المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إبراء ذوي العاهات وإحياء الموتى وكلام الصبيان وشهادتهم له بالنبوة - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٧

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

الفصل: ‌إبراء ذوي العاهات وإحياء الموتى وكلام الصبيان وشهادتهم له بالنبوة

"‌

‌إبراء ذوي العاهات وإحياء الموتى وكلام الصبيان وشهادتهم له بالنبوة

":

ومن ذلك: إبراء ذوي العاهات، وإحياء الموتى، وكلامهم له، وكلام الصبيان وشهادتهم له بالنبوة.

روى البيهقي في الدلائل: أنه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا إلى الإسلام، فقال: لا أومن بك حتى يحيي لي ابنتي، فقال صلى الله عليه وسلم:"أرني قبرها"، فأراه إياها، فقال صلى الله عليه وسلم:"يا فلانة"،

إبراء ذوي العاهات وإحياء الموتى وكلامهم له وكلام الصبيان وشهادتهم له بالنبوة:

"ومن ذلك إبراء ذوي العاهات" أي: الآفات: جمع عاهة، وهي في تقدير فعلة، بفتح العين، "وإحياء الموتى" مصدر مضاف لمفعوله، والفاعل الله، أو النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سببه، وإن كان الفاعل الحقيقي هو الله، وهو من أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم، ولذا قال في البردة:

لو ناسبت قدره آياته عظمًا

أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم

ومعناه: أنه لا يعد شيء من معجزاته عظيمًا بالنسبة إليه، إلا أن يكون كل أحد لو دعا باسمه وتوسل في إحياء الموتى، وقع له ذلك واستشكل، بأن منها القرآن، وفي حديث: آية من كتاب الله خير من محمد وآله، فكيف لا يكون فيها ما يناسب قدره شرفًا، وأجيب: بأن المراد ما أحدثه الله على يديه والقرآن صفة قديمة لله، لكن الحديث المذكور، قال الحافظ وغيره: لم أقف عليه، "وكلامهم له" بدون إحياء، فالعطف مغاير لا خاص على عام؛ كما توهم، "وكلام الصبيان" الذين لم يصلوا لسن التكلم، ولذا عطف على كلام الموتى؛ لأنه ليس من شأنهم الكلام، وأخره لأنهم أحياء، شأنهم الكلام في الجملة، فهو دونه مرتبة، "وشهادتهم له بالنبوة" أي: قول من في المهد أنك نبي الله ورسوله، وعطفه على ما قبله خاص على عام، وخصهم بالذكر؛ لأن نطقهم نفسه معجزة، وإيمان الموتى به بعد إحيائهم ليس مقصودًا بكونه معجزة، بل المقصود من حيث كونه معجزة نفس الإحياء، وإزالة المرض عن ذوي العاهات.

"روى البيهقي في الدلائل" النبوية عن "أنه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا إلى الإسلام، فقال: لا أؤمن بك حتى يحيي لي ابنتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرني قبرها" فأراه إياها، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا فلانة" أي: ناداها باسمها الخاص كما في رواية، فنسي الراوي اسمها، فكنى بفلانة،

ص: 61

فقالت: لبيك وسعديك. فقال صلى الله عليه وسلم: أتحبين أن ترجعي؟ فقالت: لا والله يا رسول الله، إني وجدت الله خيرًا لي من أبوي، ووجدت الآخرة خيرًا لي من الدنيا.

وروى الطبري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الحجون كئيبًا حزينًا، فأقام به ما شاء الله ثم رجع مسرورًا قال:"سألت ربي عز وجل فأحيا لي أمي فآمنت بي ثم ردها".

وكذا روي من حديث عائشة أيضًا إحياء أبويه صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به، أورده السهيلي في الروض، وكذا الخطيب في السابق واللاحق

"فقالت" وقد خرجت من قبرها، "لبيك" إجابة لك بعد إجابة، "وسعديك" إسعادًا، لك بعد إسعاد، ومعناه سرعة الإجابة والانقياد، فقال صلى الله عليه وسلم:"أتحبين أن ترجعي"؟ كذا في نسخ وهي ظاهرة، وفي بعضها: أن ترجعين بالنون، وهي لغة؛ كقوله:

إن تقرآن على أسماء ويحكما

مني السلام وأن لا تشعرا أحدا

"فقالت: لا والله يا رسول الله" لا أحب ذلك، "إني وجدت الله" حين انتقلت إلى دار كرامته "خيرًا لي من أبوي" وما عندهما "ووجدت الآخرة خيرًا لي في الدنيا" لما فيها من التعب، وفيه إن صح: أن أطفال الكفار غير معذبين، وهو الأصح، وهذه القصة أوردها في الشفاء، بلفظ: وعن الحسن، أي: البصري: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه طرح بنية له في وادي كذا، فانطلق معه إلى الوادي، وناداها باسمها:"يا فلانة أحيي بإذن الله تعالى"، فخرجت وهي تقول: لبيك وسعديك، فقال لها:"إن أبوك قد أسلما، فإن أحببت أن أردك عليها"؟، قالت: لا حاجة لي فيهما، وجدت الله خيرًا لي منهما، ولم يذكر مخرجه السيوطي من رواه.

