الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحروف المشبهة بليس
«فصل» في الكلام على (ما) الحجازية وما ألحق بها، وعلى مواضع تزايد فيها (إن) والباء، وعلى أمور تتعلق بـ (ليس).
«ألحق الحجازيون» وكذا التهاميون فيما حكاه الكسائي «بـ (ليس)» في إدخالها ناسخة على المبتدأ، فترفعه ويسمى اسمها، والخبر، فتنصبه ويسمى خبرها «(ما) النافية» فعملت العمل المذكور، وكان الأصل أن لا تعمل كما في لغة المهملين لها، وهم تميم، قاله/ سيبويه، وقال المصنف: هم غير الحجازيون. ورد بما نقله الكسائي عن أهل تهامة من إعمالها، كما مر. إذ قياس العوامل أن تختص بالقبيل الذي تعمل فيه من الاسم والفعل، لتكون متمكنة بثبوتها في مركزها، و (ما) مشتركة بين الاسم والفعل، لكن الحجازيون أعملوها مع عدم الاختصاص؛ لقوة مشابهتها لـ (ليس)؛ لأن معنييهما في الحقيقة سواء «بشرط تأخير الخبر» ظرفًاكان أو غيره، نحو: ما قائم زيد، وما عندك بكر، وما في الدار خالد؛ وذلك لضعفها في العمل، فلا تتصرف بأن تعمل النصب قبل الرفع. «وبقاء نفيه» أي نفي
الخبر؛ لأن عملها إنما كان لأجل النفي الذي شابهت به، فكيف تعمل مع زوال المشابهة بانتقاض النفي! ! . «وفقد (إن)» لأنها تشابه (إن) النافية لفظًا فكأن (ما) النافية دخلت على نفي، والنفي أفاد الإيجاب فصارت [إن] كـ (إلا) الناقضة لنفى (ما) [في] نحو: ما زيد إلا منطلق. ويحتمل أنما منعت (إن) العمل لوقوع الفصل بين (ما) ومعمولها بغير الظرف. وهذا الشرط ذكر المصنف أنه متفق عليه، وليس كذلك، بل نقل غيره عن الكوفيين أنه لا يشترطظنوأنشد يعقوب:
بني غدانة ما إن أنتم ذهباَ *** ولا صريفًا ولكن أنتم الخزف
«وعدم تقدم غير ظرف أو شبهه من معمول الخبر» فلو تقدم معمول الخبر وهو غير ظرف أو شبهه بطل العمل كقوله:
وقالوا تعرفها المنازل من منى *** وما كل من وافى منىَّ
أنا عارف
فلو كان معمول الخبر ظرفًا أو شبهه جاز تقديمه مع بقاء العمل، تقول: ما عندك زيد جالسًا، وما في الدار عمرو قائمًا، وذلك للتوسع فيهما كما مر.
«و (إن المشار إليها» في قولنا: وفقد (إن)«زائدة كافة» لـ (ما) عن العمل «لا نافية» مؤكدة لـ (ما)«خلافًا للكوفيين» .
قال المنصف: وما زعموه من ذلك مردود بوجهين:
أحدهما: أنها لو كانت نافية مؤكدة لم تغير العمل [كما لم يغير العمل] تكرار (ما)، قال الراجز:
لا ينسك الأسى تأسيًا فما *** ما من حمام أحد معتصما
والثاني: أن العرب قد استعملت (إن) زائدة بعد (ما) الأسمية [الموصولة]
و (ما) المصدرية التوقيتية، لشبههما في اللفظ بـ (ما) النافية، فلو لم تكن المقترنة بـ (ما) النافية زائدة لم يكن لزيادتها بعد الموصولتين مسوغ. «وقد تزاد» (إن) «قبل صلة (ما) الاسمية» كقوله:
يرجي المرء ما إن لا يراه *** وتعرض دون أدناه الخطوب
«و» (ما)«الحرفية» كقوله:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته *** على السن خيرًا لا يزال يزيد
«و» [قد] تزاد (إن) أيضًا «بعد [إلا] الاستفتاحية» كقوله.
ألا إن سرى ليلي فبت كثيبًا أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا
«و» تزاد أيضًا «قبل مدة الإنكار» سمع سيبويه رجلًا من العرب يقال له:
أتخرج إن أخصبت البادية؟ ، فقال: أنا إنيه. منكرًا أن يكون رأيه على خلاف ذلك، وسيأتي فيه كلام في باب الحكاية إن شاء الله [تعالى].
