المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ، فَهَلْ يَشْتَرِكُ الثَّلَاثَةُ فِي - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٥

[المرداوي]

الفصل: الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ، فَهَلْ يَشْتَرِكُ الثَّلَاثَةُ فِي

الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ، فَهَلْ يَشْتَرِكُ الثَّلَاثَةُ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ، وَالِاثْنَانِ فِي بِنَاءِ الْوَسَطِ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ حُكْمًا وَمَذْهَبًا. وَكَذَا الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ فَأَكْثَرُ. وَصَاحِبُ الْوَسَطِ مَعَ مَنْ فَوْقَهُ كَمَنْ تَحْتَهُ مَعَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إذَا كَانُوا ثَلَاثَ طِبَاقٍ. فَإِنْ بَنَى رَبُّ الْعُلْوِ، فَفِي مَنْعِ رَبِّ السُّفْلِ الِانْتِفَاعَ بِالْعَرْصَةِ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ: احْتِمَالَانِ. قُلْت: الْأَوْلَى: الْمَنْعُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

[كِتَابُ الْحَجْرِ]

ِ فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: " حَجْرُ الْفَلَسِ " عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْحَاكِمِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مَالُهُ الْمَوْجُودُ مُدَّةَ الْحَجْرِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ.

الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حَجْرٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ) وَحَجْرٌ لِحَظِّ نَفْسِهِ. فَالْحَجْرُ لِحَقِّ الْغَيْرِ: كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَالْمَرِيضِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الْبَلَدِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ فَصْلِ خِيَارِ التَّوْلِيَةِ. وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ. وَالْمُرْتَدِّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَالرَّاهِنِ وَالزَّوْجَةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي التَّبَرُّعِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ. وَالْحَجْرُ لِحَظِّ نَفْسِهِ: كَالْحَجْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَسْبَابٍ لِلْحَجْرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَحْجُرُ حَاكِمٌ عَلَى مُقَتِّرٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَاخْتَارَ الْأَزَجِيُّ: بَلَى. فَيَكُونُ هَذَا سَبَبًا آخَرَ، عَلَى قَوْلِهِ.

ص: 272

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ مُدَّتِهِ: فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ مِنْ شَرْطِ الْكَفِيلِ: أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَهُ: فَفِي مَنْعِهِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ.

إحْدَاهُمَا: لَهُ مَنْعُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ مَنْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: مُنِعَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، سَوَاءٌ كَانَ مَخُوفًا أَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ. وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ إذَا كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا. كَالْجِهَادِ وَنَحْوِهِ. وَحَكَى فِي السَّفَرِ غَيْرِ الْمَخُوفِ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا مُدَّةً قَبْلَ أَجَلِ الدَّيْنِ، جَازَ كَالْجِهَادِ. وَأَدْخَلَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ فِي السَّفَرِ الْمَخُوفِ: الْحَجَّ. وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَابْنِ الْبَنَّا، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ،

ص: 273

وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. فَأَمَّا فِي الْجِهَادِ: فَيُمْنَعُ، حَتَّى يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ، عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. وَأَنَّ الْجِهَادَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَلَهُ السَّفَرُ دُونَ أَجَلِهِ. وَعَنْهُ لَا يُسَافِرُ غَيْرَ مُجَاهِدٍ، حَتَّى يَأْتِيَ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنَّ ظَاهِرَهُ كَذَلِكَ. فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَبَعِيدٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ: أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْخِلَافَ، وَأَنَّ لَنَا قَوْلًا: لَا يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَقَوْلًا: إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ جُنْدِيًّا مَوْثُوقًا بِهِ لَا يَسْتَأْذِنُهُ. وَيَسْتَأْذِنُهُ غَيْرُهُ. وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَالشَّارِحِ، وَجَمَاعَةٍ: إذَا كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا. لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا رِوَايَةَ عَدَمِ الْمَنْعِ. فَقَالُوا: لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَيْسَ بِأَمَارَةٍ عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فِي مَحَلِّهِ. فَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ. كَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ. وَلَعَلَّهُ أَوْلَى. فَهَذِهِ سِتُّ طُرُقٍ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ.

فَائِدَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ: أَنَّ لِغَرِيمِهِ مَنْعَهُ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قُلْت: مِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ، إذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ: يُلْزَمُ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ. فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُمْنَعَ لِيَعْمَلَ.

ص: 274

الثَّانِيَةُ: لَوْ طُلِبَ مِنْهُ دَيْنٌ حَالٌّ يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ، فَسَافَرَ قَبْلَ وَفَائِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. وَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ الدَّيْنُ الْحَالُّ، أَوْ يَحِلُّ فِي سَفَرِهِ، فَقِيلَ: لَهُ الْقَصْرُ وَالتَّرَخُّصُ، لِئَلَّا يُحْبَسَ قَبْلَ طَلَبِهِ كَحَبْسِ الْحَاكِمِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ فِي قَضَائِهِ، لِئَلَّا يَمْنَعَ وَاجِبًا. ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي بَابِ قَصْرِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا ابْنُ حَمْدَانَ. وَقِيلَ: إنْ سَافَرَ وَكِيلٌ فِي الْقَضَاءِ: لَمْ يَتَرَخَّصْ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْبَنِيَ الْخِلَافُ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ قَبْلَ الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْقَرْضِ. وَالْمَذْهَبُ: لَا يَجِبُ قَبْلَ الطَّلَبِ. فَلَهُ الْقَصْرُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ حَالًّا، وَلَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ: لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ. وَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِوَفَائِهِ. فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ) الْقَوْلُ بِالْحَبْسِ: اخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَا تَخْلُصُ الْحُقُوقُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ غَالِبًا إلَّا بِهِ، وَبِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: أَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَى الدَّيْنِ: شُرَيْحٌ الْقَاضِي. «وَمَضَتْ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم: أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ عَلَى الدُّيُونِ، لَكِنْ يَتَلَازَمُ الْخَصْمَانِ» . وَأَمَّا الْحَبْسُ الْآنَ عَلَى الدَّيْنِ: فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَتَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَطَالَ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالطَّبَقَاتِ.

فَائِدَةٌ:

إذَا حُبِسَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إخْرَاجُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ، أَوْ يُبْرِئَهُ غَرِيمُهُ أَوْ يَرْضَى بِإِخْرَاجِهِ.

ص: 275

فَإِذَا تَبَيَّنَ أَمْرُهُ: لَمْ يَسَعْ الْحَاكِمَ حَبْسُهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْضَ غَرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ مَحْضٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَصَرَّ: بَاعَ مَالَهُ. وَقَضَى دَيْنَهُ) إذَا أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ. وَيَقْضِي دَيْنَهُ، مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: أَبَى الضَّرْبَ الْأَكْثَرُونَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إذَا أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ، وَصَبَرَ عَلَيْهِ: ضَرَبَهُ الْحَاكِمُ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: يَحْبِسُهُ. فَإِنْ أَبَى عَزَّرَهُ. قَالَ: وَيُكَرِّرُ حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَغَيْرِهِمْ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، لَكِنْ لَا يُزَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ، إنْ قِيلَ بِتَقْدِيرِهِ. انْتَهَى.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: مَتَى بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُحْبَسُ. فَإِنْ لَمْ يَقْضِ بَاعَ الْحَاكِمُ وَقَضَاهُ. فَظَاهِرُهُ: يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ بَيْعُهُ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاسِ: يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَيَقْضِي. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ طُولِبَ بِأَدَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، فَطَلَبَ إمْهَالًا: أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا. لَكِنْ إنْ خَافَ غَرِيمُهُ مِنْهُ: احْتَاطَ عَلَيْهِ بِمُلَازَمَةٍ، أَوْ كَفِيلٍ، أَوْ تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ مَطَلَ غَرِيمُهُ حَتَّى أَحْوَجَهُ إلَى الشِّكَايَةِ، فَمَا غَرِمَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُمَاطِلَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَيْضًا.

ص: 276

قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي أَثْنَاءِ فَصْلِ " وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ " ثُمَّ قَالَ: وَإِلَّا أُمِرَ بِالتَّوْكِيلِ. وَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي. وَكَذَا أُجْرَةُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ عَلَى السَّارِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابٍ مِنْ الدَّعَاوَى: وَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْمُدَّعِي: لَزِمَهُ مُؤْنَةُ إحْضَارِهِ وَرَدِّهِ، وَإِلَّا لَزِمَا الْمُنْكِرَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله فِي الضَّمَانِ: إذَا تَغَيَّبَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ حَتَّى غَرِمَ الضَّامِنُ شَيْئًا بِسَبَبِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي الْحَبْسِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ: رَجَعَ بِهِ عَلَى الْكَاذِبِ ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْإِعْسَارَ، وَكَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ: حُبِسَ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَفَادِ مَالِهِ، أَوْ إعْسَارِهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) إذَا ادَّعَى الْإِعْسَارَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ، أَوْ يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ، كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَنَحْوِهِمَا. وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ. أَوْ عَنْ غَيْرِ مَالٍ كَالضَّمَانِ وَنَحْوِهِ وَأَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ. أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. ثُمَّ إنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَشْهَدَ بِنَفَادِ مَالِهِ، أَوْ إعْسَارِهِ. فَإِنْ شَهِدَتْ بِنَفَادِ مَالِهِ أَوْ تَلَفِهِ: حَلَفَ مَعَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ لَا مَالَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْلِفُ مَعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: حَلَفَ مَعَهَا، وَفِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي،

ص: 277

وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَةٍ هُنَا. وَإِنْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مِمَّنْ يَخْبَرُ بَاطِنَ حَالِهِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ قُبِلَتْ لِلْحَاجَةِ، وَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ: وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهَا، عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مُكَذِّبًا لِبَيِّنَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْلِفُ مَعَهَا. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ: أَنَّهُ مُعْسِرٌ؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِالظَّاهِرِ.

فَوَائِدُ

إحْدَاهَا: يُكْتَفَى فِي الْبَيِّنَةِ أَنْ تَشْهَدَ بِالتَّلَفِ، أَوْ بِالْإِعْسَارِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمُحَقَّقُ. وِفَاقًا لِلْمَجْدِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِعْسَارِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالتَّلَفِ وَالْإِعْسَارِ مَعًا. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: نَشْهَدُ بِذَهَابِهِ وَإِعْسَارِهِ، لَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا.

الثَّانِيَةُ: تُسْمَعُ بَيِّنَةُ إعْسَارِهِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ حَبْسِهِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ بِيَوْمٍ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

ص: 278

الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعِي الْإِعْسَارِ بَيِّنَةٌ وَالْحَالَةُ مَا تَقَدَّمَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ غَرِيمِهِ مَعَ يَمِينِهِ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ بِدَيْنِهِ وَكَانَ لَهُ حَبْسُهُ وَمُلَازَمَتُهُ. قَالَهُ فِي الْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ حَلَفَ أَنَّهُ قَادِرٌ: حَبَسَهُ. وَإِلَّا حَلَفَ الْمُنْكِرُ عَلَيْهِمَا. وَخُلِّيَ. وَنَقَلَ ابْنُ حَنْبَلٍ: يُحْبَسُ إنْ عُلِمَ لَهُ مَا يَقْضِي. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ عُرِفَ بِمَالٍ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ بِهِ، وَحَلَفَ غَرِيمُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ: حُبِسَ. وَفِي الرِّعَايَةِ: يَحْلِفُ أَنَّهُ مُوسِرٌ بِدَيْنِهِ، وَلَا يَعْلَمُ إعْسَارَهُ بِهِ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إذَا حَلَفَ أَنَّهُ ذُو مَالٍ: حُبِسَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجَمَاعَةِ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمَدْيُونُ تَلَفًا أَوْ إعْسَارًا، أَوْ يَسْأَلَ سُؤَالَهُ. فَتَكُونُ دَعْوَى مُسْتَقِلَّةً. فَإِنْ كَانَ لَهُ بِبَقَاءِ مَالِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ: بَيِّنَةٌ. فَلَا كَلَامَ. وَإِلَّا فَيَمِينُ صَاحِبِ الْحَقِّ بِحَسَبِ جَوَابِ الْمَدْيُونِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. وَهُوَ مُرَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْإِعْسَارَ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَهُ. انْتَهَى.

وَحَيْثُ قُلْنَا: يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَأَبَى: حَلَفَ الْآخَرُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ

الرَّابِعَةُ: يُكْتَفَى فِي الْبَيِّنَةِ هُنَا بِاثْنَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ. كَمَنْ يُرِيدُ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا بِالْغِنَى، وَادَّعَى الْفَقْرَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ: حَلَفَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ) . أَيْ وَإِنْ ادَّعَى الْإِعْسَارَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ، وَدَيْنُهُ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ،

ص: 279

لَمْ يُقِرَّ بِالْمَلَاءَةِ بِهِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ وَالْغَالِبُ ذَهَابُهُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحْبَسُ إلَى ظُهُورِ إعْسَارِهِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ إعْسَارُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ عُرِفَ بِمَالٍ، أَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ. كَمَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلْمُفْلِسِ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، فَأَنْكَرَ، وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ. أَوْ قَالَ " هُوَ لِزَيْدٍ " فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ: قُضِيَ دَيْنُ الْمُفْلِسِ مِنْهُ. وَإِنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ، فَهَلْ يُقْضَى دَيْنُ الْمُفْلِسِ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يُقْضَى مِنْهُ. وَيَكُونُ لِزَيْدٍ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لِزَيْدٍ مُضَارَبَةً. قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ، أَوْ كَانَ غَائِبًا. وَالثَّانِي: يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ: لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ لَهَا تَقَدُّمُ دَعْوَى وَإِنْ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْمُصَدِّقِ بَيِّنَةٌ قُدِّمَتْ لِإِقْرَارِ رَبِّ الْيَدِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ.

ص: 280

الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْسِرِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ وَيَتَأَوَّلَ. نَصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قُلْت لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ. إذَا تَحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ وَحَبْسُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى عِيَالِهِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ. وَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ: لَزِمَهُ إجَابَتُهُمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله إنْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ دُيُونِهِ، صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَيَأْتِي مَعْنَى ذَلِكَ قَرِيبًا.

تَنْبِيهَاتٌ

أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ " هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ لَهُ دُونَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ حَالٍّ، أَوْ قَدْرِهِ، وَلَا كَسْبَ لَهُ، وَلَا مَا يُنْفِقُ مِنْهُ غَيْرُهُ. أَوْ خِيفَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ " أَنَّهُ لَوْ سَأَلَهُ الْبَعْضُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَجَمَاعَةٍ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ أَيْضًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِطَلَبِ غُرَمَائِهِ. وَالْأَصَحُّ: أَوْ بَعْضُهُمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

ص: 281

الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّ الْمُعْسِرَ لَوْ طَلَبَ الْحَجْرَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْحَاكِمِ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ زَادَ دَيْنُهُ عَلَى الْمَالِ وَقِيلَ: أَوْ طَلَبَ الْمُفْلِسُ الْحَجْرَ مِنْ الْحَاكِمِ لَزِمَهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ طَلَبَهُ الْمُفْلِسُ وَحْدَهُ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: بِسُؤَالِهِ فِي وَجْهِهِ.

قَوْلُهُ (وَيَتَعَلَّقُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ أَحَدُهَا: تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ. فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ. وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ إلَّا بِالْعِتْقِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) .

اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ، وَتَصَرَّفَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ: صَحَّ تَصَرُّفُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ مَالِهِ، حَتَّى قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَحَكَاهُ رِوَايَةً. وَاخْتَارَهُ. وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَقَضَاءُ دَيْنِهِ أَوْجَبُ عَلَيْهِ. قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، خُصُوصًا وَقَدْ كَثُرَتْ حِيَلُ النَّاسِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَقَالَ: الْمُفْلِسُ إذَا طَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهُ سِلْعَتَهُ الَّتِي يَرْجِعُ بِهَا قَبْلَ الْحَجْرِ: لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَ نُصُوصٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمُطَالَبَةِ الْبَائِعِ.

ص: 282

وَعَنْهُ لَهُ مَنْعُ ابْنِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِمَا يَضُرُّهُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ تَصَدَّقَ وَأَبَوَاهُ فَقِيرَانِ رُدَّ عَلَيْهِمَا. لَا لِمَنْ دُونَهُمَا. وَنَصَّ فِي رِوَايَةٍ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِأَجَانِبَ، وَلَهُ أَقَارِبُ مُحْتَاجُونَ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ: فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ تَبَرَّعَ وَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ لِوَارِثٍ أَوْ دَيْنٌ، وَلَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ: أَنَّهُ يُرَدُّ. وَلِهَذَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً عَلَى رِوَايَةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ قَالَ: هَذَا مَرْدُودٌ، وَلَوْ كَانَ فِي حَيَاتِهِ: لَمْ أُجَوِّزْ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ إنْ أَضَرَّ بِغَرِيمِهِ. ذَكَرَهُ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَإِنْ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِغَيْرِهِ. فَإِنْ تَصَرَّفَ بِالْعِتْقِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّةِ عِتْقِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: هَذَا أَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

ص: 283

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَصِحُّ عِتْقُهُ عَلَى الْأَقْيَسِ. وَإِنْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَدْبِيرِ رَقِيقِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِالتَّدْبِيرِ: صَحَّ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ. أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ: لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ: يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالصَّدَقَةِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ. قُلْت: إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ، وَيُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ: فَيَبْغِي أَنْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِمَالِهِ. انْتَهَى.

وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ الْيَسِيرِ: لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ: إنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ طَلَبِ رَبِّ الْعَيْنِ لَهَا: جَازَ، لَا بَعْدُ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغَرِيمٍ بِكُلِّ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ لِرِضَاهُمَا بِهِ. وَهُوَ ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامْ أَحْمَدْ رحمه الله. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحّ. لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

الثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ رَدَّ مَعِيبٍ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ. وَيَمْلِكُ الرَّدَّ بِخِيَارٍ غَيْرِ مُتَقَيِّدٍ

ص: 284

بِالْأَحَظِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَحَظِّ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَهُ رَدُّ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ بِعَيْبٍ، أَوْ خِيَارٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِيهِ حَظٌّ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ إقْرَارٍ: صَحَّ. وَيُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرٍ عَنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَلَا يُشَارِكُونَ مَنْ كَانَ دَيْنُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ. وَفِي الْمُبْهِجِ: فِي جَاهِلٍ بِهِ وَجْهَانِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ، أَوْ أَدَانَهُ عَامِلٌ قَبْلَ قِرَاضِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَيْنٍ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَتَقَدَّمَ نَقْلُ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ: أَنَّ صَاحِبَ التَّبْصِرَةِ حَكَى رِوَايَةً بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي ذِمَّتِهِ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ مَنْ عَامَلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ لَا يَرْجِعُ بِعَيْنِ مَالِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

ص: 285

وَقِيلَ: يَرْجِعُ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَعَ جَهْلِهِ الْحَجْرَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَهَذَا الْأَخِيرُ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عَيْنًا بَاعَهَا إيَّاهُ. فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا، وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا، وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا. لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، كَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَخَبْزِ الدَّقِيقِ. وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ: مِنْ شُفْعَةٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ رَهْنٍ، وَنَحْوِهِ، وَلَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً: كَالسِّمَنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِاخْتِصَاصِ رَبِّ الْعَيْنِ الْمُبَاعَةِ الْمَوْجُودَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ شُرُوطًا. مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا. فَلَوْ مَاتَ كَانَ صَاحِبُهَا أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: ذَلِكَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْحَجْرِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ رَبَّ الْعَيْنِ لَوْ مَاتَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَخْذُ السِّلْعَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبُهَا حَيًّا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِمْ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلِرَبِّهِ دُونَ وَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ أَخْذُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ

ص: 286

وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: مِنْ الشُّرُوطِ: أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ حَيًّا، إذْ لَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ. لِلْحَدِيثِ. وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ. انْتَهَى.

وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ نَقَدَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا. فَإِنْ كَانَ نَقَدَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا. وَكَذَا لَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْ بَعْضِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. إنْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ كَعَبْدَيْنِ، أَوْ ثَوْبَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا أَوْ نَقَصَ وَنَحْوُهُ: رَجَعَ فِي الْعَيْنِ الْأُخْرَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ: لَهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَمَاعَةٍ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: وَلَعَلَّ مَبْنَاهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ: هَلْ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَبِيعِ أَمْ لَا؟ وَحُكْمُ انْتِقَالِ الْبَعْضِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ حُكْمُ التَّلَفِ. انْتَهَى.

قُلْت: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ كِتَابَةٍ وَبَيْعٍ " أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَبِيعِ، عَلَى الصَّحِيحِ.

تَنْبِيهٌ:

مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ تَلَفِ الْبَعْضِ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزَّرْعِ. فَأَفْلَسَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، تَنْزِيلًا لِلْمُدَّةِ مَنْزِلَةَ الْمَبِيعِ، وَمُضِيِّ بَعْضِهَا بِمَنْزِلَةِ تَلَفِ بَعْضِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: لَهُ الرُّجُوعُ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ تَبْقِيَةُ زَرْعِ الْمُفْلِسِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.

ص: 287

ثُمَّ هَلْ يُضْرَبُ بِهَا لَهُ مَعَ الْغُرَمَاءِ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، أَوْ يُقَدَّمُ بِهَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ.

فَوَائِدُ:

إحْدَاهُمَا: لَوْ وَطِئَ الْبِكْرَ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَمْتَنِعُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا جُرِحَ الْعَبْدُ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَرْجِعُ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يَرْجِعُ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَرْشَ لَهُ، كَالْحَاصِلِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ فِعْلِ بَهِيمَةٍ، أَوْ جِنَايَةِ الْمُفْلِسِ، أَوْ عَبْدِهِ، أَوْ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ: فَلَا أَرْشَ لَهُ مَعَ الرُّجُوعِ. وَإِنْ كَانَ الْجِرَاحُ مُوجِبًا لِلْأَرْشِ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلِلْبَائِعِ إذَا رَجَعَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِحِصَّةِ مَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ وَطِئَ الثَّيِّبَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأَصَحِّ، إذَا لَمْ تَحْمِلْ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ.

الثَّانِيَةُ: لَا يَمْنَعُ الْأَخْذُ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ. فَإِذَا أَخَذَهَا الْبَائِعُ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ.

ص: 288

الثَّالِثَةُ: لَوْ خَرَجَتْ السِّلْعَةُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ، وَرَجَعَتْ بَعْدَ الْحَجْرِ، فَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ. قَالَ النَّاظِمُ: عَادَ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَوِيِّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هِيَ كَعَوْدِ الْمَوْهُوبِ إلَى الِابْنِ بَعْدَ زَوَالِهِ. هَلْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ أَمْ لَا؟ . قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. عَلَى مَا يَأْتِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِرْثٍ، وَوَصِيَّةٍ لَمْ يَرْجِعْ. وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخٍ كَالْإِقَالَةِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي رُجُوعِ الْأَبِ إذَا رَجَعَ إلَى الِابْنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَالصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ: لَوْ اشْتَرَاهَا، ثُمَّ بَاعَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا. فَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهَا الْبَائِعُ الْأَوَّلُ، لِسَبْقِهِ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ الثَّانِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: بَقَاءُ صِفَةِ السِّلْعَةِ. فَلَوْ تَغَيَّرَتْ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا كَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَخَبْزِ الدَّقِيقِ، وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ، وَعَمَلِ الزَّيْتِ صَابُونًا، أَوْ قَطْعِ الثَّوْبِ قَمِيصًا، أَوْ نَجْرِ الْخَشَبِ أَبْوَابًا، أَوْ عَمَلِ الشَّرِيطِ أُبَرًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

ص: 289

وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: إنْ أَحْدَثَ صَنْعَةً كَنَسْجِ غَزْلٍ، وَعَمَلِ الدُّهْنِ صَابُونًا فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَأْخُذُهُ. وَعَنْهُ: بَلَى، وَيُشَارِكُهُ الْمُفْلِسُ فِي الزِّيَادَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ عِنْدِهِ إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْحَبِّ بِطَحْنِهِ، وَالدَّقِيقِ بِخَبْزِهِ، وَالْغَزْلِ بِنَسْجِهِ: رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ حَبًّا فَصَارَ زَرْعًا، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ نَوَى فَنَبَتَ شَجَرًا، أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فَرْخًا: سَقَطَ الرُّجُوعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الرُّجُوعَ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَرَدَّهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ خُلِطَ الْمَبِيعُ أَوْ بَعْضُهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَنِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْخَلْطَ: هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ أَمْ لَا؟ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ. بَلْ وَجَدَهُ حُكْمًا. انْتَهَى.

قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ. وَإِنَّمَا هُوَ اشْتِرَاكٌ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغَصْبِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ ". وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، فِي مَوْضِعٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ.

ص: 290

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَإِنْ اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا فَلِبَائِعِهِ الرُّجُوعُ. وَقِيلَ: الشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهِ. وَقِيلَ: إنْ طَالَبَ الشَّفِيعُ: امْتَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ رَهْنٍ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ رَهْنٍ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. لَكِنْ إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، فَمَا فَضَلَ مِنْهُ: رُدَّ عَلَى الْمَالِ. وَلَيْسَ لِبَائِعِهِ الرُّجُوعُ فِي الْفَاضِلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَجْزُومًا بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَا يُخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَلَفَ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. فَكَذَلِكَ ذَهَابُ بَعْضِهِ بِالْبَيْعِ. انْتَهَى.

فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ، فَرَهَنَ أَحَدَهُمَا. فَهَلْ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي الْأُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْعَيْنَيْنِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ: لَهُ الرُّجُوعُ هُنَاكَ. فَكَذَا هُنَا.

فَائِدَةٌ:

لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ، وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ الدُّيُونِ: قُدِّمَ الْمُرْتَهِنُ بِرَهْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ آخِرَ الرَّهْنِ.

ص: 291

وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ جِنَايَةٍ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا، ثُمَّ يُفْلِسَ بَعْدَ تَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ. فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالْكَافِي. وَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ. وَعَلَى الثَّانِي: هُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهِ نَاقِصًا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَإِنْ شَاءَ ضَرَبَ بِثَمَنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَ: لَوْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ حَقُّ شُفْعَةٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ رَهْنٍ، ثُمَّ أَفْلَسَ. ثُمَّ أَسْقَطَ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ الشَّفِيعُ، أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ: فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. انْتَهَى.

وَمِنْهَا: أَنْ لَا تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً. فَإِنْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، كَالْكِتَابَةِ وَالْقُرْآنِ وَنَحْوِهِمَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالشِّيرَازِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَرَدَّا غَيْرَهُ. قَالَ الْقَاضِي، فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ خِلَافِهِ: هُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَعَنْهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ،

ص: 292

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقَالَ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. فَعَلَيْهَا: يَأْخُذُهَا بِزِيَادَتِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ.

قَوْلُهُ (فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ: فَلَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُوجَزِ، فِي مَنْعِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ الرُّجُوعِ: رِوَايَتَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي مُوسَى: يَمْنَعُ الْوَلَدُ الرُّجُوعَ فِي أُمِّهِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ، أَوْ عِنْدَ الرُّجُوعِ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ: لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ كَالسِّمَنِ. وَإِنْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ، مُنْفَصِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَمَعَ الرُّجُوعِ لَا أَرْشَ، عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ، حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ. فَقَالَ فِي الْكُبْرَى: فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هُوَ كَالسِّمَنِ، وَالْأَظْهَرُ: يُتَّبَعُ فِي الرُّجُوعِ كَالْبَيْعِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، قَالَ الْقَاضِي: إنْ اشْتَرَاهَا حَامِلًا. وَأَفْلَسَ بَعْدَ وَضْعِهَا: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا مُطْلَقًا.

ص: 293

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّا إذَا قُلْنَا: لَا حُكْمَ لِلْحَمْلِ. فَهُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ حُكْمٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ كَانَ هُوَ وَالْأُمُّ قَدْ زَادَ بِالْوَضْعِ، فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَإِنْ لَمْ يَزِيدَا: جَازَ الرُّجُوعُ فِيهِمَا. وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ تَلِفَ بَعْضُ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْبَيْعِ حَائِلًا، وَحَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَزَادَتْ قِيمَتُهَا: فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَإِنْ أَفْلَسَ بَعْدَ الْوَضْعِ فَزِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ وَجَدَهَا حَامِلًا: انْبَنَى عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ: هَلْ لَهُ حُكْمٌ، فَيَكُونَ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً، يُتَرَبَّصُ بِهِ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ لَا حُكْمَ لَهُ كَزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ؟ انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ) هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَالْمُجَرَّدِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفِ. وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا لِلْبَائِعِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ وَاللُّقَطَةِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ وَلَدًا صَغِيرًا: أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى بَذْلِ

ص: 294

قِيمَتِهِ. وَكَذَا إنْ كَانَ كَبِيرًا، وَقُلْنَا: يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ. فَإِنْ أَبَى بَطَلَ الرُّجُوعُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: يُبَاعَانِ، وَيُصْرَفُ إلَيْهِ مَا خَصَّ الْأُمَّ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ وَلَدَ أَمَةٍ: فَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بَيْعُ الْأُمِّ مَعَهُ. وَلَهُ قِيمَتُهَا ذَاتَ وَلَدٍ بِغَيْرِ وَلَدٍ. زَادَ فِي الْفَائِقِ: وَيُحْتَمَلُ مَنْعُ الرُّجُوعِ فِي الْأُمِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَدْفَعْ قِيمَتَهُ فَلَا رُجُوعَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَوْ قَصَرَهُ: لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ. وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ) .: هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِزَيْتٍ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِبَائِعِ الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ الرُّجُوعُ فِي أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ كَثَمَنِ الْعَبْدِ. وَقَالَا: وَإِنْ قَصَرَ الثَّوْبَ، فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ: فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَإِنْ زَادَتْ: فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: لَهُ الرُّجُوعُ. انْتَهَيَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا زَادَتْ الْعَيْنُ بِقِصَارَةٍ، أَوْ صِنَاعَةٍ وَنَحْوِهِمَا: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

ص: 295

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ صَبَغَهُ أَوْ قَصَرَهُ. فَلَهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي وَجْهٍ فِيهِمَا كَنَقْصِهِ بِهِمَا فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ قَصَرَهُ: لَمْ يَمْنَعْ. وَيُشَارِكُهُ الْمُفْلِسُ فِي الزِّيَادَةِ. وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ إنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابًا فَصَبَغَهَا، أَوْ قَصَرَهَا، فَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ قَصَرَ الثَّوْبَ وَقُلْنَا: يَرْجِعُ فِي الْأَقْيَسِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ رَجَعَ فِيهِ رَبُّهُ فِي الْأَصَحِّ. وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ فِي الْأَقْيَسِ. فَلَهُ مِنْ الثَّوْبِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَتْ مِنْ قِيمَتِهِ. وَقِيلَ: بَلْ أُجْرَةُ الْقِصَارَةِ. إلَّا أَنْ يَتْلَفَ بِيَدِهِ. فَيَسْقُطُ. وَقِيلَ: الْقِصَارَةُ كَالثَّمَنِ. وَفِي أُجْرَتِهَا وَجْهَانِ. وَإِنْ لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ: فَلَهُ الرُّجُوعُ، أَوْ مُشَارَكَةُ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ فِي صَبْغِ الثَّوْبِ: وَإِنْ صَبَغَهُ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصَّبْغِ: رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ. وَشَارَكَ الْمُفْلِسَ فِيهِ بِقِيمَةِ صَبْغِهِ. إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا الْبَائِعُ. فَإِنْ أَبَى دَفْعَهَا: أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ حَقِّهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ قِيمَةِ الصَّبْغِ: فَالنَّقْصُ مِنْ الْمُفْلِسِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا: فَالزِّيَادَةُ مَعَ قِيمَةِ الصَّبْغِ لَهُ. وَقِيلَ: يَشْتَرِكَانِ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ. وَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ: فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا، أَوْ يَكُونُ كَالْغُرَمَاءِ. وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ: لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَقْيَسِ. انْتَهَى.

ص: 296

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ صَبْغًا فَصَبَغَ بِهِ، أَوْ زَيْتًا فَلَتّ بِهِ: فَلَا رُجُوعَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: فَلَا رُجُوعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ: بِأَنَّهُ إذَا خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. كَخَلْطِ الزَّيْتِ وَالْقَمْحِ وَنَحْوِهِمَا بِمِثْلِهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَالصَّبْغُ مِنْ وَاحِدٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّبْغُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِ الثَّوْبِ. فَعَلَى قَوْلِهِمْ: يَرْجِعُ فِي الثَّوْبِ وَحْدَهُ. وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا بِزِيَادَةِ الصَّبْغِ. وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِثَمَنِ الصَّبْغِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِمَا هَاهُنَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى دُفُوفًا وَمَسَامِيرَ مِنْ وَاحِدٍ فَسَمَّرَهَا بِهِ. فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ غَرَسَ الْأَرْضَ، أَوْ بَنَى فِيهَا. فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَدَفْعُ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. فَيَمْلِكُهُ، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ وَمُشَارَكَتَهُ بِالنَّقْصِ) . إذَا اتَّفَقَا عَلَى قَلْعِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَلَهُمْ ذَلِكَ. فَإِذَا فَعَلُوهُ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي أَرْضِهِ. فَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ قَبْلَ الْقَلْعِ فَلَهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَلْعِ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّهُ إلَّا بَعْدَ الْقَلْعِ.

ص: 297

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُمْ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا الْحَاصِلِ بِهِ. وَيَضْرِبُ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ. فَلَوْ امْتَنَعَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَلْعِ: لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ. وَإِنْ أَبَى الْمُفْلِسُ الْقَلْعَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لِلْبَائِعِ أَخْذَهُ وَقَلْعَهُ وَضَمَانَ نَقْصِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِيَمْلِكَهُ، أَوْ قَالَ: أَنَا أَقْلَعُ وَأَضْمَنُ النَّقْصَ: فَلَهُ ذَلِكَ. وَعَلَى الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَوْا الْقَلْعَ، وَأَبَى دَفْعَ الْقِيمَةِ: سَقَطَ الرُّجُوعُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأَرْضِ. وَيَكُونُ مَا فِيهَا لِلْمُفْلِسِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَفْرِيعَ. وَعَلَى الثَّانِي: إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ بِيعَا لَهُمَا. وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُجْبَرَ، فَيُبَاعُ الْجَمِيعُ. وَاحْتَمَلَ: لَا فَيَبِيعُ الْمُفْلِسُ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ مُفْرَدًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ يُبَاعُ الْفَرْسُ مُفْرَدًا، أَوْ الْجَمِيعُ، وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 298

أَحَدُهُمَا: يُبَاعُ الْجَمِيعُ. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُبَاعُ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ مُفْرَدًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ

إحْدَاهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَفْلَسَ وَهِيَ بِحَالِهَا. فَلَهُ الرُّجُوعُ.

الثَّانِي: كَانَ فِيهَا وَقْتَ الْبَيْعِ ثَمَرٌ ظَاهِرٌ، أَوْ طَلْعٌ مُؤَبَّرٌ، وَاشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي فَأَكَلَهُ، أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ، أَوْ تَلِفَ بِجَائِحَةٍ، ثُمَّ أَفْلَسَ: فَهَذَا فِي حُكْمِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

الثَّالِثُ: أَطْلَعَ وَلَمْ يُؤَبَّرْ، أَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ لَمْ يَظْهَرْ وَقْتَ الْبَيْعِ. فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ. فَلَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ تَلَفِهِ أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ زَادَ، أَوْ بَدَا صَلَاحُهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَهُوَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ.

الرَّابِعُ: بَاعَهُ نَخْلًا حَائِلًا فَأَطْلَعَتْ، أَوْ شَجَرًا فَأَثْمَرَتْ، فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

الْأَوَّلُ: أَفْلَسَ قَبْلَ تَأْبِيرِهَا. فَالطَّلْعُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ.

الثَّانِي: أَفْلَسَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ، وَظُهُورِ الثَّمَرَةِ: فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَالطَّلْعُ لِلْمُشْتَرِي. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ. وَلَوْ بَاعَهُ أَرْضًا فَارِغَةً، فَزَرَعَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَفْلَسَ: رَجَعَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ، وَجْهًا وَاحِدًا.

الثَّالِثُ: أَفْلَسَ، وَالطَّلْعُ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ. فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى أُبِّرَ: فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. كَمَا لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ. فَلَوْ ادَّعَى الرُّجُوعَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ، وَأَنْكَرَ الْمُفْلِسُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

ص: 299

وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت بَعْدَ التَّأْبِيرِ. وَقَالَ الْمُفْلِسُ: بَلْ قَبْلَهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ.

الرَّابِعُ: أَفْلَسَ بَعْدَ أَخْذِ الثَّمَرَةِ، أَوْ ذَهَابِهَا بِجَائِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأَصْلِ. وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي، إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ.

الثَّانِيَةُ: كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَتْبَعُ الثَّمَرُ الشَّجَرَ إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ: فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُفْلِسِ بِقَطْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَوَانِ الْجِدَادِ. وَكَذَا إذَا رَجَعَ فِي الْأَرْضِ وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْمُفْلِسِ. وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ أُجْرَةٌ. إذَا ثَبَتَ هَذَا. فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْقَطْعِ. فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَإِنْ اخْتَلَفُوا، وَكَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ، أَوْ قِيمَتُهُ يَسِيرَةٌ: لَمْ يُقْطَعْ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَثِيرَةً: قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَطْعَ، فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: يُنْظَرُ مَا فِيهِ الْأَحَظُّ فَيُعْمَلُ بِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّالِثُ: إنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقَطْعَ: وَجَبَ. وَإِنْ كَانَ الْمُفْلِسُ، فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَحَظَّ لَهُ: لَمْ يُقْطَعْ.

الثَّالِثَةُ: إذَا كَمُلَتْ الشُّرُوطُ: فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِتَعَيُّنِهَا كَوَدِيعَةٍ. وَسَوَاءٌ زَادَتْ قِيمَتُهَا أَوْ نَقَصَتْ وَلَوْ بَذَلَ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهَا كُلَّهُ، وَهُوَ يُسَاوِي الْمَبِيعَ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ. وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، بِنَاءً عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِكَوْنِهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ: نُقِضَ حُكْمُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا يُنْقَضُ.

الْخَامِسَةُ: يَكُونُ الِاسْتِرْجَاعُ فِي السِّلْعَةِ بِالْقَوْلِ. فَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا

ص: 300

ابْتِدَاءً لَمْ يَنْعَقِدْ، وَلَمْ يَكُنْ اسْتِرْجَاعًا. وَكَذَا الْوَطْءُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، لِتَمَامِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ: يَكُونُ الْوَطْءُ اسْتِرْجَاعًا، وَأَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا آخَرَ بِعَدَمِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ.

السَّادِسَةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الْأَخْذِ، بَعْدَ كَمَالِ الشُّرُوطِ: مَسْأَلَةٌ. وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ صَيْدًا وَالْبَائِعُ مُحْرِمًا. فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ لِلصَّيْدِ لَا يَجُوزُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَقَطَعُوا بِهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَسْخَ عَلَى الْفَوْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ.

السَّابِعَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَخْذَ السِّلْعَةِ عَلَى التَّرَاخِي كَخِيَارِ الْعَيْبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَخَذَهُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَقْيَسِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: الْوَجْهَانِ هُنَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ

الثَّامِنَةُ: حَيْثُ أَخَذَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ، فَرُجُوعُهُ فَسْخٌ لِلْعَيْبِ. فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ، وَلَا إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. فَلَوْ رَجَعَ فِيمَنْ أَبَقَ صَحَّ: وَصَارَ لَهُ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ: أَخَذَهُ. وَإِنْ تَلِفَ: فَمِنْ مَالِهِ. وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ تَالِفًا حِينَ اسْتِرْجَاعِهِ بَطَلَ رُجُوعُهُ. وَإِنْ رَجَعَ فِي مَبِيعٍ اشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ: قُدِّمَ تَعْيِينُ الْمُفْلِسِ، لِإِنْكَارِهِ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْبَائِعِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 301

التَّاسِعَةُ: مَتَى قُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ، فَلَوْ كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ الْمَوْجُودِ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمُفْلِسِ وَقُلْنَا: لَا يَحِلُّ بِالْفَلَسِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْأَجَلِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَالَا: هُوَ أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ فِي الْحَالِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقِيلَ: يُبَاعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ رَجَعَ فِيهِ مَجَّانًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

الْعَاشِرَةُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ إذَا وَجَدَهَا. وَكَذَا حُكْمُ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ إذَا وَجَدَ عَيْنَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ كَانَ دَيْنُهُ سَلَمًا، فَأَدْرَكَ الثَّمَنَ بِعَيْنِهِ: أَخَذَهُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الرُّجُوعُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ: مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ، كَالْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ، وَالصُّلْحُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ الصَّدَاقُ، كَأَنْ يَصْدُقَ امْرَأَةً عَيْنًا، وَتَحْصُلَ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا، وَقَدْ أَفْلَسَتْ. وَكَذَا لَوْ وَجَدَ عَيْنًا مُؤَجَّرَةً لَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ. فَلَوْ مَضَى بَعْضُ الْمُدَّةِ: فَلَهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهَا.

الْحَادِيَةَ عَشْرَ: لَوْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ عَيْنٌ مُؤَجَّرَةٌ: كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهَا مُدَّةَ الْإِجَارَةِ. فَإِنْ تَعَطَّلَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ: ضُرِبَ لَهُ بِمَا بَقِيَ مَعَ الْغُرَمَاءِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

قَوْلُهُ (الْحُكْمُ الثَّالِثُ: بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَهُ) . يَعْنِي إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ (وَقَسْمُ ثَمَنِهِ) .

ص: 302

يَعْنِي يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ. وَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ. قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرَهُ وَيَحْضُرَ الْغُرَمَاءُ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَوْلُهُ (وَيَبِيعُ كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ) بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَكْثَرَ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَيُتْرَكُ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا تَدْعُو إلَيْهِ حَاجَتُهُ: مِنْ مَسْكَنٍ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ كَانَ وَاسِعًا يَفْضُلُ عَنْ سُكْنَى مِثْلِهِ: بَيْعَ، وَاشْتُرِيَ لَهُ مَسْكَنُ مِثْلِهِ. وَلِابْنِ حَمْدَانَ احْتِمَالٌ: أَنَّ مَنْ ادَّانَ مَا اشْتَرَى بِهِ مَسْكَنًا: أَنَّهُ يُبَاعُ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ. انْتَهَى.

وَلَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ عَيْنَ مَالِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ: أَخَذَهُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ (وَخَادِمٍ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ نَفِيسًا. وَكَذَا الْمَسْكَنُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا.

فَائِدَةٌ:

يُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا آلَةُ حِرْفَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ حِرْفَةٍ: تُرِكَ لَهُ مَا يَتَّجِرُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: وَيُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا فَرَسٌ يَحْتَاجُ إلَى رُكُوبِهَا. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُتْرَكُ لَهُ دَابَّةٌ يَحْتَاجُهَا. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يُبَاعُ الْكُلُّ إلَّا الْمَسْكَنُ، وَمَا يُوَازِيهِ مِنْ ثِيَابٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُهُ.

تَنْبِيهٌ:

مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِتَرْكِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ وَغَيْرِهِمَا: إذَا لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ مَالَ الْغُرَمَاءِ.

ص: 303

وَأَمَّا إنْ كَانَ عَيَّنَ مَا لَهُمْ: فَإِنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَكَلَامُهُمْ هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَسْمِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ) يَعْنِي: عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ. وَمِنْ النَّفَقَةِ: كِسْوَتُهُ وَكِسْوَةُ عِيَالِهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: مَحَلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّكَسُّبِ: لَمْ يُتْرَكْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ. وَقَطَعَا بِهِ. وَهُوَ قَوِيٌّ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ مَاتَ جُهِّزَ مِنْ مَالِهِ كَنَفَقَةٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيُعْطِي الْمُنَادِي) يَعْنِي وَنَحْوَهُ (أُجْرَتَهُ مِنْ الْمَالِ) وَالْمُرَادُ: إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إنَّمَا يُعْطِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَحَقُّ الْمُنَادِي مِنْ الثَّمَنِ، إنْ فُقِدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِالنِّدَاءِ وَتَعَذَّرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي: مِنْ الثَّمَنِ، إنْ فُقِدَ الْمُتَطَوِّعُ. وَقِيلَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ تَعَذَّرَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ ابْتِدَاءً. انْتَهَى.

ص: 304

وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي: نَظَرٌ. وَلَعَلَّ النُّسْخَةَ مَغْلُوطَةٌ.

تَنْبِيهٌ:

مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَيَبْدَأُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) إذَا كَانَ الْجَانِي عَبْدًا لِمُفْلِسٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ ثَمَنِ الْجَانِي) . سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْجَانِي هُوَ الْمُفْلِسُ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ بِمَنْ لَهُ رَهْنٌ. فَيَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ) ظَاهِرُهُ: إنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ لَازِمًا أَوْ لَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ جَمَاعَةٌ بِاللُّزُومِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَازِمًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: إذَا مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ أَفْلَسَ، فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ. وَلَمْ يُعْتَبَرْ وُجُودُ قَبْضِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: ثُمَّ يَخْتَصُّ مَنْ لَهُ رَهْنٌ بِثَمَنِهِ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: يَخْتَصُّ بِثَمَنِ الرَّهْنِ، عَلَى الْأَصَحِّ. فَحَكَى الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ. وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ؛ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ مَوْتِ بَائِعٍ وَجَدَ مَتَاعَهُ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْمَذْهَبَ وَعَنْهُ: أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ: ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ: رُدَّ عَلَى الْمَالِ)

ص: 305

وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الْفَاضِلَ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ هُنَا، وَأَنَّ الْقَاضِيَ اخْتَارَ: أَنَّ بَائِعَهُ أَحَقُّ بِالْفَاضِلِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ يَأْخُذُهَا) يَعْنِي بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَكَلَامُهُ هُنَا أَعَمُّ. فَيَدْخُلُ عَيْنُ الْقَرْضِ، وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَغَيْرِهِمَا. كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَذَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُفْلِسِ أَحَقُّ بِالْمَنَافِعِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ. فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ: لَمْ يَحِلَّ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ.

قَالَ الْقَاضِي: لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْفَلَسِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَحِلُّ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ بِالْفَلَسِ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُشَارِكْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَحِلُّ إذَا وُثِّقَ بِرَهْنٍ، أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ، وَإِلَّا حَلَّ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ. فَمَتَى قُلْنَا: يَحِلُّ، فَهُوَ كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ. وَمَتَى قُلْنَا: لَا يَحِلُّ، لَمْ يُوقَفْ لِرَبِّهِ شَيْءٌ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِهِ إذَا حَلَّ.

ص: 306

لَكِنْ إنْ حَلَّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ شَارَكَ الْغُرَمَاءَ. وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ قِسْمَةِ الْبَعْضِ شَارَكَهُمْ أَيْضًا. وَضُرِبَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ وَبَاقِي الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ: لَمْ يَحِلَّ إذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ) يَعْنِي: بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ التَّرِكَةِ أَوْ الدَّيْنِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ هُنَا مُطْلَقًا، وَلَوْ قَتَلَهُ رَبُّهُ، وَلَوْ قُلْنَا: لَا يَحِلُّ بِالْفَلَسِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَمَالَ إلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ تَعَذَّرَ التَّوَثُّقُ: حَلَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَلَا يَحِلُّ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَوْتِهِ مِنْ أَجْلِ الدُّيُونِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِذِمَّتِهِمْ. وَذَكَرَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي الْحَوَالَةِ. فَإِنْ كَانَتْ مَلِيئَةً، وَإِلَّا وَثَّقُوا. وَقَالَ أَيْضًا: الصَّحِيحُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَالتَّرِكَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَخْتَصُّ أَرْبَابُ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ بِالْمَالِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُشَارَكُونَ بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَدَيْنٌ مُؤَجَّلٌ قُلْنَا: لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَمَالِهِ بِقَدْرِ الْحَالِ فَهَلْ يُتْرَكُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ لِيَأْخُذَهُ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ، أَوْ يُوَفَّى

ص: 307

الْحَالُّ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّهِ صَاحِبِ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ بِحِصَّتِهِ، أَوْ لَا يَرْجِعُ؟ يُحْتَمَلُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

فَوَائِدُ

الْأُولَى: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ. فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: يَحِلُّ الدَّيْنُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ. وَقَدْ عُدِمَ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ احْتِمَالَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ وَرِثَهُ بَيْتُ الْمَالِ: احْتَمَلَ انْتِقَالُهُ. وَيَضْمَنُ الْإِمَامُ لِلْغُرَمَاءِ وَاحْتَمَلَ حَوْلَهُ. وَذَكَرَهُمَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، لِعَدَمِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ. وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: حُكْمُ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ جُنُونٌ حُكْمُ الْمُفْلِسِ وَالْمَيِّتِ فِي حُلُولِ الدَّيْنِ وَعَدَمِهِ.

الثَّالِثَةُ: مَتَى قُلْنَا بِحُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ كُلَّهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: وَالْمُخْتَارُ سُقُوطُ جُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ مُقَابِلِ الْأَجْلِ بِقِسْطِهِ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَضْعِ وَالتَّأْجِيلِ. انْتَهَى.

قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ.

الرَّابِعَةُ: هَلْ يَمْنَعُ الدَّيْنُ انْتِقَالَ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ، أَمْ لَا يَمْنَعُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَمْنَعُ. بَلْ تَنْتَقِلُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: أَنَّ الْمُفْلِسَ إذَا مَاتَ سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ.

ص: 308

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ الِانْتِقَالُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَنْتَقِلُ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَنَصَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْقِسْمَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَلِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ يَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَلَا بَيْنَ الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْمُتَجَدِّدَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي الضَّمَانَ، كَحَفْرِ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي. وَهَلْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الدَّيْنِ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ أَمْ لَا؟ . قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فِي التَّفْلِيسِ. وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ: ظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ: اعْتِبَارُهُ، حَيْثُ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ مِنْ الِانْتِقَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا. ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الشُّفْعَةِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِانْتِقَالِ: يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهَا جَمِيعًا، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَغْرِقْهَا الدَّيْنُ. صَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَهَلْ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهَا تَعَلُّقَ رَهْنٍ. أَوْ جِنَايَةٍ؟ فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: صَرَّحَ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّهُ كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ. وَيُفَسَّرُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ: يَتَحَرَّرُ الْخِلَافُ بِتَحْرِيرِ مَسَائِلَ:

إحْدَاهَا: هَلْ يَتَعَلَّقُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ. وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، أَمْ يَتَقَسَّطُ؟ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِالْأَوَّلِ، إنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا انْقَسَمَ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ. وَتَعَلَّقَ بِحِصَّةِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْهُمْ قِسْطُهَا مِنْ الدَّيْنِ، وَبِكُلِّ

ص: 309

جُزْءٍ مِنْهَا، كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا رَهَنَهُ الشَّرِيكَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا. وَالثَّانِيَةُ: هَلْ يَمْنَعُ هَذَا التَّعَلُّقُ مِنْ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ؟ سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْفَوَائِدِ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَالثَّالِثَةُ: هَلْ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ مَعَ الذِّمَّةِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هَلْ الدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ، أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لَا غَيْرَ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يَنْتَقِلُ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِالْمُؤَجَّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الِانْتِصَارِ، الصَّحِيحُ: أَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فِي التَّرِكَةِ. انْتَهَى.

وَمِنْهُمْ: مَنْ خَصَّهُ بِالْقَوْلِ بِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ فَقَطْ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَرُدَّ بِلُزُومِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فِيهَا بِالتَّلَفِ. وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. إذَا عُرِفَ هَذَا: فَلِلْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ أَمْ لَا؟ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي الْفَوَائِدِ مِنْ قَوَاعِدِهِ.

مِنْهَا: نُفُوذُ تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ النُّفُوذِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ قِيلَ: لَا يَنْفُذُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ كِتَابَيْهِمَا.

ص: 310

وَحَمَلَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ رِوَايَةَ ابْنِ الْمَنْصُورِ عَلَى هَذَا. وَقِيلَ يَنْفُذُ: قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الرَّهْنِ وَالْقِسْمَةِ، وَجَعَلَاهُ الْمَذْهَبَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ: صِحَّةُ تَصَرُّفِهِمْ. انْتَهَى.

وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. قَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ: وَمَتَى خَلَّى الْوَرَثَةُ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ: سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُمْ بِالدُّيُونِ. وَنَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يُوفِيهِمْ مِنْهَا. وَلَمْ يَمْلِكْهَا الْغُرَمَاءُ بِذَلِكَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا تَصَرَّفُوا فِيهَا طُولِبُوا بِالدُّيُونِ كُلِّهَا. وَفِي الْكَافِي: إنَّمَا يَضْمَنُونَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ التَّرِكَةِ أَوْ الدَّيْنِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَنْفُذُ الْعِتْقُ خَاصَّةً كَعِتْقِ الرَّاهِنِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ، مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مَعَ الْعِلْمِ. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مَأْخَذَهُمَا: أَنَّ حُقُوقَ الْغُرَمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ، هَلْ يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ إسْقَاطَهَا بِالْتِزَامِهِمْ الْأَدَاءَ مِنْ عِنْدِهِمْ أَمْ لَا؟ وَفِي النَّظَرِيَّاتِ لِابْنِ عَقِيلٍ: عِتْقُ الْوَرَثَةِ يَنْفُذُ مَعَ يَسَارِهِمْ، دُونَ إعْسَارِهِمْ. اعْتِبَارًا بِعِتْقِ مَوْرُوثِهِمْ فِي مَرَضِهِ. وَهَلْ يَصِحُّ رَهْنُ التَّرِكَةِ عِنْدَ الْغُرَمَاءِ؟ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا: نَمَاءُ التَّرِكَةِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهِ أَيْضًا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِيهِ وَجْهَانِ. هَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ أَمْ لَا؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ، إنْ قِيلَ: إنَّ التَّرِكَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ: تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ كَالْمَرْهُونِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ تَعَلُّقَ رَهْنٍ يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ،

ص: 311

فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: تَعَلُّقَ جِنَايَةٍ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّمَاءِ. وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ: لَمْ تَتَعَلَّقْ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَخَرَّجَ الْأَدَمِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي: تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِالنَّمَاءِ مَعَ الِانْتِقَالِ أَيْضًا كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ. وَقَدْ يَنْبَنِي ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ. وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ هُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى ذِمَّةِ الْوَرَثَةِ، أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لَا غَيْرُ؟ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قَبْلُ فَوَائِدَ. قَالَ: فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ الْحُقُوقُ بِالنَّمَاءِ. إذْ هُوَ كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ. وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ: يَتَوَجَّهُ تَعَلُّقُهَا بِالنَّمَاءِ كَالرَّهْنِ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ. فَهَلْ تَبْتَدِئُ الْوَرَثَةُ حَوْلَ الزَّكَاةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، أَمْ لَا؟ فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا تَجْرِي فِي حَوْلِهِ حَتَّى تَنْتَقِلَ إلَيْهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ: هَلْ هُوَ مَضْمُونٌ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ، أَمْ هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ خَاصَّةً؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ وَكَانَ مِمَّا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ انْبَنَى عَلَى الدَّيْنِ الْمَانِعِ: هَلْ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ فِي ابْتِدَائِهِ، أَوْ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فِي انْتِهَائِهِ خَاصَّةً؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ. فَيَمْتَنِعُ انْعِقَادُ الْحَوْلِ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ: مَنْعُ الْوُجُوبِ هُنَا آخِرَ الْحَوْلِ فِي قَدْرِهِ أَيْضًا. وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ شَيْءٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْمَالِ مَانِعٌ.

ص: 312

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لَهُ شَجَرٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَمَاتَ. فَهُنَا صُورَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُثْمِرَ، ثُمَّ يُثْمِرُ قَبْلَ الْوَفَاءِ. فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِالنَّمَاءِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ بِهِ، خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَنْعِ الدَّيْنِ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَارِثِ. وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ. أَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَنْفَكَّ التَّعَلُّقُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَمَا أَثْمَرَتْ. فَيَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِالثَّمَرَةِ. ثُمَّ إنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ: فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ الظَّاهِرِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَإِنْ قُلْنَا: تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَى الْوَرَثَةِ مَعَ الدَّيْنِ: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَنْتَقِلُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِلَا خِلَافٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَثْمَرَتْ: تَعَلَّقَ بِهَا الدَّيْنُ. ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ: فَفِي الزَّكَاةِ رِوَايَتَانِ. وَكَذَا إنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَقُلْنَا: تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ مَعَ الدَّيْنِ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ. انْتَهَى.

وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي بَابِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ وَلَهُ عَبِيدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ. وَأَهَلَّ هِلَالُ الْفِطْرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِطْرَتُهُمْ عَلَى الْوَرَثَةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا فِطْرَةَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ.

ص: 313

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ حَيَوَانًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: مِنْ التَّرِكَةِ كَمُؤْنَةٍ. وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الْمَالِ، كَأُجْرَةِ الْمَخْزَنِ وَنَحْوِهِ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ الْمَدِينُ وَلَهُ شِقْصٌ، فَبَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُمْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا. وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ شَرِيكَ الْمَوْرُوثِ وَبِيعَ نَصِيبُ الْمَوْرُوثِ فِي دَيْنِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ الشُّفْعَةُ

. وَمِنْهَا: لَوْ وَطِئَ الْوَارِثُ الْجَارِيَةَ الْمَوْرُوثَةَ وَالدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ فَأَوْلَدَهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا حَدَّ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَمَهْرُهَا. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. فَفَائِدَةُ الْخِلَافِ حِينَئِذٍ فِي الْمَهْرِ.

وَمِنْهَا: لَوْ تَزَوَّجَ الِابْنُ أَمَةَ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَالَ أَبُوهُ: إنْ مِتّ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ: لَمْ تُعْتَقْ. وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَقَعُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَقَعُ. فَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ: مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَوْلُ الْقَاضِي: مَبْنِيٌّ عَلَى الثَّانِيَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُدَبِّرْهَا الْأَبُ سَوَاءً. وَقِيلَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ، فَقَالَ: لَهُ فِي مِيرَاثِهِ أَلْفٌ. فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي إقْرَارِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ. إذْ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا: أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ

ص: 314

الْمِيرَاثَ. فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ أَلْفٌ. فَإِنَّهُ إقْرَارٌ صَحِيحٌ. وَعَلَى هَذَا: إذَا قُلْنَا: يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْمِيرَاثَ، كَانَ مُنَاقِضًا بِغَيْرِ خِلَافٍ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ، وَتَرَكَ ابْنًا. ثُمَّ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ الْوَرَثَةَ. فَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ ابْنَ الِابْنِ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ التَّرِكَةِ بِمِيرَاثِهِ عَنْ أَبِيهِ. وَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ إجْمَاعًا. وَعَلَّلَهُ فِي مَوْضِعٍ بِأَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ مَعَ الدَّيْنِ. فَانْتَقَلَ مِيرَاثُ الِابْنِ إلَى ابْنِهِ. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ عَلَى الثَّانِيَةِ: يَخْتَصُّ بِهِ وَلَدُ الصُّلْبِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْبَاقِي مِنْ الْوَرَثَةِ.

وَمِنْهَا: رُجُوعُ بَائِعِ الْمُفْلِسِ فِي عَيْنِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُفْلِسِ، وَيُحْتَمَلُ بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَقِلُ امْتَنَعَ رُجُوعُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْتَقِلُ، رَجَعَ. وَلَا سِيَّمَا وَالْحَقُّ هُنَا مُتَعَلِّقٌ فِي الْحَيَاةِ تَعَلُّقًا مُتَأَكِّدًا.

وَمِنْهَا: مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ ابْنِهِ. فَقَالَ ابْنُهُ لِغُرَمَائِهِ: اُتْرُكُوا هَذِهِ الْأَلْفَ بِيَدِي، وَأَخِّرُونِي فِي حُقُوقِكُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ، حَتَّى أُوفِيَكُمْ جَمِيعَ حُقُوقِكُمْ. قَالَ: إذَا كَانُوا اسْتَحَقُّوا قَبْضَ هَذِهِ الْأَلْفِ، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُونَهُ لِيُوفِيَهُمْ لِأَجَلٍ، فَتَرَكُوهَا فِي يَدَيْهِ: فَهَذَا لَا خَيْرَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَقْبِضُوا الْأَلْفَ مِنْهُ وَيُؤَخِّرُوهُ فِي الْبَاقِي مَا شَاءُوا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: تُخَرَّجُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَنْتَقِلُ. قَالَ: وَإِنْ قُلْنَا: تَنْتَقِلُ جَازَ. وَهُوَ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ، عَلَّلَهُ فِي الْقَوَاعِدِ.

وَمِنْهَا: وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّرِكَةِ إذَا كَانَتْ دَيْنًا وَنَحْوَهُ.

ص: 315

فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي وَدِيعَةٍ لَا يَدْفَعُهَا إلَّا إلَى الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ جَمِيعًا. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ وِلَايَةَ الْمُطَالَبَةِ وَالرُّجُوعَ عَلَى الْمُودَعِ إذَا سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَرَثَةِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إنْ قُلْنَا: التَّرِكَةُ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَهُمْ وِلَايَةُ الطَّلَبِ وَالْقَبْضِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ. وَقَالَ الْمَجْدُ: عِنْدِي أَنَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْغُرَمَاءَ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُمْ بِالتَّرِكَةِ كَالرَّهْنِ وَالْجَانِي. فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى بَعْضِهِمْ. انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْفَوَائِدِ مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ: رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذِهِ قِسْمَةٌ بِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهَا. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَسَمَ أَرْضًا أَوْ مِيرَاثًا بَيْنَ شُرَكَاءَ، ثُمَّ ظَهَرَ شَرِيكٌ آخَرُ، أَوْ وَارِثٌ آخَرُ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: فَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ اقْتَسَمَهَا غَرِيمَاهُ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ ثَالِثٌ دَيْنُهُ كَدَيْنِ أَحَدِهِمَا: رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِثُلُثِ مَا قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَأَصْلُ هَذَا: مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثِينَ بِوَارِثٍ. فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ ابْنًا وَهُمَا ابْنَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الثَّانِيَةِ. بَلْ هُوَ خَطَأٌ فِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مَا قَبَضَهُ بِحِصَّتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ كَمَفْقُودٍ رَجَعَ بَعْدَ قِسْمَةٍ وَتَلَفٍ. وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: لَوْ وَصَلَ مَالُ الْغَائِبِ، فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا أَيْضًا. فَقَالَ: إنْ طَالَبَا جَمِيعًا اشْتَرَكَا، وَإِنْ طَالَبَ

أَحَدُهُمَا: اخْتَصَّ بِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ. وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ: وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا، وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ.

ص: 316

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَقِيَ عَلَى الْمُفْلِسِ بَقِيَّةٌ وَلَهُ صَنْعَةٌ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَائِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ

إحْدَاهُمَا: يُجْبَرُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْبَرُ. قَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ الرَّزِينِ. كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْخُلْعِ وَالتَّزْوِيجِ. حَتَّى أُمِّ وَلَدِهِ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ عَلَى قَوَدٍ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ دِيَتُهُ بِعَفْوِهِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَوْ مُطْلَقًا، إنْ قُلْنَا: يَجِبُ بِالْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّ مَبِيعٍ. إذَا كَانَ فِيهِ الْأَحَظُّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَبْقَى الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِبَقَاءِ دَيْنِهِ إلَى الْوَفَاءِ.

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إيجَارِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَإِيجَارِ أُمِّ وَلَدِهِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُجْبَرُ عَلَى إيجَارِ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

قَوْلُهُ (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 317

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَفْتَقِرُ زَوَالُهُ إلَى حُكْمٍ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يَزُولُ الْحَجْرُ بِقَسْمِ مَالِهِ.

تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ: لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يَحْلِفُوا) . عَدَمُ وُجُودِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ شُبْهَةٍ.

قَوْلُهُ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ: انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْمُفْلِسِ، فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا، أَوْ بَاعَهُ: لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةً حَتَّى يَفُكَّ الْحَجْرَ عَنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُبْهِجِ فِي الْجَاهِلِ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ إذَا أَضَافَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ إقْرَارٍ صَحَّ. وَيُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ ".

قَوْلُهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ. وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ. فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ قَبْلَ الْإِذْنِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَظَاهِرُهُ: إنَّ هِبَةَ الصَّبِيِّ لَا تَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: مَتَى تَصِحُّ هِبَةُ الْغُلَامِ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ إذَا احْتَلَمَ، أَوْ يَصِيرُ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً فِي صِحَّةِ إبْرَائِهِ. فَالْهِبَةُ مِثْلُهُ. وَيَأْتِي: هَلْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَغَيْرُهَا. أَمْ لَا؟ .

ص: 318

قَوْلُهُ (وَمَنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ) يَعْنِي: إلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ (مَالَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ: رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا. وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ، عَلِمَ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمَجْنُونُ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ السَّفِيهُ إذَا جَهِلَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى الضَّمَانَ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ عَسِرٌ.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ هَذَا: إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ قَدْ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، وَنَحْوِهِمَا. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. فَأَمَّا إنْ حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمْ بِاخْتِيَارِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ: كَالْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، وَنَحْوِهِمَا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ مَالًا فَأَتْلَفُوهُ. فَقِيلَ: لَا يَضْمَنُونَ ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُونَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ وَحْدَهُ. وَقَدْ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُقْنِعِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ: بِضَمَانِ الْعَبْدِ إذَا أَتْلَفَ الْوَدِيعَةَ. وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: الْخِلَافَ فِي ضَمَانِ الصَّبِيِّ الْوَدِيعَةَ إذَا أَتْلَفَهَا. وَكَذَلِكَ أَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

ص: 319

وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ، وَالسَّفِيهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الْمُحَرَّرُ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا مُحَرَّرًا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ جَنَوْا فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَضْمَنُونَ أَيْضًا: إذَا أَتْلَفُوا شَيْئًا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ (وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَرَشَدَا: انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ مَا بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَنْفَكُّ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا يَنْفَكُّ فِي الصَّبِيِّ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَيَنْفَكُّ فِي غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ. قَوْلُهُ (وَالْبُلُوغُ: يَحْصُلُ بِالِاحْتِلَامِ) بِلَا نِزَاعٍ (أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَحَكَى عَنْهُ رِوَايَةً: لَا يَحْصُلُ الْبُلُوغُ بِالْإِنْبَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَحْصُلُ الْبُلُوغُ بِإِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَعَنْهُ: الذَّكَرُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ (وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ بِالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ) بِلَا نِزَاعٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: وَحَمْلُهَا دَلِيلُ إنْزَالِهَا. وَقَدْرُهُ: أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ. وَكَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 320

وَعَنْهُ لَا يَحْصُلُ بُلُوغُهَا بِغَيْرِ الْحَيْضِ. نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ أَوَّلُ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ وُجِدَ مَنِيٌّ مِنْ ذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ: فَهُوَ عَلَمٌ عَلَى بُلُوغِهِ. وَكَوْنِهِ رَجُلًا. وَإِنْ خَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ أَوْ حَاضَ: كَانَ عَلَمًا عَلَى بُلُوغِهِ، وَكَوْنِهِ امْرَأَةً. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْإِنْزَالَ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَمًا عَلَى الْبُلُوغِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ حَاضَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، أَوْ احْتَلَمَ مِنْهُ، أَوْ أَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ: لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهِ خِلْقَةً زَائِدَةً. وَإِنْ حَاضَ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ، وَأَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ: فَبَالِغٌ، بِلَا إشْكَالٍ. انْتَهَى.

وَإِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ذَكَرِهِ، وَالْحَيْضُ مِنْ فَرْجِهِ: فَمُشْكِلٌ. وَيَثْبُتُ الْبُلُوغُ بِذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْقَاضِي: يَثْبُتُ الْبُلُوغُ بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْخُنْثَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْبُلُوغُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَإِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ: فَمُشْكِلٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَهَلْ يَثْبُتُ الْبُلُوغُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَحْصُلُ الْبُلُوغُ بِذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: يَحْصُلُ بِهِ.

ص: 321

قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَمْنَى. وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ أَمْنَتْ وَحَاضَتْ. وَكِلَاهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ. ثُمَّ وَجَدْتُ صَاحِبَ الْحَاوِي الْكَبِيرِ قَطَعَ بِذَلِكَ. وَعَلَّلَهُ بِمَا قُلْنَا. قَوْلُهُ (وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ) . يَعْنِي لَا غَيْرُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الرُّشْدُ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَذْهَبِنَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَنَصَّ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ) يَعْنِي: بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَيُؤْنَسُ رُشْدُهُ (فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ: فَبِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَلَا يُغْبَنُ) . يَعْنِي لَا يُغْبَنُ فِي الْغَالِبِ. وَلَا يُفْحَشُ قَوْلُهُ وَأَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدَيْهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، كَالْقِمَارِ، وَالْغِنَاءِ، وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَنَحْوِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّ التَّبْذِيرَ وَالْإِسْرَافَ: مَا أَخْرَجَهُ فِي الْحَرَامِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَوْ يَصْرِفُهُ فِي صَدَقَةٍ تَضُرُّ بِعِيَالِهِ، أَوْ كَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَثِقْ بِإِيمَانِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إذَا أَخْرَجَ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ.

تَنْبِيهٌ:

دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ وَرَشَدَتْ: دَفَعَ إلَيْهَا مَالَهَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْغُلَامِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَدْفَعُ إلَى الْجَارِيَةِ مَالَهَا، وَلَوْ بَعْدَ رُشْدِهَا، حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ، أَوْ تُقِيمَ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَنَةً. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ.

ص: 322

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَقِيلَ: يَبْقَى الْحَجْرُ عَلَيْهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَبْقَى مَا لَمْ تُعَنِّسْ. قَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ يَدْفَعُ إلَيْهَا مَالَهَا، إذَا عَنَّسَتْ وَبَرَزَتْ لِلرِّجَالِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَوَقْتُ الِاخْتِبَارِ: قَبْلَ الْبُلُوغِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ بَعْدَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ. وَقِيلَ: بَعْدَهُ لِلْجَارِيَةِ لِنَقْصِ خِبْرَتِهَا، وَقَبْلَهُ لِلْغُلَامِ.

فَائِدَةٌ:

لَا يُخْتَبَرُ إلَّا الْمُمَيِّزُ وَالْمُرَاهِقُ الَّذِي يَعْرِفُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ، وَبَيْعُ الِاخْتِبَارِ وَشِرَاؤُهُ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ: التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلَّا لِلْأَبِ) . يَسْتَحِقُّ الْأَبُ الْوِلَايَةَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا. وَيَكْفِي كَوْنُهُ مَسْتُورَ الْحَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ: وَلِيُّهُمَا الْأَبُ مَا لَمْ يُعْلَمْ فِسْقُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَوَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْأَبُ، ثُمَّ الْوَصِيُّ الْعَدْلَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

ص: 323

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ لِوَصِيِّهِ. ثُمَّ لِلْحَاكِمِ) أَنَّ الْجَدَّ وَالْأُمَّ وَسَائِرَ الْعَصَبَاتِ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: لِلْجَدِّ وِلَايَةٌ. فَعَلَيْهَا: يُقَدَّمُ عَلَى الْحَاكِمِ بِلَا نِزَاعٍ. وَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الزُّبْدَةِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ لِلْأُمِّ وِلَايَةً. وَقِيلَ: لِسَائِرِ الْعَصَبَةِ وِلَايَةٌ أَيْضًا بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. ثُمَّ قَالَ، قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ حَجْرُ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ عِنْدَ خَرَفِهِ. انْتَهَى.

قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ حَيْثُ قُلْنَا: لِلْأُمِّ وَالْعَصَبَةِ وِلَايَةٌ: أَنَّهُمْ كَالْجَدِّ فِي التَّقْدِيمِ عَلَى الْحَاكِمِ وَعَلَى الْوَصِيِّ، عَلَى الصَّحِيحِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ فِي الْحَاكِمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَبِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ: فَأَمِينٌ يَقُومُ بِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: الْحَاكِمُ الْعَاجِزُ كَالْعَدَمِ.

الثَّانِيَةُ: يَلِي كَافِرٌ عَدْلٌ مَالَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ.

ص: 324

قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وَيَلِي الْكَافِرُ الْعَدْلُ فِي دِينِهِ: مَالَ وَلَدِهِ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَلِيهِ، وَإِنَّمَا يَلِيهِ الْحَاكِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَأْتِي: هَلْ يَلِي مَالَ الذِّمِّيَّةِ الَّتِي يَلِي نِكَاحَهَا مِنْ مُسْلِمٍ؟ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ " مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا يَشْمَلُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِمَا. إلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ لَهُمَا) . بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ تَبَرَّعَ، أَوْ حَابَى، أَوْ زَادَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ: ضَمِنَ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِهِمَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَلَا يَبِيعُهُمَا إلَّا الْأَبُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الشِّرَاءُ مِنْ مَالِهِمَا إنْ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُهُ هُوَ.، وَيُسْتَقْصَى فِي الثَّمَنِ بِالنِّدَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

قَوْلُهُ (وَلِوَلِيِّهِمَا مُكَاتَبَةُ رَقِيقِهِمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَعِتْقُهُ عَلَى مَالٍ) . أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ مَجَّانًا مُطْلَقًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 325

وَعَنْهُ يَجُوزُ مَجَّانًا لِمَصْلَحَةٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، بَانَ تُسَاوِي أَمَةٌ وَوَلَدُهَا مِائَةً وَيُسَاوِي أَحَدُهُمَا مِائَةً. قُلْت: وَلَعَلَّ هَذَا كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ:

مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ مُكَاتَبَةِ رَقِيقِهِمَا وَعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ: أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَظٌّ لَهُمَا. مِثْلُ: أَنْ يُسَاوِيَ أَلْفًا فَيُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ، أَوْ يُعْتِقَهُ عَلَيْهِمَا وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ لَهُمَا لَمْ يَصِحَّ.

قَوْلُهُ (وَتَزْوِيجُ إمَائِهِمَا) . . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَلَهُ تَزْوِيجُ إمَائِهِمَا إذَا وَجَبَ تَزْوِيجُهُنَّ، بِأَنْ يَطْلُبْنَ ذَلِكَ، أَوْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. وَقَطَعَا بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِيهِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِخَوْفِ فَسَادِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ.

فَائِدَةٌ:

الْعَبِيدُ فِي ذَلِكَ كَالْإِمَاءِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يُزَوِّجُ الْأَمَةَ وَإِنْ جَازَ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ، لِتَأَكُّدِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا. قُلْت: يَحْتَمِلُ الْعَكْسَ، لِرَفْعِ مُؤْنَتِهَا وَحُصُولِ صَدَاقِهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ.

قَوْلُهُ (وَالسَّفَرُ بِمَالِهِمَا) . إذَا أَرَادَ الْوَالِي السَّفَرَ بِمَالِهِمَا.، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لِتِجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا. فَإِنْ سَافَرَ بِهِ لِتِجَارَةٍ جَازَ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لَا يَتَّجِرُ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْآمِنَةِ.

ص: 326

وَحَمَلَ الشَّارِحُ وَابْنُ مُنَجَّى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَافَرَ بِهِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، مِثْلُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ سَفَرٌ: جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَلَا يُسَافِرُ بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَهُ السَّفَرُ بِمَالِهِ، خِلَافًا لِلْمُجَرَّدِ، وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي. وَلَيْسَ بِمُرَادٍ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي بِجَوَازِ السَّفَرِ بِهِ لِلتِّجَارَةِ، وَمُنِعَ مِنْ السَّفَرِ لِغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ (وَالْمُضَارَبَةُ بِهِ) يَعْنِي أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي مَالِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً. بَلْ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ اتَّجَرَ بِنَفْسِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. قَوْلُهُ (وَلَهُ دَفْعُهُ مُضَارَبَةً) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ.

ص: 327

قَوْلُهُ (بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ) هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ. وَقِيلَ: بِأَقَلِّهِمَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَبَيْعُهُ نَسَاءً) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ بَيْعُهُ نَسَاءً عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَبَيْعُهُ نَسَاءً مَلِيئًا بِرَهْنٍ يَحْفَظُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَقَرْضُهُ) يَجُوزُ قَرْضُهُ لِمَصْلَحَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلِمَصْلَحَةٍ يُقْرِضُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ قَرْضُهُ، عَلَى الْأَصَحِّ، لِمَصْلَحَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَهُ قَرْضُهُ عَلَى الْأَصَحِّ مَلِيئًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يُقْرِضُهُ لِحَاجَةِ سَفَرٍ، أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ، أَوْ غَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ لَا يُقْرِضُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (بِرَهْنٍ)

ص: 328

هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فَقَالَ: يُقْرِضُهُ بِرَهْنٍ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسِيَاقُ كَلَامِهِمْ: لِحَظِّهِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَفِي قَرْضِهِ بِرَهْنٍ وَإِشْهَادٍ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَفِي قَرْضِهِ بِرَهْنٍ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى.

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ قَرْضِهِ لِلْمَصْلَحَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِرَهْنٍ أَوْ لَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَمْلِكُ قَرْضَهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ رَهْنًا جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.

فَوَائِدُ

الْأُولَى: قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُ الرَّهْنِ. فَالْأَوْلَى لَهُ أَخْذُهُ احْتِيَاطًا. فَإِنْ تَرَكَهُ: احْتَمَلَ أَنْ يَضْمَنَ إنْ ضَاعَ الْمَالُ لِتَفْرِيطِهِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَتُهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ الرَّهْنَ. قُلْت: إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَأَقْرَضَهُ ثُمَّ تَلِفَ: لَمْ يَضْمَنْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ إيدَاعُهُ مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فَظَاهِرُهُ: مَتَى جَازَ قَرْضُهُ جَازَ إيدَاعُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: يَجُوزُ إيدَاعُهُ. لِقَوْلِهِمْ " يَتَصَرَّفُ بِالْمَصْلَحَةِ " وَقَدْ يَرَاهُ مَصْلَحَةً. وَلِهَذَا جَازَ مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الشَّرِيكُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، دُونَ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. الْوَدِيعَةُ اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظٍ. وَلَا سِيَّمَا إنْ جَازَ

ص: 329

لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ. وَلِهَذَا يَتَوَجَّهُ فِي الْمُودَعِ رِوَايَةٌ. وَيَتَوَجَّهُ أَيْضًا فِي قَرْضِ الشَّرِيكِ رِوَايَةٌ. قَالَ: وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا يُودِعُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ. وَيُقْرِضُهُ لِحَظِّهِ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنَّهُ لَوْ سَافَرَ أَوْدَعَهُ. وَقَرْضُهُ أَوْلَى. انْتَهَى.

الثَّالِثَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: يُقْرِضُهُ. فَلَا يُقْرِضُهُ لِمَوَدَّةٍ وَمُكَافَأَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ.

الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِ: وَلَا يَقْتَرِضُ وَصِيٌّ وَلَا حَاكِمٌ مِنْهُ شَيْئًا. وَيَأْتِي فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَحَظَّ.

الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ رَهْنُ مَالِهِمَا لِلْحَاجَةِ عِنْدَ ثِقَةٍ. وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْتَهِنَ مَالَهُمَا مِنْ نَفْسِهِ. وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي الْمُغْنِي رِوَايَةٌ: بِالْجَوَازِ لِغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهَا نَظَرٌ.

قَوْلُهُ (وَشِرَاءُ الْعَقَارِ لَهُمَا. وَلَهُ بِنَاؤُهُ بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِهِ) هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالشَّارِحُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَبْنِيهِ بِالْآجُرِّ وَالطِّينِ. وَلَا يَبْنِيهِ بِاللَّبِنِ وَحَمَلَا كَلَامَهُمْ عَلَى مَنْ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَوْلَى. وَأَجْرَاهُ فِي الْفَائِقِ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَجَعَلَ الْأَوَّلَ اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ (وَلَهُ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ لِلْيَتِيمِ الْمُوسِرِ. نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لَهُ شِرَاؤُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالتَّضْحِيَةُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ

ص: 330

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَالَيْنِ. فَالْمَوْضِعُ الَّذِي مُنِعَ مِنْهُ: إذَا كَانَ الطِّفْلُ لَا يَعْقِلُ التَّضْحِيَةَ، وَلَا يَفْرَحُ بِهَا، وَلَا يَنْكَسِرُ قَلْبُهُ، بِتَرْكِهَا. وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَجَازَهَا: عَكْسُ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي النَّظْمِ قَوْلًا. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْيَتِيمِ الْمُوسِرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ مِنْهَا بِشَيْءٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. فَيُعَايَى بِهَا. قُلْت: وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ التَّصَدُّقِ مِنْهَا بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ: لَكَانَ مُتَّجَهًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَهُ تَعْلِيمُهُ مَا يَنْفَعُهُ وَمُدَاوَاتُهُ بِأُجْرَةٍ لِمَصْلَحَةٍ فِي ذَلِكَ وَحَمْلُهُ بِأَجْرٍ لِيَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ. قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالصَّدَقَةِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرَةِ أَنْ تَلْعَبَ بِاللُّعَبِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُصَوَّرَةٍ، وَشِرَاؤُهَا لَهَا بِمَالِهَا. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: مِنْ مَالِهِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ

قَوْلُهُ (وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُمْ. إلَّا لِضَرُورَةٍ، أَوْ غِبْطَةٍ. وَهُوَ أَنْ يُزَادَ فِي ثَمَنِهِ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا)

ص: 331

اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لِجَوَازِ بَيْعِ عَقَارِهِمْ وُجُودَ أَحَدِ شَيْئَيْنِ: إمَّا الضَّرُورَةُ، وَإِمَّا الْغِبْطَةُ. فَأَمَّا الضَّرُورَةُ: فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لَهَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَكِنْ خَصَّ الْقَاضِي الضَّرُورَةَ بِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى كِسْوَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ بِغَرَقٍ أَوْ خَرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَكَلَامُهُمْ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ بَيْعِهِ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَالْفَائِقِ. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا الْغِبْطَةُ: فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لَهَا، بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ " أَنْ يُزَادَ فِي ثَمَنِهِ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا " وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالثُّلُثِ وَلَا غَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ بَيْعِهِ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. سَوَاءٌ حَصَلَ زِيَادَةٌ أَوْ لَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَذَا نَصُّهُ. وَمَالَ إلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ

ص: 332

قَوْلُهُ (وَمَنْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَعَاوَدَ السَّفَهَ: أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلَّا الْحَاكِمُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَنْظُرُ فِيهِ الْحَاكِمُ، أَوْ أَبُوهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: حَجْرُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ الْبَالِغِ السَّفِيهِ وَاجِبٌ عَلَى أُصُولِهِ، حَاكِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَاكِمٍ. وَقِيلَ: يَنْظُرُ فِيهِ وَلِيُّهُ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا. وَقِيلَ: إنْ زَالَ الْحَجْرُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ بِلَا حُكْمٍ عَادَ بِالسَّفَهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ جُنَّ بَعْدَ رُشْدِهِ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْحَاكِمُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَلِي عَلَى أَبَوَيْهِ الْمَجْنُونَيْنِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: أَرَى أَنْ يَحْجُرَ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ إذَا أَسْرَفَ، أَوْ كَانَ يَضَعُ مَالَهُ فِي الْفَسَادِ، أَوْ شِرَاءِ الْمُغَنِّيَاتِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ إلَّا بِحُكْمٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ.

ص: 333

وَقِيلَ: يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: يَنْفَكُّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ فِي غَيْرِ السَّفِيهِ. فَأَمَّا فِي السَّفِيهِ: فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِفَكِّهِ.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَهُ حَالَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى الزَّوَاجِ. فَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ. لِأَنَّهُمْ قَالُوا: يَصِحُّ بِإِذْنِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ. فَلَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ، وَأَطْلَقَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُ السَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 334

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ تَزْوِيجُ سَفِيهٍ بِلَا إذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ قَالَ أَصْحَابُنَا: يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. فَمِلْكُهُ أَوْلَى كَالْبَيْعِ. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْمَنْعُ أَقْيَسُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي بَابِ النِّكَاحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي النِّكَاحِ. قُلْت: الْأَوْلَى الْإِجْبَارُ إذَا كَانَ أَصْلَحَ لَهُ وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي النِّكَاحِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ. وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ: أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: لَهُ إجْبَارُهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَذِنَ لَهُ، فَفِي تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ بِالتَّعْيِينِ، بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الْمَرْأَةَ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ مُطْلَقًا. وَنَصَرَاهُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْمَرْأَةِ لَهُ. وَيَتَقَيَّدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ لُزُومُهُ زِيَادَةً إذْنٍ فِيهَا كَتَزْوِيجِهِ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ هِيَ لِلنَّهْيِ عَنْهَا. فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَ الْوَلِيَّ. وَإِنْ عَضَلَهُ الْوَلِيُّ اسْتَقَلَّ بِالزَّوَاجِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ.

ص: 335

الثَّالِثَةُ: لَوْ عُلِمَ مِنْ السَّفِيهِ أَنَّهُ يُطَلِّقُ إذَا زُوِّجَ: اشْتَرَى لَهُ أَمَةً.

الرَّابِعَةُ: يَصِحُّ خُلْعُهُ كَطَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ وَلِعَانِهِ وَإِيلَائِهِ، لَكِنْ لَا يَقْبِضُ الْعِوَضَ. فَإِنْ قَبَضَهُ: لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْ. وَلَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ وَجَبَ عَلَى السَّفِيهِ كَفَّارَةٌ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْمُفْلِسِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يُكَفِّرُ بِهِ إنْ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَقَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ: أَعْتَقَ.

السَّادِسَةُ: يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ. فَإِنْ أَفْسَدَهَا دَفَعَ إلَيْهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ. فَلَوْ أَفْسَدَهَا أَطْعَمَهُ بِحُضُورِهِ. وَإِنْ أَفْسَدَ كِسْوَتَهُ سَتَرَ عَوْرَتَهُ فَقَطْ فِي الْبَيْتِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّحَيُّلُ وَلَوْ بِتَهْدِيدٍ. وَإِذَا رَآهُ النَّاسُ أَلْبَسَهُ. فَإِذَا عَادَ نَزَعَ عَنْهُ.

السَّابِعَةُ: يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَيَأْتِي وَصِيَّتُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

ص: 336

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَصِحُّ عِتْقُهُ عَلَى الْأَضْعَفِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَيَصِحُّ عِتْقُهُ الْمُنَجَّزُ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ؟ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ: صَحَّ، وَأُخِذَ بِهِ) إذَا أَقَرَّ بِحَدٍّ: اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ، فَطَلَبَ إقَامَتَهُ: كَانَ لِرَبِّهِ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ: احْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجِبَ، لِئَلَّا يَتَّخِذَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ. وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ: سَدُّ الذَّرَائِعِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: لَا يُفَرِّقُ السَّفِيهُ زَكَاةَ مَالِهِ بِنَفْسِهِ. وَلَا تَصِحُّ شَرِكَتُهُ، وَلَا حَوَالَتُهُ. وَلَا الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ، وَلَا ضَمَانُهُ، وَلَا كَفَالَتُهُ. وَيَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُ كُلِّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُ عِبَادَةٍ مَالِيَّةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ نَذْرُهَا وَتُفْعَلُ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ عِنْدَ فَكِّ حَجْرِهِ كَالْإِقْرَارِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ " إذَا أَحْرَمَ السَّفِيهُ نَفْلًا ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ)

ص: 337

يَعْنِي يَصِحُّ إقْرَارُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ إقْرَارِهِ بِمَالٍ، لَزِمَهُ بِاخْتِيَارٍ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، أَوْ بِمَا يُوجِبُ مَالًا: لَزِمَهُ بَعْدَ حَجْرِهِ، إنْ عُلِمَ اسْتِحْقَاقُهُ فِي ذِمَّتِهِ حَالَ حَجْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مُطْلَقًا) وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَالٍ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِ السَّفِيهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبَيْعِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ) وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ الْحَاكِمُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يَأْكُلُ إذَا قَدَّرَهُ الْحَاكِمُ وَإِلَّا فَلَا.

تَنْبِيهٌ آخَرُ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَأْكُلُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ) . جَوَازُ أَكْلِهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ كِفَايَتِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ شَرْحُ ابْنِ مُنَجَّى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا الْأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، أَوْ قَدْرَ كِفَايَتِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الظَّاهِرُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ (إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ قَدْرَ عَمَلِهِ، وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ: لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَى الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ. وَهُوَ وَاضِحٌ.

ص: 338

أَوْ يُقَالُ: هَلْ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْأَخْذِ؟ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. أَوْ حَيْثُ اسْتَغْنَى امْتَنَعَ الْأَخْذُ؟ قَوْلُهُ (إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إلَّا مَعَ فَقْرِهِ وَحَاجَتِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَأْكُلُ الْفَقِيرُ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ الْأَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهِ أَوْ أُجْرَتِهِ مَجَّانًا، إنْ شَغَلَهُ عَنْ كَسْبِ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَأْكُلُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، قِيَاسًا عَلَى الْعَامِلِ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ: الْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَحَكَاهُ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يَأْكُلُ فَقِيرٌ وَمَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ مَعَاشِهِ بِالْمَعْرُوفِ.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْأَبِ. فَأَمَّا الْأَبُ: فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْحُكْمِ. وَلَا يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْهِبَةِ. قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ لِأَجْلِ عَمَلِهِ، لِغِنَاهُ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ فِي مَالِهِ. وَلَكِنْ لَهُ الْأَكْلُ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ عِنْدَنَا. وَضَعَّفَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا لَمْ يَفْرِضْ لَهُ الْحَاكِمُ. فَإِنْ فَرَضَ لَهُ الْحَاكِمُ شَيْئًا: جَازَ لَهُ أَخْذُهُ مَجَّانًا مَعَ غِنَاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسَّبْعِينَ. وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ الْبُزْرَاطِيِّ فِي الْأُمِّ الْحَاضِنَةِ قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُ ذَلِكَ إذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

ص: 339

إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إذَا أَيْسَرَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ بِيَسَارِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إذَا أَيْسَرَ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إذَا أَيْسَرَ عَلَى الْأَصَحِّ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ) . خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ وَحَرْبٍ: جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّخْرِيجِ قُلْت: وَإِلْحَاقُهُ بِعَامِلِ الزَّكَاةِ فِي الْأَكْلِ مَعَ الْغِنَى: أَوْلَى. كَيْفَ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَكْلِهِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَقْرًا؟ ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي الْوَقْفِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا بَأْسَ. قُلْت: فَيَقْضِي دَيْنَهُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. انْتَهَى.

وَعَنْهُ: يَأْكُلُ إذَا اشْتَرَطَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا يُقَدَّمُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُوَافَقَتُهُ عَلَى الْأُجْرَةِ. وَالْوَكِيلُ يُمْكِنُهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ يَقُومَانِ بِأَمْرِهِ يَأْكُلَانِ بِالْمَعْرُوفِ. لِأَنَّهُمَا كَالْأَجِيرِ وَالْوَكِيلِ. وَظَاهِرُ هَذَا: النَّفَقَةُ لِلْوَكِيلِ.

ص: 340

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ إذَا نَظَرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، فَقَالَ الْقَاضِي مَرَّةً: لَا يَأْكُلُ. وَإِنْ أَكَلَ الْوَصِيُّ. فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ. وَقَالَ مَرَّةً: لَهُ الْأَكْلُ. كَوَصِيِّ الْأَبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ: الْوَكِيلُ فِي الصَّدَقَةِ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا لِأَجْلِ الْعَمَلِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِتَفْرِقَةِ مَالٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ فِي حَيَاتِهِ مَالًا لِيُفَرِّقَهُ صَدَقَةً: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا بِحَقِّ قِيَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ. وَلَيْسَ بِعَامِلٍ مُنَمٍّ مُثْمِرٍ.

قَوْلُهُ (وَمَتَى زَالَ الْحَجْرُ، فَادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أَوْ مَا يُوجِبُ ضَمَانًا: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ) بِلَا نِزَاعٍ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقَالَ: مَا لَمْ تُخَالِفْهُ عَادَةٌ وَعُرْفٌ. وَيَحْلِفُ غَيْرُ الْحَاكِمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْلِفُ غَيْرُ الْحَاكِمِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَغَيْرُ الْحَاكِمِ يَحْلِفُ. عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ اُتُّهِمَ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.

ص: 341

قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَخَرَجَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ بِدُونِ بَيِّنَةٍ. وَعَزَاهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ إلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ بِالدَّفْعِ مَأْمُورٌ بِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ هَذَا: إنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ بِجُعْلٍ: فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ فِي الرَّهْنِ. قِيلَ: يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ.

فَائِدَةٌ:

يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْحَاكِمِ، وَأَمِينِهِ، وَحَاضِنِ الطِّفْلِ، وَقَيِّمِهِ، حَالَ الْحَجْرِ وَبَعْدَهُ، فِي النَّفَقَةِ وَقَدْرِهَا وَجَوَازِهَا وَوُجُودِ الضَّرُورَةِ وَالْغِبْطَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فِي الْبَيْعِ وَالتَّلَفِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ إلَّا فِي الْأَحَظِّيَّةِ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. فَلَوْ قَالَ (مَاتَ أَبِي مِنْ سَنَةٍ) أَوْ قَالَ (أَنْفَقْت عَلَيَّ مِنْ سَنَةٍ) فَقَالَ الْوَصِيُّ: بَلْ مِنْ سَنَتَيْنِ. قُدِّمَ قَوْلُ الصَّبِيِّ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ بَابِ الْهِبَةِ.

ص: 342

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَتَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِهَا بِمَا شَاءَتْ. عَلَى الْأَظْهَرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ. فَلَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً. فَأَمَّا غَيْرُ الرَّشِيدَةِ: فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا.

الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ " أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا فِي التَّبَرُّعِ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ. صَحَّحَهَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ " إذَا تَبَرَّعَتْ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا ".

قَوْلُهُ (يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ إلَّا فِيمَا أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ) . يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ فِيمَا أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ.

ص: 343

وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: لَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ مَا. لِأَنَّهُ لَوْ انْفَكَّ لَمَا تُصُوِّرَ عَوْدُهُ، وَلَمَا اُعْتُبِرَ عِلْمُ الْعَبْدِ بِإِذْنِهِ.

قَوْلُهُ (وَفِي النَّوْعِ الَّذِي أُمِرَا بِهِ) . يَعْنِي يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ فِي النَّوْعِ الَّذِي أُمِرَا بِهِ فَقَطْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذُكِرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ إنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي نَوْعٍ، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ غَيْرِهِ مَلَكَهُ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ كَمُضَارِبٍ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً وَغَيْرَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلَا أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ فِي جَوَازِ إجَارَةِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَآهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ، فَلَمْ يَنْهَهُ: لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ فَلَمْ يَنْهَهُ، وَفِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إذْنًا، وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ. وَلَكِنْ يَكُونُ تَغْرِيرًا. فَيَكُونُ ضَامِنًا، بِحَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالضَّمَانِ. فَإِنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا كَفِعْلِ الْمُحَرَّمِ، كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ قَدَرَ عَلَى إنْجَاءِ إنْسَانِ مِنْ هَلَكَةٍ. بَلْ الضَّمَانُ هُنَا أَقْوَى.

قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ،

ص: 344

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، فِي بَابِ الْوَكَالَةِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِدُونِ إذْنٍ أَوْ عُرْفٍ. جَعَلَهُ أَصْلًا فِي عَدَمِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ.

فَائِدَةٌ:

هَلْ لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ؟ قَالَ فِي الْكَافِي: هُوَ كَالْوَكِيلِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ مُطْلَقًا، لَكَانَ مُتَّجَهًا.

قَوْلُهُ (وَمَا اسْتَدَانَ الْعَبْدُ فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، إلَّا الْمَأْذُونُ لَهُ: هَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْعَبْدِ إذَا اسْتَدَانَ حَالَتَيْنِ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ. فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، لَكِنْ إنْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنِ الْمَالِ إمَّا لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْغَيْرِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، أَوْ كَالْفُضُولِيِّ، عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوَاضِعِهِ. وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ: لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ، وَصَاحِبُ الشَّرْحِ وَغَيْرُهُمَا: احْتِمَالَيْنِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجْهَيْنِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ وَجَدَ مَا أَخَذَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ وَمِنْ السَّيِّدِ إنْ كَانَ بِيَدِهِ. فَإِنْ تَلِفَ مِنْ الْعَبْدِ فِي يَدِ السَّيِّدِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَإِنْ شَاءَ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ أَهْلَكَهُ الْعَبْدُ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ يُسَلِّمُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 345

مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ. وَعَنْهُ: إنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِكُلِّ الْحَقِّ بَالِغًا مَا بَلَغَ. ذَكَرَهَا فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ رَبُّ الْعَيْنِ أَنَّهُ عَبْدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ كَمَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ. فَعَلَى السَّيِّدِ الَّذِي عَلَيْهِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ إذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ بِالْمُسَمَّى وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا بِقِيمَتِهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَيْضًا: إنْ وَجَدَهُ فِي يَدِ الْعَبْدِ انْتَزَعَهُ صَاحِبُهُ مِنْهُ لِتَحَقُّقِ إعْسَارِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ السَّيِّدِ: لَمْ يُنْتَزَعْ مِنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: جَوَازَ الِانْتِزَاعِ مِنْهُ. انْتَهَى. وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ السَّيِّدِ لَمْ يَضْمَنْهُ. وَهَلْ يَتَعَلَّقُ ثَمَنُهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ أَوْ بِذِمَّتِهِ؟ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. وَكَذَا إنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمُسَمَّى، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ: أَنَّهُ لَا يُنْتَزَعُ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ. وَأَنَّ الثَّمَنَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

ص: 346

قَالَ: وَيَظْهَرُ قَوْلُ الْمَجْدِ: إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُقْرِضُ بِالْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَيَتَوَجَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ، وَيَسْتَدِينَ. فَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لِغَيْرِهِ. وَلِهَذَا لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ. وَتَصَرُّفٌ فِي بَيْعِ خِيَارٍ بِفَسْخٍ أَوْ إمْضَاءٍ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ. وَيَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِعَزْلِ سَيِّدِهِ لِلْمُوَكِّلِ. فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبَنَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ مَعَ الْإِذْنِ هَلْ هُوَ لِسَيِّدِهِ. فَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ كَوَكِيلِهِ، أَوْ لِنَفْسِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَبِرَقَبَتِهِ. وَذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ: يُؤْخَذُ السَّيِّدُ بِمَا اسْتَدَانَ لِمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَقَطْ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا ادَّانَ فَعَلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ جَنَى فَعَلَى سَيِّدِهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ أَذِنَ مُطْلَقًا: لَزِمَهُ كُلُّ مَا ادَّانَ. وَإِنْ قَيَّدَهُ بِنَوْعٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِدَانَةً، فَبِرَقَبَتِهِ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ.

تَنْبِيهَاتٌ:

الْأَوَّلُ: يَكُونُ التَّعَلُّقُ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ

ص: 347

الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْوَسِيلَةِ: يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ. وَنَقَلَهُ مُهَنَّا.

الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَالَتَيْنِ: إنَّمَا هُوَ فِي الدُّيُونِ. أَمَّا أُرُوشُ جِنَايَتِهِ، وَقِيَمُ مُتْلَفَاتِهِ: فَتَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ: إنْ جَنَى فَعَلَى سَيِّدِهِ.

الثَّالِثُ: عُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَعَلَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ مَحَلَّ الْخِلَافِ: فِيمَا إذَا عَجَزَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ الدَّيْنِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: حُكْمُ مَا اسْتَدَانَهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ حُكْمُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلتِّجَارَةِ بِإِذْنِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَطَعَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ بِلُزُومِهِ لِلسَّيِّدِ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ.

الثَّانِيَةُ: لَا فَرْقَ فِيمَا اسْتَدَانَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، أَوْ فِي الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الْبُرِّ فَيَتَّجِرُ فِي غَيْرِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ شَيْئًا: لَمْ يَصِحَّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ

ص: 348

ابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ فِي الْآخَرِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُضَارَبَةِ فِي قَوْلِهِ " وَكَذَا شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ ".

فَائِدَةٌ:

لَوْ ثَبَتَ عَلَى عَبْدٍ دَيْنٌ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ أَرْشُ جِنَايَةٍ ثُمَّ مَلَكَهُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ أَوْ الْأَرْشُ: سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ.

قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: إنَّمَا يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّبِيِّ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ التِّجَارَةِ، إنْ كَانَ يَسِيرًا. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ: صِحَّةَ إقْرَارِ الْمُمَيِّزِ. وَذَكَرَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّ السَّفِيهَ وَالْمُمَيِّزَ إنْ أَقَرَّا بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ طَلَاقٍ: لَزِمَ. وَإِنْ أَقَرَّا بِمَالٍ أُخِذَ بَعْدَ الْحَجْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.

ص: 349

وَيَأْتِي هُنَاكَ إقْرَارُ الْعَبْدِ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فَأَقَرَّ بِهِ: صَحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَمُنِعَ فِي الِانْتِصَارِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، ثُمَّ سَلَّمَ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ بِلَا إذْنِهِ: صَحَّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لَهُ. وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَشَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَالْفُرُوعِ. وَزَادَ: لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَزَوْجِ صَاحِبَةِ الْمَالِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي بَابِ الْكِتَابَةِ: وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ: انْفَسَخَ نِكَاحُهَا. وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَةَ سَيِّدِهِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى.

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اشْتَرَى امْرَأَةَ سَيِّدِهِ، أَوْ صَاحِبَةَ الْمَالِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنُ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَقِيلَ: يُبَاعُ فِيهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُعْتَقُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

ص: 350

وَيَأْتِي نَظِيرُهَا " لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ: هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِالتَّمْلِيكِ أَمْ لَا؟ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ فَوَائِدَ جَمَّةً. ذَكَرَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هُنَا. فَلْتُرَاجَعْ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ بِالْإِبَاقِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَبْطُلُ إذْنُهُ بِإِبَاقِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ اسْتَوْلَدَهَا: لَمْ يَبْطُلْ إذْنُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي بُطْلَانِ إذْنِهِ بِكِتَابَةٍ وَحُرِّيَّةٍ وَأَسْرٍ: خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ. وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِحُرِّيَّةٍ وَغَيْرِهَا كَحَجْرٍ عَلَى سَيِّدِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْمُسْتَوْعِبِ: يَبْطُلُ إذْنُهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ سَبْيٍ. وَجَزَمَا بِأَنَّهُ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِإِيلَادِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِهِبَةِ الدَّرَاهِمِ وَكِسْوَةِ الثِّيَابِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ) يَعْنِي لِلْعَبْدِ (هَدِيَّتُهُ لِلْمَأْكُولِ وَإِعَارَةُ دَابَّتِهِ) وَكَذَا عَمَلُ دَعْوَةٍ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ فِي الْكُلِّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْح، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 351

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ لِغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ بِالرَّغِيفِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) يَعْنِي لِلْعَبْدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ.

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ.

فَائِدَةٌ:

لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: الْمِلْكِ، وَعَدَمِهِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ.

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ: لَهَا ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَالْمُرَادُ إلَّا أَنْ يَضْطَرِبَ الْعُرْفُ، وَيَشُكُّ فِي رِضَاهُ. أَوْ يَكُونُ بَخِيلًا، وَتَشُكُّ فِي رِضَاهُ. فَلَا يَصِحُّ.

ص: 352