"وروى الطبري" الحافظ، محب الدين، أحمد بن عبد الله، بن محمد المكي، فقيه الحرم ومحدثه، "عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الحجون" في حجة الوداع "كئيبًا حزينًا" صفة لازمة لكئيبًا، "فأقام به ما شاء الله" أن يقوم "ثم رجع مسرورًا، قال" يخاطب عائشة لا قالت له: نزلت من عندي وأنت باك، حزين، مغتم، فبكيت لبكائك، ثم إنك عدت إلي وأنت فرح متبسم، فمم ذاك يا رسول الله؟ قال:"سألت ربي عز وجل فأحيا لي أمي فآمنت بي، ثم ردها" إلى الموت، "وكذا روي من حديث عائشة أيضًا إحياء أبويه صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به" جميعًا، "أورده السهيلي في الروض، وكذا الخطيب في" كتاب "السابق واللاحق" أي: المتقدم والمتأخر، أي: المنسوخ والناسخ.

ص: 62

قال السهيلي: إن في إسناده مجاهيل، وقال ابن كثير: إنه منكر جدًا، وتقدم البحث في ذلك في أوائل المقصد الأول.

وعن أنس أن شابًا من الأنصار توفي وله أم عجوز عمياء، فسجيناه وعزيناها، فقالت: مات ابني؟ قلنا: نعم، فقالت: اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملن علي هذه المصيبة، فما برحنا....

"قال السهيلي: إن في إسناده مجاهيل" ومع ذلك قد قواه بقوله بعد: والله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء ونبيه أهل أن يختصه بما شاء من فضله، وينعم عليه بما شاء من كرامته.

"وقال ابن كثير: إنه منكر" أي: ضعيف "جدًا" لا موضوع، فالمنكر من أقسام الضعيف، "وتقدم البحث في ذلك في أوائل المقصد الأول" وقدمت ثمة فوائد، وأن الصواب؛ أن الحديث ضعيف، فقد تجوز روايته في الفضائل والمناقب، كما عليه الخطيب، وابن عساكر، وابن شاهين، والسهيلي، والمحب الطبري، وابن المنير، وابن سيد الناس وغيرهم، لا موضوع كما زعم جماعة من الحفاظ، ولا صحيح كما جازف بعض.

"وعن أنس: أن شابًا من الأنصار" لم يسم "توفي وله أم عجوز عمياء" إشارة إلى شدة حزنها لكبرها وعجزها المحوج لولدها، "فسجيناه" بمهملة وجيم: غطيناه أو كفناه، "وعزيناها" أي: صبرناها وسليناها بذكر ما لها من الأجر ونحوه، ولعل وجه المبادرة بتعزيتها وقت الموت، أنهم رأوا عندها جزعًا قويًا، "فقالت: مات" أي: أمات "ابني" فهمزة الاستفهام مقدرة، وقالت ذلك لأنها لم تعلم، أو لذهولها بالمصيبة، أو لذكر ما بعده، "قلنا: نعم، فقالت: اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك" لا ينافي أنه أنصاري؛ لأنه لا مانع أن أمه مهاجرة، أو الهجرة الانتقال من بلد إلى آخر، وقد تكون سكنت في مكان بعيد، فهاجرت منه، وإن كانت أنصارية نسبًا، "وإلى نبيك" الهجرة إلى الله بالهجرة إلى نبيه، وإلا فالله معها أينما كانت، "رجاء" بالنصب مفعول له، "أن تعينني" بالفوقية: خطابًا لله؛ لأنه هو المعين "على كل شدة" صعوبة، أي: على كل أمر شاق، وعلقته بأن المشعرة بعدم الجزم، باعتبار أن خلوصها في هجرتها مما يخفى على غيرها، ومن شأنه أن يشك فيه؛ لأنه لا يعلم ذلك، أو باعتبار القبول، أو تجاهلا رجاء للإجابة، "فلا تحملن" بمهملة، وشد الميم، ونون التأكيد، بمعنى: لا تكلفني، لأن التكليف كالحمل الثقيل، فاستعير له؛ كقوله: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ، أو المعنى: لا تنزلن "علي هذه المصيبة" بدوام موت ولدها، فأسألك رفعها عني بإحيائه، "فما برحنا" بكسر الراء، أي: ما ذهبنا من مكاننا

ص: 63

أن كشف الثوب عن وجهه فطعم وطعمنا. رواه ابن عدي وابن أبي الدنيا والبيهقي وأبو نعيم.

