الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث عشر
«باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر»
بجر (الاسم) و (الخبر) على الإضافة، وبنصبهما على إعمال اسم الفاعل.
فإن قلت: هو للثبوت والاستمرار، فاسم الفاعل [حينئذ] حال محل الفعل المضارع الذي يراد به الاستمرار، فيعمل كما يعمل، فكما تقول: جاء الذي يعطي الدراهم ويكسو الثياب، - تريد الذي شأنه ذلك - تقول: جاء المعطي الدراهم والكاسي الثياب بالنصب.
يعمل هذا العمل أفعال «فبلا شرط» أي: فيعمله بلا شرط، يعني سواء كانت مثبتة أو منفية، صلة أو غير صلة.
«كان» وقد ظهر بما قدرناه [وجه الإعراب وأصل التركيب، فالفاء للتفصيل، مثلها في قولك: الناس رجلان]: فرجل أكرمته ورجل أهنته. (وبلا شرط) حال من فاعل (يعمل) المؤخر عنه، وهو (كان) وما عطف عليه من قوله: «وأضحى
وأصبح وأمسى وظل وبات وصار وليس» ثم حذف قوله: (يعمل هذا العمل أفعال)؛ لدلالة ما ذكر في الترجمة عليه، وحذف ما بعد الفاء من الفعل والمفعول؛ لذلك أيضًا. «وصلة» بالنصب [عطفًا] على الحال المتقدمة، وهي قوله:(بلا شرط)، أي: ويعمل العمل المذكور صلة «لـ ـ ـ (ما)» المصدرية «الظرفية: دام» نحو: {ما دمت حيًا} ، واحترز من (ما) غير الظرفية، فلا يجوز - في: يعجبني ما دمت صحيحًا - كون صحيحًا خبرًا، وإنما هو حال، أي يعجبني دوامك في حال كونك صحيحًا. «و» تعمل العمل المذكور «منفية بثابت النفي» سواء كان النفي لفظيًا نحو: ما زال زيد أميرًا، أو معنويًا نحو: قلما يزال عبد الله ذاكرًا لك.
«[مذكور] غالبًا كما مثلنا، وقد يحذف كقوله تعالى:{تالله تفتؤا تذكر يوسف} ، والحذف مقيس في جواب القسم إن كان مضارعًا، وشاذ فيه إن كان ماضيًا، كقوله:
لعمر أبي دهماء زالت عزيزة *** ......................
أي: لا زالت، وفي المضارع الذي ليس بجواب كقوله:
وأبرح ما أدام الله قومي *** بحمد الله منتطقًا مجيدًا
أي: لا أبرج مدة قومي صاحب نطاق وجواد؛ لأنهم يكفونني ذلك.
«متصل لفظًا» كما مثلنا. «أو تقديرًا» ولا يكون الفاصل - إذ ذاك إلا فعلًا قلبيًا كقوله:
ولا أراها تزال ظالمة *** تحدث لي قرحة وتنكؤها
أي: وأراها لا تزال ظالمة، [أو قسمًا] كقوله:
فلا - وأبي دهماء - زالت عزيزة *** ..............................
«أو مطلوبة النفي» معطوف على قوله: (منفية)، والمراد به النهي والدعاء كقوله:
صاح شمر ولا تزل ذاكر المو *** ت فنسيانه ضلال مبين
وكقوله:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى *** ولا زال منهلًا بجرعائك القطر
«زال» معطوف على فاعل الفعل الذي قدرناه أولًا «ماضي يزال» / قال ابن قاسم: احترز من التي بمعنى (تحول) فمضارعها (يزول)، ومن:(زال الشيء، بمعنى عزله، فمضارعه (يزيل).
قلت: حكى الكسائي والفراء وغيرهما: (يزيل) مضارع زال الناقصة، وأنهم يقولون: لا أزيل أفعل كذا.
وكان الأولى أن يقول: زال لا بمعنى (انتقل)، ولا بمعنى (ماز).
ثم هلا ترك هنا هذا الاحتراز ألبتة، كما ترك الاحتراز في بقية الأفعال عنها إذا وردت تامة، وأخر ذلك لما بعد هذا! !
«و (انفك) و (برح)» بكسر العين «و (فتيء)» كذلك على وزن (شرب).
«و (فتأ)» على وزن (أكل)، ومضارعهما يفتأ، بفتح العين، ومصدرهما فتء كضرب، وفتوء كـ ـ ـ (قعود) «و (أفتأ) مثل: أخرج، وهي لغة تميمية، حكاها في المحكي. وبقي عل المصنف:(فتؤ) كـ ـ (ظرف).
«و (ونى) و (رام) مرادفتاها» أي: مرادفتا الأفعال المتقدمة، احترازًا من (ونى) بمعنى فتر) و (رام) بمعنى (حاول) فمضارعها (يروم) وبمعنى (تحول) فمضارعها (يريم) كمضارع الناقصة.
قال المصنف: وهذان الفعلان (ونى) و (رام) غريبان لا يكاد يعرفهما من النحاة إلا من عني باستقراء الغريب، ومن شواهد استعمالهما قول الشاعر:
لا يني الخب شيمة الخب ما *** دام فلا تحسبنه ذا ارعواء
الخب الأول: - بكسر الخاء المعجمة -[الخداع] والخبث، والثاني: - بالفتح -[صفة] لمن قام به ذلك، يقال: رجل خب، أي: ذو خبث وخداع وقول الشاعر:
إذا رمت ممن لا يريم متيمًا *** سلوًا فقد أبعدت في رومك المرمى
وقدح أبو حيان في الاستدلال بالبيت الأول باحتمال كون (شيمة الخب) منصوبًا على إسقاط الخافض، والأصل: عن شيمة الحب، وفي الاستدلال بـ ـ ـ[البيت] الثاني باحتمال نصب (متيمًا) على الحال.
واعلم أن ثلاثة من هذه الأفعال يحتاج إلى البحث في وزنها، وهي (كان) و (لي) و (زال):
فأما (كان) فـ ـ ـ (فعل) بالفتح، وعن الكسائي:(فعل) بالضم، ولنا أنها مشبهة بالفعل المتعدي، وأن وصفها على (فاعل) لا (فعيل).
وأما (ليس) فلا تكون (فعل) بالضم، لأنها مشبهة بالمتعدي، ولانتفائه من الأجوف اليائي إلا (هيؤ)، ولا (فعل) بالفتح، لأن الفتحة لا تخفف، وإذا لم تخفف لزم قلب الياء ألفًا، وإنما هو (فعل) بالكسر، ثم خفف كـ ـ (علم)؛ ليسلم؛ لأنه جامد، فكرهوا أن يدخله القلب؛ فلهذا التزم فيه التخفيف، وليلزم طريقة واحدة، كما أن الجامد كذلك، وإنما لم يكرهوا الإعلال في (عسى) - مع جمودها فيتحيلوا على مسقطه - لأن اللام يسرع إليها التغيير.
وأما (زال) فعلى ثلاثة أوجه:
قاصرة: بمعنى (ذهب)، وليست (فعل) بالكسر، لأن مضارعها (يفعل) بالضم، تقول: زال يزول، ولا (فعل) بالضم؛ لأن الوصف منها (زائل)[لا زول]؛ ولأنها مشبهة بالمتعدي، فثبت أنها (فعل) بالفتح.
ومتعدية: بمعنى ماز الشيء من غيره، وهي أيضًا (فعل) بالفتح، لأن مضارعها بالكسر، وعينها ياء، لأنها لو كانت واوًا لقيل:(زلت)، كـ ـ (قلت).
وناقصة: وهذه (فعل) بالكسر؛ لفتح المضارع، وعينها ياء كالمتعدية، كذا قيل، ولا يمتنع أن تكون واوًا من باب (خاف)[يخاف]، بل هو أولى؛ لأنه الغالب في الألف المتوسطة.
