المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌«فصل»: يذكر فيه بعض أحكام الخبر في هذا الباب، وأمور يختص بها بعض أفعاله - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٣

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌«فصل»: يذكر فيه بعض أحكام الخبر في هذا الباب، وأمور يختص بها بعض أفعاله

ولا حيلة لأبي حيان في هذا.

وقد يقال: إن أراد المصنف النكرة المحضة، فلم مثل بـ ـ ـ (إن قريبًا منك .... ) ( .... ولا يك موقف منك

)، لأنهما موصوفان، وإن أراد النكرة [غير] المحضة فليس ذلك بقليل، ومنه:{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} ، وقد يمنع انتفاء القلة عن هذا النوع بالنسبة إلى غيره.

قلت: فينبغي أن يقال: مراده مطلق النكرة، فلا يرد عليه ما ذكره، فتأمله.

«فصل» : يذكر فيه بعض أحكام الخبر في هذا الباب، وأمور يختص بها بعض أفعاله

.

«يقترن بإلا» أي الاستثنائية «الخبر المنفي» بحرف نحو: ما كان زيد إلا قائمًا، أو بفعل نحو: ليس زيد إلا قائمًا، فإن أصلهما قبل دخول حرف الإيجاب: ما كان زيد قائمًا، وليس زيد قائمًا، فالخبر في الأول منفي بحرف، وفي الثاني بفعل، فلما قصد إيجابهما دخلت عليهما (إلا).

قال ابن قاسم: ودخل في الخبر ثاني مفعولي (ظننت) نحو: ما ظننت زيدًا إلا قائمًا، وثالث مفاعيل (أعلم) نحو: ما أعلمت زيدًا فرسك إلا سابقًا.

ص: 210

قلت: الظاهر أن مراده بالخبر ما يقع خبرًا للأفعال الناقصة، لأنها هي المتحدث عنها في هذا الباب، فلا يدخل ما ذكره.

والمنفي - في قولنا: كان زيد لا يقوم - جزء الخبر، لا [مجموعة؛ إذ] مجموع الخبر هو (لا يقوم)، وليس بمنفي، فلا يدخل تحت عبارته. «إن قصد إيجابه» أي: إيجاب الخبر، وهو مقيد مستغني عنه، كالقيد في مثل قولك: يدخل حرف الاستفهام [إن قصد الاستفهام]. ثم ذلك يغني عن القيد الآتي؛ إذ لا يقصد إيجاب غير القابل.

«وكان قابلًا» للإيجاب، احترازًا من نحو: ما كان مثلك أحدًا، فلو قرنته بـ ـ ـ (إلا) امتنع؛ لأنه لا يقع في الإيجاب.

«ولا يفعل ذلك» أي: الاقتران بـ ـ ـ (إلا). «بخبر برح وأخواتها» ، وهي (ظال) و (انفك) و (فتيء) و (فتأ) و (أفتأ) و (ونى) و (رام) مرادفتاهما.

وكان حق المصنف/ أن يعطف هذا بالفاء لا بالواو فيقول: فلا يفعل .... ؛ لأنه حكم مسبب عن الأول. «لأن نفيها إيجاب» من حيث المعنى، والاستثناء المفرغ لا يكون إلا في النفي، وقل مجيئه في الإثبات حيث يصح المعنى، وكلاهما

ص: 211

منتف في مثل ذلك، ألا ترى أنك إذا قلت: ما زال زيد إلا عالمًا، لم يكن ثم نفي من حيث المعنى، ولا وجه لصحة الكلام؛ لاستحالة استمرار زيد على جميع الصفات إلا العلم. «وما ورد منه بـ ـ ـ (إلا) مؤول» ، كقول ذي الرمة:

حراجيج ما تنفك إلا مناخة *** على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا

ص: 212

وافترق الناس [في الكلام] على هذا البيت، فمنهم من أخلد إلى العجز عن تأويله، وتعلل بقول الأصمعي: ذو الرمة لا يحتج بشعره. فأقدم على تخطئته غير مبال بذلك، والجمهور على الاحتجاج بكلامه، وعلى هذا فمنهم من خرج البيت على زيادة (إلا)، وهو رأي أبي الفتح بن جني.

قال ابن قاسم: وهو ضعيف، فإن (إلا) لم تثبت زيادتها.