وعن النعمان بن بشير قال: كان زيد بن خارجة من سراة الأنصار، فبينما هو يمشي في طريق من طرق المدينة بين الظهر والعصر إذ خر فتوفي، فأعلمت به الأنصار، فأتوه فاحتملوه إلى بيته، وسجوه كساء وبردين، وفي البيت نساء من نساء الأنصار يبكين عليه، ورجال من رجالهم، فمكث على حاله

الذي كنا فيه، "أن كشف" ولدها "الثوب عن وجهه" بعدما غطى به، "فطعم" أكل "وطعمنا" أكلنا معه من طعام قدم لنا، وعاش إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وروي: أنه بقي بعده وهلكت أمه في حياته، ووجه ذكره في المعجزات؛ أنه أحيي بالدعاء باسمه صلى الله عليه وسلم وحضوره، فلا يقال: هذه كرامة لأم الشاب، "رواه ابن عدي، وابن أبي الدنيا، والبيهقي، وأبو نعيم" بهذا اللفظ، ورووه أيضًا عن أنس، بلفظ: كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتته عجوز عمياء مهاجرة، معها ابن لها، قد بلغ فلم يلبث أن أصابه وباء بالمدينة، فمرض أيامًا، ثم قبض، فغمضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، أي: أنسًا بجهازه، فلما أردنا أن نغسله، قال:"يا أنس! ائت أمه فأعلمها"، فأعلمها، فجاءت حتى جلست عند قدميه، فأخذت بهما، ثم قالت: إني أسلمت إليك طوعًا، وخلعت الأوثان زهدًا، وهاجرت إليك رغبة، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني في هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحمله، فوالله ما انقضى كلامها حتى حرك قميه، وألقى الثوب عن وجهه، وطعم وطعمنا معه، وعاش حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وهلكت أمه.

"وعن النعمان بن بشير" بن سعد، بن ثعلبة الأنصاري، الخزرجي، له ولأبيه صحبة، سكن الشام، ثم ولي إمرة الكوفة، ثم قتل بحمص سنة خمس وستين، وله أربع وستون سنة، قال: كان زيد بن خارجة" بالخاء المعجمة والجيم، ابن زيد الأنصاري الخزرجي، شهد أبوه أحدًا، وقتل بها هو وابنه سعيد بن خارجة، وشهد زيد بدرًا، ومات في خلافة عثمان، ذكر البخاري وغيره أنه الذي تكلم بعد الموت، وقيل: أبوه، وهو وهم؛ لأنه قتل بأحد، "من سراة" بفتح السين وفي نسخة: سروات، وكلاهما صحيح. قال المجد: السراة اسم جمع جمعه سروات، أي: أشراف "الأنصار" زاد ابن منده في روايته: وخيارهم، "فبينما هو يمشي في طريق من طرق المدينة" وفي رواية: في بعض أزقة المدينة، فالمراد: الطرق التي يسلك منها في المدينة، "بين الظهر والعصر، إذ خر" سقط من قيام، "فتوفى" مات، "فأعلمت به الأنصار، فأتوه فاحتملوه" من المكان الذي سقط فيه، وذهبوا به "إلى بيته، وسجوه كساء وبردين، وفي البيت نساء من نساء الأنصار يبكين عليه، ورجال من رجالهم، فمكث على حاله" مسجى كأنهم شكوا في

ص: 64

حتى إذا كان بين المغرب والعشاء إذ سمعوا صوت قائل يقول: أنصتوا أنصتوا، فنظروا فإذا الصوت من تحت الثياب، فحسروا عن وجهه وصدره، فإذا القائل يقول على لسانه: محمد رسول الله النبي الأمي خاتم النبيين، لا نبي بعده، كان ذلك في الكتاب الأول، ثم قال: صدق صدق، ثم قال: هذا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته. رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت.

وعن سعيد بن المسيب أن رجلا من الأنصار توفي، فلما كفن أتاه القوم يحملونه

موته؛ لكونه فجأة، فأخروا تجهيزه ودفنه، "حتى إذا كان بين المغرب والعشاء، إذ سمعوا صوت قائل يقول: أنصتوا أنصتوا" بالتكرير للتأكيد، أي: استمعوا، "فنظروا" تأملوا، "فإذا الصوت من تحت الثياب" المسجى بها، "فحسروا" كشفوا "عن وجهه" الغطاء، "وصدره فإذا القائل يقول على لسانه" مقتضى هذا أنه لم يتكلم، بل ملك مثلا، وليس بمراد إذا الكلام في كلام الموتى، وكأنه نسبه لقائل، وإن كان هو المتكلم لموته، ولذا تصرف فيه في الشفاء، فأتى بمعناه المراد، فقال: فرفع وسجى، إذ سمعوه بين العشاءين والنساء يصرخن، يقول: أنصتوا أنصتوا، فقال:"محمد رسول الله، النبي الأمي، خاتم النبيين" أي: آخرهم بعثًا؛ كما مر "لا نبي بعده، كان ذلك" المذكور "في الكتاب الأول" أي: جنسه من الكتب المتقدمة، كالتوراة، أو اللوح المحفوظ، المكتوب فيه كل ما قدره الله، "ثم قال" زيد مخاطبًا من عنده، أو من يصح توجه الخطاب إليه، أو مجردًا من نفسه، مخاطبًا مأمورًا، إن كان قوله:"صدق صدق" أمرًا؛ كما قاله بعض شراح الشفاء، فإن كان ماضيًا، كما اعتمده آخر، فهو ظاهر، أي: صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما بلغ به عن الله، والتكرير للتأكيد، "ثم قال: هذا رسول الله" فيه أنه حضر عنده وشاهده، فأشار إليه، "السلام عليك يا رسول الله" خص وصف الرسالة بالذكر؛ لانتفاع الأمة بها الذي هو من جملتهم، "ورحمته" إنعامه وإحسانه، أو إرادتهما، "وبركاته" جمع بركة، وهو الخير الإلهي.

