الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا سُقُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ: هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِلْآدَمِيِّ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. يَأْتِيَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْقَذْفِ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ، لَمْ يَسْقُطْ، وَإِلَّا سَقَطَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ. فَيَسْقُطُ الْحَدُّ هُنَا، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَكَذَا الْخِلَافُ فِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ. وَقِيلَ: إنْ جُعِلَ حَقَّ آدَمِيٍّ سَقَطَ، وَإِلَّا وَجَبَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا: صَحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ إنْ صَالَحَهُ بِعِوَضٍ. فَإِنْ كَانَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ: فَهِيَ إجَارَةٌ، وَإِلَّا بَيْعٌ. وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى مَوْضِعِ قَنَاةٍ مِنْ أَرْضِهِ يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ وَبِبِنَاءِ مَوْضِعِهَا، وَعَرْضِهَا وَطُولِهَا: جَازَ. وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ عُمْقِهِ. وَيُعْلَمُ قَدْرُ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ السَّاقِيَةِ. وَمَاءُ مَطَرٍ: بِرُؤْيَةِ مَا يَزُولُ عَنْهُ الْمَاءُ وَمِسَاحَتُهُ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْدِيرُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، لَا قَدْرُ الْمُدَّةِ لِلْحَاجَةِ كَالنِّكَاحِ.
[فَوَائِدُ]
ُ الْأُولَى: إذَا أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءً فِي أَرْضِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى أَرْضِهِ. لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا، إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَلَا ضَرُورَةٌ. بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ كَانَ مَضْرُورًا إلَى ذَلِكَ: لَمْ يَجُزْ أَيْضًا إلَّا بِإِذْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ وَأَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ، وَلَوْ مَعَ حَفْرٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ إلَّا لِلضَّرُورَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ. وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: إنَّمَا حَكَوْا الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَاجَةِ. وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي حَفْرِ بِئْرٍ، أَوْ إجْرَاءِ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ. نَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ: إذَا أَسَاحَ عَيْنًا تَحْتَ أَرْضٍ، فَانْتَهَى حَفْرُهُ إلَى أَرْضٍ لِرَجُلٍ أَوْ دَارٍ: فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلَا بَطْنِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ، جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهَا فِي سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ لَا تُجَاوِزُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّاقِيَةُ مَحْفُورَةً: لَمْ تَجُزْ الْمُصَالَحَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الصُّلْحُ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحٍ. وَفِيهِ عَلَى أَرْضٍ بِلَا ضَرَرٍ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَوَازِ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَدَّمَهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي فِي يَدِهِ وَقْفًا. فَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ كَالْمُسْتَأْجِرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَجُوزُ لَهُ حَفْرُ السَّاقِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكَ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ، وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ. وَفِي مَوْقُوفَةٍ: الْخِلَافُ، أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا لَمْ يُفِدْ. وَظَاهِرُهُ: لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ. بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ، وَأَنَّ إذْنَهُ يُعْتَبَرُ لِرَفْعِ الْخِلَافِ. وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْوَقْفِ. وَفِيهِ إذْنُهُ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْذُونِ الْمُمْتَازِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ، فَلِمَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْلَى. وَهُوَ مَعْنَى نَصِّهِ فِي تَجْدِيدِهِ لِمَصْلَحَةٍ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ فِي تَغْيِيرِ صِفَاتِ الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ. كَالْحَكُّورَةِ. وَعَمِلَهُ حُكَّامُ الشَّامِ حَتَّى صَاحِبُ الشَّرْحِ فِي الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ. وَقَدْ زَادَ عُمَرُ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما فِي مَسْجِدهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيَّرَا بِنَاءَهُ. ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه وَزَادَ فِيهِ أَبْوَابًا. ثُمَّ الْمَهْدِيُّ. ثُمَّ الْمَأْمُونُ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ مِنْ نَهْرٍ لِرَجُلٍ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ مِنْ عَيْنِهِ. وَقَدَّرَهُ بِشَيْءٍ يُعْلَمُ بِهِ: لَمْ يَجُزْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَالَا إلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
الرَّابِعَةُ: إذَا صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنْ الْعَيْنِ. أَوْ النَّهْرِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِمَا جَازَ. وَكَانَ بَيْعًا لِلْقَرَارِ، وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا فِي دَارٍ وَمَوْضِعًا فِي حَائِطِهِ يَفْتَحُهُ بَابًا، وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا بِئْرًا، وَعُلُوَّ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي وَضْعِ خَشَبٍ أَوْ بِنَاءٍ يَجُوزُ إجَارَةً، مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَيَجُوزُ صُلْحًا أَبَدًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ: لَمْ يَجُزْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا يَجُوزُ أَيْ يَصِحُّ إذَا وَصَفَ الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ يَصِحُّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ. فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ. وَهُنَا مُصَرَّحٌ بِهِ. وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ. وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهَا هُنَا. وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِالصُّلْحِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ كَالْبَيْعِ هُنَا. فَالنَّقْلُ فِيهَا مِنْ الْمَكَانَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: حَيْثُ صَحَّحْنَا ذَلِكَ. فَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا، وَيَرْجِعُ بِأُجْرَةٍ مُدَّةَ زَوَالِهِ عَنْهُ. وَفِي الصُّلْحِ: عَلَى زَوَالِهِ، وَعَدَمِ عَوْدِهِ.
فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمُصَالَحَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: حُكْمُ الْبَيْعِ. لَكِنْ قَالَ فِي الْفُنُونِ: فَإِذَا فَرَغَتْ الْمُدَّةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْجِدَارِ مُطَالَبَتُهُ. بِقَلْعِ خَشَبِهِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَإِعَارَتِهِ لِذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ حُكْمِ الْعُرْفِ. لِأَنَّ الْعُرْفَ وَضْعُهَا لِلْأَبَدِ. فَهُوَ كَإِعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ.
ثُمَّ إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَى حِينِ نَفَادِ الْخَشَبِ، لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ. كَالزَّرْعِ إلَى حَصَادِهِ، لِلْعُرْفِ فِيهِ، أَوْ يُجَدِّدُ أُجْرَةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَهِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالدَّوَامِ بِلَا عَقْدٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا لَزِمَهُ. فَإِنْ أَبَى فَلَهُ قَطْعُهَا) . قَالَ الْأَصْحَابُ: لَهُ إزَالَتُهَا بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَإِنْ أَبَى لَوَاهُ، إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَلَهُ قَطْعُهُ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَقَالَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يَقْطَعُهُ هُوَ؟ قَالَ: لَا. يَقُولُ لِصَاحِبِهِ حَتَّى يَقْطَعَهُ.
فَائِدَةٌ: إذَا حَصَلَ فِي مِلْكِهِ أَوْ هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ: لَزِمَ الْمَالِكَ إزَالَتُهُ إذَا طَالَبَهُ بِذَلِكَ. بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ إزَالَتِهِ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْبَرُ. وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ فِي عَدَمِ الْإِجْبَارِ. وَالثَّانِي: يُجْبَرُ عَلَى إزَالَتِهِ، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ، إنْ أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ: لَمْ يَجُزْ) . وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَجُوزُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا صِحَّتُهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ صَالَحَهُ عَنْ رَطْبَةٍ: لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا جَازَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَ فِي التَّلْخِيصِ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الرَّطْبَةِ، لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْيَابِسَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ رَطْبَةٍ لَمْ يَجُزْ. وَقِيلَ فِي الصُّلْحِ عَنْ غُصْنِ الشَّجَرَةِ: وَجْهَانِ. انْتَهَيَا. وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ فِي النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي لِلصِّحَّةِ: أَنْ يَكُونَ الْغُصْنُ مُعْتَمِدًا عَلَى نَفْسِ الْحَائِطِ. وَمُنِعَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْهَوَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَجُوزُ مَعَ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الزِّيَادَةِ بِالْأَذْرُعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ، أَوْ بَيْنَهُمَا: جَازَ، وَلَمْ يَلْزَمْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: جَازَ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي جَعْلِ الثَّمَرَةِ بَيْنَهُمَا لَا أَدْرِي. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي: أَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةً، لَا صُلْحَ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: حُكْمُ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ فِي غَيْرِ أَرْضِ مَالِكِهَا: حُكْمُ الْأَغْصَانِ. عَلَى
الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ عَنْهُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَغْصَانِ إذَا حَصَلَ ضَرَرٌ، وَإِلَّا فَلَا.
