المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب بيع الأصول والثمار] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٥

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب بيع الأصول والثمار]

[بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ]

ِ قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا: تَنَاوَلَ الْبَيْعُ أَرْضَهَا وَبِنَاءَهَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ " أَرْضَهَا " الْمَعْدِنَ الْجَامِدَ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَشْمَلُ الْمَعَادِنَ الْجَارِيَةَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ. فَيَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي. وَيَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ " إذَا ظَهَرَ فِيمَا أَحْيَاهُ مَعْدِنٌ جَارٍ: هَلْ يَمْلِكُهُ أَوْ لَا؟ " وَيَدْخُلُ أَيْضًا: الشَّجَرُ وَالنَّخْلُ الْمَغْرُوسُ فِي الدَّارِ، قَوْلًا وَاحِدًا. عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ فِيهِ احْتِمَالَانِ.

فَائِدَةٌ: مَرْفِقُ الْأَمْلَاكِ كَالطُّرُقِ وَالْأَفْنِيَةِ، وَمَسِيلُ الْمِيَاهِ وَنَحْوِهَا هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ، أَوْ يَثْبُتُ فِيهَا حَقُّ الِاخْتِصَاصِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُ حَقِّ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَالْغَصْبِ. وَدَلَّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَطَرَدَ الْقَاضِي ذَلِكَ حَتَّى فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ. وَرَتَّبَ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ أَرْضًا بِفِنَائِهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْفِنَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، إذْ اسْتِطْرَاقُهُ عَامٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا بِطَرِيقِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالًا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْفِنَاءِ. لِأَنَّهُ مِنْ الْحُقُوقِ كَمَسِيلِ الْمِيَاهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْمِلْكُ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكُلِّ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى مِلْكِ حَرِيمِ الْبِئْرِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ.

قَوْلُهُ (إلَّا مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِهَا، كَالْمِفْتَاحِ وَحَجَرِ الرَّحَا الْفَوْقَانِيِّ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي،

ص: 54

وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى.

أَحَدُهُمَا: لَا يَدْخُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَدْخُلُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ الْمِفْتَاحُ. وَلَا يَدْخُلُ الْحَجَرُ الْفَوْقَانِيُّ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: لَوْ بَاعَ الدَّارَ وَأَطْلَقَ، وَلَمْ يَقُلْ " بِحُقُوقِهَا " فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَاءُ الْبِئْرِ الَّتِي فِي الدَّارِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ وَأَصْلُهُمَا: هَلْ يَمْلِكُ الْمَاءَ أَوْ لَا؟ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ مَتَاعٌ، وَطَالَتْ مُدَّةُ نَقْلِهِ وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِفَوْقِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَهُوَ عَيْبٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: لَا. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَرْضٍ بِهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ. فَلَوْ تَرَكَهُ لَهُ وَلَا ضَرَرَ فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَغَيْرُهُ: لَوْ قَالَ: تَرَكْته لَك، فَفِي كَوْنِهِ تَمْلِيكًا وَجْهَانِ وَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ نَقْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: مَعَ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: لَهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَيَنْقُلُهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ. فَلَا يَلْزَمُ لَيْلًا، وَلَا جَمْعُ الْحَمَّالِينَ. وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ. وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ مُشْتَرٍ بِبَقَائِهِ. فَفِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: الْأُولَى أَنَّ لَهُ إجْبَارَهُ.

ص: 55

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ أَرْضًا بِحُقُوقِهَا، دَخَلَ غِرَاسُهَا وَبِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: بِحُقُوقِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ.

أَحَدُهُمَا: يَدْخُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهَادِي، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَدْخُلُ. وَالْبَائِعُ تَبْقِيَتُهُ.

فَوَائِدُ:

الْأُولَى: حُكْمُ الْأَرْضِ إذَا رَهَنَهَا حُكْمُهَا إذَا بَاعَهَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَتَفْصِيلًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: هَلْ يَتَّبِعُهُمَا فِي الرَّهْنِ. كَالْبَيْعِ، إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ أَوَّلًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِضَعْفِ الرَّهْنِ عَنْ الْبَيْعِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَهَا بُسْتَانًا بِحُقُوقِهِ دَخَلَ الْبِنَاءُ، وَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالنَّخْلُ، وَالْكَرْمُ وَعَرِيشُهُ الَّذِي يَحْمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ " بِحُقُوقِهِ " فَفِي دُخُولِ الْبِنَاءِ غَيْرُ الْحَائِطِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ حُكْمًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيمَا فِيهِ مِنْ بِنَاءِ غَيْرِ الْحِيطَانِ وَجْهَانِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ قَالَ " بِحُقُوقِهِ " أَوْ لَا وَهِيَ طَرِيقَةٌ فِي الْمَذْهَبِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَهُ شَجَرَةً فَلَهُ بَيْعُهَا فِي أَرْضِ الْبَائِعِ كَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: وَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الِاجْتِيَازِ، وَلَهُ الدُّخُولُ لِمَصَالِحِهَا.

الرَّابِعَةُ: لَوْ بَاعَ قَرْيَةً، لَمْ تَدْخُلْ مَزَارِعُهَا إلَّا بِذِكْرِهَا.

ص: 56

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَوْ قَرِينَةٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ أَوْلَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ شَجَرٌ بَيْنَ بُنْيَانِهَا، وَلَمْ يَقُلْ " بِحُقُوقِهَا " فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ نَقْلًا وَمَذْهَبًا. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا بِدُخُولِهِ.

السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ شَجَرَةً. فَهَلْ يَدْخُلُ مَنْبَتَهَا فِي الْبَيْعِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي. وَحَكَى عَنْ ابْنِ شَاقِلَا: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ، وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الدُّخُولُ، حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ أَقَرَّ بِشَجَرَةٍ لِرَجُلٍ هِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ انْقَلَعَتْ فَلَهُ إعَادَةُ غَيْرِهَا مَكَانَهَا. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَاقِلَا. كَالزَّرْعِ إذَا حُصِدَ، فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَرْضِ سِوَى حَقِّ الِانْتِفَاعِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ يَجُزْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، كَالرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ) أَوْ تَكُونُ ثَمَرَتُهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ [فَالْأُصُولُ لِلْمُشْتَرِي. وَالْجِزَّةُ الظَّاهِرَةُ وَاللُّقَطَةُ الظَّاهِرَةُ مِنْ الْقِثَّاءِ، وَالْبَاذِنْجَان] لِلْبَائِعِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَأَصْلُهُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ قَالَ " بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا " دَخَلَ فِيهَا ذَلِكَ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ: هَلْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَالشَّجَرِ، أَوْ كَالزَّرْعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا كَالشَّجَرِ، انْبَنَى عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ: هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَ الْإِطْلَاقِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ كَالزَّرْعِ، لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَجْهًا وَاحِدًا.

ص: 57

وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الشَّجَرِ فِي تَبَعِيَّةِ الْأَرْضِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمَجْدِ. وَقِيلَ: يَتَّبِعُ، وَجْهًا وَاحِدًا. بِخِلَافِ الشَّجَرِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبِ الْمُغْنِي.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ زَهْرُهُ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ، كَالْبَنَفْسَجِ وَالنَّرْجِسِ، وَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينِ، وَاللِّينُوفَرِ، وَنَحْوِهِ. فَإِنْ تَفَتَّحَ زَهْرُهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يَتَفَتَّحْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ التَّفْصِيلُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لَا يُحْصَدُ إلَّا مَرَّةً، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ، مُبْقًى إلَى الْحَصَادِ) وَكَذَلِكَ الْقُطْنِيَّاتُ وَنَحْوُهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ كَانَ الزَّرْعُ بَدَا صَلَاحُهُ: لَمْ يَتَّبِعْ الْأَرْضَ. وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتْبَعْ أَخْذَ الْبَائِعِ بِقَطْعِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا. مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى.

كَذَا مَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُسْتَتِرٌ، كَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْقَتِّ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَكَذَا الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ. إلَّا أَنَّ الْعُرُوقَ لِلْمُشْتَرِي. فَأَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالزَّرْعِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ الْجَوْزُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " مُبْقًى إلَى الْحَصَادِ " يَعْنِي بِلَا أُجْرَةٍ. وَيَأْخُذُ أَوَّلَ وَقْتِ أَخْذِهِ زَادَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ خَيْرًا لَهُ.

ص: 58

وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ فِي عَادَةِ أَخْذِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي. فَوَائِدُ

الْأُولَى: لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ، أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ لِلْبَائِعِ، وَظَنَّ دُخُولَهُ فِي الْبَيْعِ، أَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِهِ، وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ: فَلَهُ الْفَسْخُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ بَذْرٌ. فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ، كَالنَّوَى وَبَذْرِ الرَّطْبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّجَرِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى أَصْلُهُ، كَالزَّرْعِ وَنَحْوِهِ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ الْبَادِي. هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِمَا جَمِيعًا. لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُودَعَةٌ فِي الْأَرْضِ، فَكَانَتْ فِي حُكْمِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الْمَدْفُونَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. . قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ: وَالْبَذْرُ إنْ بَقِيَ أَصْلُهُ فَكَشَجَرٍ. وَإِلَّا كَزَرْعٍ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يَدْخُلُ. وَأَطْلَقَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْبَذْرَ لَا يَدْخُلُ. لِأَنَّهُ مُودَعٌ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: فِي بَذْرٍ وَزَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، قِيلَ: يَتْبَعُ الْأَرْضَ. وَقِيلَ: لَا. وَيُؤْخَذُ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ إنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْ الْأَرْضَ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبَذْرِ. فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّهُ دَخَلَ تَبَعًا. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثُ: إنْ ذَكَرَ قَدْرَهُ وَوَصْفَهُ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 59

قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا وَهُوَ مَا تَشَقَّقَ طَلْعُهُ) التَّأْبِيرُ: هُوَ التَّلْقِيحُ. وَهُوَ وَضْعُ الذَّكَرِ فِي الْأُنْثَى. وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله فَسَّرَهُ بِالتَّشَقُّقِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَهُ مَنُوطٌ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَقِّحْ. لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ عَيْنٍ أُخْرَى. وَعَلَى هَذَا إنَّمَا نِيطَ الْحُكْمُ بِالتَّأْبِيرِ فِي الْحَدِيثِ لِمُلَازَمَتِهِ لِلتَّشَقُّقِ غَالِبًا. إذَا عَلِمْت هَذَا، فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَبَالَغَ الْمُصَنِّفُ. فَقَالَ: لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالتَّأْبِيرِ وَهُوَ التَّلْقِيحُ لَا بِالتَّشَقُّقِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. فَعَلَيْهَا: لَوْ تَشَقَّقَ وَلَمْ يُؤَبِّرْ: يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي. وَنَصَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَاخْتَارَهَا فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلٌّ مُفْتَقِرٌ إلَى صُنْعٍ كَثِيرٍ لَا يَكُونُ ظُهُورُهُ الْفَصْلُ، بَلْ إيقَاعُ الْفِعْلِ فِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَتَلَخَّصَ: أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ تَشَقَّقَ طَلْعُهُ: فَغَيْرُ مُؤَبَّرٍ. وَمَا تَشَقَّقَ وَلُقِّحَ: فَمُؤَبَّرٌ، وَمَا تَشَقَّقَ وَلَمْ يُلَقَّحْ: فَمَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ.

فَائِدَةٌ " طَلْعُ الْفِحَالِ " يُرَادُ لِلتَّلْقِيحِ، كَطَلْعِ الْإِنَاثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالَ: أَنَّهُ لِلْبَائِعِ بِكُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ (فَالتَّمْرُ لِلْبَائِعِ، مَتْرُوكًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ إلَى الْجُذَاذِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ قَطْعُهُ.