وفي الشفاء: وذكر أبا بكر، وعمر، وعثمان، ثم عاد ميتًا، أي: ذكرهم بالثناء عليهم بما فعلوه في خلافتهم، ولذا لم يذكر عليًا؛ لأنه لم يدرك خلافته، إذ موته في زمان عثمان، "رواه أبو بكر" عبد الله "بن أبي الدنيا" القرشي، "في كتاب من عاش بعد الموت" وكذا رواه ابن منده وغيره، وأورد أن الترجمة في معجزته بإحياء الموتى، وكلامهم له عليه الصلاة والسلام بعد الموت، وهذا الحديث ليس من ذلك، إذ هو بعد وفاة المصطفى بدهر، وأجيب بأنه من صحبة وكرامات الأمة، فضلا عن الصحب من جملة كراماته.

"وعن سعيد بن المسيب: أن رجلا من الأنصار توفي، فلما كفن أتاه القوم يحملونه،

ص: 65

تكلم فقال: محمد رسول الله، أخرجه أبو بكر بن الضحاك.

وأخرج أبو نعيم: أن جابرًا ذبح شاة وطبخها، وثرد في جفنة، وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل القوم، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم:"كلوا ولا تكسروا عظمًا"، ثم إنه عليه الصلاة والسلام جمع العظام ووضع يده عليها ثم تكلم بكلام فإذا بالشاة قد قامت تنفض أذنيها، كذا رواه والله أعلم؟!

وعن معرض بن معيقيب اليماني قال: حججت حجة الوداع، فدخلت دارًا بمكة، فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت منه عجبًا، جاءه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد، فقال له.

تكلم، فقال: محمد رسول الله" يحتمل أنه زيد المذكور، وأنه تكلم مرتين، فبذلك قبل التكفين، وبلفظ: محمد رسول الله بعده، ويحتمل أنه غيره، لكن الأصل عدم التعدد، "أخرجه أبو بكر بن الضحاك".

"وأخرج أبو نعيم: أن جابرًا" هو ابن عبد الله، "ذبح شاة وطبخها، وثرد" فت الخبز "في جفنة" ووضع عليه الشاة، "وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكل القوم" الذين عنده معه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم:"كلوا ولا تكسروا عظمًا"، ثم إنه عليه الصلاة والسلام جمع العظام في وسط الجفنة، "ووضع يده عليها، ثم تكلم بكلام" قال جابر: لم أسمعه، "فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها" فقال:"خذ شاتك يا جابر، بارك الله لك فيها"، فأخذتها ومضيت، وإنها لتنازعني أذنها حتى أتيت بها المنزل، فقالت المرأة: ما هذا يا جابر؟ قلت: والله هذه شاتنا التي ذبحناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحياها، فقالت: أشهد أنه رسول الله، "كذا رواه" أبو نعيم، "فالله أعلم" بصحته، وكذا رواه الحافظ محمد بن المنذر، والمعروف بشكر في كتاب العجائب والغرائب.

"و" روى "عن معرض" بضم الميم، وفتح المهملة، وكسر الراء الثقيلة، ثم ضاد معجمة؛ كما في الإصابة وفي التلمساني وغيره اسم فاعل من أعرض، وروي بكسر أوله كأنه آلة، "ابن معيقيب" بيان آخره، وقيل: لام، "اليماني" صحابي جاء عنه هذا الحديث، تفرد به عنه ولده عبد الله، "قال: حججت حجة الوداع، فدخلت دارًا بمكة، فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم" ووجهه مثل دارة البدر؛ كما في رواية الخطيب.

وفي رواية ابن قانع: كأن وجهه القمر، "ورأيت منه عجبًا" أمرًا عجيبًا وقع عنده، "جاءه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد" وقد لفه في خرقة؛ كما في الرواية، فقال له

ص: 66

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، من أنا"؟ قال: أنت رسول الله، قال:"صدقت بارك الله فيك"، ثم إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب، فكنا نسميه مبارك اليمامة. رواه البيهقي.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، من أنا "؟، قال: أنت رسول الله، قال:"صدقت بارك الله فيك"، ثم إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب، فكنا نسميه مبارك اليمامة" لقول المصطفى له:"بارك الله فيك"، "رواه البيهقي"، وابن قانع، والخطيب من طريق محمد بن يونس الكديمي، قال: حدثنا شاصونة بن عبيد، قال: أخبرنا معرض بن عبد الله، بن معرض، بن معيقيب، عن أبيه، عن جده معرض بن معيقيب، قال: حججت، فذكره.