الثَّانِيَةُ: صُلْحُ مَنْ مَالَ حَائِطُهُ، أَوْ زَلَقَ مِنْ خَشَبِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ: كَالْأَغْصَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ. وَفِي الْمُبْهِجِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ ثَمَرَةُ غُصْنٍ فِي هَوَاءِ طَرِيقٍ عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا وَلَا سَابَاطًا) . وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ دِكَّةً. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَمُهَنَّا، وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله جَوَازُهُ بِلَا ضَرَرٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا وَفِي الْمِيزَابِ الْآتِي حُكْمُهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِمْ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ الْغَصْبِ. وَفِي سُقُوطِ نِصْفِ الضَّمَانِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ. قُلْت: الصَّوَابُ ضَمَانُ الْجَمِيعِ. ثُمَّ وَجَدْت الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ قَالَا لِمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ يَضْمَنُ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ يَضْمَنُ بِهِ الْبَعْضَ. فَضَمِنَ بِهِ الْكُلَّ، لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي الضَّمَانِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ الْأَصْحَابُ: وَبِأَنَّ النِّصْفَ عُدْوَانٌ. فَأَوْجَبَ كُلَّ الضَّمَانِ. فَظَاهِرُ مَا قَالُوا: أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمِيزَابِ إلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ، وَلَا إلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هُوَ كَإِشْرَاعِ الْأَجْنِحَةِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ احْتِمَالٌ بِالْجَوَازِ، مَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ. وَحُكِيَ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: اخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى الدَّرْبِ: هُوَ السُّنَّةُ. وَاخْتَارَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. فَعَلَى هَذَا: لَا ضَمَانَ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ الْجَوَازِ وَالضَّمَانِ فِي الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ وَالْمَيَازِيبِ: إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. فَأَمَّا إنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فِيهِ: جَازَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَوَّزَ ذَلِكَ الْأَكْثَرُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَقَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ، فِي بَابِ الْغَصْبِ: وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ: عَدَمُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصُّلْحِ. انْتَهَى.
وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَمُهَنَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قُلْت: بَلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ جَازَ. وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ مِقْدَارَ طُولِ الْجِدَارِ الَّذِي يُشْرَعُ عَلَيْهِ الْجَنَاحُ، وَالْمِيزَابُ وَالسَّابَاطُ، إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ. لَكِنْ حَيْثُ انْتَفَى الضَّرَرُ جَازَ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ: يَكُونُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ عُبُورُ مَحْمَلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُرُورُ رُمْحٍ قَائِمًا بِيَدِ فَارِسٍ. قَوْلُهُ (وَلَا دُكَّانًا) . لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ دُكَّانًا فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ، سَوَاءً أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَعَ أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُجَوِّزُوا حَفْرَ الْبِئْرِ وَالْبِنَاءَ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّوَامِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: تَخْرِيجٌ يَعْنِي: فِي جَوَازِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَالْبِنَاءِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: جَوَازُ إخْرَاجِ الدُّكَّانِ. وَإِنْ مَنَعْنَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُقَدَّمِ.
فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ إلَى دَرْبٍ نَافِذٍ مِنْ مِلْكِهِ رَوْشَنًا. وَلَا كَذَا، وَلَا كَذَا. وَقِيلَ: وَلَا دُكَّانًا. وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ، إنْ لَمْ يَكُنْ فِي النُّسْخَةِ غَلَطٌ.
تَنْبِيهٌ: مِمَّنْ ذَكَرَ " الدُّكَّانَ " كَالْمُصَنِّفِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ: أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَمْعٌ كَثِيرٌ. وَمِمَّنْ ذَكَرَ " الدَّكَّةَ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ " الدُّكَّانَ " جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ مُنَجَّى " الدُّكَّانَ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالدَّكَّةِ. قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ " الدُّكَّانُ " الدَّكَّةُ الْمَبْنِيَّةُ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ " الدَّكَّةُ " الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمِصْطَبَةُ. وَجَمَعَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَيْنَهُمَا. فَقَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ دِكَّةً، وَقِيلَ: وَلَا دُكَّانًا. انْتَهَى.
