المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب قسمة الغنيمة] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٤

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب قسمة الغنيمة]

[بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ]

ِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ قَسْمِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَقْسُومًا فَهُوَ أَحَقُّ، بِقِيمَتِهِ)

اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُخِذَ مَالُ مُسْلِمٍ مِنْ الْكُفَّارِ، بَعْدَ أَخْذِهِمْ لَهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ نَقُولَ: هُمْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لَا، وَلَوْ حَازُوهَا إلَى دَارِهِمْ.

فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُونَهَا وَأَخَذْنَاهَا مِنْهُمْ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعْرَفَ صَاحِبُهُ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ قُسِمَ. وَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ.

وَإِنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْدَ قَسْمِهِ، أَوْ قَبْلَ قَسْمِهِ. فَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ قَسْمِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيُرَدُّ إلَيْهِ إنْ شَاءَ وَإِلَّا فَهُوَ غَنِيمَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَقْسُومًا. فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْإِرْشَادِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَعَنْهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِيَدِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ وَقَدْ أَسْلَمَ، أَوْ أَتَانَا بِأَمَانٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَاعَهُ الْمُغْتَنِمُ قَبْلَ أَخْذِ سَيِّدِهِ: صَحَّ. وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الثَّانِي. كَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ: صَحَّ. وَيَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِأَخْذِهِ أَوْ لَا.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَالشُّفْعَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ. بِثَمَنٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ)

ص: 157

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْإِرْشَادِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِقِيمَتِهِ. وَعَنْهُ: لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ.

فَوَائِدُ

الْأُولَى: لَوْ بَاعَهُ مُشْتَرِيهِ أَوْ مُتَّهَبُهُ، أَوْ وَهَبَاهُ، أَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَاهُ. لَزِمَ تَصَرُّفُهُمَا. وَهَلْ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ آخَرَ مُشْتَرٍ أَوْ مُتَّهَبٍ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْأَصْلِ.

الثَّانِيَةُ: إذَا قُلْنَا يَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا: لَزِمَ السَّيِّدَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخْذُهَا وَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالْعِوَضِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.

وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

الثَّالِثَةُ: حُكْمُ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأَمْوَالُ الْمُسْتَأْمَنِ إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهَا: حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا تَقَدَّمَ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ بَقِيَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَعَهُمْ حَوْلًا أَوْ أَحْوَالًا: فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ: لَمْ يَعْتِقْ. وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً مُزَوَّجَةً، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: انْفِسَاخُ نِكَاحِهَا. وَقِيلَ: لَا يَنْفَسِخُ. كَالْحُرَّةِ

ص: 158

وَرَوَى ابْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ: تَعُودُ إلَى زَوْجِهَا إنْ شَاءَتْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالسَّبْيِ.

تَنْبِيهٌ:

هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالْقَهْرِ.

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا: فَلَا يُقْسَمُ بِحَالٍ. وَتُوقَفُ إذَا جُهِلَ رَبُّهَا. وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، حَيْثُ وَجَدَهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ، أَوْ إسْلَامِ آخِذِهِ وَهُوَ مَعَهُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: هُوَ أَحَقُّ بِمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِثَمَنٍ، لِئَلَّا يُنْتَقَضَ حُكْمُ الْقَاسِمِينَ.

وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ: رِوَايَةُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ. وَيَصِحُّ عِتْقُهُ. وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الْمُزَوَّجَةِ.

قَوْلُهُ (وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي: يَمْلِكُونَهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ فَعَلَيْهَا يَمْلِكُونَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا. يَعْنِي وَلَوْ حَازُوهَا إلَى دَارِهِمْ. وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي النَّظْمِ: لَا يَمْلِكُونَهُ فِي الْأَظْهَرِ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ، وَمُفْرَدَاتِهِ: رِوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَ فِيهَا عَدَمَ الْمِلْكِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا.

ص: 159

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَنَصَّ أَبُو الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِ: أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمْلِكُونَ مَالَ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ. وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ مَقْسُومًا، وَمِنْ الْعَدُوِّ إذَا أَسْلَمَ. وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ أَحْمَدَ. انْتَهَى.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمِلْكِ، وَلَا عَلَى عَدَمِهِ. وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَحْكَامٍ أُخِذَ مِنْهَا ذَلِكَ.

قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا مِلْكًا مُقَيَّدًا لَا يُسَاوِي أَمْلَاك الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُونَهَا حَتَّى يَحُوزُوهَا إلَى دَارِهِمْ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الشَّارِحُ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَإِذَا قُلْنَا يَمْلِكُونَ. فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحُوزُوهُ بِدَارِهِمْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ.

وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَ: وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ اسْتِيلَائِهِمْ، بَلْ بِالْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ.

وَبَنَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ مِلْكَهُمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُمْ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُمْ مُخَاطَبُونَ: لَمْ يَمْلِكُوهَا، وَإِلَّا مَلَكُوهَا.

وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ الْقَاضِي: أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ.

وَأَيْضًا: إنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مِلْكِ الْكُفَّارِ وَعَدَمِهِ أَمْوَالَنَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ. أَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ: فَلَا يَمْلِكُونَهَا بِلَا خِلَافٍ، وَالْخِلَافُ فِي تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ عَامٌّ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ.