قال الدارقطني: الكديمي متهم بوضع الحديث، ومما تكلم به فيه حديث شاصونة، فقيل: إنه حدث عمن لم يخلق، ولذا قال ابن دحية وغيره: إنه موضوع، لكنه ورد من غير طريق الكديمي.

قال في الإصابة: معرض وشيخه مجهولان، وكذلك شاصونة، واستنكروه على الكديمي، لكن ذكر أبو الحسن العتقي في فوائده، قال: سمعت أبا عبد الله البجلي، مستملي ابن شاهين، يقول: سمعت بعض شيوخنا يقول: لما أملى الكديمي هذا الحديث استعظمه الناس، وقالوا: هذا كذب من هو شاصونة، فلما كان بعد مدة، جاء قوم ممن جاء من عدن، فقالوا: دخلنا قرية يقال لها الحردة، فلقينا بها شيخًا، فسألناه: هل عندك شيء من الحديث؟ قال: نعم، فقلنا: ما اسمك؟ قال: محمد بن شاصونة، وأملى علينا هذا الحديث فيما أملى عن أبيه، وأخرجه أبو الحسن بن جميع في معجمه، عن العباس بن محمد بن شاصونة بن عبيد عن معرض بن عبد الله بن معرض عن أبيه عن جده، وأخرجه الخطيب عن الصوري عن ابن جميع، وكذا أخرجه البيهقي من طريقه، وأخرجه الحاكم في الإكليل من وجه آخر عن العباس بن محمد بن شاصونة، انتهى.

وذكر نحوه السيوطي في خصائصه الكبرى، وقال: فقد وقعت روايته من طرق، فهو حديث حسن، قال: وسبب إنكاره أنه من الأمور الخارقة للعادة، وقد وقع في حجة الوداع مع كثرة الناس، فكان حقه أن يشتهر، انتهى، لكن تحسينه لا يظهر، إذ مداره على شاصونة، وهو مجهول كشيخه وشيخ شيخه؛ كما في الإصابة، فغاية ما يفيده تعدد طرقه عن شاصونة، أنه ضعيف لزوال ما كان يخشى أنه من وضع الكديمي، أما الحسن، فمن أين، ومداره على مجاهيل ثلاثة، وقد قال الشفاء: يعرف ذلك بحديث شاصونة اسم راويه، وهو بشين معجمة، وألف، وصاد مهملة، وواو ساكنة، ونون، وهاء.

ص: 67

وعن فهد بن عطية، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبي قد شب لم يتكلم قط فقال له:"من أنا"؟ قال: أنت رسول الله، رواه البيهقي.

وعن ابن عباس قال: إن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني به جنون، وإنه ليأخذ عند غدائنا وعشائنا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره فثع ثعة وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود يسعى. رواه الدارمي.

وقوله: "ثع" يعني قاء.

"وعن فهد بن عطية" بفاء مفتوحة، وهاء ساكنة، ودال مهملة، وفي نسخة: وراء مهملة، قال في المقتفى: لا أعرفه بدال، ولا براء، والذي في البيهقي؛ أنه عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه، فيحتمل أن تحرف على الناسخ، انتهى، وهو كما قال: فليس في الصحابة من يسمى بذلك، بدال، ولا براء، إذ لم يذكر ذلك في الإصابة مع استيعابه، ولا في القسم الرابع، فإنما هو عن شمر، بكسر الشين المعجمة، وسكون الميم، وراء بلا نقط، ابن عطية الأسدي، الكاهلي، الكوفي صدوق، من أتباع التابعين عن بعض أشياخه، فهو مرسل، "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبي قد شب" كبر وصار شابًا، وهو "لم يتكلم قط" من طفولته لشبابه؛ لأنه خلق أخرس، "فقال له:"من أنا" قال: أنت رسول الله". فأنطقه الله، معجزة بعدما كان أبكم، فهو بمنزلة الميت والجماد، لعدم القدرة على النطق، "رواه البيهقي" مرسلا؛ كما علم، فعجب للمصنف، يعزوه له، ويتبع عياضًا في قوله: فهد أو فهر، مع أنه لم يعزه لأحد.

"وعن ابن عباس" مما رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والبيهقي، "قال: إن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن ابني به جنون، وإنه ليأخذه عند غدائنا" بدال مهملة "وعشائنا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره" بيده الميمونة، "فثع ثعة" بفتح المثلثة، وروي بفوقية بدلها، وشد العين المهملة، "وخرج من جوفه" بطنه "مثل الجرو" بجيم مثلثة: الصغير من أولاد الكلاب والسباع، "الأسود" ويطلق الجر، وأيضًا على صغار الحنظل والقثاء، وهو محتمل هنا؛ كما قال بعض. "ويسعى" أي: يمشي، والذي في الشفاء، فشفي، بالبناء للمفعول، أي: شفاه الله، "رواه الدارمي" كذا في بعض النسخ، "وقوله: ثع، يعني: قاء" مرة واحدة؛ كما قاله جمهور أهل اللغة.

