الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«فصل» يذكر فيه الكلام على ما يجوز فيه دخول الفاء على الخبر، وما يمتنع
.
«تدخل الفاء على خبر المبتدأ» بحيث تكون ملفوظًا بها «وجوبًا بعد (أما)» نحو {فأما الذين امنوا فيعلمون أنه الحق} {أما السفينة فكانت لمساكين} الآيات «إلا في ضرورة» كقوله:
أما القتال لا قتال لديكم *** ولكن دفع الشر بالشر أحزم
«أو في ندور» من الكلام الذي ليس بشعر، نحو:(وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر)، ومثل له ابن قاسم بقوله عليه الصلاة والسلام:(أما بعد ما بال رجال).
قلت: وهو سهو؛ لأن هذا ليس من المبتدأ والخبر في شيء.
«أو» في «مقارنة قول أغني عنه المقول» نحو: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم} ، وجعل هذا قسيمًا للضرورة والندور، يقتضي أنه جائز في سعة الكلام بكثرة وهو صحيح.
«و» تدخل الفاء على خبر المبتدأ. «جوازًا بعد مبتدأ واقع موقع «من» الشرطية» نحو: الذي يأتيني فله درهم. «أو» واقع موقع «ما أختها» : نحو: الذي يفعله فهو حسن. يعني أن المبتدأ تارة يكون لمن يعلم متضمنًا لمعنى الشرط، فيكون واقعًا موقع [«من» الشرطية، وتارة يكون لما لا يعقل متضمنًا لمعنى الشرط، فيكون واقعًا موقع]«ما» الشرطية.
وقال: (بعد مبتدأ)؛ لأنه لو كان الخبر قبل المبتدأ - كما إذا قلت: له درهم الذي يأتيني - لم تدخل الفاء، لأن الجواب الصريح لا تدخل عليه الفاء إلا إذا تأخر، وقد مضى للمصنف في الباب وجوب تأخير الخبر إذا قرن بالفاء.
وكان حق هذا الخبر أن تلزمه الفاء؛ لكونه كالجزاء، لكن من حيث إنه ليس جزاء للشرط حقيقة جاز تجريده منها مع قصد السببية، نحو: الذي يأتيني له درهم.
وعلى الجملة فإذا دخلت الفاء تحققت فيه السببية، وإذا لم تدخل جاز أن تكون السببية ملحوظة، فيكون تجريد الخبر عن الفاء في هذه الحالة - على سبيل الجواز، وجاز أن تكون السببية غير ملحوظة ولا مقصودة، فيكون تجريده من الفاء إذ ذاك واجبًا «وهو» أي المبتدأ المذكور الواقع موقع (من) الشرطية أو (ما) أختها. (الـ) الموصولة» نحو:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ، كذا مثل المصنف، وهو مخالف لكلامه في باب الاشتغال، ولقول جمهور البصريين، فإنهم قالوا: لا تدخل الفاء في خبر (الـ ـ ـ)، وجلعوا الخبر في الآية محذوفًا، وستقف على ذلك في باب الاشتغال.
وإنما قسم المصنف الموصول إلى (الـ ـ) وغيره؛ لأجل أن الصلة مختلفة.
«بمستقبل» لا بماض، ولا حال. «عام» لا خاص، ولا حاجة إلى اشتراط العموم بعد ما اشترط كون المبتدأ حالًا محل (من) و (ما) الشرطيتين.
«أو غيرها» ، أي غير (الـ) من الموصلات العامة المستقبلة صلتها. «موصولًا بظرف» كقوله:
ما لدى الحازم اللبيب معارًا *** فمصون، وماله قد يضيع
«أو شبهه» أي شبه الظرف، وهو الجار والمجرور نحو:{وما بكم من نعمة فمن الله} .
وأورد ابن الحاجب رحمه الله [تعالى]- إشكالًا في هذه الآية، تقريره: أن الشرط وما شبه به يكون الأول فيه سببًا للثاني، وفي الآية الأمر بالعكس، لأن الأول 149 هو استقرار النعمة بالمخاطبين، والثاني/ كونها من الله، وليس الأول سببًا للثاني؛ لأن الأول فرع للثاني.
