المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ السَّلَمِ] ِ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٥

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ السَّلَمِ] ِ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ

[بَابُ السَّلَمِ]

ِ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ مَالًا فِي عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ: هُوَ أَنْ يُسْلِمَ عَيْنًا حَاضِرَةً فِي عِوَضٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: هُوَ عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٌ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَهُوَ مَعْنَى الْأَوَّلِ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: هُوَ بَيْعٌ مَعْدُومٌ خَاصٌّ لَيْسَ نَفْعًا إلَى أَجَلٍ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا: هُوَ بَيْعُ عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ مَعْدُومَةٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَجَلِ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: هُوَ بَيْعُ مَعْدُومٍ خَاصٍّ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ بِشُرُوطٍ تُذْكَرُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ) . وَكَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: سِتَّةً وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: خَمْسَةً. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا: أَرْبَعَةً. مَعَ ذِكْرِهِمْ كُلِّهِمْ جَمِيعَ الشُّرُوطِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الَّذِي لَمْ يُكْمِلْ عَدَدَ ذَلِكَ جَعَلَ الْبَاقِيَ مِنْ تَتِمَّةِ الشُّرُوطِ، لَا شُرُوطًا لِنَفْسِ السَّلَمِ.

قَوْلُهُ (أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ. كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَذْرُوعِ) . أَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ: فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَمَّا الْمَذْرُوعُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ السَّلَمِ فِيهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 84

وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. ذَكَرَهَا إسْمَاعِيلُ فِي الطَّرِيقَةِ

قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْمَعْدُودُ الْمُخْتَلِفُ كَالْحَيَوَانِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْبُقُولِ وَالرُّءُوسِ، وَالْجُلُودِ وَنَحْوِهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) . فَأَمَّا الْحَيَوَانُ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ.

إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: الْمَشْهُورُ صِحَّةُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْأَظْهَرُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: صَحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

فَوَائِدُ:

مِنْهَا: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ النِّيءِ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يُعْتَبَرُ نَزْعُ عَظْمِهِ. لِأَنَّهُ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ. لَكِنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ، ضَأْنٌ أَوْ مَعْزٌ، جَذَعٌ أَوْ ثَنِيٌّ، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، خَصِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ، رَضِيعٌ أَوْ فَطِيمٌ، مَعْلُوفَةٌ أَوْ رَاعِيَةٌ، مِنْ الْفَخِذِ أَوْ الْجَنْبِ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ. سَمِينٌ أَوْ هَزِيلٌ.

ص: 85

وَمِنْهَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَمِنْهَا: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الشَّحْمِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: إنَّهُ يَخْتَلِفُ. قَالَ: كُلُّ سَلَفٍ يَخْتَلِفُ.

وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ وَالْبُقُولُ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبِنَاءِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْحَاوِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَصِحُّ فِي مَعْدُودٍ مُخْتَلِفٍ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا أَرَى السَّلَمَ فِي الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَأَمَّا الْجُلُودُ وَالرُّءُوسُ وَنَحْوُهَا، كَالْأَكَارِعِ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّارِحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ السَّلَمُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ

ص: 86

النَّاظِمُ. وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ فِي مَكَان آخَرَ [جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فِيمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ كُلُّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ ضَبْطُهُ] .

قَوْلُهُ (وَفِي الْأَوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ الرُّءُوسِ، وَالْأَوْسَاطِ كَالْقَمَاقِمِ، وَالْأَسْطَالِ الضَّيِّقَةِ الرُّءُوسِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي. وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهَادِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. فَيُضْبَطُ بِارْتِفَاعِ حَائِطِهِ، وَدُورٌ أَسْفَلَهُ أَوْ أَعْلَاهُ.

قَوْلُهُ (وَفِيمَا يُجْمَعُ أَخْلَاطًا مُتَمَيِّزَةً كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

فَائِدَةٌ:

حُكْمُ النُّشَّابِ الْمُرَيَّشِ، وَالنَّبْلِ الْمُرَيَّشِ، وَالْخِفَافِ، وَالرِّمَاحِ. حُكْمُ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا.

ص: 87

وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ الصِّحَّةُ هُنَا أَيْضًا. وَأَمَّا الْقَسِّيُّ: فَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ [وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ] وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا. لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى خَشَبٍ وَقَرْنٍ وَعَصَبٍ وَوِتْرٍ. إذْ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ مَقَادِيرِ ذَلِكَ وَتَمْيِيزُ مَا فِيهَا، بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهَادِي.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ السَّلَمِ فِي الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدْ دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ " وَالْمَذْرُوعُ " وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ، كَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: السَّلَمُ فِيهَا لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، فِي اللُّؤْلُؤِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْعَقِيقِ وَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِ.

قَوْلُهُ (وَالْحَوَامِلِ مِنْ الْحَيَوَانِ) . لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْحَوَامِلِ مِنْ الْحَيَوَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى [وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ] .

ص: 88

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يَصِحُّ. وَفِي طَرِيقِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي الْخِلْفَاتِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ.

فَوَائِدُ

إحْدَاهَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي شَاةِ لَبُونٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ.

الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي أَمَةٍ وَوَلَدِهَا، أَوْ وَأَخِيهَا، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا لِنُدْرَةِ جَمْعِهِمَا الصِّفَةَ.

الثَّالِثَةُ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الشَّهْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ " وَمَثَّلَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ (الْمَغْشُوشُ مِنْ الْأَثْمَانِ) أَنَّ السَّلَمَ يَصِحُّ فِي الْأَثْمَانِ نَفْسِهَا، إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَغْشُوشَةٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ عَرْضَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ إسْلَامُ عَرْضٍ فِي عَرْضٍ، أَوْ فِي ثَمَنٍ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ أَسْلَمَ فِي نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ عَرْضًا مَقْبُوضًا جَازَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ غَيْرَهُمَا. فَيُجْعَلُ عَرْضًا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَالْمَنَافِعُ أَيْضًا كَمَسْأَلَتِنَا.

ص: 89

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ إسْلَامُ عَرْضٍ فِي عَرْضٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا بِعَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ خَاصَّةً. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ جَعْلُ رَأْسِ الْمَالِ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. فَعَلَيْهَا: لَا يُسْلِمُ الْعُرُوضَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ جَاءَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ. صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ: فَإِنْ اتَّحَدَ صِفَةً، فَجَاءَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ لَزِمَهُ أَخْذُهُ. وَقِيلَ: لَا وَإِنْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي كَبِيرَةٍ فَصَارَتْ عِنْدَ الْمَحْمَلِ كَمَا شَرَطَ. فَفِي جَوَازِ أَخْذِهَا وَجْهَانِ. وَإِنْ كَانَ حِيلَةً حُرِّمَ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ عَيْنِهِ إذَا جَاءَهُ بِهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ. وَرَدَّهُ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي.

الثَّانِيَةُ: فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْفُلُوسِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ: الْجَوَازَ. وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ سَعِيدٍ الْمَنْعَ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ الْكَرَاهَةَ. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ أَبِي حَرْبٍ: الْفُلُوسُ بِالدَّرَاهِمِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً. وَإِنْ أَرَادَ فَضْلًا لَا يَجُوزُ. فَهَذِهِ نُصُوصُهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ قُلْت: هَذَا إنْ قُلْنَا هِيَ سِلْعَةٌ. انْتَهَى.

ص: 90

اخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْفُصُولِ أَنَّ الْفُلُوسَ عُرُوضٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَاخْتَارَهُ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الطَّالِبَانِيُّ مِنْ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَتِهِ. وَهِيَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الْمُصَنِّفِ بِيَسِيرٍ. فَعَلَيْهِ: يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الطَّالِبَانِيِّ. وَاخْتَارَهُ. وَتَأَوَّلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُ: الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ أَثْمَانٌ. وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَاخْتَارَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ: أَنَّهَا أَثْمَانٌ بِكُلِّ حَالٍ. فَعَلَيْهَا: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَثْمَانِ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا وَعَدَمِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَتَوَقَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا. فَقَالَ: أَنَا مُتَوَقِّفٌ عَنْ الْفُتْيَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الطَّالِبَانِيِّ. انْتَهَى.

قُلْت: الصَّحِيحُ السَّلَمُ فِيهَا. لِأَنَّهَا إمَّا عَرْضٌ أَوْ ثَمَنٌ. لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا أَنَّا نَقُولُ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْأَثْمَانِ وَالْعُرُوضِ وَلَا نُصَحِّحُ السَّلَمَ فِيهَا: فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْأَثْمَانِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالْغَالِيَةِ وَالنَّدِّ وَالْمَعَاجِينِ وَنَحْوِهَا) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ (وَيَصِحُّ فِيمَا يُتْرَكُ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِمَصْلَحَتِهِ كَالْجُبْنِ تُوضَعُ فِيهِ الْإِنْفَحَةُ، وَالْعَجِينُ يُوضَعُ فِيهِ الْمِلْحُ، وَكَذَا الْخُبْزُ، وَخَلُّ التَّمْرِ. يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ. وَالسَّكَنْجَبِينُ يُوضَعُ فِيهِ الْخَلُّ وَنَحْوُهَا) . بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَصِفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ ظَاهِرًا. فَيَذْكُرُ

ص: 91

جِنْسَهُ، وَنَوْعَهُ وَقَدْرَهُ وَبَلَدَهُ، وَحَدَاثَتَهُ وَقِدَمَهُ، وَجَوْدَتَهُ وَرَدَاءَتَهُ) . قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَأَصْحَابُنَا يَعْتَبِرُونَ ذِكْرَ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، مَعَ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ قَالَ: وَعِنْدِي. أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَزِيدُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهَا، فَلَا يَكُونُ إلَّا جَيِّدًا أَوْ بِالْعَكْسِ. انْتَهَى. وَيَذْكُرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مَا يُمَيِّزُ مُخْتَلِفَ النَّوْعِ. وَسِنَّ الْحَيَوَانِ، وَذُكُورَتَهُ وَأُنُوثَتَهُ، وَهُزَالَهُ، وَرَاعِيًا أَوْ مَعْلُوفًا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَيَذْكُرُ آلَةَ الصَّيْدِ، أُحْبُولَةً، أَوْ صَيْدَ كَلْبٍ أَوْ فَهْدٍ أَوْ صَقْرٍ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ. قَالَا: وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَبَايَنُ بِهِ الثَّمَنُ فَهَذَا أَوْلَى. انْتَهَيَا. وَيُعْتَبَرُ ذِكْرُ الطُّولِ بِالشِّبْرِ فِي الرَّقِيقِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا. فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ. لَكِنْ يَذْكُرُ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا أَوْ رَبْعًا. وَيُعْتَبَرُ فِي الرَّقِيقِ: ذِكْرُ الْكُحْلِ وَالدَّعَجِ، وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ، وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ خَمِيصَةً، ثَقِيلَةَ الْأَرْدَافِ، سَمِينَةً، بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ. وَلَا يُطَوَّلُ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قَالَهُ غَيْرُ الْقَاضِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْخِصَالِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْكُحْلِ وَالدَّعَجِ وَثِقَلِ الْأَرْدَافِ وَوَضَاءَةِ الْوَجْهِ، وَكَوْنِ الْحَاجِبَيْنِ مَقْرُونَيْنِ وَالشَّعْرِ سَبْطًا، أَوْ جَعْدًا، وَأَشْقَرَ أَوْ أَسْوَدَ، وَالْعَيْنِ زَرْقَاءَ، وَالْأَنْفِ أَقْنَى فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَجْهَانِ. انْتَهَى.

ص: 92

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَذْكُرُ الثُّيُوبَةَ وَالْبَكَارَةَ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ. انْتَهَى.

وَإِنْ أَسْلَمَ فِي الطَّيْرِ: ذَكَرَ النَّوْعَ وَاللَّوْنَ، وَالْكِبَرَ وَالصِّغَرَ، وَالْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ، وَلَا يُعَرِّفُ سِنَّهَا أَصْلًا. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْوَزْنِ فِي الطَّيْرِ. كَالْكُرْكِيِّ وَالْبَطِّ. لِأَنَّ الْقَصْدَ لَحْمُهُ. وَيُنْزِلُ الْوَصْفَ عَلَى أَقَلِّ دَرَجَةٍ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَيَذْكُرُ فِي الْعَسَلِ الْمَكَانَ: بَلَدِيٌّ أَوْ جَبَلِيٌّ، رَبِيعِيٌّ أَوْ خَرِيفِيٌّ، وَاللَّوْنَ. وَلَا حَاجَةَ إلَى عَتِيقٍ أَوْ حَدِيثٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ خَمْسَةُ أَضْرُبٍ.