فَائِدَةٌ: حُكْمُ سَائِرِ الْعُقُودِ فِي ذَلِكَ كَالْبَيْعِ فِي أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ: يَلْحَقُ بِأَصْلِهِ، وَمَا

ص: 60

أَبَرَّ: لَا يَلْحَقُ. وَذَلِكَ مِثْلُ الصُّلْحِ، وَالصَّدَاقِ، وَعِوَضُ الْخُلْعِ، وَالْأَجْرِ، وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالشُّفْعَةِ، إلَّا أَنَّ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ يَتْبَعُ فِيهِ الْمُؤَبِّرَ، إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْبَيْعِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ. وَأَمَّا الْفُسُوخُ: فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهُمَا: يَتْبَعُ الطَّلْعَ مُطْلَقًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ رُفِعَ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَتْبَعُ بِحَالٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّرْ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ كَالْعُقُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ. هَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ لَا يَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ: فَيَتْبَعُ الطَّلْعَ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْقَوَاعِدِ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِالثَّالِثِ. وَصَرَّحَ فِي الْمُغْنِي بِالثَّانِي. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِفْلَاسِ، وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ، فَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِمَا الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ إذَا بَقِيَتْ إلَى يَوْمِ الْمَوْتِ، سَوَاءٌ أُبِّرَتْ أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ قَوْلِهِ " مَتْرُوكًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ إلَى الْجُذَاذِ " إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَخْذِهِ بُسْرًا، أَوْ يَكُونُ بُسْرُهُ خَيْرًا مِنْ رُطَبِهِ. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ: فَإِنَّهُ يَجُذُّهُ حِينَ اسْتِحْكَامِ حَلَاوَةِ بُسْرِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا تَبْقَى إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ. وَلَوْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَبْقَى فِي بَقَائِهَا فَائِدَةٌ وَلَا زِيَادَةٌ. وَهَذَا أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَالْآخَرُ: يُقْطَعُ فِي الْحَالِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ قَبْلَ الْجُذَاذِ، وَلَوْ تَضَرَّرَ الْأَصْلُ بِذَلِكَ ضَرَرًا كَبِيرًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.

ص: 61

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْبَرُ عَلَى قَطْعِهَا، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ.

وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ إذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ بَادٍ كَالْعِنَبِ وَالتِّينِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ) يَعْنِي: يَكُونُ لِلْبَائِعِ مَتْرُوكًا فِي شَجَرِهِ إلَى اسْتِوَائِهِ، مَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا يَحْمِلُ الشَّجَرُ يَظْهَرُ بَارِزًا لَا قِشْرَ عَلَيْهِ كَالْعِنَبِ وَالتِّينِ وَالتُّوتِ وَالْجُمَّيْزِ وَاللَّيْمُونِ وَالْأُتْرُنْجِ وَنَحْوِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِشْرٌ يَبْقَى فِيهِ إلَى أَكْلِهِ، كَالرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ وَنَحْوِهِمَا. أَوْ لَهُ قِشْرَانِ، كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَنَحْوِهِمَا. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: أَنَّهُ يَكُونُ لِلْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا لَهُ قِشْرَانِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ، إلَّا بِتَشَقُّقِ قِشْرِهِ الْأَعْلَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ. وَقَالَ: لَا يَلْزَمُ الْمَوْزُ، وَالرُّمَّانُ، وَالْحِنْطَةُ فِي سُنْبُلِهَا. وَالْبَاقِلَّاءُ فِي قِشْرَةٍ لَا يَتْبَعُ الْأَصْلَ. لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِظُهُورِهِ. وَرَدَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ، الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: الِاعْتِبَارُ بِانْعِقَادِ لُبِّهِ. فَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ: تَبِعَ أَصْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا

. قَوْلُهُ (وَمَا ظَهَرَ مِنْ نُورِهِ كَالْمِشْمِشِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي) أَنَاطَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله الْحُكْمَ بِالظُّهُورِ مِنْ النُّورِ. فَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ تَنَاثَرَ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَاخْتَارَهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَقِيلَ: إنْ تَنَاثَرَ نُورُهُ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ. وَإِلَّا فَلَا. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.

ص: 62

لِأَنَّ ظُهُورَ ثَمَرِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَنَاثُرِ نُورِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَكُونُ لِلْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ النُّورِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي احْتِمَالًا، جَعْلًا لِلنُّورِ كَمَا فِي الطَّلْعِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ كَالْوَرْدِ، وَالْقُطْنِ: لِلْبَائِعِ) . بِلَا نِزَاعٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا الْيَاسَمِينُ، وَالْبَنَفْسَجُ، وَالنَّرْجِسُ، وَنَحْوِهِ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: الْقُطْنُ كَالطَّلْعِ وَأَلْحَقُوا بِهِ هَذِهِ الزُّهُورَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ هَذَا الْمُنَظِّمَ هُوَ نَفْسُ الثَّمَرَةِ أَوْ قِشْرُهَا الْمُلَازِمُ لَهَا، كَقِشْرِ الرُّمَّانِ. فَظُهُورُهُ ظُهُورُ الثَّمَرَةِ. بِخِلَافِ الطَّلْعِ. فَإِنَّهُ وِعَاءٌ لِلثَّمَرَةِ وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ بَيْعُ الشَّجَرِ إذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ بَادٍ، وَبُدُوُّ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ: ظُهُورُهُ مِنْ شَجَرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُنَظَّمًا. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَالْوَرَقُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُحْتَمَلُ فِي وَرَقِ التُّوتِ الْمَقْصُودُ أَخْذُهُ إنْ تَفَتَّحَ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ. وَإِنْ كَانَ حَبًّا: فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ وَجْهٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ. وَمَا لَمْ يَظْهَرْ: فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) وَكَذَلِكَ مَا أُبِّرَ بَعْضُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَابْنُ مُنَجَّى وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ: الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ فِي النَّخْلِ: أَنَّ مَا أَبَرَّ لِلْبَائِعِ