قلت: قد، جوزه الواحدي في البسيط في قوله تعال:{كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} ، وأنشد عليه [قول] الفرزدق:

ص: 213

هم القوم إلا حيث سلوا سيوفهم *** وضحو بلحم من محل ومحرم

وخرجه ابنا خروف وعصفور [والمصنف] على أن (تنفك) تامة بمعنى: ما تنفصل عن التعب، أو ما تخلص منه. فنفيها نفي، و (مناخه) حال، أي لا تنفك عن التعب إلا في حال إناختها على الخسف، وهو حبسها على غير علف، يريد أنها تناخ معدة للسير، فلا ترسل من أجل ذلك إلى المرعى.

قال ابن قاسم: و (أو) بمعنى (إلى أن)، وسكن الياء للضرورة.

قلت: أحسن [منه] أن تجعل (أو) عاطفة، و (نرمي) عطفًا على (مناخه) نحو قوله تعالى:{صافات ويقبضن} ، وخرجه آخرون على أن (تنفك) ناقصة، خبرها (على الخسف)، أي معه، و (مناخة) حال. وفيه ضعف.

ص: 214

أما على تقدير أن يكون عامل الحال (تنفك) فمن وجهين:

أحدهما: أن المفرغ قلما يأتي في المثبت، وإن كان المستثنى فضلة أيضًا كالحال في مثالنا.

والثاني: أن ما قبل (إلا) لا يعمل 0 عند البصريين - فيما بعد المستثنى إلا في تابعه، أو في المستثنى منه كما يجيء في بابه.

وأما على تقدير أن يكون عامل الحال (على الخسف) فمن ثلاثة أوجه:

أحدهما: [أن] المفرغ في الإثبات قليل كما مر.

والثاني: أن عامل الحال يكون الظرف المتأخر عنه، وفيه ضعف [كما يجيء].

والثالث: أن المستثنى إذن يكون مقدمًا - في الاستثناء المفرغ - على عامله، ولا يجيزه البصريون، وسيأتي [إن شاء الله تعالى].

ويقال: إنه لما عيب على ذي الرمة قال: إنما قلت: (آل مناخه)، و (الآل) الشخص، وإليه ذهب الكسائي. كذا قال نجم الدين سعيد في شرح الحاجبية.

«وتختص (ليس) بكثرة مجيء اسمها نكرة محضة» كقوله:

كم قد رأيت وليس شيء باقيًا *** من زائر طرق الهوى ومزور

ص: 215

قال ابن قاسم: وإنما اختصت بذلك، لأنها للنفي؛ وهو من مسوّغات الابتداء بالنكرة.

قلت: النكرة في مثله عامة، ولا يتميز نكرة محضة.

«و» تحتص أيضًا «بجواز الاقتصار عليه» أي على الاسم «دون قرينة» تدل على كونه نكرة عامة، حكى سيبويه: ليس أحد. أي: هنا.

«واقتران خبرها بواو إن كان جملة موجبة بـ (إلا)» كقوله:

ليس شئ إلا وفيه إذا ما *** قابلته عيسن البصير اعتبار

ومنع بعضهم ذلك، تأول البيت: إما على حذف الخبر والجملة حال، أو على زيادة الواو. «ويشاركها فى الأول» ، وهو مجئ الاسم نكرة محضة/ «(كان) بعد نفي» كقوله:

إذاك لم يكن أحد باقيًا *** فإن التأسي دواء الأسى

«أو شبهه» أيى شبه نفي كقوله:

ص: 216

ولو كان حي في الحياة مخلدًا *** خلدت ولكن لا سبيل إلى الخلد

«و» يشاركها (كان) أيضًا «في الثالث» ، وهو اقتران الخبر بالواو، وإن كان جملة تامة موجبة بإلا «بعد نفي» كقوله:

ما كان من بشر إلا وميتته *** محتومة لكن الآجال تختلف

وإنما لم يقل هنا: أوشبه نفي؛ لأن (إلا) لا تقع بعد (لو) فى التفريغ.

وقد يقال: إذا ثبت أن (كان) مشاركة لـ (ليس) فيما ذكر، فأين ما ادعاه المصنف من الاختصاص لـ (ليس)! ! .

وجوابه: أن الاختصاص الثابت [لليس] غير مشروط فيه تقدم شيء، وجواز ذلك في (كان) مشروط بتقدم نفي أو شبهه في الأول، وتقدم نفي في الثالث، أو يقال: انفردت (ليس) باجتماع الأمور الثلاثة، لا بكل واحد منها.