الْأَوَّلُ: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ. إنْ حَفِظَ أَوْصَافَهُ، كَاللَّبَنِ وَحِجَارَةِ الْبِنَاءِ.

الثَّانِي: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ أَوْصَافٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ. وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْئًا: الرَّصَاصُ، وَالصُّفْرُ، وَالنُّحَاسُ، وَحِجَارَةُ الْآنِيَةِ كَالْبِرَامِ، وَالرِّجْسُ الطَّاهِرُ، وَالشَّوْكُ، وَلَحْمُ الطَّيْرِ، وَالسَّمَكُ، وَالْإِبْرَيْسَمُ، وَالْآجُرُّ، وَالرُّءُوسُ، وَالسَّمْنُ، وَالْجَبَلِيُّ، وَالْعَسَلُ.

الثَّالِثُ: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِخَمْسَةِ أَوْصَافٍ. وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا: الْجُلُودُ، وَحِجَارَةُ الْأَرْحَاءِ، وَالصُّوفُ، وَالْقُطْنُ، وَالْغَزْلُ، وَخَشَبُ الْوَقُودِ وَالْبِنَاءِ، وَالْخُبْزُ، وَالزُّبْدُ، وَاللِّبَأُ، وَالرُّطَبُ، وَالطَّعَامُ، وَالنِّعَمُ، وَالْخَيْلُ.

الرَّابِعُ: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِسِتَّةِ أَوْصَافٍ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: السَّمَرُ فِي الْعَبِيدِ، وَخَشَبُ الْقَسِّيِّ.

الْخَامِسُ: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَوْصَافٍ، وَهُوَ شَيْئَانِ. الثِّيَابُ، وَلَحْمُ الصَّيْدِ وَغَيْرُهُ. انْتَهَى.

قُلْت: جَزَمَ بِهَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَمِنْ الْأَوْصَافِ الْمَضْبُوطَةِ بِذَلِكَ كُلِّهِ.

ص: 93

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَيْضًا، وَغَيْرُهُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَيَذْكُرُ أَيْضًا مَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ غَالِبًا. كَالْعَرْضِ، وَالسُّمْكِ، وَالتَّدْوِيرِ، وَالسِّنِّ، وَاللَّوْنِ، وَاللِّينِ، وَالنُّعُومَةِ، وَالْخُشُونَةِ، وَالدِّقَّةِ، وَالْغِلَظِ، وَالرِّقَّةِ، وَالصَّفَاقَةِ، وَجَلْبِ يَوْمِهِ، وَزُبْدِ يَوْمِهِ، وَالْحَلَاوَةِ، وَالْحُمُوضَةِ، وَالْمَرْعَى، وَالْعَلَفِ، وَكَوْنِ الْمَبِيعِ حَدِيثًا أَوْ عَتِيقًا، رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، رَبِيعِيًّا أَوْ خَرِيفِيًّا. وَغَيْرِ ذَلِكَ. كُلُّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ. وَذِكْرُ أَوْصَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ يَطُولُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. فَلْيُرَاجَعُوا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ الْأَرْدَأَ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْحَاوِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لِأَنَّ طَلَبَ الْأَرْدَأِ مِنْ الْأَرْدَأِ عِنَادٌ. فَلَا يَثُورُ فِيهِ نِزَاعٌ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ شَرَطَ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا صَحَّ بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا جَاءَهُ بِدُونِ مَا وَصَفَهُ لَهُ، أَوْ نَوْعٍ آخَرَ. فَلَهُ أَخْذُهُ) . إذَا جَاءَهُ بِدُونِ مَا وَصَفَ مِنْ نَوْعِهِ. فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ. وَإِنْ جَاءَهُ بِنَوْعٍ آخَرَ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ أَيْضًا فِي أَخْذِهِ. وَعَدَمِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ

ص: 94

فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْكَافِي وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ وَغَيْرُهُمْ. وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَدْنَى مِنْ النَّوْعِ الْمُشْتَرَطِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ أَخْذُهُ كَأَخْذِ غَيْرِ جِنْسِهِ. نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَ فِي التَّلْخِيصِ فِي الْأَخْذِ وَعَدَمِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى كَوْنِ النَّوْعِيَّةِ تَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ أَوْ الْجِنْسِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازَ الْأَخْذِ لِلْأَرْدَأِ عَنْ الْأَعْلَى، كَشَعِيرٍ عَنْ بُرٍّ بِقَدْرِ كَيْلِهِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَالْمَرُّوذِيُّ. وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَلَى رِوَايَةِ: أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: جَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا رِوَايَةً فِي جَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ بِقَدْرِهِ. إذَا كَانَ دُونَ الْمُسْلَمِ فِيهِ. قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا هَذَا يَخُصُّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ، مُطَابِقًا لِنَصِّهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّ الضَّمَّ فِي الزَّكَاةِ يَخْتَصُّهُمَا، دُونَ الْقُطْنِيَّاتِ وَغَيْرِهَا. بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَإِنْ تَنَوَّعَ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ مِنْ نَوْعِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ أَخْذُهُ. وَحُكِيَ رِوَايَةً نَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ: لَا يَأْخُذُ فَوْقَ صِفَتِهِ، بَلْ دُونَهَا.

فَائِدَةٌ:

لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا كَانَ لَهُ رَدُّهُ أَوْ أَرْشُهُ.

ص: 95

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا: لَمْ يَصِحَّ) . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُودُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْعَامَّةِ. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا وَالْخُلَاصَةُ، وَالْهَادِي، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ، وَالْبُلْغَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالزُّبْدَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. وَهِيَ مِنْ زَوَائِدِ الشَّارِحِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعِ إلَّا بِالذَّرْعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَجَ الْجَوَازُ وَزْنًا.

قَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مَعْلُومًا. فَإِنْ شَرَطَ مَكِيلًا بِعَيْنِهِ أَوْ صَنْجَةً بِعَيْنِهَا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ: لَمْ يَصِحَّ) . وَكَذَا الْمِيزَانُ وَالذِّرَاعُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ، لَكِنْ لَوْ عَيَّنَ مِكْيَالَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ مِيزَانَهُ: صَحَّ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ الْعَقْدُ. وَلَمْ يَتَعَيَّنَا فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

ص: 96

وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ مِكْيَالٌ. انْتَهَى.

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ.

قَوْلُهُ (وَفِي الْمَعْدُودِ الْمُخْتَلِفِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

إحْدَاهُمَا: يُسْلِمُ فِيهِ عَدَدًا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَالْأُخْرَى: يُسْلِمُ فِيهِ وَزْنًا. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يُسْلِمُ فِي الْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ عَدَدًا. وَفِي الْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَزْنًا. قَالَ الشَّارِحُ: يُسْلِمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَةِ. وَأَطْلَقَ فِي الْفَوَاكِهِ وَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ صِحَّةَ السَّلَمِ فِي مَعْدُودٍ غَيْرِ حَيَوَانٍ يَتَقَارَبُ عَدَدًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي، فَأَمَّا الْمَعْدُودُ: فَيُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ. وَقِيلَ: بِالْوَزْنِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. فَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ كَثِيرًا كَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبُقُولِ: قَدَّرَهُ بِالْوَزْنِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يُسْلِمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهِمَا عَدَدًا. وَفِيمَا يَتَفَاوَتُ كَالرُّمَّانِ، وَالسَّفَرْجَلِ وَالْقِثَّاءِ وَجْهَانِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّارِحِ. فَالصَّحِيحُ إذَنْ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَا يَتَقَارَبُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا فِيهِ وَمَا يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا يُسْلِمُ فِيهِ وَزْنًا.

قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا مَعْلُومًا، لَهُ وَقَعَ فِي الثَّمَنِ) . يَعْنِي فِي الْعَادَةِ، كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

ص: 97

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَتَغَيَّرُ فِيهِ الثَّمَنُ غَالِبًا بِحَسَبِ الْبُلْدَانِ، وَالْأَزْمَانِ، وَالسِّلَعِ. قَالَ فِي الْكَافِي: كَالشَّهْرِ وَنِصْفِهِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُمَثِّلُ بِالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ. فَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَقَلُّهُ شَهْرٌ. انْتَهَى.

قُلْت، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ الْأَجَلِ. فَيَكُونُ شَهْرًا فَصَاعِدًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: أَقَلُّهُ شَهْرٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ. وَلَوْ كَانَ أَجَلًا قَرِيبًا: وَمَالَ إلَيْهِ. وَقَالَ: هُوَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ حَالًّا أَوْ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ. كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يَصِحَّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: يَصِحُّ حَالًّا. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ. قَالَ: وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» أَيْ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِك. فَلَوْ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ حَالًّا لَقَالَ: لَا تَبِعْ هَذَا، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَك أَوْ لَا. وَتَكَلَّمَ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. ذَكَرَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي النَّظْمِ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَحَمَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَمْ يَرْتَضِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الصِّحَّةَ إذَا أَسْلَمَهُ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَرَدَّ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ: لَنَا وَجْهٌ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْخِلَافِ بِصِحَّةِ السَّلَمِ حَالًّا. وَيَكُونُ بَيْعًا. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَجْزَاءً مَعْلُومَةً) .

ص: 98

كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِمَا (فَيَصِحُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ إلَى أَجَلَيْنِ، أَوْ فِي جِنْسَيْنِ إلَى أَجَلٍ: صَحَّ) . إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ أَوْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إلَى أَجَلَيْنِ صَحَّ. بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ إلَى أَجَلٍ: صَحَّ أَيْضًا، بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ. وَيَأْتِي هَذَا قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ، حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَنًا وَاحِدًا فِي جِنْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ ". وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي الْكُلِّ قَبْلَ الْبَيَانِ.

فَائِدَةٌ: مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ أَسْلَمَ ثَمَنَيْنِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ. فَإِنْ أَسْلَمَ إلَى الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 99

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ هُمَا وَغَيْرُهُمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَصَادِ إذَا جَعَلَهُ إلَى زَمَنِهِ. أَمَّا إلَى فِعْلِهِ: فَلَا يَصِحُّ. قُلْت: جَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجَلِ، أَوْ مُضِيِّهِ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدِينِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قَدْرِ الْأَجَلِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ حَرْبٌ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَكَذَا فِي مُضِيِّهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَدِينُ فِي مَكَانِ تَسْلِيمِهِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ إلَيْهِ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. وَذَكَرْنَا الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ هُنَاكَ. فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ.

فَوَائِدُ

مِنْهَا: لَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ مُقَدَّرًا بِأَشْهُرِ الرُّومِ، كَشُبَاطَ وَنَحْوِهِ. وَعِيدٍ لَهُمْ لَا يَخْتَلِفُ، كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 100

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. كَالشَّعَانِينِ، وَعِيدِ الْفَطِيرِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ غَالِبًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. حَيْثُ قَالُوا بِالْأَهِلَّةِ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: مَحَلُّهُ شَهْرُ كَذَا: صَحَّ. وَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: مَحَلُّهُ أَوَّلُ شَهْرِ كَذَا، أَوْ آخِرُهُ: صَحَّ. وَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، أَوْ آخِرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَكَذَا الْآخِرُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ مَثَلًا إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ: حَلَّ بِأَوَّلِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِانْقِضَائِهِ.

وَمِنْهَا: لَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ مَثَلًا إلَى جُمَادَى، أَوْ رَبِيعٍ، أَوْ يَوْمِ النَّفْرِ وَنَحْوِهِ. مِمَّا يَشْتَرِك فِيهِ شَيْئَانِ لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَيَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِهِمَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا إذَا جَعَلَهُ إلَى الشَّهْرِ وَكَانَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْإِجَارَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا جَاءَهُ بِالسَّلَمِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ: لَزِمَهُ قَبْضُهُ وَإِلَّا فَلَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ

ص: 101

وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ كَانَ مِمَّا يَتْلَفُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ قَدِيمُهُ أَوْ حَدِيثُهُ: لَزِمَهُ قَبْضُهُ. وَإِلَّا فَلَا. وَقَطَعَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَتْلَفُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ قَدِيمُهُ أَوْ حَدِيثُهُ: لَا يَلْزَمُ قَبْضُهُ لِلضَّرَرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.

تَنْبِيهٌ:

عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِالسَّلَمِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ. كَمَا يُعَبِّرُ بِالسَّرِقَةِ عَنْ الْمَسْرُوقِ، وَبِالرَّهْنِ عَنْ الْمَرْهُونِ.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ وَامْتَنَعَ مِنْهُ قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ حَقَّك، أَوْ تُبْرِئَ مِنْهُ. فَإِنْ أَبَى رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ. فَيَقْبِضُهُ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ هُنَا. وَكَذَلِكَ فِي الْكَافِي. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ أَيْضًا: إنْ أَبَى قَبْضَهُ بَرِئَ. ذَكَرَاهُ فِي الْمَكْفُولِ بِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ أَتَاهُ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْضُهُ. فَأَبَى أَنْ يَقْبِضَهُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْغَرِيمِ، لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ بِوِلَايَتِهِ.

الثَّانِيَةُ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ إذَا أَتَى بِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ " إذَا عَجَّلَهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا ".

قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُوهِ فِي مَحِلِّهِ. فَإِنْ

ص: 102

كَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِ، أَوْ لَا يُوجَدُ فِيهِ إلَّا نَادِرًا كَالسَّلَمِ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ إلَى غَيْرِ وَقْتِهِ لَمْ يَصِحَّ) بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ: لَمْ يَصِحَّ) . وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، وَحَنْبَلٌ: يَصِحُّ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ، أَوْ اُسْتُحْصِدَ. وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: إنْ أَمِنَ عَلَيْهَا الْجَائِحَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ. إنْ لَمْ يَحْصُلْ إجْمَاعٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً: فَعَنْهُ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا. وَعَنْهُ لَا. وَعَلَيْهَا يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ.

تَنْبِيهٌ:

مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامُ الْوُجُودِ فِي مَحِلِّهِ " أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ حَالَةَ الْعَقْدِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ إلَى مَحَلٍّ يُوجَدُ فِيهِ عَامًّا، فَانْقَطَعَ: خُيِّرَ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْفَسْخِ، وَالرُّجُوعِ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ عِوَضِهِ، إنْ كَانَ مَعْدُومًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ كُلُّ الْمُسْلَمِ فِيهِ، عِنْدَ مَحِلِّهِ أَوْ بَعْضُهُ: إمَّا لِغَيْبَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، أَوْ لِعَجْزٍ عَنْ التَّسْلِيمِ، أَوْ لِعَدَمِ حَمْلِ الثِّمَارِ تِلْكَ السَّنَةَ، وَمَا أَشْبَهَهُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْفَسْخِ فِي الْكُلِّ، أَوْ الْبَعْضِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُغَنِّي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 103

وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ فِي الْبَعْضِ الْمُتَعَذِّرِ. وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ الْبَعْضُ وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إلَّا فِي الْكُلِّ، أَوْ يَصْبِرُ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي نَقْلِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ بَعْضُهُ. وَقِيلَ: أَوْ انْقَطَعَ وَتَحَقَّقَ بَقَاؤُهُ. فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ وَتَحَقَّقَ بَقَاؤُهُ يَلْزَمُ بِتَحْصِيلِهِ عَلَى الْمُقَدَّمِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِتَحْصِيلِهِ إذَا انْقَطَعَ بِلَا خِلَافٍ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ. فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ الِانْقِطَاعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّعَذُّرِ. فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِلصَّحِيحِ. وَهُوَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ (السَّادِسُ: أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) . نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ: لَمْ يَصِحَّ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ ثُمَّ افْتَرَقَا: بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ. وَلَا يَبْطُلُ فِيمَا قَبَضَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

ص: 104

وَعَنْهُ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ فِي بَابِ الصَّرْفِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَيْنِ فِي بَابِ الصَّرْفِ. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُنَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ ثُمَّ افْتَرَقَا، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا. فَتَارَةً يَكُونُ الْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ. وَتَارَةً يَكُونُ قَدْ وَقَعَ عَلَى مَالٍ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ قَبَضَهُ. فَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ وَقُلْنَا: النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ: بَطَلَ الْعَقْدُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَعَيَّنُ فَلَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ. وَأَخْذُ أَرْشِ عَيْبِهِ، أَوْ رَدَّهُ وَأَخَذَ بَدَلَهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى مَالٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ قَبَضَهُ. فَتَارَةً يَكُونُ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ. وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ: لَمْ يَبْطُلْ السَّلَمُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَبْطُلُ إنْ اخْتَارَ الرَّدَّ. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَسَدَ الْعَقْدُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَجْرَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِيهِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ وَلَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ فَلْيُعَاوَدْ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ ظَهَرَ رَأْسُ مَالِ الْمُسْلِمِ مُسْتَحَقًّا بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُعَيَّنٌ وَقُلْنَا: تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ بِالتَّعْيِينِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَعَيَّنُ، كَانَ لَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِيَدٍ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ. وَإِنْ تَفَرَّقَا بَطَلَ الْعَقْدُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، أَوْ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ.

ص: 105

وَتَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ أَحْكَامٌ كَهَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَاسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَلْيُعَاوَدْ. فَإِنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ. وَيَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي شُرُوطِ السَّلَمِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِيهِ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَةِ، كَالْجَوَاهِرِ وَسَائِرِ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَصِحُّ السَّلَمُ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضِ؟ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَغْشُوشِ مِنْ الْأَثْمَانِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَنًا وَاحِدًا فِي جِنْسَيْنِ: لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ قَبْلَ الْبَيَانِ. وَهِيَ تَخْرِيجُ وَجْهٍ لِلْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ: الْجَوَازُ هُنَا أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إلَى مَعْرِفَةِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَصِفَتِهِ. وَلَعَلَّ الْوَجْهَيْنِ ثَمَّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا. انْتَهَى.

ص: 106

وَقَدْ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ إلَى أَجَلٍ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (السَّابِعُ: أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ. فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَيْنٍ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَاضِرَةً صَحَّ، وَيَكُونُ بَيْعًا بِلَفْظِ السَّلَمِ. فَيُقْبَضُ ثَمَنُهُ فِيهِ.