وقال بعضهم: يعني سعل، وفي القاموس في المثلثة ثع يثع: قاء، وفيه في الفوقية الثع والثعة، التقيؤ.

ص: 68

وأصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فأتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي امرأة أحبها وأخشى إن رأتني تقذرني فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وردها إلى موضعها، وقال:"اللهم اكسه جمالا"، فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرًا، وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى.

وقد وفد على عمر بن عبد العزيز رجل من ذريته فسأل عمر: من أنت؟ فقال:

أبونا الذي سالت على الخد عينه

فردت بكف المصطفى أيما رد

وروى ابن أبي شيبة عن أم جندب، أنه صلى الله عليه وسلم أتته امرأة من خثعم، معها صبي به بلاء لا يتكلم، فأتى بماء فمضمض فاه، وغسل يديه، وأعطاه إياه، وأمرها بسقيه، ومسحه به، فبرأ الغلام، وعقل عقلا يفضل عقول الناس، والمتبادر أن هذه قصة أخرى غير التي ذكرها المصنف لما بينهما من الخلاف، فلا وجه لجعلهما واحدة، "وأصيبت" بالتأنيث بسهم، ويقال: برمح، وفي نسخ: أصيب بالتذكير للتأويل بالعضو، أو للفصل بينهما بقوله:"يوم أحد" وهو مسوغ؛ كقوله: لا يقبل منها شفاعة في قراءة التحتية، "عين قتادة بن النعمان" بن زيد الأوسي، المدني، أخي أبي سعيد لأمه، شهد بدرًا وغيرها، ومات سنة ثلاث وعشرين على الصحيح، وصلى عليه عمر، ونزل في قبره، وما رواه أبو يعلى أن أبا ذر أصيبت عينه يوم أحد، فأعله ابن عبد البر؛ بأن فيه عبد العزيز بن عمران متروك، وبأن أبا ذر لم يحضر بدرًا، ولا أحدًا، ولا الخندق، "حتى وقعت على وجنته" أعلى خده وما يلي العين من الوجه، وتطلق على الوجه كله، وفي رواية: فسالت حدقته على وجنته، وأخرى صارت في يده، "فأتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال": $"إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت رددتها ودعوت الله لك، فلم تفقد منها شيئًا" فقال: "يا رسول الله! " إن الجنة لجزاء جميل، وعطاء جليل، ولكني رجل مبتلي بحب النساء، "وإن لي امرأة أحبها، وأخشى إن رأتني تقذرني" أي: تكرهني ولكن تردها، وتسأل الله لي الجنة، قال:"أفعل يا قتادة""فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وردها إلى موضعها، وقال: "اللهم اكسه جمالا". "فكانت أحسن عينيه" أجملهما وأقواهما حسنًا، أي: أحسن عينيه قبل ما أصيبت وردت، فلا يرد أن الشيء لا يكون أحسن من نفسه، "وأحدهما" أقواهما "نظرًا، وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى".

وفي رواية: وكان لا يدري أي عينيه أصيبت، "وقد وفد على عمر بن عبد العزيز" الإمام العادل في خلافته، "رجل من ذريته" هو حفيده عاصم بن عمر بن قتادة، "فسأله عمر: من أنت؟ فقال" على البديهة: "أبونا" رواية الأصمعي وغيره:

ص: 69

فعادت كما كانت لأول أمرها

فيا حسن ما عين ويا حسن ما خد

فوصله عمر وأحسن جائزته.

قال السهيلي: ورواه محمد بن أبي عثمان الأموي عن عمار بن نصر عن مالك بن أنس عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن أخيه قتادة بن النعمان قال: أصيبت عيناي يوم أحد فسقطتا على وجنتي، فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم فأعادهما مكانهما وبصق فيهما فعادتا تبرقان، قال الدارقطني: هذا حديث عن مالك تفرد به عمار بن نصر عن مالك وهو ثقة

أنا ابن "الذي سالت على الخد عينه

فردت بكف المصطفى أيما رد"

الذي رواه الأصمعي وغيره: أحسن الرد.

"فعادت كما كانت لأول أمرها

فيا حسن ما عين"............

بزيادة ما "ويا حسن ما خد".

هكذا رواه الأصمعي، وبه تعقب البرهان إنشاده اليعمري، ويا حسن ما رد، وعلى تقدير صحته، فلا إبطاء؛ لأن الأول معرف، والثاني منكر، "فوصله عمر وأحسن جائزته" وأنشد:

تلك المكارم لا قعبان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وقال: بمثل هذا فليتوسل المتوسلون.

