المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثالث: فيما اختص به صلى الله عليه وسلم من المباحات - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٧

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

الفصل: ‌القسم الثالث: فيما اختص به صلى الله عليه وسلم من المباحات

‌القسم الثالث: فيما اختص به صلى الله عليه وسلم من المباحات

اختص عليه الصلاة والسلام بإباحة المكث في المسجد جنبًا، قال صاحب التلخيص، ومنعه القفال، قال النووي: وما قاله في التلخيص قد يحتج له بقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد الخدري: "يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك". قال الترمذي حسن غريب.

وقد يعترض على هذا الحديث بأن عطية بن سعد.

القسم الثالث: ما اختص به صلى الله عليه وسلم من المباحات

والتخفيفات له دون غيره توسعة عليه، وتنبيهًا على أن ما خص به منها لا يلهيه عن طاعته، وإن ألهى غيره، وليس المراد بالمباح هنا ما استوى طرفاه، بل ما لا حرج في فعله، ولا في تركه.

قال في المطلب: المباح في عرف الفقهاء ما استوى طرفاه، وقد يطلق على ما لا إثم فيه، وهو المراد فيما نحن فيه؛ لأن الطرفين لم يستويا في كل الصور، فإنه يثاب على الوصال، وصفى المغنم قد يكون الراجح فعله أيضًا؛ لأنه يصرفه في أهم المهمات، وقد يكون الراجح تركه، وكذا دخول مكة بلا إحرام؛ فإنه في حال يكون راجحًا كما وجد في حال يكون الفعل أرجح لفقد ما لأجله يرجح الترك، وكذا إباحة التصدق بجميع ما يخلفه والزيادة على أربع لا تساوي فيه فإن أفعاله وأقواله كلها راجحة، فيثاب عليها، انتهى.

"اختص عليه الصلاة والسلام بإباحة المكث في المسجد جنبًا، قاله صاحب التلخيص" هو ابن القاص "ومنعه القفال" وهو المعتمد.

قال النووي: وما قاله في التلخيص قد يحتج له بقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد الخدري: "يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد" أي: يمكث فيه جنبًا "غيري وغيرك"، "قال الترمذي: حسن غريب، وقد يعترض على هذا الحديث" أي: الاحتجاج "بأن" راويه عن أبي سعيد "عطية بن سعد" العوفي، الكوفي، المتوفى سنة إحدى

ص: 152

ضعيف عند الجمهور.

ويجاب بأن الترمذي حكم بأنه حسن فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه، لكن إذا شاركه عليه السلام علي في ذلك لم يكن من الخصائص.

وقد غلط إمام الحرمين وغيره صاحب التلخيص في الإباحة.

واعلم أن معظم المباحات لم يفعلها صلى الله عليه وسلم وإن جازت له.

ومما اختص به أيضًا أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعًا، وفي اللمس وجهان.

عشرة ومائة، "ضعيف عند الجمهور" وفي التقريب: صدوق يخطئ كثيرًا، وكان شيعيًا مدلسًا، روى له أبو داود، والنسائي، والترمذي، "ويجاب بأن الترمذي حكم بأنه حسن، فلعله اعتضد" تقوى "بما اقتضى حسنه" فإن له شواهد كحديث أم سلمة، رفعته: إلا أن مسجدي حرام على حائض من النساء، وكل جنب من الرجال إلا محمدًا وأهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين، رواه البيهقي، وحديث عائشة مرفوعًا:"لا يحل المسجد لحائض ولا جنب إلا لمحمد وآل محمد" رواه البخاري في تاريخه والبيهقي، وروى ابن عساكر عن جابر نحوه، "لكن إذا شاركه عليه السلام علي في ذلك لم يكن من الخصائص" ويجاب بأن له أن يخص من شاء بما شاء، كما يأتي، فتخصيص علي ببعض خصائصه لا يمنع كونه منها، "وقد غلط إمام الحرمين وغيره صاحب التلخيص في الإباحة" لكن لا ينهض التغليط مع وجود حديث حكم مثل الترمذي بحسنه، واختلف المحدثون في تضعيف راويه عطية وتوثيقه، ووجود شواهد له كثيرة، زاد في الأنموذج، وبالعبور فيه عند المالكية، أي: لا الشافعية، لأنهم جوزوا عبور الجنب في المسجد.

"واعلم، أن معظم المباحات لم يفعلها صلى الله عليه وسلم وإن جازت له" ولعل غرضه من هذا دفع ما قد يقال لو كان مباحًا له لنقل، ولم ينقل.

"ومما اختص به أيضًا، أنه لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعًا" لما في الصحيحين، أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع ونام حتى نفخ، ثم قال فصلى ولم يتوضأ، أي: لأنه لا ينام قلبه، والأنبياء مثله في ذلك؛ لأن قلوبهم لا تنام، فهو خصوصية له على الأمم لا الأنبياء، ومر الجواب عن نومه في الوادي في آخر المقصد الثالث في نفس المتن بأجوبة عديدة، فعجيب تسويد الكاغد هنا بذكر بعضه من كلام غير المصنف، الموهم أنه ليس فيه، مع أن ما بالعهد من قدم، ولكن آفة العلم النسيان، "وفي اللمس وجهان" أحدهما: لا ينتقض قال السيوطي: وهو الأصح، والثاني:

ص: 153

قال النووي: المذهب الجزم بانتقاضه به.

واستدل القائلون بالأول بنحو حديث عائشة، عند أبي داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ. ورواه النسائي أيضًا، وقال أبو داود: وهو مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة، وقال النسائي: ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا.

واختص أيضًا بإباحة الصلاة بعد العصر، فقد فاتته ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر، ثم واظب عليهما،

النقض، وهو المعتمد عند الشافعية، كما "قال النووي: المذهب الجزم بانتقاضه به، واستدل القائلون بالأول بنحو حديث عائشة عند أبي داود" في الطهارة وأحمد؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه" وفي رواية: بعض نسائه، "ثم يصلي ولا يتوضأ، ورواه النسائي أيضًا" في الطهارة.

"وقال أبو داود: هو مرسل إبراهيم التيمي، لم يسمع من عائشة" لكن قال الحافظ: روى عنها من عشرة أوجه فهذا يجبر إرساله، ولذا قال في تخريج الرافعي: إسناد جيد قوي، وقال عبد الحق: لا أعلم له علة توجب تركه.

"وقال النسائي: ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلا" بناء على أن المرسل ما سقط منه راوٍ، أنه ما رفعه التابعي، فيقال، في هذا منقطع، وبه أخذ أبو حنيفة، فقال: لا وضوء من المس، ولا من المباشرة، إلا أن فحشت بأن يوجدا متعانقين متماسي الفرج، وذهب الشافعي إلى النقض مطلقًا، وأجاب بعض أتباعه بأن خصوصية أو منسوخ، لأنه قبل نزول قوله:{أَوْ لَامَسْتُمُ} ، ولأبي حنيفة أن يقول الأصل عدم الخصوصية وعدم النسخ حتى يثبت، والحديث صالح للحجية، وقد روى النسائي أيضًا بإسناد صحيح عن القاسم عن عائشة، قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله، وفصل مالك بين الالتذاذ أو قصده، فالنقض وبين انتفائهما فلا نقض إلا القبلة بفم مطلقًا.

"واختص أيضًا بإباحة الصلاة" أي: جنسها "بعد العصر" أي: الركعتين بعد الظهر، خاصة على ما قال:"فقد فاتته ركعتان بعد الظهر، فقضاهما بعد العصر" كما في الصحيحين عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، ثم رأيته يصليهما، فسألته، فقال:"أتاني ناس من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان"، "ثم واظب عليهما" ولم يتركهما حتى

ص: 154

ذكره الحجازي، وبجواز صلاة الوتر على الراحلة مع وجوبه عليه، كما ذكره في شرح المهذب وعبارته: كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز فعل هذا الواجب الخاص به على الراحلة. وبالصلاة على الغائب عند أبي حنيفة ومالك.

وبالقبلة في الصوم، مع قوة الشهوة، روى البخاري من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعض أزواجه وهو صائم، وكان أملككم لإربه.

لقي الله، رواه البخاري عن عائشة، "ذكره الحجازي" فجعلهما خصوصية واحدة، والسيوطي جعلهما خصوصيتين، فقال: وبإباحة الصلاة بعد العصر، وبقضاء الراتبة بعد العصر عند قوم، قال شارحه عقب الأولى لخبر أبي داود: كان يصلي وينهى عنها، ويواصل وينهى عنه، ثم شرح الثانية بخبر أم سلمة، "وبجواز صلاة الوتر على الراحلة" أي: البعير "مع وجوبه عليه، كما ذكره" النووي "في شرح المهذب" وهو ضعيف، كما مر، "وعبارته: كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز فعل هذا الواجب الخاص به" أي الوتر "على الراحلة" لما في الصحيحين عن جابر: كان يصلي في السفر على راحلته حيثما توجهت به، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة.

"وبالصلاة على" الميت "الغائب عند أبي حنيفة ومالك" وحملا صلاته على النجاشي على ذلك، وخالف الشافعي وأحمد، فأجازاها لغيره، زاد السيوطي وعلى القبر عند المالكية، "وبالقبلة" بالضم "في الصوم مع قوة الشهوة" بخلاف غيره، فيحرم إن خاف الإنزال وإلا كره، "روى البخاري" ومسلم، وأصحاب السنن "من حديث عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعض أزواجه" هي عائشة، كما في مسلم، أو أم سلمة، كما في البخاري، لكن الظاهر أن كلا إنما أخبرت عن فعله معها لرواية البخري أيضًا عن عائشة، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه "وهو صائم" ثم ضحكت، زاد ابن أبي شيبة عن عروة: فظننا أنها هي، وإنما ضحكت تنبيهًا على أنها صاحبة القصة، لتكون أبلغ في الثقة بها، أو تعجبًا من نفسها إذ حدثت بمثل هذا مما يستحيي النساء من ذكره للرجال، لكن ضرورة تبليغ العلم ألجأتها لذلك.

وروى البيهقي عن عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها، "وكان أملككم لإربه" بكسر الهمزة، وإسكان الراء في الفرع وغيره، أي: عضوه، وبفتح الهمزة والراء، وقدمه في فتح الباري، وقال: إنه أشهر، وإلى ترجيحه أشار البخاري، أي: أغلبكم لهواه وحاجته.

وقال التوربشتي: حمل الإرب ساكنة الراء على العضو في هذا الحديث غير سديد، لا يغتر به إلا جاهل بوجوه حسن الخطاب، مائل عن سنن الأدب ونهج الصواب.

ص: 155

قال الحافظ ابن حجر: فأشارت بذلك إلى أن الإباحة لمن يكون مالكًا لنفسه دون من لا يأمن الوقوع فيما يحرم. وفي رواية حماد -عند النسائي- قال الأسود: قلت لعائشة: أيباشر الصائم؟ قالت: لا، قلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ قالت: إنه كان أملككم لإربه. قال وظاهر هذا أيضًا أنها اعتقدت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. قاله القرطبي، قال: وهو اجتهاد منها. ويدل على أنها لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص: ما رواه مالك في الموطأ أن عائشة بنت طلحة كانت عند عائشة فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فقالت عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها؟ قال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم.

وأجاب الطيبي: بأنها ذكرت أنواع الشهوة مرتقية من الأدنى إلى الأعلى، فبدأت بمقدمتها التي هي القبلة، ثم ثنت بالمباشرة بنحو المداعبة والمعانقة، وأرادت أن تعبر عن المجامعة، فكنت عنها بالأرب، وأي عبارة أحسن من هذا. انتهى. وفي الموطأ: أيكم أملك لنفسه، وبهذا فسره الترمذي، فقال: ومعنى لإربه لنفسه، قال الحافظ العراقي: وهو أولى بالصواب لأن أولى ما فسر به الغريب ما ورد في بعض طرق الحديث.