فَائِدَةٌ:

هَذِهِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ هِيَ الْمُشْتَرَطَةُ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ لَا غَيْرُ، لَكِنْ هَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَيْضًا. قُلْت: هُمَا مِنْ أَرْكَانِ السَّلَمِ كَمَا هُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ. وَلَيْسَ هُمَا مِنْ شُرُوطِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ. كَالْبَرِّيَّةِ. فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ) . إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ. وَيَكُونُ الْوَفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ كَالْبَرِّيَّةِ، وَالْبَحْرِ، وَدَارِ الْحَرْبِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْوَفَاءِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ. وَيُوَفَّى بِأَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: قُلْت: إذَا كَانَ مَكَانُ الْعَقْدِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ

ص: 107

يَصْلُحُ، لَكِنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَجَبَ ذِكْرُ مَوْضِعِ الْوَفَاءِ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقَدَّمَ فِي الْمَذْهَبِ.

قَوْلُهُ (وَيَكُونُ الْوَفَاءُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ) . يَعْنِي إذَا عَقَدَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ. فَإِنْ شَرَطَ الْوَفَاءَ فِيهِ كَانَ تَأْكِيدًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَهُ فِي غَيْرِهِ: صَحَّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا فِي التَّنْبِيهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالسَّبْعِينَ: وَالْمَنْصُوصُ فَسَادُهُ فِي رِوَايَةٍ مِنْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْقَوَاعِدِ.

فَائِدَةٌ:

يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ شَرْطِ. إنْ رَضِيَا بِهِ، لَا مَعَ أُجْرَةِ حَمْلِهِ إلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: كَأَخْذِ بَدَلِ السَّلَمِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَفِي الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةٌ: بِأَنَّ بَيْعَهُ يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. لَكِنْ يَكُونُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ فَقَطْ. لِئَلَّا يَرْبَحَ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي بَدَلِ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ بَيْعِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الْفَسْخِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 108

وَأَمَّا رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ الْجَوَازَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَمَّا بَيْعُ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ مِنْ الْبُيُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَوَافَقَهُ فِي شَرْحِهَا عَلَيْهِ. وَلَمْ يَزِدْ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ.

قَوْلُهُ (وَلَا هِبَتُهُ) . ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَا لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. نَقَلَهَا حَرْبٌ. وَاخْتَارَهَا فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله. وَإِنْ كَانَ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَكَان. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْهِبَةِ، حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ: بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ". فَظَاهِرُهُ: إدْخَالُ دَيْنِ السَّلَمِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَصِحُّ هِبَةُ دَيْنٍ لِغَيْرِ غَرِيمٍ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ هُنَاكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَعَمَّ.

قَوْلُهُ (وَلَا أَخْذُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ.

ص: 109

وَعَنْهُ يَجُوزُ أَخْذُ الشَّعِيرِ عَنْ الْبُرِّ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجَمَاعَةٌ. وَحُمِلَا عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ جَاءَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ ".

قَوْلُهُ (وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى دَيْنِ السَّلَمِ، وَبِدَيْنِ السَّلَمِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ مَعَ الْمَدْيُونِ وَغَيْرِهِ بِحَالٍ فِي دَيْنٍ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَكَذَا رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ فَسْخِهِ مَعَ اسْتِقْرَارِهِ إذَنْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ. انْتَهَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ. عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي. وَمُسْتَنَدُ عُمُومِ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ، أَوْ جُمْهُورِهِمْ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ اشْتَرَطَ فِي الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَصِحُّ فِي كُلِّ دَيْنٍ عَدَا كَذَا. وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْمُسْتَثْنَى. وَهَذَا دَيْنٌ. فَصَحَّتْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ عَلَى الْعِبَارَتَيْنِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ) . مِنْ عَيْنٍ وَقَرْضٍ، وَمَهْرٍ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَأُجْرَةٍ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا وَفَرَغَتْ مُدَّتُهَا، وَأَرْشِ جِنَايَةٍ، وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

ص: 110

(لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَذَكَرَهَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ كَدَيْنِ السَّلَمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ بَيْعِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ قَرِيبًا.

تَنْبِيه:

يُسْتَثْنَى عَلَى الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ مِنْ ثَمَنِ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بَاعَهُ مِنْهُ بِالنَّسِيئَةِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِمَا يُشَارِكُهُ الْمَبِيعُ فِي عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ، حَسْمًا لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ. وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا، عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي جَوَازِ رَهْنِهِ عِنْدَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَهُ: رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي الِانْتِصَارِ فِي الْمَشَاعِ. قُلْت: الْأَوْلَى الْجَوَازُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. حَيْثُ قَالُوا: يَجُوزُ رَهْنُ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ (بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عِوَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ) . إذَا بَاعَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُسْتَقِرًّا لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَقُلْنَا: بِصِحَّتِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، أَوْ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ: اُشْتُرِطَ قَبْضُ عِوَضِهِ فِي الْمَجْلِسِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك الشَّعِيرَ الَّذِي فِي ذِمَّتِك بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ، أَوْ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ

ص: 111

بِاشْتِرَاطِ قَبْضِ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ أَيْضًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. انْتَهَى.

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ) . يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةَ بَيْعِ الصِّكَاكِ. وَهِيَ الدُّيُونُ الثَّابِتَةُ عَلَى النَّاسِ تُكْتَبُ فِي صِكَاكٍ. وَهُوَ الْوَرَقُ وَنَحْوُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ نَقْدًا، أَوْ بِيعَ بِنَقْدٍ: لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ بِنَسِيئَةٍ. وَإِنْ بِيعَ بِعَرْضٍ وَقَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: عَدَمُ الْجَوَازِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: وَهُوَ غَرَرٌ. وَالْجَوَازُ. نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَحَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدٍ بْنِ الْحَكَمِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الْإِقَالَةِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ. سَوَاءٌ قُلْنَا: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ.

ص: 112

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: قِيلَ: يَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنْ قِيلَ هِيَ فَسْخٌ: صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِيهِ. وَإِنْ قِيلَ هِيَ بَيْعٌ: لَمْ يَصِحَّ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ. انْتَهَى.