فَغَايَرَ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ " الدُّكَّانُ " الْحَانُوتُ. انْتَهَى.
فَهُوَ غَيْرُ " الدَّكَّةِ " عِنْدَهُ. وَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: وَ " الدُّكَّانُ " يُطْلَقُ عَلَى الْحَانُوتِ، وَعَلَى " الدَّكَّةِ " الَّتِي يَقْعُدُ عَلَيْهَا. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: " الدَّكَّةُ " بِالْفَتْحِ. وَ " الدُّكَّانُ " بِالضَّمِّ: بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعْلَاهُ لِلْمُقْعَدِ. [انْتَهَى.] قَوْلُهُ (وَلَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي هَوَاءِ جَارِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ صَالَحَ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ: جَازَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ صُلْحُهُ عَنْ مَعْلُومِهِ بِعِوَضٍ فِي الْأَصَحِّ،
وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَفَتَحَ فِيهِ بَابًا لِغَيْرِ الِاسْتِطْرَاقِ: جَازَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَهُوَ لِابْنِ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَتَحَهُ لِلِاسْتِطْرَاقِ: لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَمْ يَجُزْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ بَابَهُ فِي آخِرِ الدَّرْبِ: مَلَكَ نَقْلَهُ إلَى أَوَّلِهِ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ مِنْ فَتْحِهِ مُحَاذِيًا لِبَابِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مُحَاذِيًا لِبَابِ غَيْرِهِ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ قَدَّمَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ (وَلَمْ يَمْلِكْ نَقْلَهُ إلَى دَاخِلٍ مِنْهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. لَكِنْ لَا يَفْتَحُهُ قُبَالَةَ بَابِ غَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَجُوزُ إنْ سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ. وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ يَعْقُوبُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَنْ فَوْقَهُ. فَأَمَّا إنْ أَذِنُوا: ارْتَفَعَ الْخِلَافُ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ إذْنِ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَحَيْثُ قُلْنَا: بِالْإِذْنِ، وَأَذِنُوا. فَيَكُونُ إعَارَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَكُونُ إعَارَةً فِي الْأَشْبَهِ. وَكَذَا قَالَ قَبْلَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ دَارَانِ، ظَهْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى وَبَابُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَرَفَعَ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَهُمَا دَارًا وَاحِدَةً: جَازَ. فَإِنْ فَتَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَابًا إلَى الْأُخْرَى لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّطَرُّقِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى كِلَا الدَّارَيْنِ. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الصُّغْرَى: جَازَ فِي وَجْهٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَشْبَهُ الْجَوَازُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَالَ فِي النَّظْمِ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجَارَ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ بِجَارِهِ، كَحَفْرِ كَنِيفٍ إلَى جَنْبِ حَائِطِ جَارِهِ، وَبِنَاءِ حَمَّامٍ إلَى جَنْبِ دَارِهِ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ، وَنَصْبِ تَنُّورٍ يَتَأَذَّى بِاسْتِدَامَةِ دُخَانِهِ، وَعَمَلِ دُكَّانِ قِصَارَةٍ، أَوْ حِدَادَةٍ، يَتَأَذَّى بِكَثْرَةِ دَقِّهِ، أَوْ رَحًى، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ يَنْقَطِعُ بِهِ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ، فَانْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ: أُمِرَ بِسَدِّهَا، لِيَعُودَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأَوَّلَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنْ لَمْ يَعُدْ كُلِّفَ صَاحِبُ الْبِئْرِ الْأَوَّلَةِ حَفْرَ الْبِئْرِ الَّتِي سُدَّتْ لِأَجْلِهِ مِنْ مَالِهِ. وَعَنْهُ لَا يُكَلَّفُ سَدُّ بِئْرِهِ، وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ. قَالَ الْقَاضِي: فَيَخْرُجُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ الْحَمَّامِ، وَالتَّنُّورِ، وَدُكَّانِ الْقِصَارَةِ، وَالْحِدَادَةِ وَنَحْوِهَا رِوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: رِوَايَةُ عَدَمِ الْمَنْعِ فِي الْجَمْعِ أَقْيَسُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي تَعَالِيقِهِ عَنْهُ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَمِيعِ فِي الْفَائِقِ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ ادَّعَى أَنَّ بِئْرَهُ فَسَدَتْ مِنْ خَلَاءِ جَارِهِ، أَوْ بَالُوعَتِهِ: طُرِحَ فِي الْخَلَاءِ أَوْ الْبَالُوعَةِ نِفْطٌ. فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ طَعْمُ النِّفْطِ وَلَا رَائِحَتُهُ فِي الْبِئْرِ: عُلِمَ أَنَّ فَسَادَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ فِيهَا: كُلِّفَ صَاحِبُ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ نَقْلَ ذَلِكَ، إنْ لَمْ يُمْكِنْ إصْلَاحُهَا.
هَذَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ أَقْدَمَ مِنْهُمَا. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لَا يَلْزَمُ مَالِكَ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ تَغْيِيرُ مَا عَمِلَهُ فِي مِلْكِهِ بِحَالٍ. قَالَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِ.
الرَّابِعَةُ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ تَعْلِيَةِ دَارِهِ، فِي ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَلَوْ أَفْضَى إلَى سَدِّ الْفَضَاءِ عَنْ جَارِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» مَنْعُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، خَوْفًا مِنْ نَقْصِ أُجْرَةِ مِلْكِهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَقَدْ قَالَ فِي الْفُنُونِ: مَنْ أَحْدَثَ فِي دَارِهِ دِبَاغَ الْجُلُودِ، أَوْ عَمَلَ الصَّحْنَاءِ: يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ فِي مِلْكِهِ قَنَاةً تَنِزُّ إلَى حِيطَانِ النَّاسِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَلَا الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً، وَلَا طَاقًا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) . يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ حَتَّى بِضَرْبِ وَتَدٍ، وَلَا يُحْدِثُ سُتْرَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله " يَلْزَمُ الشَّرِيكَ النَّفَقَةُ مَعَ شَرِيكِهِ عَلَى السُّتْرَةِ " عَلَى سُتْرَةٍ قَدِيمَةٍ انْهَدَمَتْ. وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وُجُوبَهَا مُطْلَقًا عَلَى نَصِّهِ. فَقَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوبِهَا.
فَائِدَةٌ: يَلْزَمُ لِلْأَعْلَى بِنَاءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ
الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُشَارِكُهُ الْأَسْفَلُ. وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ يُلْزَمُ بِالْمُشَارَكَةِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَيْهِ) يَعْنِي عَلَى حَائِطِ جَارِهِ، أَوْ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ. (إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ التَّسْقِيفُ إلَّا بِهِ) . إذَا أَرَادَ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، أَوْ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ الْحَائِطُ بِذَلِكَ أَوْ لَا. فَإِنْ تَضَرَّرَ بِذَلِكَ: مُنِعَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْخَشَبِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ، لِإِمْكَانِهِ وَضْعَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ وَضْعِهِ، وَأَرَادَ وَضْعَهُ عَلَيْهِ: مُنِعَ مِنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ. وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله الْجَوَازَ. وَكَذَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْنِيًا، وَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَهُ وَضْعُهُ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْجِدَارِ مَنْعُهُ، وَإِنْ مَنَعَهُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ.
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ إذْنِهِ فِي الْوَضْعِ. وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْهُ بِشَيْءٍ جَازَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: جَازَ فِي الْأَصَحِّ انْتَهَى.
وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُهُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَقًّا. وَحَقُّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الضَّرُورَةَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِلْجَارِ ثَلَاثَةَ جُدُرٍ، وَلَهُ جِدَارٌ وَاحِدٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، إنَّمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " لَا يَمْنَعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ، وَكَانَ الْحَائِطُ يَبْقَى " وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ التَّسْقِيفُ عَلَى حَائِطَيْنِ، إذَا كَانَا غَيْرَ مُتَقَابِلَيْنِ، أَوْ كَانَ الْبَيْتُ وَاسِعًا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ جِسْرًا، ثُمَّ يَضَعُ الْخَشَبَ عَلَى ذَلِكَ الْجِسْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، مِنْ امْتِنَاعِ التَّسْقِيفِ بِدُونِهِ. وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْبَالِغِ وَالْيَتِيمِ وَالْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) . أَنَّ الْمُقَدَّمَ: جَوَازُ وَضْعِهِ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَيْسَ لَهُ وَضْعُهُ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ جَازَ وَضْعُهُ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ. وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ.
وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي.
فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ مَاءٍ يَجْرِي عَلَى سَطْحِ جَارِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ تَعْلِيَةُ سَطْحِهِ لِيَمْنَعَ الْمَاءَ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ لَهُ تَعْلِيَتُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِهِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَادُ إلَى حَائِطِ جَارِهِ وَإِسْنَادُ قُمَاشِهِ إلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي مَنْعِهِ احْتِمَالَيْنِ. وَلَهُ الْجُلُوسُ فِي ظِلِّهِ، وَنَظَرُهُ فِي ضَوْءِ سِرَاجِهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يَسْتَأْذِنُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ. فَإِنْ مَنَعَهُ حَاكَمَهُ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ قِيلَ لَهُ: أَيَضَعُهُ، وَلَا يَسْتَأْذِنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إيشْ يَسْتَأْذِنُهُ؟ ،. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا عَادَةً: لَا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا عَقْدُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ اتِّفَاقًا، كَمَسْأَلَتِنَا. . الثَّالِثَةُ: لَوْ مَلَكَ وَضْعَ خَشَبِهِ عَلَى حَائِطٍ. فَزَالَ لِسُقُوطِهِ، أَوْ قَلْعِهِ أَوْ سُقُوطِ الْحَائِطِ، ثُمَّ أُعِيدَ. فَلَهُ إعَادَةُ خَشَبِهِ إنْ حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ بِتَرْكِهِ وَلَمْ يُخْشَ عَلَى الْحَائِطِ مِنْ وَضْعِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِهِ عَلَيْهِ: لَزِمَهُ إزَالَتُهُ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ: لَمْ يَمْلِكْ إجَارَتَهُ، وَلَا إعَارَتَهُ. وَلَا يَمْلِكُ أَيْضًا بَيْعَهُ، وَلَا الْمُصَالَحَةَ عَنْهُ لِلْمَالِكِ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ إعَارَتَهُ أَوْ إجَارَتَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ: لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ أَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ: لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِجَارِهِ فِي الْبِنَاءِ عَلَى حَائِطِهِ، أَوْ وَضْعِ سُتْرَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ وَضْعِ خَشَبِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ وَضْعَهُ، جَازَ. وَصَارَتْ عَارِيَّةً لَازِمَةً، يَأْتِي حُكْمُهَا فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ.
وَإِنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ: جَازَ، سَوَاءٌ كَانَتْ إجَارَةً أَوْ صُلْحًا عَلَى وَضْعِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ. وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْبِنَاءِ وَالْعَرْضِ وَالطُّولِ وَالسُّمْكِ وَالْآلَاتِ.
السَّادِسَةُ: لَوْ وَجَدَ بِنَاءَهُ أَوْ خَشَبَهُ عَلَى حَائِطٍ مُشْتَرَكِ، أَوْ حَائِطِ جَارِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ. فَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ. وَكَذَا لَوْ وَجَدَ مَسِيلَ مَاءٍ يَجْرِي فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، أَوْ مَجْرَى مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ. فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ، فَانْهَدَمَ. فَطَالَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ مَعَهُ: أُجْبِرَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَرْبٍ، وَسِنْدِيٍّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَزِمَ الْآخَرَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: أُجْبِرَ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَا: هُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ.
وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، كَبِنَاءِ حَائِطٍ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَوْ بَنَاهُ، ثُمَّ أَرَادَ نَقْضَهُ. فَإِنْ كَانَ بَنَاهُ بِآلَتِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بَنَاهُ مِنْ عِنْدِهِ: فَلَهُ نَقْضُهُ. فَإِنْ قَالَ الشَّرِيكُ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَلَا تَنْقُضْهُ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ غَيْرُ الْبَانِي نَقْضَهُ، أَوْ إجْبَارَ بَانِيهِ عَلَى نَقْضِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. انْتَهَيَا. وَيَأْتِي الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا: يُجْبَرُ، فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ بِنَائِهِ. لَكِنْ إنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ عَمَلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ فِي الْأَشْهَرِ. كَمَا لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: عَادَ بَيْنَهُمَا، كَمَا كَانَ بِرُسُومِهِ وَحُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ بِعَيْنِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.
قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْأَكْثَرِينَ. وَقَدَّمَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَمَلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَحَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ عَدَمِ مَنْعِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ عَمَلِهِ نَظَرٌ. بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ الثَّانِيَ يَمْلِكُ مَنْعَ شَرِيكِهِ
مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَرَامَةِ الْوَاقِعَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَأَدَّى إلَى ضَيَاعِ حَقِّ الشَّرِيكِ. انْتَهَى.
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِذَا بَنَى أَحَدُهُمَا الْحَائِطَ بِأَنْقَاضِهِ. فَهُوَ بَيْنَهُمَا، إنْ أَدَّى الْآخَرُ نِصْفَ قِيمَةِ التَّالِفِ. قَوْلُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لَهُ) . وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ فِي بِنَائِهِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَاعْتَبَرَ فِي الْمُجَرَّدِ إذْنَ الْحَاكِمِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى أَنَّهُ يُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ (وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ) فَلَهُ مَنْعُ شَرِيكِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَمِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ وَرُسُومِهِ حَتَّى يَدْفَعَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ. صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَصَّ بِهِ وَبِنَفْعِهِ دُونَ أَرْضِهِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: مَلَكَهُ الْبَانِي خَاصَّةً، وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ. فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْبَانِي عَلَيْهِ رَسْمُ طَرْحِ أَخْشَابٍ، فَالْبَانِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ وَضْعِ أَخْشَابِهِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحَائِطِ. وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِنَاءَهُ لِيُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَهُمَا. أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي الطَّرْحِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ بَنَاهُ بِغَيْرِهَا، فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِ رَسْمِ طَرْحِ خَشَبٍ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: عَدَمُ الْمَنْعِ مِنْ الرُّسُومِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْمَنْعِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِالْجَوَازِ: إذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي ذَلِكَ، وَأَرَادَ الِانْتِفَاعَ بَعْدَ بِنَائِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ بَعْدَ كَلَامِهِمَا الْأَوَّلِ بِقَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ.
فَقَالَا: فَإِنْ كَانَ عَلَى الْحَائِطِ رَسْمُ انْتِفَاعٍ، أَوْ وَضْعِ خَشَبٍ، قَالَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِهِ. أَوْ تُمَكِّنَنِي مِنْ انْتِفَاعِي، وَإِمَّا أَنْ تُقْلِعَ حَائِطَك لِنُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَنَا. فَيَلْزَمُ الْآخَرَ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ رُسُومِهِ وَانْتِفَاعَهُ بِبِنَائِهِ. انْتَهَيَا. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُمَا.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ، فَإِنْ قِيلَ: فَعِنْدَكُمْ لَا يَجُوزُ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِهِ. فَكَيْفَ مَنَعْتُمْ هُنَا؟ . قُلْنَا: إنَّمَا مَنَعْنَا هُنَا مِنْ عَوْدِ الْحَقِّ الْقَدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ قَهْرًا. سَوَاءً كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَأَمَّا التَّمْكِينُ مِنْ الْوَضْعِ لِلِارْتِفَاقِ: فَذَلِكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَشْتَرِطُونَ فِيهَا الْحَاجَةَ أَوْ الضَّرُورَةَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ) يَعْنِي الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبْنِ: الِانْتِفَاعَ (خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ مِنْهُ، وَبَيْنَ أَخْذِ آلَتِهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اخْتَارَ الْأَخْذَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ قِيمَةِ بِنَائِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَدْفَعُ مَا يَخُصُّهُ كَغَرَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ مَعْنًى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
فَوَائِدُ:
إحْدَاهَا: إذَا قُلْنَا: يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ مَعَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَامْتَنَعَ: أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَخَذَ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ بَاعَ مِنْ عُرُوضِهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ. وَإِنْ عَمَّرَهُ شَرِيكُهُ بِإِذْنِهِ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَرَادَ بِنَاءَهُ لَمْ يَمْلِكْ الشَّرِيكُ مَنْعَهُ. وَمَا أَنْفَقَ، إنْ تَبَرَّعَ بِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ.
وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِهِ. فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ . قَالَ فِي الشَّرْحِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ عَلَى الْأَوَّلِ: الْخِلَافُ. وَإِنْ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ بِآلَتِهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً. فَإِنْ أَرَادَ نَقْضَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ. فَلَا يَكُونُ لَهُ نَقْضُهُ. الثَّانِيَةُ: يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ مَعَ شَرِيكِهِ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ اسْتُهْدِمَ جِدَارُهُمَا، أَوْ خِيفَ ضَرَرُهُ نَقَضَاهُ. فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ إذَا أَشْهَدَ عَلَى شَرِيكِهِ. وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: بَلَى، إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِنَقْضِهِ، وَأَيُّهُمَا هَدَمَهُ إذَنْ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهَدَرٌ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ عَلَى صِفَتِهِ كَمَا لَوْ هَدَمَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى هَدْمِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ. فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَنُبَيِّنُ الرَّاجِحَ فِي الْمَذْهَبِ هُنَاكَ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ أَرَادَ بِنَاءَ حَائِطٍ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا: لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا. وَيَبْنِي الطَّالِبُ فِي مِلْكِهِ إنْ شَاءَ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. يَعْنِي بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.
الْخَامِسَةُ: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، عَلَى أَنَّ ثُلُثَهُ لِوَاحِدٍ وَثُلُثَيْهِ لِآخَرَ: لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا شَاءَ: لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَتِهِ. وَإِنْ
وَصَفَا الْحَمْلَ، فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ: صَحَّ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ بِئْرٌ، أَوْ دُولَابٌ، أَوْ نَاعُورَةٌ، أَوْ قَنَاةٌ، وَاحْتَاجَ إلَى عِمَارَةٍ. فَفِي إجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ: رِوَايَتَانِ) . إحْدَاهُمَا: يُجْبَرُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُجْبَرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا وَالْخِلَافَ كَالْخِلَافِ فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، نَقْلًا وَمَذْهَبًا وَتَفْصِيلًا. قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُجْبَرُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا. وَحَكَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَائِطِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَائِطَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، بِخِلَافِ الْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ عِمَارَتِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِذَا عَمَّرَهُ فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْإِبَاحَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ لِلْقَاضِي، وَالتَّمَامِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ: لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْقَنَاةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَشْهَدُ لَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله بِالْمَنْعِ مِنْ سُكْنَى السُّفْلِ
إذَا بَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ. وَمَنْعُ الشَّرِيكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْحَائِطِ إذَا أُعِيدَ بِآلَتِهِ الْعَتِيقَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ حَائِطِ بُسْتَانٍ، فَبَنَى أَحَدُهُمَا. فَمَا تَلِفَ مِنْ الثَّمَرَةِ بِسَبَبِ إهْمَالِ الْآخَرِ: يَضْمَنُهُ الَّذِي أَهْمَلَ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ وَالْعُلْوُ لِآخَرَ، فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا، لَا لِصَاحِبِ الْعُلْوِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالْإِجْبَارُ إذَا انْهَدَمَ السَّقْفُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَائِطِ الَّذِي بَيْنَهُمَا إذَا انْهَدَمَ. وَلَوْ انْهَدَمَ الْجَمِيعُ، فَلِرَبِّ الْعُلْوِ إجْبَارُ صَاحِبِ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: أُجْبِرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَالْقَوَاعِدِ. وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَنْفَرِدُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِبِنَاءِ السُّفْلِ، أَوْ يُشْرِكُهُ فِيهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُ السُّفْلِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ. إحْدَاهُمَا: يَنْفَرِدُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالْبِنَاءِ إلَى حَدِّهِ. وَيَنْفَرِدُ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِبِنَائِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالثَّانِيَةُ: يُشْرِكُهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ فِيمَا يَحْمِلُهُ مِنْهُ. وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاءُ السُّفْلِ، وَفِي مَنْعِهِ السُّكْنَى: مَا سَلَفَ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ.