المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌طريقة تنظيم الكتاب - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ١

[عضد الدين الإيجي]

الفصل: ‌طريقة تنظيم الكتاب

وحاشية مولانا حسن بن عبد الصمد السامسونى تلميذ بالى باشا تنتهى إلى حيث تنتهى حاشية ابن الأفضل أولها: أحمدك اللهم يا أهل الحمد والثناء. . . إلخ، ذكر أنه صنفها وأهداها إلى السلطان محمد خان.

وحاشية علاء الدين على الطوسى المتوفى سنة 887 سبع وثمانين وثمانمائة بسمرقند.

وعلى حاشية السيد حاشية للمولى مصلح الدين مصطفى القسطلانى المتوفى سنة 862 هـ.

وحاشية للمولى حميد الدين بن أفضل الدين الحسين المتوفى سنة 908.

وحاشية للمولى يعقوب باشا خضر بك المتوفى سنة 891 هـ.

وعلى شرح العضد حاشية لبدر الدين محمد بن محمد بن خطيب الفخرية الشافعى المتوفى سنة 893 هـ، وغيرها

(1)

.

* * *

‌طريقة تنظيم الكتاب

لقد اعتمدنا فى تحقيق هذا الكتاب على طبعة الأميرية ببولاق سنة 1316 هـ.

وقد وضعنا مختصر المنتهى وشرح العضد فى أول الصفحة، ويليه حاشية التفتازانى، ثم حاشية الجرجانى، ثم حاشية الهروى، ثم حاشية الجيزاوى.

تنبيه: تنتهى حواشى الجرجانى والهروى على ما سنبين وهو قبيل مسألة: يجوز أن يحرم واحد لا بعينه، واللَّه الموفق الهادى.

طالب العلم

محمد حسن محمد حسن إسماعيل

(1)

انظر كشف الظنون لحاجى خليفة [2/ 1853 - 1857].

ص: 14

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه الذى برأ الأنام، وعمهم بالإكرام والدعوة إلى دار السلام وخص من شاء بمزايا الإنعام والتوفيق لدين الإسلام.

والصلاة والسلام على سيد الأواخر والأوائل المبعوث من أشرف الأرومات وأكرم القبائل بأبهر المعجزات وأظهر الدلائل الموضح للسبل الخاتم للأنبياء والرسل وعلى آله الطاهرين وأصحابه أجمعين.

(وبعد) فإن من عناية اللَّه تعالى بالعباد أن شرع الأحكام وبين الحلال والحرام سببًا يصلحهم فى المعاش وينجيهم فى العاد ولما علم كونها متكثرة وأن قوتهم قاصرة عن ضبطها منتشرة ناطها بدلائل وربطها بأمارات ومخايل ورشح طائفة ممن اصطفاهم لاستنباطها ووفقهم لتدوينها بعد أخذها من مأخذها ومناطها.

وكان لذلك قواعد كلية بها يتوصل ومقدمات جامعة منها يتوسل أفردوا لذلك علمًا سموه "أصول الفقه" فجاء علمًا عظيم الخطر محمود الأثر يجمع إلى العقول مشروعًا ويتضمن من علوم شتى أصولًا وفروعًا وقد صنفت فيه كتب معتبرة وألفت زبر مطوّلة ومختصرة وأن المختصر للإمام العلامة قدوة المحققين جمال الملة والدين أبى عمرو عثمان بن الحاجب المالكى تغمده اللَّه بغفرانه يجرى منها مجرى الغرّة من الكمت والقرحة من الدهم والواسطة من العقد وقد رزق حظًا وافيًا من الاشتهار، فاستهتر به الأذكياء فى جميع الامصار أى استهتار وذلك لصغر حجمه وكثرة عمله ولطافة نظمه ولكنه مستعص على الفهم لا يذل صعابه ولا تسمح قرونته لكل ذى علمه وقد شرحه غير واحد من الفضلاء واشتغل بجله جمّ غفير من فحول العلماء فأبرزوا جلائل الأسرار من أستاره وقد بقيت الدقائق واجتلوا الجلىّ من حقائق معانيه واحتجبت عنهم حقائق وإنى ممن شعفت به وقد وكلت فكرى على حل ألفاظه ومعانيه وصرفت بعض عمرى إلى تلخيص مقاصده ومبانيه حتى لم يخف علىّ منها خافية وتنبهت من الفوائد الزوائد على جملة كافية ولا زال أصحابى المشاركون لى فى البحث عن فرائده وأسراره والكشف عن خرائده وأبكاره يلتمسون منى أن أشرحه فأتعلل وأستعفى وهم يكررون الاقتراح ويأبون

ص: 15

إلا الإلحاح فأتسلل وأستخفى حتى صار فعالى مظنة للضنة أو الكسل فعيت بى العلل وضاقت بى الحيل فأسعفتهم بذلك وأمليت عليهم شرحًا لم أدّخر فيه نصحًا ولم آل فى تحريره جهدًا وقد راعيت شريطة الاقتصاد فيما أمل وتجافيت عن طرفيه لكى لا يخل ولا يمل واللَّه أسأل أن ينفع به ويجعله وسيلة إلى الرحمة والغفران وهو المستعان وعليه التكلان.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

الحمد للَّه الذى وفقنا للوصول إلى منتهى أصول الشريعة الغراء، وشرح صدورنا بنور الاهتداء إلى سلوك محجتها البيضاء، والصلاة على سيدنا محمد خير الرسل وخاتم الأنبياء وعلى آله وأصحابه هداة السبل إلى النجاة يوم الجزاء.

وبعد: فكما أن المختصر للشيخ الإمام جمال الملة والدين ابن الحاجب خصه اللَّه من الكرامة بأعلى المراتب، يجرى من كتب الأصول مجرى الغرّة من الكمت بل الدرة من الحصى والواسطة من العقد لا الفقرة من الجمل، كذلك شرحه للعلامة المحقق والنحرير المدقق عضد الملة والدين أعلى اللَّه درجته فى عليين يجرى من الشروح مجرى العذب الفرات من البحر الأجاج بل عين الحيات من ينابيع الفجاج، ويلوح خلالها كأنه بدر مضئ بين الأجرام أو كوكب درى توقد فى الظلام لم ير مثله فى زبر الأولين ولم يسمح بما يوازيه أو يدانيه فكر الآخرين، بل لم يحسب أن أحدًا يبلغ هذا الأمد من التحقيق أو بشرًا يسلك هذا النمط من التدقيق، هذا وقد استهتر به جمع من الحذاق وغدت هممهم ممتدّة الأعناق ساهرة الأحداق شوقًا إلى الاقتناء لذخائر كنوزه والاطلاع على أسرار رموزه، وكم راموا فى ذلك دليلًا يهديهم إلى سواء السبيل ويحظيهم من موارده بما يروى الغليل، فما نالوا إلا مغترفًا هو على ساحل التمنى مقيم ومعترفًا نظر نظرة فيها فقال: إنى سقيم ولعمرى إن الزمان بمثله لعقيم واللَّه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم، وكأنهم احتظوا منى فى بعض مظان اللبس ومواقع الارتياب بما يفيد المرام ويميط الحجاب، فالتمسوا تعليق حواش تزيل فضل القناع وتزيد طالبيه بعض الاطلاع وأنا لنكد الأيام ورمد الدهر أسوف الأمر من يوم إلى يوم ومن شهر إلى شهر.

ص: 16

تمر الليالى ليس للنفع موضع

لدى ولا للمعتفين ثواب

لما أنا فى زمان ليس فيه إلا ما يدهش العقول والألباب ويسلب المعقول إن أصاب، ترى العلم أعلام معاليه مشرفة على الانتكاس وآثار معانيه مؤذنة بالاندراس، والجهل رايات دولته خافقة العذبات وآيات نصرته واضحة البينات:

ولو أنى أعد ذنوب دهرى

لضاع القطر فيها والرمال

وقد صار تعللى هذا مظنة للضنة ومئنة للمنة، استخرت اللَّه وأخذت فى ضبط ما أحطت به من الفوائد ونظم ما جمحته من الفرائد وجل مرمى غرضى كشف الغطاء عما تحت عباراته من لطائف الاعتبارات وخفيات الإشارات، إلى حل الشكوك والشبهات والإيماء إلى ما على الشروح من الاعتراضات طاويًا كشح المقال عن الإطناب بتكثير السؤال والجواب وتحرير مقاصد الفصول والأبواب ونقل مباحث لا تتعلق بالكتاب، واللَّه سبحانه ولى المعونة والتوفيق ومنه الهداية إلى سواء الطريق وهو حسبى ونعم الوكيل.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

قوله: (الحمد للَّه) أردف التسمية بالتحميد فى مفتتح الكلام اقتفاء لما ورد فى الأخبار واقتداء بطريق الأخيار وأداء لبعض حقوق ما استقر فيه من ضروب الإحسان التى من جملتها التوفيق لمثل هذا التصنيف العظيم الشأن منبهًا للمتعلمين على انتهاج مناهج سننه واتباع مدارج سننه، وقد دل بـ "لامى التعريف والتخصيص على اختصاص الجنس المستلزم لاختصاص المحامد كلها تحقيقًا على قاعدة أهل الحق واختار اسم الذات المنبئ عن صفات الكمال ونعته بما يتفرع عليها من الأفعال إيماء إلى استحقاقه من جميع هذه الجهات غاية التعظيم ونهاية الإجلال، وساق الكلام مساقًا رشيقًا وأولاه لطفًا ونظمًا أنيقًا، فأشار أولًا بقوله: برأ الأنام إلى إفاضة الوجود على نوع الإنسان الذى هو أصل لسائر أصناف الأنعام، وثانيًا بقوله: وعمهم بالإكرام إلى الكمالات المتفرعة على وجودهم المشركة فيما بينهم كالعقل وتوابعه الميزة إياهم عما عداهم وقد لاحظ فيه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ} [الإسراء: 70]، وثالثًا بما اقتبسه من معنى قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25]، إلى ما يتفرع على الكرامة الدنيوية

ص: 17

ويتوسل به إلى السعادة الأخروية ثم نبه بقوله: وخص من شاء بمزايا الأنعام والتوفيق لدين الإسلام على النعم المخصوصة: فالأول يناسب الإكرام والثانى الدعوة إلى دار السلام مأخوذًا من قوله تعالى: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]، وكأن فى القرائن الأربع رمزًا إلى المقصود لفظًا ومعنى وما قيل من أنه أشير بعموم الإكرام والدعوة إلى أن إضافة الجمع وحذف المفعول فى الآيتين يفيدان تعميمًا وأن الكافر أيضًا مكلف بالفروع وأن العبد داخل فى الخطاب كالأحرار والنساء كالرجال وأريد بقوله: مزايا الأنعام ما خص المجتهدين من الاقتدار على استنباط الأحكام براعة للاستهلال فلا يخلو عن شائبة تكلف، وأما الدين فهو وضع إلهى سائق لأولى الألباب باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات ويتناول الأصول والفروع وقد يخص الفروع والإسلام هو هذا الدين المنسوب إلى محمد عليه السلام المشتمل على العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة فالإضافة بيانية ولما كانت هذه النعم مستمرة سنية أورد الحمد بجملة اسمية.

قوله: (والصلاة) كما أن للَّه عز شأنه علينا نعمًا لا يتصور إحصاؤها كذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم بهدايته لنا إلى سواء الصراط منن لا يمكن استقضاؤها فمن ثمة قرن تبجيله بالصلاة والسلام بتحميد اللَّه سبحانه وتعالى امتثالًا لأمره وقضاء لبعض حقه وأورد من صفاته ما يدل على حيازته قصبات السبق فى مضمار المآثر وتبرزه على الكل فى اقتناء المناقب والمفاخر، فقوله: على سيد الأواخر والأوائل، أى فى الفضل والكمال وصف له بحسبه، وقوله: المبعوث من أشرف الأرومات وأكرم القبائل يعنى هاشمًا وقريشًا نعت له بنسبه، وقوله: بأبهر العجزات وأظهر الدلائل، إشارة إلى وثاقة الحجج الدالة على نبوته واتضاحها ولما كانت الأمور الخارقة المقرونة بالتحدى معجزة لعجز الناس عن إتيان مثلها ودليلًا مرشدًا إلى النبوة من حيث الإعجاز كان كل ما هو أبهر فى الإعجاز أظهر فى الدلالة فلذلك أتبعه به، وقوله: الموضح للسبل، تنبيه على ما يتفرع على النبوة وهو غايتها أعنى: إيضاح السبل الموصلة إلى السعادة الأبدية.

قوله: (الخاتم للأنبياء والرسل) من صفات كماله عليه الصلاة والسلام حيث دل على أن الشريعة قد تمت بإرساله واستقرت فى نصابها فلا يحتاج إلى مؤسس آخر بل إلى من يحفظها وفى مجئ الصفات هكذا مسرودة بلا عاطف ههنا إيذان

ص: 18

باستقلال كل فى كونها صفة كمال على حيالها وقد زادها فخامة إبهام موصوفها، وأما تنسيق النعم السابقة فلأن معنى الجمع هناك أوقع وحيث كان آله وأصحابه رضوان اللَّه تعالى عليهم أجمعين مشاركين له فى هدايتنا بإبلاغ شريعته وحفظها أردفهم إياه، وقد أفيد أنه ضمن فى التحميد الإشارة إلى شرع الأحكام والأقدار على استنباطها لأنهما نعمتان منه تعالى وفى الصلاة إلى أدلتها مطلقًا فإن الكتاب أبهر المعجزات لبقائه على مر الدهور وأظهر دلائل الأحكام حيث لم يختلف فيه لغاية الظهور وإيضاح السبل يتناول السنة بأقسامها، وفيه إشارة إلى أن مدارك الأحكام مستندة إلى السماع، وذكر الآل والأصحاب إشارة إلى الإجماع ويندرج فيه بعض ما وقع فيه النزاع وأما القياس فحيث كان فرعًا للثلاثة ومظهر للحكم لم يفرد له ذكرًا.

قوله: (وبعد. . . إلخ) قد أشار فى هذا الكلام إلى فائدة أصول الفقه التى هى استنباط الأحكام وما يترتب عليها من الصلاح فى الدنيا والنجاة فى الآخرة؛ فظهر بذلك تعريفه وشرفه الباعث على الاعتناء بشأنه ثم ذكر من نعوت المختصر ما يستدعى زيادة الاهتمام لشأنه وأنه قد أحاط بما فيه خبرًا وأن أصحابه باقتراحهم لم يتركوا له عذرًا فتسبب الكل لتصنيف الكتاب بعد مساعدة التوفيق من العزيز الوهاب.

قوله: (كونها متكثرة) وذلك لأن الأحكام متعلقة بالحوادث الفعلية التى لا تكاد تنحصر فى عدد.

قوله: (ناطها) أى علقها (بدلائل) أى: حجج قطعية من الكتاب والسنة المتواترة والإجماع (وربطها بأمارات) مفيدة للمراتب العالية من الظنون (ومخايل) مفضية إلى الظنون الضعيفة كأنها خيالات، وفيه أن الظن يختلف قوة وضعفًا دون اليقين، وأنه مطلقًا كافٍ فى الأحكام العملية ولا يذهب عليك لطف استعمال النوط مع الدليل، والربط مع الأمارة.

قوله: (من مأخذها) أى الظنى (ومناطها) أى القطعى رعاية لما سبق وههنا بحث ينشأ من تفسير الأدلة فى تعريف الفقه بالأمارات وإنما وصف القواعد بالكلية؛ لأن مسائل أصول الفقه قواعد يندرج تحتها كليات؛ هى المسائل الفقهية المنطوية على جزئيات وجعل المقدمات أى: المبادئ جامعة لشمولها أمورًا متعددة ولقد أعجب

ص: 19

حيث ذكر مع القواعد الباء والتوصل، ومع المقدمات من والتوسل.

قوله: (أفردوا) جواب لما مقدرة على كان.

قوله: (عظيم الخطر) أى الشرف فى نفسه لتعلقه بالكتاب والسنة وما يئول إليهما، و (محمود الأثر) أى الفائدة لأنها الفقه فى الدين.

قوله: (يجمع إلى العقول) أى القياس، (مشروعًا) أى منقولًا وذلك لتوسطه بين المعقولات والمشروعات، (ويتضمن من علوم شتى) أى متفرقة، (أصولًا وفروعًا) أى مسائل يتفرع عنها غيرها، وأخرى تتفرع عن غيرها منتزعة من العلوم المتفرقة، أو يتضمن أصولًا وفروعًا هى بعض تلك العلوم، وعلى التقديرين فيه إيماء إلى المبادئ كما أن الأول إشارة إلى المسائل.

قوله: (والقرحة) هى البياض دون الغرة وكان ظهورها من السواد أكثر فلذلك خصها بالدهم يقال: استهتر فلأن على صيغة المجهول، أى أولع (لا يذل) أى: لا ينقاد من الذل بالكسر.

قوله: (صعابه) أى معانيه المشكلة المشبهة بالصعاب إما لدقتها أو لانغلاق عبارتها، (ولا تسمح) من باب الأفعال يقال: أسمحت قرونته، إذا ذلت نفسه وتابعته على الأمر.

قوله: (وقد بقيت الدقائق) أى معانيه التى لا تنال إلا بأنظار عميقة لم يبرزوا شيئًا منها واحتجبت عنهم حقائق فيها نوع خفاء ولهذا نكرها.

قوله: (شعفت به) أى جعلت حريصًا، وفى بعض النسخ شعف وهو الظاهر والأول محتاج إلى تقدير كما فى عبارة الكشاف استكبرت أم كنت ممن علوت أى منهم وقد ضمن وكلت معنى سلطت فعداه بـ "على" وأراد ببعض عمرى مدة معتدًا بها تعد بعضًا منه، والمقاصد هى المسائل، والمبانى هى الدلائل، والتنوين فى خافية إما للإفراد شخصًا أو للتقليل على ما يقتضيه المقام بحسب الادعاء.

قوله: (من الفوائد الزوائد) أى على ما أدركوه لا على الكتاب، (كافية) لمن أراد الوقوف على دقائقه، والخرائد جمع خريدة وهى الحيية من النساء مشبه بها المعانى الخفية فى الاحتجاب وعسر الوصول إليها، والإبكار إشارة إلى ما اختص بإدراكه من دقائقه وحقائقه التى لم يفترعها أحد قبله، والإقتراح السؤال بغير روية، والإلحاح المبالغة فيه.

ص: 20

قوله: (فعيت بى العلل) أى عجزت فلم تهتد إلى بوجه، تقول: عييت بالأمر، إذ لم تهتد لوجه أو أعجزتنى فلم أهتد إليها لأتمسك بها والأول أبلغ، وقوله: فيه، معمول لنصحًا أو لما يفسره يعنى: أن كل نصح يتعلق بالشرح من تضمين اللطائف فقد سمحت به، والألو التقصير وقد ضمن معنى المنع فعدى إلى مفعولين فى قولهم لا آلوك نصحًا، فالمفعول الأول ههنا محذوف نسيًا أو ضمن معنى الترك، والشريطة هى الشرط، والاقتصاد التوسط والإملال الإملاء وإيصال الملال وقد استعمله فيهما.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

الحمد للَّه الذى ظهر علينا بدلالته للفوز إلى السعادة أسباب ووصل إلينا بعنايته آيات محكمات هن أم الكتاب وعم نعماءه التى مطلق العبارة بعدم أدائها مقيد، وخص مزايا الآلاء بمن عنده مؤيد، والصلاة على من أنزل عليه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان محمد، سيد الأنام بالبيان ومبلغ الأحكام إلى يوم الإحسان وعلى آله الذين أقلعوا الضارلة بالإحراب واجتهدوا فى استنباط الأحكام من السنة وفصل الخطاب.

(وبعد) فإن الفواتح كلما اغتنمت أصولها من ينابيع الحمد ماء والتزمت فروعها من نسيم الصلاة نضارة ونماء أزهرت بإشراق ذكر من افتخرت به المفاخر والعلى واستوجب بإعلائه أعلام الحق علقًا أعلى وهو السلطان الذى رفرف بأجناح

(1)

السلطنة على السلاطين فى الأعصار ووضع يد المرحمة على رءوس المساكين فى الأمصار قد انطمس عند إحاطة فضائله طوق البيان السلطان الأعظم محمد بن مراد خان سد اللَّه ظل سلطنته وأدامه وملأ حياض عدله إلى يوم القيامة لا زال لطفه للمؤمنين فوزًا عظيمًا وقهره على الكافرين عذابًا أليمًا وثبت عضد الدنبا والدين بدولته قويّا لمن كان على التعظيم عليّا وبتوفيق وليّا.

(1)

قوله: بأجناح. هكذا فى الأصل والمسموع الموافق للقياس فى جمع جناح أجنحة. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 21

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فيقول أبو الفضل محمد الوراقى الجيزاوى: هذه تقريرات شريفة وتحقيقات منيفة علقتها على شرح مختصر ابن الحاجب العضدى وحاشيتى السعد والسيد عليه حال قراءتى كتاب ابن الحاجب بحاشيتيه المذكورتين المرة الثانية لتوضيح ما أشكل فهمه من ذلك مشيرًا إلى حاشية السيد بـ (قوله) أو (قدس سره)، وإلى حاشية السعد بـ (التفتازانى) أو (السعد)، واللَّه ولى التوفيق والسداد وعليه التوكل والاعتماد.

ص: 22

قال: (الحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله أجمعين، أما بعد: فإنى لما رأيت قصور الهمم عن الإكثار وميلها إلى الإيجاز والاختصار صنفت مختصرًا فى أصول الفقه ثم اختصرته على وجه بديع وسبيل منيع لا يصدّ اللبيب عن تعلمه صادّ ولا يردّ الأريب عن تفهمه راد واللَّه تعالى أسأل أن ينفع به وهو حسبى ونعم الوكيل وينحصر فى المبادئ والأدلة السمعية والترجيح والاجتهاد).

أقول: ينحصر المختصر أو العلم فى أمور أربعة:

الأول: المبادئ وهي ما لا يكون مقصودًا بالذات، بل يتوقف عليه ذلك وعدّها جزءًا من العلم تغليبًا لا يبعد.

الثاني: الأدلة السمعية؛ لأن المقصود استنباط الأحكام وإنما يكون منها لأن العقل لا مدخل له فى الأحكام عندنا.

الثالث: الترجيح إذ الأدلة الظنية قد تتعارض فلا يمكن الاستنباط إلا بالترجيح وهو بمعرفة جهاته.

الرابع: الاجتهاد وهو الاستنباط المقصود فلا بد من معرفة أحكامه وشرائطه.

واعلم أن الحصر فى مثله استقرائى، ومن رام حصرًا عقليًا فقد ركب شططًا إلا أن يقصد به ضبط يقلل من الانتشار ويسهل الاستقراء، فيقال ما يتضمنه الكتاب إما مقصود بالذات أو لا الثاني: المبادئ إذ لا بد أن يتوقف عليه المقصود بالذات وإلا فلا حاجة إليه أصلًا والأوّل لما كان الغرض منه استنباط الأحكام فالبحث إما عن نفس الاستنباط وهو الاجتهاد أو عما تستنبط هي منه إما باعتبار تعارضها وهو الترجيح أو لا وهو الأدلة السمعية.

قوله: (وينحصر) ذهب الجمهور إلى أن موضوع الأصول الأدلة السمعية لما أنه يبحث عن أحوالها من حيث إثبات الأحكام بها بطريق الاجتهاد بعد الترجيح عند التعارض، وبهذا الاعتبار كانت أجزاؤه مباحث الأدلة والاجتهاد والترجيح، ونظر بعضهم إلى أن من المباحث المتعلقة بالإثبات ما يرجع إلى أحوال الأحكام فجعل موضوعه الأدلة والأحكام وصارت الأبواب أربعة وقد جرت العادة بتصدير كتب الأصول بمباحث خارجة عن المقاصد المذكورة يسمونها المبادئ تكون جزءًا من

ص: 23

الكتاب دون العلم، فمن هنا ذهب جمهور الشارحين إلى أن ضمير ينحصر للمختصر دون العلم على ما ذكره الشارح العلامة الشيرازى؛ لأن المبادئ المذكورة من أجزاء الكتاب وليست من أجزاء العلم وجوزه الشارح المحقق بطريق التغليب حيث جعل الأمور التى أكثرها أجزاء للعلم أجزاء له، على أن من المبادئ ما هو أجزاء بالحقيقة كالتصورات والتصديقات المأخوذة منها مما منه الاستمداد فإطلاق المبادئ على الأمور المذكورة أيضًا تغليب، ويحتمل أن يكون بالمعنى اللغوي لأنه قد ابتدئ بها قبل الشروع فى المقاصد، ثم لا يخفى أن جعل الأمور المذكورة من أجزاء العلم أو المختصر ليس على ظاهره إذ الجزء هو التصورات والتصديقات أو المباحث المتعلقة بالأدلة السمعية مثلًا لا هى نفسها، وبهذا الاعتبار يندرج فى الأدلة السمعية نفى حجية قول الصحابي والاستحسان والمصالح المرسلة وفي الاجتهاد بحث التقليد والإفتاء والاستفتاء، وفي الترجيح حكم الوقف والتخيير وبهذا يظهر أنه لو جعل ضمير ينحصر لما يبحث فى المختصر أو العلم وكان حصر الكلى فى الجزئيات لم يبعد والأمدى جعل كتابه على أربع قواعد الأولى فى تحقيق مفهوم أصول الفقه وتعريف وضوعه وغايته ومسائله وما منه استمداده وتصوير مبادئه فأراد بالمبادئ ما هو المصطلح من التصورات والتصديقات التى ينبنى عليها المسائل ولم يتعرض المصنف لبيان موضوعية الومضوع لطول المباحث المتعلقة به مع كونه خارجًا عن العلم وأورد ما هو من أجزاء العلم أعنى تعريف ما هو الموضوع سنن الكتاب والسنة والإجماع والقياس كلًا فى بابه لشدة ارتباطه بالمسائل، وفسر الشارح الاستمداد على وجه يتناول ما هو من المقدمات أعنى بيان أنه من أى علم يستمد وبها هو من المبادئ أعنى التصورات التى تنبنى عليها المسائل.

قوله: (بل يتوقف عليه ذلك) أى المقصود بالذات يعنى أنه يفيد زيادة بصيرة فى تحصيله واقتدار عليه لا بمعنى امتناع التحصيل بدونه، للقطع بأن حد العلم وفائدته واستمداده ليست كذلك.

قوله: (لأن المقصود) أى الغرض الأصلى من الفن هو استنباط الأحكام وإلا فمقاصد الفتن مسائله.

قوله: (استقرائى) أى على تشبيه تتبع الأجزاء بتتبع الجزئيات، أو على أن الأمور المذكورة جزئيات للجزء وإن كانت أجزاء للعلم أو الكتاب، فكأنه قال كل

ص: 24

ما هو جزؤه فهو غير خارج عما ذكر لأن هذا الجزء ذاك وكذلك.

قوله: (فقد ركب شططًا) أى تجاوز حدًا لأنه لا ينحصر عقلًا ولا يتم بالترديد بين النفى والإثبات، إذ يرد المنع على الشق الأخير.

قوله: (ويسهل الاستقراء) بأن يضبط له جميع جزئيات ما هو جزء من العلم أو الكتاب من غير افتقاره إلى النظر فى تفاصيله.

قوله: (وإلا فلا حاجة إليه أصلًا) بمعنى أنه لا يفيد فائدة تتعلق بالمقصود فلا يناسب تصديره به، لما عرفت من أن توقفا المقصود على مثل هذه المبادئ واحتجاجه إليها ليس بمعنى امتناع حصوله بدونها، ولذا قال فى بيان مثل هذا الاحتياج ليكون على بصيرة فى طلبه ليزداد جد طالبه ونحو ذلك.

قوله: (ينحصر المختصر أو العلم) يعنى أن ضمير ينحصر إما أن يرجع إلى المختصر المدلول عليه بقوله: اختصرت، لا إلى المختصر المذكور لفظًا فإنه كتابه المسمى بالمنتهى الذي اختصره من الأحكام ثم اختصر هذا الكتاب منه، وإما أن يرجع إلى العلم أى أصول الفقه لتقدمه فى الذكر، وعلى التقديرين هو من تقسيم الكل إلى أجزائه وهو تفصيله وتحليله إليها فلا يصدق المقسم على أقسامه ضرورة أن الكل لا يحمل على الجزء من حيث هو جزؤه ويكون كل قسم داخلًا فى ماهية المقسم ويحتمل أن يقدر ما يتضمنه الكتاب أو العلم كما أشار إليه، فيجعل من تقسيم الكلى إلى جزئياته وهو أن يضم إليه قيود متباينة أو متخالفة غير متباينة فيتحصل بانضمام كل قيد قسم منه؛ فعلى الأول كان التقسيم حقيقيًا يتباين فيه الأقسام، وعلى الثاني اعتباريًا تتصادق فيه وأيًا ما كان ففيه ضم وتركيب، والمقسم صادق على أقسامه وهو جزء لمفهومها، فإذا جعل الضمير للمختصر وهو المختار لعدم الاحتياج إلى الاعتذار، ولأن الأنسب على الوجه الأخير تأخيره عن تعريف علم الأصول ونبه على ذلك بتقديمه أولًا والاقتصار عليه ثانيًا فلا إشكال لأن الأمور الأربعة أجزاء للمختصر وجزئيات لما يتضمنه وأما الخطبة فلا اعتداد بخروجها وإن جعل للعلم توجه ما قيل من أن مبادئ العلم بمعنى ما يتوقف عليه ذات الشئ المقصود منه أعنى التصورات والتصديقات التى يبتنى عليها إثبات مسائله قد تعد جزءًا منه، وأما إذا أطلقت على ما يتوقف عليه ذاتًا أو تصورًا أو

ص: 25

شروعًا كما فعله المصنف فليست بتمامها من أجزائه، فإن تصور الشئ ومعرفة غايته خارجان عنه ولا من جزئيات ما يتضمنه حقيقة لدخوله فيه قطعًا، وجوابه أن بعضها أعنى الاستمداد مع كثرته جزء منه وقد انضمت إلى الأجزاء الثلاثة فلا يبعد تغليبها عليها مجازًا، وما قيل من أنه فسر الشارح الاستمداد على وجه يتناول ما هو خارج عن العلم أعنى بيان أنه من أى علم يستمد، وما هو داخل فيه أعنى ما يبتنى عليه مسائله من التصورات والتصديقات فتوهم بل صرح بأن بيانه على قسمين إجمالى وتفصيلى، وما ظن من وجوب تقييد العلم بالمورد فى المختصر على تقدير رجوع الضمير إليه لجواز اشتماله على أهلية الموضوع فإن الموضوعات من أجزاء العلوم، وعلى الخاتمة فبعد ما يلزمه من ركاكة المعنى يرد عليه أن الأول داخل فى المبادئ بالمعنى المذكور وإن لم يذكر فيها كبعض المسائل فى سائر الأجزاء، وأما الخاتمة الخارجة عن الأربعة فليست جزءًا حقيقة ولا مثلًا له فى التوقف عليه.

قوله: (الثانى: الأدلة السمعية) يريد أن مباحثها المتعلقة باستنباط الأحكام الخمسة من الأجزاء لا الأدلة أنفسها فيندرج فيها أحكام المقبولة منها وهي خمسة؛ الأربعة المشهورة والاستدلال وأحوال المردودة منها وهي ما عداها وهكذا الاجتهاد نفسه ليس جزءًا من العلم أو الكتاب بل القواعد المتعلقة به وبما يقابله أعنى التقليد وبما يستندى إليهما كالإفتاء والاستفتاء وكذا الترجيح فإن الجزء أحكام يتعلق به أو بما يتوقف عليه من التعارض أو بما يعادله من الوقف والتخيير ولو جعلت هذه الألفاظ فى عبارة المتن كأنها أسماء لتلك المباحث لم يبعد.

قوله: (لأن المقصود استنباط الأحكام) أى المقصود بالذات من الفن حيث ذكر فيما وقع إزاء المبادئ المقصودة فى الجملة فما قيل من أنه علم آلى والغرض منه الاستنباط المذكور فيكون حصول ذاته وأجزائه مقصودًا بالذات أولًا وحصول غرضه مقصودًا ثانيًا كسائر ما له غاية، وفي جعل الاستنباط مقصودًا فى موضعين من هذا الفصل وغرضًا فى آخر وجعل ما يتضمنه الكتاب غير المبادئ أعنى المسائل مقصودًا بالذات تنبيه على ما ذكر فمع سقوطه فاسد فى نفسه، لا يقال: كون الاستنباط مقصودًا بالذات وغرضًا منه، يستلزم اتحاد غاية الشئ معه لأنا نقول: المقاصد قد تترتب فيكون أمر وسيلة إلى ثانٍ يتوسل به إلى ثالث فالوسط مقصود

ص: 26

بالذات نظرًا إلى أحد طرفيه ومقصود بالغير نظرًا إلى الآخر، كما أن مبادئ هذا الفن وسائل إلى مسائله التى هي ذرائع الاستنباط فصح جعله مقصودًا بالذات من العلم وهو ظاهر وغرضًا من القصود بالذات فيه الذي هو المسائل بالنسبة إلى المبادئ.