وقال الفراء: هي منقولة من القاصرة.
وقال ابن خروف: من المتعدية، قالا: وغير الوزن [فرقًا] بين الناقصة والتامة.
وهذه دعوى تخالف الأصل بغير دليل.
وجزم في الارتشاف بأن التامة - قاصرة أو متعدية - عينها واو.
«وكلها» أي كل هذه الأفعال [الناقصة]. «تدخل على المبتدأ» والخبر. «إن لم يخبر عنه بجملة طلبية» وهذا مبني على الصحيح من أن الجملة الطلبية تقع خبرًا للمبتدأ، وينبغي أن يقول: ولا إنشائية. فإنه لا يجوز كان عبدي بعتكه، على قصد الإنشاء.
قال الرضي: / وإنما لم يقع أخبار هذه الأفعال جملًا طلبية؛ لأن هذه الأفعال صفات لمصادر أخبارها في الحقيقة، ألا ترى أن معنى: كان زيد قائمًا: لزيد قيام له حصول في الزمن الماضي، ومعنى: صار زيد قائمًا: لزيد قيام له حصول في الزمن الماضي بعد أن لم يكن، ومعنى: أصبح زيد قائمًا: لزيد قيام له حصول في الزمن الماضي بعد أن لم يكن، ومعنى: أصبح زيد قائمًا: لزيد قيام له حصول في الزمن الماضي وقت الصبح، وكذا سائرها؛ إذ في كلها معنى الكون مع قيد آخر، فلو كان أخبارها طلبية لم تخل هي من أن تكون خبرية أو طلبية، فإن كنت خبرية تناقض الكلام؛ لأن هذه الأفعال - بكونها صفة لمصدر خبرها - تدل على أن المصدر مخبر عنه بالحصول [في أحد الأزمنة الثلاثة، والطلب في الخبر يدل على أنه غير
محكوم بالحصول] في أحدها، فيتناقض، وبعبارة أخرى: مصدر الخبر في جميعها فاعل للفعل الناقص كما ستعرفه، فلو قلت: كان زيد هل ضرب غلامه؟ كان ضربه لغلامه مخبرًا عنه [بكان] ثابتًا عند المتكلم، مسئولًا عنه بـ ـ ـ (هل) غير ثابت عنده، وهو تناقض، وإن كانت الأفعال طلبية مع أخبارها، وهي كما ذكرا صفة للأخبار - اكتفي بالطلب الذي فيها عن الطلب الذي في أخبارها إن كان الطلبان متساويين، إذ الطلب فيها طلب في أخبارها، تقول: كن قائمًا، أي قم، وهل تكون قائمًا، أي هل تقوم؟ ، وإن اختلف الطلبان، بأن يكون أحدهما، أمرًا والآخر استفهامًا، نحو: كوني هل ضربت؟ اجتمع طلبان مختلفان على مصدر الخبر، في حالة واحدة، وهو محال.
«ولم يلزم التصدير» كأسماء الشرط والاستفهام وما أضيف إليها والمقرون بلام الابتداء و (كم) الخبرية، خلافًا للأخفش في (كم)، فإنه أجاز جعلها اسمًا لـ ـ (كان)؛ لأنها بمنزلة (كثير)، فلا تلزم الصدر، والصحيح المنع؛ لعدم السماع؛ ولأنها
إنشائية كما ستعرفه بعد هذا إن شاء الله تعالى. «أو» لم يلزم «الحذف» حذرًا من المخبر عنه بنعت مقطوع ونحوه. «أو» لم يلزم «[عدم] التصرف» أي عدم لزومه صيغة واحدة، وذلك بأن يصغر ويثنى ويجمع، وهذا هو الذي أراده هنا لا التصرف المذكور في الظروف والمصادر، وهو عدم ملازمة وجه من أوجه الإعراب، كما توهم أبو حيان وأتباعه؛ لئلا يلزم التكرار بما بعد هذا الشرط.
و[إنما اشترط] ذلك لأن الأصل في الأسماء التصرف بالمعنى الذي ذكرناه، وكذا الأصل في الأفعال التصرف، أي عدم لزوم صيغة واحدة، وذلك بأن تستعمل بالأوجه الثلاثة الدالة على خصوصيات الأزمنة، والحروف كلها بخلاف ذلك، فمتى كان الاسم جامدًا أشبه الحرف، والناسخ لا يدخل على الحرف، فكذلك لا يدخل على ما يشبهه. كذا قرره الرضي.
قلت: وفيه نظر؛ لما يلزم [عليه] من أ (من) و (ما) الموصلتين -[مثلًا]- لا تدخل عليهما هذه النواسخ، وبطلانه مقطوه به. «أو» لم يلزم «الابتدائية» .
حذرًا من أن يلزمها، فلا يدخل عليه شيء من هذه الأفعال، ومثله المصنف بقولهم: أقل رجل يقول ذلك. وبقولهم: نولك أن تفعل. ورد أبو حيان الثاني، وتبعه تلميذه ابن قاسم بقول النابغة:
فلم يك نولكم أن تشقذوني *** ودوني عازب وبلاد حجر
فأدخل (كان) على (نولكم).
والمضارع من قوله: (تشقذوني) - بضم أوله - مضارع (أشقذه) بهمزة فشين معجمة فقاف فذال معجمة، أي طرده.
ومعنى (ودوني)[ودون] أرضي أو بلدي. وبما أنشده الزمخشري في الأساس من قول الشاعر:
لئن حن أجمال وفارق جيرة *** عنيت بنا ما كان نولك تفعل
/ وقال ابن هشام: تقول ما كان نولك أن تفعل، بنصب (نولك) ورفعه، فإن رفعته احتمل أن يكون اسمًا لـ ـ ـ (كان)، و (أن تفعل) فاعل سد مسد خبر (كان)، كما سد مسد خبر المبتدأ، واحتمل أن تكون (كان) شانية. انتهى.
والبيتان لا شاهد فيهما؛ لجواز كون الناسخ شأنيا، نعم: لو سمع نصب النول لكان خبرًا، وصح الاستشهاد به، ونهض الاعتراض، لكن لم يحك ذلك إلا عن تجويز ابن هشان، وذلك رأي لا رواية فلا يجب قبوله.
قال ابن هشام: وإذا جعلت (كان) شانية كان (نولك أن تفعل) مفسرًا لضمير الشأن، فـ ـ (نولك) مبتدأ، و (أن تفعل) فاعل سد مسد خبر المبتدأ.
واعترضه ابن قاسم: بأن ضمير الشأن لا يفسر - عند البصريين - إلا بجملة مصرح بجزئيها. [وهو ساقط؛ لأن (نولك أن تفعل) جملة مصرح بجزئيها].
وقصارى ما في [هذا] الباب: أن الفاعل سد مسد خبر [المبتدأ]، ولا نفي ولا استفهام سابق على المبتدأ، وهو سهل؛ لأن ظهور إرادة [معنى] الفعل منه أغنى بمفرده عن ذلك، وليس الاعتماد شرطًا في كل ما كان بمعنى الفعل، وإنما هو شرط في الصفة كما سبق. «لنفسه» أي [لم] يلزم الابتداء لنفسه، ومثل ابن قاسم وغيره له بقولهم: أقل رجل يقول ذلك، أي ما يقول ذلك رجل، ولا يدخل الناسخ عليه كما لا يدخل على ما في معناه، وفيه نظر. والظاهر أن هذا الذي يقال فيه: امتنع لمانع معنوي كما يأتي، فينبغي أن يفكر في مثال لهذا القسم. «أو» لـ ـ ـ «مصحوب لفظي» عطف على (لنفسه).