«وليس النصب بعد (ما) لسقوط باء الجر، خلافًا للكوفيين» فإنهم زعموا أن (ما) لا عمل لها، وأن ما بعدها مبتدأ وخبر، وانتصاب الثاني بنزع الخافض، وهو باء الجر، وليس بشيء؛ لأن الباء زائدة، فإذا لم تثبت لم يحكم بزيادتها، وأيضًا ليس المجرور بها مفعولًا حتى ينتصب بالمفعولية مع حذف الجار ووصول الفعل إليه كما في:(استغفرت الله ذنبًا)؛ وذلك لأن الناصب ليس نزع الخافض، بل الناصب هو الفعل أو شبهه، فنصب المجرور محلًا؛ إذ لا يمكن نصبه/ لفظًا بسبب الجار، 174
فإذا عدم الجار ظهر عمله المقدر، هذا مع أن حذف الجار ونصب المفعول بعده أيضًا [ليس] بقياس، كما كان مع (أنْ) و (أنّ).
«ولا يغني عن اسمها» أي: اسم (ما)«بدل موجب، خلافاَ للأخفش» فإنه أجاز - في نحو: ما أحد قائمًا إلا زيد -[حذف][اسم (ما)، والاستغناء عنه ببدله الموجب بـ (إلا)، فتقول: ما قائمًا إلا زيد].
قال المصنف: ومثل هذا لو سمع من العرب لكان جديرًا بالرد؛ لأن المراد منه مجهول؛ لاحتمال أن يكون أصله: ما كان قائما إلا زيد.
وحكى غير المصنفجواز هذه المسألة عن الأخفش على وجه آخر، فادعى أن (إلا) داخلة على اسم (ما)، والمنصوب المقدم خبرها.
وهو أيضًا مردود بما فيه من إعمال (ما) غير مستكملة لشروط الإعمال، مع أن هذا التركيب لم يسمع. «وقد تعمل» (ما)«متوسطًا خبرها وموجبًا بإلا، وفاقًا لسيبويه في الأول، وليونس في الثاني» فيجوز: ما قائمًا زيد، وما زيد إلا قائمًا. فأما [ما] نسبه المصنف إلى سيبويه فهو محكي عن الجرمي، وزعم أنه لغة، وحكى:(ما مسيئًا من أعتب)، والذي قاله سيبويه:
وإذا قلت: ما منطلق عبدالله، و [ما] مسيء من أعتب، رفعت، ولا يجوز أن
يكون مقدمًا مثله مؤخرًا، كما أنه لا يجوز: إن أخوك عبدالله، على حد قولك: إن عبدالله أخوك؛ لأنها ليست بفعل. وهذا نص صريح في المنع، ثم إنه شبهه بشيء لا خلاف في منعه، ثم قال:
وزعم أن بعضهم قال: - وهو الفرزدق -
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم *** إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
ثم قال: وهذا لا يكاد يعرف. فهذا شيء لم يحكه سيبويه [عن العرب]، وإنما قال: وزعموا. فحكاه عن غيره، ثم نفى مقاربة عرفانه على حد قوله تعالى:{لم يكد يراها} ، والقولان عن الفراء. وزعم ابن عصفور الجواز إن كان الخبر ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، فيكون بمنزلة باب (إن).
وقال ابن معطى: - في (وإذ ما مثلهم بشر) قيل: إن (مثلهم) ظرف، وقد وجدت لذلك شاهدًا في كتاب الله تعالى، قرئ شاذًا:{إنكم إذًا مثلهم} ، أي في منزلتهم، وفي مثل حالهم، وكذا التقدير في البيت، أي: ما في مثل رتبتهم بشر. انتهى
ولا يقال: - في القراءة الشاذة - إنها مما وجد في كتاب الله [تعالى]، [إذ لا يثبت كتاب الله][تعالى] إلا بالقطع، ولا دليل في القراءة؛ لجواز البناء لإضافة (مثل إلى المبني، ولكن المصنف ينازع في ذلك.
وأما مسألة يونس فقد استشهد عليها بعضهم بقول الشاعر:
وما الدهر إلا منجنونا بأهله *** وما صاحب الحاجات إلا معذبًا
والمصنف بقول الآخر:
وما حق الذي يعثو نهارًا *** ويسرق ليله إلا نكالًا
وحكى ابن قاسم عن المصنف أنه قال: إن الاستشهاد بهذا أقوى من الاستشهاد بالبيت الأول.
فإن قلت: ما وجه ذلك؟ قلت: سلامة الثاني من الاحتمال الذي يتطرق إلى الأول؛ وذلك لإمكان تقدير حذف عند قوله: (منجنونا)، وجعل (معذبًا) مصدرًا ميميًا، والتقدير: وما الدهر إلا يدور دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا يعذب تعذيبًا. فهو مثل قولك: ما زيد إلا سيرًا. وهذا مفقود في الثاني.
فإن قلت: بل هو موجود فيه؛ إذ (نكالًا) مصدر، فيكون التقدير: وما حق المذكور إلا ينكل نكالًا و [قد] قدره ابن قاسم كذلك.
قلت: ليس الأمر كما تجعله، فإن المصدر في البيت الأول لا يصح الإِخبار به عن المسند إليه فيه؛ إذ الدهر ليس نفس الدوران، ولا صاحب الحاجات نفس التعذيب، فمن ثم احتيج إلى تقدير الناصب للمصدر تصحيحًا للإِخبار. وأما في البيت الثاني فيصح الإِخباربالمصدرعن المسند إليه، وهو الحق؛ إذ لو قلت: حق زيد النكال/، صح، وتقدير نصبه بالفعل على الوجه الذي قدرته غير متأت؛ إذ لا يجوز أن تقول: حق زيد ينكل، فإن ذهبت إلى تقدير (أن) لتصحيح الحمل لزم حذف الموصول وبقاء معمول الصلة، وهو محذور، هذا وجه ما قاله المصنف فيما ظهر لي، والله أعلم.
«والمعطوف على خبرها بـ (بل) و (لكن) موجب» ؛ لانهما للإِثبات بعد النفي؛ فنزول علة العملة، وهي النفي «فيتعين رفعه» على أنه معطوف على
محل خبر (ما)؛ لأنه لما بطل معنى النفي في المعطوف صار معطوف على اسم غير معمول للنفي، وإذا قدر الأول غير منفي - باعتتبار هذا المعطوف - فمحل الأول بالنسبة إلى هذا المعطوف رفع؛ لوجوب رفعه عند عدم النفي. وقال عبدالقاهر:[هو] خبر مبتدأ محذوف. أي ما زيد قائمًا بل هو قاعد.
وقضية هذا الكلام أن لا تكون المسألة مما نحن فيه، أي من باب عطف المفرد على المفرد.
قلت: وهذا هو الذي جزم به ابن قاسم ولم يذكر سواه، فإنه قال: وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، فتسميته معطوفًا تسامح واقتصر على ذلك.
وقال بعضهم: هو عطف على التوهم؛ لأنه كثيرًا ما يقع خبر (ما) موفوعًا عندما تنعزل عن العمل فتوهموا أن الأول مرفوع.
قلت: إذا انعزلت (ما) عن العمل لم يكن الخبر إلا مبتدأ محذوف محقق، فلا يقال: حينئذ هو خير (ما)، ولا نسلم أن خبر (ما) يقع مرفوعًا أبدًا، ثم العطف على التوهم ليس بمطرد ولا في سعة الكلام.
قال المصنف: وقياس قول يونس أن لا يمتنع نصب المعطوف بـ (بل) و (لكن).
في مثل: ما قام زيد بل عمرو، أي [بل] ما قام عمرو أن يصح: ما زيد قائمًا بل قاعدًا، ويختلف المعنى باعتبار النصب والرفع.
«ويلحق بها» أي: بـ (ما) أخت (ليس)«(إن) النافية» فتعمل عملها «قليلًا» ، وعل ذلك أكثر الكوفيين، وذهب إليه ابن السراج وأبو علي الفارسي وابن جني، ومنعه أكثر البصريين، واختلف النقل فيه عن سيبويه والمبرد، واختار المصنف القول بالإجازة؛ لمشاركة (إن) لـ (ما) في المعنى الذي عملت بسببه، وهو مشابهة (ليس)؛ ولثبوت السماع بإعمالها، فقد ثبت أنها [لغة] أهل العالية، قالوا: ] إن ذلك] نافعك ولا ضارك، بالنصب وإن أحد خيرًا من أحد إلا بالعافية، قال أعرابي: إن قائمًا، [يريد: إن أنا قائمًا].
فحذف همزة (أنا) اعتباطًا وأدغم النون في النون. وقرأ سعيد بن جبير: - فيما
حكاه ابن جني - {إن الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم} ، وتوهم أبو حيان وكثير من تلامذته أن هذه القراءة مخالفة للقراءة المشهورة - بتشديد النون ورفع (عباد) و (أمثالكم) - إذ مقتضاها إثبات مماثلة المدعوين من دون الله لأولئك المخاطبين، ومقتضى قراءة ابن جبير نفي المماثلة وليس ما توهموه بصحيح؛ لإمكان جعل [المماثلة] المثبتة في القراءة المشهورة باعتبار العبودية، أي أن هؤلاء الذين تدعونهم آلهة مماثلون لكم في كونهم مربوبين متسمين بسمة العبودية لله، والمماثلة المنفية في القراءة الأخرى باعتبار الإنسانية، [أي ليس هؤلاء الذين تدعونهم من \ون الله مماثلين لكم فيما اتصفتم][به][من الإنسانية]؛ إذهم جماد، وأنتم عقلاء، فلكم عليهم على في المرتبة، فكيف تعبدونهم وتتخذونهم آلهة، وهم دونكم! ! .
ومما استشهد [به] على إثبات هذه اللغة/ قول الشاعر:
إن هو مستوليًا على أحد *** إلا على أضعف المجانين
وقول الآخر:
إن المرء ميتًا بانقضاء حياته *** ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا
«و» يلحق أيضًا بـ (ما) أخت (ليس) في العمل المذكور «(لا) كثيرًا» ، ونوزع المصنف في دعوى الكثرة، بأن الأمر بالعكس؛ بل لو ذهب ذاهب إلى أن (لا) لا تعمل عمل (ليس) لكان حسنًا؛ إذ لا يحفظ ذلك في نثر أصلًا، ولا في نظم سوى قول الشاعر:
تعز فلا شيء على الأرض باقيًا *** ولا وزر مما قضى الله واقيا
وقول الآخر:
نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل *** فبوّئت حصنًا بالكماة حصينا
والمصنف أنشد أبياتًا أخر، لكنها محتملة للتأويل، وعلى الجملة ففي عمل (لا) عمل (ليس) ثلاثة أقول:
الجواز: وهو مذهب سيبويه ومن وافقه. والمنع: وإليه ذهب الأخفش والمبرد. والثالث أنها عاملة في الاسم، وهما جميعًا في موضع الابتداء، ولا تعمل في الخبر أصلًا، حكاه ابن ولاّد عن الزجاج، وسماع نصب الخبر يبطله، كما يبطل مذهب القائلين بالمنع مطلقًا، والنزاع إنما هو في دعوى الكثرة كما تقدم. «ورفعها معرفة نادر» ، كما في قول النابغة [الجعدي]:
وحلت سواد القلب لا أنا باغيا *** سواها ولا عن حبها متراخيا
قال المصنف: والقياس عندي على هذا سائغ. قلت: هذا - مع اعترافه بالندور - مشكل.
[قال]: وقد قاس عليه المتنبي في قوله:
إذا الجود لم يرزق خلاصًا من الأذى *** فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيا
وقد أجاز ابن جني إعمال (لا) في المعرفة، ذكر ذلك فى كتاب التمام. هذا كلام المصنف، والمانعون تأولوا بيت النابغة [الجعدي] بحذف فعل أو خبر، أي: لا أرى باغيًا، بالبناء للمفعول، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير النائب عن الفاعل أو التقدير: لا أنا أرى باغيًا. وعليهما فنصب (باغيًا) على الحال، لا على أنه خبر (لا)، فلا دليل فيه.
وقد ذكر المصنف هذين التأويلين في شرح الكافية، وأشار إليهما فيها «وتكسع (لا)» النافية، أي: يؤتى في آخرها «بالتاء» ، إما لتأنيث اللفظ، كما في (ثمت) و (ربت)، وعلى هذا فهي ساكنة [في] الأصل، لكنها
حركت لالتقاء الساكنين. وإما للمبالغة في النفي، كما قاله الرضي، وعليه فهي محركة في الأصل، لا ساكنة.
قلت: ويشهد لهما - أعني لجواز كونها بحسب الأصل ساكنة أو متحركة - وقفهم عليها بالتاء وبالهاء.
قال الرضي: وبهذه الزيادة قويت مشابهتهما في اللفظ لـ (ليس)، إذ صارت على عدد حروفها ساكنة الوسط «فتختص» حين كسعها بالتاء وصيرورة اللفظ (لات)«بالحين» .
قال الفراء: ولا تتعدى هذه اللفظة. وهو ظاهر قول سيبوبه.
وقال الفارسي وجماعة: بل تعمل أيضًا فيما رادف الحين. وإليه ذهب المصنف. فلذلك قال: «أو مرادفه» كالساعة والوقت والأوان كقوله:
ندم البغاة ولات ساعة مندم *** * [والبغي مرتع مبتغيه وخيم]
«مقتصرًا على منصوبها بكثرة» كقوله تعالى: {ولات حين مناص} في القراءة المشهورة بالنصب. «وعلى مرفوعها بقلة» كقراءة بعضهم: {ولات حين مناص} بالرفع، ولم يثبتوا بعدها الاسم والخبر جميعًا.
«وقد يضاف إليها (حين) لفظًا» ، كقوله:
وذلك حين لات أوان حلم *** ولكن قبلها اجتنبوا أذاتي
وفي إطلاق القول بأن لفظ (حين) أضيف إلى (لات) مسامحة، وإنما هو مضاف إلى الجملة المصدرة بـ (لات). «أو تقديرًا» كقوله:
تذكر حب ليلى لات حينا *** ....................
أي: حين لات حينًا، فحذف الحين الأول، وسهّل حذفه ذكر الحين الثاني.
وردّ بالاستغناء عن هذا التقدير؛ إذ يصح المعنى بقوله:
تذكر حب ليلى حينا *** .........................
أي: لين الحين حين تذكر.
قلت: وقد يوجّه/ [بأن] جملة (لات) لم تقع بحسب [الاستقراء] إلا في موضع نصب على الحال، وهو الشائع، أو في موضع خفض حيث يضاف إليها الحين، ولا جائز أن تجعل الجملة حالية؛ لعدم الرابط، سواء جعلتها حالًا من الفاعل أو المفعول في قوله:
(تذكر حب ليلى ...... )، فتعين تقدير (حين) ليوفر على (لات) حقها الثابت لها في الاستعمال، ومن ادعى أنها تستعمل خارجة عن الوجهين فعليه إثباته ولو بشاهد واحد، ولن يجد فيما أظن.
«وربما استغني مع التقدير عن (لا) بالتاء» ، كقوله:
العاطفون تحين ما من عاطف *** والمطعمون تحين ما من مطعم
أراد: حين لات ما من عاطف، فحذف (حين) مع (لا) وهذا أولى من قول من قال [إنه] أراد: العاطفونه - بهاء السكت - ثم أثبتها وأبدلها تاء. كذا قال المصنف.
ونظير حذف (لا) قوله تعالى: {تالله تفتؤا} ، وهو كثير، إلا أنه هنا ضعيف؛ لأن فيه حذف الحرف الناسخ وبقاء معموله؛ ولأن فيه إجحافًا بحذف شيئين، وكأن الذي سهل ذلك أن القاعدة: أن المرفوع بالفعل إنما يحذف تبعًا لحذف عامله، والفعل أصل في العمل، فلما كان المرفوع محذوفاَ سهل حذف الرافع ليصيرا بتلك المنزلة. كذا قال ابن هشام، وفيه نظر.
وبعضهم يزعم أن التاء مزيدة مع الحين لا في هذا البيت على الخصوص، بل هو جوابه في قوله تعالى:{ولات حين مناص} ، وهو منقول عن أبي عبيدة، وتبعه
ابن الطراوه، واستضعفه الرضي لعدم شهرة (تحين) في اللغات، واشتهار (لات حين)، وأيضًا فإنهم يقولون:(لات أوان)، ولات هنا. ولا يقال: تأوان، ولا تهنا.
«وتهمل (لات) على الأصح إن وليها (هنا)» ، بفتح الهاء، كقوله:
حنت نوار ولات هنا حنت *** وبدا الذي كانت نوار أجنّت
قال المصنف: فلا عمل للات في هذا وأشباهه، ولكنها مهملة، و (هنا) في موضع نصب على الظرفية، والفعل بعدها صلة (أن) محذوفة، و (أن) وصلتها في موضع رفع بالابتداء، والخبر (هناّ) كأنه قال: ولا هنالك حنين. كذا قال أبو علي انتهى.