قوله: (لأن العقل لا مدخل له فى الأحكام عندنا) أى فى الأحكام الخمسة وما ينتمى إليها عند الأشاعرة؛ لابتنائه على قاعدة الحسن والقبح العقليين ولم يرد أن العاقل لا حكم له أصلًا، كيف وقد صرح بأن الأحكام قد تؤخذ لا من الشرع.

قوله: (إذ الأدلة الظنية قد تتعارض) لجواز تخلف مدلولاتها عنها ولا يمكن ذلك فى القطعيات فلو تعارضت يلزم اجتماع المتنافيات وقد أفاد بعضهم أن فى قوله: فلا بد من معرفة أحكامه وشرائطه، من أنه صواب دائمًا أو لا وماذا يعتبر فيه من العلوم، وقوله: وهو بمعرفة جهاته، دلالة على أن الاجتهاد والترجيح ليسا جزءًا من العلوم بل هو قواعدهما ولم يتعرض لمثله فى الأدلة اكتفاء.

قوله: (واعلم أن الحصر) الحصر إما عقلي مردد بين النفى والإثبات يجزم العقل بمجرد ملاحظة مفهومه بالانحصار، وإما استقرائى أى لا يكون كذلك فيستند انحصاره إلى التتبع والاستقراء سواء كان فى الجزئيات كانحصار الدلالة اللفظية فى الثلاث أو فى الأجزاء كانحصار الجسم المركب فى أجزائه من العناصر ولم يرد به ما يقابل التمثيل، والقياس إذ هو استدلال بأحكام الجزئيات على حكم الكلى، والمقصود من القسمة تحصيل الأقسام لا تعدية حكمها إلى مقسمها فإنها إنما تتصور بعد تحصيلها ومعرفة أحكامها فمن قال ذلك على تشبيه تتبع الأجزاء بتتبع الجزئيات، أو على أن الأمور المذكورة جزئيات جزء العلم أو الكتاب فكأنه قيل كل ما هو جزؤه فهو غير خارج عما ذكر، لأن هذا الجزء وذاك كذلك وتابعه غيره قائلًا يحتمل أن يراد ما هو المتعارف أى الاستدلال بالجزئى على الكلى، وأن يراد معناه لغة ليتناول الاستدلال بالأجزاء على الكل فقد ركب شططًا كمن رام حصرًا عقليًا، ثم وجه التتبع ها هنا أنه لما كان علمًا متوسطًا بين الأحكام وأدلتها فى الاستنباط فلا بد أن يتعلق بأحوالها وما ينتسب إليها من تلك الحيثية وقد استقرئت فلم يوجد غيرها مع جوازه عقلًا.

قوله: (إلا أن يقصد) كل قسمة استقرائية يمكن فيها الترديد بين النفى والإثبات

ص: 27

ابتداء فيقلل الانتشار ويسهل الاستقراء ويبقى القسم الأخير مرسلًا، (فيقال: ما يتضمنه الكتاب) أو العلم، (إما أن يكون مقصودًا بالذات) فى العلم (أو لا) الثاني إما أن يتوقف عليه أولًا، الثاني ساقط عن درجة الاعتبار استحسانًا إذ لا حاجة إليه فى نفس المقصود أصلًا وإن كان منه ما يعد خاتمة وتذييلًا، (والأول) أى المقصود بالذات، (لما كان الغرض منه استنباط الأحكام) فما يتوقف عليه هذا الغرض إما مباحث تتعلق بأحوال نفس الاستنباط أو لا، والثاني إما أحكام ما تستنبط هي منه باعتبار تعارضها أو لا، وهذا الأخير يحتمل قسمين أحوال الأدلة باعتبار تعارضها، وما ليس كذلك وله مدخل فى الاستنباط غايته أنه لم يوجد ولو قيل: ما يتضمنه الكتاب إما أن لا يكون مقصودًا بالذات بل يتوقف عليه ذلك أو لا يكون كذلك، والثاني إما أن يكون مباحث الاستنباط. . . إلخ. لخرج المبادئ وحدها ويبقى الإرسال فى القسم الأخير وكان أشبه بالحصر العقلى، وإن كان بها ذكره أوضح فى التفهيم ثم إن أحوال الاجتهاد والترجيح راجعة فى الحقيقة إلى الأدلة السمعية فالمقصود بالذات أحوالها من حيث دلالتها على الأحكام إما مطلقًا، وإما باعتبار تعارضها أو استنباطها منها، فتكون هى موضوع هذا العلم ومنهم من قال: هو الأدلة مع الاجتهاد والترجيح نظرًا إلى الظاهر، وذهب بعض العلماء إلى أن الموضوع هو الأدلة السمعية والأحكام إذ قد يبحث فيه عن أعراض الحكم أيضًا مثل أن الوجوب موسع أو مضيق، وعلى الأعيان أو على الكفاية إلى غير ذلك، ورد بأن مرجعه بأن الأمر مثلًا يدل على الوجوب الموسع أو المضيق، وإذا عرف أحوال الأدلة الإجمالية على الوجه الكلى من الجهات المذكورة احتيج فى استنباط الأحكام من الأدلة التفصيلية إلى استخراج أحوالها الجزئية المندرجة تحت القواعد الكلية كسائر الفروع من أصولها.

قوله: (ينحصر المختصر أو العلم) إذا وقع المختصر مقسمًا فالأقسام الأربعة معان مخصوصة مذكورة فى الكتاب، وإن وقع العلم مقسما فالأقسام الأربعة معان بعضها مذكور فى الكتاب كما سيجيء التصريح بذلك ومن جعل الأقسام الأربعة فى كل من تقسيم المختصر والعلم تلك المعانى المذكورة فى الكتاب من غير فرق بين أن يكون القسم مختصرًا أو بين أن يكون علمًا فقد ظن وجوب تقييد العلم

ص: 28

بالمورد فى المختصر ليحصل الانحصار.

قوله: (ضرورة أن الكل لا يحمل على الجزء من حيث هو جزؤه) هذه الحيثية مانعة من صحة الحمل بين الكل والجزء سواء كان الكل محمولًا أو موضوعًا ومع قطع النظر عن تلك الحيثية قد يتحقق صدق الكل وحمله على جزئه، ولذا قيد قوله: فلا يصدق على أقسامه بهذا القيد وإنما أعتبر هذا المانع فى تقسيم الكل إلى أجزائه وحكم بأن المقسم فى هذا التقسيم لا يصدق على أقسامه ولم يعتبره فى تقسيم الكلى إلى جزئياته مع أن ذلك المانع متحقق هنا أَيضًا إذ المقسم جزء من أقسامه فى هذا التقسيم؛ لأن تقسيم الكل إلى الأجزاء يلاحظ فيه الأجزاء من حيث هي أجزاء فالحيثية المذكورة معتبرة فى هذا التقسيم بخلاف تقسيم الكلى إلى جزئياته.

قوله: (ولأن الأنسب على الوجه الأخير) فيه نظر لأنه إذا جعل الضمير راجعًا إلى العلم يجب التوسع فى لفظ العلم على وجه يتناول الأشياء الأربعة بتمامها ليصح الانحصار وبعدما وقع التجوز فى لفظ العلم صار تعريف العلم جزءًا من قسيمه الذي هو جزء منه ولا خفاء فى أن قوله: وينحصر. . . إلخ. خارج عن العلم يذكر قبل الشروع فى الأجزاء ليحصل الضبط والبصيرة من هذا الوجه تأخير تعريف العلم أنسب وأيضًا العلم المنقسم لها معنى مجازى والتعريف للعلم المستعمل فى معناه الحقيقى فلو قدم التعريف على التقسيم يفهم منه أن التقسيم للعلم بالمعنى الحقيقى وصار فهم المعنى المجازى ضعيفًا فالعلة الظاهرة لكون الوجه الأول مختارًا هو عدم الاحتياج إلى الاعتذار.

قوله: (ذاتًا أو تصورًا أو شروعًا) فإن قلت المناسب أن يقول: ما يتوقف عليه ذاتا أو شروعًا لأن تصور العلم والتصديق بفائدته يكونان من مقدمات الشروع فينبغى أن يجعل مبادئ العلم قسمًا ومبادئ الشروع قسمًا آخر قلت: هذا التفصيل مناسب لما فعل المصنف من تقسيم المبادئ إلى ثلاثة أقسام.

قوله: (وما قيل) مرتبط بقوله: وجوابه أن بعضها مع كثرته جزء منه وحاصل الدفع أن الاستمداد الذي هو عبارة عن التصورات والتصديقات المخصوصة قد يكون بيانها على الإجمال وقد يكون على التفصيل ولا تعدد فى نفس الاستمداد بل فى بيانه.

ص: 29

قوله: (من ركاكة المعنى) وذلك لأن العلم عبارة عن الفن الذى هو علم الأصول، وإذا قيد علم الأصول بالمورد فى المختصر صار تقدير الكلام هكذا وينحصر الأصول المورد فى المختصر، وهذه العبارة بعد إطلاق الأصول على بعضه فى زعم هذا القائل مشعرة بأن المصنف أورد من الأصول بعضًا هو الأمور الأربعة وترك بعضًا آخر غير مندرج تحت تلك الأربعة ولا يخفى ركاكة ذلك.

قوله: (حيث ذكر فيما وقع بإزاء المبادئ) يعنى أن الاستنباط قد وقع مقابلًا فى ظاهر العبارة وهذا الظاهر وهو المعتبر فى الأحوال المذكورة هنا فإذا قيل: الرابع الاستنباط يراد أن الجزء الرابع هو الاستنباط وما ثبت له من كونه مقصودًا ثابت للجزء الذى هو مقابل للمبادئ فهو ليس إلا بالذات فقوله أى المقصود بالذات من الفن مشتمل على قيدين أحدهما: قوله بالذات وهو حاصل من المقابلة والآخر: من الفن وهو بالنظر إلى الواقع وما فى نفس الأمر.

قوله: (فما قيل) حاصل هذا القول أن علم الأصول مقصود بالذات فى نفس الأمر والاستنباط الذى هو غرض منه مقصود بالعرض فى نفس الأمر، والشارح جعل الاستنباط مقصودًا بالعرض موافقًا لما فى نفس الواقع حيث جعله مقصودًا فى موضعين وغرضًا فى آخر وجعل المسائل مقصودًا بالذات، وحاصل الدفع أن الشارح لم يجعله مقصودًا بالعرض وجعله مقصودًا وغرضًا لا يستلزم ذلك وكذا كون المسائل مقصودًا بالذات بل جعله مقصودًا بالذات لما تبين قال بعض الأفاضل: الواقع بإزاء المبادئ هو مباحث الأدلة والاجتهاد والترجيح وهذا يدل على أن مباحث الاجتهاد مقصودة بالذات، والمراد منه فى قوله: لأن المقصود استنباط الأحكام نفسه وكون مباحثه مقصودة بالذات لا يستلزم كون نفسه كذلك ولو سلم فيجوز أن يكون الاستنباط مقصودًا بالذات، وأولًا نظرًا إلى المبادئ وهذا لا ينافى كونه مقصودًا بالعرض وثانيًا نظر إلى حصول ذات العلم وأجزائه كما يرشد إليه جواب السؤال الذى ذكره بعد ذلك، فظهر أن الساقط ليس كلام ذلك القائل هذا كلامه ولا يخفى ما فيه من الضعف لأن المحشى قد نظر إلى ظاهر العبارة وحكم بالمقابلة بين المبادئ والاستنباط ولم يقل لأن كون الاستنباط مقصودًا بالذات وأولًا نظرًا إلى المبادئ ينافى كونه مقصودًا بالعرض وثانيًا نظرًا إلى حصول ذات العلم وأجزائه بل قال: قد جعل الشارح الاستنباط مقصودًا بالذات

ص: 30

باعتبار المقابلة وقال ذلك القائل جعله مقصودًا بالعرض وأيضًا لا يخفى عليك أن ما هو مقصود بالذات بالنظر إلى شئ ومقصود بالعرض بالنظر إلى شئ آخر هو الذى يكون شئ وسيلة إليه وهو وسيلة إلى شئ آخر وما يكون كذلك هو المسائل لا الاستنباط.

قوله: (ولم يتعرض لمثله فى الأدلة اكتفاء) لأنه ذكر لتوجيه كون الأدلة جزءًا من العلم نفس الأدلة فى قوله: لأن المقصود استنباط الأحكام، وإنما يكون منها ولم يذكر فى ذلك شيئًا يتعلق بها على وجه يحصل مضمون القواعد المتعلقة بالأدلة بخلاف الاجتهاد والترجيح فمن كتب الحاشية التى هى قوله: فيه مناقشة ظاهرة ليس على بصيرة فى الافتراء والمقصود من قوله: وقد أفاد بعضهم. . . إلخ. أن الأشياء المذكورة عدم كونها جزءًا من العلم فى غاية الظهور لا يحتاج فيه إلى استخراج القرائن الدالة عليه والظاهر أن الشارح لا يقصد الاكتفاء فى الأدلة مع الدلالة على عدم الجزئية فى الترجيح والاجتهاد فإن الأدلة أسبق واعتبار الدلالة فيها والاكتفاء فى غيره أولى.

قوله: (فيستند انحصاره إلى التتبع والاستقراء) أى تتبع الأجزاء أو الجزئيات أو التتبع المتعلق بالمقدمات التى تركب منها البرهان المنتج لانحصار المقسم فى أقسامه، فإنه يجوز أن يكون لكل فردان ويحصل لنا برهان يدل على انحصار ذلك الكل فى هذين الفردين من غير تتبع واستقراء للجزئيات، وحينئذ لو كان قوله: وهذا التقسيم أيضًا استقرائى إشارة إلى تقسيم الحصر إلى العقلى والاستقرائى فتقول فى توجيه ذلك: إنه يجوز بحسب العقل أن يكون مفهوم منحصر فى أقسامه ويعلم انحصاره لا بمجرد ملاحظة ما يذكر فى التقسيم ولا بالبرهان ولا بالاستقراء بل بشئ آخر بطريق البديهة؛ فإن البديهة لا تنافى التوقف على شئ لكنا استقرأنا فلم نجد شيئًا من التقسيم يعلم فيه انحصار المقسم فى أقسامه لا بمجرد ملاحظة مفهوم ما يذكر فى التقسيم ولا بالاستقراء ولا بالبرهان بل يعلم بطريق البداهة التى هى غير ما ذكر ولو قلنا الاستقراء لا يشمل تتبع المقدمات التى تركب منها البرهان الدال على الانحصار كما ذكر فنقول انحصار الحصر فى العقلى والاستقرائى أيضًا استقرائى أى استقرأنا فلم نجد شيئًا من القسمين الأخيرين أى المعلوم بالبرهان والمعلوم بالبداهة المذكورة؛ بل هو معلوم إما بمجرد ملاحظة المفهوم أو تتبع

ص: 31

الجزئيات أو الأجزاء لكن التوجيه الأول يأباه قوله: سواء كان فى الجزئيات أو فى الأجزاء حيث لم يقل: أو فى المقدمات المتعلقة بالبرهان وقوله: فى حاشية الحاشية فدليله أنه لو كان هناك قسم آخر. . . إلخ. ولك أن تتكلف فى العبارة على وجه لا يرد عليها فيه شئ بأن نقول قوله: وإما استقرائى لا يكون كذلك مشتمل على صفة كاشفة هى قوله: لا يكون كذلك كما أن قوله إما عقلى مردد. . . إلخ. مشتمل على صفة كذلك فحصل اللفظ الاستقرائى فى هذا التقسيم معنى هو معنى قوله لا يكون كذلك وحينئذ يكون حصر الحصر فى العقلى والاستقرائى دائرًا بين النفى والإثبات سالمًا عن جميع ما أورد عليه إلى ما قد قيل إطلاق لفظ الاستقرائى على الحصر البرهانى والحصر البديهى الذى هو غير البديهى المذكور بعيد جدًا، وبأن نقول قوله: وبهذا التقسيم أيضًا استقرائى متعلق بقوله سواء كان فى الجزئيات أو فى الأجزاء فإنه إذا قلنا: الاستقراء إما فى الجزئيات أو فى الأجزاء لا يكون هنا ترديد بين النفى والإثبات وكذا قولنا التقسيم إما للكلى إلى الجزئيات أو للكل إلى الأجزاء؛ فيلزم أن يكون استقرائيًا أو بأن نقول معنى قوله: فيستند انحصاره معنى جزئى أى قد يكون كذلك وبعض أفراد هذا التقسيم يعلم انحصاره بالتتبع والاستقراء الواقع إما فى الجزئيات أو فى الأجزاء فلفظ "الاستقرائية" فى قوله: فى حاشية الحاشية وإن كانت استقرائية فدليلها. . . إلخ. يكون بمعنى ما يعلم بالتتبع والاستقراء لا بالمعنى الذى حصل من التقسيم والملازمة المذكورة فى هذا الدليل ظنية أى بالنظر إلى التتبع والاستقراء فلو وقع هنا برهان دال على عدم القسيم الآخر لكان القسمة وانحصار المقسم فى أقسامه على هذا التقدير معلومًا بالبرهان لا بالتتبع.

قوله: (والمقصود من القسمة) أى الحصر الاستقرائى والقسمة الاستقرائية لفظان متغايران بحسب المفهوم هنا وليس بينهما فرق مؤثر فى هذا المقام فإذا قلنا القسمة عقلية بديهية يكون معناه أنه لو اعتبر حكم بين المقسم والأقسام على وجه يحصل الانحصار لكان بديهيًا، وإذا قلنا القسمة استقرائية يكون لو أنه حكم كذلك لكان نظريًا حاصلًا بالاستقراء وبالدليل الذى ذكره فى حاشية الحاشية وحاصل الفرق بين الاستقرائى المذكور هنا وبين الاستقرائى المقابل للقياس والتمثيل أن القسمة الاستقرائية يقصد منها تحصيل الأقسام إلى المقسم لا تعدية

ص: 32

حكم الأقسام إلى المقسم، وكذا الحصر والحكم بالانحصار فى مقام التقسيمات فإن المقصود هنا ليس التعدية المذكورة بخلاف الدليل الاستقرائى متأخر

(1)

المقصود فيه هذه التعدية وهذا المقصود الواقع فى الدليل الاستقرائى متأخر عن تحصيل الأقسام وحصر المقسم فيها كما يقال الحيوان إما الإنسان أو فرس أو بقر أو غنم، وبعد ذلك ثبت لكل قسم حكم حتى يحصل الحكم للمقسم ولا شك أن هذا الطريق من الاستدلال يكون بعد حصول الأقسام والحكم بالانحصار وهذا الحكم واقع فى كل دليل استقرائى على سبيل الظن أو القطع وليس فى هذا الكلام أن المقصود من القسمة تحصيل الأقسام فامتنع تعدية حكمها إلى القسم فاندفع ما يقال من أنه لا يلزم من كون المقصود من القسمة تحصيل الأقسام امتناع تعدية حكمها إلى القسم إذ منه مدار الفرق على القصد.

قوله: (فهو غير خارج عما ذكر) هنا سؤال مشهور هو أن القسمة الواقعة فى الاستقراء فى مقام هذا الاستدلال لا يجب أن تكون قسمة يثبت إثباتها بالاستقراء مثلًا إذا أردنا إثبات انحصار الكتاب فى الأجزاء الأربعة بدليل استقرائى استقرينا وتتبعنا أجزاءه على تفصيل المسائل الخصوصة، أو على إجمالها فى ضمن معلومات كلية غير المفهومات الأربعة التى يقصد إثبات انحصار الكتاب فيها فإن التقسيم يجوز أن يكون إلى الأربعة وإلى الخمسة وإلى العشرة وإلى غير ذلك، وبعد اعتبار التقسيم الواقع فى الدليل أثبتنا لكل قسم من تلك الأقسام أن ذلك القسم غير خارج عن الأمور الأربعة ثم أثبتنا ذلك الحكم للمقسم وقلنا جزء الكتاب غير خارج عنها وهذا معنى الانحصار فيها وبهذا التقرير يندفع الدور المذكور فى حاشية الحاشية، والجواب أن الدليل الاستقرائى يجب فيه أن يثبت للكلى ما ثبت للجزئيات ولا يمكن إثبات الانقسام إلى الأجزاء الأربعة لشئ من أجزاء الكتاب حتى يثبت للكتاب بطريق التعدية وليس مفهوم قولنا: غير خارج عن الأمور الأربعة مفهوم ما ثبت للموضوع فى قولنا: جزء الكتاب إما كذا أو كذا فإن العبارة الثانية تفيد كون كل واحد من الأشياء المذكورة فى جانب المحمول أخص من مفهوم جزء الكتاب لأنه قسم منه ولا يفيده قولنا: غير خارج عن تلك الأشياء

(1)

ثبت لفظ متأخر فى جميع النسخ ولا محل له هنا فلعله من زيادة الناسخ كما هو ظاهر. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 33

إذ المباينة صحيحة فيها بخلاف الأول فإذا كان كذلك فالتتبع النافع فى إثبات القسمة المطلوبة هو التتبع المخصوص المتعلق بتلك الأجزاء الأربعة بأن يلاحظ تلك الأجزاء على سبيل الاستقراء ويلاحظ أنها أجزاء

(1)

وليس لها جزءا خارج عنها فإن العلم بالقسمة المطلوبة يحصل ههنا لا فى تتبع آخر متعلق بأجزاء أخر وإذا قلنا: إن ذلك الحصول بطريق الاستدلال الاستقرائى لزم الدور وبالجملة يجب اعتبار قسمة فى الاستقراء وإن كانت القسمة المعتبرة عين القسمة المطلوبة لزم الدور وإن كانت غيرها فلا فائدة لها أصلًا.

قوله: (ويبقى القسم الأخير مرسلًا) بيان ذلك أن القسمة الاستقرائية التى تحتاج إلى التتبع والاستقراء يجب أن يكون لها قسم محتمل بحسب العقل ليس ذلك القسم واحدًا من الأقسام الاستقرائية وهذا القسم المحتمل يصير فى التقسيم آخر الأقسام ويكون مرسلًا أى ليس مقيدًا بما فى القسم وإن كانت القسمة الاستقرائية ثنائية وأردنا هذا الترديد بين النفى والإثبات يحصل تقسيمان وإن كانت ثلاثية يحصل هنا تقسيمات ثلاث وعلى هذا القياس إذ يتحقق باعتبار كل قسم من الأقسام الاستقرائية تقسيم مشتمل على قسم والنفى المندرج المقابل له ويندرج فى النفى باقى الأقسام وإذا قسمنا النفى أوردنا قسمًا ونفيًا مقابلًا له وإن كانت القسمة الاستقرائية ثنائية ينتهى التقسيم هنا ويصير القسم الآخر الذى هو نفى مرسلًا وإن كانت ثلاثية فالنفى الثانى ينقسم إلى قسمين: أحدهما: قسم استقرائى، والثانى: نفى مقابل له ويصير هذا النفى الثالث مرسلًا كما إذا قسمنا الحصر بالتقسيم الاستقرائى إلى العقلى والاستقرائى، ثم أردنا الترديد بين النفى والإثبات وقلنا الحصر إما عقلى أو لا، والثانى إما استقرائى أو لا يكون الأخير مرسلًا كما إذا قسمنا الدلالة إلى الوضعى والطبيعى والعقلى ثم قلنا: الدلالة إما وضعية أو لا، والثانى إما طبيعية أو لا، والثانى إما عقلية أو لا يكون مرسلًا أو نقول هذا القسم المحتمل بحسب العقل يكون مندرجًا مع القسم الباقى من الأقسام الاستقرائية يجب

(2)

أحد شقى الترديد فى آخر التقسيمات إذا كان التقسيم متعددًا وعلى هذا

(1)

قوله: أجزاء. هكذا فى النسخ ولعل لفظ الكتاب بعدها سقط من الناسخ. كتبه مصحح طبعة بولاق.

(2)

قوله: يجب. لحل هذا اللفظ محرف فليحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 34

التقدير لا يكون عدد التقسيمات عدد الأقسام ومعنى كون القسم الأخير مرسلًا أنه لم ينطبق على القسم الباقى الاستقرائى ولم يتقيد به بل هو أعم منه بحسب المفهوم.

قوله: (ويتوقف عليه ذلك) هذه القسمة الواقعة بين نفى وإثبات وبين إثبات آخر قسمة استقرائية لا يكون فيها ترديد بين النفى والإثبات على ما هو المتعارف إذ الواسطة معقولة بينها وهى ما لا يكون مقصودًا بالذات ولا يتوقف عليه ذلك غاية الأمر عدم الوقوع ويمكن أن يتحقق فيها هذا الترديد بأن يقال كما وقع من الشارح ما يتضمنه الكتاب إما أن لا يكون مقصودًا بالذات أو يكون والأول إما أن يتوقف عليه ذلك أو لا والأول المبادئ والثانى قسم مرسل.

قوله: (وكان أشبه بالحصر العقلى) لأن فى كل قسمة واقعة فى هذا التقرير ترديدًا بين نفى وإثبات ويكون كل قسم من الأقسام المذكورة فى الترديد واحدًا من الأقسام الأربعة قطعًا إلا القسم الآخر الذى يحصل فيه الإرسال بخلاف التقرير المذكور فى الشرح فإنه لا يكون كل قسم مذكور فى الترديد واحد من الأقسام الأربعة قطعًا ويحصل الإرسال فى موضعين منه فإن قلت: التقسيم الأول الذى ذكره المحشى لا يكون فيه الحصر العقلى بخلاف ما ذكره الشارح ففيما ذكره الشارح إرسال وفيما ذكره المحشى إثبات الواسطة بين هذين القسمين وليس ما ذكره المحشى أشبه بالحصر العقلى قلت: ما ذكره المحشى يكون ترديدًا بين نفس مفهوم المبادئ وبين المقصود بالذات ويصير مفهوم المبادئ أحد جانبى الترديد بخلاف ما ذكره الشارح فإن أحد جانبى الترديد فى كلامه مفهوم مغاير لمفهوم المبادئ أعم منه وحصر ما يتضمنه الكتاب فى المبادئ والمقصود بالذات لا يكون عقليًا ووقع الواسطة بحسب العقل قطعًا فلو وقع تقسيم مشتمل على الواسطة وترديد بين نفى هو عين تقسيم المبادئ وإثبات ووقع تقسيم آخر مشتمل على ترديد لا يكون بين نفى هو نفس مفهوم المبادئ وبين إثبات مع تحقق الواسطة بين مفهوم المبادئ وذلك الإثبات لكان حصر ذلك المقسم فى مفهوم المبادئ وذلك الإثبات على التقرير الأول أشبه بالحصر العقلى قيل فى جواب هذا السؤال إن المراد بقوله والثانى إما أن يكون مباحث الاستنباط. . . إلخ. أنه يذكر النفى والإثبات إلى آخر التقسيم بأن يقال إما مباحث الاستنباط أو لا، الثانى إما مباحث الترجيح أو لا

ص: 35

وعبارة الشارح ليس الترديد فى جميعها بين النفى والإثبات فإن قوله: أو عما تستنبط هى منه ليس كذلك.

التفتازانى: (نظر بعضهم إلى أن من المباحث المتعلقة بالإثبات ما يرجع إلى أحوال الأحكام) ككون الوجوب موسعًا أو مضيقًا أو عينيًا أو كفائيًا إلى غير ذلك فجعل موضوعه الأدلة والأحكام، وفيه أن ذلك يرجع إلى أن الأمر للوجوب الموسع أو المضيق وغيرهما وحملها على الأحكام لا يقتضى أن الأحكام من الموضوع لجواز جعل موضوع المسألة عرضًا ذاتيًا للموضوع أو نوعًا سنه.

التفتازانى: (التى أكثرها أجزاء للعلم) وهو ما يستمد منه.

السعد رحمه الله: (فإطلاق المبادئ على الأمور المذكورة أيضًا تغليب) يعنى: أن المبادئ اصطلاحًا هى ما يتوقف عليها المقصود ذاتًا فقط وقد أطلقت على ما يتوقف عليه تصورًا وهو الحد وشروعًا وهو الغاية، ويؤيد هذا قوله فيما يأتى فأراد بالمبادئ ما هو المصطلح ويحتمل أنه يريد أن المبادئ إنما هى لغير التصورات والتصديقات التى ينبنى عليها مسائل العلم فإطلاقها على ما يشملها تغليب وهو ظاهر أول عبارته.

السعد: (إن جعل الأمور المذكورة) أى الأدلة وما ذكر بعدها وأما جعل المبادئ جزءًا فعلى ظاهره وقوله: التصورات والتصديقات يعنى التى هى مباحث الأدلة وما معها وقوله: أو المباحث تخيير فى التعبير المخرج عن الظاهر أى إما أن تقول المراد بالأدلة التصورات والتصديقات المتعلقة بها، أو تقول المراد المباحث المتعلقة بها فإن أراد بالتصورات والتصديقات المبادئ كان الأولى إبدال "أو" بالواو.

التفتازانى: (مع كونه خارجًا عن العلم) وذلك لأن التصديق بموضوعية الموضوع بعد صيرورته موضوعًا وهى بعد البحث عن عوارضه الذاتية فكيف تكون جزءًا من العلم.

السعد أيضًا: (أى الغرض الأصلى. . . إلخ) أى أن الاستنباط ليس مقصودًا فى الفن وبعضًا منه لأن ذلك مسائله بل غرض مقصود من الفن. قوله: (وعلى التقديرين إلى آخره) إذا كان المختصر عبارة عن الألفاظ من حيث دلالتها على المعانى كما هو الأصح كان المراد أنه ينحصر فى دوال ما ذكر من المبادئ وما معها

ص: 36

وإن كان عبارة عن المعاني فالأمر ظاهر لأن المبادئ معان وكذا ما معها.

قوله: (من حيث هو جزؤه) نقل عنه قدس سره أنه احتراز عن الأجزاء المحمولة فإن الحمل فيها ليس من هذه الحيثية يعنى فلا ترد الأجزاء المحمولة لأن الأجزاء من حيث هى أجزاء مأخوذة بشرط لا شئ ومباينة لما هى أجزاء له فلا يصح حملها من تلك الحيثية بل يصح حيلها من حيث إنها مأخوذة لا بشرط شئ، وهى بهذا الاعتبار يصح حملها واتخاذها مع كلها فى ضمن المأخوذ بشرط شئ قال فى شرح المواقف: الأجزاء المتمايزة بحسب العقل دون الخارج لها اعتبارات فإن الصورة العقلية تؤخذ تارة بشرط شئ أى بشرط أن ينضم إليها صورة أخرى فيطابقان معًا أمرًا واحدًا فلا يلاحظ تغايرهما بل اتحادهما كالحيوان والناطق المأخوذين من حيث أنهما يطابقان الماهية الإنسانية فالجنس بهذا الاعتبار هو النوع وكذا الفصل وتؤخذ تارة بشرط لا شئ أى بشرط أنها صورة على حدة بحيث إذا انضمت إلى صورة أخرى كانتا متغايرتين وقد تركب منهما ماهية ثالثة كالحيوان والناطق إذا اعتبرا موجودين متغايرين فى العقل وقد تركب منهما ماهية الإنسان فكل واحد من الجنس، والفصل بهذا الاعتبار جزء ومادة للنوع فلا يحمل بعضها على بعض وقد تؤخذ لا بشرط شئ فيكون لها جهتان إذ يمكن أن يعتبر التغاير بينها وبين ما يقارنها وأن يعتبر اتحادهما بحسب المطابقة لماهية واحدة وهذا هو الذاتى المحمول قال فى المواقف: ومعنى حمل الحيوان مثلًا على الإنسان أن هذين المفهومين المتغايرين فى العقل هويتهما الخارجية أو الوهمية واحدة فلا تلزم وحدة الاثنين ولا حمل الشئ على نفسه. اهـ. ثم إن حيثية الجزئية معتبرة فى تقسيم الكل إلى أجزائه بخلاف تقسيم الكلى إلى جزئياته وإن كان جزءًا من الجزئى، والجزئى كل له وكما لا يصح حمل الجزء على الكل لا يصح حمل الكل على الجزء إلا أن الجزئية فيه ليست ملحوظة ولذا صح الإخبار بالجزئى عن الكلى، واعلم أن أصل الكلام فى حمل الكل على أجزائه أو الكلى على جزئياته فالمناسب له أن يقول احترز بالحيثية المذكورة عن الجزء لا من هذه الحيثية فيصح أن يحمل عليه الكل، وقال الهروى: هذ الحيثية مانعة من صحة الحمل بين الكل والجزء سواء كان الكل موضوعًا أو محمولًا ومع قطع النظر عن تلك الحيثية قد يتحقق صدق الكل وحمله على جزئه.