قال ابن قاسم: مثل المبتدأ بعد (لولا) الامتناعية، و (إذا) الفجائية. وفيه نظر؛ إذ لا يمتنع - في لولا زيد سالم لهلك - أن يقال: لولا كون زيد مسالمًا، وكذا: لولا زيد لأكرمتك، [لا يمتنع أن يقال فيه]: لولا كون زيد [لأكرمتك]، فلم يمتنع
دخول الناسخ مطلقًا، بل الناسخ الفعلي. «أو» لمصحوب «معنوي» نحو: ما أحسن زيدًا، ولله درك ومن أمثالهم: العاشية تهيج الآبية. يعنون أن الإبل التي تتعشي إذا رأتها [الإبل] التي لا تشتهي العشاء اشتهت فأكلت معها، ومن كلامهم: الكلاب على البقر. مثل به المصنف، لهذا القسم، وهو ما لزم الابتدائية لمصحوب معنوي، وقد يعترض بقولهم: الكلاب ..... ، بالنصب، بتقدير: أرسل الكلاب .... ، فأين لزوم الابتدائية، والمسألة في الفصيح، وهو قد ذكرها في هذا الكتاب.
«وندر» قوله:
«وكوني بالمكارم ذكريني» *** ودلي دل ماجدة صناع
ومع ندوره هو مؤول بالخبر مثل: {فليمدد له الرحمن مدًا} ، أي كوني تذكرينني. «فترفعه» عطف على (تدخل)، والضمير المستكن عائد على (كلها)، والبارز عائد على المبتدأ.
«ويسمى» المرفوع حينئذ «اسمًا» وهذه الجملة الفعلية معطوفة على الاسمية المتقدمة من قوله: (وكلها تدخل على المبتدأ).
ولا يصح أن تكون معطوفة على الفعلية من قوله: (تدخل)، ولا من [قوله]:(فترفعه)؛ لعدم رابط فيها يعود على مبتدأ الاسمية المذكورة. «و» يسمى المرفوع المذكور أيضًا «فاعلًا» ، وتنصب خبره» أي خبر المبتدأ الداخلة هي عليه «ويسمي خبرًا ومفعولًا»
أما عمل هذه الأفعال العمل المذكور وتسمية المرفوع بها اسمًا، والمنصوب بها خبرًا، فهو الذي عليه الجمهور، ولا يعرف المتأخرون غير اسم (كان) وخبرها، وكذا بقية أخواتها، والمبرد يسمى المرفوع فاعلًا والمنصوب مفعولًا.
واختلف الكوفيون في رافه الاسم، فقال الفراء: ارتفع بالناسخ - كما يقول البصريون - لكنه [قال] ارتفع به لا لأنه فاعل بل لشبهه في الصورة بالفاعل.
وقال بقية الكوفيين: لم يرتفع بالفعل بل بما كان/ مرتفعًا [به] قبل وجود الناسخ، واحتجوا بأن الفعل إنما عهد رفعه لما أسند هو إليه كقام زيد، وضرب عمرو، وليس الناسخ مسندًا إلى هذا المرفوع.
وجوابه أنه وإن لم يكن مسندًا إليه لكنه في صوة ما أسند إليه، ويدل على أنه الرافع اتصاله به إذا كان ضميرًا نحو: كنت قائمًا.
ثم اختلف الأولون فقيل: هو مشبه بفاعل الفعل القاصر؛ لكون هذا الفعل لا يقتضي محلًا يقع عليه.
وقال البصريون: هو مشبه بفاعل الفعل المتعدي؛ لكون هذا الفعل يتوقف فهم معناه على اسمين، فأشبه (َرب)، وانبني على هذا الخلاف خلاف فيما شبه به الخبر:
فقال الفراء: هو مشبه بالحال.
وقال البصريون: [مشبه] بالمفعول. وهو الصحيح؛ لأنه كثيرًا ما يأتي على صورة لا يكون عليها الحال، فكان تشبيهه بالمفعول به أولى؛ لاطراده؛ وذلك لأنه يرد معرفة وجامدًا.
وقال بقية الكوفيين: هو حال حقيقة لا مشبه بالحال. ويرد بما ذكرنا من
اطراد وروده معرفة وجامدًا، وبأنه لا يكون فضلة.
واعترضوا قول البصريين: بأنه لو كان مشبهًا بالمفعول لم يقع جملة ولا ظرفًا ولا جارًا ومجرورًا، واللازم منتف.
وأجيب: بأن المفعول قد يكون جملة، وذلك بعد القول، وفي التعليق. وأما الظرف وشبهه فليسا الخبر، إنما الخبر متعلقهما المحذوف، وهو اسم مفرد.
«ويجوز تعدده خلافًا لابن درستويه» وابن أبي الربيع، قيل: وهو الظاهر من كلام سيبويه، إذ قال: إنها مشبهة بـ ـ (ضرب) ونحوه. والجمهور على الجواز؛ لأنه في الأصل خبر المبتدأ، فإذا جاز تعدده مع ضعف العامل فمع قوته أولى.
«وتختص (دام) والمنفي بـ ـ ـ (ما)» سواء كان مما شرطه النفي أولا. «بعدم الدخول على» مبتدأ «ذي خبر مفرد طلبي» فلا يجوز: أصبحك كيف ما دام زيد، ولا أين ما زال زيد، لازدحام اثنين على طلب الصدرية في الصورة الثانية، فأيهما أعطيها حصل الإخلال بحق الآخر؛ وللزوم تأخير ماله الصدر أو تقديم معمول الصلة في الأولى.
ونقل ابن الخباز أن الكوفيين يجيزون: أين ما زال زيد؟ ، وهو موافق لنقل المصنف عنهم أن (ما) ليس لها الصدر.
وفهم من قوله: (والمنفي) أنه يجوز في المثبت نحو: أين كان زيد؟ ومن قوله: (بما)، أنه يجوز في المنفي بغيرها نحو: أين لم يزل زيد؟ .
فإن قلت: وقوله (مفرد) يفهم [منه] الجواز في الجملة، لكنه باطل.
قلت: هذا المفهوم لاغ؛ لأنه يمنع من إعماله المنطوق السابق المقتضي لعموم المنع في الجميع، وهو قوله:(إن لم يخبر عنه بجملة طلبية).
«وتسمى» أفعال هذا الباب «نواقص؛ لعدم اكتفائها بالمرفوع» (فلا تتم بالمرفوع بها كلامًا، بل المرفوع)[مع] المنصوب، بخلاف الأفعال التامة، فإنها تتم كلامًا بالمرفوع دون المنصوب، وهذا مذهب الجمهور، وهو المذهب المنصور.
«لا لأنها تدل على زمان دون حدث» بخلاف الأفعال التامة، فإنها تدل على حدث وزمان؛ ولهذا سميت أفعال هذا الباب ناقصة، وهذا مذهب المبرد وابن السراج والفارسي وابن جني وابن برهان والشلوبين، وهو ظاهر قول سيبويه، وقد
شنع ابن هشام على الشلوبين.
فقال: ذهب إلى هذا مع أنه ملأ تعاليقه من تقدير مصادرها، ألا ترى أنه يقول: - في نحو يعجبني أن زيدًا أخوك .. تقديره يعجبني كون زيد أخاك. «فالأصح دلالتها» أي دلالة أفعال هذا الباب «عليهما» أي على الحدث والزمان «إلا (ليس)» .
قال الرضي: فـ ـ (كان) - في نحو: كان زيد قائمًا - يدل على الكون/ الذي هو الحصول المطلق، وخبره يدل على الكون المخصوص، وهو كون القيام، أي حصوله، فجيء أولًا بلفظ دال على حصول ما، ثم عين بالخبر ذلك الحاصل، فكأنك قلت: حصل شيء، ثم قلت: حصل القيام، فالفائدة في إيراد مطلق الحصول أولًا، ثم تخصيصه، كالفائدة في ضمير الشأن قبل تعيين الشأن، مع فائدة أخرى هنا، وهي دلالته على تعيين زمان ذلك الحصول [المقيد] ولو قلنا: قام زيد، لم تحصل هاتان الفائدتان معًا، فـ ـ ـ (كان) يدل على حصول حدث مطلق تقييده في خبره، وخبره يدل على حدث [معين] واقع في زمان مطلق تقييده في (كان)، لكن دلالة (كان) على الحدث المطلق - أي الكون - وضعية، ودلالة الخبر على الزمان المطلق عقلية.