فإن قلت: (هنا) ظرف زمان، [فهو] بمعنى الحين، فلم لا تجعل (لات) عاملة فيه كما نقل عن أبي علي في أحد قوليه؟ والمعنى: حنت نوار وليس الوقت
وقت حنينها ولا حاجة مع هذا إلى تقدير (أن) المصدرية؛ إذ اسم الزمان يضاف إلى الجملة من غير تقديرلـ (أنْ)، وذلك نحو:{هذا يوم لا ينطقون} .
قلت: يلزم عليه إضافة اسم الإشارة، وهو محذور، فانظر ماذا يصنع أبو علي في أحد قوليه: إن (لا) عاملة؟ ، على أن الرضي صرح بأن (هنا) ظرف زمان مضاف إلى (حنت) ظنفإن كان مع التزام أنه اسم إشاره فمشكل، وإن كان مع ادعاء تجرده عن الإشارة فيحتاج إلى ثبت، فتأمله.
«ورفع ما بعد (إلا) في نحو: ليس الطيب إلالمسك، لغة تميم» حكىذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفي، فجاء فقال: ياأبا عمرو ما شيء بلغني عنك! ! ثم ذكر ذلك له، فقال له أبو عمرو:(نمت وأدلج الناس)، ليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازى إلا وهو ينصب، ثم قال لليزيدي ولخلف الأ؛ مر اذهبا إلى أبي
مهديّ فلقناه الرفع، فإنه لا يرفع، وإلى المنتجع التميمي فلقناه النصب فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدا بكل منهما أن يرجع عن لغته، فلم يفعل، وأخبروا أبا عمرو، وعيسى عنده، فقال له عيسى: بهذا فقت الناس. «ولا ضمير في (ليس) خلافًا لأبي علي» ، فإنه جوز أن يكون في (ليس) ضمير الشأن، ولو كان كما قال لوقعت (إلا) صدر الجملة الاسمية، إذ هى الخبر، وكان يقال: ليس إلا الطيب/ المسك.
وجوابه - بأن (إلا) قد توضع في غير موضعها، نحو:{إن تظن إلا ظنًا} ونحوه:
..................... *** [وما اغتره الشيب إلا اغترارًا
أي: إن نحن إلا نظن ظنًا]، وما اغتره اغترارًا إلا الشيب؛ لأن الاستثناء المفرغ لا يكون في المفعول المطلق التوكيدى لعدم الفائدة فيه - مندفع بأنا لا نسلم أنه توكيدي، بل هو نوعي على حذف الصفة، أي إلا ظنًا ضعيفًا، وإلا اغترارًا عظيماَ.
وخرج أيضًا على أن (الطيب) اسمها، وأن خبرها محذوف أي: في الوجود، وأن (المسك) بدل من اسمها.
قال الرضي: ويشكل ذلك بلزوم حذف خبرها بلا ساد مسده، ولم يثبت لزوم حذف الخبر في مثله. [قاله الزمخشري].
وخرج أيضًا كالوجه الثاني ولكن (إلا المسك) نعت الاسم؛ لأن تعريفه تعريف الجنس، أي ليس طيب غير المسك موجودًا.
ولأبي نزار، - الملقب بملك النحاة - توجيه آخر، وهو أن (الطيب) اسمها، و (المسك) مبتدأ حذف خبره، والجملة خبر (ليس)، والتقدير: إلا المسك أفخره.
قال ابن هشام: وما تقدم من نقل أبي عمرو أن ذلك لغة تميم يرد هذه التأويلات.
«ولا يلزم حالية المنفي بـ (ليس) و (ما)، على الأصح» من المذاهب الأربعة المصرح بنقلها في (ليس):
أحدها: أن النفي بها لا يتقيد، بل هي للنفي مطلقًا.
الثاني: أنها لنفي الحال، وقد تنفي المستقبل؛ لأن العرب شّركوا بينهما في صيغة واحدة. قاله المبرد، والسيرافي، والصيمري، وابن درستويه.
الثالث: أنها مختصة بالحال، فلا يجوز: ليس زيد قائمًا غدًا. قال الزمخشري.
الرابع: أنها لنفي الحال في الجملة المطلقة، فإن قيدت كان نفيها بحسب ذلك القيد، وهو الصحيح.
والظاهر أن هذه المذاهب الأربعة في (ما)، وأنت خبير بأن عبارة المصنف تعطي مخالفة الزمخشري قطعًا، ولا يفهم [منها] وراء ذلك اختيار قول معين من الأقوال الثلاثة الأخر، فتأمله.
«وتزاد الباء كثيرًا في الخبر المنفي بـ (ليس)» نحو: {أليس الله بكافٍ عبده} . «و (ما) أختها» ، وهي الحجازية، نحو:{وما ربك بظلم للعبيد} ، {وما الله بغافل عما تعملون} .
فإن قلت: لم جعلت (ما) في الآيتين حجازية لا تميمية؟
قلت: لأن الخبر لم يجيء في التنزيل مجردًا من الباء، إلا وهو منصوب، نحو:{ما هن أمهاتهم} ، {ما هذا بشرًا} ، فيحمل المشكوك على المتيقن.
وتخصيص المصنف (ما) أخت (ليس) بالذكر دون (لا 9 أختها فيه إشارة إلى ان الباء لا تزاد في خبر (لا) المذكورة.
وقد نص ابن السراج على جواز زيادة الباء فيه، وأنشد قول سواد بن قارب.
وكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة *** بمغن فتيلًا عن سواد بن قارب.
قيل: ولا حجة [له] فيه؛ لاحتمال أن تكون (لا) ملغاة، ولم تكرر للضرورة.
«وقد تزاد» الباء أيضًا «بعد [نفي] فعل ناسخ للابتداء» كقول الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن *** ** بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
وقول الآخر:
دعاني أخي والخيل بيني وبينه *** فلما دعاني لم يجدني بقعدد
«وبعد (أولم يروا أن» نحو: {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض
ولم يعى بخلقهن بقادرِ}؛ وذلك لأنه في معنى: أو ليس الله بقادر. «وشبهه» .
قال ابن قاسم: ولم يذكر المصنف له مثالًا، ويمكن أن يمثل له بما أجازه الزجاج، قال: لو قلت: ما ظننت أن زيدًا بقائم، لجاز. «وبعد (لا) التبرئة» نحو:(لا خير بخير بعده النار) إذا لم تجعل الباء ظرفية كذا قيل، ومع قيام هذا الاحتمال الظاهر لا يمكن الاستدلال/ به على المطلوب «و» بعد «هل» كقوله:
......................... *** ألاهل أخو عيش لذيذ بدائم؟
«و» بعد «(ما) المكفوفة بـ (إن)» نحو: ما إن زيد بقائم.
«و» بعد «(ما) «التميمية، خلافًا لأبي علي» الفارسي «والزمخشري» بناء منهما على أن المقتضي لزيادة الباء نصب الخبر، وليس كذلك، فإن المقتضي نفيه. «وربما
زيدت في الحال المنفية» كقوله:
فما رجعت بخائبة ركاب *** حكيم بن المسيب منتهاها
كائن دعيت إلى بأساء داهمة *** فما انبعثت بمزؤود ولا وكل
وخالف أبو حيان في ذلك، وخرج البيتين على أن التقدير: بحاجة خائبة، وبشخص مزؤود، أي مذعور، ويريد بـ (المزؤود) نفسه، على حد قولهم: رأيت منه أسدًا.
قال ابن هشام في المغني: وهذا التخريج ظاهر في البيت الأول دون الثاني؛ لأن
صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها؛ ولهذا قيل: - في {
…
وما ربك بظالم للعبيد} - إن (فعالًا) هنا ليس للمبالغة، وإنما هو للنسب كقوله:
..................... *** * وليس بذي سيف وليس بنبال
أي وما ربك بذي ظلم، ولا يقال: لقيت منه أسدًا أوبحرًا أو نحو ذلك إلا عند المبالغة في الوصف بالإقدام والكرم.
قلت: تسليمه [لظهور] التخريج في البيت الأول غير جيد؛ لما فيه من حذف الموصوف بدون دليل عليه، وقدحه في تخريج البيت الثاني كذلك؛ لأن النفي إنما يتسلط على قيد الفعل مع ثبوت أصله، أي فانبعثت بشخص غير مزؤود ولا وكل، يعني نفسه، بالغ في اتصافه بالشجاعة والنهضة حتى انتزع من نفسه شخصيًا
لاذعر عنده، ولا كل، فكيف يتم ما قاله! ! .
«و» ربما زيدت الباء أيضًا في «خبر إنّ» كقول امرئ القيس.
فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها *** فإنك مما أحدثت بالمجرب
«و» خبر «لكن» كقوله:
ولكنّ أجرًا لو فعلت بهين *** وهل ينكر المعروف في الناس والأجر
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة *** ولا ناعب إلا ببين غرابها
وهذا هو المعروف عندهم بالعطف على التوهم، وفى كونه [مقيسًا] خلاف، وظاهر كلام المصنف أنه ينقاس، والذي عليه جمهور النحاة أنه غير مقيس.