«وربما شبهت الجملة المخبر بها فى هذا الباب بالحالية فوليت الواو مطلقًا» أي سواء كان الفعل (كان) أو غيرها، تقدم نفي أو شبهه [أولا]، جاءت بـ (إلا) أو لم تجئ كقوله:

ص: 217

وكانوا أناسًا ينفحون فأصبحوا *** وأكثر ما يعطونك النظر الشزر

وقوله:

فظلوا ومنهم سائق دمعة له *** وآخر يثني دمعة العين بالمهل

فجاء الخبر مقرونًا بالواو بعد (أصبح) في الأول و (ظل) في الثاني مع الإيجاب المحض، وهذا إنما أجازه الأخفش، وأما غيره من البصريين فلا يعرف ذلك، ولا حجة في البيتين؛ لاحتمال (أصبح) و (ظل) فيهما للتمام، وتجعل الجملة حالية، أو يقال: هما ناقصان، والخبر محذوف.

ص: 218

«وتختص (كان)» الآتية بصيغة الماضي، وهي الملفوظ بها، فليست (كان) بمنزلتها في قوله:(ويشاركها في الأول كان)، فإن تلك لا يراد بها خصوصية الماضي، فتختص (كان) هذه، وهي الماضية من حيث هي لا الناقصة بخصوصيتهاحلأن من جملة الخصائص الزيادة، والزائدة قسيمتها لا قسم منها، فعلم أن المراد: وتختص هذه اللفظة بكل واحدة من الخصائص التي تذكر، لا باجتماعهن، فلا يشاركها غيرها في شيء منهن، لا بشرط ولا بغير شرط.

«بمرادفة (لم يزل) [كثيرًا]» فتفيد الدوام والاستمرار نحو: {وكان الله على كل شئ قديرًا} -، وفيه نظر؛ إذ لا ترادف بين فعل ومجموع حرف وفعل، وإنما لم يمكنه أن يفسرها بـ (مادام)؛ لأن نقصانها مشروط بـ[تقدم](ما) الظرفية، فإن قال: بمرادفة (مادام 9، فتكون ناقصة في تأويل المفرد [أيضًا فعليه الإِشكال السابق]، وإن قال: (دام)، فلا تكون ناقصة.

والذي يظهر أن يقال: تختص (كان) بإفادة استمرار خبرها لاسمها، ولا تذكر المرادفة ألبتة.

قال المصنف: الاصل في (كان) أن يدل بها على حصول ما دخلت عليه فيما مضى، دون تعرض لأزلته

ولا لانقطاع كغيرها من الأفعال الماضية، فإن قصد الانقطاع ضمن الكلام ما يدل عليه كقوله تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم

ص: 219

أعداءً فألف بين قلوبكم}.

قلت: وكذا غذا قصد الاستمرار، فلابد من دليل يقام عليه.

والحاصل أن (كان) لا تدل على أحد الأمرين، بل ذلك إلى القرينة.

قال أبو حيان: وأكثر النحاة قائلون بأن (كان تقتضي الانقطاع كسائى الأفعال الماضية، ومن يعقل حقيقة المضي لم يشك في الدلالة على الانقطاع. وفيما قال نظر.

«و» يختص أيضًا لفظ (كان)«بجواز زيادتها» ، أي مجردة عن معمول، بدليل قوله: - بعد - (وكان/ مسندة)«وسطاَ باتفاق» نحو: ما كان أحسن زيدًا، وقول أبى أمامة [رضي الله عنه](أو نبي كان آدم؟ صلوات الله عليه)، وزيادتها بعد (ما) التعجبية مقيس. «وآخرًا على رأي» ذهب إليه الفراء، فتقول_عنده_: زيد قائم كان.

ص: 220

والصحيح المنع، لأن الزيادة على خلاف الأصل، فلا تستعمل إلا في ما اعتيد استعمالها فيه، وزيادتها مؤخرة لم تسمع؟ وقد علمت أن كلام المصنف مقتضٍ لأن (كان) الزائدة لا نرفوع لها، وهو رأي الفارسي.

قال: لأنها تشبه الحرف الزائد، فلم يبال بخلوها من الإسناد؛ ولأنها قد زيدت بين (على) ومجرورها، فلو نوي معها مرفوع لزم الفصل بجملة بين الجار والمجرور، ولا نظير له.

وذهب السيرافي والصميري إلى أنها رافعة لضمير المصدر الدالة هي عليه، أي: كان هو، أي: الكون.

