الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع عشر
وليس كلها للمقاربة؛ لأن منها ما هو للشروع ومنها ما هو للترجي، ولكن لما كان فيها ما هو للمقاربة أطلق ذلك على الكل، من باب تسمية المجموع باسم بعض أفراده.
«منها للشروع في الفعل» والتلبس بأول إأجزائه «طفق» بكسر الفاء يطفق طفقًا، كفرق يفرق فرقًا، وحكى الأخفش عن بعضهم: طفوفًا. «وطفق» ، بفتحها يطفق كجلس يجلس. «وطبق» بكسر الباء الموحدة «وجعل وأخذ» بفتح عين الكلمة فيهما «وعلق» بكسر اللام، وهي غريبة، ومن شواهد استعمالها قول الشاعر:
أراك علقت تظلم من أجرنا *** وظلم الجار إذلال المجير
«وأنشأ» بالهمزة أوله وآخره، كقوله:
........................ *** أنشأت أعرب عما كان مكنونا
وذكره ابن أفلح بالهمز. وبغيره «وهبّ» على صيغة (شدّ) و (ردّ) وهي غريبة، ومن شواهد استعمالها قول الشاعر:
هببت ألوم القلب في طاعة الهوى *** فلجّ كأنّي كنت باللوم أغريه
«وقام» نحو: قام زيد يفعل.
«ولمقاربته» أي: مقاربة الفعل «هلهل وكاد» ، وهي أشهر أفعال المقاربة، يقال: كاد يكاد كيدًا ومكادة، كهاب يهاب هيبًا ومهابة، وحكى الأصمعي:(كودًا) بالواو، فيكون كخاف خوفًا ومخافة. «وكرب» بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح. «وأوشك» وهو في الأصل بمعنى (أسرع)، ويستعمل كذلك، فيقال أوشك فلان في السير. [إذا] أسرع فيه. «وأولى» /، وهي أغربها.
قال ابن قاسم: كقول الشاعر:
فعادى بين هاديتين منها *** وأولى أن يزيد على الثلاث
قلت: الذي ينبغي التعويل عليه أنها بمنزلة (قارب)، وكذا فسرها الأصمعي، وأنشد عليه هذا البيت، كما صرح به في الصحاح، والكلام إنما هو في الأفعال التي قيل إنها ناسخة، وإلا فهلا عدّ (قارب)، و (قرب). وفي بعض النسخ:(وألم وأولى). فزاد كلمة (ألم).
قال ابن قاسم: ولم يتعرض إليها المصنف في الشرح، ويمكن أن يكون منه قوله في الحديث:(وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أويلمّ)، فيكون فعلًا ناقصًا، والخبر محذوف، والتقدير: أويلم بأن يقتل.
قلت: جعلتها من هذه الأفعال دعوى عارية عن الدليل، ولا حجة في الحديث، إذ (أّلم) بمعنى (قرب)، فيكون معنى الحديث: مايقتل حبطًا أو يقرب من القتل. هكذا قرره في الصحاح. ثم لا أدري كيف يكون الخبر المحذوف على تقدير جعلها ناقصة ما قدره من قوله (بأن يقتل)، مع أنه متعلق بالفعل نفسه، كما هو
في مثل قولك: ألم فلان بالذنب، إذا وقع فيه، وتلبس به! ! وهو كما ترى غير مناسب لسياق الحديث، فتأمله.
«ولرجائه» أي لرجاء الفعل «عسى وحرى» بكسر الراء. «واخلولق» قال ابن قاسم: فهذه الثلاثة للإِعلام بالمقاربة على سبيل الرجاء وأغربها حرى [يقال: حرى] زيد أن يفعل، بمعنى (عسى).
هكذا ذكر المصنف. والمحفوظ أن (حرى) اسم منون لا يثنى ولا يجمع، قال ثعلب: أنت حرى، أي: خليق وحقيق.
قلت: أما قوله: - أولًا - فهذه الثلاثة للإِعلام بالمقارب على سبيل الرجاء، فمنازع فيه؛ لأنا [لا] نسلم أن شيئًا من هذه الأفعال الثلاثة يدل على المقاربة، وإنما هى دالة على الرجاء، ساكتة عن القرب والبعد، وكلام المصنف يشير إلى ما قلناه، إنما غر الشارح قول ابن الحاجب:(أفعال المقاربة ما وضع لدنو الخبر [رجاء وحصولًا أو أخذًا فيه، ثم قال: (فالأول عسى ..... )، فخرج من كلامه
أن (عسى) لدنو الخبر] على سبيل الرجاء، وتعقبه الرضي بما قلناه: فقال: (عسى) للطمع في حق غيره تعالى، وإنما يكون الطمع فيما ليس الطامع على وثوق من حصوله، فكيف يحكم بدنو ما لا يوثق بحصوله، ولا يجوز أن يقال: معناه رجاء دنو الخبر كما هو مفهوم من كلام الجزولي وابن الحاجب، أي أن الطامع يطمع في دنو مضمون خبره، فقولك: عسى [الله] أن يشفي مريضي، أي أني أرجو قرب شفائه؛ وذلك لأن (عسى) ليس متعينًا بالوضع للطمع في دنو مضمون خبره، بل لطمع حصوله مطلقًا، سواء ترجّي حصوله عن قرب أو بعد مدة مديدة، تقول: عسى الله أن يدخلني الجنة، وعسى النبي أن يشفع لي، فإذا قلت: عسى زيد أن يخرج، فهو بمعنى: لعله يخرج، ولا دنو في (لعل) اتفاقًا.
وأما قوله: - ثانيًا - إن المحفوظ أن حرى اسم منون. فهو تابع لشيخه أبي حيان في الاعتراض على المصنف بذلك، وهو قصور فقد نص القاضي عياض في مشارق الأنوار في حرف الحاء على أنه يقال: حرى زيد أن يفعل كذا، فيستعمل فعلًا.
وناهيك به إمامًا ثقة لا ينازع في عدالته وسعة اطلاعه، وليس الحامل على الوقوع في هذا الاعتراض وأمثاله إلا سوء الظن بالمعترض عليه، وإلا فالمصنف من الإمامة وحفظ اللغة وكثرة الإِطلاع بالمحل الذي لا يدفع عنه، والمسألة نقلية، فما باله يدفع كلامه بهذه الأقوال الواهية، نعوذ بالله من حسد يسد باب الإِنصاف.
«وقد ترد (عسى) إشفاقًا» ، قال سيبويه:(عسى) طمع وإشفاق، فالطمع في المحبوب، والإِفاق في المكروه/، نحو: عسيت أن أموت، وقد اجتمعنا في قوله تعالى:{وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم} ، وقد أخذ حميد هذا المعنى فقال:
قضى الله في بعض المكاره للفتى *** برشد وفي بعض الهوى ما يحاذر
فكلمة (بعض)[في الموضعين] في مقابلة (شيئًا) و (شيئًا).
«ويلازمهن» أي أفعال هذا الباب جميعًا «لفظ المضي، إلا (كاد)
و (أوشك) و (جعل)» فلم تلزم لفظ المضي كما ستعرفه.
قال ابن قاسم: واختلف في تعليل عدم التصرف في (عسى) وأخواتها، فقال أبو الفتح: لما قصد بها المبالغة في القرب أخرجت عن بابها، وهو التصرف، وكذلك كل فعل يراد به المبالغة يلزمه ذلك. قلت: فيه نظر يظهر مما سبق.
قال الرضي/ وإنما لم يتصرف (عسى)؛ لتضمنه معنى الحرف، أي إنشاء الطمع والرجاء كـ (لعل) والإِنشاءات - في الأغلب - من معاني الحروف، والحروف لا يتصرف فيها، وأما الفعل نحو:(بعت)، والجملة الاسمية نحو: أنت حر، فمعنى الإِنشاء فيه عارض، وهذا وإن كان لا بأس به، لكنه قاصر على بعض ما لم يتصرف من الأفعال المذكورة.
«وعملها - في الأصل - عمل (كان)» ، أي تدخل ناسخة على المبتدأ فترفعه، والخبر فتنصبه، [يدل] ذلك وورده مفردًا منصوبًا في بعض الأحيان، كما سيأتس.
«لكن التزم كون خبرها» فعلًا «مضارعًا مجردًا» من (أن)«مع هلهل» وهي كلمة واحدة من أفعال المقاربة، «وما قبلها» وهي أفعال الشروع التسعة، فالأفعال التي تجرد (أن) عن خبرها عشرة أفعال.
وعلة إلحاق (هلهل) بأفعال الشرع أشدية المقاربة فيه، وتركيبه يدل على المبالغة، كـ (زلزل) و (صرصر) فلما كان للمبالغة في القرب لحق الأفعال الدالة على الشروع فاستعمل [خبره] بدون (أن) نحو: هلهلت أقوم.
وإنما لزم كون الخبر فيما هو للشروع مضارعًا مجردًا عن (أن)، ولم يجعل اسمًا ولا فعلًا ماضيًا ولا مضارعًا مقترنًا بـ (أن)؛ لأن المضارع المجرد عن علم الاستقبال ظاهر في الحال كما مر في بابه، فهو من حيث الفعلية يدل على الحدوث دون الاسم، بدليل أنك إذا قلت: كان زيد وقت الزوال قائمًا، لم يدل على حدث القيام في ذلك الوقت، ومن حيث ظهوره في الحال يدل على كونه مشتغلًا به دون الماضي، بدليل أنك إذا قلت: كان زيد وقت [الزوال] قام، دل على أنه كان فرغ من القيام في ذلك الوقت مع حدوث القيام، فلما قصد في هذه الأفعال حدوث مصدر خبرها، وكون فاعلها مشتغلًا به، وجب أن لا يكون اسمًا ولا ماضيًا ولا مضارعًا بـ (أن).
«و» مضارعًا «مقرونًا [بأن] مع (أولى) وما بعدها» ، أي مع أربعة أفعال:(أولى)، وهو أحد أفعال المقاربة، وأفعال الترجي الثلاثة المذكورة بعدها، وهي:(عسى) و (حرى) و (اخلولق).
وكان ينبغي أن يسقط (عسى)، فيقول: مع (أولى) وما بعدها، إلا (عسى).لأنه سيذكرها في قسم ذي الوجهين.
والعلة في أفعال الترجي أن المرجوّ مستقل، فيناسبه حرف الاستقبال.
واما الترك في (عسى) فنادر، وهو بالجمل على (كاد) كما عكس ذلك في (كاد) حملًا على (عسى) من ان يكون معنى الاستقبال هناك مرادًا. كذا قيل، وهو مردود، بل مغنى (كاد يموت) قارب فيما مضى أن يتأخر عنه الموت قليلًا، أي قارب حالة يكون الموت بعدها بقليل، [هذا] هو الذي اقتضى أن لا تدخل (أن)؛ لأنها أمارة الاستقبال، فذكرها/ موهم للتراخي. الذي هو عكس المراد، وإن كان لا يلزم من الاستقبال التراخي. «و» مضارعًا ملتبسًا «بالوجهين»: التجرد عن (أن) والاقتران بها. «مع» الأفعال «البواقي» ، لكن ليس الوجهان على [حد] سواء، فلذلك قال:«والتجريد مع (كاد) و (كرب) أعرف» من الاقتران بـ (أن) كقوله:
..................... *** قد كاد من طول البلى أن يمصحا
وقوله:
................... *** فقد كربت أعناقها أن تقطعا
وهذا عند المغاربة مخصوص بالضرورة، ولم يذكر سيبويه في خبرها إلا التجرد.
«و (عسى) و (أوشك) بالعكس» فاقتران خبرهما بـ (أن) أعرف من تجريده منها كقول هدبة:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه *** يكون وراءه فرج قريب
وقول الآخر:
يوشك من فر من منيته *** في بعض غراته يوافقها
وجمهور البصريين على أن تجريد [خبر](عسى) من (أن) ضرورة، وظاهر
كلام سيبويه خلافه. «وربما جاء خبرهما» أي خبر (كاد) و (عسى)، كذا بين مراده في الشرح، وليس ذلك بمنجيه من التعقب، إذ لا قرينة في المتن تدل على هذا المراد، بل فيه قرينة خلافه، وهو قرب (عسى) و (أوشك) للضمير، فالمتبادر عوده إلى أقرب مذكور. «مفردًا منصوبًا» .
كقول الشاعر:
فأبت إلى فهم وما كدت آبيا *** ......................
وقول الآخر:
أكثرت في العذل ملحًا دائمًا *** لا تكثرنْ إني عسيت صائمًا
وهما شاذان، فقيل على تضمينهما معنى (كان)، وقيل: التقدير: وما كدت أكون آبيًا، وعسيت أن أكون صائمًا. وجاز حذف (أن) مع الفعل مع كونها حرفًا مصدريًا؛ لقوة الدلالة؛ وذلك لكثرة وقوع (أن) بعد مرفوع عسى.
«و» ربما جاء «خبر (جعل) [جملة] اسمية» كقوله:
وقد جعلت قلوص بني سهيل *** من الأكوار مرتعها قريب
وعلى ذلك خرج بعضهم ما حكاه ثعلب من قولهم: عسى زيد قائم، فجعل (عسى) ناقصة، واسمها ضمير الشأن، والجملة الاسمية الخبر. «أو فعلية مصدّرة بـ (إذا)» كقول ابن عباس رضي الله عنهما:(فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا) وكقول الشاعر:
وقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت *** بباب دارك أدلوها بأقوم
«أو كلما» يعني: أو جملة فعلية مصدرة بـ (كلما) كما في حديث البخاري: (فجعل كلما [جاء] ليخرج رمى في فيه بحجر).
قال المصنف في التوضيح: وهذا منبه على أصل متروك، وذلك أن سائر أفعال المقاربة مثل (كان) في الدخول على مبتدأ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها كخبر (كان) في وقوعه مفردًا وجملة اسمية وفعلية وظرفاُ، فترك الأصل والتزم كون الخبر مضارعًا، ثم نبه على الأصل - شذوذًا - في مواضع.
«وندر إسنادها» أي/ إسناد (جعل)«إلى ضمير الشأن» ولم يقف الشارحون فيه على سماع يستند إليه فليطلب لذلك مثال.
«ودخول النفي عليها» أي: على (جعل) كقول أنس رضي الله عنه: (فما
جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت)، وإنما الغالب دخول النافي على خبر أفعال الروع كقولك: جعل لا يكتب، وأنشا لا يسكت، وأما أفعال المقاربة فيدخل النافي عليها تارة، وعلى خبرها أخرى، نحو:{لم يكد يراها} ونحو:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد [لا] يسلو .....
«وليس المقرون بـ (أن) خبرًا عند سيبويه» ، وذلك لأن (أن) وما بعدها بتأويل المصدر، فيلزم - في مثل قولك - عسى زيد أن يقوم - الإخبار بالحدث عن الجثة، وإنما المقرون بـ (أن) عند سيبويه مفعول به منصوب على إسقاط الخافض، والفعل بمعنى (قرب)، والتقدير: - في/ المثال المذكور - قرب زيد من أن يقوم، ثم حذف الجار توسيعًا، أو بجعل الفعل بمعنى (قارب)، فلا حذف، والمعنى: قارب زيد القيام.
وأما القائلون بأن (أنْ) وما بعدها خبر، فيقدرون مضافًا: إما في الاسم، أي عسى حال زيد أن يخرج، أو في الخبر، أي عسى زيد صاحب أن يخرج، وفي هذا العذر تكلف؛ إذ لم يظهر المضاف الذي قدروه يومًا من الدهر لا في الاسم ولا في الخبر.
واعتذر بعضهم بأنه من باب (زيد عدل وصوم)، وبعضهم بأن (أنْ) زائدة، وليس بشيء، لأنها قد نصبت؛ ولأنها لا تسقط إلا قليلًا.
والكوفيون يرون أن (عسى) في ذلك فعل قاصر بمعنى (قرب)، و (أن) والفعل بدل اشتمال من فاعلها.
ورد بأنه يكون - حينئذ - بدلًا لازمًا يتوقف عليه فائدة الكلام، وليس هذا شأن البدل.
قلت: ولا مانع من أن يكون البدل لازمًا؛ لكونه هو المقصود بالحكم، وكونه تابعًا
لا يقدح في اللزوم، فقد رأينا بعض التوابع يلزم كوصف مجرور (رب) إذا كان ظاهرًا.
«ولا يتقدم هنا» أي في هذا الباب الذي نحن فيه «الخبر» ، فلا يقال: يفعل طفق زيد، ولا أن يفعل عسى زيد؛ لئلا يكثر مخالفة الأصل؛ ولجمود هذه الأفعال.
وقد يعترض الأول بأن خبر (كان) يقع جملة ويتقدم، وبالثاني بأن (كاد)، و (أوشك) متصرفان.
وقد يجاب بأن التزام كون الخبر جملة، خروج ثان عن الأصل، ففي التقديم ثلاث مخالفات، وبأن تصرف (كاد) و (أوشك) ناقص؛ إذ لا يستعمل منهما أمر.
«وقد يتوسط» ، أي الخبر نحو: طفق يخرجان الزيدان، وكاد يهلكون العطاة.