ص: 63

وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي. وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ الْوَرْدُ وَنَحْوُهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْكُلُّ لِلْبَائِعِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الِانْتِصَارِ. وَاخْتَارَهُ غَيْرُ ابْنِ حَامِدٍ، كَشَجَرَةٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ مِنْ شَجَرِهِ: لِلْمُشْتَرِي. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ. وَلَوْ أُبِّرَ بَعْضُهُ فَبَاعَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَحْدَهُ. فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى [وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ] . وَقِيلَ: لِلْبَائِعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي بُدُوِّ الثَّمَرَةِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ مَنْ وَاهِبٍ ادَّعَى شَرْطَ ثَوَابٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ جِنْسًا: فَلَمْ يُفَرِّقْ أَبُو الْخَطَّابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوْعِ. وَهُوَ وَجْهٌ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ الْأَوَّلَ. وَقَالَا: الْأَشْبَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْعِ وَالنَّوْعَيْنِ. فَمَا أُبِّرَ مِنْ نَوْعٍ، أَوْ ظَهَرَ بَعْضُ ثَمَرَةٍ: لَا يَتْبَعُهُ النَّوْعُ الْآخَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ

. تَنْبِيهٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ احْتَاجَ الزَّرْعُ أَوْ الثَّمَرَةُ إلَى سَقْيٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي. وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَ الْبَائِعِ مِنْهُ) . أَنَّهُ لَا يَسْقِيهِ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ سَقْيُهُ، لِلْمَصْلَحَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ أَوْ لَا، وَلَوْ تَضَرَّرَ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 64

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ احْتَاجَتْ الْأَرْضُ إلَى سَقْيٍ.

فَائِدَةٌ: حَيْثُ حَكَمْنَا أَنَّ الثَّمَرَ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ أَوَّلَ وَقْتِ أَخْذِهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ زَادَ الْمُصَنِّفُ. وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ خَيْرًا لَهُ. وَقِيلَ: يُؤَخِّرُهُ إلَى وَقْتِ أَخْذِهِ فِي الْعَادَةِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قَطْعُ الثَّمَرَةِ لِتَضَرُّرِ الْأَصْلِ. زَادَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: تَضَرُّرًا كَثِيرًا، وَأَطْلَقَاهُمَا. وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " يَبْقَى إلَى الْحَصَادِ "

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. وَلَا الزَّرْعُ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ. نَصَّ عَلَيْهِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَالِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِمَا. وَقَدْ دَخَلَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي شُرُوطِ الْبَيْعِ، حَيْثُ اشْتَرَطُوا: أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ.

فَوَائِدُ

الْأُولَى: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ: لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِأَصْلِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: إجْمَاعًا. لِأَنَّهُ دَخَلَ تَبَعًا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَمَاعَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا: لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.

ص: 65

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَالِك الشَّجَرِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ: صَحَّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَمُقْتَضَى هَذَا: أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَيَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَ بَعْضٌ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُشَاعًا: لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا

قَوْلُهُ (وَالْحَصَادُ وَاللِّقَاطُ عَلَى الْمُشْتَرِي) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا الْجُذَاذُ. لَكِنْ لَوْ شَرَطَهُ عَلَى الْبَائِعِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى مَذْهَبًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالسَّبْعِينَ.

ص: 66

قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ بِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ رِوَايَةً. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَقَدْ اسْتَشْكَلَ مَسْأَلَةَ الْخِرَقِيِّ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ. فَلْيُرَاجَعْ قَوْلُهُ (فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا: لَمْ يَصِحَّ) . يَعْنِي: إذَا بَاعَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَطْعَ وَلَا التَّبْقِيَةَ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ: لَمْ يَصِحَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ وَعَنْهُ يَصِحُّ إنْ قَصَدَ الْقَطْعَ. وَيَلْزَمُ بِهِ فِي الْحَالِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ إطْلَاقَهُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ. وَحَكَى الشِّيرَازِيُّ رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْقَطْعِ. وَمَا حَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَ رِوَايَاتٍ: لَيْسَ بِسَدِيدٍ. إنَّمَا حَكَى ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْقَطْعَ ثُمَّ تَرَكَهُ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ إلَّا بِشَرْطِ جَزِّهِ) حُكْمُ بَيْعِ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ: حُكْمُ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ. فَلَا يُبَاعُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إلَّا مَعَ أَصْلِهِ أَوْ لِرَبِّهِ، أَوْ مَعَ أَرْضِهِ. كَمَا تَقَدَّمَ. خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَلَا يُبَاعُ مُفْرَدًا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إلَّا جِزَّةً جِزَّةً بِشَرْطِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا الْقِثَّاءُ وَنَحْوُهُ إلَّا لُقَطَةً لُقَطَةً، إلَّا أَنْ يَبِيعَ أَصْلَهُ) . إنْ بَاعَهُ بِأَصْلِهِ صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَصْلِهِ، إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مَعَ أَرْضِهِ.

ص: 67

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ: وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: أَنَّ الْمَقَاثِيَ وَنَحْوَهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى.

وَإِنْ بَاعَهُ فِي غَيْرِ أَصْلِهِ. فَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ [لَمْ يَصِحَّ] إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنْ بَدَا صَلَاحُهُ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلَّا لُقَطَةً لُقَطَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُبَاعُ قِثَّاءٌ وَنَحْوُهُ إلَّا لُقَطَةً لُقَطَةً. نَصَّ عَلَيْهِ، إلَّا مَعَ أَصْلِهِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ. وَقَالَ هُنَا: وَمَا لَهُ أَصْلٌ يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ. كَقِثَّاءٍ وَكَالشَّجَرِ وَثَمَرِهِ: كَثَمَرَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، لَكِنْ لَا يَأْخُذُ الْبَائِعُ اللُّقَطَةَ الظَّاهِرَةَ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ فَالْفَسْخُ أَوْ الْأَرْشُ. وَقِيلَ: لَا يُبَاعُ إلَّا لُقَطَةً لُقَطَةً، كَثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ. ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. انْتَهَى.