ص: 160

تَنْبِيهَاتٌ

أَحَدُهَا: حَيْثُ قُلْنَا يَمْلِكُونَهَا، فَلَا يَمْلِكُونَ الْجَيْشَ وَلَا الْوَقْفَ. وَيَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ كَالْوَقْفِ فَلَا يَمْلِكُونَهَا. صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَصَاحِبُ النَّظْمِ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ " أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَمْلِكُونَ مَا شَرَدَ إلَيْهِمْ مِنْ الدَّوَابِّ، أَوْ أَبَقَ مِنْ الْعَبِيدِ، أَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِمْ مِنْ السُّفُنِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: الْمَذْهَبُ لَا يَمْلِكُونَهُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا أَخَذُوهُ بِالْقَهْرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ " أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْأَحْرَارَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَا يَمْلِكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا، وَلَا ذِمِّيًّا بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ لِحِفْظِهِ مِنْ الْأَذَى.

وَنَصُّهُ فِي الذِّمِّيِّ إذَا اُسْتُعِينَ بِهِ. وَمَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ.

وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَلَهُ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ دَيْنًا، مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ التَّبَرُّعَ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ فَوَجْهَانِ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي [وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَسِيرِ، لِأَنَّهُ غَارِمٌ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ] .

ص: 161

وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَادَةَ الْأَسْرَى وَأَهْلِ الثَّغْرِ، فَيَشْتَرِيهِمْ لِيُخَلِّصَهُمْ وَيَأْخُذَ مَا وَزَنَ لَا زِيَادَةً. فَإِنَّهُ يَرْجِعُ.

قَوْلُهُ (وَمَا أُخِذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، مِنْ رِكَازٍ أَوْ مُبَاحٍ لَهُ قِيمَةٌ. فَهُوَ غَنِيمَةٌ) .

إذَا كَانَ مَعَ الْجَيْشِ وَأُخِذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ رِكَازًا وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِهِمْ: فَهُوَ غَنِيمَةٌ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ.

وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَالْمُتَلَصِّصِ وَنَحْوِهِ: فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ. فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. فِيهِ الْخُمُسُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَخَرَجَ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ.

وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُبَاحِ وَلَهُ قِيمَةٌ كَالصَّيُودِ، وَالصَّمْغِ، وَالدَّارَصِينِيِّ، وَالْحِجَارَةِ، وَالْخَشَبِ، وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُطْلَقًا. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ.

وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إنْ صَادَ سَمَكًا وَكَانَ يَسِيرًا، فَلَا بَأْسَ بِهِ مِمَّا يَبِيعُهُ بِدَانِقٍ أَوْ قِيرَاطٍ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَرُدُّهُ فِي الْمَغْنَمِ

وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَهَدِيَّةُ مُبَاحٍ، وَكَسْبُ طَائِفَةٍ غَنِيمَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْأَقْلَامِ، فَهُوَ لِآخِذِهِ. وَإِنْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ يُقَدَّرُ ذَلِكَ بِنَقْلِهِ وَمُعَالَجَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا.

وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ حُكْمُ مَنْ أُخِذَ مِنْ الْفِدْيَةِ، أَوْ مَا أُهْدِيَ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ.

قَوْلُهُ (وَتُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ

ص: 162

فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمَا: لَا تُمْلَكُ إلَّا بِاسْتِيلَاءٍ تَامٍّ، لَا فِي فَوْرِ الْهَزِيمَةِ لِالْتِبَاسِ الْأَمْرِ، هَلْ هُوَ حِيلَةٌ أَوْ ضَعْفٌ؟ وَقَالَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تُمْلَكُ إلَّا بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ لَا يَمْلِكُ الْأَرْضَ. وَتَرَدَّدَ فِي الْمِلْكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، هَلْ هُوَ بَاقٍ لِلْكُفَّارِ، أَوْ أَنَّ مِلْكَهُمْ انْقَطَعَ؟ [عَنْهَا] وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تُمْلَكُ. كَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ بِالْقَصْدِ.

وَقِيلَ: لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهَا قَبْلَ الْحِيَازَةِ بِدَارِنَا.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ قَسْمُهَا فِيهَا كَذَا تَبَايُعُهَا) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِمَا. وَفِي: رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ قِسْمَتُهَا فِيهَا.

فَائِدَةٌ:

لَوْ أَرَادَ الْأَمِيرُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا فَوَكَّلَ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ: صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا حَرُمَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ إذَا تَبَايَعُوا بَعْدَ قِسْمَتِهَا ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ، هَلْ تَكُونُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ؟ .

قَوْلُهُ (وَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: مَتَى شَهِدَ الْوَقْعَةَ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا.

ص: 163

وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَوْ حَازُوهَا وَلَمْ تُقْسَمْ، ثُمَّ انْهَزَمَ قَوْمٌ: فَلَا شَيْءَ لَهُمْ. لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِمْ حَتَّى صَارُوا عُصَاةً.

فَائِدَةٌ:

يَسْتَحِقُّ أَيْضًا مِنْ الْغَنِيمَةِ مَنْ بَعَثَهُ الْأَمِيرُ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ. مِثْلَ الرَّسُولِ وَالدَّلِيلِ، وَالْجَاسُوسِ، وَأَشْبَاهِهِمْ. فَيُسْهِمُ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا. وَيُسْهِمُ أَيْضًا لِمَنْ خَلَّفَهُمْ الْأَمِيرُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، غَزْوًا أَوْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ فَرَجَعُوا. نَصَّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (مِنْ تُجَّارِ الْعَسْكَرِ وَأُجَرَائِهِمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُسْهَمُ لِلْمُكَارِي، وَالْبَيْطَارِ، وَالْحَدَّادِ، وَالْخَيَّاطِ، وَالْإِسْكَافِ وَالصُّنَّاعِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَسِيرٍ وَتَاجِرٍ رِوَايَتَيْنِ. وَالْإِسْهَامُ لِلتَّاجِرِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يُسْهَمُ لِأَجِيرِ الْخِدْمَةِ.

وَقَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: يُسْهَمُ لَهُ إذَا قَصَدَ الْجِهَادَ. وَكَذَا قَالَ فِي التَّاجِرِ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: هَلْ يُسْهَمُ لِتَاجِرِ الْعَسْكَرِ وَسَوْقِهِ، وَمُسْتَأْجَرٍ مَعَ جُنْدٍ، كَرِكَابِيٍّ وَسَائِسٍ، أَمْ يَرْضَخُ لَهُمْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ، تَبَرُّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.

وَأَمَّا الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِتَالِ: فَلَا حَقَّ لَهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ.

وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: مِنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ثُمَّ مَرِضَ أُسْهِمَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ. وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَالْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ) يَعْنِي لَا حَقَّ لَهُمَا وَلَا لِفَرَسِهِمَا فِيهَا.

ص: 164

قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ تَرَكَا ذَلِكَ وَقَاتَلَا. وَلَا يَرْضَخُ لَهُمْ. لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ. وَلَا يَرْضَخُ لِلْعَبْدِ إذَا غَزَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ عَاصٍ.

وَلَا شَيْءَ لِمَنْ يُعِينُ عَلَيْنَا عَدُوَّنَا، وَلَا لِمَنْ نَهَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْحُضُورِ، وَلَا لِطِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ. وَكَذَا حُكْمُ مَنْ هَرَبَ مِنْ كَافِرِينَ.

ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ

وَيُسْهَمُ لِمَنْ مُنِعَ مِنْ الْجِهَادِ لِدَيْنِهِ فَخَالَفَ، أَوْ مَنَعَهُ الْأَبُ مِنْ جِهَادِ التَّطَوُّعِ فَخَالَفَ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. لِأَنَّ الْجِهَادَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ.

قَوْلُهُ (وَالْفَرَسُ الضَّعِيفُ الْعَجِيفُ. فَلَا حَقَّ لَهُ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي. الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُسْهَمُ لَهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ.

وَقَالَ: قُلْت وَمِثْلُهُ الْهَرَمُ وَالضَّعِيفُ، وَالْعَاجِزُ.

وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُسْهَمُ لِفَرَسٍ عَجِيفٍ. وَيُحْتَمَلُ لَا، وَلَوْ شَهِدَهَا عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا لَحِقَ مَدَدٌ أَوْ هَرَبَ أَسِيرٌ، فَأَدْرَكُوا الْحَرْبَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا أُسْهِمَ لَهُمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ.

وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُمَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ جَاءُوا بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) أَنَّهُمْ لَوْ جَاءُوا قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، وَبَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ: أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُمْ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

وَقِيلَ: لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.

ص: 165

قَالَ فِي الْوَجِيزِ: يُسْهَمُ لِلْأَسِيرِ وَالْمَدَدِيِّ لِمَنْ أَدْرَكَاهَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: إذَا قُلْنَا تُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا. فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْإِحْرَازُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، وَتُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ تَقَضِّي الْحَرْبِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَمَنْ تَابَعَهُ.

وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ. وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.

فَعَلَى هَذَا: لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا إلَّا مَنْ شَهِدَ الْإِحْرَازَ.

وَعَلَى الْأَوَّلِ: اعْتَبَرَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ شُهُودَ إحْرَازِ الْوَقْعَةِ. وَقَالُوا: لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ.

وَفَصَلَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بَيْنَ الْجَيْشِ وَأَهْلِ الْمَدَدِ. فَيَسْتَحِقُّ الْجَيْشُ بِحُضُورِ جَزْءٍ مِنْ الْوَقْعَةِ، إذَا كَانَ تَخَلُّفُهُمْ لِعُذْرٍ. وَيُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَدَدِ بِخِلَافِ الْحَرْبِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي

فَائِدَةٌ:

لَوْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ: لَمْ يَسْتَحِقُّوا مِنْهَا شَيْئًا. فَلَوْ لَحِقَهُمْ عَدُوٌّ فَقَاتَلَ الْمَدَدُ مَعَ الْجَيْشِ، حَتَّى سَلِمُوا بِالْغَنِيمَةِ: لَمْ يَسْتَحِقُّوا أَيْضًا مِنْهَا شَيْئًا. لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَاتَلُوا عَنْ أَصْحَابِهَا. لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي أَيْدِيهمْ وَجَدُوهَا. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ. فَيَقْسِمُ خُمُسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ) الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذَا السَّهْمَ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ.

ص: 166

وَعَنْهُ يُصْرَفُ فِي الْمُقَاتِلَةِ. وَعَنْهُ يُصْرَفُ فِي الْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ. وَعَنْهُ يُصْرَفُ فِي الْمُقَاتِلَةِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ.

قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَهُوَ لِمَنْ يَلِي بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ سَهْمَ اللَّهِ. وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَامَ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ الْأَئِمَّةِ جَازَ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ اللَّهَ أَضَافَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إضَافَةَ مِلْكٍ كَسَائِرِ أَمْوَالِ النَّاسِ. ثُمَّ اخْتَارَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ. بَلْ أَمْرُهَا إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ يُنْفِقُهَا فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ قَوْلُهُ (وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى. وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ حَيْثُ كَانُوا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانُوا مُجَاهِدِينَ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمُوا بِهِ. وَقِيلَ: لَا يُعْطُونَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْجِهَادِ.