قُلْت: جَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَوَائِدِ الْإِقَالَةِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ فِي دَيْنِ السَّلَمِ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى مِثْلِ الثَّمَنِ. فَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ وَيَكُونُ إقَالَةً. وَقَالَ هُوَ وَابْنُ عَقِيلٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ حَقِّهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ: فَيَخْرُجُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. الْتِفَاتًا إلَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِي بَعْضِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى.

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَيَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْعُمْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ.

قَوْلُهُ (إذَا قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ أَوْ عِوَضَهُ) . يَعْنِي إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ. يَعْنِي يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ.

ص: 113

وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَلَا عِوَضِهِ، إنْ تَعَذَّرَ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْمُغْنِي: لَا يُشْتَرَطُ فِي ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ. وَيَلْزَمُ رَدُّ الثَّمَنِ الْمَوْجُودِ. فَإِنْ أَخَذَ بَدَلَهُ ثَمَنًا وَهُوَ ثَمَنٌ فَصَرْفٌ، وَإِلَّا فَبَيْعٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ الثَّمَنِ عِوَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) . قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إذَا أَقَالَهُ رَدَّ الثَّمَنَ، إنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضًا عَنْهُ، فَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَيْسَ لَهُ صَرْفُ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي عَقْدٍ آخَرَ حَتَّى يَقْبِضَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ. انْتَهَيَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: يَرْجِعُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ عِوَضِهِ عِنْدَ الْفَسْخِ. فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا تَقَايَلَا السَّلَمَ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا قَبْلَ قَبْضِهِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا جَعْلَهُ فِي سَلَمٍ آخَرَ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ حَالًّا عَنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. انْتَهَى.

ص: 114

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي الْإِقَالَةِ: وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ أَوْ عِوَضَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ. وَقِيلَ: مَتَى شَاءَ. وَقِيلَ: مَتَى انْفَسَخَ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَخَذَ ثَمَنَهُ الْمَوْجُودَ. وَقِيلَ: أَوْ بَدَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ. وَقِيلَ: أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إنْ كَانَا رِبَوِيَّيْنِ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَعْدُومًا أَخَذَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ. وَقِيلَ: أَوْ بَدَلَهُ كَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضِهِ. وَلَمْ يَجُزْ قَبْلَهُ سَلَمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ سَلَمٌ، وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جِنْسِهِ. فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِك، فَفَعَلَهُ: لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ) . لِأَنَّ قَبْضَهُ لِنَفْسِهِ حَوَالَةٌ بِهِ، وَالْحَوَالَةُ بِالسَّلَمِ لَا تَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَبْقَى الْمَقْبُوضُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: أَحْضِرْ اكْتِيَالِي مِنْهُ لِأَقْبِضَهُ لَك، فَفَعَلَ: لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِلثَّانِي. وَيَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ عَلَى أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

ص: 115

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِك: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: صَارَ لِلْآمِرِ. وَهَلْ يَصِيرُ مَقْبُوضًا لَهُ مِنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي، وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُهُ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الرَّهْنِ.

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ وَيَصِحُّ. وَيَكُونُ قَبْضًا لِنَفْسِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ.

الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ. وَلَا يَكُونُ قَبْضًا لِنَفْسِهِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ: وَإِنْ قَبَضَهُ جُزَافًا، لِعِلْمِهِمَا قَدْرَهُ: جَازَ، وَفِي الْمَكِيلِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ شَاهَدَ كَيْلَهُ قَبْلَ شِرَائِهِ رِوَايَتَيْنِ فِي شِرَائِهِ بِلَا كَيْلٍ ثَانٍ. وَخَصَّهُمَا فِي التَّلْخِيصِ بِالْمَجْلِسِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَأَنَّ الْمَوْزُونَ مِثْلُهُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ: إنْ لَمْ يُحْضِرْ هَذَا الْمُشْتَرِي الْمَكِيلَ فَلَا، إلَّا بِكَيْلٍ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَيُفَرِّغُهُ فِي الْمِكْيَالِ ثُمَّ يَكِيلُهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اكْتَالَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْمِكْيَالِ، وَسَلَّمَهُ إلَى غَرِيمِهِ، فَقَبَضَهُ: صَحَّ الْقَبْضُ لَهُمَا) .

ص: 116

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ كِيسًا، وَقَالَ لَهُ: اسْتَوْفِ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّك، فَفَعَلَ. فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى قَبْضِ الْمُوَكِّلِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. وَالْمَنْصُوصُ: الصِّحَّةُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَيَكُونُ الْبَاقِي فِي يَدِهِ وَدِيعَةً. وَعَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ: قَدْرُ حَقِّهِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ، وَالْبَاقِي أَمَانَةً. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْقَبْضِ فِي آخِرِ بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ.

وَمِنْهَا: لَوْ أَذِنَ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ بِدَيْنِهِ الَّذِي عَلَيْهِ عَنْهُ، أَوْ فِي صَرْفِهِ، أَوْ الْمُضَارَبَةِ بِهِ، لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَبْرَأْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ. بَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى شِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَبَنَاهُ فِي النِّهَايَةِ عَلَى قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ. وَفِيهِمَا رِوَايَتَانِ تَقَدَّمَتَا فِي أَحْكَامِ الْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ، وَتَأْتِي الْمُضَارَبَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الشَّرِكَةِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ: اعْزِلْهُ وَضَارِبْ بِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يَجْعَلُهُ مُضَارَبَةً، إلَّا أَنْ يَقُولَ: ادْفَعْهُ إلَى زَيْدٍ ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَيْك.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: تَصَدَّقْ عَنِّي بِكَذَا. وَلَمْ يَقُلْ " مِنْ دَيْنِي " صَحَّ. وَكَانَ إقْرَاضًا كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ غَرِيمِهِ. وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِهِ لِلْمُقَاصَّةِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنْهَا: مَسْأَلَةُ الْمُقَاصَّةِ. وَعَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ: بَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا هُنَا، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْحَوَالَةِ.