وأجاب في شرح المفصل بما تقريره: *** أن جواب الشرط لا يكون إلا جملة،
ويكون المسبب في ذلك الجواب الذي هو جملة إما مضمون الجملة نحو: إن جاءني زيد أكرمته، فالإكرام هو مضمون الجملة، وهو مسبب عن المجيء المذكور، وإما الخطاب بها، على معنى أن الإعلام والإخبار بها هو المشروط نحو: إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك الواقع في اليوم، لكن الإخبار بذلك مسبب على معنى إن أكرمتني اليوم فهو سبب لأن أعلمك وأخبرك بأني قد أكرمتك بالأمس، والآية من [هذا] القبيل، وبيانه أن الآية جيء بها لإخبار قوم استقرت بهم نعم جهلوا معطيها أو شكوا فيه، فاستقرارها - مشكوكة أو مجهولة - سبب للإخبار بأنها من الله، فيتحقق - إذن - أن الشرط والمشروط فهيا على بابه.
وقال الرضي: لا يلزم مع الفاء أن يكون الأول سببًا للثاني، بل اللازم أن
يكون ما بعد الفاء لازمًا لمضمون ما قبلها، كما في جميع الشرط والجزاء، ففي قوله تعالى:{وما بكم من نعمة فمن الله} [كون النعمة من الله] لازم؛ لحصوله معنى فلا يغونك قول بعضهم: إن الشرط سبب للجزاء، وسيأتي تحقيقه في الكلام على الشرط والجزاء إن شاء الله تعالى.
«أو» موصولًا «بفعل صالح للشرطية» نحو: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} ، فـ ـ (ما) فيه موصولة لا شرطية، بدليل سقوط الفاء في قراءة نافع وابن عامر فلو كان الفعل غير صالح للشرطية: - كأن يكون ماضيًا معنى نحو: الذي زارنا أمس له كذا - امتنع دخول الفاء في الخبر، وأجازه بعضهم تمسكًا بقوله تعالى:{وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} -، وأول بأنه على معنى التبين، كأنه قيل: وما تبين إصابته إياكم، وكذا إذا كان الفعل مصدرًا بحرف استقبال: كالسين و (سوف) أو بـ ـ ـ (قد) أو بـ ـ ـ (ما) النافية يمتنع دخول الفاء في الخبر، ولم يشترط ذلك بعضهم، فيجوز عنده: الذي ما يأتيني فله درهم، وشرط بعضهم في الفعل أن لا يكون مسندًا إلى فاعل مختص، لئلا يسري التخصيص منه إلى الفعل، فلا يجوز عنده: الذي ألقاه فله درهم.
وفهم من كلام المصنف أن الصلة متى كانت غير شيء، من هذه الأمور الثلاثة - وهي الظرف وشبهه والفعل الصالح للشرطية - امتنعت الفاء، كالجملة
الاسمية، فلا يجوز نحو: الذي أبوه محسن فمكرم، خلافًا لابن السراج:
«أو نكرة» بالرفع عطف: إما على (الـ ـ ـ)، أو [على](غيرها).
يعني أن المبتدأ الذي تدخل الفاء على خبره أحد أشياء: إما (الـ ـ) أو (غيرها) أو نكرة «عامة موصوفة بأحد الثلاثة» إما الظرف نحو: رجل عنده حزم فسعيد، ويمتنع على هذا أن يقدر الظرف خبرًا في هذه الصورة، وإما شبه الظرف نحو: عبد الكريم فما يضيع، وإما فعل صالح للشرطية نحو: نفس تسعي في نجاتها فلن تخيب.
وخص ابن الحاجب ذلك بـ ـ (كل)، والصحيح التعميم؛ لأن النكرة في الإثبات تعم بقرينة، فلا مانع إذن «أو مضاف إليها» بالرفع عطفًا على موصوفة، فالمعنى: أو نكرة عامة مضاف إليها شيء «مشعر بمجازاة» فالتنكير والعموم مأخوذان في الصورتين، والضمير في (إليها) عائد إلى (النكرة) المتقدم ذكرها، وذلك نحو كل رجل عنده حزم فسعيد، إلى آخر الأمثلة السابقة «أو موصوف» بالرفع/ عطف على (نكرة)، أو على (الـ ـ). «بالموصول» متعلق بـ ـ (موصوف)،
والأداة فيه للعهد، أي بالموصول. «المذكور» كقوله تعالى:{والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح} ، وقوله تعالى:{قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم} ، قال الشاعر:
صلوا الحزم، فالخطب الذي تحسبونه *** يسيرا فقد تلقونه متعسرًا
وفي ذلك خلاف، احتج المجيز بالآيتين الشريفتين والبيت، وبأن الصفة والموصوف كشيء واحد.