"قال السهيلي: ورواه محمد بن أبي عثمان الأموي" أبو مروان العثماني، المدني، نزيل مكة، صدوق، روى له النسائي، وابن ماجه، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين، "عن عمار بن نصر" السعدي، المروزي، نزيل بغداد، صدوق، مات سنة تسع وعشرين ومائتين، "عن مالك بن أنس، عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة" المدني، ثقة، روى له البخاري، والنسائي، وابن ماجه، مات سنة تسع وثلاثين ومائة، "عن أبيه" عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري، المدني، الثقة، التابعي الوسط، "عن أبي سعيد الخدري" سعد بن مالك، له ولأبيه صحبة، واستصغر يوم أحد، وشهد ما بعدها، وروى الكثير، "عن أخيه" لأمه "قتادة بن النعمان، قال: أصيبت عيناي يوم أحد" ويروى يوم بدر، ويروى الخندق، والصحيح الأول، قاله أبو عمر:"فسقطتا على وجنتي" بالتثنية، "فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم، فأعادهما مكانهما وبصق فيهما، فعادتا تبرقان" تلمعان.

"قال الدارقطني: هذا حديث عن مالك تفرد بن عمار بن نصر" أي: لم يروه غيره، "عن مالك، وهو ثقة" فتقبل زيادته، لكن قال النووي: قال أبو نعيم: سالت عيناه وغلطوه انتهى،

ص: 70

رواه الدارقطني عن إبراهيم الحربي عن عمار بن نصر.

وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن قتادة قال: كنت يوم أحد أتقي السهام بوجهي دون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أخرها سهمًا نذرت منه حدقتي فأخذتها بيدي وسعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها في كفي دمعت عيناه فقال:"اللهم قِ قتادة كما وقى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرًا".

وفي البخاري في غزوة خيبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: أين علي بن أبي طالب فقالوا: يا رسول الله هو يشتكي عينيه، قال:

وقد جمع بأن رواية الإفراد من التعبير عن العضوين المتفقين ذاتًا وصفة واسمًا بأحدهما، وهو فصيح مشهور، كما يقال: نظر بعينه، ومشى بقدمه، وبأن إحداهما سقطت حدقتها، وخرجت عن محلها بالكلية والأخرى خرج بعضها ولم ينفصل، فصدق أن كلا منهما أصيب، وخرجت حدقتهما، ويرده قوله: فسقطتا على وجنتي.

"ورواه الدارقطني عن إبراهيم الحربي" الحافظ المشهور، فحصل لمحمد بن أبي عثمان، متابع في روايته، "عن عمار بن نصر" لكن لم يحصل متابع لعمار في روايته عن مالك.

"وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن قتادة، قال: كنت يوم أحد أتقي السهام بوجهي دون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان آخرها سهمًا نذرت" بالنون؛ سقطت "منه حدقتي" بالإفراد، "فأخذتها بيدي وسعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها في كفي دمعت" -بفتح الميم- عيناه، فقال:"اللهم قِ" فعل أمر، أي: احفظ "قتادة، كما وقى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرًا" فكان كذلك.

وأخرج البغوي، وأبو يعلى من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن جده؛ أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فالوا: لا حتى نستأمر رسول الله فاستأمروه، فقال:"لا"، ثم دعاه فوضع راحته على حدقته، ثم غمرها، فكان لا يدري، أي: عينيه أصيب، كذا في الرواية يوم بدر، وقد علمت أن الصحيح يوم أحد، "وفي البخاري في غزوة خيبر" وفي غيرها من صحيحه، عن سهل بن سعد؛ "أنه صلى الله عليه وسلم، قال""لأعطين الراية غدًا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله" فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها، فقال:

"أين علي بن أبي طالب"؟ فقالوا: يا رسول الله! هو يشتكي عينيه" وفي حديث سلمة عند البخاري: وكان رمدًا وللطبراني: أرمد شديد الرمد، ولأبي نعيم: أرمد لا يبصر، قال:

ص: 71

فأرسلوا إليه، فأتى به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع.

وعند الطبراني من حديث علي قال: فما رمدت ولا صدعت منذ دفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر.

وفي رواية مسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال: فأرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فجئت به أقوده أرمد، فبصق في عينيه فبرأ.

وعند الحاكم من حديث علي قال: فوضع صلى الله عليه وسلم رأسي في حجره ثم بصق في راحته فدلك بها عيني. وعند الطبراني: فما اشتكيتهما حتى الساعة، قال: ودعا لي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم أذهب عنه الحر والقر

فأرسلوا إليه" قال المصنف: بكسر السين، أمر من الإرسال، وبفتحها، أي: قال سهل: فأرسلوا، أي: الصحابة إلى علي، وهو بخيبر لم يقدر على مباشرة القتال لرمده، "فأتى به" الآتي به سلمة بن الأكوع، "فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه" فيه تجوز بينته رواية علي عند الحاكم الآتية، "ودعا له" فقال: "اللهم أذهب عنه الحر والقر" كما يأتي، "فبرأ" بفتح الراء والهمزة، بوزن ضرب ويجوز كسر الراء بوزن علم، كما في الفتح "حتى كأن لم يكن به وجع" وتتمة ذا الحديث مرت في خيبر، "وعند الطبراني من حديث علي، قال: فما رمدت ولا صدعت منذ دفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم خيبر".