وَقِيلَ: لَا يُبَاعُ بِطِّيخٌ قَبْلَ نُضْجِهِ، وَلَا قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ قَبْلَ أَوَانِ أَخْذِهِ عُرْفًا إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ فِي الْحَالِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ بَيْعُ اللُّقَطَةِ الْمَوْجُودَةِ وَالْمَعْدُومَةِ إلَى أَنْ تَيْبَسَ الْمَقْتَاةُ. وَقَالَ أَيْضًا: يَجُوزُ بَيْعُ الْمَقَاثِي دُونَ أُصُولِهَا. وَقَالَ: قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِقَصْدِ الظَّاهِرِ غَالِبًا.

فَائِدَةٌ: الْقُطْنُ إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَعْوَامًا، كَقُطْنِ الْحِجَازِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّجَرِ فِي جَوَازِ إفْرَادِهِ بِالْبَيْعِ. وَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ. وَثَمَرُهُ كَالطَّلْعِ. إنْ تَفَتَّحَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ زَرْعُهُ كُلَّ عَامٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ. وَمَتَى كَانَ جَوْزُهُ ضَعِيفًا رُطَبًا لَمْ يَقْوَ مَا فِيهِ: لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ. كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ، وَإِنْ قَوِيَ حَبُّهُ وَاشْتَدَّ جَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ. كَالزَّرْعِ إذَا اشْتَدَّ حَبُّهُ.

ص: 68

وَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِشَرْطِهِ. وَالْبَاذِنْجَانُ الَّذِي تَبْقَى أُصُولُهُ وَتَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ كَالشَّجَرِ. وَمَا يَتَكَرَّرُ زَرْعُهُ كُلَّ عَامٍ كَالزَّرْعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ، وَطَالَتْ الْجِزَّةُ، وَحَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى. فَلَمْ تَتَمَيَّزْ، أَوْ اشْتَرَى ثَمَرَتُهُ لِيَأْكُلَهَا رُطَبًا فَأَثْمَرَتْ: بَطَلَ الْبَيْعُ) . شَمِلَ كَلَامُهُ قِسْمَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: إذَا حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى قَبْلَ الْقَطْعِ، وَلَمْ تَتَمَيَّزْ مِنْ الْمَبِيعِ.

الثَّانِي: مَا عَدَا ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مَا عَدَا حُدُوثِ ثَمَرَةٍ أُخْرَى. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُ الْبَيْعِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَسَدَ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذِهِ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَعَلَيْهَا: الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ. قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمَا. وَنَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

ص: 69

وَعَنْهُ: الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. فَتَقُومُ الثَّمَرَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ذَكَرَهَا فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا. وَحَكَى ابْنُ الزاغوني، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً: أَنَّ الْبَائِعَ يَتَصَدَّقُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَعَنْهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ. وَيَتَصَدَّقُ بِالزِّيَادَةِ اسْتِحْبَابًا. لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ. انْتَهَى.

وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ سَهْوٌ مِنْ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الصِّحَّةِ. فَأَمَّا مَعَ الْفَسَادِ: فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْحَاوِي: كَمَا لَوْ أَخَّرَهُ لِمَرَضٍ. وَرَدَّهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: هُوَ مُخَالِفٌ نُصُوصَ أَحْمَدَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِلْبَائِعِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ لَكَانَ أَقْرَبَ. قَالَ الْمَجْدُ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ زِيَادَةَ الثَّمَرَةِ فِي صِفَتِهَا لِلْمُشْتَرِي، وَمَا طَالَ مِنْ الْجِزَّةِ لِلْبَائِعِ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ يَتَصَدَّقَانِ بِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ يَتَصَدَّقَانِ بِهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وُجُوبًا. وَقِيلَ: نَدْبًا. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ. فَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ، لَا تَدْخُلُ الزِّيَادَةُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا الْمُشْتَرِي.

ص: 70

وَعَنْهُ: الزِّيَادَةُ كُلُّهَا لِلْبَائِعِ. نَقَلَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ زَرْعِ الْغَاصِبِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ اشْتَرَى قَصِيلًا وَتَرَكَهُ حَتَّى سَنْبَلَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَى يَوْمَ اشْتَرَى. فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ: كَانَ لِلْبَائِعِ صَاحِبُ الْأَرْضِ. وَعَنْهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ إنْ أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ. وَعَنْهُ: يَبْطُلُ بِقَصْدِ حِيلَةٍ. ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْفَخْرُ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مَتَى تَعَمَّدَ الْحِيلَةَ فَسَدَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَوَجْهٌ فِي الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ عَرِيَّةً فَأَثْمَرَتْ: إنْ سَاوَى الثَّمَرَ الْمُشْتَرَى بِهِ: صَحَّ وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِيَفْسَخَ. وَعَنْهُ إذَا تَرَكَ الرَّطْبَةَ حَتَّى طَالَتْ: لَمْ يَبْطُلْ الْمَبِيعُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ حُكْمَ الْعَرِيَّةِ إذَا تَرَكَهَا حَتَّى أَثْمَرَتْ حُكْمُ الثَّمَرَةِ إذَا تَرَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلَاحُهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْبُطْلَانِ فِي الْعَرَايَا. وَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا. مِنْهُمْ الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا.

فَائِدَتَانِ

الْأُولَى: لِلْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَأْخِيرَهُ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَتَأْخِيرِ الْقَبْضِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى شِرَاءِ الثَّمَرَةِ وَبَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. وَهُوَ مُحَرَّمٌ. وَوَسَائِلُ الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعَةٌ. الْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ مَالَ الْمُشْتَرِي اخْتَلَطَ بِمَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ. فَبَطَلَ بِهِ الْبَيْعُ. كَمَا لَوْ تَلِفَ.