وظاهر كلامه أن لا فرق في توسط الخبر بين المجرد والمقترن بـ (أن) نحو: عسى أن يخرجا غلاماك، وفي الثاني خلاف: أجازة المبرد والسيرافي والفارسي، وصححه ابن عصفور، ومنعه جماعة منهم الشلوبين.
«وقد يحذف» أي الخبر «إن علم» كقول عمير بن ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** تركت على عثمان تبكى حلائله
وكان من خبره أن أباه ضابئ بن الحارث استعار من قوم كلبًا فأعاروه، ثم طلبوه، فرمى أمهم به، فرفعوه لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما دعي به ليؤدب، شد سكينًا في ساقه ليقتل بها عثمان، فعثر عليه، وأحسن أدبه، ففي ذلك يقول أبياتًا هذا آخرها.
«ولا يخلو الاسم» لكونه مخبرًا عنه «من اختصاص» : إما بتعريف نحو: {فعسى الله أن يأتى بالفتح} وإما بغيره نحو: عسى سائل ذو حاجة أن يفتح الله عليه، واستظهر المصنف بقوله:«غالبًا» على مجيئه نكوة محضة كقوله:
عسى فرج يأتي به الله إنه *** له كل يوم في خليقته أمر
أفعال المقاربة
.......... المضارعة أي ..... عن الخبر، وظاهر هذا أنها في هذه الحالة فعل ناقص سدت (أن) وصلتها مسد جزءيه، وظاهر كلام الجماعة أنها فعل تام، ولا حاجة إلى القول بأنها استغنت عن الخبر، والمصنف خالفهم قائلًا: عندي أنها ناقصة دائمًا، أما في: عسى زيد أن يقوم، فظاهر، وأما
في: عسى أن يقوم زيد، فقدت سدت (أن) وصلتها مسد الجزءين كما في:{أحب الناس أن يتركوا} ؛ إذ لم يقل أحد أن (حسب) خرجت في ذلك عن أصلها.
«ولا يختلف لفظ المسند» وهو (عسى) مثلًا «لاختلاف ما قبله» في الإِفراد والتذكير وغيرهما، فتقول: زيد عسى أن يقوم، والزيدان عسى أن يقوما، والزيدون عسى أن/ يقوموا، وهند عسى أن تقوم، والهندان عسى أن تقوما، والهندات عسى أن يقمن، وإنما لم يختلف لفظ (عسى) في هذه الصور؛ لأنه مسند إلى (أن) وصلتها [لا] إلى ضمير ما قبله. «فإن أسند» أي الفعل الذي هو أحد الثلاثة (أوشك) و (عسى) و (اخلولق) «إلى ضميره» أي: ضمير ما قبله. «طابق صاحبه» ، أي صاحب الضمير. «معها» أي: مع هذه الأفعال الثلاثة. «كما يطابق» المسند صاحب الضمير «مع غيرها» أي: غير هذه الأفعال، فتقول: هند عست أن تقوم، والزيدان عسيا أن يقوما، والزيدون عسوا أن يقوموا، والهندان عستا أن تقوما، والهندات عسين أن يقمن، وكذا يقال: في (أوشك) و (اخلولق). «أو كان» الضمير «الحاضر» نحو: عسيت أنا وعسيت أنت. «أو
غائبات» نحو: الهندات عسين. «جاز كسر السين» من (عسى) والفتح هو الأصل والأكثر، وبالكسر قرأ نافع، وكأن الكسر حينئذ كالعوض عما فات من إجازة إمالة فتحتها لمناسبة ما بعدها، وإنما لم تجز الإمالة حينئذٍ؛ لأنها إنما تقع قبل ألف أو راء أو تاء تأنيث.
«وقد يتصل بها» أي (عسى)«الضمير الموضوع للنصب» ، فيقال: عساني وعساك وعساه «اسمًا عند سيبويه حملًا على (لعل)» في نصب الاسم ورفع الخبر، كما أجريت (لعل) مجراها في اقتران خبرها بـ (أن) كما في قوله:
لعلك يومًا أن تلم ملمة *** عليك من اللاتي يدعنك أخرعا
الأخرع –بالخاء - المعجمة والراء - الضعيف، يقال: خرع الرجل خرعًا كفرح فرحًا، أي ضعف، وضبطه بعضهم بالجيم والدال المهملة من (الجدع)، وهو قطع الأنف وقطع الأذن وقطع اليد والشفة، وهو [هنا] كناية عن الإِذلال، أي: لعلك أن تنزل بك حادثة من الحوادث اللاتي يتركنك ذليلًا. «وخبرًا مقدمًا عند المبرد» والفارسي، فهي باقية على إعمالها عمل (كان)، ولكن قلب الكلام، فجعل الخبر مخبرًا عنه وبالعكس، ورد قولهما هذا بأنه يستلزم - في قول الشاعر:
..................... *** يا أبتا عللك أو عساك
الاقتصار على فعل ومنصوبه دون مرفوعه.