"قال الحافظ ابن حجر: فأشارت بذلك" أي قولها: وكان أملككم لإربه "إلى أن الإباحة لمن يكون مالكًا لنفسه دون من لا يأمن الوقوع فيما يحرم" من الإنزال أو الجماع، "وفي رواية حماد عند النسائي، قال الأسود" بن يزيد النخعي: "قلت لعائشة: أيباشر الصائم" حليلته بما دون الجماع، "قالت: لا، قلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبار وهو صائم؟ قالت: إنه كان أملككم لإربه، قال" الحافظ:"وظاهر هذا أيضًا أنها اعتقدت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك" لأنه لا يخاف ما يخاف غيره، "قال القرطبي، قال: وهو" أي اعتقادها الخصوصية "اجتهاد منها" لا أنها رفعته، "ولكن يدل على أنها لا ترى بتحريمها، ولا بكونها من الخصائص، ما رواه مالك في الموطأ: أن عائشة بنت طلحة" بن عبيد الله القرشية التيمية أم عمر، إن كانت فائقة الجمال، وهي ثقة، روى له الستة "كانت عند عائشة" أم المؤمنين، "فدخل عليها زوجها، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر" الصديق، التيمي، التابعي، روى له الشيخان وغيرهما، "فقالت عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك" زوجك، "فتلاعبها وتقبلها؟ قال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم" فدل ذلك، على أن قولها للأسود لا محمول على تحرك شهوته، كما أشعر به جوابها؛ بأنه كان أملككم، وقد حكى الإجماع على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسه، وإنما كرهها خشية ما تئول إليه من الإنزال، ومن بديع ذلك قول

ص: 156

واختص أيضًا بإباحة الوصال في الصوم: كما سيأتي، وقال إمام الحرمين، وهو قربة في حقه عليه السلام.

وأن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج، ويجب على صاحبهما البذل. ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 6] ، ولو قصده ظالم وجب على كل من حضره أن يبذل نفسه دونه صلى الله عليه وسلم.

عمر بن الخطاب: هششت، فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرًا عظيمًا، قبلت وأنا صائم، قال:"أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم"، قلت: لا بأس به، قال:"فمه"، رواه أبو داود والنسائي، وقال: منكر، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، قال المازري: فأشار إلى فقه بديع وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم، وهو أول، الشرب ومفتاحه، كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم، كما يفسد الجماع، فكما ثبت أن أوائل الشرب لا تفسد الصيام، فكذلك أوائل الجماع، وأخذ الظاهرية بظاهر الحديث، فجعلوا القبلة للصائم سنة، وقربة من القرب اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم، ورد بأنه كان يملك إربه، فليس كغيره، وكيفما كان لا يفطر إلا بإنزال، فلو أمذى فلا شيء عليه عند الشافعي وأبي حنيفة، وعليه القضاء عند مالك، "واختص أيضا بإباحة الوصال" كما قال الشافعي والجمهور "في الصوم، كما سيأتي" في المقصد التاسع مع بسط الخلاف في معنى: "يطعمني ربي ويسقيني" وفي حكم الوصال لنا بما يغني عن جلب بعض كلام غيره هنا.

"وقال إمام الحرمين: هو قربة في حقه عليه السلام" أي مستحب لا مباح؛ كما قال الجمهور، "و" اختص بإباحة "أن يأخذ الطعام والشراب" والثياب "من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج" بلا ثمن، بخلاف غيره، فلا يجوز له إلا أن يضطر، فيجب على مالكه غير المضطر بذله بالثمن إن وجد على ما بسط في الفروع، "ويجب على صاحبهما البذل" ولو هلك جوعًا وعطشًا وعريًا، "ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه"، لكن لم ينقل أنه فعل هذا المباح، بل كان يؤثر على نفسه، قال الشيخان: بل ولا معظم المباحات، "ولو قصده ظالم وجب على كل من حضره أن يبذل" بضم الذال "نفسه" يجود بها ويعطيها "دونه صلى الله عليه وسلم" وإن خشي الدافع على نفسه بخلاف غيره، فلا يجب الدفع مع الخوف، كما قال الرافعي والنووي؛ لأن من قصد غير النبي مسلمًا لا يكفر، وقاصده عليه السلام يكفر

ص: 157

كما وقاه طلحة بنفسه يوم أحد.

وبإباحة النظر إلى الأجنبيات لعصمته، وسيأتي إن شاء الله تعالى في القسم الرابع حكم غيره عليه السلام. وبجواز الخلوة بهن. قال في فتح الباري: الذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها، ويدل له قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله صلى الله عليه وسلم عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية، انتهى.

بذلك، قاله الخيضري "كما وقاه طلحة" بن عبيد الله، أحد العشرة "بنفسه يوم أحد" وكان أبو طلحة الأنصاري يتقي بترسه دونه، ونحو ذلك من الأحاديث، كما قاله الحافظ بعد قوله: لم أر وقوع ذلك في شيء من الأحاديث صريحًا، ويمكن أن يستأنس له بأن طلحة

إلخ، "وبإباحة النظر إلى الأجنبيات لعصمته، وسيأتي إن شاء الله تعالى في القسم الرابع" التالي لهذا "حكم غيره عليه السلام" من اختلاف العلماء في جواز النظر إلى الوجه والكفين ومنعه، "وبجواز الخلوة بهن" لعصمته.

"قال في فتح الباري: الذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية، والنظر إليها" لمكان عصمته، وإن نازع في ذلك القاضي عياض؛ بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، قال: وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية، "ويدل له قصة أم حرام بنت ملحان" بكسر الميم، وسكون اللام، ومهملة، ونون، واسمه مالك بن خالد بن زيد بن حرام، بمهملتين، الأنصارية، خالة أنس، قال أبو عمر: لم أقف لها على اسم صحيح، قال في الإصابة: ويقال إنها الرميصاء، بالراء، وبالغين المعجمة، ولا يصح بل الصحيح أن ذلك وصف لأم سليم، ثبت ذلك في حديثين لأنس وجابر عند النسائي، روى عن أم حرام زوجها عبادة بن الصامت، وابن أخيها أنس، وعمير بن الأسود، وعطاء بن يسار، وعلى بن شداد بن أوس، "في دخوله عليها" بيتها "ونومه عندها" فيه، "وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية" وزعم أنها كانت محرمة من الرضاع؛ بأن أرضعته هي أو أختها أم سليم لم يثبت؛ كما قاله الدمياطي وغيره، "انتهى".

روى البخاري وغيره من طريق الموطأ لمالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها، فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في

ص: 158

ومنها نكاح أكثر من أربع نسوة، وكذلك الأنبياء، وفي الزيادة لنبينا صلى الله عليه وسلم على التسع خلاف.

سبيل الله يركبون ثيج هذا البحر ملوكًا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة" قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله"، كما قال الأول، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال:"أنت من الأولين" قال: فركبت أم حرام البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فماتت، وفي بعض طرقه عند البخاري، عن أنس، عن أم حرام بنت ملحان، وكانت خالته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بيتها، فاستيقظ وهو يضحك، وقال:"عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر، كالملوك على الأسرة". قالت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال:"إنك منهم" ثم نام فاستيقظ وهو يضحك، فقلت: يا رسول الله! ما يضحكك؟ قال: "عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر، كالملوك على الأسرة"، قلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال:"أنت من الأولين" قال: فتزوجها عبادة بن الصامت، فأخرجها معه، فلما جاز البحر ركبت دابة، فصرعتها فقتلتها، قال ابن الأثير: وكانت تلك الغزوة غزوة قبرص، فدفنت فيها، وكان أمير ذلك الجيش معاوية، في خلافة عثمان، ومعه أبو ذر، وأبو الدرداء وغيرهما من الصحابة، وذلك في سنة سبع وعشرين، وقيل: ثمان وعشرين، فقوله في الحديث: زمن معاوية، أي: زمان غزوه في البحر، لا زمان خلافته، وهذا قول أكثر أهل السير.

وقال البخاري ومسلم: في زمن معاوية نفسه. ثم لا يخالف بين قوله في الرواية الأولى: وكانت زوج عبادة، الظاهر في أنها كانت زوجه في الزمن النبوي، وبين قوله في الرواية الثانية: فتزوجها عبادة الظاهر في أنه تزوجها بعد لأنها كانت إذ ذاك زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك، قاله ابن التين وقيل: إنما تزوجها بعد.

قال الحافظ: وهو أولى لاتفاق عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، ومحمد بن يحيى بن حبان، عن أنس كلاهما عند البخاري أن عبادة إنما تزوجها بعد، ويحمل قوله في رواية ابن إسحاق: وكانت تحت عبادة بن الصامت على أنها جملة معترضة، أراد الراوي وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال، ظهر من رواية غيره؛ أنه إنما تزوجها بعد.

"ومنها: نكاح أكثر من أربع نسوة" إلى تسع اتفاقًا وقد مات عنهن، "وكذلك الأنبياء" لهم الزيادة، فهو خصوصية له على أمته، "وفي" جواز "الزيادة لنبينا صلى الله عليه وسلم على التسع خلاف" أصحه الجواز؛ لأنه مأمون الجور، ولأن غرضه نشر باطن الشريعة وظاهرها، وكان أشد حياء،

ص: 159

ويجوز له النكاح بلفظ الهبة من جهة المرأة، قال الله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 5] ، وأما من جهته عليه الصلاة والسلام فلا بد من لفظ النكاح أو التزويج على الأصح في أصل الروضة، وحكاه الرافعي عن ترجيح الشيخ أبي حامد لظاهر قوله تعالى:{إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 5] .

قال البيضاوي: في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} الآية، أي: أعلمناك حل امرأة تهب كل نفسها ولا تطلب مهرًا إن اتفق، ولذلك نكرها.

واختلف في ذلك، والقائل به ذكر أنها.

فأبيح له تكثير النساء بلا حصر عدد، لنقل ما يرينه من أفعاله ويسمعنه من أقواله الذي قد يستحيي من الإفصاح بها، "ويجوز له النكاح بلفظ الهبة من جهة المرأة، قال الله تعالى: وأحللنا لك {امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الآية، وأما من جهته عليه الصلاة والسلام فلا بد من لفظ النكاح أو التزويج" بأن يقول: نكحتك أو تزوجتك، "على الأصح في أصل الروضة وحكاه الرافعي عن ترجيح الشيخ أبي حامد لظاهر قوله تعالى:{إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} ، لكن المعتمد جوازه بلفظ الهبة إيجابًا وقبولا إن أراده.

"قال البيضاوي في" تفسير "قوله تعالى": {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} الآية، ما نصه: نصب بفعل يفسره ما قبله، أو عطف على ما سبق، ولا يدفعه التقييد بأن التي للاستقبال، فإن المعنى بالإحلال الإعلام بالحل، "أي: علمناك حل امرأة مؤمنة" وهذا مأخوذ من كلام أبي البقاء، قال ناصب: وامرأة أحللنا في أول الآية، وقد ورد هذا قوم، وقالوا: أحللنا ماض، وإن وهبت، وهو صفة المرأة مستقبل، وأحللنا في موضع جوابه وجواب الشرط لا يكون ماضيًا في المعنى، وهذا ليس بصحيح؛ لأن معنى الإحلال هنا الإعلام بالحل إذا وقع الفعل على ذلك؛ كما تقول: أبحث لك إن تكلم فلانًا، إذا سلم عليك "تهب لك نفسها ولا تطلب مهرًا، إن اتفق" وقوع ذلك لك، "ولذلك نكرها".

قال ابن عطية: وهو يقتضي الاستئناف: أي: إن وقع فهو حلال له، "و" قد "اختلف في ذلك" فروي عن ابن عباس: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، أما الهبة فلم يكن عنده منهن أحد.

وقيل: وقع ذلك، كان عنده منهن، "والقائل به ذكر أنها" لفظ البيضاوي أربعًا.

ص: 160

ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة الأنصارية، وأم شريك بنت جابر بن عوف القرشية العامرية، وخولة بنت جابر وخولة بنت حكيم، قال: وقرئ "أن" بالفتح، أي لأن وهبت، أو مدة أن وهبت.

"ميمونة بنت الحارث" الهلالية أم المؤمنين، قال ابن إسحاق: يقال إنها وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن خطبته، انتهت إليها وهي على بعيرها، فقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله، وأخرجه ابن أبي خيثمة عن الزهري وقتادة، وابن سعد عن عكرمة، وقالوا: ففيها نزلت الآية.

"وزينب بنت خزيمة الأنصارية" وكذا وقع في البيضاوي، والذي في ابن عطية، وقال الشعبي وعروة، هي زينب ابنة خزيمة أم المساكين، انتهى، ومثله في فتح الباري، وهذه هلالية، قرينة ميمونة، تزوجها، فمكثت قليلا، وماتت عنده، فلعله سماها أنصارية بالمعنى الأعم، ويدل له أن البغوي قال: الأنصارية أم المساكين، وإلا فلم يذكر في الإصابة من تسمى زينب بنت خزيمة الأنصارية، وعجبت من السيوطي، وشيخ الإسلام حيث لم ينبها على هذا في حواشيهما على البيضاوي، وكأنه لظهوره.

"وأم شريك" اسمها غزيلة بضم المعجمة، وفتح الزاي، وشد التحتية، وقيل: بفتح أولها، وقيل: اسمها غزيلة بلام بعد الياء، "بنت جابر بن عوف، القرشية، العامرية" وقيل: الأزدية الدوسية، وقيل: الأنصارية النجارية، قال في الإصابة: والذي يظهر في الجمع؛ أنها واحدة، اختلف في نسبها أقرشية، عامرية، أو أنصارية، أو أزدية من دوس، واجتماع الثلاثة ممكن بأن تكون قرشية تزوجت في دوس، فنسبت إليهم، ثم تزوجت في الأنصار، فنسبت إليهم، أو لم تتروج، بل نسب أنصاري بالمعنى الأعم، وطلقها النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في دخوله بها، قاله المصنف في الزوجات، ففي رواية ابن عباس: دخل بها، وفي رواية غيره: لم يدخل بها، ويحتمل الجمع بأن المنفي الجماع، والمثبت مجرد الدخول إن صحا.

"وخولة بنت جابر" كذا في بعض النسخ، ولم يذكرها البيضاوي الذي هو نافل عنه، ولا ذكر لها في الإصابة، فالصواب حذفها، كما في النسخ الصحيحة، "وخولة" ويقال: خويلة بالتصغير"بنت حكيم" بن أمية السلمي، بضم السين إلى جده سليم، صحابية، فاضلة، لها أحاديث، يقال كنيتها أم شريك، قاله أبو عمر، وهي زوجة عثمان بن مظعون، واختلف في أن هبتها لنفسها قبل أن يتزوجها عثمان أو بعد موته عنها، فأرجأها النبي ولم يتزوجها.

"قال" البيضاوي: "وقرئ" شاذا "أن بالفتح" وهي قراءة أبي بن كعب، والحسن البصري، والشعبي وغيرهم، إشارة إلى ما وقع من الواهبات قبل نزول الآية، وفي مصحف ابن مسعود، مؤمنة وهبت بدون أن، قاله ابن عطية، أي: لأجل "أن وهبت أو مدة أن وهبت؛

ص: 161

كقولك: اجلس ما دام زيد جالسًا، قال: وقوله: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} شرط للشرط الأول في استيجاب الحل، فإن هبتها نفسها منه لا توجب له إلا بإرادته نكاحها، فإنها جارية مجرى القبول، قال: والعدول عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ "النبي" مكررًا. ثم الرجوع إليه في قوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] إيذان بأنه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاقه الكرامة لأجله، انتهى.

وقال المعافى: وفي معنى "خالصة" ثلاثة أقوال: أحدها: أن المرأة إذا وهبت نفسها له لم يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين. قاله أنس بن مالك وابن المسيب. والثاني: أنه له أن ينكحها بلا ولي ولا شهود دون غيره. قاله قتادة، والثالث: خالصة لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، قال: وهذا قول الشافعي وأحمد.

كقولك: اجلس ما دام زيد جالسًا" فإن على هذا مصدرية، وليست اللام مقدرة معها، "قال: وقوله: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} شرط للشرط الأول" على قراءة الجمهور "في استيجاب الحل، فإن هبتها نفسها منه لا توجب له إلا بإرادته نكاحها" بأن يأتي بلفظ يدل على القبول، كما أشعر به يستنكحها، فلا بد من لفظ الإنكاح، أو التزويج، أو يكفي لفظ الهبة في القبول أيضًا خلاف كما مر، "فإنها" أي: إرادتها "جارية مجرى القبول" فلا يجب عليه قبولها، بل يوكل الأمر إلى إرادته، "قال: والعدول عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ النبي مكررًا، ثم الرجوع إليه في قوله:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية إيذان بأنه، أي: انعقاد النكاح بلفظ الهبة "مما خص به لشرف نبوته، وتقرير لاستحقاقه الكرامة لأجله، انتهى" كلام البيضاوي.

"وقال المعافى" بن زكريا بن يحيى بن حميد الحافظ المفسر، الثقة، الجريري، كان مقلدًا لابن جرير، مات سنة تسع وثلاثمائة، "وفي معنى خالصة ثلاثة أقوال، أحدها: أن المرأة إذا وهبت نفسها له لم يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين" فيلزمه الصداق، وليس المعنى أنها تحل له بلفظ الهبة، "قاله أنس بن مالك وابن المسيب".

قال البغوي: فالخصوصية له في ترك الصداق لا في جوازه بلفظ الهبة، "والثاني: أنه له أن ينكحها بلا ولي ولا شهود دون غيره" فإنما تحل له بهما، "قاله قتادة" قالخصوصية له في تركهما لا في جوازه بلفظ الهبة، "والثالث: خالصة لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، قال: وهذا قول الشافعي، وأحمد" ومالك والأكثر.

"وعن أبي حنيفة: ينعقد النكاح بلفظ الهبة لغيره صلى الله عليه وسلم أيضًا" وفي تفسير ابن عطية:

ص: 162

وعن أبي حنيفة ينعقد النكاح بلفظ الهبة لغيره صلى الله عليه وسلم أيضًا.

وكذا يجوز له عليه الصلاة والسلام النكاح بلا مهر ابتداء وانتهاء، كما تقدم أن المرأة إذا وهبت نفسها له عليه الصلاة والسلام لا يلزمه صداقها. قال النووي: إذا وهبت امرأة نفسها له عليه الصلاة والسلام فتزوجها بلا مهر حل له ذلك، ولا يجب عليه مهرها بالدخول، ولا بغير ذلك، بخلاف غيره فإنه لا يخلو نكاحه من وجوب مهر، إما مسمى وإما مهر والله أعلم.

وكذا يجوز له النكاح في حال الإحرام، قال النووي في شرح مسلم: قال جماعة من أصحابنا أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج في حال الإحرام، وهو مما خص به دون الأمة، قال: وهذا أصح الوجهين عند أصحابنا، انتهى.

أجمع الناس على أن ذلك لا يجوز لغيره إلا ما ورد عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف، إذا وهبت، فأشد على نفسه هو بمهر جاز، فليس في قولهم: إلا تجويز العبارة بلفظ الهبة، وإلا فالأفعال التي اشترطوها هي أفعال النكاح بعينه، انتهى، فأوله على موافقة مذهب مالك أنه يجوز مع الصداق العقد بلفظ الهبة، "وكذا يجوز له عليه الصلاة والسلام النكاح بلا مهر ابتداء وانتهاء" أي: قبل الدخول وبعده، "كما تقدم أن المرأة إذا وهبت نفسها له عليه الصلاة والسلام، لا يلزمه صداقها".

"قال النووي: إذا وهبت امرأة نفسها له عليه الصلاة والسلام فتزوجها بلا مهر حل له ذلك، ولا يجب عليه مهرها بالدخول، ولا بغير ذلك" من فرض أو موت "بخلاف غيره، فإنه لا يخلو نكاحه من وجوب مهر، إما مسمى، وإما مهر المثل" بالوطء في التفويض، "والله أعلم" وكذا له النكاح بصداق مجهول، كما في الأنموذج، "وكذا يجوز له النكاح في حال الإحرام" منه أو من المرأة أو منهما.

"قال النووي في شرح مسلم: قال جماعة من أصحابنا" الشافعية وغيرهم "أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج في حال الإحرام، وهو مما خص به دون الأمة" قضيته مشاركة الأنبياء له في هذه الخصوصية.

قال أبو حامد: وإنما منع غيره من ذلك، لأن فيه دواعي الجماع، فربما يفضي إليه فيفسد حجه به، وهذا مأمون من جهته، سواء اختص بالإحرام أو المرأة لعصمته وقدرته على الامتناع منه، "قال: وهذا أصح الوجهين عند أصحابنا، انتهى" واحتجوا له بما رواه مالك والأئمة الستة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وهو محرم، زاد في رواية للبخاري: في عمرة القضاء

ص: 163

وكذا يجوز له النكاح بغير رضا المرأة، فلو رغب في نكاح امرأة خلية لزمها الإجابة، وحرم على غيره خطبتها، أو متزوجة وجب على زوجها طلاقها.

مع قوله: "لا ينكح المحرم ولا يُنكح" فدل على أن فعله خصوصية له جمعًا بين الخيرين، لكن قال سعيد بن المسيب: وهل ابن عباس، وإن كانت خالته ما تزوجها صلى الله عليه وسلم إلا بعدما حل، رواه البخاري، ووهل، بكسر الهاء، أي: غلط لمخالفته لما صح عنها نفسها، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن حلالان بسرف، رواه مسلم من رواية يزيد بن الأصم عنها، قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس.

وأخرج الترمذي وحسنه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، عن أبي رافع، أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا السفير بينهما، وكذا رواه مالك عن سليمان بن يسار، قال البيهقي في المعرفة: وبهذا رد الشافعي رواية ابن عباس التي احتج بها الحنفية وأهل العراق على جواز نكاح المحرم وإنكاحه، وخالفه الجمهور وأهل الحجاز محتجين بحديث مسلم عن عثمان رفعه:"المحرم لا ينكح ولا يُنكح" وأما خبر ابن عباس وإن صح إسناده إليه فوهم، كما قال سعيد.

قال الشافعي: لأن ابن أختها يزيد يقول: نكحها حلالا، ومعه سليمان بن يسار عتيقها، أو ابن عتيقها، وخبر اثنين أكثر من خبر واحد مع رواية عثمان التي هي أثبت من هذا كله، انتهى.

ولذا قال الزركشي في جعل ذلك من الخصائص نظر إذ لم يثبت الشافعي وقوع العقد حال إحرامه والتجويز يحتاج إلى دليل.

وقال السهيلي: تأول بعض شيوخنا قول ابن عباس وهو محرم بمعنى في الشهر الحرام والبلد الحرام لأنه عربي فصيح، يتكلم بكلام العرب، ولم يرد الإحرام بالحج ولا العمرة، فالله أعلم، أراد لك ابن عباس أم لا؟ قال: ومن الغريب ما رواه الدارقطني عن أبي الأسود ومطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه تزوجها وهو حلال، انتهى، فإن ثبت ذلك عنه؛ فكأنه رجع، وإلا فالمعروف عنه وهو محرم، وإن كان وهمًا أو مؤولا، وتقدم مزيد لهذا في الزوجات، وقبله في عمرة القضية.

"وكذا يجوز له النكاح بغير رضا المرأة" لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما مر، "فلو رغب في نكاح امرأة خلية" عن زوج أو عدة "لزمها الإجابة" إليه على الصحيح وتجبر عليه "وحرم على غيره خطبتها" بكسر الخاء بمجرد الرغبة، "أو متزوجة وجب على زوجها طلاقها" ليتزوجها، وقياسه لو رغب في نكاح سرية وجب على سيدها إعتاقها وتركها ليتزوج بها، كذا قال شيخنا.

ص: 164

قال الغزالي: ولعل السر فيه من جانب الزوج امتحان إيمانه بتكليف النزول عن أهله، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وولده والناس أجمعين.

ويدل لهذه الخصيصة قصة زينب بنت جحش، بنت عمته صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب.

"قال الغزالي: ولعل السر" النكتة والحكمة "فيه" أي: وجوب التطليق على الزوج "من جانب الزوج امتحان إيمانه بتكليف النزول عن أهله، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: $"لا يؤمن أحدكم" إيمانًا كاملا، ونفي اسم الشيء بمعنى الكمال عنه مستفيض في كلامهم، وخصوا بالخطاب، لأنهم الموجودون حينئذ، والحكم عام.

وفي رواية ابن ماجه: أحد "حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وولده والناس أجمعين" عطف عام على خاص، وهو كثير، والحديث في الصحيحين وغيرهما، عن أنس بلفظ:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".

وفي صحيح ابن خزيمة: "من أهله وماله" بدل من والده وولده، وكذا في مسلم من وجه آخر.

وفي رواية للبخاري: "لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه"، ويأتي إن شاء الله تعالى كلام عليه في مقصد المحبة وبقية كلام الغزالي: ومن جانب النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه ببلية البشرية ومنعه من خائنة الأعين، ولذا قال تعالى:{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} الآية، ولا شيء أدعى إلى حفظ البصر من هذا التكليف، قال: وهذه يوردها الفقهاء في نوع التخفيفات، وعندي أنه في حقه في غاية التشديد، إذ لو كلف به آحاد الناس لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرقات خوفًا من ذلك، ولذا قالت عائشة: لو كان يخفي آية لأخفى هذه، كذا قال وتعقب بأن الآحاد غير معصومين، فيثقل عليهم ذلك بخلافه.

"ويدل لهذه الخصيصية قصة زينب بنت جحش" الأسدية "بنت عمته صلى الله عليه وسلم أميمة" بالتصغير "بنت عبد المطلب" مختلف في إسلامها وأثبته ابن سعد، وفي هذا الدليل نظر لابتنائه على أنه صلى الله عليه وسلم رغب في نكاحها لما رآها، وقال:"سبحان الله مقلب القلوب"، ففهمت زينب ذلك منه، وأخبرت زيدًا ففارقها وهذا منكر، وعلى تقدير تسليمه لا يدل على الوجوب، إذ قوله:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} صورة واقعة حال، والصواب أن إطلاق زيد لها لتعظمها عليه، ولذا قال ابن الرفعة: قصة زيد لا تدل على ذلك، بل تدل على عكسه، وبسط القول فيه بما يطول ذكره،

ص: 165

المنصوص عليها بقوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي: بنعمة الإسلام وهي أجل النعم {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} ، أي: بالإعتاق بتوفيق الله لك، وهو زيد بن حارثة الكلبي، وكان من سبي الجاهلية، فملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وأعتقه وتبناه وخطب له زينب فأبت هي وأخوها عبد الله، ثم رضيا لما نزل قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36] الآية.

وكذا فعل ابن الصلاح في كلامه على بسيط الغزالي "المنصوص عليها بقوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي: بنعمة الإسلام وهي أجل النعم" زاد ابن عطية: وبغير ذلك "وأنعمت عليه، أي: بالإعتاق بتوفيق الله لك، وهو زيد بن حارثة الكلبي، وكان من سبي الجاهلية" وذلك أن أمه سعدى بنت ثعلبة من بني معن من طيئ، خرجت به لتزيره أهلها، فأصابته خيل بني القين لما أغارت على بني معن، فأتوا به سوق عكاظ، فعرضوه للبيع، وهو غلام ابن ثمانية أعوام، فاشتراه حكيم بن حزام بأربعمائة درهم لعمته خديجة بنت خويلد، فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم منها، فوهبته له، "فملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وأعتقه وتبناه" لما قدم حارثة وأخوه كعب مكة، فقالا: يابن عبد المطلب، يابن سيد قومه؛ أنتم أهل حرم الله، تفكون العاني، وتطعمون الأسير جئنا في ولدنا عبدك، فامنن علينا وأحسن في فدائه، فقال:"أو غير ذلك أدعوه، فخيروه، فإن اختاركم، فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني، فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء". قالوا: زدتنا على النصف، فدعاه فخيره، فقال: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك، وعمك، وأهل بيتك؟ قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا، فلما رأى صلى الله عليه وسلم ذلك قام إلى الحجر، فقال:"اشهدوا أن زيدًا ابني، أرثه ويرثني"، فطابت نفس أبيه وعمه وانصرفا، فدعي زيد بن محمد حتى جاء الإسلام، فأسلم بحيث قيل: إنه أول من أسلم مطلقًا، ومر هذا مبسوطًا في الموالي.

وروى ابن الكلبي عن ابن عباس: لما تبنى صلى الله عليه وسلم زيدًا زوجه أم أيمن، ثم زوجه زينب، فلما طلقها زوجه أم كلثوم بنت عقبة، وولدت بركة أسامة له بمكة بعد البعثة، بثلاث أو خمس، "وخطب له زينب" بعد البعثة "فأبت هي وأخوها عبد الله" المستشهد بأحد، "ثم رضيا لما نزل قوله تعالى:{وَمَا كَانَ} ما صح {لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} الآية.

قال ابن عطية: عبر بلفظ النفي، ومعناه المنع من فعل هذا، وتجيء ما كان، وما ينبغي ونحوهما لحظر الشيء، والحكم بأنه لا يكون، وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا كقوله:{مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} الآية، وربما كان للعلم بامتناعه شرعًا كقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ

ص: 166

وكان الرجل في الجاهلية وصدر الإسلام إذا تبنى ولد غيره يدعوه الناس به ويرث ميراثه وتحرم عليه زوجته، فنسخ الله التبني بقوله:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} وبهذه القصة يثبت الحكم بالقول والفعل، فأوحى الله تعالى إليه أن زيدًا سيطلقها، وأنه صلى الله عليه وسلم يتزوجها، وألقى في قلب زيد كراهتها، فأراد فراقها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي قال: "ما لك؟ أرابك منها شيء"؟. قال: لا والله يا رسول الله! ما رأيت منها إلا خيرًا، ولكنها تتعظم عليّ بشرفها وتؤذيني.

أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} الآية، وربما كان حظره بحكم شرعي، كهذه الآية، وربما كان في المندوبات، كما تقول: ما كان لك أن تترك النوافل ونحوها.

وأخرج الطبراني بسند صحيح عن قتادة، وابن جرير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب زينب، وهو يريدها لزيد، فظنت أنه يريدها لنفسه، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت واستنكفت، وقالت: أنا خير منه حسبًا، فأنزل الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} الآية كلها، فرضيت وسلمت، وما ذكر من أن النسخة لما نزل صواب واضح، وفي نسخ: ثم رضيا، فنزل وهي توهم أن رضاهما قبل نزول الآية، وليس كذلك.

"وكا الرجل في الجاهلية وصدر الإسلام إذا تبنى ولد غيره، يدعوه الناس به، ويرث ميراثه" بأن يرث كل منهما الآخر، "وتحرم عليه زوجته، فنسخ الله التبني بقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} الآية، قال ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} الآية، رواه البخاري، "وبهذه القصة يثبت الحكم بالقول" من الله تعالى، "وبالفعل" من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تزوجه زوجة من تبناه، "فأوحى الله تعالى إليه" بعد رضاها، وتزوجها بزيد "أن زيدًا سيطلقها، وأنه صلى الله عليه وسلم يتزوجها، وألقى في قلب زيد كراهتها" أي: كراهة بقائها في نكاحه، ولا يلزم منه كراهة ذاتها،"فأراد فراقها" بعد مكثها عنده مدة، "فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي" أي: زوجتي قال: "ما لك" أي: شيء حصل لك منها حتى أردت فراقها، "أرابك منها شيء"؟ أي: هل استيقنت منها شيئًا يوجب لك الشك في أمرها، فالهمزة للاستفهام، ويحتمل أنها جزء الكلمة، أي: أحصل شيء يسيء ظنك بها، فهمزة الاستفهام، مقدرة؛ لأنه متى أبدل مما تضمن معنى الاستفهام وجب ذكر همزته في البدل، "قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرًا، ولكنها تتعظم عليّ بشرفها" عليّ لأنها عربية وأنا مولى، "وتؤذيني بلسانها، فقال

ص: 167

بلسانها، فقال له صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 37]، أي: في أمرها، فلا تطلقها ضرارًا وتعللا {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} ولم يبق له فيها حاجة، وطلقها وانقضت عدتها زوجها الله تعالى له، كما قال تعالى:{زَوَّجْنَاكَهَا} والمعنى أنه أمره بتزويجها منه، أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد، ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تولى نكاحي، وأنتن زوجكن أولياؤكن.

وقيل: إن زيدًا كان السفير للتزويج بينهما.

له صلى الله عليه وسلم: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} أي: لا تفارقها {وَاتَّقِ اللَّهَ} في أمرها، أي: فلا تطلقها ضرارًا" مفعول له "ولا تعللا" وعبر البيضاوي بأو بدل الواو، {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} ولم يبق له فيها حاجة" تفسير لوطرًا، "وطلقها وانقضت عدتها، زوجها الله تعالى" لنبيه سنة خمس أو ثلاث أو أربع من الهجرة، وبالثاني صدر في الإصابة، وبالثابت في العيون، وبالأولى المصنف؛ "كما قال تعالى"{زَوَّجْنَاكَهَا} الآية، "والمعنى أنه أمره بتزويجها منه" أي: بأن يتخذها زوجة، والأوضح بتزوجها، لأنه من النفس، والتزويج يكون من الغير، ولعله عبر به إشارة إلى أنه أمر بجعلها زوجة له أعم من كون ذلك بطلبه من الولي، أو بتزويجها له من نفسه؛ بأن يتولى الطرفين، "أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد" وهذا هو الصواب الذي لا يصح غيره، كما قال بعض الحفاظ لأنه الثابت في مسلم وغيره، كما يأتي.

"ويؤيده أنها كانت تقول لسائر" أي باقي "نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تولى نكاحي وأنتن زوجكن أولياؤكن" أخرجه الترمذي، وصححه عن أنس، قال: كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات، وليس هذا من الفخر المنهي عنه، بل من التحدث بالنعمة، وقد سمعها النبي صلى الله عليه وسلم وأقرها.

روى ابن سعد، قالت زينب: يا رسول الله! إني والله ما أنا كأحد من نسائك، ليست امرأة من نسائك إلا زوجها أبوها أو أخوها أو أهلها غيري زوجنيك الله من السماء، ويؤيده أيضًا ما رواه ابن سعد: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث عند عائشة إذ أخذته غشية فسري عنه وهو يتبسم ويقول: "من يذهب إلى زينب فيبشرها" وتلا: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} الآية، قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها وأخرى هي أعظم وأشرف ما صنع لها زوجها الله من السماء، وعن الشعبي: كانت زينب تقول لرسول الله: "أنكحك إياي من السماء، وإن الساعي في ذلك جبريل، وهي أولى من رواية من روى، وإن السفير بيني وبينك جبريل، لما لا يخفى.

"وقيل: إن زيدًا كان السفير للتزويج بينهما" كما أخرجه أحمد ومسلم والنسائي عن

ص: 168

وفي ذلك ابتلاء عظيم لزيد، وشاهد بين على قوة إيمانه.

وقد علل الله تعالى تزويجه إياها بقوله: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} ، أي في أن يتزوجوا زوجات من كانوا يتبنونه إذا فارقوهن، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرم في قوله:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ} .

وأما قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} ، فمعناه: علمك أنه سيطلقها وتتزوجها، فعاتبه الله تعالى عن هذا القدر في شيء أباحه له، بأن قال:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} مع علمه أنه سيطلق، وهذا مروي عن علي بن الحسين

أنس، قال: لما انقضت عدة زينب، قال صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة:"اذهب فاذكرني لها"، قال: فذهبت إليها، فجعلت ظهري إلى الباب، فقلت: يا زينب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، فقالت: ما كنت لأحدث شيئًا حتى أؤامر ربي عز وجل، فقامت إلى مسجد لها فأنزل الله:{فَلَمَا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الآية، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بغير إذن.

"وفي ذلك ابتلاء عظيم لزيد وشاهد بين على قوة إيمانه" حيث اطمأنت نفسه إلى خطبة من فارقها إلى سيده وسيد غيره، مع أن شأن النفوس الغض من أن يتزوج مطلقتها أعلى منها أو مساوٍ لها فضلا عن توليها الخطبة، ويروى أنه قال له: ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب زينب عليّ.

"وقد علل الله تعالى تزويجه إياها بقوله: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} الآية، جمع دعي، وهو المتبنى، "أي: في أن يتزوجوا زوجات من كانوا يتبنونه إذا فارقوهن، وأن هؤلاء الزوجات" عطف على أن يتزوجوا "ليست داخلات فيما حرم في قوله:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} ، الآية، إذ المراد الصلبية.

"وأما قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} الآية، قال الزمخشري: الواو للحال، قال أبو حيان: لا يكون حالا إلا على إضمار مبتدأ، أي: وأنت تخفي، لأنه مضارع مثبت، فلا تدخل عليه الواو إلا على ذلك الإضمار، وهو مع ذلك قليل نادر لا تنبني على مثله القواعد، وقال الطيبي: الجمل الثلاث الواو فيها للحال على سبيل التداخل، فقوله: {وَتُخْفِي} حال من المستتر في {تَقُولُ} و {وَتَخْشَى النَّاسَ} حال من فاعل تخفي، {وَاللَّهُ أَحَقُّ} حال من فاعل تخشى، "فمعناه" تخفي "علمك" فنصب بمقدر "أنه سيطلقها وتتزوجها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر في شيء أباحه له؛ بأن قال:{أَمْسَكْ} [الأحزاب: 37] الآية، مع علمه أنه سيطلق" وليس بكبير عتب، "وهذا مروي عن علي" زين العابدين، "ابن الحسين" بن علي بن أبي طالب

ص: 169

وعليه أهل التحقيق من المفسرين، كالزهري، وبكر بن العلاء، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم.

والمراد بقوله: {وَتَخْشَى النَّاسَ} إنما هو في إرجاف المنافقين في تزويج نساء الأبناء، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم في الحركات والسكنات، ولبعض المفسرين هنا كلام لا يليق بمنصب النبوة.

الهاشمي عليهم السلام، ثقة، ثبت من رجال الجميع، عابد، فقيه، فاضل، مشهور، قال الزهري: ما رأيت قرشيًا أفضل منه، "وعليه أهل التحقيق من المفسرين، كالزهري" محمد بن شهاب التابعي، الشهير، "وبكر بن العلاء" بن زياد القشيري، البصري، ثم المصري، وبها مات سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وكان أحد كبار الفقهاء المالكية وعلماء الحديث، "والقاضي أبي بكر" محمد "بن العربي" الحافظ، الفقيه، المشهور "وغيرهم، والمراد بقوله"{وَتَخْشَى النَّاسَ} الآية، "إنما هو في إرجاف المنافقين في تزويج نساء الأبناء"، أي: في إكثارهم من الأخبار السيئة، واختلاف الأقوال الكاذبة حتى يضرب الناس منها؛ كما في المصباح، "والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم في الحركات والسكنات" وفي البيضاوي: وتخشى الناس تعبيرهم إياك والله أحق أن تخشاه إن كان فيه ما يخشى، "ولبعض المفسرين هنا كلام لا يليق بمنصب النبوة" وهو أنه عليه الصلاة والسلام طلب زيدًا في داره، فرأى زينب حاسرة، فأعجبته، فقال:"سبحان الله مقلب القلوب" قال السبكي: وهو منكر من القول، ولم يكن صلى الله عليه وسلم تعجبه امرأة أحد من الناس، وقصة زينب إنما جعلها الله تعالى، كما في سورة الأحزاب قطعًا لقول الناس: إن زيدًا بن محمد، وإبطالا للتبني، قال: وبالجملة فهذا الموضع من منكرات كلامهم في الخصائص، وقد بالغوا في هذا الباب في مواضع، واقتحموا فيها عظائم لقد كانوا في غنية عنها، انتهى.

وفي البغوي في توجيه القول المنصور: فعاتبه الله، وقال له: قلت أمسك عليك زوجك، وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك، وهذا هو الأولى واللائق بحال الأنبياء، فهو مطابق للتلاوة؛ لأن الله أعلمه أن يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه، فقال:{زَوَّجْنَاكَهَا} الآية، فلو كان الذي أضمره محبتها وإرادة طلاقها لكان يظهر ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره، ثم يكتمه فلا يظهر، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه أنها تكون زوجًا له وإنما أخفاه استحياء أن يقول لزيد: إن امرأتك ستكون امرأتي، وهذا قول حسن مرضي، وإن كان القول الآخر، وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها، لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء، لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من ثمل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المأثم، لأن الود وميل النفس من طبع البشر، انتهى.

ص: 170

وقيل قوله: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} خطاب من الله تعالى، أو من الرسول عليه الصلاة والسلام لزيد، فإنه أخفى الميل إليها وأظهر الرغبة عنها لما توهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن تكون من نسائه.

قال جار الله: وكم من شيء مباح يتحفظ الإنسان منه ويستحيي من إطلاع الناس عليه، فطموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته من امرأة وغيرها غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع، وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضًا، وهي خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ولا طلب إليه، ولم يكن مستكرهًا عندهم أن ينزل الرجل منهم عن امرأته لصديقه ولا مستهجنًا إذا نزل عنها أن ينكحها آخر، فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة واستهم الأنصار بكل شيء، حتى إن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجري.

"وقيل: قوله: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} الآية، مظهره "خطاب من الله تعالى، أو من الرسول عليه الصلاة والسلام لزيد" فهو على هذا عطف على أمسك من جملة مقبولة لزيد، "فإنه أخفى الميل إليها وأظهر الرغبة عنها لما" حين "توهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن تكون من نسائه"، وكأنه قيل: وتقول لزيد: تخفي يا يزيد في نفسك ما الله مبديه، وتقول له: تخشى الناس

إلخ، وهذا خلاف الظاهر المتبادر، أي: شيء أبداه عن زيد فهذا من غريب التفسير، "قال: جار الله" العلامة محمود الزمخشري، وصف بذلك لسكناه مكة: "وكم من شيء مباح يتحفظ الإنسان منه ويستحيي من إطلاع الناس عليه، فطموح" أي: استشراف "قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته" وبين ذلك بقوله: "من امرأة وغيرها غير موصوف بالقبح في العقل، ولا في الشرع، وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضًا" عقلا وشرعًا، "وهي خطبة زينب" وفي نسخة: وهو التأنيث أولى؛ لأن الضمير إذا وقع بين مذكر ومؤنث، فالأولى مراعاة الخبر، لأنه عين المبتدأ، ومبين لحاله فهو المقصود، "ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ولا طلب إليه، ولم يكن مستكرهًا عندهم أن ينزل الرجل منهم عن امرأته لصديقه" بل كانوا يعدونه كرمًا، "ولا مستهجنًا إذ نزل عنها أن ينكحها آخر، فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة" وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وبين الأنصار، "واستهم الأنصار بكل شيء حتى إن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجري" أي: تسبب في تزويجها له بطريقه الشرعي بعد خروجها من العدة بسؤال

ص: 171

فإذا كان الأمر مباحًا من جميع جهاته لم يكن فيه وجه من وجوه القبح، انتهى.

وكذا يجوز له عليه الصلاة والسلام النكاح بلا ولي وبلا شهود. قال النووي: الصحيح المشهور عند أصحابنا صحة نكاحه عليه الصلاة والسلام بلا ولي وبلا شهود لعدم الحاجة إلى ذلك في حقه عليه الصلاة والسلام، وهذا الخلاف في غير زينب أما زينب فمنصوص عليها والله أعلم.

قال العلماء: إنما اعتبر الولي للمحافظة على الكفاءة، وهو صلى الله عليه وسلم فوق الأكفاء، وإنما اعتبر الشهود لأمن الجحود، وهو عليه الصلاة والسلام لا يجحد ولو جحدت هي لم يرجع إلى قولها، بل قال العراقي في شرح المهذب: تكون كافرة بتكذيبه.

وكان له عليه الصلاة والسلام تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها وإذن وليها، وله إجبار الصغيرة من غير بناته، وزوج ابنة حمزة مع وجود عمها العباس.

وليها في ذلك، "فإذا كان الأمر مباحًا من جميع جهاته لم يكن فيه وجه من وجوه القبح، انتهى" كلام جار الله في كشافه.

"وكذا يجوز له عليه الصلاة والسلام النكاح بلا ولي" مع شهود، "وبلا شهود" مع ولي وبلا ولي وشهود معًا، "قال النووي: المشهور الصحيح عند أصحابنا" وعند غيرهم: "صحة نكاحه عليه الصلاة والسلام بلا ولي وبلا شهود، لعدم الحاجة إلى ذلك في حقه عليه الصلاة والسلام، وهذا الخلاف في غير زينب، أما زينب فمنصوص عليها" فلا يأتي فيها خلاف للنص، "والله أعلم".

"قال العلماء: وإنما اعتبر الولي" في حق غير المصطفى "للمحافظة على الكفاءة، وهو صلى الله عليه وسلم فوق الأكفاء، وإنما اعتبر الشهود لأمن الجحود، وهو عليه الصلاة والسلام لا يجحد" إذ لا يجوز عليه ذلك، "ولو جحدت هي" أي: المرأة، "لم يرجع إلى قولها، بل قول العراقي في شرح المهذب: تكون كافرة بتكذيبه" أي: مرتدة، قال المالكية: تقتل ولو عادت إلى الإسلام، "وكان له عليه الصلاة والسلام تزويج المرأة" ولو صغيرة وبكرًا "ممن شاء" من غيره ومن نفسه؛ "بغير إذنها وإذن وليها" وبغير إذن الزوج أيضًا، فيتولى الطرفين؛ لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، "وله إجبار الصغيرة من غير بناته" قيد لمحل الخصوصية، "وزوج ابنة حمزة" بن عبد المطلب أمامة أو عمارة أو فاطمة أو سلمى أو عائشة أو يعلى أو أمة الله أقوال سبعة في اسمها، أشهرها الأول، كما في الفتح لربيبه سلمة ابن أم سلمة "مع وجود عمها العباس" كما رواه البيهقي فقدم على الأقرب بخلاف غيره، فيقدم الأقرب فالأقرب على ما بين

ص: 172

فيقدم على الأب.

وزوجه الله تعالى بزينب، فدخل عليها بتزويج الله بغير عقد من نفسه. وعبر في الروضة عن هذا بقوله: وكانت المرأة تحل له بتحليل الله تعالى بغير عقد.

وأعتق أمته صفية وجعل عتقها صداقها، كما أخرجه البخاري عن أنس في الصلاة والمغازي والنكاح مطولا ومختصرًا وبظاهره تمسك أحمد والحسن وطائفة لقولهم بجواز ذلك لغيره حتى لو طلقها قبل الدخول وجب له عليها نصف قيمتها، وقد اختلف في معناه، فقيل إنه أعتقها بشرط أن يتزوجها، فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة، فتزوجها بها، ويؤيده قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب: سمعت أنسًا قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت.

في الفروع، "فيقدم على الأب" تفريع على قوله: وله إجبار الصغير، "وزوجه الله تعالى بزينب" ابنة جحش، "فدخل عليها بتزويج الله بغير عقد" أي: بغير تلفظ بعقد "من نفسه" وهذا وإن علم من قوله سابقًا: والمعنى أنه أمره

إلخ، لكنه ثمة حكاه عن غيره على وجه الترديد، وهنا جزم بأحد القولين اختيارًا له، "وعبر في الروضة عن هذا بقوله: وكانت المرأة تحل له بتحليل الله تعالى بغير عقد" إشارة إلى أن ذلك ليس خاصًا بزينب، لكنه لم يقع إلا فيها، "وأعتق أمته صفية" بنت حيي، سيدة قريظة والنضير، من ذرية هارون أخي موسى رضي الله عنها، "وجعل عتقها صداقها؛ كما أخرجه البخاري عن أنس في الصلاة والمغازي والنكاح مطولا ومختصرًا، وبظاهره تمسك أحمد والحسن وطائفة؛ لقولهم بجواز ذلك لغيره حتى لو طلقها قبل الدخول، وجب له عليها نصف قيمتها، وقد اختلف في معناه، فقيل: إنه أعتقها بشرط أن يتزوجها، فوجب" ثبت "له عليها قيمتها" لأنه لم يعتقها مجانًا، بل بعوض، لكن لا يلزم الوفاء به في حق غيره، وإنما تعتق إن قبلت فورًا، كأن طلبته ابتداء لذلك، فأجابها، فيشترط الفور أيضًا، كما في البهجة، "وكانت معلومة فتزوجها بها" فإن جهلت لهما أو لأحدهما صح النكاح، ولزم مهر المثل للجهل بالعوض، كما هو مقرر عند الشافعية ومذهب مالك منع ذلك ابتداء، فإن وقع مضى العتق، وفسد النكاح، فيفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بصداق المثل، فوجه الخصوصية عدم لزوم المهر له صلى الله عليه وسلم لا حالا ولا مالا، وصحة نكاحه اتفاقًا.

"ويؤيده قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب" بضم المهملة البصري، ثقة، من رجال الجميع، مات سنة ثلاثين ومائة، "سمعت أنسًا قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية، فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت" بن أسلم البناني، بضم الموحدة ونونين، أبو محمد البصري، العابد، الثقة،

ص: 173

لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها، هكذا أخرجه البخاري في المغازي. وفي رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس في حديث قال: وصارت صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها. قال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمد أنت سألك أنسًا ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها، فتبسم. فهو ظاهر جدًا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق. والتأويل الأول لا بأس به، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة.

روى له الجميع، مات سنة بضع وعشرين ومائة، وله ست وثمانون سنة، "لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها، هكذا أخرجه البخاري في المغازي" في غزوة خيبر، وقد يمنع دعوى التأييد به لجواز أنه أعتقها بلا شرط، بل هو ظاهر في تأييد القول الثاني.

"وفي رواية" البخاري في الصلاة والمغازي، عن "حماد" بن زيد بن درهم الأزدي، البصري، ثقة، ثبت، فقيه، روى له الستة، "عن ثابت وعبد العزيز" بن صهيب، كلاهما "عن أنس في حديث" لفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس، ثم ركب، فقال:"الله أكبر خربت، خيبر؛ إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". فخرجوا يسعون في السكك ويقولون: محمد والخميس، فظهر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل المقاتلة، وسبى الذراري، "قال" فصارت صفية لدحية الكلبي، "وصارت صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم" كذا وقع في الصلاة بالواو، فظاهره أنها صارت لهما وليس كذلك؛ لأنها صارت لدحية أولا، ثم صارت للمصطفى لما قيل له: أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك، فقال عليه الصلاة والسلام لدحية:"خذ جارية غيرها"، فردها، فاصطفاها لنفسه؛ كما رواه البخاري أيضًا وغيره، قالوا: وهنا بمعنى ثم لأن البخاري رواه في المغازي بلفظ: ثم صارت لرسول الله، "ثم تزوجها، وجعل عتقها صداقها، قال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمد! " كنيته "أنت سألك" بحذف همزة الاستفهام في الفرع وأصله، وفي بعض الأصول: أأنت بإثباتها "أنسًا ما أمهرها؟ " أي: ما أصدقها، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي ما مهرها، بحذف الألف، وصوبه القطب الحلبي، وهما لغتان.

"قال" أنس: "أمهرها نفسها" إلى هنا كله مقول عبد العزيز لثابت وجوابه: قوله، "فتبسم" ثابت، وفي رواية المغازي: فحرك ثابت رأسه تصديقًا له، ولا منافاة، فجمع بينهما، وبهذا تعلم أنه ليس فيه حذف تقديره، قال: نعم سألته؛ لأنه يضيع قوله: فتبسم، وقوله: فحرك

إلخ، "فهو ظاهر جدًا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق" لا شيء معه، "والتأويل الأول" أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها، "لا بأس به، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة

ص: 174

مجهولة، فإن في صحة العقد بالشرط المذكور وجهًا عند الشافعية.

وقال آخرون: بل جعل نفس العتق المهر، لكنه من خصائصه، وممن جزم بذلك الماوردي.

وقال آخرون: قوله: "أعتقها وتزوجها" معناه: ثم تزوجها، فلما لم يكن يعلم أساق لها صداقًا، قال: أصدقها نفسها، أي: لم يصدقها شيئًا فيما أعلم، ولم ينف أصل الصداق، ومن ثم قال أبو الطيب الطبري من الشافعية، وابن المرابط من المالكية ومن تبعهم: إنه قول أنس قاله ظنًا من قبل نفسه ولم يرفعه. ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت: أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي. وهذا موافق لحديث أنس، وفيه رد على من قال: إن أنسًا قال ذلك بناء على ظنه.

مجهولة، فإن في صحة العقد بالشرط المذكور وجهًا عند الشافعية" وهو المعتمد، وإن أشعر سياقه بضعفه، ويجب مع ذلك مهر المثل، الفساد المسمى، ووجه الخصوصية على هذا التأويل عدم لزوم المهر له، كما مر.

"وقال آخرون: بل جعل نفس العتق المهر" بأن أعتقها، ثم قال: جعلت عتقك صداقك، "ولكنه من خصائصه، وممن جزم بذلك الماوردي" بخلاف غيره، فيجب مهر المثل لفساد الصداق.

"وقال آخرون: قوله: أعتقها وتزوجها، معناه: ثم تزوجها" فالواو بمعنى ثم "فلما لم يكن يعلم" أنس "أساق لها صداقًا" أم لا؟ "قال: أصدقها نفسها، أي: لم يصدقها شيئًا فيما أعلم" فإنما نفى علمه، "ولم ينف أصل الصداق" وهذا من بعيد التأويل الذي لم يقم عليه دليل، "ومن ثم" أي: هنا، أي من أجل ذلك التأويل المذكور.

"قال أبو الطيب الطبري من الشافعية، وابن المرابط" محمد بن خلف الأفريقي "من المالكية، ومن تبعهم: أنه قول أنس، قال ظنًا من قبل نفسه، ولم يرفعه" وهذا لا يليق إذ هو سوء ظن بالصحابي، "ويعارضه ما أخرجه الطبراني، وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها، قالت: أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل عتقي صداقي، وهذا موافق لحديث أنس" والمتبادر منهما أنه لا شيء غيره، "وفيه رد على من قال إن أنسًا قال ذلك بناء على ظنه؛ لأن صفية أدرى بما وقع لها، ولذا قال الحافظ الهيثمي: ما روي عن رزينة أنه أمهرها رزينة، مخالف لما في الصحيح، انتهى، وهي بفتح الراء، وكسر الزاي، وقيل: بالتصغير؛ وروى أبو يعلى: أنه صلى الله عليه وسلم لما

ص: 175

ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها من غير مهر، فلزمها الوفاء بذلك، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره.

ويحتمل: أنه أعتقها بغير عوض، وتزوجها بغير مهر في الحال، ولا في المآل، قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق وإن لم يكن صداقًا، قال: وهذا كقولهم الجوع زاد من لا زاد له، قال: وهذا أصح الأوجه وأقربها إلى لفظ الحديث، وتبعه النووي في "الروضة".

وممن جزم أن ذلك من الخصائص يحيى بن أكثم فيما أخرجه البيهقي، وكذا نقله المزني عن الشافعي قال: وموضع الخصوصية، أنه أعتقها مطلقًا وتزوجها بغير مهر ولا شهود، وهذا بخلاف غيره، انتهى.

تزوج صفية أمر بشراء خادم لها وهي رزينة، فيحتمل أنه لما أخدمها إياها ظنت أنه جعلها مهرها، وإلا فالمروي عن صفية وأنس أنه جعل عتقها صداقها، بل وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما تقولون في هذه الجارية"؟ قالوا: إنك أولى الناس بها وأحقهم، قال:"فإني أعتقتها، واستنكحتها، وجعلت عتقها مهرها" رواه الطبراني بسند جيد.

"ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها من غير مهر، فلزمها الوفاء بذلك، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره" فلا يلزمها الوفاء ونفذ العتق، "ويحتمل أنه أعتقها بغير عوض وتزوجها، بغير مهر في الحال ولا في المآل" خصوصية له أيضًا.

"قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق، وإن لم يكن صداقًا" في نفس الأمر، "قال: وهذا كقولهم الجوع، زاد من لا زاد له" فعد عدم الزاد زادًا لتعذره عليه، وليس بزاد، "وهذا أصح الأوجه وأقربها إلى لفظ الحديث، وتبعه" أي: ابن الصلاح في ترجيح هذا الوجه "النووي في الروضة، وممن جزم أن ذلك من الخصائص يحيى بن أكثم" بالمثلثة، كما ضبطه النووي، وغيره ابن محمد بن قطن التميمي، المروزي أبو محمد القاضي المشهور، فقيه، صديق، روى عنه الترمذي، إلا أنه رمي بسرقة الحديث، قال الحافظ: ولم يقع ذلك له، وإنما كان يرى الرواية بالإجار والوجادة، مات في آخر سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة، "فيما أخرجه البيهقي" عنه، "وكذا نقله المزني" إسماعيل الإمام المشهور، "عن" شيخه "الشافعي" الإمام، "قال: وموضع الخصوصية أنه أعتقها مطلقًا" عن قيد اشتراط التزويج، "وتزوجها بغير مهر ولا شهود، وهذا بخلاف غيره" فإنما يجوز له ذلك في عتيقته بمهر وشهود، "انتهى.

ص: 176

وقال النووي في شرح مسلم: الصحيح الذي اختاره المحققون، أنه أعتقها تبرعًا بلا عوض، ولا شرط، ثم تزوجها برضاها من غير صداق، والله أعلم. قال شيخ الحفاظ ابن حجر.

واختلف في انحصار طلاقه صلى الله عليه وسلم في الثلاث، وعلى الحصر، قيل: تحل له من غير محلل، وقيل لا تحل له أبدًا.

وكان له نكاح المعتدة في أحد الوجهين. قال النووي: الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره والله أعلم.

وفي وجوب نفقة زوجاته عليه الصلاة والسلام وجهان، قال النووي: الصحيح: الوجوب، انتهى.

"وقال النووي في شرح مسلم: الصحيح الذي اختاره المحققون؛ أنه أعتقها تبرعا بلا عوض ولا شرط" أنه ينكحها، "ثم تزوجها برضاها" بيان للواقع "من غير صداق" لا لأن رضاها شرط لأن جائز له بدون رضا المرأة، كما مر، "والله أعلم" بما وقع.

"قال شيخ الحافظ ابن حجر" في الفتح في النكاح: "واختلف في انحصار طلاقه صلى الله عليه وسلم في الثلاث" وهو الصحيح، وعدم انحصاره، كما لا ينحصر عدد زوجاته، "وعلى الحصر، قيل: تحل له" بالعقد عليها، فيباح الوطء لا بدونه، لحصول البينونة الكبرى "من غير محلل" قال السيوطي: على الأصح، "وقيل: لا تحل له أبدًا" لعدم إمكان التحليل، لأن من خصائصه حرمة من دخل بها على غيره، لقوله: {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} الآية، "وكان له نكاح المعتدة في أحد الوجهين" قال في الصلاح: وهو منكر، بل غلط، "قال النووي: الصواب القطع" الجزم "بامتناع نكاح المعتدة من غيره" إذ لا دليل على الخصوصية، "والله أعلم".

"وفي وجوب نفقة زوجاته عليه الصلاة والسلام وجهان، قال النووي: الصحيح الوجوب، انتهى" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتسم ورثتي دينارًا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عيالي، فهو صدقة"، رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، عن أبي هريرة، فإذا كان يجب أن ينفق من ماله على زوجاته بعد وفاته، فكيف لا تجب النفقة لهن حال حياته.

قال الجلال البلقيني: فهذا الخلاف باطل، ووقع الحديث مصحفًا في عبارة، بحذف بعد، فأحوج من لم يقف على غيرها إلى تعسف تصحيحها بقوله، أي: هو نفقة نسائي، لكن

ص: 177

ولا يجب عليه القسم فيما قاله طوائف من أهل العلم، وبه جزم الاصطخري من الشافعية، والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب.

وفي حل الجمع له بين المرأة وعمتها وخالتها وجهان، لا أختها وبنتها وأمها، قالوا: ومرجع غالب هذه الخصائص إلى أن النكاح في حقه كالتسري في حقنا.

يضيع قوله: فهو صدقة، وبعد ذلك ليس رواية، "ولا يجب عليه القسم فيما قاله طوائف من أهل العلم" كمالك، "وبه جزم الاصطخري من الشافعية" وصححه الغزالي في الخلاصة، واقتصر عليه في الوجيز.

قال البلقيني والسيوطي: وهو المختار للأدلة الصريحة الصحيحة؛ كحديث الشيخين: كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن تسع نسوة؛ ولقوله تعالى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} الآية، أي: تبعد من تشاء، فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء، فتقسم لها على أحد التفاسير، ولأن في وجوبه عليه شغلا عن لوازم الرسالة، "والمشهور عندهم، وعند الأكثرين الوجوب" وتعسفوا الجواب عن هذا الحديث باحتمالات لينة تقدمت، واحتجوا للوجوب بقوله:"اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، رواه ابن حبان وغيره.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال الترمذي: روى مسلم وهو أصح، انتهى، ولا دلالة فيه على الوجوب، كما هو ظاهر، إنما هو احتمال، "وفي حل الجمع له بين المرأة وعمتها وخالتها وجهان" مبنيان على أن المتكلم يدخل في الخطاب، ومقتضى البناء ترجيح المنع، وهو الأصح، "لا أختها وبنتها" فلا يحل له الجمع اتفاقًا، وما حكاه الرافعي، وتبعه في الروضة من جوازه له، جزموا بأنه غلط فاحش، لا تحل حكايته إلا لبيان فساده؛ لأن صرح بتحريمها عليه، روى الشيخان، أن أم حبيبة قالت: قلت: يا رسول الله! انكح أختي؟ فقال: "أو تحبين ذلك"؟ فقلت: نعم لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن ذلك لا يحلي لي"، قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، فقال:"إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن"، "وأمها" مستدرك، إذ هو قوله: وبنتها، "قالوا: ومرجع غالب هذه الخصائص إلى أن النكاح في حقه، كالتسري في حقنا" فإن قلنا بحرمة التسري بأمتين، بينهما محرمية، حرم عليه صلى الله عليه وسلم جمع امرأتين بينهما ذلك، وإن قلنا بإباحة التسري لنا، كما يقوله

ص: 178

وكان له عليه الصلاة والسلام أن يصطفي ما شاء من المغنم قبل القسمة من جارية وغيرها.

وأبيح له القتال بمكة والقتل بها، وجواز دخول مكة من غير إحرام مطلقًا. ذكره ابن القاص، واستدلوا له بحديث أنس عند الستة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر وذلك من كونه عليه الصلاة والسلام كان مستور الرأس بالمغفر، والمحرم يجب عليه كشف رأسه. ومن تصريح جابر ومالك والزهري بأنه لم يكن محرمًا، انتهى.

وأبدى ابن دقيق العيد لستر الرأس احتمالا فقال: يحتمل أن يكون لعذر، انتهى.

بعض الحنفية، جاز له ذلك، "وكان له عليه الصلاة والسلام أن يصطفي" يختار "ما شاء من المغنم قبل القسمة من جارية" كما اصطفى ريحانة من سبي بني قريظة وصفية من خيبر، قيل: ولذا سميت صفية؛ لأنها من الصفي، وكان اسمها زينب "وغيرها" كما اصطفى سيفه ذا الفقار، ولا يختص الاصطفاء بالمغنم كما اقتضاه كلام جمع، بل يكون من الفيء أيضا؛ كما ذكره الزركشي وغيره تبعًا لابن كج، "وأبيح له القتال بمكة" ساعة من نهار، كما في الصحيح، وهي من طلوع الشمس إلى العصر؛ كما في مسند أحمد، "والقتل بها" انظر ما المراد به، فإن لغيره صلى الله عليه وسلم قتل من يستحق القتل بها، قاله شيخنا.

"وجواز دخول مكة من غير إحرام مطلقًا" دخل لحاجة، أم لا؟، والمراد أحل له دخولها بلا خلاف على، أي صفة كان الدخول بخلاف غيره، ففيه خلف بينه بعد "ذكره ابن القاص، واستدلوا له بحديث أنس عند" الأئمة "الستة" كلهم من طريق مالك عن الزهري، عن أنس، قال:"دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر" بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة، وفتح الفاء، وبالراء زرد ينسج من الدروع المتصل بها، يجعل على الرأس، أو رفرف البيضة، أو ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة، وفي رواية عن مالك خارج الموطأ مغفر من حديد، رواه الدارقطني، "وذلك" أي: وجه الاستدلال "من كونه عليه الصلاة والسلام كان مستور الرأس بالمغفر والمحرم، يجب عليه كشف رأسه، ومن تصريح جابر" عند مسلم" ومالك" عند البخاري وغيره، "والزهري" عند "....."1 "بأنه لم يكن محرمًا" وكذا صرح به طاوس عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، "وأبدى ابن دقيق العيد لستر الرأس احتمالا، فقال: يحتمل أن يكون لعذر" فلا ينافي أنه محرم، "انتهى".

_________

1 بياض بالأصل.

ص: 179

وتعقبه الشيخ ولي الدين بن العراقي، فقال: هذا يرد تصريح جابر وغيره: قال: وهذا الاستدلال في غير موضع الخلاف المشهور، لأنه عليه الصلاة والسلام كان خائفًا من القتال متأهبًا، ومن كان كذلك فله الدخول عندنا بلا إحرام بلا خلاف عندنا، ولا عند أحد نعلمه.

وقد استشكل النووي في شرح المهذب ذلك، لأن مذهب الشافعي أن مكة فتحت صلحًا خلافًا لأبي حنيفة في قوله: إنها فتحت عنوة، وحينئذ فلا خوف.

ثم أجاب عنه: بأنه عليه الصلاة والسلام صالح أبا سفيان، وكان لا يأمن غدر أهل مكة، فدخلها صلحًا وهو متأهب للقتال إن غدروا. انتهى.

وقد ذكرت ما في فتح مكة من المباحث في قصة فتحها من المقصد الأول.

ثم إن غيره صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن خائفًا، فقال أصحابنا: إن لم يكن ممن يتكرر دخوله، ففي وجوب الإحرام عليه قولان: أصحهما عند أكثرهم: أنه

"وتعقبه الشيخ ولي الدين بن العراقي، فقال: هذا يرد تصريح جابر" بقوله: دخل صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، أخرجه مسلم، وأحمد، وأصحاب السنن "وغيره" كالزهري ومالك بقوله: ولم يكن صلى الله عليه وسلم فيما نرى، والله أعلم يومئذ محرمًا، أخرجه البخاري، ورواه الدارقطني جزمًا عنه، فأسقط فيما نرى، والله أعلم.

"قال" ابن العراقي: "وهذا الاستدلال" منهم على الخصوصية "في غير موضع الخلاف المشهور لأنه عليه الصلاة والسلام كان خائفًا من القتال متأهبًا له، ومن كان كذلك، فله الدخول عندنا بلا إحرام، بلا خلاف عندنا، ولا عند أحد نعلمه" فلا يصح الاستدلال بذلك.

"وقد استشكل النووي في شرح المهذب ذلك" أي: دخوله خائفًا من القتال متأهبًا له؛ "لأن مذهب الشافعي أن مكة فتحت صلحًا، خلافًا لأبي حنيفة" ومالك والأكثرين، "في قوله: إنها فتحت عنوة، وحينئذ فلا خوف، ثم أجاب عنه بأنه عليه الصلاة والسلام صالح أبا سفيان وكان لا يأمن غدر أهل مكة، فدخلها صلحًا، وهو متأهب للقتال إن غدروا" أي: أهل مكة بالبناء للفاعل، "انتهى" وعلى قول الأكثرين لا يتوجه هذا السؤال أصلا.

"وقد ذكرت ما في فتح مكة من المباحث في قصة فتحها من المقصد الأول" ومنه ترجيح فتحها عنوة من حيث الأدلة، "ثم إن غيره صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن خائفًا، فقال أصحابنا: إن لم يكن ممن يتكرر دخوله، ففي وجوب الإحرام عليه قولان، أصحهما عند أكثرهم أنه

ص: 180

لا يجب، وقطع به بعضهم، فإن تكرر دخوله كالحطابين ونحوهم ففيه خلاف مرتب وهو أولى بعدم الوجوب وهو المذهب.

وقال بعض الحنابلة بوجوب الإحرام إلا على الخائف وأصحاب الحاجات، وأوجبه المالكية في المشهور عندهم على غير ذوي الحاجات، وأوجبه الحنفية مطلقًا إلا من كان داخل الميقات.

وقد تحرر أن المشهور من مذهب الشافعي: عدم الوجوب مطلقًا. ومن مذاهب الأئمة الثلاثة الوجوب إلا فيما استثنى.

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقضي بعلمه من غير خلاف.

وأن يقضي لنفسه ولولده، وأن يشهد لنفسه ولولده.

ولا تكره له الفتوى ولا القضاء في حال.

لا يجب" إن لم يرد نسكًا، بل يستحب، "وقع به بعضهم، فإن تكرر دخوله كالحطابين ونحوهم، ففيه خلاف مرتب" مفرع على الخلاف المذكور، فإن قلنا: لا يجب على من لم يتكرر، قلنا بعدمه على من تكرر قطعًا، وإن قلنا: يجب به على من لم يتكرر، ففي وجوبه على من تكرر خلاف أصحه لا يجب؛ كما قال: "وهو أولى بعدم الوجوب، وهو المذهب" أي: المعتمد من التعبير بالكل عن الجزء؛ لأنه الأهم عند الفقيه المقلد.

"وقال بعض الحنابلة بوجوب الإحرام إلا على الخائف وأصحاب الحاجات المتكررة، وأوجبه المالكية في المشهور عندهم على غير ذوي الحاجات، وأوجبه الحنفية مطلقًا إلا من كان داخل الميقات، وقد تحرر" من هذا؛ "أن المشهور من مذهب الشافعي عدم الوجوب مطلقًا، ومن مذاهب الأئمة الثلاثة الوجوب إلا فيما استثنى" وفي رواية عن كل منهم: لا يجب، وقدم هذا في فتح مكة بنحوه، والله أعلم.

"ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقضي بعلمه" لنفسه ولغيره، زاد الأنموذج، ولو في الحديد "من غير خلاف" وفي غيره خلاف أصحه عند الشافعية: إن القاضي المجتهد له الحكم بعلمه إلا في الحدود، بخلاف غير المجتهد والحدود فلا يقضي بعلمه للريبة، والراجح عند المالكية منعه في الحدود وغيرها إلا في التعديل والتجريح، "وأن يقضي لنفسه ولولده" أي: فروعه، لأن المنع في حق غيره للريبة، وهي منتفية عنه قطعًا، "وأن يشهد لنفسه ولولده" لانتفاء الريبة، زاد الأنموذج: وأن يقبل شهادة من شهد له ولولده، "ولا تكره له الفتوى، ولا القضاء في حال

ص: 181

الغضب، كما ذكره النووي في شرح مسلم، وقد قضى للزبير بشراج الحرة بعد أن أغضبه خصم الزبير. لعصمته صلى الله عليه وسلم، فلا يقول في الغضب إلا كما يقول في الرضى.

الغضب" لأنه لا يخاف عليه من الغضب ما يخاف على غيره إذ غضبه لله لا لحظ نفسه، "كما ذكره النووي في شرح مسلم" عند حديث اللقطة، فإنه صلى الله عليه وسلم أفتى فيه وقد غضب حتى احمرت وجنتاه؛ كما في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللقطة، فقال: "أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدها إليه"، قال: فضالة الإبل؛ فغضب حتى احمرت وجنتاه، فقال: "ما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها"، قال: فضالة الغنم؟ قال: "لك أو لأخيك أو للذئب".

"وقضى للزبير" بن العوام، أحد العشرة، "بشراج" بكسر الشين المعجمة، آخره جيم، جمع شرج، بفتح، فسكون، بزنة بحر وبحار، ويجمع على شروج، وأضيف إلى "الحرة" بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين، موضع معروف بالمدينة لكونه فيه، والمراد؛ مجاري الماء الذي يسيل منها "بعد أن أغضبه خصم الزبير" هو حميد، رواه أبو موسى المديني في الذيل بسند جيد.

قال الحافظ: ولم أرَ تسميته إلا في هذا الطريق، وهو مردود بما في بعض طرق الحديث، أي عند البخاري في الصلح أنه شهد بدرا وليس في البدريين أحد اسمه حميد، وقيل: هو ثابت بن قيس بن شماس، حكاه ابن بشكوال واستبعد، وقيل: حاطب بن أبي بلتعة، حكاه ابن باطيش، ولا يصح، لأن حاطبًا ليس أنصاريًا، وأجيب، بحمله على المعنى اللغوي، أي: من كان ينصر النبي صلى الله عليه وسلم لا أنه من الأنصار المشهورين، ورد بأن في رواية الطبراني أنه من بني أمية بن زيد، وهم بطن من الأوس، ودفع باحتمال أن مسكنه كان في بني أمية، لا أنهم منهم، وقد روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله:{فَلا وَرَبِّكَ} الآية، قال: أنزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة، اختصامًا في ماء، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسقي الأعلى، ثم الأسفل، وهذا مرسل، ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري "لعصمته صلى الله عليه وسلم، فلا يقول في الغضب إلا كما يقول في الرضى" إذ كل من غضبه ورضاه لله، أخرج الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير، قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك"، فقال الأنصاري: يا رسول الله! إن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله، ثم قال:"اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك"، واستوعى للزبير حقه، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة، قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية،

ص: 182

وكان له أن يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة، وليس لنا أن نصلي إلا على نبي أو ملك.

وكان له أن يقتل بعد الأمان، وأن يلعن من شاء بغير سبب: واستبعد ذلك.

وجعل الله تعالى شتمه ولعنه قربة للمشتوم والملعون لدعائه عليه.

وأن بفتح الهمزة للتعليل مقدرة باللام، أي: حكمت له بالتقديم لأجل أنه ابن عمتك، وادعى الكرماني إن في بعضها أن بكسر الهمزة.

قال الحافظ: على أنها شرطية، والجواب محذوف، ولا أعرف هذه الرواية، وحكى القرطبي فتح الهمزة والمد على أنه استفهام إنكاري، ولم يقع لنا في الرواية.

قال المصنف: لكن رأيته في الأصل المقروء، وعلى الميدومي وغيره، وفي الفرع مصحح عليه بالمد والجذر، بفتح الجيم، وسكون المهملة: ما وضع بين شربات النخل، كالجدار أو الحواجز التي تحبس الماء، وقال القرطبي: هو أن يصل الماء إلى أصول النخل، قال: ويروى بكسر الجيم، وهو الجدار، والمراد جدران الشربات، وهي الحفر التي تحفر في أصول النخل، انتهى.

"وكان له أن يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة" استقلالا بلا كراهة لحديث الصحيحين وغيرهما، عن عبد الله بن أبي أوفى علقمة رضي الله عنهما: قال: كان إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال:"اللهم صل على آل فلان" فأتاه أبي بصدقته، فقال:"اللهم صل على آل أبي أوفى"، "وليس" أي: يكره تنزيهًا على الأصح "لنا أن نصلي إلا على نبي، أو ملك" استقلالا، لأنه صار شعارًا لهم، إذا ذكروا فلا يقال لغيرهم، وإن كان معناه صحيحًا إلا تبعًا فيجوز، "وكان له أن يقتل بعد الأمان" كذا نقله إمام الحرمين والرافعي، وغيرهما عن ابن القاص، وخطؤه فيه، وتعقبهم ابن الرفعة، بأن لفظه في تلخيصه لا يعطي ذلك، فإنه قال: يجوز له القتل في الحرم بعد إعطاء الأمان، وهذا معناه إذا قال: من دخل الحرم فهو آمن، فدخله شخص، وثم سبب يقتضي قتله أبيح، فهو إشارة لقصة عبد الله بن خطل في الصحيحيين عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل، فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال:"اقتلوه" وابن القاص معذور، لأنه رأى حديث الأمان في دخول المسجد، ورأى في هذا الأمر بقتله فاستنبط هذه الخصوصية، وهذا نهاية أمر الفقيه جمعًا بين الأحاديث، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمن الناس استثنى ابن خطل وغيره، كما سبق في الفتح.

"وأن يلعن من شاء بغير سبب" يقتضيه، "واستبعد ذلك" أي وقوعه منه، "وجعل الله تعالى شتمه" سبه "ولعنه قربة للمشتوم والملعون" تقربه إلى الله يوم القيامة، "لدعائه عليه

ص: 183

السلام بذلك. قاله ابن القاص، وردوه عليه، حكاه الحجازي في مختصر الروضة عن نقل الرافعي.

السلام بذلك" بقوله: "اللهم إني أتخذ عندك عهدًا لن تخلفنيه إنما أنا بشر، فأيما مؤمن أذيته أو شتمته، أو جلدته أو لعنته، فاجعلها صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة". رواه الشيخان من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم، وفي لفظ له: "اللهم إني بشر، أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس هو لها بأهل أن تجعلها له طهورًا وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة". وفيه روايات آخر متقاربة.

وفي مسلم أيضًا عن عائشة: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه، فسبهما ولعنهما، فلما خرجا قلت له، فقال:"أو ما علمت ما شارطت عليه ربي، قلت: اللهم إنما أنا بشر فأيما". الحديث، قال في الفتح: قال المازري: إن قيل كيف يدعو بدعوة على من ليس لها بأهل، قيل: المراد ليس بأهل لذلك عند الله في باطن الأمر، لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعا عليه، فكأنه يقول: من كان في باطن أمره عندك ممن ترضى عنه، فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله حينئذ طهورًا وزكاة، قال: وهذا معنى صحيح لا استحالة فيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم متعبد بالظواهر، وحساب الناس في البواطن على الله، انتهى. لكنه مبني على أنه كان يجتهد في الأحكام ويحكم بما أدى إليه اجتهاده.

أما على أنه لا يحكم إلا بالوحي، فلا يتأتى فيه هذا، وأجاب المازري أيضًا بأن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في كلامها بلا نية؛ كقوله لغير واحد، "تربت يمينك" ، و "عقري حلقي"، ومثل:"لا كبرت سنك ولا أشبع الله بطنك"، ونحو ذلك مما لا يقصد منه حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيئًا من ذلك، فسأل الله، ورغب إليه أن يجعل ذلك رحمة، وكفارة، وقربة، وطهورًا، وأجرًا، وهذا إنما يقع منه في النادر الشاذ من الزمان، ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشًا، ولا متفحشًا، ولا لعانًا، ولا منتقمًا لنفسه، وقيل له: ادع على دوس، فقال:"اللهم اهد دوسًا"، وقال:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، وأشار عياض إلى ترجيح هذا الجواب.

قال الحافظ: وهو حسن إلا أنه يرد عليه قوله في إحدى الروايات: "أو جلدته"، إذ لا يقع الجلد بلا قصد، وقد ساق الجميع مساقًا واحدًا، إلا أن يحمل على الجلدة الواحدة فيتجه، "قاله ابن القاص وردوه عليه، حكاه الحجازي في مختصر الروضة عن الرافعي" ولعل وجه رده لشمول كلامه لمن دعا عليه بسبب يقتضي الدعاء، وإلا فالحديث كما رأيت مصرح بما قاله.

وفي الشامية: وبأن له تعزير من شاء، أي: باللعن وغيره بغير سبب يقتضيه، ويكون له

ص: 184