعله محلًا له وظرفًا واسعًا اشتمل عليه.
«وما أشبههما كذلك» نحو: رجلاك أو نعلاك أسفلك، وقريء:{والركب أسفل منكم} بالرفع والنصب.
«فإن لم يتصرف» الظرف «كالفوق والتحت لزم نصبه» ، فتقول: رأسك أو عمامتك فوقك، ورجلاك [أو نعلاك] تحتك، لا يجوز فيهما إلا النصب، لأنهما لم يستعملا إلا ظرفين.
وقال أبو البقاء - في قوله تعالى: {فاضربوا فوق الأعناق} : (فوق) ظرف
لـ (اضربوا)، فوق العنق الرأس، وقيل:[فوق] مفعول به، وقيل: زائدة، وفي الثلاثة نظر، لأن الظرف محل لفعل الفاعل ولأن (فوق) لا تتصرف، ولأن الاسم لا يزاد.
قال ابن قاسم: وأجاز بعضهم الرفع فيما كان من الجسد نحو: فوقك رأسك، وتحتك رجلاك، بخلاف ما ليس منه نحو: فوقك قلنسوتك وتحتك نعلاك، فلا يجوز فيه الرفع، وهذا التفصيل ضعيف؛ لأن السماع لا يساعده.
قلت: وقد وقع في بعض روايات البخاري: (وفوقه عرش الرحمن)، برفع (فوق) وإنما يتمشى على القول بتصرف (فوق).
«ويغني عن خبر اسم عين - باطراد - مصدر يؤكده» ، أي يؤكد الخبر [حال] كون المصدر المؤكد «مكررا» نحو: زيد سيرًا سيرًا، فحذف الفعل واستغنى بمصدره، وجعل تكريره بدلًا من اللفظ الفعل، فلزم إضماره.
فكان ينبغي لمن قال: التقدير -[في: زيد في الدار]- زيد كائن في الدار، أو مستقر أن يقدر: - في نحو: زيد سيرًا [سيرًا]-[زيد] سائر، ولمن قدر: استقر أو يستقر أن يقدر: [هنا] سار أو يسير، لكنهم لم يقدروا هنا إلا الفعل - فيما أعلم - فينظر وجهه ما هو؟ .
وكان حق المصنف أن يصرح بالوجوب، ليعلم أن الحذف فيما ذكره واجب، وليس الاطراد بمغن عن ذلك؛ لأنه يثبت مع الوجوب والجواز، ولا دلالة له على أحدهما: معينًا؛ إذ الأعم لا إشعار له بالأخص المعين.
فإن قلت: المتبادر من إغناء الشيء عن الشيء سد مسده، وكونه كالعوض منه، فلا يجتمعان، فمن هنا يفهم الوجوب.
قلت: لا نسلم أن المتبادر منه ذلك، ألا ترى [إلى] قوله: - بعد هذا - (وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر، من مصدر ومفعول به وحال) فإنه لا نزاع ولا خلاف في أن الإغناء هنا إنما هو على سبيل الجواز، فإنه لا مانع من اجتماع العامل وما قام
مقامه من مصدر وغيره. «أو محصورًا» عطف على الحال المتقدمة، وهي (مكررًا)، بمعنى: ويغني عن خبر اسم عين مصدر يؤكد الخبر حالة كون ذلك المصدر محصورًا مثل: ما أنت إلا سيرًا، وما الدهر إلا تقلبًا، وإنما أنت سيرًا، ولا فرق في ذلك (بين النكرة كما ذكر، والمعرفة نحو: ما أنت إلا السير، وإنما أنت السير؛ فحذف العامل في ذلك) كله، وأقيم الحصر مقام التكرار في كونه سببًا لوجوب الإضمار.
قال ابن قاسم: والسير في هذه الأمثلة متصل بزمان الإخبار لم ينقطع، فإن أردت أنه سار ثم انقطع، أو أنه يسير في المستقبل أظهرت الفعل فقلت: ما أنت إلا تسير سيرًا، نص عليه سيبويه.
«وقد يرفع» ذلك المصدر الذي أغني عن الخبر «خبرًا» عن اسم العين، وظاهره: سواء كان المصدر مكررًا نحو: زيد سير سير، أو محصورًا نحو: ما أنت إلا سير. ووقع/ في حاشية لابن هشام: أنه ينبغي أن يعود ضمير (يرفع) إلى 146 المحصور بخصوصيته، لئلا يلزم توكيد المجاز. قلت: وظاهر كلامهم يشهد بخلاف ما قال.
«وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر من مصدر» لا تكرير معه ولا حصر نحو: زيد سيرًا، أي يسير سيرًا، وينبغي أن ينظر ف وجه قلة هذا، وإنما يغابر ما قبه بوجوب الحذف هناك وجوازه هنا، فقد يقال: إن الغالب ذكر العامل معه، فكان الحذف قليلًا. «و» من «مفعول به» إن كان العامل غير قول نحو: إنما العامري
عمامته، أي: يتعد، ونحو: كنت أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو إياها، أي: يساويها، على أحد الأقوال، ولهذه المسلة موضع تذكر فيه إن شاء الله تعالى وأما إن كان العامل قولًا فإن المفعول به يقوم مقام الخبر إذ ذاك بكثرة نحو:{والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم} ، أي يقولون: ما نعبدهم وكان حق المصنف أن ينبه على هذا التفصيل الذي ذكرناه. «و» من «حال» نحو: ما حكاه الأخفش من قول بعضهم: زيد قائمًا، والأصل: ثبت قائمًا، أو وجد قائمًا، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ:{ونحن عصبة} بالنصب، أي نرى، أو نوجد.
وخرج بعضهم على ذلك قول النابغة [الجعدي]:
وحلت سواد القلب لا أنا باغيًا *** سواها ولا عن حبها متراخيًا
أي: لا أنا أرى باغيًا.
«وقد يكون للمبتدأ خبران فصاعدًا بعطف» نحو: زيد عالم وعاقل، وعمرو فقيه وكاتب وشاعر، وهذا لا خلاف فيه «وغير عطف» كقوله تعالى:{وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعال لما يريد} ، ومنه قول الراجز:
من يك ذابت فهذا بتي *** مقيظ مصيف مشتي
وهذا فيه خلاف: فالجمهور على الجواز، وهو الصحيح، وذهب ابن عصفور وكثير
من المغاربة إلى المنع، مقدرين - في صور التعداد - لكل خبر مبتدأ غير الأول، أي هو الودود، وهو ذو العرش [المجيد]، وأنا مصيف وأنا مشت، أو جاعلين الثاني صفة للأول، وهو تكلف لا داعي إليه؛ لأن الخبر حكم، والمتكلم قد يحكم بحكم واحد، وقد يحكم بأحكام متعددة كما في الصفات، فإنه قد يوصف الشيء بصفات متعددة. «وليس من ذلك ما تعدد لفظًا دون معنى» نحو: الرمان حلو حامض؛ لأن معناه: الرمان مر فهو من المتعدد بحسب اللفظ لا بحسب المعنى، وزعم أبو الحسن في المسائل الكبير: أن الثاني ليس بخبر، بل هو صفة للأول، وأن المعنى: هذا حلو فيه حموضة، ووقع في كلام أبي حيان أن أبا علي الفارسي - فيما نقل عنه - يرى أن في الخبرين ضميرًا واحدًا تحمله الثاني؛ لأنه بتمامه تم المعنى المراد، والأول منزل [منه] منزلة الجزء وأن أبا الفتح راجع أبا علي في عود الضمير نيفًا وعشرين سنة حتى تبين له انتهى.
وتبعه على ذلك بعض من لخص كلامه، لكنه جزم بذلك على الفارسي، فقال:
قال أبو علي: والصواب خلاف ما قالا، ففي التنبيه على مشكل الحماسة لأبي الفتح بن جني لما تكلم على قول الأعرج:
لا جزع اليوم على قرب الأجل *** ...................................
أنه يجوز جعل الظرفين صفتين لـ ـ ـ (جزع)، ويكون العائد من مجموع الصفتين، كما كان الراجع إلى المبتدأ من الخبر في: هذا حلو حامض، من مجموع الخبرين.