ص: 71

فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا بِالتَّأْخِيرِ إلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ. وَيَكُونُ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزًا. وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَطْبَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا مِنْ النَّعْنَاعِ وَالْهُنْدُبَا، أَوْ صُوفًا عَلَى ظَهْرٍ فَتَرَكَهَا حَتَّى طَالَتْ: لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ. لِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَهَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ وَاخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ. كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرِ، وَالزَّرْعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ وَالصُّوفِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ. وَمَتَى تَلِفَ بِجَائِحَةٍ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَطْعِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا. وَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ. وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي. لِأَنَّ مِلْكَهُ إنَّمَا يَنْفَسِخُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْبَائِعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ خِلَافَهُ. لِأَنَّ الْفَسْخَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ. وَهُوَ تَأْخِيرُ الْقَطْعِ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: وَقَدْ يُقَالُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ يَتَبَيَّنُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِ التَّأْخِيرِ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: تَقَدَّمَ هَلْ تَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي؟ إذَا قُلْنَا: بِالْبُطْلَانِ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى التَّبْقِيَةِ جَازَ. وَزَكَاةُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قُلْنَا: الزِّيَادَةُ لَهُمَا فَعَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا، وَإِلَّا انْبَنَى عَلَى الْخِلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

تَنْبِيهٌ: وَأَمَّا إذَا حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ. فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَسَائِلِ الْأُولَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي.

ص: 72

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ. فَهُمَا شَرِيكَانِ فِيهِمَا، كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ ثَمَرَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهَا اصْطَلَحَا. وَلَا يَبْطُلْ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ [وَالْفَائِقِ] وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ فَحَدَثَتْ أُخْرَى، قِيلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: اسْمَحْ بِنَصِيبِك. فَإِنْ فَعَلَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ. وَإِنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً فَحَدَثَتْ أُخْرَى: وَقِيلَ لِلْبَائِعِ ذَلِكَ لَا غَيْرُ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: لَوْ اشْتَرَى خَشَبًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَأَخَّرَ قَطْعَهُ فَزَادَ، فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. فَقَالَ لَوْ اشْتَرَى خَشَبًا لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ، فَنَمَا وَغَلُظَ فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْبَرْمَكِيُّ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ الزِّيَادَةَ لَهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْبَرْمَكِيُّ. وَقَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ أَيْضًا. فَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الْبَرْمَكِيِّ فِي الزِّيَادَةِ. وَقِيلَ: الْبَيْعُ لَازِمٌ، وَالْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي. وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ. قَالَ الْجَوْزِيُّ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ قَوْلِ الْجَوْزِيِّ قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ الِاشْتِرَاكُ. فَوَافَقَ الْمَنْصُوصَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَخَّرَ قَطْعَ خَشَبٍ مَعَ شَرْطِهِ فَزَادَ. فَقِيلَ: الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ. وَقِيلَ: لِلْكُلِّ. وَقِيلَ: لِلْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الزِّيَادَةُ لَهُمَا. اخْتَارَهُ الْبَرْمَكِيّ. انْتَهَى.

ص: 73

قَوْلُهُ (وَإِذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرَةِ وَاشْتَدَّ الْحَبُّ: جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَيُشْتَرَطُ التَّبْقِيَةُ) . وَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: وَإِذَا طَابَ أَكْلُ الثَّمَرِ. وَظَهَرَ نُضْجُهُ جَازَ بَيْعُهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: بِظُهُورِ مَبَادِئِ الْحَلَاوَةِ.

فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ جَدِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ الْقَبْضِ مَا يُمْكِنُ. فَكَفَى، لِلْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ لِبَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يَجِدَهُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةِ مِنْ السَّمَاءِ رَجَّعَ عَلَى الْبَائِعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَسَوَاءٌ أَتَلِفَتْ قَدْرَ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، إلَّا أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَنْضَبِطُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ إنْ أَتْلَفَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، ضَمِنَهُ الْبَائِعُ. وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا جَائِحَةَ فِي غَيْرِ النَّخْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ.

ص: 74

وَاخْتَارَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ إسْقَاطَ الْجَوَائِحِ مَجَّانًا. وَحَمَلَ أَحَادِيثَهَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَبِيعُونَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.

تَنْبِيهَاتٌ

أَحَدُهَا: قَيَّدَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٌ، الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا بَعْدَ التَّخْلِيَةِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَجَزَمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ مَحَلَّ الْجَائِحَةِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَتَسْلِيمِهِ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَوَّلِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّحْلِيَةِ مَا حَصَلَ قَبْضٌ.

الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ) صِحَّةُ الْبَيْعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا صَاحِبَ النِّهَايَةِ. فَإِنَّهُ أَبْطَلَ الْعَقْدَ. كَمَا لَوْ تَلِفَ الْكُلُّ.

الثَّالِثُ: عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الَّتِي قُلْنَا فِيهَا: لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَتْلَفَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا قِيلَ: يُعْتَبَرُ ثُلُثُ الثَّمَرَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَبْلُ: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الثُّلُثِ بِالْقِيمَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الثُّلُثِ بِالثَّمَنِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

الرَّابِعُ: عَلَى الْمَذْهَبِ: يُوضَعُ مِنْ الثَّمَرَةِ بِقَدْرِ التَّالِفِ. نَقَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ.

الْخَامِسُ: لَوْ تَعَيَّبَتْ بِذَلِكَ. وَلَمْ تَتْلَفُ: خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْأَرْشِ، وَبَيْنَ الرَّدِّ وَأَخْذِ الثَّمَنِ كَامِلًا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.