قَوْلُهُ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْعُمْدَةِ. وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَعَنْهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي

ص: 167

الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ ابْنُ شَاقِلَا.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يَجِبُ تَعْمِيمُهُمْ وَتَفْرِقَتُهُ بَيْنَهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا حَسَبَ الْإِمْكَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

فَعَلَى هَذَا: يَبْعَثُ الْإِمَامُ إلَى عُمَّالِهِ فِي الْأَقَالِيمِ، وَيَنْظُرُ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِذَا اسْتَوَتْ الْأَخْمَاسُ فَرَّقَ كُلَّ خَمْسٍ فِيمَنْ قَارَبَهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أُمِرَ بِحَمْلِ الْفَاضِلِ لِيُدْفَعَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ. لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَشُقُّ. فَلَمْ يَجِبْ كَالْمَسَاكِينِ. وَالْإِمَامُ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ إلَّا فِي قَلِيلٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ.

فَعَلَى هَذَا يُفَرِّقُهُ كُلُّ سُلْطَانٍ فِيمَا أَمْكَنَ مِنْ بِلَادِهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَلَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَكْفِي وَاحِدٌ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: بَلْ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ.

وَقِيلَ: مَا حَصَلَ مِنْ مَغْزَاهُ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ تَفْرِيقُ الْخُمُسِ فِي جِهَةِ مَغْزَاهُ وَغَيْرِهَا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا.

الثَّانِيَةُ: لَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ. وَلَا لِأَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ، وَلَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ.

وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: حِرْمَانُ الْمَوَالِي هُنَا فِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ لِكَوْنِهِمْ مِنْهُمْ. فَوَجَبَ أَنْ يُعْطُوا مِنْ الْخُمُسِ. انْتَهَى.

ص: 168

الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَأْخُذُوا سَهْمَهُمْ صُرِفَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ. قَوْلُهُ (وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَالْفُقَرَاءِ) هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ.

وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ مِنْهُمْ الْيَتِيمُ الْغَنِيُّ.

قَالَ النَّاظِمُ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ.

فَوَائِدُ

إحْدَاهَا: " الْيَتِيمُ " مَنْ لَا أَب لَهُ، إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ.

قَوْلُهُ (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) يَدْخُلُ مَعَهُمْ الْفُقَرَاءُ بِلَا نِزَاعٍ.

الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُعْطُوا كَالزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعِ. وَيَعُمُّ بِسِهَامِهِمْ جَمِيعَ الْبِلَادِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ.

وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَكْفِي وَاحِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَمِنْ ذَوِي الْقُرْبَى إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ.

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إعْطَاءَ الْإِمَامِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ

لِلْمَصْلَحَةِ

كَالزَّكَاةِ. وَاخْتَارَ أَيْضًا أَنَّ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ وَاحِدٌ، يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ.

ص: 169

وَذَكَرَ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: أَنَّهُ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَأَنَّ عَنْ أَحْمَدَ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ جَعَلَ مَصْرِفَ خُمُسِ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الْفَيْءِ. وَهُوَ تَبَعٌ لِخُمُسِ الْغَنَائِمِ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً.

وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ. وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُمْ كَالزَّكَاةِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ أَسْبَابٌ كَالْمِسْكِينِ الْيَتِيمِ اسْتَحَقَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ لِأَحْكَامٍ. فَإِنْ أَعْطَاهُ لِيُتْمِهِ فَزَالَ فَقْرُهُ، لَمْ يُعْطَ لِفَقْرِهِ شَيْئًا.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَلَهَا نَظَائِرُ تَأْتِي فِي الْوَقْفِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهِمَا.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (ثُمَّ يُعْطِي النَّفَلَ) وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ، مِثْلَ نَفْلُ بَعْثَةِ سَرِيَّةٍ تُغِيرُ فِي الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَكَذَا مَنْ جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ جُعْلًا.

الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ يُعْطِي النَّفَلَ وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ) .

أَنَّ النَّفَلَ وَالرَّضْخَ يَكُونُ إخْرَاجُهُمَا بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ. فَيَكُونَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَقِيلَ: الرَّضْخُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ. وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحْمَدَ. وَلَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَذَلِكَ.

وَقِيلَ: مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ.

وَقِيلَ: النَّفَلُ وَالرَّضْخُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَهُمْ الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ) .

ص: 170

يَرْضَخُ لِلْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: يُعْطَى نِصْفُ سَهْمِ رَجُلٍ، وَنِصْفُ الرَّضْخِ. فَإِنْ انْكَشَفَ حَالُهُ فَبَانَ رَجُلًا تَمَّمَ لَهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ.

وَيَرْضَخُ لِلصَّبِيِّ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا إلَى الْبُلُوغِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَقِيلَ: لَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ.

وَقِيلَ: يَرْضَخُ أَيْضًا لِمَنْ دُونَ التَّمْيِيزِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: يَرْضَخُ لِلْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَيُسْهَمُ لَهُ بِحِسَابِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ.

وَقِيلَ: يَرْضَخُ لَهُ فَقَطْ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: يَجُوزُ التَّفْضِيلُ بَيْنَ مَنْ يَرْضَخُ لَهُمْ، عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ غِنَائِهِمْ وَنَفْعِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَفِي الْكَافِرِ رِوَايَتَانِ) .

يَعْنِي هَلْ يَرْضَخُ لَهُ، أَوْ يُسْهَمُ؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالْإِرْشَادِ.

إحْدَاهُمَا: يَرْضَخُ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.

وَالْأُخْرَى: يُسْهَمُ لَهُ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 171

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَالْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَنَصَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهِيَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يُسْهَمُ لَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

تَنْبِيهَاتٌ

أَحَدُهَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ " غَزَا مَعَنَا " لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَشَرَطَ ذَلِكَ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. انْتَهَى.

وَاخْتَارَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ كَالْخِرَقِيِّ.

الثَّانِي: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ (وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلرَّاجِلِ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلِلْفَارِسِ سَهْمُ فَارِسٍ) الْعَبْدُ إذَا غَزَا عَلَى فَرَسِ سَيِّدِهِ. فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ.

قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْكَافِرُ إذَا غَزَا عَلَى فَرَسٍ. وَلَمْ أَرَهُ.

الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ: أَسْهَمَ لَهُمْ) أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ. فَيَشْمَلُ صُورَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: أَنْ تَتَغَيَّرَ أَحْوَالُهُمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَقَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ. فَهَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ.

ص: 172

وَالثَّانِي: يُسْهَمُ لَهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ جَاءُوا بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) كَمَا تَقَدَّمَ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا لَحِقَ مَدَدِيٌّ، أَوْ هَرَبَ أَسِيرٌ " لَكِنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي تَغَيُّرِ حَالِ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَتَغَيَّرَ أَحْوَالُهُمْ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ. فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَوْ غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ) فَسَهْمُ الْفَرَسِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ غَيْرُ فَرَسِ الْعَبْدِ لَمْ يُسْهَمْ لِفَرَسِ الْعَبْدِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْإِسْهَامُ لِفَرَسِ الْعَبْدِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْسِمُ بَاقِيَ الْغَنِيمَةِ. لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ) .

وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِمَنْ بَعَثَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ أَوْ خَلَّفَهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا أَوْ بِرْذَوْنًا. فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ،

وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ.

قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: هَذَا أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْإِيضَاحِ. قَالَ الْخَلَّالُ: تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَحْمَدَ فِي إسْهَامِ الْبِرْذَوْنِ: أَنَّهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ.

ص: 173

وَعَنْهُ لَهُ سَهْمَانِ كَالْعَرَبِيِّ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ ثَلَاثَةٌ مُتَيَقِّظُونَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ سَهْمُ الْعَرَبِيِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ أَطْلَقَ أَنَّ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُنَوِّرِ وَالشَّرْحِ.

وَعَنْهُ لَهُ سَهْمَانِ إنْ عَمِلَ كَالْعَرَبِيِّ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ أَصْلًا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْبُلْغَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.

فَائِدَةٌ:

" الْهَجِينُ " مَنْ أُمُّهُ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ، وَأَبُوهُ عَرَبِيٌّ، وَعَكْسُهُ الْمُقْرِفُ. وَ " الْبِرْذَوْنُ " مَنْ أَبَوَاهُ غَيْرُ عَرَبِيَّيْنِ. وَ " الْعَرَبِيُّ " مَنْ أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ. وَيُسَمَّى الْعَتِيقَ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ.

وَقِيلَ: يُسْهَمُ لِثَلَاثَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. وَالْإِسْهَامُ لِفَرَسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ.

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُسْهَمُ لِبَعِيرِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ.

وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ: قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.

ص: 174

وَعَنْهُ يُسْهَمُ لَهُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ.

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ كَانَ عَلَى بَعِيرٍ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ سَهْمَانِ، سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِبَعِيرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْعِنَايَةِ. وَهُنَّ أَوْجُهٌ مُطْلَقَاتٌ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ: يَكُونُ لَهُ سَهْمٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَلِبَعِيرِهِ سَهْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَفَرَسٍ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنَّ حُكْمَ الْبَعِيرِ فِي الْإِسْهَامِ حُكْمُ الْهَجِينِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي.

فَائِدَةٌ:

مِنْ شَرْطِ الْإِسْهَامِ لِلْبَعِيرِ: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ الْوَقْعَةَ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ. فَلَوْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَمْلِ: لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

تَنْبِيهٌ:

شَمَلَ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ) .

وَالْفِيلَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: حُكْمُ الْفِيلِ حُكْمُ الْبَعِيرِ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي الْبَعِيرِ وَالْفِيلِ رِوَايَتَانِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: كَبَعِيرٍ. وَقِيلَ: سَهْمُ هَجِينٍ. انْتَهَى.

قُلْت: لَوْ قِيلَ: سَهْمٌ لِلْفِيلِ كَالْعَرَبِيِّ، لَكَانَ مُتَّجَهًا.

فَائِدَةٌ:

لَا يُسْهَمُ لِلْبِغَالِ، وَلَا لِلْحَمِيرِ، بِلَا نِزَاعٍ.

ص: 175

وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ الْبَعِيرِ: أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: لَيْسَ لِلْبَغْلِ إلَّا النَّفَلُ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الْبَغْلَ يَجُوزُ الرَّضْخُ لَهُ. وَهُوَ قِيَاسُ الْأُصُولِ وَالْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ: يُرْضَخُ لَهُمْ. كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ، كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ يَرْضَخُ لَهَا.

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ: إنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ " الْبَغْلُ لِلثِّقَلِ " يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلرُّكُوبِ فِي الْقِتَالِ، بَلْ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ. فَتَصَحَّفَ " الثِّقَلُ " بِالنَّفْلِ. ثُمَّ زِيدَ فِيهِ لَفْظَةُ " لَيْسَ " وَ " إلَّا ".

قَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا ثُمَّ مَلَكَ فَرَسًا، أَوْ اسْتَعَارَهُ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ، وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ: فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ) يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الْمُسْتَعَارَةِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِلَا نِزَاعٍ. فَسَهْمُ الْفَرَسِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِلَا نِزَاعٍ. وَسَهْمُ الْفَرَسِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.

وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ. وَعَنْهُ سَهْمُهُ لِلْمُعِيرِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ غَزَا عَلَى فَرَسٍ حَبِيسٍ: اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ أَيْ مَاتَ أَوْ شَرَدَ، حَتَّى تَقَضَّى الْحَرْبُ. فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ)

أَنَّهُ لَوْ صَارَ فَارِسًا بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ، وَقَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ: أَنَّ لَهُ سَهْمَ رَاجِلٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ. لِأَنَّهُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِتَقَضِّي الْحَرْبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 176

وَقِيلَ: لَهُ سَهْمُ فَارِسٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ.

قَالَ الْخِرَقِيُّ: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ رَاجِلٌ: فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ. وَإِذَا أُحْرِزَتْ، وَهُوَ فَارِسٌ: فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ.

قَالَ الشَّارِحُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِحِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ: الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا. فَيَكُونُ كَالْأَوَّلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ جَمْعَ الْغَنِيمَةِ وَضَمَّهَا وَإِحْرَازَهَا.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمُعْتَمَدُ أَصْلًا. وَهُوَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ تَمَامُ الِاسْتِيلَاءِ. فَعَلَى هَذَا إذَا جَاءَ مَدَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ انْفَلَتَ أَسِيرٌ: فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ وُجِدَ قَبْلَ ذَلِكَ شَارَكَهُمْ.

وَعَنْ الْقَاضِي: أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِانْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَإِنْ لَمْ تُحْرَزْ الْغَنِيمَةُ. انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا فِيمَا إذَا لَحِقَ مَدَدٌ، وَفِيمَا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ.

وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُخْتَلِفٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ: الْفَرْقُ بَيْنَ ذَيْنِك الْمَوْضِعَيْنِ وَبَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ، فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ) .

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَهْمَهُ لِغَاصِبِهِ. وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِرَبِّهِ.

وَيَأْتِي، إذَا غَصَبَ فَرَسًا وَكَسَبَ عَلَيْهِ: فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ، وَفِي الْغَصْبِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغَصْبِ.

تَنْبِيهٌ:

أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الْمَغْصُوبَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 177

وَقِيلَ: لَا رَضْخَ لَهَا وَلَا سَهْمَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ بَعِيدٌ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهَا، وَلَوْ كَانَ غَاصِبُهَا مِنْ أَصْحَابِ الرَّضْخِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَقِيلَ: بَلْ يَرْضَخُ لَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَقِيلَ: لَا يُسْهَمُ لَهَا وَلَا يَرْضَخُ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ: وَسَهْمُ فَرَسٍ مَغْصُوبٍ كَصَيْدِ جَارِحٍ مَغْصُوبٍ.

وَقَالَ فِي بَابِ الْغَصْبِ: إذَا صَادَ بِالْجَارِحِ: هَلْ يَرُدُّ صَيْدَهُ، أَوْ أُجْرَتَهُ، أَوْ هُمَا؟ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ.

فَائِدَةٌ:

لَيْسَ لِلْأَجِيرِ لِحِفْظِ الْغَنِيمَةِ رُكُوبُ دَابَّةٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا بِشَرْطٍ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ: لَمْ يَجُزْ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) .

وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. فَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ، وَإِلَّا فَلَا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَحَكَيَاهُ رِوَايَةً.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ: إنْ بَقِيَ مَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الْقَسْمِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ، عَجْزًا عَنْ حَمْلِهِ. فَقَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

ص: 178

وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ غَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَتَبَقَّى جَزْءٌ مِنْ الْمَتَاعِ مِمَّا لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى، فَيَدَعُهُ الْوَالِي، بِمَنْزِلَةِ الْفَخَّارِ وَمَا أَشْبَهَ، أَيَأْخُذُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا تَرَكَ وَلَمْ يَشْتَرِ.

وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْمَتَاعِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حَمْلِهِ: إذَا حَمَلَهُ يُقْسَمُ. قَالَ الْخَلَّالُ: لَا أَشُكُّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ هَذَا أَوْ لَا. ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبِيحَهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخَذَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِي أَرْضِهِمْ كَالْمِسَنِّ، وَالْأَقْلَامِ، وَالْأَدْوِيَةِ كَانَ لَهُ. هُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِنْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِمُعَالَجَتِهِ أَوْ نَقْلِهِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَحْوِهِ. وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ.

وَأَمَّا إذَا فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِهِ رِوَايَتَيْنِ.

وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَمَحَلُّهُمَا إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْمُعْطَى، كَالشَّجَاعَةِ وَنَحْوِهَا. فَإِنْ كَانَ لَا لِمَعْنًى لَهُ فِيهِ: لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِيهِ، وَلَمْ يَشْرِطْهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ ذِكْرِ النَّفْلِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْأُجْرَةُ) .

اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرَ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: صِحَّةُ الْإِجَارَةِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ بِحُضُورِهِ كَعَبْدٍ،

ص: 179

وَامْرَأَةٍ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ كَافِرًا: صَحَّ. عَلَى الْأَصَحِّ.

وَجَزَمَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْكَافِرِ لِلْجِهَادِ. وَقَالَ: وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ .

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْإِمَامِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْإِمَامِ لَهُمْ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى الِاسْتِئْجَارِ لِخِدْمَةِ الْجَيْشِ. فَعَلَى الْأُولَى: لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْأُجْرَةُ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ، عَلَى الْأَصَحِّ.

قَالَ الشَّارِحُ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ يُسْهَمُ لَهُمْ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا.

وَعَنْهُ يُسْهَمُ لِلْكَافِرِ. وَقِيلَ: يَرْضَخُ لَهُمْ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ: لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمْ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَعَنْهُ: تَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي.

وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

ص: 180

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اُسْتُؤْجِرَ لَمْ يَصِحَّ قَوْلًا وَاحِدًا. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَرُدُّ الْأُجْرَةَ، وَيُسْهَمُ لَهُمْ.

وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يُسْهَمُ [لَهُمْ] عَلَى الصَّحِيحِ.

وَعَنْهُ يُسْهَمُ لَهُمْ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُسْهَمُ لَهُ إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ مَعَ الْأُجْرَةِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَ: لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالِاخْتِيَارِ، الْمَنْصُوصُ: أَنَّ حَقَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: أَنَّهُ مُوَافِقٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْفَرْعِ خِلَافًا. وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي: أَنَا مَتَى قُلْنَا لَمْ يَمْلِكُوهَا، وَإِنَّمَا لَهُمْ حَقُّ التَّمَلُّكِ: أَنْ لَا يُورَثَ. فَإِنَّ التَّوْرِيثَ يُذْكَرُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَفُرُوعِهِ بِالْإِبْطَالِ. فَإِنَّ مَنْ اخْتَارَ جَعَلَهُمْ كَالشَّفِيعِ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ، فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَلَا يُورَثُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ.

وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: يُكْتَفَى بِالْمُطَالَبَةِ فِي مِيرَاثِ الْحَقِّ كَالشُّفْعَةِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ أَمْ لَا. وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي.

قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَوَارِثٌ كَمُورِثِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ. لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَنَصَرَهُ.

ص: 181

قَوْلُهُ (وَإِذَا قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَتَبَايَعُوهَا. ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ. فَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ.

وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْن عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

[قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ] .

الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: مِنْ مَالِ الْبَائِعِ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ.

تَنْبِيهٌ:

قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ [فِي الْمُغْنِي] الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ تَفْرِيطٌ مِنْ الْمُشْتَرِي. أَمَّا إذَا حَصَلَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ، مِثْلَ مَا إذَا خَرَجَ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُعَسْكَرِ وَنَحْوِهِ: فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ. وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمْ لَوْ تَبَايَعُوا شَيْئًا مِنْ غَيْرِ الْغَنِيمَةِ: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخَانِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ.

قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ.

وَإِنَّمَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِمَا. فَإِنَّهُ تَرْجَمَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا تَبَايَعَ نَفْسَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَتَقَابَضَا وَعَلَّلَ رِوَايَةَ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَالَ خَوْفٍ. فَالْقَبْضُ غَيْرُ

ص: 182

حَاصِلٍ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَسَلَّمَهُ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْضًا صَحِيحًا. وَيَتْلَفُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، فَكَذَلِكَ هُنَا. وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَالتَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الْغَنِيمَةَ وَغَيْرَهَا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ: خَصَّ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ بِمَالِ الْغَنِيمَةِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَبَايُعِ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجْهَيْنِ كَمَالِ الْغَنِيمَةِ.

وَأَمَّا مَا بِيعَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ نَهْبٍ وَنَحْوِهِ: فَمَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، قَوْلًا وَاحِدًا. ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، كَشِرَاءِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ هَلَاكُهُ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ، مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ: أُدِّبَ وَلَمْ يُبْلَغْ بِهِ الْحَدُّ. وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الْمَهْرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرِيَةِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ. فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) إذَا أَوْلَدَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَتُهَا فَقَطْ.

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا. وَعَنْهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَمَهْرَهَا أَيْضًا.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ؟ فَيَجِبُ الْمَهْرُ. أَوْ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِ الْوَطْءِ وَهُوَ النَّزْعُ؟ فَلَا يَجِبُ. لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَّ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ. انْتَهَى.

ص: 183

وَعَنْهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا أَوْ مَهْرَهَا وَوَلَدَهَا.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: وَلَزِمَهُ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى حَقِّهِ مِنْهَا. وَإِنْ رَجَعَتْ لَهُ لَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَهْرَهَا. انْتَهَى.

قَالَ الْقَاضِي: إذَا صَارَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ: يَكُونُ الْوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِهِ.

وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً. لَهُ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيهَا. لِأَنَّ حَمْلَهَا بِحُرٍّ يَمْنَعُ بَيْعَهَا. وَفِي تَأْخِيرِ قَسْمِهَا حَتَّى تَضَعَ: ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الْغَنِيمَةِ. فَوَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا.

وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ كَانَ مُعْسِرًا حَسَبَ قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ. فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَبَاقِيهَا رَقِيقٌ لِلْغَانِمِينَ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

وَلِأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ: أَنْ لَا يَنْفُذَ اسْتِيلَاؤُهَا، لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَأَنْ يَنْفُذَ إعْتَاقُهَا كَمَا يَنْفُذُ اسْتِيلَاءُ الِابْنِ فِي أَمَةِ أَبِيهِ دُونَ إعْتَاقِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.

وَحَكَى فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ احْتِمَالًا آخَرَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا. كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِتْقِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ عَبْدًا: عَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرُ حَقِّهِ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي

ص: 184

الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَسْبِقَ تَمَلُّكُهُ لَفْظًا.

وَوَافَقَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ الْقَاضِي، لَكِنَّهُ أَثْبَتَ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ التَّمَلُّكِ وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً قَبْلَ الْقِسْمَةِ: لَمْ تَعْتِقْ. فَإِنْ حَصَلَتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ: عَتَقَتْ إنْ كَانَتْ قَدْرَ حَقِّهِ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي، إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِلَّا عَتَقَ قَدْرُ حَقِّهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ جِنْسًا وَاحِدًا فَكَالْمَنْصُوصِ. وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا. فَكَقَوْلِ الْقَاضِي.

وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: إذَا وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى بَعْضِ الْغَانِمِينَ، فَهَلْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ.

الثَّالِثَةُ: يَكُونُ مَوْقُوفًا، إنْ تَعَيَّنَ سَهْمُهُ فِي الرَّقِيقِ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ (وَالْغَالُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ يُحَرِّقُ رَحْلَهُ) سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (إلَّا السِّلَاحَ، وَالْمُصْحَفَ، وَالْحَيَوَانَ) وَكَذَا نَفَقَتُهُ. يَعْنِي: يَجِبُ حَرْقُ ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْخِرَقِيُّ وَالْآجُرِّيُّ مِنْ التَّحْرِيقِ إلَّا الْمُصْحَفَ وَالدَّابَّةَ. وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ.

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ تَحْرِيقَ رِجْلِ الْغَالِّ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ لَا الْحَدِّ. فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ بِحَسَبِ

الْمَصْلَحَةِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

ص: 185

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: مُرَادُهُ بِالْحَيَوَانِ: الْحَيَوَانُ بِآلَتِهِ، مِنْ سَرْجٍ وَلِجَامٍ وَحَبْلٍ وَرَحْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَلَفِهَا.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُحَرِّقُ كُتُبَ الْعِلْمِ وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا لَا يُحَرَّقَانِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا يُحَرِّقُ كُتُبَ عِلْمِ وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ ثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ لَا تُحَرَّقُ وَقَالَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُحَرَّقَ. انْتَهَيَا.

وَقِيلَ: تُحَرَّقُ ثِيَابُهُ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: إلَّا الْمُصْحَفَ، وَالْحَيَوَانَ، وَثِيَابَ سُتْرَتِهِ.

فَوَائِدُ

الْأُولَى: مَا لَمْ تَأْكُلْهُ النَّارُ، يَكُونُ لِرَبِّهِ. وَكَذَا مَا اسْتَثْنَى مِنْ التَّحْرِيقِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: يُبَاعُ الْمُصْحَفُ، وَيُتَصَدَّقُ بِهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ سَهْمُهُ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

الثَّالِثَةُ: يُؤْخَذُ مَا غَلَّهُ مِنْ الْمَغْنَمِ. فَإِنْ تَابَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ: رَدَّ لِلْمَغْنَمِ. وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ: رَدَّ خُمُسَهُ لِلْإِمَامِ، وَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ

ص: 186

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

الرَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ لِإِحْرَاقِ رَحْلِهِ: أَنْ يَكُونَ الْغَالُّ " حَيًّا " نَصَّ عَلَيْهِ " حُرًّا مُكَلَّفًا " وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مُلْزَمًا. ذَكَرَهُ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مُسْلِمًا.

وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: أَنْ لَا يَكُونَ بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: يُحَرِّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْضًا. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَبَنَيَاهُمَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ صَحَّ الْبَيْعُ: لَمْ يُحَرِّقْ، وَإِلَّا حَرَّقَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

الْخَامِسَةُ: يُعَزَّرُ الْغَالُّ أَيْضًا، مَعَ إحْرَاقِ رَحْلِهِ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ. لَكِنْ لَا يُنْفَى. نَصَّ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ السَّارِقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يُحَرَّقُ رَحْلُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَالِّ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَأَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ سَهْمٌ أَوْ لَا.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّ مَنْ سَتَرَ عَلَى الْغَالِّ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَا أُهْدِيَ لَهُ مِنْهَا، أَوْ بَاعَهُ أَمَامَهُ، أَوْ حَابَاهُ: لَا يَكُونُ غَالًّا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا الْآجُرِّيَّ. فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ غَالٌّ أَيْضًا.

الثَّالِثُ: لَوْ غَلَّ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ: لَمْ يُحَرَّقْ رَحْلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ.

ص: 187

قَوْلُهُ (وَمَا أُخِذَ مِنْ الْفِدْيَةِ، أَوْ أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ، أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ: فَهُوَ غَنِيمَةٌ) بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.

فَأَمَّا مَا أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ، أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُهْدَى فِي أَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ لَا. فَإِنْ أُهْدِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ: فَهُوَ غَنِيمَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ هُوَ لِمَنْ أُهْدِيَ لَهُ.

وَعَنْهُ هُوَ فَيْءٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَإِنْ أُهْدِيَ مَنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَقِيلَ: هُوَ لِمَنْ أُهْدِيَ لَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: هُوَ فَيْءٌ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: إذَا أُهْدِيَ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقِيلَ: هُوَ غَنِيمَةٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

وَعَنْهُ يَكُونُ لِمَنْ أُهْدِيَ لَهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ: فَلَهُ، وَإِلَّا فَغَنِيمَةٌ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَإِنْ كَانَ أُهْدِيَ إلَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: فَهُوَ لَهُ.

ص: 188

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَسْقَطَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ حَقَّهُ، وَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا: فَهُوَ لِلْبَاقِينَ. وَفِي الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ مِلْكُ الْمُتَمَلِّكِ، وَفِي مِلْكِهِ بِتَمَلُّكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْلِكُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَإِنَّمَا يَمْلِكُونَ إنْ تَمَلَّكُوا.

وَقَالَ أَيْضًا: لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إذَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ لَمْ يَمْلِكْ حَقَّهُ مِنْهَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اخْتَرْت تَمَلُّكَهَا. فَإِذَا اخْتَارَهُ مَلَّكَهُ حَقَّهُ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَإِنْ أَسْقَطَ كُلٌّ مِنْ الْغَانِمِينَ حَقَّهُ: فَهُوَ فَيْءٌ.

ص: 189