واحترز المصنف بقوله: (الصالح للباء) من [نحو] قولك: ليس زيد إلا قائمًا، فلا يجوز جر المعطوف عليه أصلًا.
«ويندر ذلك» أي جر المعطوف على الخبر المذكور. «بعد غير (ليس)
و (ما)» كقوله:
وما كنت ذا نيرب فيهم *** ولا منمش فيهم منمل
أي: وما كنت بذي نيرب ولا بمنمش، فقد جر في غير (ليس)[وم (ما)، وهو نادر، أما فعل ذلك مع (ليس) و (ما) فغير نادر، وقد تقدم شاهد (ليس)]، ومثال ذلك بعد (ما) قول الاعر
ما الحازم الشهم مقدامً ولا بطل *** إن لم يكن للهوى بالعقل غلابا
«وقد يفعل ذلك» ، أي الجر على التوهم «في المعطوف على منصوب
اسم الفاعل المتصل» بحيث لا يكون بين المنصوب واسم الفاعل فاصل كقوله:
فظل طهاة اللحم من بين منضج *** صفيف شواء أو قدير معجل
فعطف (قدير) بالجر على (صفيف) الذي هو منصوب اسم الفاعل المتصل به، وهو (منضج) على توهم الإِضافة، كأنه قيل: من بين منضج صفيف.
بإضافة (منضج) إلى (صفيف)، فعطف عليه بالجر.
وهذا الذي اختاره المصنف هو ممنوع عند المغاربة، والبيت عندهم مؤول على حذف المضاف، أي وطابخ قدير. و (أو) على التقديرين/ بمعنى الواو.
وإنما شرط المصنف الاتصالبين المنصوب واسم الفاعل، لأنه لو وقع الفصل بينهما امتنعت المسألة، فلا يجوز أن تقول: : من بين منضج بالنار صفيف شواء أو قدير. بالجر، لأن الفاصل رافع لتوهم الإِضافة الذي كان سببًا في الجر.
«وإن ولي العاطف بعد خبر (ليس) أو (ما) وصف يتلوه سببي» نحو: ليس زيد قائمًا ولا ذاهبًا أخوة «أعطي الوصف ماله مفردًا» فينصب أو يجر على التوهم. «ورفع به السببي» وهو (أخوة) في المثالين «أو جعلا مبتدأ وخبرًا» فترفعهما جميعًا، فتقول: ولا ذاهب أخوة، ويتطابق الوصف حينئذ والمبتدأ، فتقول: ولا ذاهبان أخواه، ولا ذاهبون أخوته. ولك في الوصف وجه آخر، وهو أن يموت مبتدأ، والسببي فاعلًا به أغنى
عن الخبر على رأيهم؛ لاعتماده على حرف النفي
«وإن تلاه أجنبي عطف بعد (ليس) على اسمها، والوصف على خبرها» ، فتقول: ليس زيد قائمًا ولا ذاهباَ عمرو، فتعطف الوصف - وهو (ذاهبًا) - على خبرها، وهو (قائمًا)، وتعطف الأجنبي - وهو (عمرو) –على اسمها وهو (زيد).
«وإن جر بالباء جاز - على الأصح - جر الوصف المذكور» فتقول: ليس زيد بقائم ولا ذاهب عمرو، وهذا مذهب الأخفش، وأما سيبويه فيمنع [من] ذلك، واستعمال العرب يشهد للأخفش، قال الشاعر:
وليس بمعروف لنا أن نردها *** صحاحًا ولا مستنكر أن تعقّر
وقد تظن أن هذها من العطف على معمولي عاملين، وليس كذلك، لأن جر المعطوف بباء مقدرة مدلول عليها بالمتقدمة كذا قال المصنف.
«ويتعين رفعه» أي رفع الوصف المعطوف، والأجنبي مرفوع بالفرض، فيرفعان جميعاَ «مع (ما)» [سواء] نصبت خبرها أو جررته بالياء؛ لأن خبرها لا يتقدم على اسمها، فكذا خبر ما عطف على اسمها، فيرجع العطف حينئذ إلى عطف الجمل كقول الفرزدق:
لعمرك ما معن بتارك حقه *** ولا منئ معنٌ ولا متيسّر