ص: 75

فَائِدَةٌ: تَخْتَصُّ الْجَائِحَةُ بِالثَّمَنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَكَذَا مَا لَهُ أَصْلٌ يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ كَقِثَّاءٍ، وَخِيَارٍ، وَبَاذِنْجَانٍ، وَنَحْوِهَا. قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ: لَوْ اشْتَرَى لُقَطَةً ظَاهِرَةً مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ فَتَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ الْقَطْعِ. فَإِنْ قُلْنَا: حُكْمُهَا حُكْمُ ثَمَنِ الشَّجَرِ فَمِنْ مَالِ الْبَائِعِ. وَإِنْ قِيلَ: هِيَ كَالزَّرْعِ خَرَجَتْ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَائِحَةِ الزَّرْعِ وَقَالَ الْقَاضِي: مِنْ شَرْطِ الثَّمَنِ الَّذِي تَثْبُتُ فِيهِ الْجَائِحَةُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسْتَبْقَى بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إلَى وَقْتٍ كَالنَّخْلِ، وَالْكَرْمِ، وَمَا أَشْبَهَهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تُسْتَبْقَى ثَمَرَتُهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ كَالتِّينِ، وَالْخَوْخِ، وَنَحْوِهِمَا فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَهَذَا أَلْيَقُ بِالْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا جَائِحَةَ فِي غَيْرِ النَّخْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الزَّرْكَشِيّ. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ: وَتَثْبُتُ أَيْضًا فِي الزَّرْعِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إذَا تَلِفَتْ الْبَاقِلَا. أَوْ الْحِنْطَةُ فِي سُنْبُلِهَا. قُلْنَا وَجْهَانِ. الْأَقْوَى: يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: ثُبُوتَ الْجَائِحَةِ فِي زَرْعٍ مُسْتَأْجَرٍ وَحَانُوتٍ نَقَصَ نَفْعُهُ عَنْ الْعَادَةِ. وَحَكَمَ بِهِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ حَمْزَةَ فِي حَمَّامٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: قِيَاسُ نُصُوصِهِ وَأُصُولِهِ: إذَا تَعَطَّلَ نَفْعُ الْأَرْضِ بِآفَةٍ. انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ. كَانْهِدَامِ الدَّارِ. وَأَنَّهُ لَا جَائِحَةَ فِيمَا تَلِفَ مِنْ زَرْعِهِ. لِأَنَّ الْمُؤَجَّرَ لَمْ يَبِعْهُ إيَّاهُ. وَلَا يُنَازِعُ فِي هَذَا مَنْ فَهِمَهُ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " بِجَائِحَةٍ مِنْ السَّمَاءِ " ضَابِطُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا صَنَعَ

ص: 76

لِآدَمِيٍّ كَالرِّيحِ وَالْمَطَرِ، وَالثَّلْجِ، وَالْبَرَدِ، وَالْجَلِيدِ، وَالصَّاعِقَةِ، وَالْحَرِّ، وَالْعَطَشِ، وَنَحْوِهَا كَذَا الْجَرَادُ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ.

الثَّانِي: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ مَعَ أَصْلِهَا. فَإِنَّهُ لَا جَائِحَةَ فِيهَا إذَا تَلِفَتْ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا: مَا إذَا أَخَذَهَا عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ. فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا الْبَائِعُ. وَالْحَالَةُ هَذِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَضْعُهَا عَمَّنْ أَخَّرَ الْأَخْذَ عَنْ وَقْتِهِ. وَاخْتَارَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ. يُفَرَّقُ بَيْنَ حَالَةِ الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ. ثُمَّ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ. فَتَارَةً يَتَمَكَّنُ مِنْ قَطْعِهَا قَبْلَ تَلَفِهَا، وَتَارَةً لَا يَتَمَكَّنُ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ قَطْعِهَا وَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى تَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمَجْدِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّعْلِيقِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، اعْتِمَادًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَنَظَرًا إلَى أَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَحْصُلْ. قَالَ فِي الْحَاوِي: يَقْوَى عِنْدِي وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ هُنَا: قَوْلًا وَاحِدًا. لِأَنَّ مَا شُرِطَ فِيهِ الْقَطْعُ. فَقَبَضَهُ: يَكُونُ بِالْقَطْعِ وَالنَّقْلِ. فَإِذَا تَلِفَ قَبْلَهُ يَكُونُ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. انْتَهَى.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَطْعِهَا حَتَّى تَلِفَتْ: فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ. قَوْلًا وَاحِدًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ: خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ)

ص: 77

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. فَهُوَ كَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ نَاظِمُ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ تَلَفُهُ بِعَسْكَرٍ أَوْ لُصُوصٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَائِحَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَصَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ صَلَاحٌ لِجَمِيعِهَا) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَهُوَ أَنْ يَبْدُوَ الصَّلَاحُ فِي بَعْضِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا غَلَبَ الصَّلَاحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي النَّوْعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِيمَا إذَا غَلَبَ الصَّلَاحُ فِي شَجَرَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي: إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ النَّوْعِ جَازَ بَيْعُ [بَعْضِ] ذَلِكَ النَّوْعِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ غَلَبَ جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ النَّوْعِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ.

إحْدَاهُمَا: يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ النَّوْعِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ

ص: 78

عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَظْهَرُهُمَا يَكُونُ صَلَاحًا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَكُونُ صَلَاحًا لَهُ. فَلَا يُبَاعُ إلَّا مَا بَدَا صَلَاحُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُهُمَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَابْنُ شَاقِلَا فِي تَعْلِيقِهِ.

تَنْبِيهَاتٌ

أَحَدُهَا: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَلَاحًا لِلْجِنْسِ مِنْ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ صَلَاحًا لِمَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ. فَيَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ النَّصِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّ صَلَاحَ بَعْضِ نَوْعٍ مِنْ بُسْتَانٍ لَا يَكُونُ حَاصِلًا لِذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ آخَرَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ.

ص: 79

وَعَنْهُ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي شَجَرَةٍ مِنْ الْقَرَاحِ يَكُونُ صَلَاحًا لَهُ وَلَمَّا قَارَبَهُ. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَسَاتِينِ رِوَايَتَيْنِ.