"وفي رواية مسلم من طريق إياس بن سلمة" بن الأكوع، التابعي، الثقة، مات سنة تسع عشرة ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة، "عن أبيه قال: فأرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي، فجئت به أقوده أرمد، فبصق في عينيه فبرأ.

قال الحافظ: فظهر من هذا؛ أنه الذي أحضره، ولعل عليًا حضر إليهم، ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فضر من المكان الذي نزل به، أو بعث إليه إلى المدينة، فصادف حضوره، فلا ينافي رواية البخاري عن سلمة: كان علي تخلف عن النبي، وكان رمدًا، فقال: أنا أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلحق به. "وعند الحاكم من حديث علي، قال: فوضع صلى الله عليه وسلم رأسي في حجره، ثم بصق في راحته" لفظه في ألية راحته، والألية: اللحمة التي تحت الإبهام، أو باطن الكف، "فدلك بها عيني" بالتثنية.

"وعند الطبراني" عن علي: "فما اشتكيتهما حتى الساعة، قال: ودعا لي صلى الله عليه وسلم، فقال: "اللهم أذهب عنه الحر والقر". بضم القاف البرد، وحكى ابن قتيبة تثليثه، وإنما دعا له بذلك،

ص: 72

قال: فما اشتكيتهما حتى يومي هذا.

وأصيب سلمة يوم خيبر أيضًا بضربة في ساقه، فنفث فيها صلى الله عليه وسلم ثلاث نفثات فما اشتكاها قط. رواه البخاري.

ونفث في عيني فديك وكانتا مبيضتين لا يبصر بهما شيئًا، وكان وقع على بيض حية، فكان يدخل الخيط في الإبرة وإنه لابن ثمانين سنة وإن عينيه لمبيضتان، رواه بن أبي شيبة والبغوي والبيهقي والطبراني وأبو نعيم.

مع أن تألمه كان من الرمد، لأنه علم أن رمده من زيادة الدم الحاصل من الحر، فدعا له بإذهابه عنه، وزاد عليه القر، لأنه ضده، فربما أذاه لقوته بعدم ضده، "قال: فما اشتكيتهما حتى يومي هذا".

وفي رواية: وكان علي يلبس القباء المحشو الثخين في شدة الحر، فلا يبالي الحر، ويلبس الثوب الخفيف في شدة البرد، فلا يبالي البرد فسئل فأجاب: إن ذلك بدعائه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، "وأصيب سلمة" بن الأكوع "يوم خيبر أيضًا بضربة في ساقه، فنفث فيها" لفظ الحديث فيه، قال الحافظ وغيره: أي موضع الضربة "ثلاث نفثات" بمثلثة بعد الفاء المفتوحة فيهما جمع نفثة، وهي فوق النفخ ودون التفل وقد يكون بلا ريق بخلاف التفل، وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ، انتهى، "فما اشتكاها قط، رواه" بمعناه "البخاري" ثلاثيًا، فقال: حدثني المكي بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة بساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم! ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتها يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة، "ونفث في عيني فديك" بن عمرو السلاماني، وقيل: فريك، بالراء بدل الدال، قاله الطبراني، وقيل: فويك بالواو، قاله البغوي والأزدي، وابن شاهين، والمستغفري، وابن عبد البر وغيرهم، وقال ابن فتحون: رأيته في كتب ابن أبي حاتم وابن السكن، بالواو، كما في الإصابة، "وكانتا مبيضتين" لغشاوة غطتهما، أو هو عبارة عن العمى، "لا يبصر بهما شيئًا، وكان" سبب ذلك، أنه "وقع على بيض حية، فكان يدخل الخيط في الإبرة" لقوة بصره وصحته، "وإنه لابن ثمانين سنة" وهو سن يضعف فيه البصر، وإن لم يعرض له عارض، "وإن عينيه لمبيضتان" وفيه أن البياض لم يزل بهما مع شدة نظرهما، وهذا أعظم في المعجزة، ولا ينافيه قوله في الحديث: فأبصر، "رواه ابن أبي شيبة والبغوي" الكبير في معجم الصحابة، "والبيهقي، والطبراني، وأبو نعيم" كلهم من طريق عبد العزيز بن عمران، عن رجل من بني سلامان، عن أمه، أن خالها حبيب بن فديك حدثها: أن أباه خرج به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مبيضتان، لا يبصر بهما شيئًا، فسأله، فقال: كنت أروم جملا لي، فوقعت رجلي على بيض حية، فأصيب بصري، فنفث في عينيه، فأبصر، قال: فرأيته يدخل في الإبرة، وإنه لابن ثمانين، وإن عينيه لمبيضتان.

ص: 73