ورد القياس بأنه لو صح للزمت موافقة يونس في إجازة: وازيد الطويلاه، والاحتجاج بالبيت بأنه محتمل لزيادة الفاء فيه، كما قال:
............................. *** والصغير فيكبر
وأما الآية الأولى، فيحتمل كون (اللاتي) هو الخبر، وما بعد الفاء جملة مرتبطة
[بالفاء] بالتي قبلها، ويحتمل كون (للاتي) مبتدأ ثانيًا، ودخلت الفاء في خبره؛ لأنه موصول، ثم الجملة من الموصول وخبره خبر (القواعد)، والرابط محذوف، أي اللاتي لا ترجون فيهن نكاحًا، وتكون (القواعد) على قسمين مختلفي الحكم، [وأما على جعلهما مبتدأ وخبرًا فهما قسم واحد]، وأما على جعلهما منعوتًا ونعتًا، فإن قدرنا النعت كاشفًا، فكما لو قدرتهما مبتدأ وخبرًا، وإن قدرناه موضحًا ومخصصًا، فكما لو قدرت مبتدأين.
وأما الآية الثانية فيحتمل أن الموصول خبر لا صفة. واعترض: بأنه لا فائدة فيه حينئذ.
وأجيب: بأنهم كانوا يقولون: إن فرارهم لغير ذلك، بدليل:{يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارًا} ، فأخبر عنهم بأنهم [إنما] يفرون من الموت، وقيل:(الذي) بدل من (الموت)، كأنه قيل: الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم. «أو مضاف إليه» برفع (مضاف)، على أنه عطف على (موصوف) من قوله:(أو موصوف بالموصول)، يعني: أو مضاف إلى الموصوف بالموصول مثل
غلام الرجل الذي يأتيني فله درهم.
ومثل ابن قاسم بقولك: غلام الذي يأتيني فله درهم، وبقول زينب بنت الطثرية ترثي أخاها:
يسرك مظلومًا ويرضيك ظالمًا *** وكل الذي حملته فهو حامله
وإنما الكلام في المضاف إلى الموصوف بالموصول، لا في المضاف إلى الموصول.
واعلم أن بعضهم قال: لابد - في دخول الفاء في الخبر - من اشتراط أن يكون الخبر مفردًا أو جملة يصح دخول فاء الجزاء عليها، فلا تدخل في نحو قوله تعالى:{والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم} ، كما لا تدخل في نحو: إن جئتني أكرمتك.
وانظر إلى عظم الفصل بهذه الجملة الاعتراضية، أعني:{وهو الحق من ربهم} ما أعلاه.
«وقد تدخل» الفاء «على خبر (كل) مضاف إلى غير موصوف» لمضارعته لكلمات الشرط في الإبهام، كما جاء في بعض الأذكار المأثورة عن السلف: كل نعمة فمن الله.
وانظر وجه قول المصنف: (مضاف) بالتنكير والجر، فإنه في النسخة التي بين يدي الآن كذلك، ولا يصح كونه صفة لـ ـ كل)؛ لأنه معرفة؛ لما تقرر من أن الكلمات التي يراد منها مسمياتها الألفاظ أعلام لها، نحو: زيد اسم، وقام فعل، ومن حرف جر. «أو» مضاف «إلى موصوف بغير ما ذكر» كقول الشاعر:
كل امر مباعد او مدان
…
فمنوط بحكمة المتعالي
«و» قد تدخل الفاء أيضًا «على خبر موصول غير واقع موقع (من) الشرطية ولا (ما) أختها» نحو: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} .
فإن مدلول (ما) معين، ومدلول (أصابكم) محقق المضي، فانتفت مشابهة الشرط معنى، لكنه اعتبر فيه مجرد الشبه اللفظي، فإن/ (ما) الموصولة شبيهة بـ ـ ـ (ما) الشرطية لفظًا، وكذا ما وقع [في] الحديث:(الذي يشق رأسه فكذاب) فإن هذا إخبار عن معين، لكن روعي مشابهة لفظ (الذي) المراد به الخصوص للفظ (الذي) المراد به العموم، وللعرب مذهب معروف في رعاية المشابهة، اللفظية وقد علمت أن ثم من منع ذلك وأول الآية بما تقدم. «ولا تدخل» الفاء «على خبر غير ذلك، خلافًا للأخفش» فإنه أجازه تمسكًا بقوله:
وقائلة: خولان فانكح فتاتهم *** وأكرومة الحيين خلو كما هيا
وهو محمول عند سيبويه على أن (خولان) خبر مبتدأ محذوف، أي هذه خولان، أو هؤلاء خولان فانكح فتاتهم، وتمسكًا بقول الآخر:
أرواح مودع أم بكور *** أنت فانظر لأي ذاك تصير
وهو محمول عندهم على أن (أنت) فاعل فعل مقدر يفسره المذكور.