الثَّالِثُ: لَيْسَ صَلَاحُ بَعْضِ الْجِنْسِ صَلَاحًا لِجِنْسٍ آخَرَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: صَلَاحُ جِنْسٍ فِي الْحَائِطِ صَلَاحٌ لِسَائِرِ أَجْنَاسِهِ فَيَتْبَعُ الْجَوْزُ التُّوتَ. وَالْعِلَّةُ عَدَمُ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي عَلَى الثَّمَرِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا بَقِيَّةَ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تُبَاعُ عَادَةً كَالنَّوْعِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِمَّا بَدَا صَلَاحُهُ وَبَاعَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْمُجَرَّدِ

قَوْلُهُ (وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ: أَنْ يَحْمَرَّ، أَوْ يَصْفَرَّ. وَفِي الْعِنَبِ أَنْ يَتَمَوَّهَ) . وَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا: حُكْمُ مَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ عِنْدَ صَلَاحِهِ كَالْإِجَّاصِ، وَالْعِنَبِ الْأَسْوَدِ: حُكْمُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بِأَنْ يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ. وَفِي سَائِرِ الثَّمَرِ: أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ، وَيَطِيبُ أَكْلُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَمَاعَةٌ: بُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ: أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهُ وَيَظْهَرُ نُضْجُهُ. وَهَذَا الضَّابِطُ أَوْلَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ، وَمَا ذَكَرُوهُ عَلَامَةٌ عَلَى هَذَا. هَذَا حُكْمُ مَا يَظْهَرُ مِنْ الثِّمَارِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. فَأَمَّا مَا يَظْهَرُ فَمَا بَعْدَ فَمٍ كَالْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْيَقْطِينِ، وَنَحْوِهَا

ص: 80

فَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ: أَنْ يُؤْكَلَ عَادَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: صَلَاحُهُ تَنَاهِي عِظَمِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: صَلَاحُهُ الْتِقَاطُهُ عُرْفًا، وَإِنْ طَابَ أَكْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: صَلَاحُ الْحَبِّ: أَنْ يَشْتَدَّ أَوْ يَبْيَضَّ

قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ. فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقِيَاسُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي مَزَارِعِ الْقَرْيَةِ " أَوْ بِقَرِينَةٍ " يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ بِتِلْكَ الْقَرِينَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شِرَاءِ الْأَمَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ يَتَّبِعُهَا مَا عَلَيْهَا مَعَ عِلْمِهَا بِهِ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَتَّبِعُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْمَالَ: اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ، وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْمَالَ: لَمْ يُشْتَرَطْ) . فَظَاهِرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ سَوَاءٌ قُلْنَا الْعَبْدُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ لَا. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ. وَذَكَرَهُ نَصَّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَالتَّلْخِيصِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. نَقَلَ صَالِحٌ، وَأَبُو الْحَارِثِ: إذَا كَانَ إنَّمَا قَصَدَ الْعَبْدُ: كَانَ الْمَالُ تَبَعًا لَهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قِيلَ الْعَبْدُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ: لَمْ تُشْتَرَطْ شُرُوطُ الْبَيْعِ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ. وَزَادَ: إلَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الْعَبْدَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ. فَكَلَامُهُ خَرَجَ عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّعْلِيقِ وَتَبِعَهُمَا أَبُو الْبَرَكَاتِ

ص: 81

أَمَّا إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ، فَصَرَّحَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: بِأَنَّهُ يَصِحُّ شَرْطُهُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا. وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمِلْكَ، بَلْ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ. وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ. وَفِي نَسَبِهِ هَذَا إلَيْهِمَا نَظَرٌ. لِاحْتِمَالِ بِنَائِهِمَا عَلَى الْمِلْكِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَلِمَشْهُورِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ: لَمْ يُشْتَرَطْ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ: اُشْتُرِطَ. وَحَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُمْ رَتَّبُوا الْحُكْمَ عَلَى الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ: فَيَسْقُطُ حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ، وَيَصِيرُ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَمَالًا. وَهَذَا عَكْسُ طَرِيقَةِ أَبِي الْبَرَكَاتِ. ثُمَّ يَلْزَمُهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ. وَيَتَلَخَّصُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ. انْتَهَى. كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ: إذَا بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ. فَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ:

أَحَدُهَا: الْبِنَاءُ عَلَى الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، لَمْ يَشْتَرِطْ مَعْرِفَةَ الْمَالِ، وَلَا سَائِرَ شَرَائِطِ الْبَيْعِ. لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ. وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لِيَكُونَ عَبْدًا ذَا مَالٍ. وَذَلِكَ صِفَةٌ فِي الْعَبْدِ لَا تُفْرَدُ بِالْمُعَاوَضَةِ. فَهُوَ كَبَيْعِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَهُ مَالٌ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَالِ. وَإِنْ تَبِعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ، أَوْ بِجِنْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ عَلَى رِوَايَةٍ. وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِأَنَّ الْمَالَ دَاخِلٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: اعْتِبَارُ قَصْدِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِهِ لَا غَيْرُ. فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا

ص: 82

لِلْمُشْتَرِي: اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ، بَلْ قَصَدَ الْمُشْتَرِي تَرْكَهُ لِلْعَبْدِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَحْدَهُ: لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ. لِأَنَّهُ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. كَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ فِي الصِّحَّةِ. وَإِنْ قُلْنَا الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ. وَتَرْجِعُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى بَيْعٍ رِبَوِيٍّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَمَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي هَذِهِ الطَّرِيقَةَ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَنْكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ وَعَدَمُهُ مُعْتَبَرًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ. وَهُوَ عُدُولٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَأُصُولِهِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَمَضْمُونُهَا: أَنَّا إنْ قُلْنَا الْعَبْدُ يَمْلِكُ: لَمْ يُشْتَرَطْ لِمَالِهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ بِحَالٍ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ: فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا لِلْمُشْتَرِي: اُشْتُرِطَ لَهُ شَرَائِطُ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ: لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ ذَلِكَ. انْتَهَى.

وَذَكَرَهَا أَيْضًا فِي الْقَوَاعِدِ [وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَرْبَعُ طُرُقٍ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ ثِيَابٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ لِلْجَمَالِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَمَا كَانَ لِلُّبْسِ الْمُعْتَادِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مِنْ الْمَغْنَمِ. وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ جَمِيعُ الثِّيَابِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: عَذَارِ الْفَرَسِ، وَمِقْوَدُ الدَّابَّةِ: كَثِيَابِ الْعَبْدِ، وَيَدْخُلُ نَعْلُهَا فِي بَيْعِهَا كَلُبْسِ الْعَبْدِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَأُولَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَ الْعَبْدُ وَلَهُ سُرِّيَّةٌ: لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، كَامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 83