وعلم من كلام المصنف أن منع زيادتها صدرًا محل وفاق. وقد أطلق قوم منهم الجوهري الزيادة عليها في مثل: {وكان الله عفورًا رحيمًا} ، مع تصدرها وعملها في الاسم والخبر.

«وربما زيد (أصبح) و (أمسى)» كقولهم: ما أصبح أبردها، وما [أمسى] أدفأها، وهو عند البصريين نادر ولا يقاس عليه. «ومضارع (كان)» كقول أم عقيل بن أبي طالب:

أنت تكون ماجد نبيل *** إذا تهب شمأل بليل

ص: 221

فإن قلت: فهذه ألفاظ شاركت (كان) في الزيادة، فما وجه الاختصاص؟ .

قلت: الجواز قياسًا، فإنه لا يثبت إلا لـ (كان)، وأما زيادة هذه الأفعال، فإنما وقعت على سبيل الندور، وليست من مواقع القياس في شيء. «و (كان) مسندة إلى ضمير ما ذكر» كقول الفرزوق:

فكيف إذا مررت بدار قوم *** وجيران لنا كانوا كرام

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

= إن عقيلًا كاسمه عقيل *** وابأبى الملفف المحمول

أنت تكون السيد النبيل *** إذا تهب شمأل بليل

يعطى رجال الحي أو ينيل

شرح التسهيل 59: أ، ابن مالك 1: 134، ابن الناظم 55، ابن عقيل 1: 252، المقاصد 2: 39 - 41، التصريح 1: 191، الأشموني 1: 241، الهمع 1: 120، شواهد ابن عقيل 52 - 53، الدرر 1:89.

ص: 222

فزادها بين الصفة والموصوف.

قال المنصف: ولا يمنع من زيادتها إسنادها إلى الضمير، كما لا يمنع إلغاء (ظن) إسنادها في نحو: زيد_ظننت_قائم، هذا مذهب سيبويه. انتهى. وهو مذهب الخليل أيضًا.

ثم من غير الناس من فهم عن هذين الإمامين الزيادة على حقيقتها، ومنهم من فهمها على غير ذلك، فقال:

أراد أنه لو لم تدخل هذه الجملة بين (جيران) و (كرام) لفهم أن هؤلاء القوم كانوا جيرانه فيا مضى، وأنه قد فارقهم، فجيء بـ (كانوا)؛ لتأكيد ما فهم من المضي قبل دخولها، والذاهبون إلى الأول ادعوا أن مجموع (كانوا) زائد كما ذكره المصنف.

وقال الفارسي: الضمير المتصل تأكيد للضمير المستتلا في (لنا)، و (كان) لا عمل لها في الضمير.

وقاال ابن جني: الضمير المتصل وقع موقع المنفصل، وهو مبتدأ خبره (لنا)، لكن لما اتصلت به (كان) أعطى اللفظ حقه فاتصل به.

وقال ابن عصفور: الأصل: وجيران لنا هم كرام، فـ (لنا) في موضع الصفة، و (هم) فاعل بـ (لنا)، ثم زيدت (كان) إلى جانب (هم)، فاتصل الضمير بـ (كان)

ص: 223

- وإن كانت غير عاملة فيه - للضرورة، كما اتصل في:

.......................... *** ألا يجاورنا إلاك دّيار

مع أنه حرف، وهذا أحرى؛ لأنه فعل.

قلت: ولا أدري ما الذي دعا الكل إلى هذا التكلف، مع إمكان أن تكون (كان) ناقصة، والضميرالمتصل [بها] اسمها، و (لنا) خبرها مقدم عليها، ولا غبار عليه.

«أو» زيدت (كان) غير مسندة إلى شيء. «[بين] جار ومجرور» كقوله:

سراة بني أبي بكر تساموا *** على كان المطهمة الصلاب

ص: 224

وبعضهم يقول: بين (على) ومجرورها. وذلك لأنه محل السماع، ووجه ما قاله/ المصنف أن الشذوذ لم يكن لكون الجار (على)، بل لكونه جارًا فى الجملة، وهو لا يحتمل الفصل.

«وتختص (كان) أيضاَ بعد (إن)» الشرطية «أو (لو)» الشرطية «بجواز حذفها مع اسمها» أو خبرها؛ لما سيذكر «إن كان» أي اسمها «ضمير ما علم من غائب» كقوله:

قد قيل ذلك إن حقًا وإن كذبًا *** فما اعتذارك من قول لغذا قيلا! !

