المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لا يحصل الحد بالبرهان - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ١

[عضد الدين الإيجي]

الفصل: ‌لا يحصل الحد بالبرهان

قال: (و‌

‌لا يحصل الحد بالبرهان

لأنه وسط يستلزم حكمًا على المحكوم عليه فلو قدّر فى الحد لكان مستلزمًا لعين المحكوم عليه ولأن الدليل يستلزم تعقل ما يستدل عليه فلو دل عليه لزم الدور فإن قيل: فمثله فى التصديق قلنا: دليل التصديق على حصول ثبوت النسبة أو نفيها لا على تعقلها ومن ثمة لم يمنع الحد ولكن يعارض ويبطل بخلله أما إذا قيل: الإنسان حيوان ناطق وقصد مدلوله لغة أو شرعًا فدليله النقل بخلاف تعريف الماهية).

أقول: الحد لا يكتسب بالبرهان لوجهين:

أحدهما: أن البرهان عبارة عن وسط يستلزم حصول أمر فى المحكوم عليه فلو قدر فى الحد وسط لكان مستلزمًا لعين المحكوم عليه لأن الحد ليس أمرًا غير حقيقة الحدود تفصيلًا وفيه تحصيل الحاصل.

وثانيهما: أنه لا بد فى الدليل من تعقل المفرد لوجوب تعقل حقيقة ما يستدل عليه من جهة ما يستدل عليه قبل إقامة الدليل فلو حصل تعقل حقيقته بالدليل لتأخر عنه فيلزم الدور.

فإن قيل فيجئ ممثله فى التصديق، قلنا: لا نسلم فإن المطلوب ليس تعقل النسبة بل إثباتها أو نفيها والموقوف عليه تعقلها لا هما بخلاف الحد فإن المطلوب تعقله لا ثبوته ومن جهة أن الحد لا يحصل بالبرهان لم يمنع إذ مرجع المنع طلب البرهان عليه ولا يمكن لكنه يعترض عليه إما بالمعارضة وإما ببيان خلل فيه مما تقدم من عدم طرد أو عكس أو غيره فإذا قال العلم تمييز لا يحتمل النقيض يقال له ألم تقل: إنه صفة توجب التمييز إذ التمييز لا يصلح جنسًا له ويبين بوجهه.

واعلم أنه لا يعارض إلا بحد يعترف هو به إذ لا تعارض بين التصورات فإن أحدهما لا يمنع الآخر هذا كله إذا قصد إفادة الماهية فقط وأما إذا قيل الإنسان حيوان ناطق وأريد به أن ذلك مفهومه شرعًا أو لغة خرج عن كونه حدًا وصار حكمًا يمنع ويطلب عليه الدليل ودليله النقل عن أهله لغة أو شرعًا.

قوله: (ولا يحصل الحد بالبرهان) معنى هذا الكلام على ما ذهب إليه جمهور الشارحين هو أن ثبوت الحد للمحدود لا يكتسب بالبرهان أما أولًا: فلأن الحد هو حقيقة الحدود وأجزاؤه على التفصيل، وثبوت الشئ لنفسه أو ثبوت أجزائه له لا

ص: 311

يتوقف على شئ بل يكفى فيه تصوره وأما ثانيًا: فلأن الاستدلال على ثبوت شئ لشئ يتوقف على تعقلهما فالدليل على ثبوت الحد للمحدود يتوقف على تعقل الحدود المستفاد من ثبوت الحد له فلو توقف ثبوت الحد له على الدليل يلزم الدور واعترض بأن الحد يغاير الحدود فى الجملة وبأنه يكفى فى الاستدلال تصور المحكوم عليه بوجه ما وأجيب بأن المغايرة بالإجمال والتفصيل لا تمنع الاستغناء عن البرهان وبأن الاستدلال لثبوت الحد يتوقف على تعقله من حيث إنه حد وفيه تعقل المحدود بحقيقته فيتم الدور، نعم يرد أنا لا نسلم أن تعقل المحدود مستفاد من ثبوت الحد له بل من تعقل الحد نفسه، ولما كان هذا التقرير غير مطابق للمتن على ما لا يخفى عدل عنه الشارح لكن حاصل تقريره أن تعقل حقيقة الحد لا يكتسب بالبرهان وهذا غنى عن البيان لأن المكتسب بالبرهان إنما هو التصديق لا التصور وفى بعض الشروح أن المراد هو أنه لا يبرهن على ثبوت الحد للمحدود ليتخذ ذلك ذريعة إلى حصول العلم بحقيقة المحدود. واعلم أن تفصيل القول فى أن الحدّ لا يكتسب بالبرهان وتحقيق الحق مما لا يليق بهذا الكتاب ومن أراده فعليه بكتاب البرهان من منطق الشفاء.