«ويزيلها نواسخ الابتداء» أي: يزيل جواز دخول افاء، أو يزيل حكم الفاء، ولابد من تقدير أحد هذين الأمرين؛ لأنه ليس المراد أن نواسخ الابتداء دخلت على تركيب فيه هذه الفاء فأزالتها، وإنما المراد أنها دخلت تركيب كان جواز دخول الفاء ثابتًا فيه فأزالت الجواز باقتضائها المنع، ولك - حينئذ - أن تقدر محذوفًا: إما مضافين أو مضافًا واحدًا كما ذكرنا، فلا يصح أن تقول: كان الذي يأتيني فله درهم، ولا ليت الذي أنصحه فهو يقبل؛ لزوال المجوز لدخول الفاء، وهو شبه الشرط (من حيث أن كلمة الشرط) لازمة التصدير، فلا [يعمل] فيها ما قبلها.
«إلا إن» بالكسر» وأن» بالفتح «و (لكن) على الأصح» فإنهن لا يزلن جواز دخول الفاء؛ وذلك لأنهن لما لم يغيرن معنى الابتداء لم يعت
بهن، والمانع هو الأخفش في أحد قوليه، ورد عليه بأن شهادة السماع قائمة على خلاف ما قال، ففي التنزيل:
{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم} ، {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم} ، {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم} ، {واعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول} .
وقال الأفوه:
فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم *** ولكن ما يقضي فسوف يكون
وظاهر كلام المصنف أنه لا خلاف في غير الثلاثة، وقد حكي في (لعل) قول ضعيف، وصرح ابن الحاجب بأن (ليت) و (لعل) مانعان باتفاق.
قال: لأنه يؤدي إلى تناقش معنوي، وذلك أن خبر (ليت) و (لعل) غير محكوم عليه بالصدق والكذب، وما يقع بعد الفاء خبر محض، وجزاء الشرط يجب أن يكون قضية خبرية معلقة بالشرط؛ لأن الإنشاء ثابت، والثابت لا يقبل تعليقًا، وقولنا: أنت حر إن دخلت الدار، إنشاء التعليق [لا تعليق] الإنشاء.
قال الرضي: وليس بشيء؛ لصحة قولك: إن جاء زيد فاضر به، قال تعالى:{إن الذين يكفرون بأيات الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم} .
قلت: نظر إلى صورة وقوع الإنشاء جزاءً، وابن الحاجب لا يمنع وقوعه من هذه الحيثية، إنما الممنوع عنده - فيما يظهر من كلامه - وقوع الإنشاء لفظًا ومعنى [جزاء] من غير تأويل؛ لعدم إمكانه؛ وذلك لأنك إذا قلت: أكرم زيدًا، فهو يدل بظاهره على طلب في الحال لإكرام زيد في الاستقبال، فيمتنع تعليق الطلب الحاصل في الحال على حصول ما يحصل في المستقبل، إلا إذا أول بأن يحمل اللفظ بواسطة القرينة على الطلب/ في الاستقبال، كما في الجملة الاسمية، وأما الإكرام: فإما أن يعلق على الشرط من حيث هو مطلوب، كأنه قيل: إذا جاءك زيد فإكرامه مطلوب منك، فيلزم - مع ما ذكر من انتفاء الطلب في الحال - تأويل الطلبي بالخبري. وإما أن يعلق عليه من حيث وجوده، والطلب حاصل في الحال كأنه قيل: إذا جاءك زيد يوجد إكرامك إياه مطلوبًا منك في الحال، فيلزم تأويل الطلبي بالخبري، وأن لا يكون للطلب تعلق بالشرط أصلًا.
وبالجملة: لا يمكن جعل الطلبي جزاءً بلا تأويل إلى خلاف ظاهره.
ويتفرع عن التأويل وعدمه (احتمال الصدق والكذب وعدمه) في الشرطية.
التي جزاؤها، وإن كان الطلب في نفسه لا يحتملها، وقد مر - فيما سلف من الكلام على الخبر - شيء من ذلك.