ص: 225

أي: ان كان هو، أي: ذلك المقول، وكقوله:(اطلب العلم ولو بالصين)[التقدير: ولو كان هو، أي العلم بالصين]. «أو حاضر» كقولك: لأرتحلن إن فارسًا، وإن راجلًا، أي: إن كنت، وكذا قولك: لأطلبن العلم لو غنيًا ولو فقيرًا، أي: لو كنت.

وذكر المصنف الغائب والحاضر تبيينًا للضمير المعلوم، ولم يذكر ذلك شرطًا؛ إذ لا ضمير إلا وهو الحاضر أو غائب، وكان ينبغي تقديم الحاضر في الذكر. «فإن حسن مع» (كان)«المحذوف بعد (إن) دون (لو) «تقدير (فيه) أو (معه) [أو نحو ذلك]، جاز رفع ما وليها» ، أي ولي (إن) نحو:(الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير)، أي: إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير، و (المرء مقتول بما قتل [به] إن سيف فسيف)، أي: إن كان معه، أو في يده، أو عنده سيف فالمقتول هو به سف، وهذا لا شك في جواز تقديره من حيث الصناعة في الجملة، وأما أنه يحكم بحسنه فلا؛ لأنه ضعيف من جهة المعنى؛ إذ معنى - إن كان في عملهم خير، وإن كان معه، او في يده، أو عنده سيف - معنى غير مقصود؛ لأن مراد المتكلم: إن كان نفس عمله خيراَ، وإم كان ما قتل [به] سيفًا، لا أن لهم أعمالًا، وفي تلك الأعمال

ص: 226

خير، ولا أن صحبته أو في يده او بحضرته وقت القتل سيفًا. وقد يدفع هذا بأنه على التجريد، فيكون نحو؛ إن كان في عملهم خير، مثل {لهم فيها دار الخلد} ، والمعنى إن كان عملهم خيرًا، كما أن المعنى: أنها نفسها دار الخلد، وفيه أيضًا ضعف من جهة اللفظ؛ لأن حذف (كان) مع خبره الذي هو في صورة المفعول الفضلة حذف شيء كثير، ولا سيما إذا كان الخبر جارًا ومجرورًا، بخلاف حذفه مع اسمه الذي هو كجزئه، ولا سيما إذا كان ضميرًا متصلًا، وتقديرالتامة - وإن كان مما ينتفي به كثره المحذوف - ضعيف كما سيأتى. «وإلا» يحسن تقدير مثل ذلك «تعين نصبه» أي: نصب الاسم الأول الواقع بعد (إن)، نحو: أسير كما تسير، إن راكبًا فراكب، وإن راجلاص [فراجل]، أي إن كنت راكبًا فأنا راكب، وإن كنت راجلًا فأنا راجل.

«وربما جر» الاسم المذكور «مقرونًا بـ (إن لا) أو بـ (إن) وحدها، إن عاد اسم (كان) إلى مجرور بحرف» نحو: المرء مقتول بما قتل به، إن سيف فسيف، أي: إن كان قتل بسيف فقتله أيضًا بسيف. وحكي عن يونسكمررت برجل صالح، إن لا صالح فطالح. أي: إن لا يكن المرور بصالح فالمرور بطالح، ومررت برجل إن زيد وإن عمرو؛ وذلك لقوة الدلالى على الجار بتقديم ذكره، لكن

ص: 227

هذا مما يسهل الحذف، ولا مما يوجب الاطراد ويسوّغ القياس عليه، فلا يقال منه إلا ما سمع، هذا مذهب سيبويه، ونص المصنف على اطراده، وسيأتي في حروف الجر.

«وجعل ما بعد الفاء الواقعة جواب (إن) المذكورة خبر مبتدأ اولى من جعله خبر 0 كان) [مضمرة]، أو مفعولًا بفعل لائق، أو حالًا» فيجعل الاسم الواقع بعد الفاء - في قولهم: (الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير) - خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: إن كان عملهم خيرًا فجزاؤهم خير.

ويمكن أن يجعل مفعولًا بفعل يليق بالمحل فيقدر: فهم يجزون خيرًا، ويمكن أن يجعل حالًا فيقدر: فهم يلقون الجزاء خيرًا، لكن الأول/ أولى؛ لشياع إضمار المبتدأ بعد الفاء وكثرته وقلة المحذوف؛ إذ هو مفرد، بخلاف التقديرين الأخيرين.

وكان الاولى بالمصنف أن يقول: اولى من نصبه، ونصبه مفعولًا أولى من نصبه حالًا، وهذا أولى من نصبه خبرًا.

ووجه ذلك أن إضمار (كان) 9 الناقصة بعد غير (إن) و (لو) قليل، وأن وجه المفعول أقل تقديراَ من وجه الحال، وإنما كان ما ذكرناه أولى؛ لإفصاحه بأن الرفع أرجح من النصب، وببيان الأرجح من أوجه النصب.

واعلم أن المصنف رحه الله جرى على عادة كثير من النحاة في تعبيرهم عن الفاء الواقعة في مثل: إن جاء زيد فهو محسن، بأنها جواب الشرط، وفيه تسامح؛ إذ الفاء

ص: 228

ليست الجواب قطعاَ، وإنما هي رابطة الجواب، فثم مضاف محذوف ترك لظهور المراد.

«وإضمار (كان) الناقصة قبل الفاء أولى من [إضمار] التامة» ، فتقدير: إن كان في عملهم خير أولى من تقدير: إن كان خير، وإن كان اقل؛ لان (كان) التامة قليلة الاستعمال، ولا يحذف إلا كثير الاستعمال للتخفيف، ولتكون الشهرة دالة على المحذوف، وأيضًا فيضعف تقديرها من جهة أن الكلام معها يصير كأنه أجنبي عن الأول، والمعنى على تعلقه به.

وقد ظهر ما تقدم أن في مسألة: (إن خيرًا فخير) أربعة أوجه: رفعهما، ونصبهما، والمغايرة في الإعراب بينهما، وهى صادقة بصورتين:

قال الصفار: أحسن الأوجه نصب بعده رفع، ثم رفعهما - يعني لأنك حذفت عين ما أثبت - ثم نصبهما، ثم عكس الأول. وذكر السبب المقتضي لذلك ولا يخفى عليك إذا تأملت ما تقدم، ثم قال:

وكان الشلوبين يسوّي رفعهما ونصبهماحلأن قبح رفع الأول يقابله حسن رفع الثاني، وحسن نصب الأول يقابله قبح نصب الثاني، فيتكافآن، وهو باطل؛ لأنك إذا نظرت إلى الأحسنين رأيت رفع الثاني خيراَ من نصب الأول؛ لاستوائهما في الإضمار، ورجحان رفع الثاني بأنك أضمرت نفس ما أظهرت، وإذا نظرت إلى الإضمار، ورجحان رفع الثاني بأنك أضمرت نفس ما أظهرت، وإذا نظرت إلى الأقبحين رأيت نصب الثاني أقبح من رفع الأول؛ لاستوائهما في الإضمار، وضعف نصب الثاني بأنك أضمرت جملة، وفي رفع الأول بم تضمر جملة، ويوضحه أن سيبويه وصف رفعهما بأنه أحسن، ولم يصف بذلك نصبهما.

ص: 229

«وربما أضمرت» (كان)«الناقصة بعد (لدن)» كقوله:

من لد شولا فإلى إتلائها

أي: من لد كانت شولا، وقدره سيبويه والجمهور: من لد أن كانت.

قال المصنف: وتقدير (أن) يستغنى عنه، كما يستغنى عنه بعد (مذ)، ومن الناس من حمل كلام سيبويه ومن تبعه على أنه تفسير معنى، لا تفسير إعراب.

والشول: هى النوق التى ارتفعت ألبانها، واحدها شائل. والإِتلاء: مصدر قولك: أتلت الناقة إذا ولدت فصارت ذات تلو. «و» بعد «شبهها» أي: شبه (لدن) كقوله.

ص: 230

أزمان قومي والجماعة كالذي *** لزم الرحالة أن تميل ميلًا

أراد: ازمان كان قومي مع الجماعة. كذا قال سيبويه.