ص: 37

قوله: (ويكون كل قسم) أى مفهومه لا ذاته وما صدق عليه.

قوله: (ويحتمل أن يقدر ما يتضمنه. . . إلخ) أشار بهذا التعبير إلى ضعفه ومرجوحيته بالنسبة لما ذكر أولًا وأيد هذا الاحتمال بقوله كما أشار إليه حيث قال فى وجه الحصر فيقال: ما يتضمنه الكتاب. . . إلخ. وحيث جوز اعتبار ما يتضمنه الكتاب فقد جوز اعتبار ما يتضمنه العلم.

قوله: (فيجعل من تقسيم الكلى إلى جزئياته) أى لأن المتبادر مما يتضمنه أخذه بصفة الأمر الكلى وإلا لم يبق للتقدير فائدة لأن مجموع ما يتضمنه الكتاب أو العلم هو عينه فلا يقال: إن كلمة ما مما يتضمنه يحتمل أن تكون باعتبار الشمول للكل وأن المراد المجموع فيكون الحصر من تقسيم الكل إلى أجزائه لا من تقسيم الكلى إلى جزئياته.

قوله: (وهو جزء لمفهومها) نقل عنه وإنما قال لمفهومها؛ لأنه لا يجب كونه داخلًا فى حقيقة الأقسام كما فى تقسيم الخواص كقولنا: الماشى إما كاتب أو ضاحك. اهـ. أراد بالأقسام الأفراد لا مفاهيمها.

قوله: (فإذا جعل الضمير للمختصر) أى إما باعتبار الظاهر أو بتقدير ما يتضمنه يدل على ذلك قوله: والاقتصار عليه ثانيًا فإن ذلك الاقتصار هو فى قوله: فيقال: ما يتضمنه الكتاب ويدل عليه أيضًا قوله: وجزئيات لما يتضمنه.

قوله: (لعدم الاحتياج إلى الاعتذار) أى بما فيه غاية التكلف فلا يرد أنه على تقدير رجوع الضمير إلى المختصر أو ما يتضمنه يحتاج إلى الاعتذار بما لا كبير تكلف فيه؛ وذلك لأن المختصر وما يتضمنه عبارة عن الألفاظ باعتبار دلالتها على المعاني على الراجح والمبادئ وسائر الأقسام ليست من قبيل الألفاظ وحاصل الاعتذار المحتاج إليه على جعل الضمير للعلم أو ما يتضمنه بخلاف ما إذا رجع للمختصر أو ما يتضمنه أن المبادئ بمعنى ما يتوقف عليه العلم ذاتا كاستمداده أو تصورًا كحده أو شروعًا كمعرفة غايته، كلها أجزاء للمختصر وجزئيات لما يتضمنه وليس كلها أجزاء للعلم ولا جزئيات لما يتضمنه لأن تصور العلم والتصديق بغايته خارجان عن العلم والذي منه إنما هو الاستمداد الذى هو بعض المبادئ فيحتاج إلى الاعتذار بارتكاب التغليب كما قال الشارح.

قوله: (ولأن الأنسب. . . إلخ) وذلك لأن العرف جار بتأخير حصر الشئ عن

ص: 38

تعريفه بناء على كفاية تصوره بالوجه فى بيان الحصر والمراد بالعلم المبين حصره هنا هو المراد به فى التعريف الآتى لأن شموله للحد وما معه من المبادئ بطريق التغليب فلا يرد ما قاله الهروى.

قوله: (وإن جعل الضمير للعلم) أى من غير تقدير ما يتضمنه أو بتقديره كما تقدم فى نظيره.

قوله: (ينبنى عليها) أى على التصورات والتصديقات إثبات مسائله وأهلية الموضوع أى التصديق بوجوده داخلة فى المبادئ التصديقية؛ لأنه مما ينبنى عليه المسائل لتوقف إثبات الأعراض الذاتية للموضوع عليها إذ ما لم يحصل التصديق بوجود الموضوع لم يمكن إثبات الأعراض له فالمراد بابتناء المسائل على المبادئ التصديقية توقفها عليها فى الجملة سواء كانت تلك المبادئ أجزاء قياسات العلوم أو لا.

قوله: (لدخوله فيه قطعًا) أى أنه لا بد من دخول ما يتضمنه العلم فى العلم وحده وغايته خارجان عنه فلا يصح أن يكونا من جزئيات ما يتضمنه العلم حقيقة.

قوله: (فلا يبعد تغليبها عليها) أى تغليب الاستمداد مع الأجزاء الثلاثة على المبادئ التى هى غير الاستمداد غير بعيد.

قوله: (وما قيل. . . إلخ) أى على أن الاستمداد مع كثرته جزء والقائل السعد فى حاشيته وقصد السيد رده بأنه توهم ووجهه: أن قول الشارح: أما إجمالًا فببيان أنه من أى علم استمد. . . إلخ، مع قوله: وأما تفصيلًا. . . إلخ، صريح فى أن مراده هو أن بيان الاستمداد قسمان لا أن بيان أنه من أى علم يستمد استمداد وقال ميرصدر: أنت خبير بأن البيان الإجمالى يغاير التفصيلى وأن الداخل هو الثانى لا الأول فعد الاستمداد مطلقًا جزءًا وحصر الخارج فى معرفة الحد والغاية فيه ما فيه.

قوله: (لجواز اشتماله على أهلية الموضوع) أى: اشتمال العلم على إثبات وجود الموضوع.

قوله: (من ركاكة المعنى) هى أن انحصار العلم المورد فى المختصر فى الأمور الأربعة انحصار للمختصر حقيقة وأولًا وبالذات فى هذه الأمور الأربعة فإرجاع

ص: 39

الضمير إلى العلم وإسناد الانحصار إليه ركيك ضعيف. اهـ. ميرصدر.

قوله: (بالمعنى المذكور) وهو ما يتوقف عليه العلم ذاتًا أو تصورًا أو شروعًا وفيه إشارة إلى أن المبادئ تطلق بغير ذلك وهو كذلك؛ لأنها عند المنطقيين ما ينبنى عليه مسائل العلم من التصورات والتصديقات فإدخال المقدمات من الحد والغاية فيها تغليب عند المناطقة.

قدس سره: (المتعلقة باستنباط الأحكام) أى: لا مباحث الأدلة مطلقًا لأنها من غير هذا الوجه ليست من الأصول.

قوله: (والاستدلال) هو فى الاصطلاح دليل ليس نصًا ولا إجماعًا ولا قياسًا وقد جعله المصنف ثلاثة أشياء تلازم بين حكمين من غير تعيين علة واستصحاب وشرع من قبلنا.

قوله: (وهى ما عداها) كقول الصحابى بالنسبة لصحابى آخر فإنه ليس بحجة اتفاقًا وبالنسبة لغيره ليس حجة على المختار وكالاستحسان والمصالح المرسلة.

قوله: (وبما يقابله. . . إلخ) أى: أن المتعلق بالاجتهاد عام شامل لتعلق ما يقابله وتعلق ما يستند إليه وهو الإفتاء وما يستند إلى مقابله وهو الاستفتاء، وإنما أريد ذلك لئلا يخرج مباحث التقليد والاستفتاء والإفتاء مع أنها جعلت جزءًا من المختصر أو العلم ولا يتيسر اندراجها فى سائر الأقسام.

قوله: (وبما يتوقف عليه من التعارض) إنما توقف الترجيح عليه لأن ترجيح بعض الأدلة الظنية على بعض إنما يكون عند التعارض وقوله: أو بما يعادله أى يعادل الترجيح ويماثله وقوله: من التوقف أى فى الحكم وقول: أو التخيير أى فيه فالمراد بتعلقها بالترجيح ما يشمل ذلك لئلا يبطل الحصر.

قوله: (ولو جعلت. . . إلخ) عليه يكون فى قول الشارح وإنما يكون منها استخدام.

قوله: (حيث ذكر. . . إلخ) تعليل للتقييد بقوله بالذات، وأما القيد الآخر وهو قوله من الفن فمن الواقع ونفس الأمر.

قوله: (حيث ذكر فيما وقع. . . إلخ) أى فى بيان ما وقع. . . إلخ. وهذا بناء على الظاهر فلا يرد أن الذى وقع فى مقابلة المبادئ هو الاجتهاد بمعنى مسائله والاستنباط المذكور الآن المراد به نفسه لما علمت من أن المراد ما ذكر فى بيان ما

ص: 40

وقع لا نفس ما وقع وأنه بناء على الظاهر.

قوله: (فما قيل) قائله الأبهرى وحاصله: أنه جعل الاستنباط مقصودًا بالعرض والمقصود بالذات هو المسائل واستدل على ذلك بذكره أن الاستنباط مقصود فى هذا المحل وفى قوله: وهو الاستنباط المقصود وأنه غرض لقوله ولما كان، الغرض منه الاستنباط مع جعل مسائله مقصودة بالذات وقد رده المحشى بأنه وساقط فاسد أما سقوطه فلما بين من أن الظاهر أن المراد المقصود بالذات حيث ذكر فى بيان ما وقع بإزاء المبادئ التى هى مقصودة فى الجملة وأما الفساد فلأن جعل المسائل مقصودة بالذات والغرض مقصودًا خلاف الصواب بل المقصود بالذات من الفن هو الغرض وأما المسائل فمقصودة بالعرض وجعلها هنا مقصودة بالذات نظرًا إلى المبادئ التى هى وسيلة إليها فلا ينافى أنها بالنسبة إلى الغرض مقصودة ثانيًا وبالعرض.

قوله: (وما ينتمى إليها) أى من أحكام الوضع قوله: ولم يرد أن العقل. . . إلخ. أى: فليست "ال" فى الأحكام للاستغراق.

قوله: (من أنه صواب دائمًا) أى بناء على أن حكم اللَّه فى كل حادثة ما أدى ظن المجتهد إليه فهو حكمه فى حقه وحق مقلده وقوله: أولًا أى بناء على أن حكم اللَّه فى الحادثة معين فمن أصابه وإن مصيبًا ومن أخطأه كان مخطئًا وإن كان غير مؤاخذ بل مأجور.

قوله: (مردد. . . إلخ) تفسير لقوله: عقلى، وقوله أى ما لا يكون كذلك تفسير لقوله: استقرائى فظاهره أن حصر الحصر فى العقلى والاستقرائى عقلى لأنه مردد بين النفى والإثبات ويجزم العقل بمجرد ملاحظته به وذلك ينافى ما نقل عن المحشى فى حاشية الحاشية من قوله وكذا التقسيمة أيضًا استقرائى إشارة إلى تقسيم الحصر إلى العقلى والاستقرائى، وجوابه: أن قول المحشى فيستند. . . إلخ، تفسير لقوله ما لا يكون كذلك وصرف له عن ظاهره من النفى المقابل للإثبات فى قوله فى بيان الحصر العقلى مردد بين النفى والإثبات. . . إلخ. فكأنه قال واستقرائى وهو ما يستند انحصاره إلى التتبع فلم يكن حصر الحصر فى العقلى والاستقرائى مرددًا بين النفى والإثبات فصح قوله فى حاشية الحاشية أنه استقرائى لكن يرد على ذلك أن الحصر قد يكون ثابتًا بالبرهان كحصر المفهوم فى الواجب

ص: 41

وقسيميه وقد يكون محتاجًا إلى ملاحظة مقدمة أجنبية كقولنا الشئ إما موجود بوجوده الخاص أو غير موجود أصلًا فإنه يحتاج إلى ملاحظة امتناع كون الشئ موجودًا بوجود غيره، وأجيب بأن المراد حكى الحصر المشهور فى العقلى والاستقرائى وما ذكر وإن كان من الحصر لكنه غير مشهور على أن حصر المفهوم فى الواجب وقسيميه حصر عقلى يجزم العقل به بمجرد ملاحظة أطرافه ثم: إن المحشى فى حاشية الحاشية قال: القسمة إن كانت عقلية فهي بديهية لا تحتاج إلى دليل وإن كانت استقرائية فدليلها أنه لو كان هناك قسم آخر لوجد بالتتبع لكن التالى باطل فكذا المقدم والملازمة ظنية أى هذه الملازمة من حيث هى ظنية لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود فاعترض بأن الحصر الاستقرائى قد لا يحتاج إلى دليل كحصر القرآن فى سورة والكتاب فى أبوابه فإنه استقرائى بتتبع الجزئيات أو الأجزاء ويجزم به العقل بمعونة من الحس من غير احتياج إلى الدليل ولو سلم فالملازمة قطعية، وأجيب بأن مجرد تتبع الجزئيات أو الأجزاء غير المحصورة عقلًا وإن بولغ فيه لا يفيد الجزم بالانحصار بل الظن بواسطة الدليل المذكور فهذا هو الحاصل من الاستقراء والزائد عليه من آخر خارج عنه.

قوله: (سواء كان فى الجزئيات. . . إلخ) أى: سواء كان الانحصار المستند إلى التتبع والاستقراء فى الجزئيات كانحصار الدلالة اللفظية فى الوضعية والطبيعية والعقلية فإنه بالاستقراء فإن دلالة اللفظ إذا لم تكن مستندة إلى الوضع ولا إلى الطبع لا يلزم أن تكون مستندة إلى العقل فقط لكن استقرأنا فلم نجد غير هذه الأقسام الثلاثة.

قوله: (والمقصود من القسمة. . . إلخ) المراد بها هنا الانحصار فى الأقسام وحاصل ما أشار إليه الفرق بين الاستقراء هنا والاستقراء المقابل للقياس والتمثيل باختلاف المقصود من كل.

قوله: (فإنها إنما تتصور. . . إلخ) أدمج فيه أنه لو كان المراد بالاستقراء هنا هو المقابل المذكور للزم الدور كما صرح بذلك فى حاشية الحاشية، وذلك أن الاستقراء بمعنى الاستدلال بأحكام الجزئيات على حكم الكلى متوقف على حصر الكلى فى جزئياته فلو كان الاستقراء هذا بهذا المعنى وجعل دليلًا على القسمة بمعنى انحصار المقسم فى أقسامه لكان الانحصار المذكور متوقفًا على الاستقراء

ص: 42

المتوقف على ذلك الانحصار وهذا دور.

قوله: (فمن قال ذلك) أى الاستقراء والقائل السعد وقوله: على تشبيه الأجزاء. . . إلخ. أى لأن الاستقراء المتعارف إنما هو الاستدلال بالجزئى على الكلى وقد أطلق على الاستدلال بالجزء على الكل وقوله: أو على أن الأمور المذكورة. . . إلخ. أى فيكون الاستقراء بمعناه المتعارف.

قوله: (معناه لغة) هو المراد هنا لكن لا بمعنى الاستدلال كما قال.

قوله: (فقد ركب شططًا) أى تجاوز الحد وقد نقل عن المحشى أنه قال: كيف وصورة الاستقراء أن يقال: جزء العلم أو الكتاب إما هذا أو ذاك وكل الواحد منهما ثبت له الحكم الفلانى فكل ما هو جزء منه ثبت له ذلك الحكم ولا شك فى توقفه على التقسيم فلو أثبت به كان دورًا. اهـ.

قوله: (لخرج المبادئ وحدها) أى لخرج من القسمة المذكورة المبادئ وحدها لانطباق القسم غير المقصود بالذات ويتوقف عليه المقصود بالذات عليها وحدها ولا يشمل ما هو ساقط عن درجة الاعتبار.

قوله: (ويبقى الإرسال) أى عدم التقييد بالمقسم فى القسم الأخير قد يقال: إن ما يتضمنه الكتاب أو العلم ليس محصورًا فى ذاته بقطع النظر عن الواقع على ما يتوقف عليه المقصود بالذات والمقصود بالذات إذ يجوز أن يكون منه ما كان غيرهما فيكون الإرسال فى موضعين لا فى القسم الأخير فقط.

قوله: (وكان أشبه بالحصر العقلى) أى لذكر الترديد بين النفى والإثبات فى جميع الأقسام بخلاف ما ذكره الشارح فإن قوله: أو عما تستنبط هى منه ليس كذلك.

قوله: (إما مطلقًا) أى لا باعتبار التعارض فصح أن يقابل بقوله: أو باعتبار التعارض وإلا فالمطلق لا يقابل المقيد إذ هو فرد منه.

قوله: (نظرًا إلى الظاهر) ولم ينظر إليه فى الأحكام لأنها فى طرف الثبوت بخلاف الترجيح والاجتهاد ففي طرف الإثبات كالأدلة التى هى الموضوع فى الحقيقة.

قوله: (وإذا عرف أحوال. . . إلخ) غرضه دفع ما يقال: بقى من أجزاء العلم معرفة أحوال الأدلة التفصيلية.

ص: 43

قال: (فالمبادئ حده وفائدته واستمداده).

أقول: قد ذكر من مبادئ العلم ثلاثة أمور:

أحدهما: حده؛ لأن كل طالب كثرة تضبطها جهة وحدة حقه أن يعرفها بتلك الجهة إذ لو اندفع إلى طلبها قبل ضبها لم يأمن أن يفوته ما يعنيه ويضيع وقته فيما لا يعنيه.

ولا شك أن كل علم مسائل كثيرة تضبطها جهة وحدة باعتبارها تعد علمًا واحدًا يفرد بالتدوين والتعليم.

ومن تلك الجهة يؤخذ تعريفه فإن كان حقيقة ومسمى اسمه ذلك كان حدًا له وإلا فلا بد أن يستلزم تميزها فيكون رسمًا له فإذًا لا بد لكل طالب علم أن يتصوره أو لا يحده أو يرسمه ليكون على بصيرة فى طلبه فإن من لم يتصور كذلك ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء.

وثانيهما: فائدته ليخرج عن العبث وليزداد جد طالبه فيه إذا كانت مهمة ولئلا يصرف فيه وقته إذا لم يوافق غرضه.

وثالثها: استمداده إما إجمالًا فببيان أنه من أى علم يستمد ليرجع إليه عند روم التحقيق وإما تفصيلًا فبإفادة شئ مما لا بد من تصوّره وتسليمه أو تحقيقه لبناء المسائل عليه.

قوله: (قد ذكر من مبادئ العلم) أى مما يبدأ به قبل الشروع فى مقاصد العلم سواء كانت خارجة عنه وتسمى مقدمات كمعرفة الحد والغاية وبيان الموضوع والاستمداد، أو داخلة وتسمى مبادئ كتصور الموضوع والأعراض الذاتية والتصديقات التى منها تتألف قياسات العلم، إذ لو أريد بالمبادئ المصطلح عليها لم يصح جعل الحد والفائدة والاستمداد إجمالًا منها ولو أريد ما سماه المصنف مبادئ كانت كلمة وفائدته واستمداده، فاندفع ما قيل من أن المبادئ إن حملت على المصطلح لم يصح جعل الحد والغاية منها وإن حملت على ما سماه المصنف مبادئ كانت كلمة من لغوًا؛ لأن ما ذكر نفس المبادئ لا بعضها وأجيب أيضًا باختيار الشق الثانى وهو أنها للبيان قدم على المبين وإنما لم يذكر الموضوع فى المبادئ لأن تصوره داخل فى الاستمداد أعنى المبادئ بالمعنى الأخص والتصديق بموضوعيته من

ص: 44

مقدمات الشروع على بصيرة فاكتفى عنه بالحد من لغوًا؛ لأن الأمور المذكورة نفس المبادئ لا بعض منها.

قوله: (حقه أن يعرفها) أى الأنسب بحاله والأعون على تحصيل مراده لأن ما ذكر من قوله لم يأمن. . . إلخ. لا يفيد اللزوم، ولذا قال فى آخر الكلام ليكون على بصيرة فى طلبه.

قوله: (كل علم مسائل كثيرة) لا شك أن من أجزاء العلم الموضوعات أعنى التصديقات بهيئتها، ومنها المبادئ التصورية والتصديقية على ما مر لكن لما كان كلامه فيما هو المطلوب فى العلم والمقصود منه اقتصر على ذكر المسائل.

قوله: (فإن كان حقيقة مسمى اسمه ذلك) ينبغي أن يعلم أن جهة الوحدة للعلم بالذات والحقيقة هو الموضوع لا غير، لأنه لا معني لكون هذا علمًا وذاك علمًا آخر سوى أنه يبحث هذا عن أحوال شئ وذاك عن أحوال شئ آخر ثم بتبعية ذلك يكون لهذا تعريف أو غاية أو خاصة، ولذاك تعريف آخر أو غاية أو خاصة فحدّه الحقيقي ما يؤخذ من الموضوع بأن يقال هو علم يبحث عن أحوال كذا وكذا وهذا تصور لمفهوم العلم وحقيقته وأما ذاته وهويته فهو التصديق بالمسائل على التفصيل، ولا خفاء فى أن جهة الوحدة لا يلزم أن تكون محمولة كالموضوع والغاية ولا خاصة لازمة بينة فالشارح إن أراد حصر جهة الوحدة فى الحد والرسم فليس بصحيح، وإن أراد حصر التعريف المأخوذ منها فيهما فالتقريب غير تام لأن الاحتياج إلى معرفة جهة الوحدة لا يوجب الاحتياج إلى التصور بالحد والرسم؛ لجواز أن يعرف بجهة أخرى وتحصل البصيرة باعتبارها.

قوله: (ليخرج عن العبث) أى الفعل لا لفائدة لأنه إذا لم يعرف فائدة العلم ربما يكون عابثًا فى طلبه، والفائدة اسم للغاية من حيث حصولها من الفعل والغرض اسم لها من حيث كونها مقصودة للفاعل فربما لا يتوافقان، كما إذا حاول الاحتراز عن الخطأ فى الفكر واشتغل بعلم النحو.

قوله: (عند روم التحقيق) يعنى أن المبادئ الغير البينة لعلم الأصول مثلًا المبينة فى علم آخر وإن كان تسليمها كافيًا فى الأصول لكن عند قصد الحقيقة والإحاطة بدلائله، بحيث لا يبقى شئ من المقدمات غير مبين عند المستدل يلزم الرجوع إلى العلم الآخر.

ص: 45

قوله: (مما لا بدّ من تصوّره) كالأشياء المستعملة فى العلم من الموضوع وأجزائه وجزئياته وأعراضه الذاتية، ومن تسليمه كالتصديقات الغير البينة التى تبين فى علم آخر أو فى هذا العلم لكن بمسائل لا يتوقف عليها لئلا يلزم الدور، أو من تحقيقه كالتصديقات البينة التى يجب قبولها وتسمى القضايا المتعارفة.

قوله: (قد ذكر من مبادئ العلم) نبه بلفظة من التبعيضية على أن المبادئ بالمعنى الأعم المقصود ههنا ليست منحصرة فيما ذكر لاندراج الموضوع فيها قال المصنف فى المنتهى فالمبادئ حده وموضوعه، وأما أهليته وإن عدت من أجزاء المعلوم فلأن ثبوت الكتاب والسنة معلوم من الدين ضرورة والإجماع يستدل عليه من بابه.

قوله: (لأن كل طالب كثرة) الطلب فعل اختيارى لا يتأتى إلا بإرادة متعلقة بخصوصية المطلوب موقوفة على امتيازه عما عداه، فإن كان واحدًا فلا بد من تصوره كذلك إذ لو لم يتصوره أصلًا امتنع طلبه قطعًا وإن تصوره باعتبار أمر شامل وقصد تحصيله فى ضمن جزئى لا بعينه فربما أداه إلى ما ليس بمطلوب، وإن كان متكثرًا فإما أن لا يكون لتلك الكثرة جهة وحدة تضبطها وتجعلها شيئًا واحدًا وتميزها عما سواها فيجب عليه تصور كل واحد على قياس ما سبق، وإما أن يكون لها تلك الجهة فحقه أن يعرفها باعتبارها إذ لو لم يتصورها بوجه استحال طلبها وأن توجه إلى تصور كل واحد منها بخصوصه تعذر عليه أو تعسر ولذلك قال: حقه دون أن يقول: عليه، أن يعرفها إلى غير ذلك مما يدل على وجوبه وتعينه وإن تصورها بما يعمها وغيرها لم تتعلق الإرادة بخصوها، ولو اندفع إلى طلبها من حيث إنها جزئى للمفهوم العام قبل ضبطها بجهة الوحدة لم يتميز عنده المطلوب، ولم يأمن أن يؤديه الطلب إلى غيره فيفوت ما يعنيه ويضيع عمره فيما لا يعنيه، ومن حمل كلامه على الوجوب زاعمًا أن ترك معرفتها من تلك الجهة والعدول إلى معرفتها من جهة أخرى يتضمن خوف فوات المطلوب وتضييع العمر ودفعه واجب عقلًا، فإن أراد أنه لا بد منه فى تحصيله فقد ظهر بطلانه، وإن أراد ما يتوقف على قاعدة التحسين فلا يناسب المقال، ولا نقول به أيضًا، وإن أراد الوجوب العرفى فمآله إلى ما ذكر من الأولوية.

قوله: (ولا شك أن كل علم) من العلوم المخصوصة المدونة، (مسائل كثيرة) لها

ص: 46

جهة وحدة تصيرها شيئًا واحدًا، إذ الكل متشاركة فى أنها تصديقات وأحكام بأمور على أخرى وإنما صار كل طائفة من هذه الأحكام علمًا خاصًا بواسطة أمر ارتبط به بعضها ببعض وصار المجموع ممتازًا عن الطوائف الأخرى ولولاه لم تعد علمًا وحدًا ولم يستحسن إفراده بالتدوين والتعليم، ثم ذلك الأمر يحتمل عقلًا أن يكون موضوع العلم بأن يكون مثلًا موضوعات مسائله راجعة إلى شئ واحد كالعدد للحساب، وأن يكون غايته كالصحة فى مسائل الطب الباحث عن أحوال بدن الإنسان والأدوية والأغذية من حيث إنها تتعلق بالصحة، وقد يجتمعان كما فى أصول الفقه، إذ يبحث فيه عن أحوال الدليل السمعى لاستثمار الأحكام ويحتمل أن يكون راجعًا إلى المحمولات باندراجها تحت جامع لها على قياس الموضوع إلى غير ذلك من الاحتمالات العقلية، وإن لم يكن واقعًا والأصل الذى لا بد من اعتباره فى جهة الوحدة هو الموضوع، لأن المحمولات صفات مطلوبة لذوات الموضوعات، فإن اتحد فذاك وإن تعدد فلا بد من تناسبها فى أمر واتحادها بحسبه؛ إما ذاتى كأنواع المقدار المتشاركة فيه لعلم الهندسة، أو عرضى، كموضوعات الطب فى الانتساب إلى الصحة وكأقسام الدليل السمعى فى الدلالة على الأحكام إذا جعلت موضوعًا لهذا الفن، ومن ثمة تراهم، يقولون: تمايز العلوم بتمايز الموضوعات بأن يبحث فى هذا عن أحوال شئ أو أشياء متناسبة، وفي ذاك عن أحوال شئ آخر أو أشياء متناسبة أخرى، ولا يعتبرون رجوع المحمولات إلى ما يعمها فالموضوع إما واحد أو فى حكمه كما إذا قيس المتعدد إلى وحدة الغاية مثلًا فإن قلت قد صرحوا بأن الموضوعات أى أهليتها والمبادئ بالمعنى الأخص من أجزاء العلوم أيضًا فالمتبادر من كلامه خلافه، وأجيب أنه لما كان نظره فيما هو المقصود من العلم اقتصر على ذكر المسائل، وقد يقال: عدهما من الأجزاء إنما هو لشدة اتصالهما بالمسائل التى هى المقصودة فى العلم ولولاها لم يلتفت إلى ما عداها؛ فالمناسب أن تعتبرها وحدها حقيقة يرشدك إلى ذلك ما أوردوه تفسيرًا لمفهومات العلوم على أنه أمر اصطلاحى فلكل أن يصطلح على ما يترجح عنده.

قوله: (ومن تلك الجهة) إذا أريد تعريف علم خاص فلا بد أن يؤخذ من جهة وحدته، فإن تعددت جاز الأخذ من كل جهة والموضوع أولى ومن المجموع إذ لو أخذ تعريفه من حيث إنه متكثر لم يحصل المطلوب أعنى معرفة ما هو علم واحد

ص: 47

من حيث هو كذلك، وأيضًا قد عرفت أن ذلك متعذر أو متعسر، فالمأخوذ إن كان حقيقة مسمى اسم ذلك العلم كان حدًا له حقيقيًا، إما تامًا إن كان تمامها، وإما ناقصًا إن كان بعضها وإلا فلا بد أن يستلزم المأخوذ تميز تلك الحقيقة لأخذه من جهة الوحدة الضابطة المميزة فيكون حدًا له رسميًا، فقد ظهر أنه لا بد لكل طالب علم أى من حقه أن يتصوره أو لا بأحدهما ليمتاز عنده فيصح توجهه إليه بخصوصه، فيكون على بصيرة فى طلبه إذ لو تصوره بما يشمله وغيره كان على متن عمياء وخبط خبط عشواء، والحاصل أن حق الطالب أن يتصوره بتعريفه المأخوذ من جهة وحدته، فإن ذلك أزيد لبصيرته وأسهل فى معرفته، فإن قلت: ما فائدة ذكر الاسم وهلا قال حقيقة مسماه؟ قلت: لأن حقيقة العلم كما عرفت مسائل كثيرة، فإدراكها بحدها إنما يكون بتصور خصوصيات المسائل التى هى أجزاؤها، وقد بان تعذره فالمطلوب تصور مدلول اسمه المطابقى ومسماه الحقيقى الذى هو عارض للمسائل باعتبار وحدتها فالمأخوذ إن كان تفصيلًا له كان حدًا له بحسب الاسم، وإلا فهو رسم له بحسبه، وأما بالقياس إلى حقيقة العلم فرسم.

قوله: (وثانيها فائدته) من حق كل طالب علم أن يعرف فائدته المترتبة عليه المقصودة منه أى يعتقد ذلك إما جزمًا أو ظنًا إذ لو لم يصدق بفائدة ما فيه استحال إقدامه عليه وإن اعتقد ما لا يعتد به مما يترتب عليه عد كده عبثًا عرفًا وإن اعتقد باطلًا فربما زال فى أثناء سعيه فكان عبثًا بلا فائدة فى نظره.

واعلم أن كل حكمة ومصلحة تترتب على فعل تسمى غاية من حيث إنها على طرف الفعل ونهايته وفائدة من حيث ترتبها عليه فتختلفان اعتبارًا وتعمان الأفعال الاختيارية وغيرها، وأما الغرض فهو ما لأجله إقدام الفاعل على فعله ويسمى علة غائبة له ولا يوجد فى أفعاله تعالى، وإن جمة فوائدها وقد يخالف فائدة الفعل كما إذا أخطأ فى اعتقادها وما قيل من أن المقصود يسمى غرضًا إذا لم يمكن للفاعل تحصيله إلا بذلك الفعل فاصطلاح جديد لم يعرف سنده لا عقلًا ولا نقلًا.

قوله: (وثالثها استمداده) يعنى ما يتوقف عليه المسائل تصورًا أو تصديقًا وبيانه إن كان غير ضروري على وجهين، أما الإجمالى فقد أفاده المصنف بقوله: وأما استمداده فمن الكلام إلى قوله: وإلا جاء الدور وذلك ليرجع إليها إذا أريد التحقيق إذ يقصر عنه تسليم المبادئ المبينة هناك وعقبه بالتفصيلى وهو أن يفاد شئ

ص: 48

مما لا بد من إدراكه؛ فإن كان تصورًا فذاك وإن كان تصديقًا فلا بد من أحد الأمرين إما تسليمه إن كان قريبًا من الطبع يسكن إليه التعلم وإما تحقيقه إن لم يكن كذلك؛ فينقل من برهانه ما يحققه بقدر ما يمكن معه بناء المسائل عليه وما قيل من أن التصور بين ذاته بديهيًا كان أو كسبيًا والتصديق البديهى يتحقق فى هذا العلم والكسبى يتسلم فيه ويتحقق هناك، يرد عليه أن البديهى لا يحتاج إلى بيان وتحقيق وإن صدر به بعض العلوم.