ولهما أن يجيبا بأن المنصوب هنا مرفوع في المعنى، إذ مدعاهما أن الإعراب قلب المعنى بحاله. «ونائبًا عن المرفوع عند الأخفش» فهي عنده أيضًا باقية على عملها عمل (كان)، ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع.
ويرده أمران:
أحدهما: أن إنابة ضمير إنما تثبت في المنفصل نحو: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا، وأما قوله:
يا ابن الزبير طال ما عصيكا *** .............................
فالكاف بدل عن التاء بدلًا تصريفيًا، لا من باب إنابة ضمير كما ظنه المصنف.
والثاني: أن الخبر ظهر مرفوعًا فر قوله:
فقلت: عساها نار كأس وعلها *** تشكى فآتي نحوها فأعودها
«وربما اقتصر عليه» ، أي: على الضمير الموضوع للنصب كقوله:
ولي نفس أقول لها إذا ما *** تنازعني لعلي أو عاني
«ويتعين عود ضمير من الخبر إلى الاسم» فلا يكون الرابط حينئذِ إلا الضمير دون بقية الروابط، ثم لا يكون ذلك الضمير إلا نفس الفاعل.
«وكون الفاعل غير قليل» ، فهما مسألتان كما ذكر، فلا يجوز: كاد زيد يقوم بكر أصلًا، ولا: كاد زسد يموت أبوه، إلا في القليل كقوله
وقد جعلت إذا ما قمت بثقلني *** ثوبي فأنهض نهض الشارب الثمل
وبعضهم أوّل ذلك على أن المعنى: أثقل بثوبي.
وأنت خبير بأنه يلزم على الحكم الأول أن يكون [اسم] هذه الأفعال ضمير الشأن، نحو: كاد يقوم أخاك ويرد عليه قوله تعالى: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب قريق منهم} على قراءة من قرأ (يزيغ) بباء الغيبة؛ إذ لا يجوز أن يكون من باب التنازع وإلا وجب تأنيث أحد الفعلين لإسناده إلى ضمير المؤنث، وإنما هو على إضمار ضمير الشأن في (كاد)، ولا يخفاك أن هذا بظاهره معارض لقوله: - قبل في (جعل) - وندر إسنادها إلى ضمير شأن.
«وتنفى (كاد) إعلامًا بوقوع الفعل عسيرًا» نحو: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} ، لكن لا نسلم أن الدال على وقوع الفعل كذلك هو نفي (كاد)، وإنما
الدال على ذلك قرينة تعنتهم في قولهم {أتتخذنا هزوًا} و {آدع لنا ربك يبين لنا ما هىَ} ، {آدع لنا ربك يبين لنا مالونها} {ادع لنا ربك يبين لنا ما هىَ} وهذا التعنت دأب من لا يفعل ولا يقارب الفعل، وأنه إن فعل فبعسر وعدم سهولة.
وقال المصنف: وقد يقول القائل: لم يكد زيد يفعل، ومراده أنه فعل بعسر لا بسهولة، وهو خلاف الظاهر الذي وضع له اللفظ أولًا. فكلامه في الشرح ظاهر في مخالفة كلامه في المنن. «أو» إعلامًا «بعدمه» أي: بعدم الفعل. «وعدم مقاربته» كقوله تعالى {إذا أخرج يده لم يكد يراها} ، أي: لم يرها، ولم يقارب رؤيتها.
والحق أن (كاد) كغيرها من الأفعال، فإثباتها لمعناها، وهو مقاربة الفعل نحو: كاد زيد يقوم، أي: قارب، لكن يلزم من ذلك نفي مضمون الخبر؛ لأن قربك
من الفعل لا يكون إلا مع انتفاء الفعل منك؛ إذ لو حصل الفعل منك لكنت آخذًا فيه لا قريبًا منه، ونفيها نفي لمعناها، وهو مقاربة الفعل أيضًا، نحو: ما كاد زيد يقوم، فهو نفي للقرب من الفعل، وهو أبلغ من نفي الفعل نفسه، فإن قولك ما قلابت من الضرب. آكد في نفي الضرب من قولك: ما ضربت، بلى قد يجئ مع نفي (كاد) قرينة تدل على ثبوت مضمون الخبر بعد انتفائه وبعد انتفاء القرب منه، فتعمل على حسب تلك القرينة، وهي المفيدة حينئذ لثبوت مضمون الخبر لا نفي (كاد) كما قدمناه، فالمصنف لم يحرر القول في ذلك.
وذهب قوم إلى [أن] إثبات (كاد) نفي ونفيه إثبات؛ تمسكًا لا لآية الكريمة، وبقول ذي الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد *** رسيس الهوى من حب مية يبرح
وقد اشتهر هذا القول حتى نظمه المعري لغزًا فقال:
أنجويّ هذا العصر ما هى لفظة *** جرت في لساني جرهم وثمود
إذا نفيت - والله ألعم - أثبتت *** وإن أثبتت قامت مقام جحود
وقد علمت ما فيه.
قال ابن الحاجب في شرح المفصل: لو صح قولهم في ذلك لكانت (قارب) كذلك في قولك: قارب زيد الخروج، وما قاربه.
والحق أن استفادة الإِثبات ليس من قوله تعالى: {
…
وما كادوا يفعلون}، بل [من] قوله تعالى: {
…
فذبحوها .... }.
وثم مذهب ثالث، وهو التفصيل بين نفي الماضي، فيكون إثباتًا نظرًا إلى ظاهر الأفعال نظرًا إلى { .... لم يكد يراها ..... } والصحيح ما قررناه.
«ولا تزاد» (كاد)«خلافًا للأخفش» فإنه أجاز زيارتها تمسكًا بقوله تعالى: {إن الساعة ءاتية آكاد أخفيها} [وأول بأن المعنى: أكاد أخفيها]، فلا أقول: هى آتية.
«واستعمل مضارع كاد» نحو: {لم يكد يراها} «وأوشك» نحو:
يوشك من فر من منيته *** ................................
«وجعل» حكى الكسائي: (إن التعبير ليهرم حتى يجعل إذا شرب [الماء] مجه)، وفيه شاهد ثانِ، وهو ورود الخبر جملة فعلية مصدرة بإذا.
«وندر اسم فاعل (اوشك)» وهذه الإضافة كما في قولهم: حب زمان زيد، فإن القصد إلى إضافة الحب المختص بكونه للرمان إلى زيد، وكذا القصد إلى إضافة الاسم المختص بالفاعل إلى (أوشك)، وتحقيقه: أن مطلق / الحب مضاف إلى الرمان، والحب المقيد بالإضافة إلى الرمان مضاف إلى زيد، وكذا ما نحن فيه كقوله:
فإنك موشك أن لا تراها *** وتعدو دون غاضرة العوادي
«وكاد» كقول كثير:
أموت أسىً يوم الرجام وإنني *** يقينًا لرهن بالذي أنا كائد
قال المصنف: أراد: بالموت الذي كدت آتيه، فأقام اسم الفاعل مقام الفعل.
وقد حكى الجوهري مضارع (طفق)، وقد سلف، قال المصنف: ولو أره لغيره.
قلت: وحكى ابن ظفر في شرح المقامات: عسيت أعسى. قال النيلي: وعلى هذا فيقال: (عاسٍ).
وقال العماني: في شرح الفصيح: وزعم بعضهم أنه يقال: عسى يعسو وعسى يعسى، فتكون على هذا متصرفة. انتهى.
وفي حلى العلا لعبد الدائم القيرواني: لا يقال - من (عسيت) - يفعل ولا فاعل، إلا أن أبا زيد حكى (عسٍ)، قال: قد قال المعري:
عساك تعذر (إن قصرت] في مدحي
فإن مثلي بهجران القريض عسي
قال النيلي: إن (عسٍ) هناك بمعنى (خليق 9.وقد وقع هذا الوهم بعينه للمصنف في شرح الكتاب، وذلك أنه قال في باب التعجب:
شذ قولهم: ما أعساه، وأعس به، بمعنى: ما أحقه، وأحقق به، فبنوه من فعل غير متصرف.
وهذا أشد في الغلط، لأنه معترف بالمعنى، مع توهمه أن الفعل جامد، وأنه (عسى) التي للمقاربة.