«والتزم حذفها» أي حذف (كان) الناقصة «معوضًا عنها» كلمة «(ما) بعد (أن)» بفتح الهمزة [التزامًا]«كثيرًا» كقوله:

ص: 231

أبا خراشة أما أنت ذا نفر *** فإن قومي لم تأكلهم الضبع

أي: لأن كنت، فحذف حرف الجر جوازًا على القياي، ثم حذف (كان) وأبدل منها (ما) فوجب الحذف؛ لئلا يجمع العوض والمعوض منه، وأجاز المبرد ظهور (كان) على [أن](ما) زائدة لا عوض، ولم يبد مستندًا من جهة السماع، ثم أدغم النون الساكنة في الميم وجوبًا، فبقي الضمير المرفوع/ [المتصل] بلا عامل يتصل به في اللفظ، فجعل منفصلًان فصار (أما أنت).

فإن قلت: بم يتعلق الجار المقدر؟

قلت: بمحذوف تدل عليه القرينة، والمعنى: لا تفخر لأجل كونك ذا عدد، فإني أيضًا مشاركك في ذلك؛ إذ قومي باقون لم تستأصلهم الأزمان.

ص: 232

وأبو خراشة: - بضم الخاء المعجمة - شاعر مشهور اسمه خفاف – بخاء معجمة مضمومة وفاءين بينهما ألف - ابن ندبه على وزن تمرة، وهى أمه. والنفر: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة. والضبع: السنة المجدبة. و (تأكلهم): استعارة تبعية، أي تهلكهم بسبب الجدب، شبه إهلاكها إياها بالأكل، ومراده أن قومه أقوياء لم تهلكهم السنة المجدبة، لما هم عليه من القوة والجدة. وفهم ابن الحاجب البيت على وجه آخر، فقال:

معناه أنه يمدح أبا خراشة، أي: أنا بخير، لا تأكلنا السنون، ولا يضرنا ضار؛ لأجل أن كنت ذا نفر، يعني إنا بنعمة مادمت في نعمة.

وقال الكوفيون: (أن) المفتوحة بمعنى المكسورة الشرطية وجوزوا مجيء (أن) المفتوحة شرطية، وقالوا: قد قرئ: {أن تضل [إحداهما]} ، بفتح الهمزة وكسرها، والمعنى واحد، و (أن) المكسورة فيه شرطية، فكذا المفتوحة، و (ما) عندهم عوض من الفعل المحذوف.

قال الرضي: ولا أرى قولهم بعيدًا من الصواب، لمساعدة اللفظ والمعنى إياه: أما المعنى فلأن البيت: إن كنت ذا عدد فلست بمفرد. وأما اللفظ

ص: 233

فلمجيء الفاء في هذا البيت، وفي قوله:

إما أقمت وأما أنت مرتحلًا *** فالله يكلأ ما تأتي وما تذر

فعطف (أما أنت) - بفتح الهمزة - على (إما أقمت) بكسر الهمزة، وهو حرف شرط بلا خلاف. وفيه بحث ذكرناه في حاشية المغني. «وبعد (إن)» بكسر الهمزة «قليلًا» كقول العرب:(افعل هذا إما لا)، أي: إن كنت لا تفعل غيره، ولا تحذف الفعل مع المكسورة معوضًا منه (ما) إلا في هذا، فلو قلت: إما كنت منطلقاَ انطلقت، كانت (ما) زائدة، ولا يجوز: إما أنت منطلق انطلقت.

«ويجوز حذف لامها» أي لام الكلمة التي هي مضارع (كان)«الساكنة» احترازًا من اللام المتحركة. «جزمًا» أي: مجزومًا، أو سكون جزم، احترازًا من سكون الوقف، فدخل نحو:{ولم أك بغيًا} ، ونحو: {قالوا لم

ص: 234

نك من المصلين} ونحو: {ولانك في ضيق مما يمكرون} ، ونحو:{فلم يك ينفعهم [ايمانهم]} وسوغ هذا الحذف كثرة استعمال هذه الكلمة، وشبه النون بحرف العلة.

ثم الحذف مقيد بأن لا يتصل بالنون ضمير، احترازًا من ان يتصل بها ذلك، فلا يجوز الحذف حينئذ، كقوله:

فإن لم يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها فمن ثم يتوجه على المصنف مناقشة في إطلاقه جواز الحذف «ولا يمنع ذلك» الذي ذكرناه من جواز اللام الساكنة [جزمًا]«ملاقاة ساكن، وفاقًا ليونس» ، وخلافاَلسيبويه، واختار المصنف الأول مستندًا إلى استعمالات وقعت للعرب كذلك، كقوله:

لم يك الحق سوى أن هاجه *** رسم دار قد تعفى بالسرر

ص: 235

وقوله:

فإن لم تك المرآة أبدت وسامة *** فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

وقوله:

إذا لم تك الحاجات من همة الفتى *** فليس بمغنٍ عنه عقد التمائم

قال: ولا ضرورة في هذه الأبيات لتمكن الشاعر الأول أن يقول: لم يكن حق سوى أن هاجه. والثاني من أن يقول: فإن تكن المرآة أخفت وسامة. والثالث من أن يقول: إذا لم يكن من همة المرء ما نوى.