قال: وأما سائر الأفعال الناقصة - نحو: (صار) الدال على الانتقال، و (أصبح) الدال على الكون في الصبح، ومثله أخواته، و (ما دام) الدال على [معنى] الكون
الدائم، و (ما زال) الدال على الاستمرار، وكذا أخواته و (ليس) الدال على الانتفاء - فدلالتها على حدث [معين] لا يدل على الخبر في غاية الظهور، فكيف يكون جميعها ناقصة بالمعنى الذي قالوه! ! .
هذا كلامه، وهو نص في مخالفة المصنف في استثناء (لي)، وادعائه أنها لا دلالة لها على الحدث.
واستدل المصنف على دلالة ما عدا (ليس) من هذه الأفعال الناقصة [على الحدث] بعشرة أمور:
الأول: أنها تستعمل أوامر، نحو:{كونوا قوامين} وصيغة (افعل) موضوعة لطلب تحصيل الحدث، [لا] لطلب تحصيل الزمان.
الثاني: أنها يستعمل لها اسم فاعل، نحو: زيد كائن أخاك، واسم الفاعل لفظ دال على ذات باعتبار حدث قائم بها.
الثالث: أنها قع صلة لحرف مصدري في نحو: {إلا أن تكونا ملكين} ، وذلك لازم في (دام).
الرابع: أنه قد صرح بمصدرها معملًا عملها في قوله:
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى *** وكونك إياه عليك يسير
وفيه رد من قال: المنصوب بعد الكون حال.
قال ابن قاسم: ويحتمل أن الأصل: وكونك تفعله، أي تفعل المذكور من بذل وحلم، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، كما قال المصنف: - في] فإذا هو إياها -[إن] التقدير: فإذا هو يشبهها.
الخامس: أن منها ما شرطه النفي، فإذا قيل: ما انفك زيد غنيًا، فإن لم يدل (انفك) على الانفكاك لزم أن لا ينصب النفي عليها، بل على حدث الخبر، فيكون قولك: ما انفك زيد غنيًا، وما زيد غنيًا، في الزمن الماضي بمعنى واحد، والواقع بخلافه.
السادس: أنها كلها مستوية في إفادة الزمان، ومعانيها متمايزة، فأنى نقطع بأن (كان زيد غنيًا) مخالف في المعنى لـ ـ (صار زيد غنيًا)، وما به الافتراق غير ما به الاتفاق ولا معنى للفعل غير الزمان إلا الحدث! !
السابع: أن دلالة الفعل على الحدث أقوى من دلالته على الزمان، لأن دلالة المادة أقوى من دلالة الصيغة، فكيف تجرد من المعني الذي (دلالته عليه أقوى، ويترك المعنى الذي دلالته عليه) أضعف! !
الثامن: أن الفعل يستلزم الدلالة على الحدث والزمان معًا؛ إذ الدال على الحدث وحده مصدر، والدال على الزمان وحده اسم زمان.
التاسع: أن الأصل في كل فعل الدلالة على المعنيين، والإخراج عن الأصل لا يقبل إلا بدليل.
العاشر: أنها لو كانت دلالتها مخصوصة بالزمان لجاز أن ينعقد من بعضها ومن اسم معنى جملة تامة، كما ينعقد منه ومن اسم الزمان.
ولا يخفاك ما في بعض هذه الوجوه من الضعف.
واعلم أن هذا الخلاف الذي/ ذكره المصنف ينبني عليه خلاف في أنهل هل تعمل في الظرف أو الجار والمجرور أو لا، ذكره أبو حيان في الارتشاف، وذكره غيره، وهو حسن.
قال المصنف: وثبوت كل شيء بحسبه، فتارة يعبر عنه بالأزلية، نحو:(كان الله ولا شيء معه)، وتارة بـ ـ ـ (حدث)، نحو:
إذا كان الشتاء [فأدفئوني] *** .................
وتارة بـ ـ (حضر) نحو: {وإن كان ذو عسرة} ، وتارة بـ ـ (قدر) أو (وقع)
نحو: (ما شاء الله كان). انتهى. والتعبير بـ ـ (قدر) مشكل؛ لأن (شاء الله) بمعنى (قدر) فيتحد السبب والمسبب. «أو كفل» نحو: كنت الصبي، بمعنى: كفلته. «أو غزل» يقال: كنت الصوف، بمعنى: غزلته، فهذه ثلاثة معان لـ ـ (كان) التامة، وهي في أولها قاصرة، وفي الأخيرين متعدية، ومصدرهن الكون، كمصدر الناقصة عند من أثبته، إلا التي بمعنى (كفل)، فمصدرها الكيانة، كالحراسة والكلاءة، ولم يذكر معنى (كان) الناقصة، وهو مفهوم مما أسلفناه.
«و» إن أريد «بتواليها الثلاث» ، وهن:(أضحى) و (أصبح) و (أمسى)«دخل في الضحى» نحو: أضحى زيد، إذا دخل في هذا الوقت. «والصباح والمساء» [نحو]:{فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} وفيه لف ونشر مرتب.
ولم يذكر معاني هذه الثلاث التوالي ناقصة، وهو إما اقتران مضمون الجملة بالزمان المشارك لها في الحروف، وإما معنى (صار)، وسيذكر. «و» [إن] أريد
«بـ ـ (ظل) دام» نحو: لو ظل الظلم هلك الناس «أوطال» نحو: ظل الليل، وظل النبت، وزعم المهاباذي ومن وافق: أنها لا تكون تامة وهم محجوجون بالسماع.
وأما معناها ناقصة: فـ ـ[إما] اقتران مضمون الجملة بالنهار لا بزمن مشارك لها في الحروف؛ إذ لا زمن يشاركها في ذلك. وإما معنى (صار)، وسيأتي، «و» أريد «بـ ـ (بات) نزل ليلًا» يقولون: بات فلان بالقوم، بمعنى: نزل بهم ليلًا، ويقولون: - أيضًا - بات فلان القوم، أي: أتاهم ليلًا. ولا ينبغي أن يفسر [هذا] بـ ـ (نزل)؛ لأنه يتعدى بنفسه، و (نزل) بالباء.
ولو قال المصنف: نزل في زمن البيتوتة، لكان أولى؛ لأنه أقرب إلى تفسير اللفظ.
وأما معناها ناقصة فاقتران [مضمون] الجملة بالبيتوتة.
«و» أريد «بـ ـ ـ (صار) رجع» فيتعدى بـ ـ ـ (إلى)، نحو:{ألا إلى الله تصير الأمور} . «أو ضم أو قطع: فيتعدى - حينئذ - بنفسه إلى واحد، يقال: صاره يصيره ويصوره، أي: ضمه أو قطعه، كذا في شرح ابن قاسم، وهو في ذلك تابع للمصنف.
واعلم أن معنى الناقصة تحول الشيء من صفة إلى أخرى نحو: صار الفقير غنيًا، والجاهل عالمًا. ومادة هذه (ص ي ر) والتامة التي بمعنى (رجع) لها مادتان هذه، و (ص ور)، ولولا المادة الأولى لم يتأت له أن يذكر هذا في معاني (صار).
وفي الصحاح: صاره يصوره [ويصيره]: أماله، وقرئ:{فصرهن إليك} بضم الصاد وكسرها.
قال الأخفش: يعني وجههن، يقال: صر إلي، وصر وجهك إلي، أي أقبل علي [به]، وصرت الشيء أيضًا [أي] قطعته وفصلته، فمن قال هذا جعل في الآية تقديمًا وتأخيرًا، أي خذ إليك أربعة من الطير فصرهن. انتهى.
فلم يحك أنها تأتي بمعنى (ضم)، بل بمعنى (أمال) و (وجه) و (قطع).
وقال أيضًا: لما ذكر مادة (ص ي ر) - صار الشيء كذا يصير صيرًا وصيرورة،
وصرت إلى فلان مصيرًا كقوله تعالى: {وإلى الله المصير} ، والقياس:(المصار) كالمعاش. انتهى. ولم يذكر في هذه (ص ور)، وبدأ بالناقصة وذكر لها مصدرين، وثنى بالتامة وذكر لها مصدرًا واحدًا ميميًا، ولم يفسر واحدة منهما، والظاهر - في تفسير التامة - أنها بمعنى (انتهى)، / لا بمعنى (رجع)، وهذا المعنى لابد منه، وليس هو بمعنى (رجع).
«و» أريد «بـ ـ (دام) بقي» [نحو]: {ما دامت السموات والأرض} : «أو سكن» ومنه الحديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، أي الساكن.
وفي الصحاح: دام لشيء: سكن. [ولم يذكر معنى (بقي)، ثم ذكر أن هذه التي بمعنى (سكن) تعدى بالتضعيف وبالهمزة فقال: ويقال: دومت القدر وأدمتها، إذا سكنت غليانها بشيء من الماء. «و» أريد بـ ـ (برح) ذهب أو ظهر» وقد فر قولهم: برح الخفاء (بهذين المعنيين، وفي الصحيح: برح الخفاء)، أي:
ظهر الأمر، كأنه ذهب السر وزال. فجمع بينهما. «و» أريد «بـ ـ ـ (ونى)» [بالنون]«فتر» والتمام في هذه الكلمة أكثر من النقصان، وقد أطنب الجوهري في تفسيرها تامة، فقال: الونى الضعف والفتور والكلال والإعياء. ثم قال: ونيت في الأمر أني [ونى] وونيًا، أي: ضعفت، وأنا وان. انتهى. ومعناها - ناقصة - زل، وقد ذكره الجوهري، فقال: وفلان لا يني يفعل كذا، أي: لا يزال. «و» أريد «بـ ـ (رام) فارق» كقوله:
أيا أبتا لا ترم عندنا *** فإنا بخير إذا لم ترم
«و» أريد «بـ ـ ـ (نفك) خلص» قالوا: فككت الأسير فانفك، أي: خلص. «أو انفصل» قالوا: - أيضًا - فككت فص الخاتم فانفك، أي انفصل، وهما متقاربان، وانفك فيهما مطاوع لـ ـ (فك) بخلاف الناقصة، فإنها كـ ـ (انطلق)، ومعناها زال، وتختص بالجحد، فهذه فروق ثلاثة.
«و» أريد «بـ (فتأ)» بفتح التاء، وأما المكسورها فلا [يكن] إلا ناقصًا. «سكن أو أطفأ» .
وفي الصحاح: - في مادة الفاء والتاء المثناة [والهمزة] وما فتأت أذكره، أي ما زلت. ثم قال: - في مادة الفاء والثاء المثلثة [والهمزة]- فثأت القدر: سكنت غليانها بالماء، وفثأت الرجل عني، كسرته بقول أو فعل، وسكت غضبه.
فتوهم أبو حيان من هذا أن المصنف تصحف عليه (فتأ) بالمثناة بـ ـ ـ (فتأ) بالمثلثة، وذكر كلام الجوهري وكلام صاحب المحكم في (فثأ) بالمثلثة لا بالمثناة، والمصنف لم ينقل ذلك عن واحد منهما، وإنما نقله في الشرح عن الفراء، فقال: قال الفراء فتأته
عن الأمر كسرته، والنار أطفأتها انتهى. وليس بممتنع أن تكون المادتان قد توافقتا على هذا المعنى، وفي اللغة من ذلك كثير.
ويقال: إن المصنف له كتاب صغير سماه: ما اختلف إعجامه، واتفق إفهامه، وفيه: إن من ذلك (فتأ)، و (فثأ).
قلت: لم أقف عليه، ولكني وقفت في القاموس للفير وزأبادي المتأخر المتوفي بزبيد من بلاد اليمن في سنة سبع عشر وثمانمائة في مادة (فتأ) بـ ـ ـ[التاء] المثناة ما نصه: وكمنع: كسر وأطفأ. يعني: أن (فتأ) الذي على صيغة (منع) بفتح الفاء والعين يجيء بمعنى (كسر)، وبمعنى (أطفأ). ثم قال: - عن ابن مالك في كتابه
جمع اللغات المشكلة - وعزاه للفراء. وهو صحيح، وغلط أبو حيان وغيره في تغليطه.
وفي شرح ابن قاسم ما يوهم أن (زال) و (برح) و (فتيء) و (انفك) في النقصان والتمام بمعنى واحد. وهذا لا سبيل إليه، وكذلك (دام)، وهو أيضًا خطأ.
وإنما تمايزت هذه الأفعال في نقصانها وتمامها بحسب معانيها. ومعنى تلك الستة النقصة ملازمة الصفة للموصوف مذ قبلها [على حسب ما قبلها]، ومعناها تامة ما ذكر.
ومعنى (دام) ناقصة توقيت أمر بمدة ثبوت خبرها لاسمها، وتامة: بقي أو سكن.
وفيه - أيضًا - أن (أمسى)، و (أصبح) و (أضحى) تأتي بمعنى (أقام)، وإنما ذلك معروف في (أصبح) خاصة.
«سميت تامة» هذا جواب الشرط المتقدم، وهو قوله:(وإن أريد بـ ـ (كان) ثبت
…
) إلى آخره. «وعملت عمل ما رادفته» من الأفعال المذكور على
حسب ما تقتضيه من لزوم وتعد بالحرف وبدونه، / وعليه نقد من جهة أنه ذكر أن (بات) بمعنى (نزل)، وصرح في الشرح بأنه يقال: بات بالقوم. والنصب لا يعمله ما رادفته، وهو (نزل)، فكان ينبغي أن يقول: - أولًا - وبـ ـ ـ (بات) نزل أو أتى. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
«وكلها» أي كل أفعال هذا الباب «تتصرف» أي يستعمل منها مضارع وأمر واسم فاعل ومصدر. «إلا (ليس)» باتفاق النحاة. «و (دام)» ، وهذا لا يعرفه بصري، وإنما هو قول الفراء وأكثر المتأخرين، ووجه بعضهم ذلك بأنها لا تقع إلى صلة لـ ـ (ما) التوقيتية، ولا يقع بعدها المضارع.
قال ابن الدهان: لا يستعمل - في موضع (دام) - يدوم؛ لأنه جرى كالمثل عند بني تميم. وجوزه بعضهم محتجًا عليه بقولهم: أدوم لك ما تدوم لي.
ورده المصنف بأن (تدوم) في مقابلة (أدوم) تامة، فكذا مقابلها.
وقال أبو حيان: علل الفراء جمود (دام) على صيغة الماضي بأن أصحبك ما دام زيد صديقك) في قوة: أصحبك إن دام [زيد] صديقك، وكل شرط حذف جوابه التزم مضيه، يقال: أنت ظالم إن فعلت، ولا يجوز إن تفعل، فكذا ما كان. بمعنى الشرط المحذوف الجواب.
قال أبو حيان: وهو مردود بأن (ما) الظرفية قد توصل بالمضارع، فدل على عدم اعتبار هذه العلة، ثم أنشد:
أطوف ما أطوف ثم آوي *** إلى بيت قعيدته لكاع
انتهى. وهذا الرد غير متجه؛ لأنه ليس في كلام الفراء ما يقتضي أن (ما) الظرفية لا توصل بمضارع أصلًا، بل الذي فيه أنه إذا أمكن نيابتها عن شرط حذف جوابه التزم مضى فعلها، وهذا البيت لا يمكن فيه ذلك؛ ضرورة أن الشيء لا يكون علة لنفسه.
«ولتصاريفها مالها» فيثبت لغير الماضي [منها] ما ثبت للماضي من العمل.
«وكذا سائر الأفعال» يثبت لتصاريفها ما ثبت لها، وهو واضح.
«ولا تدخل (صار) وما بعدها» وهو (ليس) ودام) و (زال) و (انفك) و (برح) و (فتيء) و (فتأ) و (ونى) و (رام) مرادفتاها «على ما خبره» من المبتدآت «فعل ماض» فلا يقال: صار زيد علم، وكذا البواقي.
وقال السيرافي: لأن هذه تفهم الدوام على الفعل، واتصاله بزمن الإخبار، والماضي يفهم الانقطاع، فتدافعا.
«وقد تدخل عليه» أي على ما خبره فعل ماض «(ليس)، إن كان» ذلك المبتدأ الذي أخبر عنه بفعل ماض «ضمير الشأن» ، ولم يشترط غيره هذا الشرط،
ولم أر من تعرض لوجهه ولكن السماع كذلك [جاء]، فوقف عندما ورد، وأما غيره فعمم: إما ذهولًا عن ضابط المسموع؛ أو لأنه رأى أن لا فرق، فقاس.
وحكى أبو حيان: أن ابن عصفور نقل الإجماع على جواز ذلك في (ليس) من غير اشتراط شيء.
وقل الشلوبين: جواز (ليس خلق الله مثله) على وجه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون على إلغاء (ليس) وجعلها حرفًا بمنزلة (ما)، وذلك قليل جدًا، وممن نص على ثبوته سيبويه.
والثاني: على أن يكون في (ليس) ضمير الشأن.
والثالث: أن يكون فيها ضمير ما تقدم ذكره.
«ويجوز دخول البواقي» من الأفعال، وهي (كان) و (أضحى) و (أصبح) و (أمسى) و (ظل) و (بات). «عليه» ، أي ما خبره فعل ماض «مطلقًا» ، [أي] سواء اقترن بـ ـ ـ (قد)، أو لم يقترن بها نحو:{إن كنتم خرجتم} ، {وإن كان
قميصه قد من دبر}، {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} ، وقال عمرو بن معدي كرب:
فأصبح أهله بادوا وأضحى *** ينقل من أناس في أناس
«خلافًا لمن اشترط في الجواز اقتران الماضي بـ ـ ـ (قد)» إما لفظًا كما في قولك: كان [زيد] قد قام أو تقديرًا/ كما في المثل السابقة، وأصحاب هذا الرأي هم 161
الكوفيون، واحتجوا بأن (كان) وأخواتها إنما دخلت على الجملة؛ لتدل على الزمان، فإذا كان الخبر يعطيه لم يحتج إليها، ألا ترى أن معنى (زيد قال)، و (كان زيد قال) واحد، فاشترط الاقتران بـ ـ (قد)، لأنها تقرب الماضي من الحال، فيحصل - حينئذ - فائدة لا تفيدها (كان)، وستعلم أن هذه الأفعال البواقي ترد بمعنى (صار)، وعلمت أن (صار) لا يدخل على ما خبره فعل ماض، فيكون جواز دخول البواقي على ذلك مشروطًا [بأن لا يكون شيء منهن بمعنى (صار)].
«ويجوز في نحو: أين زيد؟ توسيط ما نفي بغير (ما) من (زال) وأخواتها» نحو: أين لم يزل زيد؟ وأين لا يبرح عمرو؟ ، وأين لن ينفك بكر؟ .
واعلم أن الجواز يقال بالاشتراك على قسيم المنع وعلى تقسيم الوجوب، والمراد هنا الأول، وهو أعم من الآخر، وإنما قلنا ذلك، لأن تقديم الاستفهام واجب، وتأخير مرفوع الفعل واجب، فكان التوسيط واجبًا، وإنما أراد المصنف الإعلام بأن هذا ليس بممتنع.
وإنما اشترط في الثاني أن لا يكون (ما)؛ لأن [ما] لها صدر الكلام، لكن فيه خلاف، فمقتضى قول من نفي عنهما الصدرية الإجازة، وقد حكاها ابن الخباز في هذا الفرع بخصوصه عن الكوفيين.
قال ابن قاسم: وينبغي أن يكون (إن) كذلك؛ لأن لها الصدر بدليل أنها تعلق
نحو: {وتظنون إن لبثتم إلا قليلًا} انتهى.
وقد أطلق المصنف أنه تعلق، وكذا أطلق في (لا)، فينبغي أن يكونا بمنزلة (ما) عنده.
ومن قيد صدرية (لا) بجواب القسم ينبغي له أن يقيد هنا أيضًا.
وما اشتراطه أن يكون النافي داخلًا على (زال) وأخواتها فالاحتراز من غيرها، فلا يجوز ذلك فيها؛ لأن النفي يتسلط على الخبر، والإنشاء لا يصح نفيه؛ لأنه لا خارج له، ولا يتأتى هذا البحث في (زال) وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب، فكما تقع (أين) خبرًا لـ ـ ت (كان) ونحوها من النواسخ الموجبة تقع خبرًا لهذه الأفعال. «لا توسيط (ليس) خلافًا للشلوبين» فإنه يجيز: أين ليس زيد. ولا شك أن من منع تقديم خبر ليس مطلقًا، منع هذا المسألة بلا إشكال، ومنهم المصنف. ومن جوزه اختلفوا، فأكثرهم يمنع، والشلوبين يجيز. والذي يظهر أن المانع ما قدمنا من علة امتناع (أين لم يكن زيد؟ )، وهي تنافي النفي والإنشاء، فإن (ليس) و (لم يكن) سواء.
فإن قيل: إنها امتنع لكونه طلب محال؛ لأن المعنى: أخبرني عن المكان الذي ليس
زيد فيه، فيحتاج إلى أن يخبره بجميع الأماكن وذلك محال.
فالجواب: أن هذا لو انتهض مانعًا لامتنع أن يقال: اصعد السماء، واجمع بين الضدين، ونحو ذلك، امتناعًا لغويًا، ثم لا استحالة إذا قال [له]: ليس هو في شيء من الأماكن إلا المكان الفلاني، أو يقول له: - على المعنى - هو في مكان كذا، فيفهم أنه ليس في بقية الأماكن.
«وترد الخمسة الأوائل» ، وهي (كان) و (أضحى) و (أصبح) و (أمسى) و (ظل)«بمعنى (صار)» ، فمثال (كان) قوله تعالى:{فكانت هباء منبثًا} ، ومثال (أضحى) قول الشاعر:
ثم أضحوا كأنهم ورق جفـ ـ ـ ـ *** ف فألوت به الصبا والدبور
ومثال (أصبح) قوله تعالى: {فأصبحتم بنعمته إخوانا} ومثال (أمسى) قول النابغة:
مست خلاء أهلها احتملوا *** أخنى عليها الذي أخنى على لبد
والاستشهاد به إنما هو باعتبار (أمست خلاء)، لا باعتبار (أمسى أهلها احتملوا)؛ لو كان بمعنى (صار) لم يقع الماضي خبرًا كما مر. ومثال (ظل) قوله تعالى:{ظل جهه مسودًا} .
وزعم الزمخشري: أن بات [تأتي] بمعنى (صار). وحمل عليه الأبدي قوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أحدكم لا يدري/ أين باتت يده).
ورده المصنف لاحتمال حمله على معنى (بات) الأصلي، وقد رجع في الشرح إلى ترجيح هذا القول.
قال: وأقوى ما يتمسك به لذلك قوله:
أجني كلما ذكرت كليب *** أبيت كأنني أطوى بحبل
لأن (كلما) لعموم الأوقات و (بات) إذا كانت على بابها مختصة بالليل.
«ويلحق بها» أي بـ ـ ـ (صار)، فالضمير ليس راجعًا إلى الخمسة الأوائل لفساده، وإنما [هو] راجع إلى (صار)، أي يلحق بها «ما رادفها» في رفع الاسم ونصب الخبر. «من آض» كقوله «
ربيته حتى إذا تمعددا *** وآض نهدًا كالحصان أجردا
«وعاد» كقوله:
وكان مضلي من هديت برشده *** فلله مغو عاد بالرشد آمرا
وقوله:
تعد فيكم جزر الجزور رماحنا *** ......................
ومن النحويين من منع ذلك فيهما محتجًا بأنهما فعلان تامان يتعديان بإلى [قال: وإنما المنصوب بعدهما حال. واحتج ابن عصفور بالبيت الثاني] على أن المنصوب خبر لا حال؛ لكونه معرفة. ثم قال: ولا يمتنع أن يكون حالًا؛ لأنه التقدير: مثل جزر الجزور [رماحنا]، وما كان من المعرفة على معنى (مثل) فقد تجعله العرب حالًا في الشعر. «وآل» كقوله:
وعروب غير فاحشة *** ملكتني ودها حقبا
ثم آلت لا تكلمنا *** كل حي معقب عقبًا
أي صارت لا تكلمنا، وهذا ليس بنص في المدعي، ولا ظاهر فيه؛ لاحتمال أن يكون (آلت) بمعنى (حلفت)، و (لا تكلمنا) جواب القسم. «ورجع» نحو:(لا ترجعوا بعدي كفارًا).
«وحار» كقوله:
وما المرء إلا كالشهاب وضوءه *** يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع
«واستحال» كما في الحديث: (فاستحالت غربًا). «وتحول» كقول أمرئ القيس:
وبدلت قرحًا داميا بعد صحة *** لعل منايانا تحولن أبؤسا
«وارتد» لأنه مطاوع (رد) و (رد) بمعنى (صبر) كقوله:
فرد شعورهم السود بيضًا *** ورد وجوههن البيض سودا
فكان هو - أعني (ارتد) - بمعني (صار) كقوله تعالى: {فارتد بصيرًا)، كذا قال المصنف:«وندر الإلحاق بـ ـ (صار) في» قولهم: «ما
جاءت حاجتك؟ » وأول من قال ذلك الخوارج، قالوه لابن عباس رضي الله عنهما حين جاء إليهم رسولًا من علي رضي الله عنه، فـ ـ ـ (جاء) في هذا التركيب بمعنى (صار)، و (حاجتك) يروى بالرفع، فـ ـ ـ ما) استفهامية في محل نصب على أنها خبر قدم لأجل الاستفهام، والتقدير: أية حاجة صارت حاجتك. ويروى بالنصب، على أنها خبر (جاءت)، واسمها ضمير (ما)، وصح تأنيثه؛ للإخبار عنه بالحاجة، مثل: من كانت أمك؟ .
ومقتضى هذا الكلام أنه يقتصر باستعمال (جاء) بمعنى (صار) على هذا التركيب الخاص، ولا يعدى إلى غيره.
قال ابن الحاجب في شرح المفصل: - في (جاء البر قفيزين) - اختلف في (قفيزين) أخبر هو أم حال؟ ، والأولى أن يكون من قبيل الأخبار؛ لأن الحال فضلة، وأن المعني على الصيرورة، وعلى أن (القفيزين) محط الفائدة، تقول: كلت البر فجاء قفيزين.
قال تلميذه: وفهي نظر؛ إذ لم يقصدوا صيروته على ذلك بعد أن لم يكن عليها، بل قصدهم أنه جاء مفصلًا، وجعل انتقاله من الجهل به إلى العلم مجيئًا إلى العامل. «وقعدت كأنها حربة» يعني أنه ندر إلحاق (قعد) بـ ـ (صار) في قولهم: شحذ شفرته، ويروى: أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة، أي صارت.
قال الأندلسي: لا يتجاوز بهذين - أعني (جاء) و (قعد) - الموضوع الذي استعملتهما فيه العرب.
قال ابن لحاجب: الأولى طرد (جاء) كما أسلفته.
قال: وأما (قعد) فلا يطرد، وإن اطرد فإنما يطرد في/ مثل الموضع الذي استعمل فيه، فلا يقال: قعد كاتبًا بمعنى (صار)، بل يقال: قعد كأنه سلطان؛ لكونه مثل: قعدت كأنها حربة. واستحسنه الرضي. «والأصح ألا يلحق بها (آل)» لأن ما تمسك به مثبتوها من قوله:
ثم آلت لا تكلمنا *** ..................... ز
لا دليل فيه؛ لاحتمال أن يكون [آلت] بمعنى حلفت كما مر «ولا (قعد) مطلقًا» أي سواء كان الخبر مصدرًا بـ ـ (كان) مثل: قعدت كأنها حربة أو لم يكن كما
ذهب إليه الفراء، وجعل منه قوله:
لا ينفع الجارية الخضاب *** ولا الوشاحان ولا الجلباب
من دون أن تلتقي الأركاب *** ويقعد الأير له لعاب
وجعل منه الزمخشري [قوله تعالى: ]{فتقعد مذمومًا مخذولًا} ، وقد علمت كلام ابن الحاجب فيه. «وألا يجعل من هذا الباب (غدا) و (راح)» كما ذهب إليه قوم منهم الزمخشري وأبو البقاء، واستشهد على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام:
(لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا) وبقول ابن مسعود رضي الله عنه: (اغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تكن
إمعة) ولا حاجة في ذلك؛ لاحتمال كون المنصوب بعدهما حالًا، لا سيما ولا يوجد إلا نكرة. «ولا (أسحر) و (أفجر) و (أظهر)» كما ذهب إليه الفراء، ولم يذكر لذلك شاهدًا.
و«توسيط أخبارها» أي أخبار الأفعال الناقصة «كلها جائز» والمراد به هنا ضد الواجب، وليس المراد [به] السائغ الذي هو أعم من الواجب وغيره بدليل ما بعده من قوله:«ما لم يمنع مانع» من توسيط الخبر نحو: كان فتاك مولاك؛ إذ لو توسط [هنا] حصل الإلباس. «أو موجب» للتوسيط نحو: يعجبني أن يكون في الدار صاحبها، فلا يتقدم الخبر هنا على الناسخ لأجل الحرف المصدري، ولا يتأخر عن الاسم لأجل الضمير، وتمثيلهم - في هذا المقام بنحو: كان في الدار ساكنها - ليس بصحيح؛ إذ ليس ثم ما يوجب التوسيط؛ إذ لو قدم الخبر على الناسخ لم يمتنع.
«وكذا تقديم خبر (صار) وما قبلها» وهو (كان) و (أضحى) و (أصبح) و (ظل) و (بات). «جوازًا» بالنصب على الحال من الضمير المستكن في الجار والمجرور المتقدم، أي: وتقديم خبر (صار) وما قبلها ثبت مثل المتقدم في حال الجواز،
والمصدر إما بمعنى اسم الفاعل، أي: جائزًا، أو على حذف مضاف، أي: ذا جواز، مثل: قائمًا كان زيد. «ومنعًا» أي: ممنوعًا، أو ذا منع، نحو: صار عدوي صديقي، مما فيه لبس، وكذا نحو: إنما كان زيد في المسجد، مما فيه حصر، ونحو: كان بعل هند حبيبها، مما يلزم فيه عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، فإن الخبر هنا لو وسط أو قدم لزم ذلك، وبعض النحاة يجيز تأخير الخبر في مثل هذا؛ لأن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد.
«ووجوبًا» أي: واجبًا، أو ذا وجوب، نحو: كم كان مالك؟ ، وغلام من كان زيد؟ ، مما لو وسط أو أخر لزم منه إخراج ذي الصدر عما يستحقه من الصدرية.
«وقد يقدم خبر (زال) وما بعدها» وهو (انفك) و (برح) و (فتيء)[وفتأ] و (أفتأ)[وونى] و (رام) مرادفتاها. «منفية بغير (ما)» نحو: قائمًا لن يزال زيد، وفي طيب العيس لم يبرح عمرو، ويدل عليه قول الشاعر:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته *** على السن خيرًا لا يزال يزيد
فيقدم معمول الخبر، وإنما يتقدم حيث يجوز تقدم العامل، كذا قيل، ولا يطرد، فإنك تقول: زيدًا لن أضرب، ولم أضرب.
«ولا يطلق المنع» مع كل ناف سواء كان (ما) أو غيرها من أدوات النفي، «خلافا للفراء» فإنه منع تقديم خبر (زال) وأخواتها مع كل ناف «ولا» يطلق «الجواز، خلافًا لغيره» أي لغير الفراء «من الكوفيين» فيجوز التقديم/ مع كل ناف (ما) وغيرها، نحو: قائمًا ما زال زيد؛ تمسكًا بأن هذه الأفعال موجبة في المعنى، وإن كانت منفية في اللفظ، ورد بأن المراعى في التقديم إنما هو اللفظ.
وقال المنصف في شرح الكافية - بعد أن ذكر أنه يمتنع (فاضلًا ما كان زيد، وجاهلًا ما زال عمرو) - ما نصه:
وكلاهما جائز عند الكوفيين؛ لأن (ما) عندهم لا يلزم تصديرها، ووافق ابن كيسان البصريين في (ما كان) ونحوه، وخالفهم في (ما زال) وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب، والخبر بعدها كخبر (كان) المثبتة، فلم يمتنع عنده: جاهلًا ما زال عمرو، كما لا يمتنع: جاهلًا كان عمرو، فلو كان النفي بـ ـ ـ (لا)[أو (إن)] أو (لن) أو (لم) جاز التقديم عند الجميع.
فحكى الخلاف في (ما كان)، وحكى الإجماع في النفي بـ ـ ـ (لا) و (لن) و (لم)[وإن] وقد حكى الخلاف فيها هنا.
«ولا يتقدم (خبر) «دام» اتفاقًا» فيمتنع: أكرمك أميرًا ما دام زيد؛ لما تقرر من أن الحرف المصدري لا يعمل ما بعده فيما قبله، وحكاية الاتفاق في هذه الصورة صحيحة، ويمتنع أيضًا نحو: أكرمك ما أميرًا دام زيد، وقد نص صاحب الإيضاح وابن المصنف على امتناعه، وهو ظاهر كلام المصنف، قيل: والقياس الجواز؛ لأن (ما) حرف مصدري غير عامل، فلا يمتنع فيه ذلك، إلا إن ثبت أن (دام) لا تتصرف، فيتجه المنع. كذا في شرح ابن قاسم.
«ولا» يتقدم «خبر ليس» عليها «على الأصح» من القولين، وهذا [هو] مذهب الكوفية، وهو مبني على قولهم إنها حرف كـ ـ (ما)، فألحقوها بـ ـ (ما كان)، ووافقهم المبرد وإن كان مذهبه أنها فعل؛ نظر إلى عدم تصرفها ومشابهتها لـ ـ (ما).
والقول الآخر - وهو جاوز التقديم - مذهب الأكثرين استدلالًا بقوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم} ، ووجهه أن المعمول لا يجوز وقوعه إلا حيث يقع العامل. وقد عرفت أنه لا يطرد لهم ذلك.
قال الرضي: ولا منع أن يقال: (يوم يأتيهم) ظرف لـ ـ ـ (ليس)، فإن الأفعال الناقصة تنصب الظروف؛ لدلالتها على مطلق الحدث.
قلت: وقد سبق الخلاف فيه، والاستدلال بالآية مقدوح فيه بأن الظروف يتسع فيها، فلا يلزم من جواز تقديمها تقديم ما لم يثبت فيه الاتساع.
«ولا يلزم تأخير الخبر إن كان جملة» سواء كانت اسمية أو فعلية، وسواء كان فعل الفعلية رافعًا لضمير الاسم أو لا. «خلافًا لقوم» فلا يجيزون: أبوه قائم كان زيد: ولا كان أبوه قائم زيد، ولا: يقوم كان زيد، ولا: كان يقوم زيد، على أن يكون (زيد) اسم (كان)، و (يقوم) خبرها. قال ابن السراج: والقياس جوازه وإن لم يسمع.
قال المصنف: وهو الصحيح؛ لثبوت ذلك في المبتدأ كقول الفرزدق:
إلى ملك ما أمه من محارب *** أبوه ولا كانت كليب تصاهره
ومما يدل على جواز تقديم الخبر وهو جملة قوله تعالى: {أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} ، {وأنفسهم كانوا يظلمون} ، فإن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل.
قلت: وقد سبق ما عليه.
ومنهم من منع إذا كان الفعل رافعًا ضمير الاسم نحو: كان زيد يقوم، وأجاز في غيره نحو: كان زيد أبوه قائم، وكان زيد يقوم أبوه. وصححه ابن عصفور.
قال: لان الذي استقر في باب (كان) أنك إذا حذفتها عاد اسمها وخبرها إلى المبتدأ [والخبر]، ولو أسقطتها في (كان يقوم زيد) لم يرجعا إلى ذلك.
«ويمنع تقديم الخبر الجائز التقدم تأخير مرفوعة» فلا يقال: قائمًا كان ريد أبوه؛ لما فيه من الفصل بين العامل ومعموله الذي هو/ كالجزء.
«ويقبحه» أي يقبح تقديم الخبر الجائز [التقدم]«تأخير منصوبه» فيقال: آكلًا كان زيد طعامك، على قح، ولم يمنع؛ لأن المنصوب ليس كالجزء من عامله؛ لكونه فضلة. «ما لم يكن» ذلك المنصوب «ظرفًا أو شبهه» فيجوز بلا قبح نحو: مسافرًا كان زيد اليوم، وراغبًا كان زيد فيك؛ لا تساعهم في الظرف وما يشبهه. «ولا يمتنع هنا» [أي] في هذا الباب. «تقديم خبر مشارك في التعريف وعدمه إن ظهر الإعراب» نحو: كان أخاك زيد، ولم يكن خيرًا منك أحد، فإن خفي الإعراب - نحو: كان أخي صديقي - وجب كون المقدم الاسم والمؤخر الخبر، هذا هو المعروف، وقد أجاز الزجاج - في قوله تعالى:{فما زالت تلك دعواهم} - أن تكون (تلك) خبرًا، و (دعواهم) اسمًا والعكس.
«وقد يخبر هنا» أي في باب (كان)«وفي باب (إن بمعرفة عن نكرة اختيارًا» لا ضرورة كقول حسان رضي الله عنه:
كأن سيئة من بيت رأس *** يكون مزاجها عسل وماء
وكقول القطامي:
قفي قبل التفرق يا ضياعا *** ولا يك موقف منك الوداعا
كذا استشهد المصنف، وليسا بضرورة لتمكن الأول من رفع (مزاجها) على تقدير [أن](كان) شانية، وتمكن الثاني من أن يقول، (موقفي) بالياء. وهو جار على طريقته في تفسير الضرورة بما ليس للشاعر عنه مندوحة. وأما باب (إن) فاحتج فيه بحكاية سيبويه: إن قريبًا منك زيد.
وتعسف أبو حيان، فقال:(قريبًا)، واسم (إن) ضمير شأن محذوف، مثل: إن بك زيد مأخوذ. وأنشد المصنف للفرزدق:
وإن حرامًا أن أسب مجاشعًا *** بآبائي الشم الكرام الخضارم