ص: 117

وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله لَمْ يَذْكُرْهَا رَأْسًا. وَلَكِنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَهُوَ قَوْلُهُ " وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً، ثُمَّ بَاعَهَا الْعَبْدُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ. تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا أَوْ نِصْفُهُ، إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، إلَى ثَمَنِهِ ". فَنَقُولُ: مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً وَحَالًّا وَمُؤَجَّلًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا يَتَسَاقَطَانِ، أَوْ يَسْقُطُ مِنْ الْأَكْثَرِ قَدْرُ الْأَقَلِّ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. بَلْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَتَسَاقَطَانِ إلَّا بِرِضَاهُمَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتَتَخَرَّجُ الصِّحَّةُ بِتَرَاضِيهَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَعَنْهُ يَتَسَاقَطَانِ بِرَضِي أَحَدِهِمَا. وَعَنْهُ لَا يَتَسَاقَطَانِ مُطْلَقًا.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِي غَيْرِ دَيْنِ السَّلَمِ. أَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا دَيْنَ سَلَمٍ: امْتَنَعَتْ الْمُقَاصَّةُ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: مَنْ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا، لَمْ تُحْتَسَبْ بِهِ مَعَ عُسْرَتِهَا. لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فِيمَا فَضَلَ.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا: لَمْ يَتَسَاقَطْ. ذَكَرَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ فِي وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، وَالشَّارِحُ فِي مَسْأَلَةِ الظُّفْرِ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ اسْتَلِفْ أَلْفًا فِي ذِمَّتِك فِي طَعَامٍ، فَفَعَلَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي

ص: 118

قَضَائِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ. فَقَدْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِمَالِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَوَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: أَعْطِ فُلَانًا كَذَا: صَحَّ. وَكَانَ قَرْضًا. وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْوَسِيلَةِ فِيهِ رِوَايَتَيْ قَضَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَظَاهِرُ التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ إنْ قَالَ " عَنِّي " فَقَطْ، وَإِنْ قَالَهُ لِغَيْرِ غَرِيمِهِ: صَحَّ إنْ قَالَ " عَنِّي " وَإِلَّا فَلَا. وَنَصَرَ الشَّرِيفُ الصِّحَّةَ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ.

وَمِنْهَا: لَوْ دَفَعَ لِغَرِيمِهِ نَقْدًا، ثُمَّ قَالَ: اشْتَرِ بِهِ مَا لَكَ عَلَيَّ، ثُمَّ اقْبِضْهُ لَك. صَحَّا نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِهِ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِك: صَحَّ الشِّرَاءُ. ثُمَّ إنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِنَفْسِك لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ. وَفِي صِحَّةِ قَبْضِهِ لِلْمُوَكِّلِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ الشِّرَاءُ دُونَ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لَك: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ بِهِ مِثْلَ مَا لَك عَلَيَّ: لَمْ يَصِحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ فِي صِحَّتِهِ الرِّوَايَتَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.

وَمِنْهَا: لَوْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ. فَلَمْ يَقْبَلْهُ رَبُّهُ، أَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ: لَمْ يُجْبَرَا. وَفِيهِ احْتِمَالٌ كَتَوْكِيلِهِ، وَكَتَمْلِيكِهِ لِلزَّوْجِ وَالْمَدْيُونِ. وَمَتَى نَوَى مَدْيُونٌ وَفَاءَ دَيْنٍ بَرِئَ، وَإِلَّا فَمُتَبَرِّعٌ. وَإِنْ وَفَّاهُ حَاكِمٌ قَهْرًا: كَفَتْ نِيَّتُهُ إنْ قَضَاهُ مِنْ مَدْيُونٍ.

ص: 119

وَفِي لُزُومِ رَبِّ دَيْنٍ نِيَّةُ قَبْضِ دَيْنِهِ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ اللُّزُومِ. وَإِنْ رَدَّ بَدَلَ عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ:

عَادَةُ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ: ذِكْرُ مَسْأَلَةِ قَبْضِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَهَا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ فِي آخِرِ بَابِ الْحَوَالَةِ. وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ. فَنَذْكُرُهَا هُنَاكَ، وَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْفُرُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَعَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ أَيْضًا ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ: هُنَا. وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَذَكَرَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ فِي بَابِ الْهِبَةِ. فَنَذْكُرُهَا هُنَاكَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْفُرُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ جُزَافًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِهِ) . مَتَى قَبَضَهُ جُزَافًا، أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ جُزَافًا: أَخَذَ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّهِ، وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ إنْ كَانَ. وَيُطَالِبُ بِالْبَعْضِ إنْ كَانَ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِالْكَيْلِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَبِرَهُ كُلَّهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ عِنْدَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الصُّبْرَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا قَبَضَهُ جُزَافًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ، أَوْ يَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عَمَّا لَهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

ص: 120

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ: ثُمَّ إنَّهُ فِي الْكَافِي عَلَّلَ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِأَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ، وَقَدْ أَخَذَهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ كِيسًا، وَقَالَ: اتَّزِنْ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّك: لَمْ يَكُنْ قَابِضًا قَدْرَ حَقِّهِ قَبْلَ الْوَزْنِ. وَبَعْدَهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَعَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ: يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ لِلسَّوْمِ، وَالْكِيسُ وَبَقِيَّةُ مَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ كَالْوَكِيلِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَيْنًا. وَقَالَ: خُذْ حَقَّك مِنْهَا، تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهَا، وَلَا يَضْمَنُهَا إذَا تَلِفَتْ. قَالَ: وَمَنْ قَبَضَ دَيْنَهُ ثُمَّ بَانَ لَا دَيْنَ لَهُ: ضَمِنَهُ. قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى بِهِ عَيْنًا، ثُمَّ بَانَ لَا دَيْنَ لَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا ادَّعَى غَلَطًا مُمْكِنًا عُرْفًا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ.

ص: 121

قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ، مَعَ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ.

فَائِدَةٌ:

وَكَذَا حُكْمُ مَا قَبَضَهُ مِنْ مَبِيعِ غَيْرِهِ، أَوْ دَيْنِ آخَرَ كَقَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ وَغَيْرِهِمَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي الرَّهْنِ وَفِي الْكَفِيلِ فِي بَابِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْكَفِيلِ فِي بَابِهِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ، وَإِلَّا كُفِلَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ تِلْمِيذُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ وَيَصِحُّ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ: وَفِي تَعْلِيلِهِمْ عَلَى الْمَذْهَبِ نَظَرٌ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَوْلَى. قَالَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: وَيَصِحُّ الرَّهْنُ فِي السَّلَمِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ،

ص: 122