وأنت خبير بأن هذا مشي {على شفا جرفٍ هارٍ} من دعواه في الضرورة/ ما

ص: 236

تقدم مما يفضي [إلى] أن لا يثبت في كلام العرب ضرورة، إما دائمًا أو غالبًا. وليس في كلامه ما يقتضي أن الثبوت عند ملاقاة الساكن أرجح، وقد صرح بأرجحيته في الشرح.

قال: ولذلك لم يقع الحذف في القرآن نحو: {لم يكن الذين كفروا}

«ولا يلي - عند البصريين – (كان) واخواتها» بالنصب على أنه مفعول مقدم «غير ظرف» بالرفع على أنه فاعل (يلي) نحو: كان عندك جالسًا. «وشبهه» نحو: كان على الفرس زيد راكبًا. «من معمول خبرها» فلا يجوز عندهم: كان طعامك زيد يأكل، ولا: كان طعامك يأكل زيد.

وإنما أجازوه في الظرف وشبهه على سبيل التوسع فيهما، ولهم في ذلك عادة معروفة. «واغتفر ذلك بعضهم» كابن السراج والفارسي. «مع اتصال العامل» نحو: كان طعامك [يأكل زيد، ولا يجيز ذلك مع انفصال العامل عن معموله نحو: كان طعامك] زيد يأكل. والكوفيون يجيزون كلتا المسألتين. «وما أوهم خلاف ذلك» كقوله:

قنافذ هداجون حول بيوتهم *** بما كان إياهم عطية عودا

ص: 237

وقوله:

فأصبحوا والنوى عالي معرسهم *** وليس كل النوى تلقي المساكين

«قدر البصويون فيه ضمير الشأن» مستترًا في الفعل، فلا يكون معمول

ص: 238

خير (كان) قد وليها في البيت الأول، ولا معمول خبر (ليس) قد وليها في البيت الثاني، نعم يكون المقدم معمولًا لخبر المبتدأ، وفي المسألة خلاف.

قال ابن قاسم: واعلم أنه يتأتى في مسألة (كان زيد آكلًا طعامك)، اربعة وعشرون تركيبًا، سته مع تقديم (كان)، وهى: كان زيد آكلًا طعامك، كان طعامك زيد آكلًا، كان طعامك آكلًا زيد، كان آ: لا طعامك زيد، كان آكلًا زيد طعامك، كان: طعامك آكلًا. وكلها جائزة إلا الخامس فيمتنع عند البصريين، وإلا السادس فإن بعض البصريين منعه، وبعضهم أجازه.

وستة مع تقديم (زيد)، وهي زيد كان آكلًا طعامك، زيد كان طعامك آكلًا، زيد آكلًا كان طعامك، زيد طعامك كان آكلًا، زيد طعامك آكلًا كان، زيد آكلًا طعامك [كان].وكلها جائزة [عند البصريين].

وستة مع تقديم (آكلًا)، وهي: آكلًا كان زيد طعامك، آكلًا كان طعامك زيد، آكلًا زيد كان طعامك، آكلًا زيدطعامك كان، آكلًا طعامك كان زيد، آكلًا طعامك زيد كان. وكلها جائزة عند البصريين إلا الثانى، وفلا الأول قبح؛ للفصل بين الخبر المقدم ومعموله المؤخر.

وستة مع تقديم (طعامك)، وهي: طعامك كان زيد آكلًا، طعامك زيد آكلًا كان، طعامك آكلًا زيد كان، طعامك زيد كان آكلًا، طعامك كان آكلًا زيد، طعامك آكلًا كان زيد. وكلها جائزة عند البصريين، ولبعض الكوفيين خلاف في بعض المسائل لا نطول بذكره. ونقل بعض المغاربة أن تقديم معمول الخبر وحده على (كان) وأخواتها لا يجوز ظرفاَ كان أو غيره؛ لكثرة الفصل، والصحيح جوازه مطلقًا، قال تعالى:{أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} .انتهى.

ص: 239