قال: وقد راجعت أبا علي مرات [في] هذا، [على] أن كلًا من الخبرين فيه معنى الفعل، فهلا قلت: إن الضمير عائد من كل منهما، كما تقول: هذا قائم اخوه قاعد/ أبوه، فترفع بكل منهما الظاهر، لا ترفع بهما المضمر؟ فلما أفضى بنا 147 القول إلى هذا لاح من قوله ما كان يخفى منه أكثر من أربعين سنة أنه إنما يريد أن العائد المستقل به جميع الخبر إنما يعود من مجموع الاسمين، فأمل كل واحد منهما فلا محالة أن فيه ضميرًا، فحينئذ ثلجت النفس بقوله، وهذا مما يدل على قوة مأخذه، وعلى طريقته، وعلى كثرة التحريف عليه، ونسبة ما لا يضبط عنه إليه.
واقتضى قول أبي الفتح أن أبا علي يقول بذلك في [نحو] حلو حامض، وكأنه مبني على ما يقوله ابن عصفور: أنه إنما يتعدد الخبر على معنى قولك: جامع بين كذا وكذا.
«ولا ما تعدد لتعدد صاحبه حقيقة» وله صورتان:
إحداهما: أن يكون أسماء متعاطفة.
والثانية: أن يكون مثنىً أو مجموعًا، فإذا اختلفت الأخبار فالعطف بالواو، قالوا: ولا يجوز غير ذلك.
نحو: زيد وعمرو قائم وقاعد، والزيدان فقيه وكاتب، والعمرون فقيه وكاتب
وشاعر، ومنه قول الشاعر:
يداك يد خيرها يرتجى *** وأخرى لأعدائها غائظة
«أو حكمًا» وهو المبتدأ المفرد الذي أخباره مقسمة على أجزائه نحو: {إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} وقال الشاعر:
والمرء ساع لأمر ليس يدركه *** والعيش شح وإشفاق وتأميل
قال المصنف: والحاصل أن تعدد الخبر على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يتعدد لفظًا ومعنى؛ لتعدد المخبر عنه، وعلامة هذا النوع صحة الاقتصار على واحد من الخبرين أو الأخبار، وهذا النوع يجوز استعماله بالعطف اتفاقًا، وبغير عطف على الصحيح كما تقدم.
والثاني: أن يتعدد لفظًا دون معنى؛ لقيام المتعدد فيه مقام خبر واحد، ولا يجوز في هذا النوع العطف؛ لأن مجموعه بمنزلة مفرد، خلافًا لأبي علي في إجازته: هذا حلو وحامض.
الثالث: أن يتعدد لتعدد صاحبه، ولا يستعمل هذا النوع دون عطف، فما كان من النوع الأول صح أن يقال فيه: خبران وثلاثة بحسب تعدده، وما كان من النوع الثاني والثالث فلا يعبر فيه بغير لفظ الواحد، إلا مجازًا.
«وإن توالت» مبتدآت» نحو: زيد عمه خاله [أخوه] أبوه قائم، «أخبر عن آخرها» وهو (أبوه) في المثال المذكور، فجعل (قائم) خبرًا عنه «مجعولًا هو» أي الآخر «وخبره خبر متلوه» وهو (أخوه) في [هذا] المثال «والمتلو» وهو (أخوه)«مع ما بعده» وهو (أبوه قائم). «خبر متلوه» وهو (خاله) في المثال المذكور. «إلى أن يخبر عن الأول» وهو (زيد) في مثالنا «بتاليه» وهو (عمه)«مع ما بعده» وهو (خاله أخوه أبوه قائم). «ويضاف غير» المبتدأ «الأول إلى ضمير متلوه» كما رأيت فكل واحد مما بعد زيد - وهو المبتدأ الأول - مضاف إلى ضمير متلوه، فيكون المعنى: أبو أخي خال عم زيد، قائم على أن الإضافة ليست شرطًا، إذ لو قيل: زيد
غلام له كتاب له مفيد، كان صحيحًا *** أو يجاء بعد خبر الآخر
بروابك المبتدآت أول لآخر، وتال لمتلو» نحو: زيد هند الغلامان العمرون جالسون عندهما في دارها لأجله، والمعنى: العمرون جالسون عند الغلامين في دار هند لأجل زيد.
واعلم أن قوله: (وتال لمتلو) لا يفي لفظه بمراده، بل لابد أن يقال: وكذا الفعل في الباقي/ إلى أن تنتهي المبتدآت والروابط. ولكنه ترك ذلك لوضوحه، وأنه 148 لا يتعين الترتيب المذكور إذا أمن الإلباس، فلو قيل: زيد هنا الغلامان أحسنت إليهما عنده في دارها، لم يمتنع، وكذا: أحسنت في دارها إليهما عنده.