قوله: (فالمبادئ حدّه) أى حده الاسمى لأن التحقيق أن أسماء العلوم موضوعة بإزاء مفهومات كلية، ومن قال إن تلك الأسماء موضوعة بإزاء المسائل أو تصديقات متعلقة بها أو الملكة والأمر فى التحديد والتعريف باعتبار

(1)

أنه مشكل، أو المذكور فى مقام التعريف مفهوم على وله فرد هو المسائل وليس ذلك الفرد فردًا للمحدود الذى هو العلم أى المسائل ولا تكون المساواة بين الحد والمحدود، قيل: إذا وقع التحديد بالأمور الخارجية فالحد هو الخارج المفصل والمحدود هو ذلك الخارج المجمل كما إذا عرّفنا الإنسان بالحيوان الضاحك، فالحد هو الحيوان الضاحك والمحدود هو حقيقة الإنسان باعتبار ذلك الوجه وتجب المساواة بين هذا الحد وبين الإنسان باعتبار ذلك الوجه وحاصله اشتراط المساواة بين الحد وبين ذلك الوجه الإجمالى ومن قال اسم العلم موضوع بإزاء المسائل وليس له مفهوم كلى قال إن المحدود ههنا هو الوجه الإجمالى وهو مساو للتفصيلى الذى هو الحد.

قوله: (وفائدته) أى التصديق بأن الشئ الفلانى فائدة تترتب عليه فإن الفائدة المطلقة والعلم بترتبها عليه بأن يعتقد أن هناك فائدة من غير ملاحظة خصوصية لا يمكن الشروع بمجردها، والفائدة التى هى فائدته فى نفس الأمر لا تجب فى الشروع كذا ذكره بعض الأذكياء، والمفهوم من بعض المواضع أن الشارع يكفى فى شروعه التصديق بأن فى الفعل الشروع فيه فائدة ولا تجب ملاحظة خصوص فرد منها.

(1)

قوله: باعتبار أنه. . . إلخ. هكذا فى الأصل وحرر العبارة فإنها لا تخلو من تحريف. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 49

قوله: (قد ذكر من المبادئ ثلاثة أمور) قد اختلف مقالتهم بسبب ذكر لفظة "من" والمصنف ذكر فى هذا الكتاب أن مبادئ العلم هذه الأمور الثلاثة وذكر فى كتابه الآخر أنها أمور أربعة وبعضهم قال لفظة من ههنا للتبعيض إذ الموضوع أيضًا من المبادئ، وبعضهم قال لفظة من للبيان وعدم اعتبار الموضوع قسمًا على حدة مبنى على أن تصوره من الاستمداد والتصديق بموضوعيته مستغن عنه وأهليته غير مذكورة فى بابها إذ هى معلومة فى غيره، والأولى هو الثانى لأن المراد بالمبادئ بها يتوقف عليه المقصود ذاتًا أو شروعًا، والتوقف بالنسبة إلى الحد والغاية ظاهر لأن الشارع الطالب يجب أن يتصور العلم بأمر مختص به وإلا لم يكن طالبًا له إذ لو تصوره بأمر الأعم مثلًا لا يمكن له الطلب لهذا الأمر الخاص بل مطلوبه على هذا التقدير ما يصدق عليه ذلك الأعم وجميع الخواص فيه مساوية فإذا وجد واحد وجد المطلوب ولو سلم أن الشروع يمكن بدون الأمر المختص فالشروع على البصيرة يتوقف عليه، ويجب على الشارع أن يتصور له فائدة لأن الشروع فعل اختيارى ولا بد فيه من تصور فائدة وأما التوقف على الموضوع فليس بثابت إذا أريد التصديق بالموضوعية، وإن أريد التصور فهو داخل فى الاستمداد وإن أريد أهليتها فهى ليست مما يتوقف عليه الشروع ويكون من المبادئ كما ذكره سابقًا فهى مما يتوقف عليه الذات ومنه الاستمداد.

قوله: (قدّم على المبين) يعنى أن لفظة من إذا كانت للبيان فالظاهر تأخيرها عن المبين ولذا قال السائل: إن كلمة من لغو لأن معنى التبعيض فاسد مع أن عدم صحة إرادة التبعيض لا يستلزم كونها لغوًا لجواز إرادة معنى آخر والنكتة فى تقديمه أن المبدئية ههنا أهم لأنه فى بيان التعليل على المبدئية للأمور الثلاثة واعتبار كونها ثلاثة لأجل تعليل كل منها على حدة، وأيضًا لو أخر البيان لصار بمنزلة الوصف والأظهر من التركيب التوصيفى فى الكلام أن يكون معلومًا للسامع مسلمًا عنده مع أن الشارح يكون بصدد التعليل لإثبات كون الأمور الثلاثة من المبادئ ولفظة من البيانية تقتضى أمرًا مبهمًا فى ذاته سواء كان مقدّمًا أو مؤخرًا ولا يلزم أن يقصد من ذكر المبهم شوق النفس إلى ما قصد حتى يجب تأخر البيان بل قد يقصد منه إثبات معنى للمفصل وهو ههنا كون المبادئ الثلاثة.

قوله: (فاكتفى عنه بالحد) لقائل أن يقول: يجب الاكتفاء بالتصديق بالفائدة أمر

ص: 50

مختص بالمطلوب يوجب تميزه عن الطالب قيل لا نسلم الاختصاص إذ يجوز حصولها من شئ آخر سلمنا ذلك، لكن لا يمكن الاكتفاء بالتصديق بالفائدة لأن التصديق باعتبار نفسه لا يفيد بصيرة وتميزًا فى المطلوب فإنا إذا حكمنا على رجل بأنه عالم يكون الرجل فى هذا التصديق باقيًا على عمومه لا يتقيد بالمحمول ولا يتميز فيه بعض عن بعض، وبعد ذلك يجعله الحاكم مقيدًا بالعالم ويقول الرجل الذى هو عالم وبصير باعتبار ذلك آلة لملاحظة البعض ويتميز ذلك البعض عنده وهذا حاصل التعريف فالحد يكون ضروريًا فى الشروع بالبصيرة فإن اعتبر كون التصور بالوجه من مقدمات الشروع وذكر الحد لتحصيل ذلك المطلق فالتصديق بالفائدة بعد الحد قطعًا باعتبار ذلك المطلوب، وحاصل ما ذكره فى الجواب أن المصنف لم يذكر الموضوع فى المبادئ على وجه يكون قسمًا على حدة كما ذكره فى كتابه الآخر بأن يقول فالمبادئ حده وغايته وموضوعه واستمداده وأنه جعل المبادئ عبارة عن الأمور الثلاثة، فصح جعل من بيانية لأن الموضوع إذا ذكر على هذا الوجه يحتمل أمورًا ثلاثة إرادة تصوره أو التصديق بموضوعية الموضوع أو التصديق بوجوده أما الأول فهو داخل فى الاستمداد وأما الثانى والثالث فليس شئ منهما بتمامه مذكورًا فى الكتاب فلا يصح ذكر الموضوع فى عنوان الكلام، وأنت إذا نظرت فى هذا الجواب لا تجد شيئًا يدل على أن المبادئ بحسب المفهوم لا تتناول الموضوع بل فيه استعذار لعدم ذكر بعضه فى الكتاب فيجوز أن يكون لفظ المبادئ المذكور فى تقسيم الكتاب إلى أجزائه له مفهوم عام شامل لما هو جزء من الكتاب ولغيره، ثم إذا شرع فى تفصيل أجزاء الكتاب يجب أن يقيد ذلك العام على وجه لا يتناول غير الجزء إذ تفصيل ذلك الغير لا يكون مطلوبًا، كما إذا قلنا الحيوان إما أبيض أو أسود والأبيض الذى هو من الحيوان حاله كذا فإذا قال فالمبادئ يجب أن يقصد منه المبادئ المذكورة فى الكتاب وليس فيه ركاكة قطعًا.

قوله: (وأما أهليته وإن عدّت) أى وأما عدم ذكر الموضوع باعتبار أهليته حال كونها من أجزاء العلوم فوجهه ما ذكر، وحاصل هذا الجواب تركها فى الكتاب والترك حال كونها جزء من العلم مستبعد بالنسبة إلى تركها حال كونها غير جزء والأمر فى عدم ذكر القياس سهل.

قوله: (موقوفة على امتيازه عما عداه) يعنى أن الطالب يجب عليه أن يتصور

ص: 51

مطلوبه إما بخصوصه من غير أن يجعل مفهوما كليًا آلة لملاحظته هو بأمر صادق عليه مختص به فإن كان المطلوب واحدًا فلا بد من تصوره كذلك إذ لو لم يتصوره أصلًا امتنع طلبه وإن تصوره فى ضمن مفهوم عام فلا يتعلق به إرادته وإن تصوره بأمر عام وقصد تحصيل ذلك العام فى ضمن فرد منه لا بعينه فربما آداه إلى ما ليس بمطلوب وأنت خبير بأن تلك الأقسام الثلاثة كما تجرى فى المطلوب الكثير وسيأتى ذكرها تجرى فى المطلوب الواحد أيضًا إلا أنه ترك القسم الثانى هنا وكأنه أشار بقوله وقصد تحصيله فى ضمن جزئى لا بعينه، مع أن الظاهر انتساب قصد التحصيل إلى الخاص الذى هو المطلوب فإن ما يقصد تحصيله ليس إلا المطلوب إلى أنه إذا تصور الشئ بأمر عام لم يكن طلب ذلك الشئ وقصد تحصيله بل الذى يمكن طلبه وقصد تحصيله هو المفهوم العام فى ضمن جزئى منه.

قوله: (فربما أداه إلى مما ليس بمطلوب) ههنا بحث وهو أن الفطرة السليمة حاكمة بأنه إذ لم يتصور شئ بخصوصه لم يمكن طلبه من العاقل المختار، فإنه إذا تصور المفهوم العام والتفت إلى أفراده من غير ملاحظة خصوص فرد أو ما يختص به لا يمكن له إلا طلب فرد غير معين فكل فرد من تلك الأفراد إذا حصل له فهو مطلوبه فلا يكون التأدية إلى ما ليس بمطلوب ويمكن أن يجاب بأن تصور المطلوب باعتبار أمر شامل فقط محال مفروض وقوعه فى مقدم الشرطية لزيادة التقرير والتوضيح.

قوله: (على قياس ما سبق) أى فى المطلوب الواحد من استحالة عدم تصوره مطلقًا واستحالة تصوره فى ضمن مفهوم عام عند طلبه بخصوصه وأنت تعلم أن جهة الوحدة يجب أن تعتبر ههنا على وجه يتناول كل واحد مما هو صادق على الكثرة المطلوبة مختصًا بها حتى يصح قوله فيجب عليه تصور كل واحد؛ لأن المعلوم مما سبق وجوب تصور المطلوب إما بخصوصه أو بأمر مختص به فإذا قال إن لم يكن لتلك الكثرة جهة واحدة بمعنى أن لا يكون لها مفهوم كلى مختص لزم وجوب تصور كل واحد ولو كان المراد بجهة الوحدة ما هو أخص من ذلك لم يلزم مما سبق ومن انتفاء جهة الوحدة للكثرة وجوب تصور كل واحد لجواز أن يتصور الكثرة بخاصة لا تكون جهة الوحدة.

قوله: (ولذلك قال حقه) أى ولأجل احتمال هذا القسم قال حقه ولم يذكر

ص: 52

عبارة دالة على الوجوب والشارح أورد فى تعليل قوله حقه أن يعرفها بتلك الجهة أمرًا واحدًا من جملة الأمور المحتملة عند عدم صرفتها بجهة الوحدة وهو قوله إذ لو اندفع. . . إلخ. والمحشى أورد جميعها ومثل ذلك واقع فى مواضع فإن قلت: ما المفرق بين قوله وأن تصورها بما يعمها وغيرها وبين قوله ولو اندفع إلى طلبها من حيث إنها جزئى للمفهوم العام قلت الفرق هو أن الأول يكون المطلوب فيه هو الخاص والعام آلة لملاحظته كما إذا كان المطلوب ماهية الإنسان لا من حيث هو حيوان فهو يتصور فى ضمن مفهوم الحيوان والثانى يكون المطلوب فيه هو العام حقيقة ونسبة الطلب إلى الكثرة باعتبار ذلك الفهوم، كما إذا كان المطلوب مفهوم الحيوان فى ضمن الفرد والإنسان مطلوب من حيث إنه جزئى منه وهذا القسم الأخير هو القسم الآخر المذكور فى المطلوب الواحد وهو قوله وإن تصوره باعتبار أمر شامل قيل الفرق هو أن الأول يعتبر فيه العموم والشمول الذى هو شمول الكل للأجزاء والثانى يعتبر فيه العموم الذى هو عموم الكلى لجزئياته وأنت تعلم أن العاقل إذا لم يتصور الشئ على وجه يتميز عما عداه يمتنع منه طلب ذلك الشئ كما سبق، فتصور المطلوب من حيث هو مطلوب فى مفهوم عام شامل غير معقول بل لو كان هنا مطلوب لم يكن إلا العام وتحققه فى ضمن فرد لا بعينه فليس فى هذين القسمين إلا فرض ما هو محال لزيادة التوضيح إذ قد ينسب الطلب إلى الخاص عند طلب العام كما يشعر به حاشية الحاشية.

قوله: (فقد ظهر بطلانه) أى من بيان الأقسام المحتملة عند عدم معرفة الكثرة بجهة الوحدة فإن قوله يتضمن خوف فوات المقصود وتضييع العمر ودفعه واجب عقلًا صحيح إذا لم يكن القسم الذى ذكره بقوله وإن توجه إلى تصور كل واحد منها بخصوصه تعذر عليه أو تعسر من الأقسام المحتملة.

قوله: (بواسطة أمر ارتبط به بعضها ببعض. . . إلخ) هذا الكلام يدل على أن المراد بجهة الوحدة يكون أخص من مطلق الخاصة والكلام السابق يقتضى تعميمه على ما سبقت الإشارة إليه.

قوله: (إذ لو أخذ تعريفه من حيث إنه متكثر) هذا الكلام يناسب التعميم فى جهة الوحدة؛ لأن عدم أخذ تعريف العلم من جهة وحدته على ما هو الظاهر من كلامه لا يوجب أخذ تعريفه من حيث إنه متكثر والمراد بالحد ههنا المعرف وإنما قال

ص: 53

المحشى حدًا حقيقيًا وحدًا رسميًا ليطابق قول المصنف فالمبادئ حده وبيان قوله فى حاشية الحاشية فإن ذلك أزيد لبصيرته وأسهل فى معرفته أنه إذا تصور العلم بما هو مأخوذ من جهة وحدته صار كل مسألة واردة على الشارع داخلة فى العلم المطلوب متميزًا عن غيره بخلاف الخاصة التى لا تفيد ذلك وهى خاصة ثابتة لمجموع مسائله من حيث المجموع ولا يكون بحيث إذا نظر إلى ذات المسألة يعلم ارتباطها بها ويثبت تصور المأخوذ من جهة الوحدة يصير معرفة المطلوب أسهل إذ لا يشغل بما لا يعنيه.

قوله: (عد كده عبثًا عرفًا) إنما قال عد كده عبثًا ولم يقل كان كده عبثًا لأن الطالب إذا لم يعتقد فائدة العلم المترتبة عليه المقصودة منه واعتقد فائدة أخرى وهى مترتبة أيضًا وليست بقدر المشقة لا يلزم أن يكون عبثًا عرفًا، إذ العبث العرفى على ما ذكر فى حاشية الحاشية ما لا يترتب عليه فائدة أصلًا أو يترتب ما لا يعتد به ولا يصدق هذا البيان على ذلك السعى إذ يترتب عليه فائدة معتد بها وهى الفائدة المقصودة منه ولا يلزم أن لا تكون تلك الفائدة مهمة للطالب غايته أنه لم يعتقدها فإن قلت يجوز أن تكون الفائدة المترتبة المعتد بها متعددة ولا يلزم من عدم اعتقاد الفائدة المقصودة عدم اعتقاد الفائدة المترتبة المعتد بها قلت ليس المراد بالفائدة المقصودة من العلم إلا الفائدة التى يعتد بها وتحصيل منه.

واعلم أن ترتيب القيود فيما هو من حق كل طالب علم يقتضى تقديم قوله وإن اعتقد باطلًا على قوله وإن اعتقد ما لا يعتد به لكنه نظرًا إلى أنه أولى بالتأخير.

قوله: (إن كان غير ضرورى على وجهين) البيان الإجمالى فيه يتناوله الاستمداد وهو أن يقال علم الأصول مستمد من الكلام والعربية والأحكام ويستدل على ذلك يشمل البديهى والنظرى، ويجب أن يكون كذلك إذ يثبت على هذا التقرير توقف علم الأصول على ما يعد من الاستمداد مطلقًا وهو بصدد ذلك والضرورى لا يحتاج إلى البيان بمعنى إظهاره بخصوصه من الشئ بطريق النظر، وكما أن الكلام المذكور فى البيان الإجمالى يحصل منه البيان فى النظريات مع عدم النظر المتعلق بخصوصيتها يجوز أن يحصل منه مثل ذلك البيان فى الضروريات أيضًا وقوله ليرجع إليها عند روم التحقيق يجوز أن يقيد بقولنا إن كان محتاجًا إلى

ص: 54

التحقيق بعد إثبات أن التحقيق لا يجرى فى الضرورى، لكن المحشى قد قيد البيان المنقسم إلى الإجمالى والتفصيلى بقوله: إن كان غير ضرورى لتصحيح ذكر البيان فى القسم التفصيلى إذ البيان لا يجرى فى الضرورى الواقع على التفصيل ولتصحيح قول الشارح ليرجع إليها عند روم التحقيق لأن روم التحقيق لا يكون إلا فى النظرى.

واعلم أن قول المصنف فالمبادئ حده وفائدته واستمداده يشمل جميع ما يندرج فى المبادئ بديهيًا أو نظريًا وقول الشارح: قد ذكر من مبادئ العلم ثلاثة أمور أحدها حده. . . إلخ. يكون لبيان كون كل واحد من الأمور الثلاثة مذكورا من المبادئ وبيان كون الحد مذكورا منها هو قوله؛ لأن كل طالب علم وبيان كون الفائدة مذكورا منها هو قوله ليخرج عن العبث وبيان كون الاستمداد مذكورًا منها يكون باعتبار وجهين كما بين فيه، فإن الاستمداد المذكور من المبادئ على وجهين إجمالى وتفصيلى وبيان كون الإجمالى مذكور فى أثناء المبادئ هو قوله ليرجع إليه عند روم التحقيق وبيان كون التفصيلى مذكورًا منها هو قوله لبناء المسائل عليها فلو عمم الكلام على وجه يتناول الجميع لكان أوفق.

الشارح: (لأن كل طالب كثرة. . . إلخ) بيان لكون الحد مذكورًا من المبادئ وحاصل ما أشار إليه أن كل علم مسائل كثيرة تضبطها جهة وحدة وكل ما كان كذلك فلابد لطالبه من معرفته بجهة وحدته ومن جهة وحدته يؤخذ تعريفه المعنون عنه بالحد عند الأصوليين سواء كان حدًا باصطلاح المناطقة أو رسمًا باصطلاحهم فقد أشار الشارح إلى قياس مركب من الشكل الأول أشار إلى كبراه بقوله: لأن كل طالب. . . إلخ. وأشار إلى صغراه بقوله ولا شك أن كل علم. . . إلخ.

اعترض ذلك التفتازانى بأن جهة الوحدة لا يلزم أن تكون محمولة كالموضوع والغاية فإن أراد حصر جهة الوحدة فى الحد والرسم فليس بصحيح لأن الجهة قد تكون غير محمولة كالموضوع وإن أراد حصر التعريف المأخوذ منها فالتقريب غير تام.

الشارح: (ليخرج عن العبث. . . إلخ) بيان لوجه ذكر الفائدة من المبادئ، وقوله: عن العبث أى إذا لم يعتقد فائدة أصلًا لأنه عبث ظاهر، وقوله: ويزداد

ص: 55

جده إشارة إلى خروج ما إذا اعتقد الفائدة المترتبة عليه ولكنها غير الفائدة المقصودة منه وقوله: ولئلا يصرف. . . إلخ. إشارة إلى خروج ما إذا اعتقد فائدة أخرى غلطًا وهذان القسمان الخارجان من العبث العرفى.

التفتازانى: (وتسمى مقدمات كمعرفة الحد والغاية والاستمداد) جرى على ما تقدم له من أن بيان الاستمداد إجمالًا من المقدمات وقد علمت رده.

التفتازانى: (والتصديقات التى منها تتألف قياسات العلم) الأولى تعميمها لكل ما تنبنى عليه مسائل العلم.

التفتازانى: (لأن الاحتياج. . . إلخ) يعنى أن الدليل إنما ينتج الاحتياج إلى معروفة العلم بجهة وحدته ولا ينتج المطلوب وهو الاحتجاج إلى تعريفه بالحد أو الرسم وقد أجيب عن ذلك بأن مراد الشارح أن الأولى لطالب العلم أن يعرفه بحده أو رسمه المأخوذ من جهة وحدته لأنه أيسر الطرق لتمييزه وإن كان التمييز يحصل أيضًا بمعرفته بجهة وحدته من غير أخذ للتعريف منها فالبصيرة تحصل بمعرفته بجهة وحدته وبالتعريف المأخوذ منها وحصولها بالثانى أكمل وأسهل، فقول التفتازانى: لا يوجب الاحتياج. . . إلخ. مردود بأن المدعى ليس وجوب الاحتياج بل الأولى والأحسن وقوله: أن يعرف بجهة أخرى أى يعرف العلم بجهة أخرى غير الحد والرسم بل بمجرد ملاحظة جهة الوحدة وقوله فيكون على بصيرة هو مسلم ولكن المعرفة بالتعريف أولى، وقول الشارح، لا بد. . . إلخ. مراده الأولى والأحسن بالنسبة لمعرفته بجهة الوحدة لكن قوله: فإن من لم يتصور كذلك ينافى ذلك إلا أن يؤول بأن المراد من لم يتصور كذلك ولم يتصوره بجهة وحدته بل تصوره بما يعمه وغيره كما يؤخذ من حاشية السيد ولك أن تدفع كلام التفتازانى بأن معرفة العلم بجهة الوحدة عبارة عن معرفته بحده أو رسمه المأخوذ منها فقول التفتازانى لجواز أن يعرف بجهة أخرى أى غير الحد والرسم بأن يعرف بجهة الوحدة من غير تعريف مأخوذ منها ممنوع.

التفتازانى: (والغرض اسم لها) أى للغاية معناه أنه قد يطلق عليها وإلا لما صح قوله: فربما لا يتوافقان.

التفتازانى: (كالأشياء المستعملة فى العلم. . . إلخ) حمل التصور على التصور الساذج لا على مطلق الإدراك كما فعل قدس سره وهو مخرج على ما تقدم.

ص: 56

التفتازانى: (أو فى هذا العلم لكن بمسائل. . . إلخ) يقال عليه حق هذا أن يدرج فى قوله: أو تحقيقه، وقوله: أو من تحقيقه كالتصديقات البينة فيه أن التصديقات البينة هى البديهية وهى لا تحتاج إلى تحقيق فالأولى ما صنعه قدس سره فهو إشارة للرد على ما صنعه التفتازانى.

قوله: (بالمعنى الأعم) هو ما توقف عليه المقصود ذاتًا أو تصورًا أو شروعًا كما سبق للمحشى.

قوله: (المقصود ههنا) أى: فى حصر ما يمكن أن يتضمنه المختصر فى الأربعة.

قوله: (ليست منحصرة فيما ذكر) أى فى هذه الثلاثة التى هى بعض المبادئ بالمعنى العام الذى سماه المصنف بالمبادئ.

قوله: (قال المصنف. . . إلخ) استدلال على اندراج الموضوع فى المبادئ عند المصنف.

قوله: (فاندفع ما قيل. . . إلخ) قائله السعد، ووجه الدفع أننا نختار أن المراد بالمبادئ ما سماه المصنف ومنع قولك كانت كلمة من لغوًا لأن ما سماه المصنف مبادئ هو المبادئ بالمعنى الشامل للأربعة فتكون الثلاثة المذكور بعضًا منها ومن للتبعيض فقوله: لأن ما ذكر نفس المبادئ لا بعضها ممنوع.

قوله: (وإنما لم يذكر الموضوع. . . إلخ) اعتذار عن عدم ذكر الموضوع استقلالًا على الوجه المذكور فى المنتهى لأن تصوره داخل فى الاستمداد فى نفس الأمر وإن لم يذكر فيه كبعض المسائل فى سائر الأجزاء إذ لم يذكر جميع مسائل الأدلة والترجيح والاجتهاد.

قوله: (وأما أهليته) أى: ثبوت الوجود له أو التصديق بثبوت الوجود له.

قوله: (والإجماع يستدل عليه. . . إلخ) فيه أن إثبات وجود الموضوع أو جزئه فى العلم مما لم يجوزوه فكيف يستدل على الإجماع فى بابه ولم يذكر القياس لعدم كونه أصلًا مستقلًا فإنه فرع الثلاثة.

قوله: (وإن تصوره) الضمير راجع إلى المطلوب باعتبار الفرض والتقدير أى على فرض أن المطلوب يكفى فيه التصور ولو بأمر عام وفرض قصد تحصيله باعتبار كونه من جزئيات العام فربما أداه إلى جزئى آخر غير ذلك المطلوب الفرضى فيفوت ذلك المطلوب الفرضى مع أنه ليس مطلوبًا حقيقة لأنه لا يكون مطلوبًا إلا إذا

ص: 57

تصور بخصوصه وقصد تحصيله باعتبار خصوصه فقوله: وقصد تحصيله الضمير المجرور فيه عائد على المطلوب الجزئى المفروض الذى تصور بأمر عام وقوله فى ضمن جزئي. . إلخ فيه مسامحة إذ الجزئى العين لا يكون فى ضمن الجزئى غير المعين بل الأمر بالعكس فليس الظاهر مرادًا بل المراد من حيث كونه جزئيًا من الجزئيات وقوله: إلى ما ليس بمطلوب. . . إلخ. أى إلى ما ليس بمطلوب هو ذلك الذى فرضته.

قوله: (على قياس ما سبق) أى فيقال: لا بد أن يتصور كل واحد بخصوصه من حيث هو كذلك لأنه إن لم يتصوره أصلًا استحال الطلب وإن تصوره بأمر عام إلخ.

قوله: (ولذلك قال حقه) أى لأجل شموله عدم التصور بالجهة الضابطة بالتصور مسألة مسألة وإن كان متعسرًا قال حقه وهو وجه آخر ما قاله السعد فإنه قال على قوله: حقه أن يعرفها. . . إلخ. أى الأحسن بحاله والأعون على تحصيل مراده لأن ما ذكر من قوله: لم يأمن. . . إلخ. لا يفيد اللزوم فإنه إنما يقتضى أن التعبير بالأحقية نظرًا إلى إسكان التصور بالجهة غير الضابطة.

قوله: (لم تتعلق الإرادة بخصوصها) أى فلم تكن مطلوبة وقوله ولو اندفع إلى طلبها. . . إلخ معناه أنه على هذا التصور بالوجه العام الذى خرجت به عن أن تكون مطلوبة لو فرض طلبها بتوهم أن تصورها بالوجه العام كاف فيه لم يتميز عنده ذلك المطلوب الفرضى فليس فى تصور الكثرة بما يعمها وغيرها إلا صورة واحدة هى المذكورة فى تصور الأمر الواحد الذى تقدم ذكره خلافًا للهروى حيث جعل قوله: ولو اندفع. . . إلخ. صورة أخرى غير صورة ما إذا تصورها بأمر يعمها وغيرها وجعل الفرق بينهما أن الأولى العام فيها اعتبر آلة لملاحظة الجزئى المخصوص والثانية اعتبر أن المطلوب فيها هو العام وجعل ضمير تحصيله للعام.

قوله: (ومن حمل كلامه) أى قوله فحقه. . . إلخ.

قوله: (عقلًا) كان المناسب حذفه ليتأتى التشقيق بعد.

قوله: (أنه لا بد منه. . . إلخ) أى لا يمكن تحصيل المطلوب المذكور إلا بتصوره بالجهة الضابطة المذكورة.

قوله: (فقد ظهر بطلانه) أى من تأتى تصوره واحدًا واحدًا وإن تعسر أو تعذر

ص: 58

بناء على أن التعذر لغة لا يقتضى المنع كما نقل عن المحشى.

قوله: (بالتوقف على قاعدة التحسين) أى الوجوب شرعًا بناء على أن دفع الضرر واجب واعتبر تصور الكثرة بالجهة الضابطة بالنسبة إلى تصورها بالجهة العامة لا باعتبار تصورها حتى واحدًا واحدًا لأن ذلك ليس فيه خوف فوات المطلوب.

قوله: (فلا يناسب المقام) لأن المقام مقام بيان الشروع على بصيرة لا مقام بيان الأحكام.

قوله: (ولا نقول به) أى لو قطعنا النظر عن المقام فنحن لا نقول بالتحسين العقلى.

قوله: (من العلوم المخصوصة المدونة) احترازًا عن العلم الذى ليس كذلك فإنه ليس له جهة ضابطة.

قوله: (فى أنها تصديقات) أى أمور مصدق بها يدل على ذلك قوله: والأحكام فلا ينافى أن العلم هو المسائل التى هى الأحكام لا التصديقات.

قوله: (إلى غير ذلك) كرجوع بعضها إلى أن برهان مسائلها لمى وبعضها إلى أن برهان مسائلها أنى.

قوله: (المتشاركة فيه) كعلم الهندسة فإنه يبحث فيه عن الأعراض الذاتية لكل من الخط والسطح والجسم التعليمى التى هى أنواع للكم المتصل القار الذات وهو المقدار.

قوله: (فإن قلت. . . إلخ) وارد على قوله: ولا شك أن كل علم مسائل.

قوله: (وقد يقال عدهما. . . إلخ) أما اتصال الموضوع بها فمن حيث إن ارتباط بعضها ببعض ارتباطًا يحسن معه جعلها مع كثرتها علمًا واحدًا إنما هو بسببه وأما اتصال المبادئ بها فمن حيث إنها مما يحتاج إليها المسائل.

قوله: (يرشدك إلى ذلك) أى إلى كون الموضوعات والمبادئ خارجة عن حقيقة العلم ما أوردوه تفسيرًا لمفهومات العلم حيث فسروها تارة بالقواعد وتارة بالقوانين وتارة بإدراك ذلك.

قوله: (فلا بد أن يؤخذ من جهة وحدته) أراد بجهة الوحدة ما يشتمل الخاصة المركبة.

ص: 59

قوله: (واحدًا له رسميًا) إنما عبر بالحد ليطابق قول المصنف فالمبادئ حده وقد عرفت شمول الحد عندهم للرسم.

قوله: (فقد ظهر. . . إلخ) قيل عليه لا وجه لترتبه على الاستلزامين المذكورين قبله وأجيب بأن المراد أنه لا بد لطالب العلم أن يعرفه ومعرفته بجهة وحدته وهى منحصرة فى الحد والرسم وهما أسهل الطرق فى التمييز على ما عرفت فلابد لطالب العلم أن يتصوره بحده أو رسمه على ما تقدم وقصد بذلك الرد على التفتازانى فى قوله المتقدم وبينه بقوله والحاصل أن حق الطالب إلخ.

قوله: (إذ لو تصوره. . . إلخ) أى على الفرض والتنزل وإلا فلا يتأتى أن يطلب إلا ما كان متصورًا بخصوصه، وفى قوله بما يشتمله وغيره إشارة إلى أن المراد بأنه لابد أن يتصور العلم بحده ورسمه أنه لا يتصور بأمر عام وأن التصور بجهة الوحدة من غير أخذ للتعريف منها محصل للبصيرة.

قوله: (أزيد لبصيرته) أى أفيد لها من تصورها بالجهة من غير تعريف مأخوذ منها وإن كانت البصيرة فى كل كاملة.

قوله: (وقد بان تعذره) لم يقل تعسره أو تعذره ميلًا إلى أن المسائل تتزايد بتزايد الأفكار ولا يمكن الإحاطة بها.

قوله: (يعتقد. . . إلخ) قد يفهم منه أن العبث فى قول الشارح ليخرج عن العبث هو العرفى إذ العبث بحسب اللغة ما لا يترتب عليه فائدة أصلًا والتصديق بفائدة العلم لا دخل له فى الخروج عن العبث اللغوى إذ فائدة كل علم تترتب عليه سواء صدق بها أم لم يصدق وقول التفتازانى: أى الفعل لا لفائدة أى مصدق بها يدل عليه قوله: لأنه إذا لم يعرف فائدة العلم ربما يكون عابثًا فى طلبه لكن قوله ربما غير ظاهر.

قوله: (استحال إقدامه) مبنى على مذهب الحكماء والمعتزلة من وجوب وجود اعتقاد النفع فى الفعل الإرادى فلابد للفعل الاختيارى من التصديق بفائدة مخصوصة وعند الأشاعرة يجوز ترجيح الفاعل المختار أحد الأمرين الجائزين على السوية من غير مرجح وعليه يكون عبثًا محضًا.

قوله: (وإن اعتقد ما لا يعتد به. . . إلخ) أى من حيث هو كذلك وإن ترتب على العلم الفائدة المعتد بها فى الواقع ولذا قال: عد كده عبثًا عرفًا.

ص: 60

قوله: (ربما زال. . . إلخ) أورد كلمة ربما باعتبار قوله: فكان سعيه عبثًا فى نظره لأن زوال اعتقاده لا يستلزم كون سعيه عبثًا لجواز أن يكون ذلك الزوال إلى اعتقاد ترتب ما هو فائدة الفعل بحسب نفس الأمر وتكون مهمة ويسعى فى تحصيله فلا يكون سعيه عبثًا فى المآل فالتقليل راجع لقوله: فكان سعيه إلخ.

قوله: (تسمى غاية. . . إلخ) فالفائدة والغاية متحدان ذاتًا ويختلفان اعتبارًا والغرض والعلة الغائية شئ واحد.

قوله: (لا يوجد فى أفعاله) أى لأنه يلزم استكماله بالغير وهو محال.

قوله: (وقد يخالف. . . إلخ) أى الغرض الفائدة وقوله: كما إذا أخطأ. . . إلخ. أى فحينئذ يتحقق الغرض دون الفائدة.

قوله: (لا عقلًا ولا نقلًا) ذكر العقل للمبالغة فى عدم السند وإلا فلا دخل للعقل فى مثل ذلك ورد عدم السند بأنه قد ذكر فى المواقف فى بيان أن الأفعال ليست معللة بالأغراض أن غرض الفعل أمر خارج عنه يحصل تبعًا للفعل ويتوسطه وإذ هو فاعل لجميع الأشياء ابتداء كما بيناه فلا يكون شئ من الكائنات إلا فعلًا له تعالى لا غرضًا لفعل آخر لا يحصل إلا له ليصح غرضًا لذلك الفعل. اهـ. فذلك سند لما قاله الأبهرى: الذى رد عليه المحشى وأجيب بأن المراد لمن قوله: لا يحصل إلا به أى بجنس الفعل لا إلى الفعل إلى: يصير الشئ غرضًا له بقرينة تفريعه على كونه تعالى فاعلًا لجميع الكائنات ابتداء فمراد تعالى لا يمكن حصوله ابتداء بلا توسط فعل مطلقًا فالحصر فيه بالنسبة إلى حصوله بلا واسطة لا بالنسبة إلى جميع الأفعال المغايرة لذلك الفعل الآخر ولكنه بعيد.

قوله: (يعنى ما يتوقف عليه المسائل) أشار إلى أن الاستمداد بمعنى المستمد منه لا بالمعنى المصدرى.

قوله: (إن كان غير ضرورى) لأن البيان فى القسم التفصيلى وهو الذى يكون بإفادة شئ مما لابد من تصوره أو تسليمه أو تحقيقه لا يجرى فى الضرورى.

قوله: (إذ يقصر عنه تسليم المبادئ المبينة) أى تسليم المبادئ لعلم الأصول المبينة فى علم آخر قاصر عن تحقيقها فبيان الاستمداد الإجمالى يرجع إلى المستمد منه إذا أريد بتحقيق تلك المبادئ.

قوله: (وعقبه بالتفصيلى) كان الأولى أن يقول: وأما التفصيلى وهو عطف

ص: 61

على قوله أما الإجمالى.

قوله: (مما لا بد من إدراكه) حمل التصور على الإدراك المطلق ليدخل فيه التسليم والتحقيق اللذان هما من التصديق ويظهر ترك حرف العناد فى قوله وتسليمه وعلى هذا يكون عطف قوله وتسليمه على تصوره الذى هو بمعنى مطلق الإدراك من عطف الخاص على العام ويكون العناد بين التسليم والتحقيق، وقوله: فإن كان تصورًا أى ساذجًا فذاك أى فالمطلوب نفسه ولا يخفى ما فى ذلك من التكلف والأولى أن قوله: من تصوره باقٍ على معناه من التصور الساذج ثم إنه فى مثل هذا التركيب يجوز أن يعطف الثانى على الأول ثم يعطف الثالث على مجموعهما فالانفصال يكون بين الأخير وبين مجموع الأولين وهذا هو الظاهر وقد يعتبر عطف الأخير على الثانى أولًا ثم يعطف أحد الآخرين على الأول فيكون المعنى أنه لابد من الأول ومن أحد الآخرين فههنا يقال لا بد من تصوره ومن أحد الآخرين لا بينهما جميعًا لجواز أن تكون المبادئ التصديقية كلها مسلمات أو مما تحتاج إلى التحقيق.

قوله: (فينتقل من برهانه. . . إلخ) لا يقال فحينئذ لا فائدة فى البيان الاستمدادى إجمالًا لأن ما يكفى فيه التسليم يكفى نقله مجردًا وما لا يكفى فيه ذلك ينقل عن برهانه ما يمكن معه بناء المسائل عليه لأنا نقول: فائدته أن ما يكفى فيه النقل مجردًا قاصر عن التحقيق فعند رومه يرجع إلى ما منه الاستمداد الذى بين إجمالًا وأيضًا هو وإن نقل من برهانه ما يمكن بناء المسائل عليه يحتاج إلى زيادة تحقيق فيرجع إليه عند الروم لذلك.

قوله: (يرد عليه أن البديهى لا يحتاج إلى بيان) هو ما عليه الاصطلاح ولا سيما فى أمر المبادئ فإنهم يقولون المبادئ إما بينة أو مبينة بمعنى إما بديهة أو مكتسبة فلا عبرة بما قيل المراد بالبيان الذكر.

قوله: (وإن صدر به بعض العلوم) يعنى أن التصور البديهى والتصديق البديهى وإن صدر بهما بعض العلوم فلا يحتاجان إلى بيان وتحقيق لجواز أن يكون هذا التصدير لغرض آخر غير البيان والتحقيق.

ص: 62

قال: (أما حده لقبًا: فالعلم بالقواعد التى توصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، وأما حده مضافًا: فالأصول: الأدلة، والفقه: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال).

أقول: اللقب علم يشعر بمدح أو ذم وأصول الفقه علم لهذا العلم يشعر بابتناء الفقه فى الدين عليه وهو صفة مدح ثم إنه منقول من مركب إضافى فله بكل اعتبار حد.

أما حده لقبًا: فالعلم بالقواعد التى يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية والذى يكشف عن حقيقته أن الأحكام قد تؤخذ لا من الشرع كالتماثل والاختلاف وقد تؤخذ منه وتلك إما اعتقادية لا تتعلق بكيفية عمل وتسمى أصلية أو عملية تتعلق بها وتسمى فرعية وهذه لا تكاد تتناهى، فامتنع حفظها كلها لوقت الحاجة للكل فنيطت بأدلة كلية [بغيرهما](*) من عمومات وعلل تفصيلية، أى كل مسألة مسألة بدليل دليل لتستنبط منها عند الحاجة وإذ ليس فى وسع الكل أيضًا أن ينتهض له لتوقفه على أدوات يستغرق تحصيلها العمر وكان يفضى إلى تعطل غيره من المقاصد الدينية والدنيوية فخص قوم بالانتهاض له وهم المجتهدون والباقون يقلدونهم فيه فدونوا ذلك وسموا العلم الحاصل لهم ومنها فقهًا وأنهم احتاجوا فى الاستنباط إلى مقدّمات كلية كل مقدّمة منها يبتنى عليها كثير من الأحكام وربما التبست ووقع فيها الخلاف فتشعبوا فيها شعبًا وتحزبوا أحزابًا ورتبوا فيه مسائل تحريرًا واحتجاجًا وجوابًا فلم يروا إهمالها نصحًا لمن بعدهم وإعانة لهم على درك الحق منها بسهولة فدوّنوها وسموا العلم بها أصول الفقه فكان حده ما ذكرنا وفوائد القيود قد ظهرت.

وأما حده مضافًا: فلا بد فى معرفة المركب من معرفة مفرداته من حيث يصح تركيبها وأصول الفقه مفرداته الأصول والفقه من حيث دلالتهما على معنيهما فالأصول الأدلة. وذلك أن الأصل فى اللغة ما يبتنى عليه الشئ ويقال فى الاصطلاح للراجح يقال الأصل الحقيقة وللمستصحب يقال تعارض الأصل والطارئ وللقاعدة الكلية يقال لنا أصل وهو أن الأصل مقدّم على الطارئ وللدليل

(*)[بغيرهما]: هذه اللفظة سقطت من نسخة بولاق، استدركناها من حاشية الشيخ الجيزاوى.

ص: 63

يقال الأصل فى هذه المسألة الكتاب والسنة وإذا أضيف إلى العلم فالمراد دليله والفقه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال وبهذا القيد الأخير احترزنا عما عرف بالأدلة ضرورة كعلم جبريل والرسول عليهما السلام ومن لم يجعله عن الأدلة ورأى ذلك مشعرًا بالاستدلال فإما للتصريح بما علم التزامًا وإما لدفع الوهم واما للبيان دون الاحتراز وباقى القيود عرفت مما تقدم.

واعلم أن له جزءًا آخر كالصورة وهو الإضافة وإضافة اسم المعنى تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه باعتبار ما دل عليه لفظ المضاف تقول مكتوب زيد والمراد اختصاصه به لمكتوبيته له بخلاف اسم العين فإنها تفيدى الاختصاص مطلقًا.

فإذًا أصول الفقه أدلة العلم من حيث هى أدلته ونقل إلى ما ذكرناه عرفًا ولو حمل الأصول على معناه اللغوى حتى يكون معناه ما يستند إليه الفقه لشمل الأقسام فلم يحتج إلى النقل.

قوله: (يشعر بمدح) يعنى باعتبار مفهومه غير العملى وإن لم يكن مما يقصد عند استعمال اللفظ علمًا.

قوله: (فله بكل اعتبار حد) الضمير راجع إلى أصول الفقه لكن المراد بالمرجع اللفظ وبالضمير المدلول، وكذا فى قوله: أما حده لقبًا المراد بالضمير المدلول ولقبًا حال عنه باعتبار اللفظ كأنه قال: أما حده حال كون اللفظ لقبًا فالعلم بالقواعد والمراد بالعلم الاعتقاد الجازم المطابق أو الملكة التى هى مبدأ تفاصيل القواعد، والقواعد هى القضايا الكلية التى تنطبق على جزئياتها عند تعرف أحكامها، والأحكام المستنبطة من القضايا النسب التامة مثل قولنا: الحج واجب ومعنى انتسابها إلى الشرع ثبوتها به وإلى الفرع تعلقها به ولو أريد بها الخطابات المتعلقة بأفعال المكلفين لكان ذكر الشرعية والفرعية مستدركًا.

قوله: (وهذه) أى الأحكام الشرعية والفرعية.

(لا تكاد تتناهى) لعدم تناهى جزئيات متعلقاتها من المحكوم عليه وبه وفيه، بمعنى أنه لا ينتهى إلى حد لا يكون بعده جزئى آخر ما دام دار التكليف، ولا خفاء فى امتناع إحاطة القوى البشرية بذلك فلا يمكن لأحد أن يحفظها كلها لوقت الحاجة، فربطها الشارع بأدلة كلية تفصيلية من عمومات وعلل فالعمومات كقوله:

ص: 64

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] الآية، والعلل كما يستنبط من أن علة حرمة الخمر الإسكار ليجرى فى غيرها من المسكرات، وعلة حرمة الربا الطعم والجنس إلى غير ذلك من الجزئيات، فقوله: من عمومات وعلل بيان للأدلة الكلية وقوله: تفصيلية صفة للأدلة ولعمومات وعلل وهو الأظهر والمقصود واحد وفيه احتراز عن الأدلة الإجمالية مثل كون الكتاب والإجماع حجة، وقد يتوهم أن تفصيلية صفة علل وأنه عطف على أدلة وليس بمستقيم؛ لأن قوله أى كل مسألة مسألة بدليل دليل بيان لذلك وتفسير وجميع ذلك شرح لاستنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية ولا يستقيم إلا على ما ذكرنا.

قوله: (وإذ ليس فى وسع الكل أيضًا) يعنى كما ليس فى وسعهم الحفظ ليس فى وسعهم الانتهاض للاستنباط (لتوقفها) أى الأحكام يعنى استنباطها، والأحسن تذكير الضمير ليعود على الاستنباط أو الانتهاض فإن قيل لو توقف على أدوات يستغرق تحصيلها العمر لم يكن فى وسع أحد لانقضاء العمر فى تحصيل الأدوات قلنا: نعم لو لم يكن بعضهم لبعض ظهيرًا ولهذا قالوا: إن العلوم إنما تتم بتلاحق الأفكار.

قوله: (وكان يفضى) عطف على ليس فى وسع.

قوله: (فدونوا) أى جمعوا ذلك المذكور من الأحكام والمسائل المستنبطة من أدلتها التفصيلية، وسموا العلم الحاصل للمجتهدين بتلك المسائل من تلك الدلائل فقهًا.

قوله: (إلى مقدمات كلية) مثل قولنا كل ما أمر به الشارع فهو واجب وكل ما دل عليه القياس فهو ثابت، ثم يجعل مثل هذه المقدمة كبرى لصغرى سهلة الحصول لتخرج المسألة الفقهية من القوة إلى الفعل كما يقال: الحج مما أمر به الشارع وكل ما أمر به الشارع فهو واجب وشرب النبيذ مما دل القياس على حرمته، وكل ما دل القياس على حرمته فهو حرام وجميع مباحث أصول الفقه راجعة إلى أحوال الأدلة والأحكام لتتم كلية تلك المقدمة إذ الأمر قد لا يكون للوجوب والذى للوجوب قد لا يثبت موجبه لنسخ أو وجود معارض والقياس قد لا يوجب لانتفاء شرط أو وجود مانع إلى غير ذلك من التفاصيل.

ص: 65

قوله: (فلم يروا) من الرأى ونصحًا مفعول له لمضمونه أى تعرضوا لتلك المقدمات مع ما يتعلق بها من الاحتجاجات والاختلافات والأسئلة والأجوبة نصحًا لمن بعدهم وإعانة.

قوله: (فكان حده مما ذكرنا) لأن الاسم إنما وضع لهذا العلم المخصوص فلا يكون له حقيقة سوى ذلك، لما تقرر من أنهم إذا حصلوا مفهومًا ووضعوا بإزائه اسمًا كان ذلك حقيقة مسماه، فلا يقدح فى كونه حدًا اشتماله على ما هو خارج عن العلم كالتعلق والغاية ونحو ذلك.

قوله: (وفوائد القيود قد ظهرت) أى وقع الاحتراز عن العلم بالجزئيات وبالقواعد المقصودة بالذات أو المتوصل بها إلى استنباط غير الأحكام كالصناعات والأحكام غير الشرعية مثل: العقليات والاصطلاحات أو الشرعية الأصلية كالاعتقادات أو الشرعية الفرعية من أدلتها الإجمالية كقواعد الكلام والعربية، إذ لا اختصاص لها باستنباط كل حكم حكم من دليل دليل كما فى قواعد الأصول إذ لا مزيد فيها على أن الكتاب أو السنة مثلًا صدق وحق ولا يرد علم الخلاف إذ لا يتوصل بقواعدها إلى الاستنباط بل إلى حفظ المستنبطات أو هدمها من غير تعلق لها بخصوصيات الأحكام، وكذا علم الحساب إذ التوصل بقواعدها فى مثل له على خمسة فى خمسة إلى تعيين تقدير المقر به لا إلى وجوبه الذى هو حكم شرعى، ولو أنفق فى علم الخلاف مثلًا ذكر قاعدة متعلقة بخصوص الاستنباط كان من مسائل الأصول، ولا امتناع فى اشتراك علمين فى مسألة باعتبارين وما يقال إن قواعد الخلاف لا يتوصل بها إلى استنباط جميع الأحكام بل بعضها ليس بشئ، لأنه لا ينفى كونها من الأصول كسائر قواعده.

قوله: (من حيث يصح تركيبها) مثلًا لا بد فى معرفة البيت من معرفة الأرض والجدار والسقف من حيث يصح تألف البيت منها لا من حيث إنها جواهر أو أعراض حادثة أو قديمة، وكذا لا بد فى معرفة المركب الإضافى من معرفة كل من جزأيه من حيث يصح إضافة أحدهما إلى الآخر، وذلك بمعرفة مدلولهما من غير توقف

(1)

على أنه من اللفظين ثلاثى أو رباعى مجرد أو مزيد معرب أو مبنى إلى

(1)

قوله: على أنه. هكذا فى الأصل ولعل هنا سقطًا وتحريفًا وحق العبارة على أن كلا من اللفظين. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 66

غير ذلك.

قوله: (وذلك أن الأصل) يعنى أنه يطلق فى اصطلاح الفقهاء والأصوليين على معان أحدهما الدليل وقد قامت القرينة على أنه المراد.

قوله: (وبهذا القيد) يعنى سبق أن الفقه اسم للعلم الحاصل للمجتهدين المستنبطين للأحكام من أدلتها التفصيلية، فعلم الرسول وجبريل عليهما السلام لا يكون فقهًا لأنه قد حصل بالأدلة ضرورة لا طلبًا واكتسابًا فحيث لم يذكر الاستنباط فى تعريف الفقه احتيج إلى قيد الاستدلال احتراز عنه، وبعضهم يرى أنه ليس علمًا عن الأدلة لأن حصول العلم عن الأدلة مشعر بكونه بطريق الاستدلال، إذ الحاصل بطريق الضرورة يكون معها لا عنها لأن معنى الدليل ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبرى، فلا يفهم حصول من حصول العلم عنه إلا التوصل إليه بالنظر فيه، فعلى هذا يكون هذ القيد للدلالة مطابقة لا ما دل عليه الكلام التزامًا أو لدفع وهم من يعقل هذا اللزوم ويظن أن مثل علم الرسول عن الأدلة أو لبيان أن الفقه يكون بطريق الاستدلال البتة وإن لم يكن تركه فى التعريف مخلًا، وأما ما يقال من أن قوله عن أدلتها ليس متعلقًا بالعلم بل بالأحكام أو بالفرعية بمعنى أنه يتفرع عن الأدلة فيصدق على علم اللَّه وعلم الرسول وعلم المقلد، ويحترز عنه بقيد الاستدلال فلم يلتفت إليه الشارح لبعده.

قوله: (واعلم) قال الإمام فى المحصول أما أصول الفقه فاعلم أن إضافة الاسم إلى الشئ تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه فى المعنى الذى عينت له لفظة المضاف يقال: هذا مكتوب زيد والمراد ما ذكرنا، ولما لم يكن هذا مطردًا فى مثل دار زيد وفرسه خصه الشارح باسم المعنى وهو ما يدل على معنى زائد على الذات بخلاف اسم العين وهو ما يدل على نفس الذات فإنه لا دلالة فى إضافته إلى الشئ على خصوصية الاختصاص، وأنت خبير بأن جعل جميع الصفات أسماء المعانى خلاف الاصطلاح فالأولى ما ذكرنا فى شرح التنقيح من تخصيص هذا الحكم بالمشتق وما فى معناه كالأصل مثلًا فإنه بمعنى الدليل أو بمعنى المنبنى عليه والمستند إليه، ولهذا جزمنا بأن الشرع فى قولهم أصول الشرع بمعنى المشروع لا الشارع لغيره فيما دل عليه لفظ المضاف، فقد أراد به الدلالة مطلقًا ولو التزامًا فلا منافاة، ومن قال اسم المعنى ما دل على معنى لا يقوم بنفسه وهو معنى العرض

ص: 67

وإضافته تفيد اختصاص المعنى الذى هو مدلوله لا اختصاص ما يقوم به، سواء كان غير مشتق كدق الثوب فإن المختص هو الدق لا القصار أو مشتقًا كما فى: كاتب زيد إذ تفيد اختصاص الكتابة به لا من قامت هى به ولا سائر معانيه وأعراضه، والمشتق إذا كان موضوعًا لشئ يقوم بنفسه باعتبار معنى يقوم به يصح لغة إطلاق كل من اسم العين والمعنى عليه بشرط انضمام الآخر إليه أو بالتجوز وأما اسم العين وهو ما دل على ما يقوم بنفسه فإضافته تفيد اختصاص المضاف مطلقًا أى بحسب الذات والمعانى القائمة به وإن لم يدل عليها لفظه لأنها تابعة له فإذا قيل: دار زيد أفاد أنها جميع منافعها مختصة به ولهذا ثبت الخيار لن اشترى دارًا مؤجرة من غيره إذا لم يعلم ذلك، وأما إذا علم كان فى حكم المستثنى فقد عدل عن الصواب، أما أولًا فلان اختصاص الدق باعتبار تعلقه الخارج عن مفهومه وكأنه لم يتنبه من عبارة الكتاب للفرق بين المختص الذى هو المضاف وجهة اختصاصه ولا مما نقله عن الحصول حيث قال: إضافة اسم المعنى تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه فى المعنى الذى عينت له لفظة المضاف وأما ثانيًا فلأن إضافة الفرس إلى زيد مثلًا لا تفيد اختصاص باعتبار لونه وحركته وطوله إلى غير ذلك من صفاته بل باعتبار ملكيته أو ركوبه وإذا قيل دار زيد فإن فهم اختصاصها بحسب السكنى فذاك وإن فهم الملكية فهم اختصاص منافعها لا سائر أعراضها تبعًا لها لا لإضافتها وأما مسألة الإجارة فلأن الشراء يفيد ملك العين المستتبع لمنافعها ولا تعلق لها بالإضافة أصلًا وقد فرعها عليها كما صرح بذلك ليصح هذا الاختصاص ولو حمل اسم المعنى على ما يدل على معنى يقوم بالغير لم يستقم على ما لا يخفى.

قوله: (ونقل إلى ما ذكرناه) وهو العلم بالقواعد المذكورة على ما يتناول البحث عن أحوال الأدلة والاجتهاد والترجيح.

قوله: (ولو حمل) يعنى لا ضرورة إلى جعل أصول الفقه بمعنى أدلته ثم النقل إلى العلم بالقواعد المذكورة، بل يجوز أن يجعل أصول الفقه بمعنى ما ينبنى عليه الفقه ويسند إليه ويكون شاملًا لمباحث الأدلة والاجتهاد والترجيح لاشتراكها فى ابتناء الفقه عليها، ويكون إطلاقها على العلم المخصوص إما على حذف المضاف أى: علم الأصول أو على صيرورتها بالغلبة علمًا.

ص: 68

قوله: (يشعر بمدح) أى باعتبار مفهومه الأصلى فإن ذلك قد يقصد به تبعًا.

قوله: (علم لهذا العلم) هو من الأعلام الأجناس لأن علم أصول الفقه كلى يتناول أفرادًا متعددة إذ القائم منه بزيد غير ما قام منه بعمرو شخصًا وإن اتحد معلوماهما ولما احتيج إلى نقل هذا اللفظ عن معناه الإضافى جعلوه علمًا للعلم المخصوص على ما عهد فى اللغة لا اسم جنس له.

قوله: (فله بكل اعتبار حد) الفرق بين الاعتبارين أنه باعتبار اللقبية مفرد لا يلاحظ فيه حال الأجزاء، باعتبار الإضافة مركب يعتبر فيه حالها وأيضًا معناه لقبًا علم ومعناه مضافًا معلوم، قيل: الضمير فى له راجع إلى أصول الفقه لكن أريد بالمرجع اللفظ وبالضمير المدلول وكذا فى قوله: أما حده لقبًا أريد بالضمير المدلول ولقبًا حال عنه باعتبار اللفظ أى حده حال كون لفظه لقبًا.

قوله: (أما حده لقبًا) قدم حده بهذا الاعتبار لأنه المقصود الأصلى وأما اعتبار الإضافة فهو مع تقدمه وجودًا مذكور ههنا تبعًا والعلم سيأتى تفسيره وهو بمعنى الاسم لا المصدر وحيث كانت الإضافة ذاتية له أو لازمة احتيج إلى تقييده بالقواعد والجار صلة المحذوف أى المتعلق بها، والقاعدة اصطلاحًا قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها وتسمى فروعًا واستخراجها منها تفريعًا كقولنا كل إجماع حق.

قوله: (والذى يكشف عن حقيقة هذا الحد أن الأحكام) بمعنى التصديقات (قد تؤخذ لا من الشرع) كالعقل والحس كالحكم بأن هذا مماثل لذاك ومخالف له (وقد تؤخذ منه وتلك) المأخوذة من الشرع (إما أن لا تتعلق بكيفية عمل وتسمى اعتقادية) لأن الغرض منها مجرد اعتقاد (وأصلية) وفيه إشارة إلى أن الاعتقادات وإن استقل العقل بإثباتها منها أخذها من الشرع ليعتد بها (وإما أن تتعلق بها وتسمى عملية) إذ المقصود منها الأعمال (وفرعية) لابتنائها على الاعتقادية (وهذه) الأحكام الشرعية الفرعية (لا تكاد تنحصر فى عدد) وتقف عند حد كما تقدم والقوى البشرية قاصرة عن ضبط أمثاله (فنيطت) تلك الأحكام وربطت (بأدلة كلية) أى شاملة لأحكام جزئيات كثيرة.

وقوله: (من عمومات وعلل) بيان للأدلة يعنى عمومات الكتاب والسنة والعلل

ص: 69

القياسية إذ مبنى القياس عليها.

وقوله: (تفصيلية) صفة ثانية لأدلة ولهذا فسرها بقوله: أى كل مسألة مسألة بدليل دليل والقول بأن كونها صفة لعمومات وعلل أظهر وإن كان مآله معنى إلى ما ذكر فيه ذهول أيضًا عما فسر بها وقد ظهر بتفسيرهما أن التفصيلية لا تنافى الكلية ولا العموم فإن الأدلة الجزئية منصوبة على أعيان المسائل الشاملة لأحكام جزئية، وأما خواصه صلى الله عليه وسلم فلا يتعلق بها استنباط يتوصل به إلى عمل لا يقال ربما استند مسائل كثيرة إلى دليل واحد لأن ذلك بجهات متعددة فهو بكل اعتبار دليل آخر ولم يذكر الإجماع لقلته أو لأن له سندًا من الثلاثة فهو راجع إليها ومن زعم أن الأدلة الكلية هى الإجمالية التى يبحث عنها فى الأصول من جهة حجيتها ودلالتها إجمالًا مثل أن الكتاب مثلًا حجة، وأن جهة دلالته ماذا، وأن العلل التفصيلية هى الأدلة التفصيلية التى يبحث عنها الفقيه من الآيات المخصوصة وغيرها الدالة على أعيان المسائل الجزئية، وقد أطلقوا العلة على الدليل فى قولهم: العلة المنصوصة فإن معرفة الأحكام الفقهية متوقفة على معرفة الدلائل إجمالية وتفصيلية؛ فيجعل الجزئية لخصوصها صغرى والإجمالية لعمومها كبرى فيقال مثلًا: هذا أمر بالجمع وكل أمر بشئ فهو لإيجابه فقد عدل بالكلام عن ظاهره إلى ما لا طائل تحته؛ إذ الأدلة الإجمالية إما مفهومتها الكلية كالكتاب والسنة فلم ينط بها شئ من الأحكام ولا يمكن استنباطها منها قطعًا، وإما الأحكام الكلية الواردة عليها المنطوية على جزئياتها فهى مسائل الأدلة فكيف يصح أنها محتاج إليها فى استنباط الأحكام من أدلتها التى نيطت بها وتحرير المقام أن المسائل المخصوصة مستندة إلى أدلة معينة يحتاج فى استنباطها منها إلى معرفة أحوالها التى لا تكاد تنحصر فى عدد يتمكن من ضبط تفاصيله مثلها؛ فاحتيج إلى معرفتها على وجه كلى إجمالى يرجع إليه فيما يقصد استنباطه وإنما وصف الأدلة بالكلية على ما فى بعض النسخ بقياسها إلى ما يندرج تحتها كما مر ولو لم توجد لم يضر، وقد أصاب من قال ما يتوهم من أن تفصيلية صفة علل وأنه عطف على أدلة فليس بمستقيم فإن قوله أى كل مسألة مسألة بدليل دليل بيان لذلك وجميعه شرح للاستنباط عن الأدلة التفصيلية.

قوله: (لتوقفه) أى الاستنباط وفى بعض النسخ لتوقفها فالضمير للأحكام على

ص: 70

معنى توقف استنباطها على أدوات لا تحصل إلا فى مدة متطاولة هى شرائط الاجتهاد من معرفة تفاصيل الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وحال الرواة والنسخ وشرائط القياس والنظر وغير ذلك.

قوله: (وكان يفضى) أى تحصيل الأدوات فهو عطف على يستغرق لا على قوله ليس فى وسع.

قوله: (فخص) جواب لإذ (والباقون يقلدونهم فيه) أى فى المستنبط الذى هو الأحكام (فدونوا ذلك) المستنبط أى جمعوه وسموا العلم المتعلق به الحاصل للمجتهدين من الأدلة التفصيلية فقهًا.

قوله: (إلى مقدمات كلية) هى مسائل تتعلق بالأدلة السمعية من الجهات المذكورة؛ كما يقال: الأمر للوجوب والقياس يجب العمل به والإجماع لا ينسخ، ومنهم من أمعن فقال: إن استدل على الأحكام بالشكل الأول كانت قواعد من الأصول كبراه؛ كقولنا هذا حكم يدل على ثبوته القياس وكل حكم يدل عليه القياس فهو ثابت، وإن استدل عليها بطريق الاستثناء كانت هى من الملازمات الكلية كقولنا: كلما دل القياس على ثبوت هذا الحكم كان ثابتًا لكن الملزوم حق؛ ثم قال: ربما لا تكون هذه القضية الكلية مسألة من الأصول فى مندرجة فيها كقولنا: كلما دل القياس على وجوب شئ كان واجبًا لاندراجه تحت قولنا: كلما دل القياس على ثبوت حكم كان ثابتًا؛ ثم صدقها كلية جعلت كبرى أو ملازمة يتوقف على أحوال الأدلة من وجود شرائطها، وارتفاع موانعها وأحوال الأحكام إذ بعضها كالعلية مثلا لا يثبت بالقياس فيصير قيودًا فى تلك المقدمة الكلية؛ فمباحثها راجعة إليها ومسائل من الأصول أيضًا.

قوله: (ورتبوا فيها) أى ورتبوا فى بيان المقدمات التى احتيج إليها (مسائل) حرروها وأثبتوها وما يتعلق بها مما عليها أو لها.

قوله: (فلم يروا) أى لم يحصل لهم رأى إهمال تلك المقدمات ولم يستحسنوه للنصح والإعانة فهو نفى معلل لا نفى معلل بالإضافة، وإنما لم يقل وسموا العلم الحاصل لهم بها أصول الفقه كما ذكره سابقًا لعدم اختصاصه بالمجتهدين دون الفقه.

قوله: (فكان حده ما ذكرنا) يعنى قوله العلم بالقواعد. . . إلخ. وإنما كان حدًا

ص: 71

له إما لأن الاسم إنما وضع لهذا المفهوم فهو حد له بحسبه، وإما لأنه يرادف المعرف على اصطلاحهم فاشتماله على الإضافة إلى المعلوم أو الغاية لا ينافى ذلك.

قوله: (وفوائد القيود قد ظهرت) فبالقواعد خرج العلم بالجزئيات والعلم ببعض تلك القواعد؛ فإنه جزء منه، وبقيد التوصل إلى استنباط الأحكام ما يتوصل به إلى استنباط الصنائع والذوات أى: طبائع الأشياء، أو إلى حفظ الأحكام وهدمها كقواعد الخلاف وإن وافقت مسائل الأصول؛ فإن الحيثيات معتبرة، وبالشرعية الفرعية ما يتوصل به إلى استنباط الأحكام العقلية والشرعية الأصلية، وفى جعل الأحكام منقسمة إليها إشارة إلى أنها بمعنى التصديقات لا الخطابات المتعلقة بأفعال المكلفين؛ فلا يلزم استدراك قيدى الشرعية والفرعية، وقوله من أدلتها التفصيلية بيان للواقع متعلق بالاستنباط، وقيل: احتراز عما يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها الإجمالية كقواعد الكلام والعربية إذ لا مزيد فيها على إن الكتاب مثلًا صدق وحق ولا اختصاص لها باستنباط حكم حكم من دليل دليل كمسائل الأصول، وفيه بحث لأن تلك الأحكام ليست مستندة إلى أدلة إجمالية مستنبطة هى منها؛ بل إلى أدلة تفصيلية كما أشير إليها، وقواعد الكلام والعربية مبادئ يتبين بها أحوال الأدلة الإجمالية التى هى مسائل الأصول ليتوصل بها إلى استنباط الأحكام من أدلتها التنفصيلية؛ فلا يتوصل بتلك القواعد إلى استنباطها من أدلتها الإجمالية لتخرج بقيد التفصيلية، هذا وقد اعترض على الحد بالمنطق إذ لا يتوصل إلا بقواعده فيكون جزءًا من الأصول، وجوابه إن وصف القواعد يشعر بمزيد اختصاص لها بالأحكام المخصوصة ومنه يستفاد أيضًا ما يدفع به النقض بعلم اللَّه تعالى ورسوله وجبريل عليهما السلام.

قوله: (من حيث يصح تركيبها) قيل عليه إن أريد معرفة المركب بكنهه فلا بد من معرفة مفرداته كذلك وإن أريد معرفته بوجه ما فلا حاجة أصلًا إلى معرفتها لجواز تصوره باعتبار أمر عارض وأجيب بأن المراد معرفته من حيث هو مركب فلا بد من معرفة المفردات من حيث يصح تركيبها فإن البانى يحتاج إلى معرفة أجزاء البيت من حيث يصح التئامها وما يتعلق بذلك من الاستقامة والاعوجاج والصلابة والرخاوة؛ لا من حيث أنها مركبة أو بسيطة قديمة أو حادثة إذ لا دخل لها فى صحة تركيبه منها وأصول الفقه مركب إضافى دال على معنى كذلك فلا بد من

ص: 72

معرفة مفرديه أعنى هذين اللفظين الدالين على معنيهما من حيث تصح الإضافة بينهما.

قوله: (ويقال فى الاصطلاح) هذه أربعة معان اصطلاحية تناسب المعنى اللغوى؛ فإن المرجوح كالمجاز مثلًا له نوع ابتناء على الراجح كالحقيقة، وكذا الطارئ بالقياس إلى المستصحب والمدلول إلى الدليل وفروع القاعدة مبنية عليها، وقرينة الإضافة إلى العلم دلت على تعيين المراد عرفًا وسيأتى جواز الحمل على معناه لغة.

قوله: (والفقه) يقال فقه بالكسر أى فهم وبالضم إذا صار فقيهًا.

قوله: (وبهذا القيد الأخير) يعنى بقيد الاستدلال (احترزنا عن العلم بتلك الأحكام الحاصلة من أدلتها التفصيلية ضرورة لا استدلالا كعلم جبريل والرسول عليهما السلام فإنه وإن كان مستفادًا من تلك الأدلة لكنه بطريق الحدس بلا تجشم اكتساب فلا يسمى فقهًا عرفًا؛ لما سبق من أنه موضوع للعلم الحاصل بالاستنباط، وأما علم اللَّه سبحانه وتعالى بالأحكام فليس مستندًا إلى الأدلة بل هو عالم بهما معا غير مستفيد أحدهما عن الآخر قطعًا، وما قيل من أن الأدلة علل الأحكام الثابتة بها وحيث كان علمه بالأشياء على ما هى عليها فى أنفسها وجب اسناده إليها فمردود؛ أما أولًا فلأنها أمارات، وأما ثانيًا فلأن العلم بالمعلول لا يجب أن يكون مستفادًا من العلة ومن الناس ولم يجعل علمهما عن الأدلة، ورأى أن كونه عنها يشعر بالاستدلال لملاحظة الحيثية لا لأن الحاصل بطريق الضرورة معها لا عنها إذ لا منافاة بين المعية زمانًا والتأخر ذاتًا، ثم الدلالة على الحيثية إما صريحة لتبادرهما أو التزام على ما هو أصلها؛ فعلى الأول قيد الاستدلال لدفع توهم أن الحاصل عن الأدلة قد يكون بلا استدلال، وقد يقال: هو بإيهامه أولى من دفعه، وعلى الثانى إن لم يعتبر اللالتزام فى التعريفات فهو للتصريح بما علم التزامًا، ولا بد منه فى صحة تحديده لفظًا وإن اعتبر فهو للاهتمام ببيان المحدود واعتبار هذا القيد فيه، وقوله دون الاحتراز متعلق بالكل ومن وجه الكلام بأن العلم عن الأدلة يستلزم حصوله بالاستدلال عرفًا لتبادره إلى الفهم؛ فخرج به ما عرف بالأدلة ضرورة وقصد بالقيد أحد ما ذكر؛ لأن قوله عن الأصول يحتمل العلم الاستدلالى والحاصل بسببها ضرورة فإن جعل ظاهرًا فيما أريد به كان القيد

ص: 73

تأكيدا إما للتصريح به وإما لرفع نقيضه الذى هو إثبات له، وإن جعل متساوى الدلالة عليهما كان القيد بيانا لما هو المراد منها فقد خبط حيث ادعى تبادر المعنى من لفظه وفرع عليه ما يقتضى إجماله بالقياس إليه.

قوله: (وباقى القيود قد عرفت مما تتقدم) فالمراد بالأحكام التصديقات وكل واحد من الشرعية والفرعية احتراز، وقوله عن أدلتها متعلق بالعلم وخرج به علم اللَّه تعالى وما علم من الأحكام ضرورة من الدين فإنه ليس جزءًا من الفقه وبالتفصيلية خرج ما يقال فى علم الخلاف من ثبوت الوجوب بالمقتضى وانتفائه بالنافى إن قلنا بإفادته علمًا وخرج أيضًا اعتقاد المقلد العامى إن حملنا العلم على التصديق وستقف على جلية الحال وما قيل من أن قوله عن الأدلة يتعلق بالفرعية على معنى أنها يتفرع عنها فيتناول علم اللَّه تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويحترز عنه بالاستدلال فما لا يلتفت إليه.

قوله: (واعلم) يعنى أن له جزأين كالمادة وجزءًا ثالثًا كالصورة، قيل: إنما لم يتعرض له لأنه أريد به معناه لغة ولا نقل فيه بخلاف الأولين.

قوله: (وإضافة اسم المعنى) أراد باسم المعنى ما دل على شئ باعتبار معنى أى: صفة عارضة له؛ سواء كان قائمًا بنفسه أو بغيره، كالمكتوب والمضمر وحاصله المشتق وما فى معناه وباسم العين ما ليس كذلك كالدار والعلم لا المصطلح النحوى من أن المعنى ما قام بغيره والعين ما يقابله، فإضافة اسم المعنى تفيد الاختصاص باعتبار الصفة الداخلة فى مفهوم المضاف، وأما إضافة اسم العين فتفيد الاختصاص مطلقًا أى غير مقيد بصفة داخلة فى مسمى المضاف، فإذا قلت دار زيد أو علمه أفاد اختصاصًا فى الملكية أو السكنى وفى القيام أو التعلق، وما ذكره ابن الحاجب من أن الإضافة المعنوية إلى المعرفة تفيد تعريفًا؛ لأن وضعها على أن تفيد أن بين المضاف والمضاف إليه خصوصية ليست فيما بعد وليت شعرى كيف تورط فى هذه التعسفات البعيدة من الأذهان السليمة؟ !

قوله: (فإذا) نتيجة لما سبق من أن الأصل إذا أضيف إلى علم يراد به دليله، وإن إضافة اسم المعنى تفيد الاختصاص فيما دل عليه لفظ المضاف، واحتيج إلى النقل؛ لأنه بهذا العنى لا يتناول الترجيح والاجتهاد فنقل عرفًا إلى ما ذكرناه من العلم بالقواعد المخصوصة المشتملة على مباحث الأدلة والكيفيتين وفيه إيماء إلى

ص: 74

أن موضوعه مجموع الثلاثة.

قوله: (ولو حمل) استفادة من الأحكام يعنى: لو حمل لفظ الأصول المضاف إلى الفقه على معناه لغة كان معنى أصول الفقه ما يستند إليه الفقه ويبتنى عليه ويشمل جميع معلومات هذا الفن فلم يحتج إلى نقله عن معناه الأصلي الذى هو المعلوم الخاص إلى جعله لقبًا للعلم المخصوص فيعبر عن معلوماته بلفظه وعنه بإضافة العلم إليه، وإن احتيج إلى اعتبار قيد الإجمال ومن ثمة قيل فى المحصول أصول الفقه مجموع طرق الفقه على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل بها؛ وفي الأحكام هى: أدلة الفقه وجهات دلالتها على الأحكام الشرعية وكيفية حال المستدل بها من جهة الجملة.

قوله: (أورد على حد الفقه) يعنى أن الأحكام جمع محلى باللام؛ فإما أن يحمل على الاستغراق، أو على الجنس المتناول للكل والبعض الذى أقله ثلاثة منها لا بعينها، وأما الحمل على بعض معين ولو بكونه أكثر مثلًا فمما لا مساغ له إذ لا دليل هناك على عهد فلا يرد أن دخول علم المقلد إنما هو على تقدير إرادة البعض مطلقًا، وأما إرادة المعين فإنما ترد بأنها رد إلى الجهالة لا بدخوله فى الحد.

قوله: (أى باعتبار مفهومه الأصلى) فإن قلت يجوز أن يكون اللفظ الذى هو علم الجنس موضوعا لمفهوم كلى مشعر بمدح أو ذم باعتبار ذلك المفهوم نفسه من غير اعتبار المعنى الأول وهو علم له قلت: كأنهم لم يطلقوا اللقب إلا على مشعر بمدح أو ذم باعتبار مفهومه الأصلى ولم يعتبروا الإشعار الواقع فى المعنى العلمى قيل ليس معنى قولهم اللقب علم يشعر بمدح أو ذم أنه يدل على الصفة التى يمدح بها أو يذم بل معناه أنه يشعر بمدح لما وضع بإزائه فيجب أن يكون له معنى أصلى والمدح للعلم الجنسى باعتبار الفرد.

قوله: (فإن ذلك قد يقصد تبعًا) إنما قال هذا القول لأن اللقب إذا استعمل فى معناه العلمى ولم يلاحظ ههنا معناه الأول واتصاف ذلك المعنى به لم يتحقق عند هذا الاستعمال مدح؛ لأن المدح هو الوصف المخصوص الذى لا يتحقق إلا عند القصد.

قوله: (لا يلاحظ فيه حال الأجزاء) أى لا يلاحظ فيه حال الأجزاء لأداء المعنى

ص: 75

اللقبى وهو المعنى وليس المراد أنه لا يلاحظ فيه حال الأجزاء من حيث إنه لقب؛ لأنه يمكن أن يقال إذا اعتبر اللقبية يجب اعتبار الإشعار بمدح أو دم وهو باعتبار المعنى الأصلى وملاحظة أجزاء اللفظ.

قوله: (احتيج إلى تقييده بالقواعد) فإن قيل ليس التقييد ههنا ضروريًا لأن العلم له مفهوم كلى صادق على أفراد لها إضافات أو هى نفس تلك الإضافات متعلقة بأشياء مخصوصة، واعتبار هذا المفهوم فى التعريف من غير تقييده بمتعلق مخصوص جائز وبعد تقييده فى التعريف بالقيود صار مخصصًا كأن يقال الذى يتوصل بمتعلقه إلى كذا قلنا ليس المراد أنه لو لم يقيد لوقع فى التعريف فساد باعتبار الجمع أو المنع بل المراد أنه يجب تقييده بالقواعد ليظهر ما هو اللازم من المتعلق.

قوله: (يجب أخذها من الشرع) فإن قلت من الاعتقادات ما لا يمكن أخذها من الشرع مثل وجود الصانع وبعض صفاته للزوم الدور قلت المراد أنه يجب أن يؤخذ كل من العقائد الدينية من الشرع سواء كان المأخوذ أصل الاعتقاد أو الاطمئنان.

قوله: (وتقف عند حد) لما تقدم من أن الحوادث الفعلية لا تكاد تنحصر فى عدد قد يقال المراد بالأحكام الشرعية الفرعية هنا أحكام متعلقة بخصوصيات تلك الأفعال وهى متكثرة لا تقف عند حد، والأدلة شاملة لتلك الأحكام على التفصيل أى كل دليل ينوط به فرقة من تلك الأحكام يعبر عنها بقضية كلية هى مسألة من الفقه فلا يرد عليه أن الأحكام الشرعية الفرعية أى المسائل الفقهية إذا كانت بحيث لا تقف عند حد، وقد ذكر أن كل مسألة منوطة بدليل فلزم كون الأدلة أيضًا متكثرة بتكثر الأحكام فيفوت ما هو المقصود بربط الأحكام بتلك الأدلة من الضبط.

قوله: (إذ مبنى القياس عليها) جواب سؤال تقديره أن الأدلة من جملتها القياس لا العلة القياسية فوجب أن يذكر فى بيان الأدلة نفس القياس لا العلة قد ذكر دفعه أن القياس مبنى على العلة قد ذكر العلة مقام ذكر القياس.

قوله: (فيه ذهول أيضًا) أى كما يكون فيه ذهول عن المناسبة بالموصوف؛ فإن الموصوف على هذا التقدير يعتبر فيه التعدد والتنوع فالمناسب أن يقال تفصيليتان

ص: 76

بخلاف لفظ الأدلة فإن المعتبر فيه الوحدة فى التعبير بدون التنوع وأما الذهول عن التفسير؛ فلأنه يجب حينئذٍ أن يقال كل مسألة مسألة بعام عام أو علة علة.

قوله: (ولم يذكر الإجماع) فإن قلت إذا كان عموم الأدلة وكليتها باعتبار شمولها للجزئيات المتكثرة فلم لا يجوز أن يدخل فيها الإجماع أيضًا فإن الدليل الإجماعى أيضًا عام بهذا العنى شامل للجزئيات المتكثرة قلت فحينئذٍ يدخل فيها العلل أيضًا فإخراجها قرينة على خروجه ويمكن أن يقال فى القياس ما يقال فى الإجماع من الرجوع.

قوله: (والإجمالية لعمومها كبرى) الأدلة التفصيلية التى هى مثل الآيات المخصوصة يعبر عنها بالمفهومات الكلية التى هى مثل مفهوم الأمر ويبحث عنها فى الأصول وما جعل صغرى ليس الدليل التفصيلى بل القضية الشخصية التى هى قولنا هذا أمر وما جعل كبرى ليس الدليل الإجمالى، بل القضية الكلية التى هى قولنا كل أمر للإيجاب فالأدلة الإجمالية فى كلام هذا الزاعم بملاحظة كلامه إما المفهومات الكلية التى يعبر بها عن الأدلة التفصيلية أو القضايا الكلية التى هى مسائل الأصول والأول معنى قوله إما مفهوماتها الكلية كالكتاب والسنة والحاصل أن المسائل الفقهية منوطة بالأدلة التفصيلية ومستخرجة منها بواسطة المسائل الأصولية وهذه المفهومات الكلية لا ينوط بها شئ من المسائل الفقهية ولا يمكن الاستنباط منها ولو كان المراد بالأدلة الإجمالية المسائل الأصولية لما صح قولهم إن المسائل الأصولية يحتاج إليها فى استنباط الأحكام من أدلتها التى نيطت بها، لأن الأدلة التى نيطت بها على ذلك التقدير عين الإجمالية التى هى عين المسائل الأصولية فلا يصح إرادة شئ منها بالأدلة الإجمالية.

قوله: (بيان لذلك) أى لعدم الاستقامة إذ يجب أن يقال على هذا التقدير كل مسألة مسألة بعلة علة.

قوله: (وجميعه شرح) هذا الكلام وجه آخر لبيان أن تفصيلية صفة للأدلة لا للعلل ومعناه أن جميع ذلك الكلام المشتمل على ذلك المفسر والمفسر شرح وبيان للقيد المذكور فى التعريف وهو الاستنباط من الأدلة التفصيلية، ويجب أن يجعل تفصيلية صفة للأدلة.

قوله: (لا على قوله ليس فى وسع الكل أيضًا) أى كما لا يكون فى وسعهم

ص: 77

الحفظ المذكور؛ وذلك لأن قوله ليس فى وسع الكل لا يتم بيانه بمجرد قوله لتوقفه على أدوات يستغرق تحصيلها العمر إذ لا فساد فى ذلك ويجب أن ينضم إليه قوله وكان يفضى حتى يتم ذلك البيان.

قوله: (لاندراجه تحت قولنا) قيل عليه إن الملازمة السابقة التى هى قوله كلما دل القياس على ثبوت حكم كان ثابتًا فيجب أن لا تكون هذه الملازمة أيضًا مسألة.

واعلم أن قوله ربما لا تكون هذه القضية الكلية مسألة لا ينافى الاحتياج إلى المقدمات الكلية التى هى المسائل الأصولية لأن الاستدلال بالملازمة المندرجة صحيح باعتبار اندراجه تحت ما هو مسألة من الأصول وإنما لم يكن هذا المندرج مسألة؛ لأن دلالة القياس على الوجوب لا تكون من الأعراض الذاتية المعتبرة هنا.

قوله: (والعلم ببعض تلك القواعد) قد يقال وقع فى التحريف لفظان لفظ القواعد ولفظ الأحكام وخروج بعض القواعد يحصل بحمل أحد اللفظين على الجميع، فجاز أن يراد بالأحكام جميعها فخرج بعض القواعد إذ لا يتوصل ببعض القواعد إلى جميع الأحكام وأن لا يراد بالقواعد جميعها فلا يخرج البعض بهذا القيد، ويجاب بأن القواعد التى يتوصل بها إلى جميع الأحكام لا يجب أن تكون جميع القواعد لأنا إذا اعتبرنا بعضًا من المسائل التى يتوصل بها إلى استنباط الوجوب الذى هو حكم شرعى واحد واعتبرنا بعضًا آخر من المسائل الأصولية التى يتوصل بها إلى استنباط الحرمة وكذا الحال فى الكراهة وغيرها ثم جميعها تلك الأبعاض التى ليست جميع القواعد الأصولية صدق على العلم بها أنه علم بالقواعد التى يتوصل بها إلى جميع الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية فيجب اعتبار الجميع فى القواعد لإخراج البعض ويجاب أيضًا بأن هذين اللفظين قد وقعا على فهم واحد فإذا حمل أحدهما على الجميع حمل الآخر عليه أيضًا وبعد ذلك إسناد الإخراج إلى القيد الأول أولى.

قوله: (وقيل احتراز عما يتوصل به) يمكن أن يقال فى توجيه كلام هذا القائل إن الأحكام الشرعية منوطة ومستندة إلى الأدلة التفصيلية التى يقع الاستنباط منها بواسطة المسائل الأصولية قطعًا وليس الاستنباط من غير تلك الأدلة لكن يكون لتلك الأدلة اعتباران أحدهما الملاحظة التفصيلية والآخر الملاحظة الإجمالية، وعند الاستنباط يلاحظ تلك الأدلة مرة بالتفصيل فحصل صغرى بأن يقال هذا أمر

ص: 78

ويلاحظ مرة أخرى بالإجمال فحصل كبرى بأن يقال وكل أمر للوجوب وأرباب الأصول يتوجهون إلى تلك الأدلة بالاعتبار الثانى أى يعبر عنها بالمفهومات الكلية ويبحثون عنها ولا شك أن الاستنباط منها بالاعتبار الأول يكون بواسطة المسائل الأصولية فهى وسيلة إليها، وأن الاستنباط منها بالاعتبار الثانى يكون بواسطة القواعد الكلامية والعربية فهى أيضًا وسيلة إليه وكلا الاعتبارين واقعان فى الاستنباط ضرورة فالاستنباط من الأدلة الإجمالية هو بعينه استنباط من الأدلة التفصيلية والتغاير اعتبارى فصح أن يقال قوله من أدلتها التفصيلية احترازًا عما يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها الإجمالية.

قوله: (إذ لا يتوصل إلا بقواعده) فإن قلت يلزم من هذا أن المنطق نفس الأصول لا جزء منه، إذ حصر التوصل فى أن يكون به بمقتضى ذلك قلت: الحصر إضافى والمراد أن التوصل لا يكون إلا مع مدخلية المنطق ولا يحصل بالاستقلال من علم الأصول ولا شك أن للأصول مدخلًا أيضًا فيكون المنطق جزءًا.

قوله: (يشعر بمزيد اختصاص) قيل عليه لا يندفع الاعتراض بهذا الجواب إذ مجموع المركب من المنطق والمسائل الأصولية يكون له مزيد اختصاص بتلك الأحكام والاعتراض ليس باعتبار استقلال المنطق بل باعتبار كونه جزءًا من الأصول والجواب يدفع الاستقلال فقط والجواب أن المراد بالإشعار ههنا باعتبار كل قاعدة يعنى أن وصف القواعد يشعر بمزيد اختصاص لكل من تلك القواعد بالأحكام المخصوصة.

قوله: (ومنه يستفاد أيضًا) أى كما يستفاد الدافع للنقض بالمنطق من هذا الوصف وهو مزيد الاختصاص يستفاد الدافع للنقض بعلم اللَّه تعالى وعلم الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أن العالم بتلك القواعد يصح منه أن يجعلها وسيلة إلى تحصيل الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية.

قوله: (قيل عليه) حاصل الاعتراض أن قول الشارح فلا بد فى معرفة المركب من معرفة مفرداته يقتضى أن يراد بالمعرفة ما هو بالكنه، وإذا كان ذلك فلا فائدة فى قوله من حيث تركبها، وحاصل الجواب أن المراد معرفة المركب أى من حيث اشتماله على المعنيين الواقع بينهما نسبة فإن ذلك حيثية التركيب، وحينئذٍ لا بد من معرفة مفرداته من حيث يصح تركيبها إلا مطلقًا وهذه المعرفة أعم من أن تكون

ص: 79

معرفة المعنى المطابقى أو لا؛ إذ يجوز أن يكون صحة التركيب باعتبار المعنى الطابقى وغيره لكن قول الشارح الأصول والفقه من حيث دلالتهما على معنييهما والمتبادر من المعنى لشئ هو المعنى المطابقى له يشعر بأن المراد بقوله من حيث يصح تركيبها من حيث دلالتها على معانيها وعلى تقدير إرادة ذلك يجب أن يراد بالمعرفة ما هو بالكنه لأن اللفظ المركب لا يجب أن يكون تركيبه باعتبار إرادة المعنى المطابقى لكل واحد من أجزائه بل يجوز التركيب باعتبار المعنى المجازى فمعرفة المركب من حيث هو مركب لا تتوقف على معرفة المعانى المطابقية لمفرداته إلا إذا أريد بالمعرفة ما هو بالكنه وإذا أريد ذلك فلا حاجة إلى التقيد بالحيثية فى الموضعين وتقرير المحشى مع اعتبار الحيثية وعدم التقيد بالطابقى يناسب أن يجعل الحد فى قول المصنف وأما حده بمعنى المعرفة.

قوله: (فإن المرجوح كالمجاز مثلًا) يعنى أن المناسبة بين المعنى الاصطلاحى واللغوى لا يجب أن تكون فى جميع الأفراد بل يجوز أن تكون فى بعضها فقط فلا يراد أن الابتناء فى بعض أفراد المرجوح لا يستلزم ثبوت الابتناء فى جميعها.

قوله: (بملاحظة الحيثية) يعنى أن الحدس فيه مقدمات مرتبة قد تكون دليلًا بالنسبة إلى من حصلها بالطلب والشوق وتجشم الاكتساب وهو فرد من الدليل فيصدق على أن علمهما حاصلان من الدليل أى من فرده، وفى الفردية يكفى الصدق فى الجملة والحصول عن كذا يقتضى التأخر الذاتى والحال فى التحصيل بالحدس كذلك لكن الحاصل بالحدس مما هو دليل فى الجملة لا يكون من الدليل من حيث هو دليل فبالحيثية خرج علمهما.

قوله: (إذ لا منافاة بين المعية) أى سلمنا أن الحاصل بطريق الضرورة يكون مع الأدلة لكن كونه معها لا يكون إلا بالزمان ويكفى فى الحصول عنها التأخر الذاتى ولا منافاة.

قوله: (فالمراد بالأحكام التصديقات) أى المصدق بها لئلا يلزم العلم بالعلم.

قوله: (مما لا يلتفت إليه) لأن التفرع عن الأدلة لا يثبت إلا للعلم ولا يحصل بالاستدلال إلا ما يتفرع عن الدليل فلا معنى لقوله فيتناول علم اللَّه تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام باعتبار أن علمه تعالى يتعلق بأحكام لها صفة هى أنها متفرعة عن الأدلة وباعتبار أنه لا يلزم أن يكون العلم كذلك.

ص: 80

قوله: (ولا نقل فيه) يعنى أن اللفظين اللذين هما بمنزلة المادة يتحقق فيهما النقل بخلاف الجزء الصورى فإنه باقٍ على حاله مرادًا به معناه لغة وهذا المعنى منه ظاهر لا يحتاج إلى البيان وفساد هذا الكلام ظاهر؛ لأن الهيئة التركيبية ليس لها معنًى فى العلمى إذ المجموع المركب من اللفظين والهيئة التركيبية منقول وكل واحد منها بمنزلة الجزء لزيد وإجراء الإعراب بسبب تركيبه فى وضع آخر هذا إذا كان المراد بالنقل ما هو واقع فى جزء المركب من معناه اللغوى إلى المعنى التركيبى الذى هو المعنى الاصطلاحى كما ذكره فى حاشية الحاشية فوجه ضعف هذا القول أن الاحتياج إلى البيان لا يلزم أن يكون حاصلًا من النقل حتى يقال انتفى النقل فانتفى الاحتياج إلى البيان ولو كان بسبب عدم الاحتياج ظهور ذلك المعنى لوجب أن يقال لم يتعرض له لأنه أريد به معناه لغة وهو ظاهر.

قوله: (فقد أراد به الدلالة مطلقًا) فإن قيل إذا ذكر لفظ الدلالة يصح أن يراد منه مطلق الدلالة، وأن يراد منه الدلالة المطابقة وإرادة التضمن أو الالتزام لا يليق بالتوهم فقول الشارح يفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه باعتبار ما دل عليه لفظ المضاف لا يجوز أن يراد بالدلالة المذكورة فيه دلالة المطابقة، وهو ظاهر فيجب أن يراد مطلق الدلالة وعلى هذا معنى قوله بخلاف اسم العين فإنها تفيد الاختصاص مطلقًا أن اسم العين يخالف اسم المعنى باعتبار أن اسم المعنى مقيد بما ذكر واسم العين غير مقيد به وقد ذكر أن الدلالة فى كلام ابن الحاجب يراد بها المطلق وحصل من ذلك أن اسم العين أيضًا مقيد بما ذكر فوقع المنافاة بين كلام الشارح وبين كلام ابن الحاجب والتقرير الذى ذكره المحشى لا يكون مأخوذًا من كلام الشارح لأن هذا الكلام لا يكون قابلًا له، قلنا: يجوز أن يجعل قول الشارح تقول مكتوب زيد والمراد اختصاصه به لمكتوبيته له قرينة على أن مراده بما دل عليه لفظ المضاف جزء مخصوص من مسماه وهو الصفة الداخلة كما فسره المحشى وحينئذٍ يكون تقرير المحشى موافقًا لما أراده الشارح فلا يبقى المنافاة، فإن قلت المنافاة التى ذكرها المحشى ودفعها بقوله فقد أراد به الدلالة مطلقًا إما أن يكون تقريرها بعد تفسير كلام الشارح وتقييده بما ذكره المحشى أو قبل ذلك فعلى الأول يتحقق المنافاة إذا أريد بالدلالة المذكورة فى كلام ابن الحاجب دلالة تضمنية مخصوصة أى الدلالة على الصفة المأخوذة فى مسمى المضاف وهو فى غاية البعد عن الوهم،

ص: 81

وعلى الثانى يتحقق المنافاة بسبب إرادة مطلق الدلالة فكيف يصح أن يقال لدفع المنافاة أن ابن الحاجب أراد به الدلالة مطلقًا فلا منافاة قلت قوله فلا منافاة متفرع على شيئين أحدهما حمل الدلالة فى كلام ابن الحاجب على المطلق والثانى حملها فى كلام الشارح على الخاص فكأنه قال دفع المنافاة بين كلام الشارح بحسب الظاهر وكلام ابن الحاجب واندفع بالتخصيص الأول والتعميم فى الثانى، وقد يقال ليس المراد بالمنافاة المذكورة المنافاة بين كلام الشارح وكلام ابن الحاجب بل المراد هو المنافاة بين كلام ابن الحاجب وبين قول المحشى، فإذا قلت دار زيد أو عمله أفاد اختصاصًا فى الملكية أو السكنى وفى القيام أو التعلق إذ يفهم من هذا الكلام أن اسم العين غير مقيد بما دل عليه لفظ دلالة مطابقة فإذا حمل الدلالة فى كلام ابن الحاجب على المطابقة حصل المنافاة واندفع بما ذكره من أن المراد مطلق الدلالة المطابقة.

قوله: (أو مشتقًا كما فى كاتب زيد) فإن قيل من قال اسم المعنى ما دل على معنًى لا يقوم بنفسه إن كان مراده بالدلالة ما هو أعم من المطابقة وغيرها فلا يكون إطلاق اسم المعنى على مشتق موضوع لشئ يقوم بنفسه باعتبار معنًى يقوم به مجازًا إذ هو من جملة أفراده كالمشتق الموضوع لمعنًى يقوم بغيره باعتبار معنًى يقوم بذلك المعنى وإن كان مراده دلالة المطابقة فالتمثيل بكاتب زيد غير صحيح؛ لأن هذا المشتق ليس مدلوله المطابقى معنى لا يقوم بنفسه وهو من قبيل ما يطلق عليه اسم المعنى بطريق المجاز، قلنا: الظاهر أن مراده هو الثانى والتمثيل بالفرد المجازى الذى هو كاتب زيد مشتمل على فائدة هى العلم بما أفاده إضافة اللفظ الموضوع بإزاء معنًى يقوم بنفسه باعتبار معنًى يقوم به لأن الاسم الذى يطلق عليه اسم المعنى قد بين حال إضافته والاسم الذى يطلق عليه اسم العين قد بين حالا إضافته أيضًا، وأما الاسم الذى يطلق عليه اسم العين والمعنى أو اسم المعنى والعين فلم يبين حال إضافته إلا فى قوله فى كاتب زيد وقد يقال مراده مطلق الدلالة والتمثيل بكاتب زيد صحيح وهذا المعنى المذكور لاسم المعنى معنًى عرفى له، وقوله والمشتق إذا كان موضوعًا لشئ يقوم بنفسه. . . إلخ. يكون باعتبار اللغة فلا فساد.

قوله: (باعتبار تعلقه الخارج عن مفهومه) أى عن مسماه فلا يكون لفظ الدق اسم معنًى إذ يجب فيه مختص وجهة اختصاصه داخلة فى مسمى المضاف وهذا

ص: 82

القائل لم يتنبه للفرق بينهما وزعم أنه يكفى أن يكون هنا معنًى قائم بالغير هو المختص فحكم بأن الكتابة مختصة كما حكم على مدلول لفظ الدق بأنه مختص ولم يقل: إن الكاتب باعتبار الكتابة كما قاله الشارح فى المكتوب ولم يجعل البيان فى اسم المعنى على وجه يقتضى فى الإضافة شيئًا هو المختص وشيئًا هو جهة الاختصاص.

قوله: (عينت له لفظ المضاف) دل على أنه يجب أن يكون لفظ المضاف الذى هو اسم المعنى على وجه يشتمل على معنًى هو غير المعنى الذى يختص بالمضاف إليه وهذا الاختصاص يكون فى ذلك المعنى، فإن قلت: هذا الكلام المنقول من الحصول لا يقتضى إلا أن يكون فى إضافة اسم المعنى مختص وجهة الاختصاص التى عينت لها لفظة المضاف وأما كون تلك الجهة داخلة فى مفهوم المضاف فلا يلزم هذا من ذلك المنقول إذ التعيين بجهة الاختصاص من لفظ المضاف حاصل بمجرد دلالته عليها والتزامًا وقد ذكر المحشى فى التوفيق بين كلام ابن الحاجب وبين كلام الشارح أن التعلق والقيام فى إضافة العلم إلى زيد يكون من قبيل ما دل عليه لفظ المضاف ولفظ الدق مثل لفظ العلم فى الدلالة على التعلق ولا يلزم من عدم ذكر جهة الاختصاص عدم الفرق بين المختص وجهة الاختصاص وأما قول ذلك القائل فى كاتب زيد أنه يفيد اختصاص الكتابة فبالنظر إلى أن المختص حقيقة هو الكتابة لا الكاتب قلت التعلق المذكور فى لفظ الدق لم يحصل من لفظ الدق بل من معناه كالملكية والسكنى من الدار فلا يكون تعين جهة الاختصاص من لفظ المضاف بخلاف مثل لفظ الكاتب فإنه تعينت الكتابة فيه من اللفظ فإن العلم بالمدلول التضمنى من العلم باللفظ الموضوع للكل صادق على ملاحظة الكل بخلاف المدلول الالتزامى.

قوله: (باعتبار ملكيته أو ركوبه) قيل عليه وليس المراد من قوله بحسب الذات والمقاسمة

(1)

به بقرينة قوله أفاد أنها مع جميع منافعها بل المراد المعانى المناسبة له التى تلاحظ فى الاختصاص عرفًا وكون فهم اختصاص منافعها تبعًا للملكية لا ينافى إفادة الإضافة لذلك الاختصاص فإن اللفظ أفاد المعنى وأفاد لازمه أيضًا.

(1)

قوله: والمقاسمة. هكذا فى النسخ وفى الكلام سقط وتحريف فارجع إلى الأصل الصحيح وحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 83

قوله: (وفيه إيماء) أى فى الكلام السابق الحاصل من كلام الشارح ووجه الإيماء أن الشارح إذا قال ونقل إلى ذكرناه فكأنه قال فاحتيج إلى نقل لعدم تناوله للأقسام الثلاثة بقرينة قوله فيما بعد لشمل الأقسام ولم يحتج إلى نقل فالأقسام التى ذكرها سابقًا فى الأدلة لاجتهاد والترجيح من غير فرق بحسب الظاهر بينها وبين المباحث المتعلقة بها وإذا لم يكن الشمول للأدلة شمولًا لجميع الأقسام يحصل الإيماء إلى أن المباحث المتعلقة بالأدلة لا تشمل مباحث الاجتهاد والترجيح وحينئذٍ يجب أن يكون الموضوع هو الأدلة والاجتهاد والترجيح فإذا جرى الكلام على الإجمال فلا يتناول الأصول بمعنى الأدلة شيئًا من أقسام الأصول التى هى المسائل المتعلقة بالأدلة على الإجمال إلا بتأويل.

قوله: (وعنه بإضافة العلم إليه) الظاهر أن الأصول بالمعنى اللغوى يتناول العلم أيضًا لأن الفقه يتوقف على التصديقات المتعلقة بتلك المسائل كما يتوقف على نفس تلك المسائل لأن المسألة الأصولية تصير كبرى حين الاستنباط فيجب التصديقات بها.

الشارح: (أى كل مسألة مسألة بدليل دليل) أى كل دليل يناط به فرقة من الأحكام الفقهية يعبر عن كل فرقة منها بقضية كلية هى مسألة من الفقه.

الشارح: (بغيرهما) أى بغير الكلية والتفصيلية، وقد فسر الكلية بقوله: من عمومات وعلل، والتفصيلية بقوله: أى كل مسألة مسألة بدليل دليل.

الشارح: (كعلم جبريل والرسول عليهما السلام أما عند من لم يجوز الاجتهاد من النبى صلى الله عليه وسلم فظاهر، وأما عند من جوزه منه عليه السلام فخروج علمه الحاصل بالاجتهاد؛ لأن المراد العلم بجميع الأحكام وعلم النبى عليه السلام بجميع الأحكام ليس بطريق الاستدلال.

التفتازانى: (بيان لذلك وتفسير) أى لقوله تفصيلية فلو لم يكن صفة للأدلة لقيل أى كل مسألة مسألة بعلة علة.

السعد: (إلى أحوال الأدلة والأحكام) مبنى على أن موضوع الأصول الأدلة والأحكام.

السعد. (لتتم. . . إلخ) أى وما به التمام من المسائل الأصولية.

ص: 84

التفتازانى: (لا ما دل عليه الكلام) تحريف وصوابه: على ما دل وقوله أو لدفع وهم من يعقل لعله من لا يعقل.

التفتازانى: (إذ الحاصل بطريق الضرورة. . . إلخ) قد رده السيد بأن ذلك لا ينافى كونه عن الأدلة وإنما الإشعار المذكور لملاحظة الحيثية لا لما ذكر.

التفتازانى: (جميع الصفات) أى التى منها ما دل على معنًى وذات قائمة بنفسها وقوله: من تخصيص هذا الحكم أى الذى ذكره فى المحصول وقوله بالمشتق. . . إلخ أى لا باسم المعنى كما صنع الشارح.

التفتازانى: (أو على صيرورته علمًا بالغلبة) الأولى حذفه؛ لأن الكلام مبنى على عدم النقل فلا مجال للغلبة فى هذا المقام وتقدم عدم صحة الغلبة هنا فالمراد الجنس فى ضمن بعض معين أو الأكثر بالعهد على أن العهد من مصدوق الجنس وإن كان بعيدًا.

قوله: (أى باعتبار مفهومه الأصلى) ولم يعتبروا الإشعار الواقع فى المعنى العلمى لو وجد.

قوله: (فإن ذلك قد يقصد) قيل: إن قد للتحقيق على حد قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} [الأحزاب: 18]، فلا بد من قصد المعنى الأصلى تبعًا عند قصد المعنى العلمى فى اللقب وقول التفتازانى: وإن لم يكن مما يقصد عند استعمال اللفظ علمًا أى لم يكن مقصودًا بالذات فلا ينافى القصد التبعى فهو قائل به.

قوله: (إذ القائم منه. . . إلخ) يفيد أن العلم تصديق وإدراك لا مسائل ومصدقات.

قوله: (ولما احتيج. . . إلخ) أى ليشتمل مباحث الأدلة ومباحث الترجيح والاجتهاد وإلا فمعناه الأصلى دلائل الفقه فقط وأيضًا المتبادر من الدلائل نفسها لا مباحثها مع أن المراد مباحثها فاحتيج إلى النقل.

قوله: (على ما عهد فى اللغة) أى من التركيب الإضافى إذا نقل ينبغى أن ينقل إلى المعنى العلمى لتبقى عهديته بخلاف غيره فقد ينقل إليها وإلى غيرها.

قوله: (لا يلاحظ فيه) أى باعتبار المعنى العلمى وإن لوحظت باعتبار اللقبية.

قوله: (لكن أريد بالمرجع. . . إلخ) أى ففيه استخدام.

قوله: (الإضافة ذاتية أو لازمة) اعلم أنه لا بد فى العلم من إضافة أى نسبة بين العلم والمعلوم بها يكون العالم عالمًا والمعلوم معلومًا فبعض قال: إن العلم نفس

ص: 85

الإضافة وبعض قال إن العلم صفة تستلزم الإضافة فعلى الأول الإضافة ذاتية للعلم لأن المراد بالذاتى ما ليس خارجًا فيشتمل نفس الذات وعلى الثانى الإضافة لازمة.

قوله: (أى المتعلق بها) وتقديره ظاهر سواء أريد بالعلم الملكة أو الإدراك.

قوله: (وتسمى فروعًا) أى أحكام الجزئيات تسمى فروعًا بمعنى التصديقات والظاهر أن المراد المصدقات بها.

قوله: (كالحكم بأن. . . إلخ) معناه كالنسبة المصورة بأن. . . إلخ.

قوله: (يجب أخذها من الشرع) أى اعتقادًا أو اطمئنانًا فلا يرد أن من العقائد ما يتوقف ثبوت الشرع عليه فإذا أخذت منه كان دورًا كوجوب الوجود له تعالى.

قوله: (وربطت) قدره ليكون على منوال ما تقدم للشارح ولكون الربط راجعًا للعلل.

قوله: (عمومات الكتاب) نحو: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، والسنة نحو:"البينة على المدعى واليمين على من أنكر".

قوله: (والعلل القياسية) أى كما يستنبط الإسكار علة للحرمة فى الخمر ليقاس عليه غيره.

قوله: (إذ مبنى القياس عليها) أى فذكرها ذكر للقياس فلا يقال: إنه ترك القياس.

قوله: (صفة ثانية) أى: والأولى هى قوله: كلية وأما قوله: من عمومات وعلل فهو حال.

قوله: (فيه ذهول أيضًا) أى كالذهول فى قول من جعلها صفة لعلل الذى رد عليه السعد أى فقد وقع السعد فى الذهول الذى رد به على غيره.

قوله: (عما فسر بها) الأولى عما فسرت بها ووجه الذهول عن ذلك أنه لو كان كما ذكر لقال أى كل مسألة مسألة بعام عام وعلة علة.

قوله: (وأما خواصه صلى الله عليه وسلم. . . إلخ) جواب عما يقال: إن كون الأدلة التفصيلية الجزئية منصوبة على أعيان المسائل الشاملة لأحكام جزئية ممنوع إذ منها خواصه صلى الله عليه وسلم وليست شاملة للجزئيات ووجه الدفع أن كلامنا فى الأدلة المنوط بها استنباط الأحكام الفرعية ليعمل بها وخواصه صلى الله عليه وسلم ليست من هذا القبيل.

ص: 86

قوله: (لا يقال. . . إلخ) إيراد على قوله كل مسألة مسألة بدليل دليل فإنه يفيد أن الدليل لا يشترك فيه مسائل كثيرة بل لا يكون إلا لمسألة واحدة.

قوله: (ولم يذكر الإجماع. . . إلخ) أى كما ذكر القياس بذكر العلل المبنى عليها حيثما لم يكتف بالعمومات التى هى بيان للأدلة فيفيد أنها قاصرة على الكتاب والسنة.

قوله: (كالكتاب والسنة) اعلم أن الدليل التفصيلى هو كل واحد مما نص على خصوصية حكم حكم كالأوامر والنواهى المخصوصة والإجمالى ما تشترك تلك الأدلة فيه كمطلق الكتاب والسنة لا مفهوم لفظ الدليل الإجمالى كما توهم ولذا مثل لمفهوم الدليل الإجمالى بقوله كالكتاب والسنة ومعلوم أن الأحكام التفصيلية لم تنط بمطلق الكتاب والسنة حتى تستنبط منهما فإذا أريد الأدلة الإجمالية باعتبار أحوالها المحمولة عليها وهى القضايا الأصولية صار المعنى أنهم احتاجوا إلى مسائل الأصول فى استنباط الأحكام من مسائل الأصول وبطلانه ظاهر.

قوله: (وجميعه شرح للاستنباط) وجه آخر لبيان أن تفصيلية صفة للأدلة لا للعلل ومعناه أن جميع ذلك الكلام المشتمل على المفسر والمفسر شرح وبيان للقيد المذكور فى التعريف وهو الاستنباط من الأدلة التفصيلية فيجب أن تجعل تفصيلية صفة للأدلة قاله الهروى وهو مأخوذ من كلام التفتازانى.

قوله: (لا تحصل إلا فى مدة متطاولة) يريد أن استغراق العمر ليس على ظاهره كما حمله علمه التفتازانى وأورد أنه لو توقف على أدوات يستغرق العمر تحصيلها لم يكن فى وسع أحد لانقضاء العمر فى تحصيل الأدوات وأجاب بأنه صحح لو لم يكن بعضهم لبعض ظهيرًا فلهذا قالوا: إن العلوم إنما تتم بتلاحق الأفكار لا يقال إذا اعتبرت الإعانة من بعض لبعض كان فى وسع الكل لأنا نقول: بل يلزم تعطيل الكل لو طلب من الكل وكان عليه معينًا للآخر وإنما حمله على هذا لبعد ما قاله التفتازانى عن المقام لأنه عليه لا بد من أن يراد بالأدوات ما يشمل أدوات التعيش ولكن يرد على ما حمله عليه قدس سره أن توقفه على أدوات يستغرق تحصيلها مدة متطاولة لا ينتج أنه ليس فى وسع الكل ويجاب بأن قوله وكان يفضى من تمام العلة كما سيبين.

قوله: (هى شرائط الاجتهاد. . . إلخ) أى لا ما يشمل ما يحتاج إليه فى التعيش.

ص: 87

قوله: (فهو عطف. . . إلخ) أى لأن فاعل يستغرق هو تحصيل الأدوات وكذا هو فاعل يفضى فهو من تمام التعليل.

قوله: (لا على قوله ليس فى وسع) أى لأنه لو عطف عليه لفهم أن استغراق العمر فى تحصيل الأدوات يكفى فى العلية لقوله وإذ ليس فى وسع الكل مع أنه فاسد إلا أن يراد بالأدوات ما يشمل ما يحتاج إليه فى التعيش ويعتبر أن البعض للبعض ظهير، وقد تقدم أنه خلاف ما يقتضيه المقام لكن يرد أن الظاهر على هذا ترك لفظ كان ليتناسب المعطوف والمعطوف عليه لكنه أمر سهل وفى قوله: لا على ليس فى وسع. . . إلخ، رد على التفتازانى.

قوله: (وسموا العلم المتعلق به الحاصل للمجتهدين. . . إلخ) لا يقال أى فائدة فى علم الأصول لغير المجتهدين؛ لأنا نقول: الفائدة فيه حفظ الأحكام بدلائلها فتطمئن النفس.

قوله: (تتعلق بالأدلة السمعية) لم يقل والأحكام كما قال التفتازانى لأن موضوع الأصول هو الأدلة فقط على المختار.

قوله: (من الجهات المذكورة) هى دلالتها على الأحكام مطلقًا أو باعتبار تعارضها أو الاستنباط منها.

قوله: (لا تكون هذه القضية الكلية) وهى الكبرى التى تكون فى الشكل الأول والملازمة الكلية التى تكون فى القياس الاستثنائى فإذا حرر الدليل على نظم الشكل الأول فكبراه هى القاعدة الكلية الأصولية، وإذا حرر على نظم القياس الاستثنائى فالملازمة هى القاعدة الكلية الأصولية ومعنى كون ذلك من الأصول أنها مأخوذة منه سواء كانت بنفسها مسألة أصولية معينة أو مندرجة فيها أو مأخوذة من عدة مسائل ولا بد فى القضية الكلية الأصولية من قيود فكل أمر للوحوب مقيد بكل أمر ليس منسوخًا ولا معارضًا براجح أو مساوٍ ولا مؤول فلا بد لإتمام هذه القاعدة من معرفة مسائل النسخ والتعارض والتراجيح والتأويل فهذه القاعدة مأخوذة من عدة مسائل وكذا الملازمة فى القياس الاستثنائى فاندفع ما يتوهم وروده من أن كثيرًا من مسائل الأصول لا يصلح كبرى القياس كقولهم: القياس لا يكون ناسخًا ولا منسوخًا.

قوله: (كلما دل القياس. . . إلخ) لا فرق يعتد به بين هذه القضية وبين قولنا:

ص: 88

كلما دل القياس على وجوب شئ كان واجبًا حتى تكون الأولى من المسائل الأصولية والثانية مما يندرج تحتها فإن التعبير عن الحكم المخصوص بالوجوب أو بهذا الحكم ليس فيه فرق يعتد به إذ الإشارة إنما هى لنوع من أنواع الحكم لأن الفقيه إنما يبحث عن الأنواع المخصوصة لا عن مطلق الحكم.

قوله: (وأحوال الأحكام. . . إلخ) هذا يقتضى أن مباحث الأحكام الراجعة إلي تلك الكلمة من مسائل الأصول فيكون موضوعه الأدلة والأحكام وهو ينافى ما تقدم من أن الموضوع هو الأدلة.

قوله: (لا تثبت بالقياس) إذ القياس مساواة فرع لأصل فى علة الحكم فاستنباط الحكم منه يتوقف على العلم بكون شئ مخصوص علة للحكم فلو ثبتت علية الشئ بالقياس كان دورًا بل يثبت بالسبر وغيره على ما سيجئ فى بحث القياس.

قوله: (ومسائل من الأصول أيضًا) أى كالمقدمة الكلية.

قوله: (حرروها) وتلك المسائل هى قواعد الأصول.

قوله: (لا نفى معلل بالإضافة) أى: لأنه لو كان نفى معلل لأفاد الكلام بطريق المفهوم أنهم أهملوه لأمر آخر كذا قيل ولم يجعل مفعولًا ثانيًا ليروا أى لم يعلموا الإهمال نصحًا لأنه لا يلائمه قوله وإعانة.

قوله: (لعدم اختصاصه بالمجتهدين) وفائدته بالنسبة لغيرهم هى معرفة الأحكام بدلائلها وذلك موجب لاطمئنان النفس كما تقدم.

قوله: (فاشتماله على المعلوم) وهو القواعد المذكورة أو الغاية وهى الاستنباط لا ينافى ذلك أى كونه حدًا وهو تفريع على الوجهين وإن اقتصر التفتازانى على التفريع على الأول حيث لم يذكر الوجه الثانى.

قوله: (والعلم ببعض تلك القواعد) يشير إلى أن فى القواعد للاستغراق قد يقال: وقع فى التعريف لفظان؛ لفظ القواعد ولفظ الأحكام وخروج العلم ببعض القواعد كما يكون بالقواعد يكون بالأحكام فما وجه نسبة الخروج إلى القواعد دون الأحكام؟ ويجاب بأن هذين اللفظين قد وقعا على نهج واحد فإذا حمل أحدهما على الجميع حمل الآخر عليه ونسبة الإخراج إلى الأول أولى لتقدمه.

قوله: (ما يتوصل به. . . إلخ) لم يخرج بقيد التوصل العلم بالقواعد التى هى مقصودة بالذات كما صنع التفتازانى؛ لأن القواعد لا تكون إلا وسيلة لغيرها

ص: 89

ولعله أراد بالقواعد المقصودة بالذات القواعد المذكورة فى العلم النظرى غير الآلى.

قوله: (وإن وافقت مسائل الأصول) وذلك بأن يتعلق بعض مسائله باستنباط الأحكام أيضًا كما تعلقت بحفظ الوضع وهدمه.

قوله: (وفى جعل الأحكام. . . إلخ) إشارة إلى رد ما ذهب إليه بعضهم من أن الأحكام هنا يجوز أن يراد بها الخطابات المتعلقة بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، ووجه الرد أن الأحكام فى تعريف الأصول يجب أن تكون مشتركة بين العقلية والشرعية الأصلية والفرعية ومنقسمة إليها كما أشار إليه الشارح حيث قال: الأحكام قد تؤخذ لا من الشرع. . . إلخ؛ ليكون لقيد الشرعية والفرعية فائدة فيخرج بالأول الأحكام العقلية بل وغيرها من الأحكام الاصطلاحية غير الشرعية وبالثانى الشرعية الأصلية فيجب أن تكون الأحكام بمعنى النسب فقول المحشى: التصديقات مراده بها المصدق بها التى هى النسب لا الخطابات لئلا يلغوا ذكر الشرعية والفرعية لأن الخطابات المذكورة لا تكون إلا شرعية وفرعية بل لا يكون للتقيد بهما صحة لأن الخطابات المذكورة هى الكلام القديم المتعلق بأفعال المكلفين فليس مأخوذًا من الشرع ولا متفرعًا عن الشرعية الأصلية.

قوله: (وقيل احتراز. . . إلخ) قائله التفتازانى.

قوله: (على أن الكتاب صدق وحق) أى فكل ما دل عليه من الأحكام فهو ثابت لأن كون الكتاب حقًا وصدقًا يوجب أنه وأجزاءه حجج ودلائل.

قوله: (ليست مستندة) أى استنادًا قريبًا يترتب عليه الاستنباط مما استند إليه كما يشير إليه قول: مستنبطة هى منها.

قوله: (إلى استنباطها من أدلتها الإجمالية) أى لا علمت من أن الاستنباط لها إنما يكون من الأدلة التفصيلية ثم المراد التوصل القريب فلا يرد قواعد الكلام والعربية.

قوله: (إذ لا يتصل إلا بقواعده) الحصر إضافى بالنسبة لعدمه أى لا يتوصل بدونه يدل عليه قوله: فيكون جزءًا.

قوله: (يشعر بمزيد اختصاص لها بالأحكام المخصوصة) وذلك لأن وصفها بالتوصل يشعر بأن العلم بها له نسبة قريبة إلى التوصل المذكور بأن تكون كل قاعدة

ص: 90

من قواعده كبرى فى قياس الاستنباط أو مندمجة فيها كالمتعلق بشروط الأدلة بخلاف قواعد المنطق فيتوصل بها إلى جميع الأحكام عقلية أو شرعية أصلية أو فرعية، وبعبارة المنطق يبحث عن كيفية الاستنتاج وكيفية الإيصال إلى المجهول التصورى فنسبته إلى العلوم كلها نسبة واحدة.

قوله: (ومنه أيضًا يستفاد ما يدفع به النقض. . . إلخ) أى من وصف القواعد المشعر بمزيد اختصاص لها بالأحكام الفقهية يستفاد نقض تعريف علم الأصول بأنه علم. . . إلخ. ووجه ذلك أن وصف القواعد يشعر بأن المقصود والغرض من العلم بتلك القواعد هو التوصل إلى استنباط الأحكام، وظاهر أن علم اللَّه تعالى وعلم جبريل والنبى صلى الله عليه وسلم ليس لأجل التوصل فلا ينتقض التعريف بشموله لذلك.

قوله: (قيل عليه. . . إلخ) حاصله اعتراض على قوله من حيث يصح تركيبها بأنه لا حاجة إليه وقوله: وأجيب. . . إلخ، حاصله أن المراد بمعرفة المركب معرفته من حيث كونه مركبًا وحينئذٍ فلا بد من معرفة أجزائه من حيث التركيب سواء كانت المعرفة بالكنه أو بغيره وإن كان المعنى الذى ذكر هنا للجزأين هو المعنى المطابقى.

قوله: (معانٍ أربعة) ترك خامسًا وهو إطلاق الأصل على المقيس عليه إلا أن يقال: ليس مراده الحصر.

قوله: (وسيأتى جواز الحمل. . . إلخ) أى: فى قول الشارح ولو حمل الأصول على معناه اللغوى. . . إلخ.

قوله: (بطريق الحدس. . . إلخ) أى من غير فكر ونظر وانتقال.

قوله: (ومن الناس. . . إلخ) شرح لقول الشارح ومن لم يجعل. . . إلخ.

قوله: (علمهما) أى جبريل والنبى عليهما السلام.

قوله: (إذ لا منافاة. . . إلخ) أى: على تسليم أن الحاصل بطريق الضرورة من الأدلة يكون معها فالمعية بالزمان وهى لا تنافى التأخر الذاتى وهو رد على السعد ولكن لا وجه له لأن مراد السعد أن العلم الحاصل عن الدليل من حيث حصوله عنه لا يكون إلا متأخرًا عنه حاصلًا بالنظر.

قوله: (على مما هو أصلها) أى أصل الحيثية أن تكون مفهومة بالالتزام.

قوله: (هو بإيهامه أولى من دفعه) أى أن ذكر قيد الاستدلال يوهم أن الحاصل عن الدليل قد يكون بلا استدلال حتى ذكر هذا القيد لإخراجه وهذا الإيهام هو

ص: 91

المتبادر من ذكر القيد لا الدفع.

قوله: (إن لم يعتبر الالنزام فى التعريف) أى: إن قلنا بأن دلالة الالتزام مهجورة فى التعريف ولا بد من التصريح بهذا اللازم فلا بد من ذكر هذا القيد ليتم التعريف لكن رد عليه بأن قيد بالاستدلال على هذا للاحتراز وهو ينافى قوله: إن قول الشارح دون الاحتزاز متعلق بالكل إلا أن يقال الفهم بطريق الالتزام وإن لم يعتبر فى الاصطلاح لكنه كافٍ فى الاحتراز.

قوله: (فهو للاهتمام. . . إلخ) أى فيكون القيد لبيان الواقع ذكر توكيدًا.

قوله: (ومن وجه الكلام) أى قوله ومن لم يجعله عن الأدلة. . . إلخ. الذى نقله الشارح.

قوله: (فقد خبط. . . إلخ) رد بأنه يريد أنه إن جعل ظاهرًا فيما أريد به واعتبر التبادر العرفى كان القيد تأكيدًا وإن اعتبر الإجمال اللغوى وكان متساوى الدلالة كان القيد بيانًا.

قوله: (التصديقات) أى المصدق بها.

قوله: (إن قلنا بإفادته علمًا) الصواب: أنه لا يفيد علمًا والذى يفيده معرفة المقتضى المخصوص والنافى كذلك.

قوله: (إن حملنا العلم على التصديق) أى الاعتقاد مطلقًا سواء كان عن دليل أو لا فإن حمل العلم على اليقين يكون اعتقاد المقلد خارجًا عن العلم.

قوله: (وستقف على جلية الحال) وهو أن المراد بالعلم هنا التصديق اليقينى لا التصديق مطلقًا وإن اعتقاد المقلد على تقدير حمل العلم على التصديق مطلقًا إنما يخرج بقيد الاستدلال لا بقيد التفصيلية.

قوله: (فمما لا يلتفت إليه) لأن المتبادر من الفرعية هو مقابل الأصلية أعنى الاعتقادية فليس التفرع عن الأدلة مرادًا من تلك العبارة.

قوله: (لأنه أريد به معناه لغة ولا نقل فيه) أى أن معناه لغة هو المراد وهو ظاهر ولا نقل فيه أى من المعنى اللغوى فى المركب الإضافى إلى المعنى الاصطلاحى فيه ووجه صعفه المشار إليه بقوله قيل لم يتعرض. . . إلخ أن المدار فى عدم التعرض على ظهور المعنى ولا دخل لعدم النقل فى عدم التعرض.

قوله: (سواء كان) أى الشئ الذى الصفة فيه عارضة له، قوله: كالمكتوب

ص: 92

والمضمر الأول مثال للذى فيه الشئ قائم بنفسه والثانى للقائم بغيره.

قوله: (أى غير مقيد بصفة. . . إلخ) أى بل هو مقيد بصفة خارجة عن المدلول لازمة له وفيه رد على من فسر الإطلاق بقوله أى بحسب الذات والمعانى القائمة به وإن لم يدل عليه لفظه كما سيأتى.

قوله: (وقى القيام) أى إن أضيف العلم إلى العالم، وقوله: والتعلق أى: إن أضيف إلى المعلوم.

قوله: (وما ذكره ابن الحاجب إلى قوله والتزامًا منافاة) حاصله دفع المنافاة بين كلام ابن الحاجب وكلام الشارح على ما حمله عليه المحشى وذلك أن ابن الحاجب عبارته شاملة لإضافة اسم المعنى واسم العين وقد قال: إن وضع الإضافة على أن تفيد أن بين المضاف والمضاف إليه خصوصية ليست لغيره فيه، دل عليه لفظ المضاف فيتوهم من قوله: فيما دل عليه لفظ المضاف الدلالة التضمنية سواء كان فى إضافة المعنى أو اسم العين وهذا ينافى أن الاختصاص فى إضافة العين ليس باعتبار الصفة الداخلة فى المختص بل باعتبار الأمر الخارجى الذى قاله الشارح فدفعه المحشى بأن المراد الدلالة مطلقًا ولو التزامًا يعنى ويرتكب التوزيع فالالتزام باعتبار إضافة اسم العين والتضمن باعتبار إضافة اسم المعنى وقد نقل عن ابن الحاجب أن الاختصاص فى إضافة اسم العين باعتبار مدلوله الالتزامى وفى إضافة اسم المعنى باعتبار مدلوله التضمنى وعليه فكل ما يدخل فيه المعنى اسم معنًى وإن لم يكن مشتقًا.

قوله: (ما دل على معنًى لا يقوم بنفسه) أى سواء دل جمع ذلك على شئ يقوم بنفسه أو دل على شئ يقوم بغيره كالمكتوب والمضمر.

قوله: (يصح لغة) أى: لا اصطلاحًا.

قوله: (بشرط انضمام. . . إلخ) متعلق بقوله يصح لغة، وحاصله أنه إذا أريد إطلاق اسم العين يشترط فى صحته جعل المعنى تابعًا إياه والعين ملحوظة بالقصد وإذا أريد إطلاق اسم المعنى يشترط فى صحة الإطلاق جعل العين تابعًا والمعنى مقصودًا بالذات وقوله: أو بالتجوز عطف على قوله لغة كذا قيل، وقال بعضهم: إن المعنى أنه إذا لوحظ فى الكتاب مثلًا مدلوله القائم بنفسه فيقال اسم عين واسم معنًى وإذا لوحظ مدلوله القائم بغيره فيقال: اسم معنًى واسم عين وقوله أو

ص: 93

بالتجوز يعنى أن المشتق هو اسم معنًى واسم عين معًا فإن اقتصر على أحدهما كان إطلاقًا لاسم الجزء على الكل مجازًا.

قوله: (أى بحسب الذات والمعانى القائمة به) أى: وإن لم يدل عليها اللفظ أصلًا وقد تقدم الإشارة إلى رد هذا التعبير.

قوله: (ولهذا ثبت الخيار) أى لأجل أن إضافة الدار إلى أحد تفيد اختصاص جميع منافعها به فلو اشترى دار شخص كانت مستأجرة لغيره ولم يعلم المشترى تلك الإجارة ثبت الخيار فى فسخ البيع إذ بعض منافعها وهو منفعة الإجارة لا يكون له بل للمستأجر، أما إذا علم فلا فسخ وكانت المنفعة مستثناة من منافعها.

قوله: (باعتبار ثعلقه الخارج) يعنى: أن إضافة اسم المعنى تفيد الاختصاص باعتبار المعنى الداخل فى مفهوم المضاف فالمختص المضاف وجهة الاختصاص ذلك الأمر الداخل ودق الثوب ليس من هذا القبيل لأن الاختصاص الذى فيه باعتبار التعلق الخارج عن مفهومه فهذا القائل إن أراد بقوله فإن المختص هو الدق باعتبار نفس الدق فممنوع؛ لأن الاختصاص إنما هو باعتبار تعلقه، وإن أراد أن الاختصاص باعتبار التعلق فمسلم لكن التعلق خارج عن مفهومه فلا يطابق ذلك بيانًا للاختصاص الذى تفيده إضافة اسم المعنى فقوله: فلأن الاختصاص باعتبار تعلقه الخارج اعتراض على سبيل الترديد كما هو ظاهر.

قوله: (لم يتنبه. . . إلخ) أى حيث جعل المختص نفس الدق ولم يعتبر جهة أخرى لاختصاصه مع أن عبارة الكتاب صريحة فى المغايرة حيث قال: إضافة اسم المعنى تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه باعتبار ما دل عليه لفظ المضاف وكذا عبارة المحصول صريحة فى ذلك.

قوله: (كما صرح بذلك فيما بعد) أى حيث قال: إضافة اسم العين تفيد الاختصاص مطلقًا وعلى هذا جرى العرف وبنى عليه كتير من مسائل الفقه فى البيوع والأيمان والوصايا والأقارير انتهى فإن الظاهر من ذلك أن مسألة الإجارة من تلك المسائل.

قوله: (وإن إضافة اسم المعنى. . . إلخ) أخذه من قول الشارح من حيث هى أدلته.

قوله: (لا يتناول الترجيح والاجتهاد) أى مباحثهما بل لا يتناول مباحث الأدلة

ص: 94

أيضًا إلا على طريق المسامحة.

قوله: (والكيفيتين) أى كيفية الاستدلال الراجعة إلى مباحث الترجيح وكيفية حال المستدل الراجعة إلى مباحث الاجتهاد.

قوله: (وفيه إيماء) أى: أنه حيث احتيج إلى النقل ليشمل الأقسام الثلاثة فيفيد أن موضوعه الأدلة والترجيح والاجتهاد.

قوله: (استفاده من الأحكام) رد على الأبهرى حيث قال: إنه مما تفرد به الشارح وكأنه سمع ذلك من الشارح فالأولى أن يكون من باب توارد الأفكار.

