المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ] ِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٥

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ] ِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ

[بَابُ الْحَوَالَةِ]

ِ فَوَائِدُ

إحْدَاهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ. لِأَنَّهَا تُحَوِّلُ الْحَقَّ وَتَنْقُلُهُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ. فَإِنَّ " التَّحَوُّلَ " مُطَاوِعٌ " لِلتَّحْوِيلِ " يُقَالُ: حَوَّلْته فَتَحَوَّلَ.

الثَّانِيَةُ: " الْحَوَالَةُ " عَقْدُ إرْفَاقٍ. تَنْقُلُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَلَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. لِجَوَازِهَا بَيْنَ الدَّيْنَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ جِنْسًا وَصِفَةً. وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ. اخْتِصَاصِهَا بِجِنْسٍ وَاحِدٍ، وَاسْمٍ خَاصٍّ، وَلُزُومِهَا. وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَبِيعِ. لِعَدَمِ الْعَيْنِ فِيهَا. وَهَذَا الصَّوَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: " الْحَوَالَةُ " هَلْ هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ، أَوْ تَقْبِيضٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا بَيْعٌ. فَإِنَّ الْمُحِيلَ يَشْتَرِي مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَجَازَ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ رُخْصَةً. لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الرِّفْقِ. فَيَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ تُشْبِهُ " الْمُعَاوَضَةَ " مِنْ حَيْثُ إنَّهَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ. وَتُشْبِهُ " الِاسْتِيفَاءَ " مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبْرِئُ الْمُحِيلَ، وَيَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إذَا أَحَالَ بِالثَّمَنِ. وَلِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ ذَلِكَ: أَلْحَقَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْمُعَاوَضَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَلْحَقَهَا بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِيفَاءِ.

ص: 222

الثَّالِثَةُ: نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ بَعَثَ رَجُلًا إلَى رَجُلٍ لَهُ عِنْدَهُ مَالٌ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ مِنْهُ دِينَارًا. فَأَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ قَالَ: الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْسِلِ، لِتَغْرِيرِهِ. وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الرَّسُولِ: ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يُحِيلَ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ. فَإِنْ أَحَالَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ السَّلَمِ، أَوْ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) . وَكَذَا لَوْ أَحَالَ عَلَى الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ (لَمْ تَصِحَّ. وَإِنْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ، أَوْ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ: صَحَّ) وَكَذَا لَوْ أَحَالَ بِالْأُجْرَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَارَةً تَكُونُ عَلَى مَالٍ. وَتَارَةً تَكُونُ بِمَالٍ. فَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى مَالٍ: فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُسْتَقِرًّا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ حُلُولِهِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ، لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ، وَالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ وَبِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَظْهَرُ لِي مَنْعُ الْحَوَالَةِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ: صِحَّةُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَعَلَى الْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِمَالٍ: لَمْ يُشْتَرَطْ اسْتِقْرَارُهُ.

وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الزَّرْكَشِيّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي غَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى مَا يَأْتِي.

ص: 223

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُحَالِ بِهِ مُسْتَقِرًّا، كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا أَنْ تَكُونَ بِدَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، وَعَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ، يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، مُسْتَقِرًّا عَلَى مُسْتَقِرٍّ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: إنَّمَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، مُسْتَقِرًّا فِي الْأَشْهَرِ، عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتَخْتَصُّ بِدَيْنٍ يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ. وَيُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُهُ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، عَلَى مُسْتَقِرٍّ.

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ. فَلَا تَصِحُّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَلَا فِي الْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَكَذَلِكَ دَيْنُ الْكِتَابَةِ. عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: تَصِحُّ حَوَالَةُ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَيَبْرَأُ الْعَبْدُ وَيُعْتَقُ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ. انْتَهَى وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَوَالَةِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْمَهْرِ، وَالْأُجْرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، فِي الْحَوَالَةِ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَالْمَهْرِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: الدُّيُونُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: دَيْنُ سَلَمٍ، وَدَيْنُ كِتَابَةٍ، وَمَا عَدَاهُمَا. وَهُوَ قِسْمَانِ: مُسْتَقِرٌّ، وَغَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. كَثَمَنِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَنَحْوِهِ. فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِدَيْنِ السَّلَمِ، وَلَا عَلَيْهِ. وَتَصِحُّ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ، دُونَ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ. وَيَصِحَّانِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ مُسْتَقِرِّهَا وَغَيْرِ مُسْتَقِرِّهَا. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ عَلَى غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ بِحَالٍ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ.