قوله: (من جهة ما يستدل عليه) دفع لما يقال: إنه يكفى فى الدليل تعقل المفردات بوجه ما يعنى إذا استدل على الحد من حيث إنه حدّ لزم تعقله بحقيقته.

قوله: (فإن أحدهما لا يمنع الآخر) فإن قيل أليس تصور الإنسان بأنه حيوان ناطق يمنع تصوره بأنه حيوان صاهل وتصور النفس بأنه جوهر مجرد يمنع تصورها بأنه جوهر متحيز وبالجملة فالحد الحقيقى واحد وكل ما عداه يمانعه وغير الحقيقى قد تتمانع لوازمه، قلنا: لا تمانع ما لم تعتبر نسبة الحد إلى الحدود وإثباته له فمرجع التمانع إلى التصديق وإن شئت فاعتبر بمجرد تصور حيوان ناطق وحيوان صاهل وجوهر مجرد وجوهر متميز.

قوله: (الحد لا يكتسب بالبرهان) فسر قوله: ولا يحصل بذلك تنبيهًا على أنه صيغة المجهول من التحصيل لا معلوم من الحصول؛ لتخالف الترجمة المشهورة من هذه المسألة والوجه الأول يدل على امتناع اكتساب الحد للمحدود أى: إثباته له بالبرهان لا على امتناع تحصيله فى نفسه بالبرهان والثانى يمكن إجراؤه فى كل

ص: 312

منهما، وحاصل الأول أن حقيقة البرهان وسط يستلزم حصول أمر فى المحكوم عليه لما تقرر من أنه لا بد فى الدليل من وسط مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه، (فلو قدر فى الحد وسط) يستلزم حقوله للمحدود (لكان) الوسط (مستلزمًا لحصول عين المحكوم عليه) لنفسه (لأن الحد) الحقيقى التام (ليس أمرًا غير حقيقة الحدود تفصيلًا وفيه تحصيل الحاصل) لأن ثبوت الشئ لنفسه بين فإذا تصور النسبة بينهما حصل الجزم بلا توقف على شئ أصلًا ولا يمكن إقامة البرهان إلا بعد تصورها المستلزم للحكم؛ فهو حاصل قبل البرهان فيلزم المحذور ولا يرد أنهما متغايران قطعًا فإن المحدود مجمل والحد يفصله إذ لولاه لم يتصور هناك نسبة يحكم بها بداهة أو برهانًا وحاصل الثانى أنه لا بد فى إقامة الدليل من تعقل المفرد الذى يقام الدليل على حال من أحواله أى المحكوم عليه وهو الحدود ههنا من حيث يقام عليه الدليل لوجوب تعقل ما يستدل عليه من جهة ما يستدل عليه كما إذا أردنا إثبات أن العالم حادث فلا بد من تصوره من حيث إنه حادث فلو أقيم البرهان على ثبوت الحد للمحدود فلا بد من تصوره من حيث الحد أولًا فتعقل حقيقة المحدود بالحد حاصل قبل الدليل على ثبوته له فلو استدل عليه ليجعل ذريعة إلى تصوره بالحد لزم الدور لكن اللازم من هذا الوجه امتناع الاستدلال على ثبوت الحد للمحدود ليجعل ذلك ذريعة إلى تصوره بالحد لا امتناع الاستدلال عليه مطلقًا كما فى الوجه الأول وأيضًا هو مخصوص بالحقيقى التام واجراؤه فى الناقص لا يتم إلا إذا كان الحدود متصورًا بالكنه فلا فائدة فيه وأما فى الرسمى فيتوقف على اشتراط كونه لازمًا بينًا بخلاف الثانى فإنه عام فى الكل وإذا أراد تطبيقه على امتناع تحصيل الحد فى نفسه بالبرهان قيل: لا بد فى إقامة الدليل ههنا من تعقل المفرد الذى هو الحد لكونه مركبًا تقييديًا من حيث يستدل عليه أى من حيث خصوصيته المفصلة لوجوب تصور المستدل عليه من حيث إنه مستدل عليه قبل الدليل فتصور الحد من حيث خصوصيته المفصلة متقدم عليه فلو حصل به كان دورًا وهذا أنسب لعدم الاحتياج إلى التقييد الذى لا غناء له ولتبادره من ترجمة المسألة ولكونه أوفق بما ذكر فى الجواب عن التصديق والأول أنسب بالوجه الأول وأيضًا تعقل الحد من قبيل التصور فلا يستفاد من البرهان.

قوله: (فإن قيل) يعنى أن الدليل الثانى على أى وجه قدر جار فى التصديق

ص: 313

فيمتنع الاستدلال عليه وهو باطل فالدليل عليه منقوض والجواب أن المطلوب فى التصديق هو إثبات النسجة أو نفيها لا تصورها أو تصور شئ من أطرافها والأول يتوقف على البرهان التوقف على الثانى فلا دور بخلاف الحد إذ المقصود منه تعقله لا ثبوته له فيتحد الموقوف والموقوف عليه كما فصلناه.

قوله: (ومن جهة أن الحد) إذا قيل فى مقام التحديد: الإنسان حيوان ناطق مثلًا لم يتوجه أن يقال لا نسلم أنه كذلك إذ مرجعه إلى طلب البرهان على ما منع وقد ثبت امتناعه ههنا والتحقيق أن التحديد تصوير ونقش لصورة المحدود فى الذهن ولا حكم فيه أصلًا فالحاد إنما يذكر المحدود بالحد ليتوجه الذهن إلى ما هو معلوم بوجه ما ثم يرتسم فيه صورة أخرى أتم من الأول لا للحكم بالحد عليه إذ ليس هو بصدد التصديق بثبوته له فما مثله إلا كمثل النقاش إلا أن الحاد ينقش فى الذهن صورة معنوية معقولة وهذا ينقش فى اللوح صورة محسوسة فكما أنه إذا أخذ يرسم فيه نقشًا يتوجه عليه منع؛ بل لا يكون له معنى كذلك الحال فى صورة التحديد وأما الحكم بأن هذا حد وذاك محدود أو أن هذه الصورة لذلك المذكور فمن لوازمه ويتضح لك مما شرحناه أن احد مع المحدود ليس قضية فى الحقيقة وإن كان على صورتها فإن قلت قد اشتهر فى ألسنة العلماء أنا لا نسلم أنه حد لما حددتموه به فهذا منع عليه أجيب بأن الحد له مفهوم وما صدق عليه والمنع لا يتوجه على الثانى دون الأول ففى المثال المذكور لا يمنع كونه حيوانًا ناطقًا بل يمنع كونه حدًا له فإنه حكم لازم للتحديد يتوجه منعه.

قوله: (لكنه) اندفاع المنع على ما ذكر لا يستلزم انتفاء الاعتراض مطلقًا بل ربما يعارض بحد آخر يعترف به الحاد كما أشار إليه أولًا وصرح به ثانيًا، وفى قوله: العلم تمييز تنبيه على حد العلم المستفاد من التقسيم مع أدنى تغيير مفيد للتعميم، وفى قوله: فإن أحدهما لا بمنع الآخر بيان لانتفاء التناقض فى التصورات وإيماء إلى تعريف المتناقضات وما أوضحناه من أن الحد لا يمنع إنما هو فى الحد الحقيقى والرسمى أيضًا لانتفاء الحكم فيهما وأما التعريف اللفظى سواء كان بالمفردات أو ما فى حكيها فمآله التصديق بأن هذا مفهومه لغة أو شرعًا فيقبل المنع وطلب البرهان الذى هو النقل، وقوله: فقط متعلق بعامل الظرف أى أن هذا كله حاصل له فى زمان قصد الإفادة فقط، وفى قوله: صار حكمًا يمنع إشارة إلى أن المنع يتوجه على الحكم وأن لا حكم فى صورة التحديد.

ص: 314

المصنف: (ولا يحصل الحد بالبرهان) ظاهره امتناع تحصيله فى نفسه بالبرهان ولكن الدليل الأول يقتضى منع ثبوته للمحدود بالبرهان والثانى محتمل لكل من الأمرين كما سيقول المحشى.

المصنف: (لكان مستلزمًا لعين المحكوم عليه) أى لأنه مستلزم للحد والحد عين المحدود وإذا استلزم عين المحكوم عليه لزم ثبوت الشئ لنفسه فهو الثابت بالبرهان مع أنه بين لا يحتاج إلى برهان لأنه متى تصور ثبوت الشئ لنفسه جزم به بلا توقف على شئ وفيه أيضًا تحصيل حاصل لأن إقامة البرهان على ثبوت الشئ لنفسه تقتضى تصور ذلك ومتى تصور ذلك حكم بذلك الثبوت فيكون الحكم بالثبوت حاصلًا قبل البرهان فحصوله بالبرهان تحصيل للحاصل ولا يقال على هذا الوجه: يلزم الدور كالوجه الثانى لأن الحكم بالثبوت وإن كان لازمًا يتصور ثبوت الشئ لنفسه لكن البرهان إنما يتوقف على الملزوم لا اللازم.

المصنف: (ولأن الدليل يستلزم تعقل. . . إلخ) إن حمل على أنه دليل على امتناع تحصيل الحد فى نفسه بالبرهان فيكون معناه أن الدليل يتوقف على تعقل الحد الذى يستدل عليه فلو دل على تعقله كان دورًا وإن حمل على أنه دليل على امتناع ثبوت الحد للمحدود بالبرهان إن كان معناه أنه لا بد من تصور المحدود من حيث الحد والدليل إذا دل على ثبوت الحد للمحدود فقد دل على تعقل الحدود لأن تعقله مستفاد من ثبوت الحد للمحدود فجاء الدور.

المصنف: (على حصول النسبة) أى على أنها حاصلة وقوله: أو نفيها أى على أنها ليست حاصلة.

التفتازانى: (أما أولًا فلأن حقيقة الحد. . . إلخ) هو الأول فى كلام الشارح وفى كلام الصنف.

التفتازانى: (لا يتوقف على شئ بل يكفى فيه تصوره) يعنى لو فرض برهان لكان مفيد الشئ لا يتوقف عليه مع أن فيه تحصيل حاصل لأنه لا بد قبل الدليل من تصور ما يستدل عليه وإذا تصور ثبوت الحد للمحدود حكم بالثبوت من غير توقف على شئ فالحكم حاصل قبل البرهان فيكون الحاصل بالبرهان حاصلًا من قبل.

التفتازانى: (يلزم الدور) أى لأن ثبوت الحد للمحدود يستفاد منه تعقل المحدود.

ص: 315

التفتازانى: (واعترض بأنه. . . إلخ) الاعتراض الأول على التوجيه الأول والثانى على الثانى.

التفتازانى: (غير مطابق للمتن) أى لأن كلام المتن فى امتناع اكتساب تحصيل نفس الحد فى ذاته لا من حيث ثبوته للمحدود فيه أن الوجه الأول يفيد أن الكلام فى امتناع اكتساب ثبوت الحد للمحدود والثانى مكتمل للأمرين.

التفتازانى: (عدل عنه الشارح) فيه أن ما قاله الشارح فى الوجه الأول موافق لما قاله جمهور الشارحين وقوله: لكن حاصل تقريره أن تعقل حقيقة الحد. . . إلخ. مردود بأن حاصل تقريره الوجه الأول كما قرره جمهور الشارحين وحاصل تقريره الوجه الثانى وإن كان فى تحصيل الحد فى نفسه لكنه مثبت للدور خلافًا للسعد فى استدراكه المذكور.

قوله: (ليخالف الترجمة المعهودة فى هذه المسألة) هى أن الحد لا يكتسب بالبرهان.

قوله: (والوجه الأول يدل على امتناع. . . إلخ) يرد على التفتازانى بقوله: لكن حاصل تقريره. . . إلخ.

قوله: (وحاصل الأول) نقل عنه حاصله أن تعقل الحد هو تعقل حقيقة المحدود تفصيلًا والبرهان يقتضى محكومًا عليه ومحكومًا به يستلزم ثبوته له فلو تخلل بين الحد والمحدود فى الثبوت لكان مستلزمًا لعين المحكوم عليه الذى هو المحدود لأنه مستلزم للحد وهو نفس المحدود فلم يكن برهانًا وأنت تعلم أن هذا التقرير لا يناسب الشارح إذ يبقى قوله وفيه تحصيل الحاصل لغوًا. اهـ.

قوله: (يستلزم حصوله) أى حصول المطلوب.

قوله: (لنفسه) هذا ضرورى فى المعنى لأن الوسط حاصل للمحكوم عليه أعنى المحدود هنا ومستلزم للمطلوب أعنى الحد هنا الذى عبر عنه بعين المحكوم عليه والمقصود فى البرهان من ثبوت الوسط للمحكوم عليه ثبوت لازمًا له فلا يقتصر على ظاهر عبارة الشارح.

قوله: (فهو حاصل قبل البرهان) أى لكون الجزم لازمه لتصور النسبة.

قوله: (ولا يرد أنهما متغايران. . . إلخ) وذلك لأن كونهما متغايرين بالإجمال والتفصيل لا يمنع الاستغناء عن البرهان.

قوله: (ليجعل له ذريعة) إنما احتاج إلى هذا ليتم الدور لأن ما توقف عليه إقامة

ص: 316

البرهان هو تصور المحدود لا نفسه ولا ثبوته للحد قال السيواسى: وظنى أنه لا حاجة إليه لأنه إذا توقف إقامة البرهان على تصور المحدود بالحد فقد توقف على نفس الحد وعلى ثبوته للمحدود أيضًا لأن تصوره يتوقف على نفسه لكنه راعى تطبيق الكلام على ظاهر الدليل.

قوله: (كما فى الوجه الأول) راجع للمنفى.

قوله: (وأيضًا هو) أى الأول.

قوله: (مخصوص بالحقيقى التام) فإنه الذى يكون فيه ثبوت الحد للمحدود بينًا لا يحتاج إلى برهان.

قوله: (إلا إذا كان المحدود متصورًا بالكنه) أى لأن تصوره كذلك يكون بتصور جميع أجزائه وثبوت الجزء له بهذا المعنى بين لا يحتاج إلى برهان فلا فائدة للبرهان بل يمنع إقامته بل يلزم منه تحصيل الحاصل وأما إن تصور المحدود بالوجه كان ثبوت الحد الناقص له ليس بينًا فلا يقال فيه لا حاجة إلى برهان ولا يرد فى الحقيقى التام أن يقال: إن أجزاء الوجه الأول فيه أيضًا يتوقف على تصور المحدود بالكنه والإيجاز إثبات البرهان له لأن كون الحد حقيقيًا قاض بتصوره بالكنه.

قوله: (على اشتراط كونه لازمًا بينًا) لأنه إذا كان كذلك كان ثبوته له لا يحتاج إلى برهان بل يكفى فيه مجرد تصور النسبة بينهما.

قوله: (تطبيقه) أى الوجه الثانى.

قوله: (لكونه مركبًا تقييديًا) تعليل لإطلاق المفرد على الحد.

قوله: (لوجوب تصور المستدل عليه من حيث إنه مستدل عليه) أى: فليس الدليل كالحد يتوقف على تصور المحدود بوجه ما.

قوله: (وهذا أنسب) أى التقرير الثانى للوجه الثانى أنسب من التقرير الأول.

قوله: (من ترجمة المسألة) أى بقولهم: لا يكتسب الحد بالبرهان فإنه ظاهر فى أن نفس الحد لا يكتسب من البرهان لا ثبوته للمحدود.

قوله: (بما ذكر فى الجواب عن التصديق) حيث قال: بخلاف الحد فإن المطلوب تعقله لا ثبوته.

قوله: (والأول) أى التقرير الأول للوجه الثانى أنسب بالوجه الأول لأنه اعتبر فيه أن البرهان الممتنع على ثبوت الحد للمحدود لا على تعقل الحد وحصوله نفسه.

ص: 317

قوله: (وأيضًا تعقل الحد من قبيل التصور) أى فلا يستفاد من البرهان توجيه آخر للتقرير الأول وحاصله أن كون تعقل الحد لا يكتسب بالبرهان أمر واضح لا يحتاج إلى نص لأن تعقل الحد من قبيل التصورات فلا يكون طريقها البرهان وأما ثبوت الحد للمحدود فمن قبيل التصديقات فربما يتوهم أنه يحتاج إلى البرهان فدفع ذلك بأن الحد لا يكتسب يعنى ثبوته للمحدود بالبرهان.

قوله: (وأما الحكم بأن هذا. . . إلخ) جواب سؤال تقديره: كيف قلت: إن التحديد تصوير ونقش لصورة المحدود فى الذهن ولا حكم فيه مع أن الحاد مدع لكون الحد حدًا والمحدود محدودًا وأن هذه الصورة لهذا المذكور وإن كانت هذه الدعوى ضمنية وحاصل الجواب أن الكلام فى نفس الحد لا فيما يلزمه وهذا أيضًا دافع للسؤال الذى أورده بعد بقوله فإن: قلت لكن لما كان الحد صادقًا على أفراده وكان لمتوهم أن يتوهم أن منع أنه حد منع للحد المخصوص أورده وأجاب عنه بمغايرة مفهوم الحد لما صدق هو عليه.

قوله: (كما أشار إليه أولًا) أى بقوله: ألم تقل. . . إلخ.

قوله: (وصرح به ثانيًا) أى بقوله: واعلم أنه لا يعارض إلا بحد يعترف هو به ثم إن المعارضة المذكورة ليست المعارضة بالمعنى المشهور وهو إقامة دليل يدل على خلاف ما دل عليه دليل الخصم ثم هذه المعارضة هى معارضة نفس التعريف وسهلها اعتراف المعرف بالتعريف المعارض ولا يقال: كان حق الحد أن يمنع ويفسر المنع بغير المعنى المشهور كما فى المعارضة لأن الاعتراف سهل المعارضة بهذا المعنى بخلاف المنع فإنه لا يتأتى توجهه على الحد إلا على الحكم بأنه حد وذلك لا يسهل توجه المنع على نفس الحد فاندفع ما قيل: إن المعارضة بالمعنى المشهور غير متأتية فى الحد كالمنع وبالمعنى غير المشهور يماثلها المنع بالمعنى غير المشهور.

قوله: (المستفاد من التقسيم) أى فى قوله ما عنه الذكر الحكمى.

قوله: (مع أدنى تغير) حيث لم يعتبر ما عنه الذكر الحكمى.

قوله: (للتعميم) أى ليشمل ما ليس نسبة بخلاف ما عنه الذكر الحكمى.

قوله: (إلى تعريف المتناقضات) أى بأنها التى تتمانع.

قوله: (متعلق بعامل الظرف) أى: لا بالإفادة لئلا يفيد أنه قد يقصد أن ذلك مفهومه مع إفادة الماهية.

ص: 318

قال: (ويسمى كل تصديق قضية وتسمى فى البرهان مقدّمات والمحكوم عليه فيها إما جزئى معين أو لا الثانى إما مبين جزئية أو كلية أو لا صارت أربعة: شخصية وجزئية محصورة وكلية ومهملة كل منها موجبة وسالبة والمتحقق فى الهملة الجزئية فأهملت).

أقول: هذا أوان الفراغ من التصورات والشروع فى التصديقات وكل تصديق يسمى قضية وتسمى القضايا فى البرهان. أى إذا جعلت جزء قياس مقدّمات له ولا بد فيها من حكم بنسبة فيستدعى محكومًا عليه ومحكومًا به فالمحكوم عليه فيها إما جزئى معين أو لا والثانى إما أن يكون مبينًا جزئيته أى كون الحكم على بعض أفراده أو كليته أى كون الحكم على كل أفراده أو لا يكون مبينًا جزئيته ولا كليته صارت أربعة أقسام:

الأول: ما موضوعها جزئى معين نحو: زيد إنسان، وتسمى شخصية.

الثانى: ما ليس موضوعها جزئيًا معينًا وبين جزئيته نحو: بعض الإنسان عالم، وتسمى جزئية محصورة.

الثالث: ما ليس موضوعها جزئيًا معينًا وبين كليته نحو: كل جوهر متحيز، وتسمى كلية محصورة.

الرابع: ما ليس موضوعها جزئيًا معينًا ولم يبين جزئيته ولا كليته نحو: الإنسان فى خسر، وتسمى مهملة.

والمتحقق فيها الجزئية لأنها متحققة سواء كانت جزئية أو كلية إذ الجزئية لا يعتبر فيها عدم الكلية بل أن لا يتعرض لها فلذلك أهملت ولا يذكر فيها البعض للاستغناء عنه.

قوله: (وكل تصديق يسمى قضية) قد سبق أن التصديق نوع من العلم وكثيرًا ما يطلق على ذلك النوع مع ما يتوقف هو عليه من التصورات وكثيرًا ما تطلق التصورات والتصديقات على المعلومات التصورية والتصديقية إطلاقًا للمصدر على المفعول، أو تسمية للمحل باسم الحال فبهذا الاعتبار كان كل تصديق قضية وإلا فالتصديق تعقل أحد أجزاء القضية.

قوله: (أى إذا جعلت جزء قياس) إشارة إلى أن المراد بالبرهان مطلق القياس

ص: 319

إطلاقًا للخاص على العام.

قوله: (والمتحقق فيها الجزئية) فإن قيل المهملة بمقتضى تقسيمه تتناول الطبيعة مثل: الإنسان نوع والحيوان جنس ولا تتحقق فيها الجزئية إذ ليس الحكم على بعض الأفراد قلنا كأنه لم يعتد بها لعدم اعتبارها فى العلوم وأشار بقوله: لم يبين جزئيته ولا كليته إلى أن المهملة ما فيها جزئية أو كلية لكنها غير مبينة.

قوله: (إذ الجزئية) دفع لما يتوهم من أن الجزئية والكلية بمقتضى التقسيم متقابلان فكيف يجتمعان؟ يعنى أن تقابلهما إنما هو باعتبار عارض التعرض والبيان للكلية والجزئية وأما باعتبار الذات فالجزئية أعم وظاهر عبارته مشعر بأن المعتبر فى الجزئية عدم التعرض للكلية وليس كذلك، بل لا بد من التعرض للجزئية وبيان أن الحكم على بعض الأفراد.

قوله: (فلذلك أهملت) إشارة إلى أنها سميت مهملة لإهمال السور وعدم ذكره فيها بناء على أن المتحقق فيها الجزئية، وما قيل إن تحقق الجزئية فيها واحتمال الكلية إنما هو بسبب إهمال السور وعدم بيان الكلية والبعضية فكيف يعلل الإهمال بذلك ممنوع وقد يقال سميت مهملة؛ لأنها أهملت ولم يبين أحكامها من التناقض والعكوس استغناء عنها بذكر الجزئية.

قوله: (وكل تصديق يسمى قضية) التصديق يطلق على أحد قسمى العلم كما مر وعلى المعلوم أى المصدق به ولا أعنى به متعلقه بالذات لأنه وقوع النسبة أو لا وقوعها بل ما يتركب منه ومن غيره وهو القضية ومن ههنا نشأ توهم من قال: إن التصديق بالمعنى الأول هو المجموع المركب من التصورات والحكم ومنهم من جعله بذلك المعنى مرادفًا للقضية فزعم أن القضايا والمسائل والقوانين والمقدمات كلها عبارات عن العلوم لا المعلومات وتحقيق المقام أنك إذا قلت: زيد كاتب مثلًا وأدركت معناه فههنا لفظ هو القضية الملفوظة ومدرك مركب من الطرفين والنسبة مع وقوعها وإدراك متعلق به فذهب الإمام الرازى ومن تبعه إلى أن التصديق الذى ينقسم العلم إليه وإلى التصور هو مجموع الإدراكات المتعلقة بتلك المدركات وذهب الأوائل إلى أنه إدراك الوقوع واللاوقوع على ما هو المشهور فالقضية المعقولة تطلق على ذلك المدرك المركب، أما أولًا فلأنها عبارة عما يفهم من القضية

ص: 320

الملفوظة ومدلولها المتبادر منها إلى الأذهان هو ذلك المدرك، وأما ثانيًا فلأنهم يقولون: عملت هذه القضية أو المسألة وأدركتها وفهمتها ولا يعنون العلم بتلك الإدراكات بل المدركات، وأما ثالثًا فلوصفهم إياها بالعقولة فإن قلت: المدرك لا يوصف بالصدق أو الكذب والقضية توصف بهما قلت: إن أريد بهما التحقق وعدمه فهما وصفان له وإن فسرا بمطابقة نفس الأمر وعدمها جاز وصفه بهما على معنى أن المدرك من حيث هو مدرك إما مطابق له من حيث نفسه أو لا والحكم الذى جعل جزءًا للقضية هو وقوع النسبة أو لا وقوعها لا إدراكهما، وقوله: ولا بد فيها من حكم بنسبة محمول على هذا أى حكم متعلق بها أو يراد به أنه لا بد فيها من حيث إنها معقولة حاصلة فى الذهن من حكم بنسبة.

قوله: (أى إذا جعلت جزء قياس) يعنى أطلق البرهان وأراد القياس إطلاقًا للخاص على العام وعلى هذا فالتسمية لا تتناول القضايا المستعملة فى الاستقراء والتمثيل وإن حمل البرهان على الدليل مطلقًا تتناولها أيضًا.

قوله: (إما جزئى معين) أى مشخص قيده بالتعين ليعلم أن المراد بالجزئى الحقيقى لا الإضافى.

قوله: (وتسمى مهملة) هذا إذا كان الحكم على ما صدق عليه الكلى وفى قولهم: موضوع المهملة كلى لم يتبين جزئية ولا كلية إشارة إلى ذلك إذ يتبادر منه أن هناك كلية أو جزئية لم يتعرض لبيانها، وأما إذا حكم على طبيعته كقولنا الإنسان نوع فلا يتصور الحكم بكلية ولا جزئية ولا تسمى مهملة بل طبيعية.

قوله: (والمتحقق فيها) أى المتيقن المقطوع به فى الهملة الجزئية لا الكلية لتحققها على التقديرين اللذين لا محتمل لها غيرهما دون الكلية لانتفائها على أحدهما وإنما تحققت عليهما لأن الجزئية لا يعتبر فيها عدم الكلية لتكون مباينة لها فى تحققها؛ بل ما هو أعم منه وهو أن لا يتعرض لها فإنه لازم لمفهوم الجزئية، وهو أن الحكم على البعض مطلقًا فيتقابلان مفهومًا وتكون الجزئية أعم منها تحققًا.

قوله: (فلذلك) أى فلأن الجزئية متحققة على تقدير كون المهملة جزئية وكلية ولم يعتبر فيها ما ينافى تحقق الكلية فصارت مقطوعًا بها وحدها أهملت القضية عن السور عند إرادتها، ولم يصرح بذكر البعض استغناء عنه وحاصله أن إفادة

ص: 321

الحكم الجزئى وحده لها طريقان: أن يصرح بذكر سوره فيفهم مطابقه، وأن يترك السور رأسًا فيعلم تحققه عقلًا، فالمقصود فى الجزئية لا يتوقت على التصريح بالبعض فيستغنى عنه فى إفادته وإن اختلف فيهما جهة الدلالة عليه وحمل الإهمال على ترك ذكرها فى الأحكام لا يناسب المقام.

التفتازانى: (وكثيرًا ما يطلق على ذلك النوع مع ما يتوقف عليه) هو ما ذهب إليه الإمام الرازى.

التفتازانى: (فالتصديق تعقل أحد أجزاء القضية) أى التصديق الذى هو أحد قسمى العلم وهذا على رأى الأوائل.

التفتازانى: (وأشار بقوله. . . إلخ) أى فلا تتناول المهملة الطبيعية وتركها من التقسيم لا يضر لأنها ليست معتبرة فى العلوم.

التفتازانى: (وليس كذلك) مردود بأنه كذلك ولعل كلامه فى الجزئية الاصطلاحية فيتم.

التفتازانى: (بل لا بد. . . إلخ) ليس كذلك.

التفتازانى: (وما قيل إن تحقق الجزئية. . . إلخ) قائله الأصفهانى وهو مردود بأن تحقق الجزئية ليس لإهمال السور بل لأن الحكم على البعض مطلقًا يقتضى تحقق الجزئية.

التفتازانى: (لأنها أهملت ولم تبين أحكامها. . . إلخ) رده السيد بأنه غير مناسب للمقام.

قوله: (بذلك المعنى) أى أحد قسمى العلم.

قوله: (مجموع الإدراكات المتعلقة بتلك المدركات) أى وعلى هذا فالحكم إدراك وهو أحد رأيى الإمام.

قوله: (على ما هو المشهور) هو الحق لأن المقصود من تقسيم العلم أن يبين أن لكل قسم طريقًا يوصل إليه وإدراك الوقوع أو اللاوقوع هو الممتاز عن جميع ما عداه من الإدراكات بأن له طريقًا خاصًا فى الاكتساب وهو الحجة وجميع ما عداه له طريق آخر وهو القول الشارح ولا معنى لضم بعض ما عداه إليه وجعله قسمًا برأسه كذا نقل عنه.

ص: 322

قوله: (مطابق له من حيث نفسه) أى فالمطابق والمطابق اختلافًا اعتبارًا فطرفا القضية ونسبتها والوقوع أو اللاوقوع باعتبار كونه مدركًا فى الذهن تطابق نفسها من حيث ذاتها كما قالوا: إن الحكم فى القضية إذا كان هو الوقوع أو اللاوقوع يحتمل المطابقة باعتبار كونه فى الذهن له بقطع النظر عن ذلك.

قوله: (والحكم الذى جعل. . . إلخ) جواب عن استدلالهم على أن القضية علم لا معلوم بأن الحكم هو الإدراك وقد جعل جزءًا من القضية وظاهر أن الإدراك لا يكون جزءًا من المدرك بل إنما يكون جزءًا من الإدراكات والعلوم فتكون القضية عبارة عن الإدراكات الأربعة التى من جملتها الحكم، وحاصل الجواب أن الحكم يطلق أيضًا على الوقوع واللاوقوع وهو جزء من المدرك لا من الإدراك.

قوله: (محمول على هذا) أى الوقوع واللاوقوع.

قوله: (أو يراد به أنه لا بد فيها. . . إلخ) والحكم على هذا بمعنى إدراك الوقوع أو اللاوقوع ولكن لم يجعل جزءًا من القضية إذ المعنى لا بد منه فى كون القضية معقولة حاصلة فى الذهن لا أنه لا بد منه فى نفسها.

قوله: (بل طبيعية) أى وتركها من التقسيم لعدم اعتبارها فى العلوم.

قوله: (فإنه لازم) أى عدم التعرض لازم.

قوله: (وإن اختلف فيهما جهة الدلالة عليه) أى فعند التصريح بالسور تكون الدلالة مطابقية وعند عدمه تكون التزامية عقلية.

قوله: (لا يناسب المقام) قال فى حاشية الحاشية: لأن المقام يقتضى بيان جهة التسمية أى وما قاله التفتازانى صريح فى أن إهمالها أى ترك ذكرها فى الأحكام إنما هو للاستغناء عنها بذكر الجزئية فى الأحكام وكونها فى قوتها وظاهر أن هذا لا يصلح جهة للتسمية فلا يكون مناسبًا للمقام من بيان جهة التسمية.

ص: 323