ص: 224

وَقِيلَ: وَلَا بِمَا لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَتَبِعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالسَّامِرِيُّ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مِنْ الْمَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَالْمُحَالِ بِهِ: دَيْنُ السَّلَمِ. فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ وَلَا بِهِ، عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، إلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتِهِ، وَكَلَامِ الزَّرْكَشِيّ.

فَائِدَةٌ: فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَعَلَيْهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِهِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ مِنْ الْبُيُوعِ. فَقَالَ: لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ فَسْخِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ بِحَوَالَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا. وَقِيلَ: يَصِحُّ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

تَنْبِيهٌ: خَرَجَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ أَحَالَ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى حَوَالَةً، بَلْ هُوَ وَكَالَةٌ فِي الْقَبْضِ. وَلَوْ أَحَالَ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ: فَهُوَ وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ، لَا حَوَالَةٌ. وَلَوْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ: فَهُوَ وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ أَيْضًا. فَلَا يُصَارِفُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: إنْ رَضِيَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِالْحَوَالَةِ: صَارَ ضَامِنًا، يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (الثَّانِي: اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: عِلْمُ الْمَالِ، وَأَنْ يَكُونَ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ. وَفِي

ص: 225

غَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ، يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَأَطْلَقَا فِي إبِلِ الدِّيَةِ الْوَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ فِي الْمَعْدُودِ، وَالْمَذْرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِكُلِّ مَا صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ، وَهُوَ مَا يُضْبَطُ بِالصِّفَاتِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مِثْلٌ كَالْأَدْهَانِ، وَالْحُبُوبِ، وَالثِّمَارِ أَوْ لَا مِثْلَ لَهُ، كَالْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ النَّاظِمُ: تَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَرَّجَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا يُقْضَى بِهِ قَرْضُ هَذِهِ الْأَمْوَالِ. انْتَهَى.

وَأَمَّا الْإِبِلُ: فَقَالَ الشَّارِحُ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ إبِلٌ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِثْلُهَا فِي السِّنِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِي السِّنِّ وَالْقِيمَةِ، وَسَائِرِ الصِّفَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَصِحُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ إبِلٌ مِنْ دِيَةٍ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِثْلُهَا قَرْضًا، فَأَحَالَهُ. فَإِنْ قُلْنَا يُرَدُّ فِي الْقَرْضِ قِيمَتُهَا: لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ. لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. وَإِنْ قُلْنَا يُرَدُّ مِثْلُهَا: اقْتَضَى قَوْلُ الْقَاضِي: صِحَّةَ الْحَوَالَةِ. وَإِنْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ، فَأَحَالَ الْمُقْرِضُ بِإِبِلٍ: لَمْ يَصِحَّ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْجِنْسِ) كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا. وَالصِّفَةِ، كَالصِّحَاحِ بِالصِّحَاحِ وَعَكْسِهِ.

ص: 226

فَلَوْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ دِمَشْقِيَّةٌ بِدَرَاهِمَ عُثْمَانِيَّةٍ: لَمْ تَصِحَّ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَلِكَ لَا تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ أَلْحَقَهَا بِالْمُعَاوَضَةِ. إذْ اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فِيهِمَا مُمْتَنِعٌ كَالْقَرْضِ. وَأَمَّا مَنْ أَلْحَقَهَا بِالِاسْتِيفَاءِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ تَفَاوُتًا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ عِنْدَ بَذْلِهِ، كَالْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ: صَحَّتْ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَالثَّالِثُ: أَنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ. وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا رِضَى الْمُحْتَالِ، إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيئًا) . لَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحْتَالِ إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيئًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ. ذَكَرَهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: فَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه الْمَلِيءَ، فَقَالَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَوْ فِعْلِهِ. وَزَادَ فِي الْكُبْرَى عَلَيْهِمَا: وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ. وَقِيلَ: هُوَ الْمَلِيءُ بِالْقَوْلِ وَالْأَمَانَةِ، وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَلِيءَ بِالْمَالِ: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْوَفَاءِ، وَالْقَوْلِ: أَنْ لَا يَكُونَ مُمَاطِلًا. وَالْبَدَنِ: أَنْ يُمْكِنَ حُضُورُهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ.

الثَّانِيَةُ: يَبْرَأُ الْمُحِيلُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ. وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، أَوْ جَحَدَ، أَوْ مَاتَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ.

ص: 227

قَالَ النَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّاظِمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِرِضَى الْمُحْتَالِ. فَإِنْ أَبَى: أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ. لَكِنْ تَنْقَطِعُ الْمُطَالَبَةُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَتُفِيدُ الْإِلْزَامَ فَقَطْ. ذَكَرَهَا فِي النُّكَتِ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى.

فَهَذِهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، قَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: وَمَبْنَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ الْحَوَالَةَ هَلْ هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ أَوْ تَقْبِيضٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ، لَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا قَبُولٌ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ تَقْبِيضٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ قَبُولُهَا. فَيُجْبَرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ. انْتَهَى.

فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ لِلْمُحْتَالِ مُطَالَبَةَ الْمُحِيلِ قَبْلَ إجْبَارِ الْحَاكِمِ. وَذَكَرَ أَبُو حَازِمٍ، وَابْنُهُ أَبُو يَعْلَى: لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ، كَتَعْيِينِهِ كِيسًا فَيُرِيدُ غَيْرَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَنَّهُ مَلِيئًا. فَبَانَ مُفْلِسًا، وَلَمْ يَكُنْ رَضِيَ بِالْحَوَالَةِ: رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا) . هُنَا مَسَائِلُ. الْأُولَى: لَوْ رَضِيَ الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ مُطْلَقًا بَرِئَ الْمُحِيلُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ، مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا رِضًى مِنْ الْمُحْتَالِ وَهِيَ إحْدَى مَسْأَلَتَيْ الْمُصَنِّفِ رَجَعَ بِلَا نِزَاعٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ رَضِيَ بِالْحَوَالَةِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْيَسَارَ وَجَهِلَهُ، أَوْ ظَنَّهُ مَلِيئًا، فَبَانَ مُفْلِسًا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الثَّانِيَةُ: بَرِئَ الْمُحِيلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 228

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ: وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَجْهًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَنَظْمِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ: الْخِلَافُ وَجْهَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْبَنَّا.

الرَّابِعَةُ: لَوْ شَرَطَ الْمُحِيلُ: أَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مَلِيءٌ. ثُمَّ تَبَيَّنَ عُسْرَتُهُ: رَجَعَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ إذَا أَحَالَهُ عَلَى مَلِيءٍ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ، أَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِهِ. فَبَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ: لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ) . إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ، أَوْ إقَالَةٍ، أَوْ خِيَارٍ، أَوْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَنَحْوِهَا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ مَالَ الْحَوَالَةِ أَوْ قَبْلَهُ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَغَيْرُهُمْ. فَعَلَى هَذَا: لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ، فِي مَسْأَلَتَيْ حَوَالَتِهِ وَالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ، لَا عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَا عَلَى مَنْ أُحِيلَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ: لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. سَوَاءٌ أُحِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، أَوْ أَحَالَ بِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَى الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَرْضًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى مَنْ أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحِيلَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.

ص: 229

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ. وَهُوَ وَجْهٌ. كَمَا لَوْ بَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ اتِّفَاقِهِمَا. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَنَظْمِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِهِ لَا عَلَيْهِ، لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ. وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِمْ: بِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ فِي بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ بِهِ. وَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. إلَّا فِي الْكَافِي. فَإِنَّهُ قَدَّمَ بُطْلَانَ الْحَوَالَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: هَلْ يَبْطُلُ إذْنُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَعَلَى وَجْهِ بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَبْضُ. فَإِنْ فَعَلَ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَقَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ انْفَسَخَتْ. فَبَطَلَ الْإِذْنُ الَّذِي كَانَ ضِمْنَهَا. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَقَعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ وَرَدَ عَلَى خُصُوصِ جِهَةِ الْحَوَالَةِ، دُونَ مَا تَضَمَّنَّهُ الْإِذْنُ. فَيُضَاهِي تَرَدُّدَ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَمْرِ إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ: هَلْ يَبْقَى الْجَوَازُ؟ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَقَاؤُهُ. وَإِذَا صَلَّى الْفَرْضَ قَبْلَ وَقْتِهِ انْعَقَدَ نَفْلًا. انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ: هَلْ يَبْطُلُ الْأَصْلُ، أَوْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ فَقَطْ؟ .

ص: 230

وَيَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ. وَهِيَ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ: هَلْ يَبْطُلُ الْعُمُومُ؟ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. ذَكَرَهَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَحَلْتُك. قَالَ: بَلْ وَكَّلْتنِي. أَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك. قَالَ: بَلْ أَحَلْتنِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ.

قَوْله (وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَالَ: أَحَلْتُك، وَادَّعَى أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْوَكَالَةُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ: فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ قَالَ " أَحَلْتُك بِدَيْنِي " وَادَّعَى أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْوَكَالَةُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 231

وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي هَذِهِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَالَ " أَحَلْتُك بِالْمَالِ الَّذِي قِبَلَ فُلَانٍ " ثُمَّ اخْتَلَفَا. فَقَالَ الْمُحِيلُ: إنَّمَا وَكَّلْتُك فِي الْقَبْضِ لِي. وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنِي. فَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَأْتِي عَكْسُهَا. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَحْلِفُ الْمُحِيلُ. وَيَبْقَى حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ: لَا يَقْبِضُ الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، لِعَزْلِهِ بِالْإِنْكَارِ. وَفِي طَلَبِ دَيْنِهِ مِنْ الْمُحِيلِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْحَوَالَةَ بَرَاءَةٌ. أَحَدُهُمَا: لَهُ طَلَبُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَعَلَى الثَّانِي: يَحْلِفُ الْمُحْتَالُ. وَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَيَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ. وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُحِيلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ الْمُحْتَالُ قَدْ قَبَضَ الْحَقَّ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ، فَقَدْ بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ. وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ طَلَبَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَ أَخْذَهُ مِنْهُ، وَيَمْلِكَ مُطَالَبَتَهُ بِدَيْنِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمَا قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ، وَلَمْ يَتْلَفْ: فَلِلْمُحِيلِ أَخْذُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

ص: 232

وَقِيلَ: يَمْلِكُ الْمُحِيلُ أَخْذَهُ مِنْهُ. وَلَا يَمْلِكُ الْمُحْتَالُ الْمُطَالَبَةَ بِدَيْنِهِ، لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ مِنْهُ بِالْحَوَالَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. انْتَهَيَا. وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ قَالَ الْمُحِيلُ " أَحَلْتُك بِدَيْنِك. فَقَالَ: بَلْ وَكَّلْتنِي " فَفِيهَا الْوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ، فَحَلَفَ: بَرِئَ مِنْ حَقِّ الْمُحْتَالِ. وَلِلْمُحْتَالِ قَبْضُ الْمَالِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ، فَحَلَفَ: كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ، وَمُطَالَبَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ قَبْلَ أَخْذِهِ مِنْ الْمُحِيلِ، فَلَهُ أَخْذُ مَا قَبَضَ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ اسْتَوْفَى مِنْ الْمُحِيلِ دُونَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ: رَجَعَ الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا أَصَحُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْحَوَالَةَ، فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطٍ، أَوْ أَتْلَفَهَا: سَقَطَ حَقُّهُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَسْقُطُ حَقُّهُ أَيْضًا. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ. وَلَيْسَ لِلْمُحِيلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَحَلْتُك بِدَيْنِك. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ وَجْهًا وَاحِدًا) .

ص: 233