قوله: (فيعبر عن معلوماته) أى معلومات علم الأصول بلفظه أى: بلفظ الأصول وقوله وعنه بلفظه أى ويعبر عن العلم بلفظ العلم فيقدر مضاف فيصير التقدير علم أصول الفقه لكن يرد عليه أن أصحاب الفنون لم يهملوا شيئًا من فنونهم عن التسمية بالاسم الخاص وجعل أصول الفقه علمًا بالغلبة كما ادعاه السيد يرد عليه أن الغلبة تكون فى فرد مما صدق عليه المعنى الأصلى والعلم بمعنى الإدراك أو الملكة لا القواعد كما هو مبنى كلامهم فى هذا المحل ليس فردًا مما ينبنى الفقه عليه لأنه بمعنى المعلوم والعلم ليس فردًا منه.

قوله: (وإن احتيج إلى اعتبار قيد الإجمال) أى: لئلا يتناول الأدلة التفصيلية.

ص: 95

قال: (وأورد إن كان المراد البعض لم يطرد لدخول المقلد وإن كان الجميع لم ينعكس لثبوت لا أدرى وأجيب بالبعض ويطرد لأن المراد بالأدلة الأمارات وبالجميع وينعكس لأن المراد تهيؤه للعلم بالجميع).

أقول: أورد على حد الفقه أن المراد بالأحكام إن كان هو البعض لم يطرد لدخول المقلد إذا عرف بعض الأحكام كذلك لأنا لا نريد به العامى بل من لم يبلغ درجة الاجتهاد وقد يكون عالمًا يمكنه ذلك مع أنه ليس بفقيه إجماعًا وإن كان هو الكل لم ينعكس لخروج بعض الفقهاء عنه لثبوت لا أدرى عمن هو فقيه بالإجماع نقل أن مالكًا سئل عن أربعين مسألة فقال فى ست وثلاتين منها: لا أدرى.

والجواب: أنا نختار أن المراد البعض قولكم لا يطرد لدخول المقلد فيه ممنوع إذ المراد بالأدلة الأمارات ولا يعلم شيئًا من الأحكام كذلك إلا مجتهد يجزم بوجوب العمل بموجب ظنه وأما المقلد فإنما يظن ظنًا ولا يفضى به إلى علم لعدم وجوب العمل بالظن عليه إجماعًا أو نختار أن المراد الكل قولكم لا ينعكس لثبوت لا أدرى قلنا ممنوع ولا يضر ثبوت لا أدرى إذ المراد بالعلم بالجميع التهيؤ له. وهو أن يكون عنده ما يكفيه فى استعلامه بأن يرجع إليه فيحكم وعدم العلم فى الحالة الراهنة لا ينافيه لجواز أن يكون ذلك لتعارض الأدلة أو لعدم التمكن من الاجتهاد فى الحال لاستدعائه زمانًا.

قوله: (إن كان المراد البعض) فإن قيل لا حصر فى أن يكون المراد هو البعض أو الجميع لجواز أن يراد الجنس بحيث يصدق على الكل والبعض، وأيضًا لا صحة للتعبير بالأحكام عن البعض بخصوصه قلنا: المقصود الحصر فى الجميع وفيما يصدق على البعض أيضًا بمعنى أن الأحكام إما للاستغراق وإما للجنس، فيصدق على الكل والبعض العين والمبهم والأكثر لكن لا يخفى أن دخول المقلد إنما يلزم على تقدير إرادة البعض على الإطلاق وأما إرادة المعين أو الأكثر على ما اختاره الآمدى حيث قال: هو العلم بجملة غالبة من الأحكام فترد بأنها رد إلى الجهالة، ومعنى دخول المقلد صدق الحد على علمه ببعض الأحكام إذا حصلها عن أدلتها بالاستدلال لعلو رتبته فى العلم وإن لم يبلغ درجة الاجتهاد، وأما الجواب فبناه على أن المراد بالعلم بالأحكام ما يقابل الظن، وبالأدلة التفصيلية

ص: 96

الأمارات التى تفيد الظن وأن العمل بموجب الظن واجب قطعًا على المجتهد دون المقلد لا بمعنى أن الفقه عبارة عن العلم بوجوب العمل، بل بمعنى أنه يجب عليه الجزم بوجوب ما دلت الأمارة على وجوبه وحرمة ما دلت الأمارة على حرمته وهكذا، فالمجتهد هو الذى يفضى به ظنه الحاصل من الأمارة إلى العلم بالأحكام بهذا المعنى بخلاف المقلد فإن ظنه لا يصير وسيلة الى العلم، وهذا تدقيق تفرد به الشارح وفيه إشارة إلى الجواب عما يقال إن الفقه من باب الظن فكيف أطلق عليه العلم؟ إلا أنه يشكل بالأحكام المستنبطة من الأدلة القطعية كالكتاب والسنة المتواترة والإجماع وإن سميت أمارات، بمعنى أنها معترفات وعلامات نصبها الشارع للأحكام لا موجبات وأما غيره من الشارحين فحاصل تقريرهم وجهان أحدهما: لا نسلم أن المقلد ليس بفقيه فإن المراد بالأدلة الأمارات وقوله: فيه أمارة له وفساده بين وثانيهما: لا نسلم أن علم المقلد حاصل على الأمارات التى نصبها الشارع إذ لا يتمكن من الاستدلال بها والاستنباط عنها إلا المجتهد؛ لكونها ظنيات وقد تتعارض فيحتاج إلى ترجيح، وهذا فاسد لما مر من أن المراد بالمقلد ليس العامى الذى بالأدلة التفصيلية القطعية أو ما هو أعم منها لو رد الإشكال على إرادة البعض إذ لا فرق بين المجتهد والمقلد المذكور فى العلم ببعض الأحكام عن الأدلة التفصيلية القطعية بالاستدلال، لكنا نريد بها الأمارات المفيدة للظن المفضى إلى العلم بالأحكام للمجتهد دونه فيخرج عن الحد ويؤيد ذلك ما ذكره فى المنتهى، وأورد إن كان المراد البعض لم يطرد إذ كان المقلد فقيهًا وأجيب بأنه يصح البعض ويطرد إن أريد بالأدلة الأمارات، لأنه لا يعلمه كذلك إلا فقيه وههنا بحثان الأول أنه يلزم مما ذكر أن تكون الأحكام المعلومة من الأدلة القطعية خارجة عن الفقه فإما أن يختار أن الأدلة اللفظية لا تفيد إلا ظنًا كما ذهب إليه بعض فكذا يتفرع عليها من الإجماع والقياس وإما أن يقال كل ما دل عليه دليل قطعى من الأحكام فهو مما علم من الدين ضرورة وقد صرح فى المحصول بخروج مثله عنه الثانى: أن ذلك الإجماع إن كان ظنيًا فى نفسه أو نقل إليه بطريق الآحاد لم يجزم بمقتضاه، وإن كان قطعيًا فيهما جزم به وأفضاه ظنه بواسطة ذلك الجزم إلى العلم بوجوب العمل بالأحكام لا العلم بها والمقصود هو الثانى، والجواب أن الشارع جعل ظنه مناطًا للأحكام وعلة لها كما جعل ألفاظ العقود مثلًا علامة عليها وأسبابًا لثبوتها

ص: 97

فمتى تحقق ظنه بالوجدان علم قطعًا ثبوت ما نيط به إجماعًا بل ضرورة من الدين، فقد أفضى به ظنه إلى العلم بالأحكام أنفسها ووجب عليه العمل بمقتضى ظنه لذلك ومعنى وجوب العمل بمقتضاه أنه يجب عليه اعتقاد وجوب العمل واتباعه إن تعلق به أو اعتقاد ندبيته أو إباحته أو حرمته أو كراهته، وأما الإتيان بالفعل فعلى مقتضى حكمه أو نقول علمه بوجوب اتباع الحكم المظنون بوصله إلى العلم بثبوته من اللَّه تعالى فى حقه مع مقلديه بأن يقول هذا حكم يجب عليَّ اتباعه وما ليس حكمًا ثابتًا من اللَّه تعالى فى حقى لا يجب علىَّ اتباعه والمقدمتان قطعيتان فكذا النتيجة، أعنى كونه حكمًا ثابتًا من اللَّه تعالى فى حقى فإذا قيل الجوابان إنما يصحان على مذهب المصوبة القائلين بكون الأحكام تابعة لظنه وأما عند غيرهم فيجب عليه اتباع ظنه ولو خطأ، فلا يكون مناطًا للحكم ولا وجوب اتباعه موصلًا له إلى العلم به فلا مخلص إلا بأن يقال الأحكام أعم مما هو حكم اللَّه تعالى فى نفس الأمر أو فى الظاهر، ومظنونه حكم اللَّه تعالى ظاهرًا طابق الواقع أو لا وهو الذى نيط بظنه وأوصله وجوب اتباعه إلى العلم بثبوته، ومن ههنا ينحل الإشكال بأنا نقطع ببقاء ظنه وعدم جزم مزيل له وإنكار مبهت فيستحيل تعلق العلم به لتنافيهما؛ وذلك لأن ظنه الباقى متعلق بالحكم قياسًا إلى نفس الأمر والعلم متعلق به مقيسًا إلى الظاهر ويتضح معنى ما قيل من أن الحكم مقطوع به والظن واقع فى طريقه وستسمع فى باب الاجتهاد كلامًا يتعلق بهذا المقام إن شاء اللَّه لا يتمكن لمن الاستدلال أصلًا، وإلا لما كان للسؤال شبهة ورود.

قوله: (وهو أن يكون) إشارة الى دفع ما يقال من أن التهيؤ القريب غير معلوم والبعيد حاصل لكل أحد يعنى أن التهيؤ القريب المختص بالمجتهد هو حصول ما يكفى فى استعلام الجميع من المآخذ والأسباب والشروط وإطلاق العلم على مثل هذا التهيؤ شائع فى العرف فإنه يقال لفلان علم النحو ولا يراد أن مسائله حاضرة عنده على التفصيل، وهذا ما يقال إن العلم عبارة عن ملكة يقتدر بها على إدراكات جزئية وأن وجه الشبه بين العلم والحياة كونهما صفتى إدراك وأن العلم صفة ينجلى بها المذكور.

قوله: (إذا عرف بعض الأحكام) أى الشرعية الفرعية، (كذلك) أى

ص: 98

بالاستدلال عن الأدلة التفصيلية وفيه إشارة إلى أن اعتقاد العامى لا يرد نقضًا لخروجه عن العلم المفسر بما يقابله وبالاستدلال، وإلى بطلان ما قيل من أن خروج المقلد بقيد التفصيل.

قوله: (مع أنه ليس بفقيه إجماعًا) يريد فى عرف المتشرعة؛ فإن الفقيه عندهم وهو المجتهد فلا يكون علمه فقهًا مع دخوله فى حده، والقول بأنه اجتهاد فى بعض الأحكام عند من يقول بتجزئة يفضى إلى منع ذلك الإجماع، أو كون بعض المجتهدين غير فقيه مع فساد ما ذكر فى الجواب عند ذلك القائل.

قوله: (والجواب) حمل العلم على ما سيأتى وحيث قرن بالاستدلال تخصص بالتصديق اليقينى والأدلة المذكورة على الأمارات المفيدة للظن ولا يعلم شيئًا من الأحكام علمًا يقينًا حاصلًا من الأمارات إلا المجتهد لانعقاد الإجماع على أنه يجب العمل عليه بمقتضى ظنه، فإذا حصل له من نظره أمارة ظن بحكم جزم بوجوب عمله بمقتضاه بناءً على ذلك الإجماع فقوله: يجزم. . . إلخ صفة لازمة له صرح بها لأنها العمدة فى الجواب، وأما المقلد فظنه لا يفضيه إلى علم إذ لم ينعقد إجماع على وجوب اتباعه لظنه بل انعقد على خلافه وحاصله أنا لو أردنا تعالى.

قوله: (وهو أن يكون) تفسير للتهيؤ، ويعلم من أن المراد هو القريب، وإطلاق العلم عليه مستفيض عرفًا إذا قيل: فلان يعلم علم كذا أو كتاب كذا؛ لم يفهم إلا أن عنده ما يكفيه فى استعلام مسائله بأن يرجع إليه فيستخرجها، لا أنه مستحضر لجميعها.

قوله: (فإنما ترد بأنها رد إلى الجهالة) أى عدم تميز الحد عند من يكون بصدد تحصيل معرفة المحدود وتميز ما هو فرد منه فإنه أريد من لفظ البعض البعض المذكور فى التعريف على وجه ليس ههنا دلالة على تعيين بعض مخصوص مثل أن يراد بعض هو مسائل الصوم أو يراد بعض هو أكثر المسائل لم يكن الحد معلومًا للسامع ولم يتميز عنده ولم يحصل معرفة المحدود وتميز أفراده فإن مسائل الصوم لم تكن معلومًا من اللفظ وعدد المسائل غير معلوم فلا يعلم ما هو أكثرها، وحاصل كلام هذا القائل أن قول الشارح إن كان هو البعض لم يطرد لدخول

ص: 99

المقلد ليس على ما ينبغى لأن دخول المقلد إذا أريد بعض بعينه أو الجنس المتناول للكل والبعض وأما إذا أريد بعض معين فلا يلزم ذلك وحاصل جواب المحشى أن المراد بالبعض بعض لا بعينه وأما البعض المعين فلا يصح اعتباره فى الترديد هنا بل المراد فى هذا المقام جنس متناول للكل والبعض.

قوله: (مع فساد ما ذكر فى الجواب) أى هذا القول يفضى إلى ما ذكر أى فساد ما ذكر فى الجواب وحو قول الشارح وأما المقلد. . . إلخ. باعتبار أن اتصاف المجتهد بقوله يجزم بوجوب العمل بموجب ظنه اتصاف بالصفة اللازمة فإذا قال هذا القائل إن ذلك المقلد مجتهد فقال باتصافه بتلك الصفة فهو يخالف الإجماع.

قوله: (حمل العلم على ما سيأتى) أى المعنى الذى هو صفة توجب تميزًا وهذا المعنى يتناول التصور والتصديق اليقينى وإذا قرن العلم بالاستدلال خرج التصور وتعين التصديق اليقينى.

قوله: (فإما أن يختار) أى إذا خرج المعلوم من الأدلة القطعية من التعريف فلدفع هذا الفساد يجب أن يقال: ليس شئ من الأدلة التفصيلية بقطع بل كلها أمارات، أو يقال إن الحاصل من الدليل القطعى ليس من الفقه فإن قلت يلزم من اختيار الشق الأول أن يخرج من هذا التعريف جميع أجزاء الفقه إذا كان المجتهد فقيهًا على هذا التقدير إذ لا يمكن له اليقين عن تلك الأدلة فإن الإجماع المنعقد على أنه يجب عليه العمل بمقتضى ظنه من جملة الأدلة فإذا فرض أنه أمارة أيضًا فلا يفيد اليقين، والمأخوذ من التعريف هو العلم المقارن بالاستدلال وهو يقين قلت المراد أن كل واحد من الأدلة التفصيلية الواقعة بإزاء مسائل مخصوصة أمارة وأما الإجماع فهو عام جارٍ فى الجميع من المسائل ويجوز مع اختيار كونها أمارات اختيار حصول اليقين عن انضمام ذلك الإجماع إلى أمارة منها.

قوله: (وهو الذى نيط بظنه) أى الحكم الذى هو موصوف بكونه حكم اللَّه تعالى ظاهرًا منوط بظنه ويتحقق على سبيل القطع واليقين عند تحقق ظنه فالمجتهد إذا حصل له ظن بوجوب فعل مثلًا فهذا الوجوب يصير متصفًا بأنه من اللَّه تعالى ظاهرًا وهذا الحكم المتصف بالصفة المذكورة حاصل من ظنه وحصل له القطع بأن هذا الفعل واجب بهذا الوجوب وإن لم يحصل له القطع بأن هذا الفعل واجب من اللَّه تعالى فى نفس الأمر، والمراد من الأحكام الشرعية ما هو من قبيل الأول

ص: 100

وهذا مثل أن يقال إذا وقع لنا ظن بأن زيدًا قائم وترتب على هذا ظن شئ يناسب القيام الواقعى وقع هنا قسمان من القيام أحدهما قيام واقعى والآخر قيام ظاهرى، وصح وقوع القطع بأن زيدًا قائم بالاعتبار الثانى مع الظن بالاعتبار الأول، وأما ظن المقلد فلا ينوط به حكم واقعيًا أو ظاهريًا إذ الحكم الظاهرى هو الذى يجب اتباعه وليس للمقلد ذلك فلا يجزم المقلد بأن ما فهمه من كلام الشارع حكم ظاهرى إذ لا يجب أتباع ذلك الحكم فاندفع ما يقال من أن المقلد الماهر فى العربية وغيرها من العلوم إذا فهم من كلام الشارع حكمًا من غير معارض يجزم بأنه حكم اللَّه تعالى ظاهرًا جزمًا ثابتًا مطابقًا للواقع وإن لم يجزم بأنه الحكم فى الواقع ولا يتوقف هذا الجزم على وجوب أتباع ما فهمه.

قوله: (إلا أن عنده ما يكفيه) قد يقال الظاهر أن المراد مما يكفيه ملكة حاصلة من استخراج المسائل الكثيرة فإن ذلك تهيؤ قريب لتحصيل المجموع، يقال لمن له تلك الملكة إنه عالم بذلك العلم

(1)

، وأما الذى ليس له تلك الحالة وقد حصل له مقدمات ومبادئ يستخرج منها العلم بعد الممارسة وملكة الاستخراج بدون الممارسة والاستخراج ولا يطلق عليه العالم بذلك العلم مثلًا إذا حصل لشخص العلم الإلهى والطبيعى والهندسى وغير ذلك مما يتوقف عليه علم الهيئة بل يقال له العالم بذلك العلم بعد الممارسة وتحصيل ملكة الاستخرج بسبب استخراجات كثيرة من مسائل الهيئة من مبادئها.

التفتازانى: (وفيما يصدق. . . إلخ) أى فالمراد من البعض الجنس الصادق على البعض وعلى الكل وعبر عنه بالبعض؛ لأنه المحقق فصح الحصر وصح التعبير بالأحكام عن البعض.

التفتازانى: (وأما إرادة المعين أو الأكثر) أراد بالمعين ما له نسبة معينة إلى الكل كالثلث والربع والنصف لا مسائل معينة كمسائل الصوم والصلاة وبالأكثر الأكثر من النصف سواء كان له نسبة معينه بالنسبة إلى الكل كالثلثين والثلاثة أرباع أو لا ثم المراد بإرادة المعين أو الأكثر إرادته بجعل "ال" فى الأحكام للعهد.

(1)

قوله: وأما الذى ليس له. . . إلخ. هكذا فى الأصول وحرر العبارة. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 101

التفتازانى: (بل بمعنى. . . إلخ) هذا دفع لما يقال أن الفقه يشمل الوجوب وغيره من الأحكام وليس قاصرًا على الوجوب، وحاصل الدفع أن المراد بالعمل الواجب هو الاعتقاد لما أداه إليه ظنه سواء كان وجوبًا أو غيره لكن السعد لم يبين أنه ليس المراد أن الفقه عبارة عن العلم بوجوب العمل بل هو عبارة عن العلم بالأحكام فكان عليه أن يقول: إنه لما كان ظنه مناطًا للحكم بالإجماع فمتى تحقق ظنه تحقق العلم بالحكم ففى عبارته اختصار وقوله: كالكتاب والسنة. . . إلخ، ظاهره أن المراد قطعى المتن فقط سمع أنه ليس كذلك؛ بل المراد قطعى المتن والدلالة وقوله فيه أمارة له أى قول المقلد فيه أمارة له أى أنه ناشئ عن الأمارة وقوله: وفساده بين أى للإجماع على أنه ليس فقيهًا.

قوله: (وأما الحمل على بعض معين ولو بكونه أكثر) قصد به الرد على التفتازانى حيث جوز إرادة البعض المعين والأكثر وحيث جعل الأكثر مقابلًا للبعض المعين مع دخوله فيه ويجاب عن هذا الأخير بأن المراد بالأكثر ما شرحنا به عبارته فيكون أعم من البعض المعين وقوله: إذ لا دليل هناك على عهد رده بعضهم بأنه لم يرد العهد بل أراد أن البعض المعين والأكثر من مصدوق الجنس كما هو ظاهر عبارته ورد بأن المراد الجنس فى ضمن البعض المعين والأكثر بالعهد.

قوله: (للمفسر بما يقابله) وهو التصديق اليقينى.

قوله: (وبالاستدلال عطف على قوله عن العلم) أى: ولخروجه بقيد الاستدلال.

قوله: (بقيد التفصيل) أى لأنه يفيد أن المقلد له علم عن الأدلة لكن الإجمالية مع أنه إذا كان له علم كان عن الأدلة التفصيلية فسلم كونه عن الأدلة فى إخراجه بقيد التفصيل.

قوله: (اجتهاد فى بعض الأحكام) بأن يحصل عنده ما هو مناط له دون غيره.

قوله: (يفضى إلى منع الإجماع) الذى هو فى الأصح عبارة عن اتفاق المجتهدين فى عمر على أمر سواء كان حكمًا شرعيًا أو غيره، والقول بأن مخالفة الإجماع إنما تكون حرامًا إذا كان على حكم شرعى وهذا الإجماع ليس من هذا القبيل إن سلم فجوابه: أنه لما اتفق عليه فقهاء الأمة لم يستحسن مخالفتهم.

قوله أيضًا: (يفضى إلى منع الإجماع) حاصله أن المجتهد فى الكل والفقيه متساويان فى عرف المتشرعة لا يوجد أحدهما بدون الآخر، فمراد القائل يكون

ص: 102

استنباط المقلد غير العامى اجتهادًا أما دخوله فى حد الفقه وجعله فقيهًا وهذا يفضى إلى منع الإجماع على أن الفقيه منحصر فى المجتهد فى الكل وجزئه وأما مجرد كون استنباطه اجتهادًا وكونه مجتهدًا وهذا مع كونه موجبًا لكون بعض المجتهدين ليس فقيهًا وهو خلاف عرفهم يوجب أيضًا فساد ما ذكر فى الجواب لإخراج علمه عن حد الفقه وهو قوله: وهو أن المراد بالعلم اليقين وبالأدلة الأمارات ولا يعلم شيئًا من الأمارات علمًا يقينًا إلا المجتهد الذى من صفته اللازمة له أن يجزم بوجوب العمل بمقتضى ظنه دون المقلد فالمقلد لا يجزم بوجوب العمل بمقتضى ظنه فلا يكون مجتهدًا فى شئ عن الأحكام فلا يصح القول بأنه مجتهد فى بعض الأحكام كيف ونسبة البعض إليه كنسبة الكل فى الجزم بوجوب العمل إلا أن يقال: إن تلك الصفة اللازمة إنما هى للمجتهد الكامل وهو المجتهد فى الأحكام.

قوله: (حمل العلم على ما سيأتي وهو صفة توجب تمييزًا. . . إلخ) وهو صادق على التصور والتصديق وقرنه بالاستدلال يخصصه بالتصديق اليقينى وفيه أن الاستدلال بالأمارات لا يخصصه باليقينى والدليل على ذلك الحمل قوله ولا يعلم شيئًا من الأحكام إلى أن قال بخلاف المقلد فإنما يظن ظنًا ولا يفضى به إلى العلم.

قوله: (والأدلة المذكورة على الأمارات) أى وحمل الأدلة المذكورة على الأمارات فهو عطف على العلم.

قوله: (لانعقاد الإجماع على أنه يجب العمل عليه بمقتضى ظنه) أى: وهذا الإجماع يوجب العلم بوجوب العمل بمقتضى ظنه والعلم بالأحكام أنفسها؛ وإن هذا الإجماع إنما يتأتى إذا كان الشارع جعل ظن المجتهد مناط الحكم وعلة لثبوته، وإذا علم أن الشارع جعل ظنه مناط الحكم فمتى تحقق ظنه وعليه بالوجدان فقد علم الحكم وعلم وجوب العمل بمقتضى ظنه فالعلم بوجوب العمل والعلم بالأحكام كلاهما ناشئ عن الإجماع المذكور أو العلم بوجوب العمل يوصل إلى العلم بالأحكام على ما سيأتى بيانه من المحشى.

قوله: (بل انعقد على خلافه) أتى بهذا الإضراب ليشير إلى أن قول الشارح إجماعًا الواقعة فى سياق المقلد راجع إلى عدم الوجوب لا للوجوب المدخول للعدم لأنه المناسب للمقام.

ص: 103

قوله: (نريد بها الأمارات) أى التى هى لكل مسألة مسألة فخرج الإجماع على وجوب العمل بمقتضى ظنه فإنه متعلق بالجميع فلا يقال: اندرج فى الأمارات الإجماع الذكور فينافى قوله: إن الإجماع يفيد العلم.

قوله: (إذ كان المقلد فقيهًا) أى على مقتضى التعريف مع أنه ليس فقيهًا فى الواقع فيكون التعريف غير مطرد.

قوله: (فكذا ما يتفرع عليها من الإجماع) أى: المتعلق بمسألة مخصوصة لا المتعلق بالجميع لأنه لو كان ظنيًا أيضًا لم يفد العلم بوجوب العمل والعلم بالأحكام كما بينه المحشى.

قوله: (إن الشارع جعل ظنه. . . إلخ) أى وعلم ذلك من الإجماع على وجوب العمل كما علم منه العلم بوجوب العمل كما تقدم لك بيانه.

قوله: (إلى العلم بالأحكام وجب عليه العمل) أى فقد علم الأمران كما مر.

قوله: (ومعنى وجوب العمل. . . إلخ) دفع لما يقال: إن الفقه لم ينحصر فى العلم بوجوب الإتيان بالواجب، وحاصل الدفع أن المراد بالعمل الاعتقاد لما ظنه على حسبه فإن كان واجبًا وجب عليه اعتقاد وجوبه، وإن كان ندبًا وجب عليه اعتقاد ندبيته وهكذا.

قوله: (أو نقول علمه. . . إلخ) عطف على قوله: إن الشارع جعل ظنه. . . إلخ. فهذا جواب ثانٍ.

قوله: (هذا حكم يجب عليّ اتباعه) أى: وهو مقتضى الإجماع على وجوب العمل بمقتضى الظن.

قوله: (وما ليس حكمًا. . . إلخ) قضية سالبة لقوله: لا يجب، وأما قوله: ليس حكمًا فهو جزء من الموضوع وكأنه قال: وغير الحكم الثابت من اللَّه فى حقى لا يجب عليّ اتباعه وهى أيضًا مأخوذة من الإجماع لأنه متى وجب العمل بمقتضى الظن كان غيره ليس واجبًا.

قوله: (أعنى كونه حكمًا ثابتًا من اللَّه) لا يخفى أن القياس الذى ذكره من الشكل الثانى فتكون النتيجة سالبة للزوم اختلاف المقدمتين فيه والكبرى فى القياس الذى ذكره سالبة فحق النتيجة هكذا فهذا الحكم ليس غير الحكم الثابت من اللَّه تعالى فى حقى، ويلزمه أنه الحكم الثابت من اللَّه فى حقى فالمحشى نظر

ص: 104

للازمه المذكور لظهور لزومه.

قوله: (فلا يكون مناطًا للحكم) أى كما هو الجواب الأهول وقوله: ولا العلم. . . إلخ. أى كما هو الجواب الثانى.

قوله: (فلا مخلص. . . إلخ) أى: فليس المراد بالأحكام الأحكام الواقعية بل الأحكام بحسب الظاهر سواء طابقت الواقع أو لم تطابقه فمظنونه هو الأحكام بحسب الظاهر.

قوله: (لأن ظنه الباقى. . . إلخ) أى فهو يظن أن هذا الحكم الذى أداه إليه اجتهاده هو الحكم فى الواقع ويعلم الحكم الذى أداه إليه اجتهاده من حيث كون الشارع أناط الحكم الذى أداه إليه اجتهاده بذلك الاجتهاد والظن.

قوله: (الحكم مقطوع به) أى نظرًا للظاهر.

قوله: (والظن فى طريقه) أى طريق الحكم فى الواقع.

قوله: (مستفيض عرفًا) أى فلا يرد أن إطلاق العلم على التهيؤ المذكور مجاز ولا قرينة فلا يصح إرادته فى التعريف.

قوله: (فيستخرجها) فيه أن الملكة التى يطلق عليها العلم هى ملكة الاستحضار لا الاستحصال إلا أن يراد بالاستخراج الاستحضار للجميع، وعبارة الشارح أيضًا تقتضى أن المراد ملكة الاستحصال.

ص: 105

قال: (وأما فائدته فالعلم بأحكام اللَّه تعالى).

أقول: فائدة أصول الفقه معرفة أحكام اللَّه تعالى وهى سبب الفوز بالسعادة الدينية والدنيوية.

قال: (وأما استمداده فمن الكلام والعربية والأحكام أما الكلام فلتوقف الأدلة الكلية على معرفة البارى تعالى وصدق المبلغ وهو يتوقف على دلالة المعجزة وأما العربية فلأن الأدلة من الكتاب والسنة عربية وأما الأحكام فالمراد تصورها ليمكن إثباتها ونفيها وإلا جاء الدور).

أقول: هذا العلم يستمد من الكلام ومن العربية ومن الأحكام أما الكلام فلتوقف الأدلة الكلية أى الإجمالية ككون الكتاب والسنة والإجماع حجة على معرفة البارى تعالى ليمكن إسناد خطاب التكليف إليه ويعلم لزومه حينئذٍ وتتوقف على أدلة حدوث العالم وأيضًا أنه يتوقف على صدق المبلغ، ويتوقف على دلالة المعجزة عليه ودلالتها تتوقف على امتناع تأثير غير القدرة القديمة فيها وهو يتوقف على قاعدة خلق الأعمال وعلى إثبات العلم والإرادة. ولا تقليد فى ذلك لاختلاف العقائد فلا يحصل به علم وأيضًا العربية فلأن الكتاب والسنة عربيان والاستدلال بهما يتوقف على معرفة اللغة من حقيقة ومجاز وعموم وخصوص وإطلاق وتقييد ومنطوق ومفهوم وغير ذلك. وأيضًا الأحكام فالمراد تصوّرها وذلك لأن المقصود إثباتها ونفيها فى الأصول إذا قلنا: الأمر للوجوب وفى الفقه إذا قلنا: الوتر واجب مثلًا ولا يمكن بدون تصورها. ولا يريد بالأحكام العلم بإثباتها أو نفيها لأن ذلك فائدة العلم فيتأخر حصوله عنه فلو توقف عليه العلم كان دورًا. وستقف على ذكره لأحكام الأحكام إثباتًا ونفيًا وهو خارج عن الأمرين.

قوله: (ويعلم لزومه) أى لزوم خطاب التكليف يعنى لزوم امتثاله ووجوب العمل بموجبه لاستناده إلى البارى تعالى.

قوله: (وتتوقف) أى معرفة البارى (على أدلة حدوث العالم) إذ المحوج إلى السبب عندنا هو الحدوث.

قوله: (وأيضًا أنه) أى كون الكتاب والسنة والإجماع حجة (يتوقف على صدق المبلغ) لأن العلم بأن هذا كتاب اللَّه وأن البينة على المدعى، وأن الأمة لا تجتمع

ص: 106

على الضلالة وأن أتباع سبيل المؤمنين واجب إنما يحصل لنا بأخباره وهو أن صدق المبلغ أعنى العلم به يتوقف على دلالة المعجزة على صدقه.

قوله: (وتتوقف) أى دلالة المعجزة على قاعدة خلق الأعمال حيث بين أن المؤثر هو اللَّه تعالى وحده (وعلى إثبات العلم والقدرة) للَّه تعالى ليصح منه ايجاد الأمر الخارق للعادة على وفق دعوى النبى صلى الله عليه وسلم قصدًا إلى تصديقه فى دعواه.

قوله: (وأما الأحكام) يريد أن وجه استمداد الأصول من الأحكام إنما هو من جهة مبادئه التصورية إذ لا بد فيه من تصور الأحكام الخمسة ليمكن إثباتها ونفيها لا التصديقية بأن يعلم إثباتها أو نفيها فى آحاد المسائل على ما فى الفقه من العلم بوجوب الحج وحرمة الخمر وغير ذلك بطريق النظر والاستدلال؛ لأنه يتوقف على معرفة أحوال الأدلة فلو توقفت هى عليه كان دورًا هذا ظاهر كلام الآمدى وبعض الشارحين، ويرد عليه أنه لو أريد إثبات الأحكام ونفيها لأفعال المكلفين على ما فى الفقه لم يلزم الأصولى تصورها؛ لأن ذلك فائدة الأصول بمعنى غايته وغرضه لا بمعنى مقاصده ومسائله فلا يلزم الأصولى من حيث هو أصولى التصديق بها ولا تصور أطرافها وهذا كما أن المنطق آلة لاكتساب العلوم وليست تصورات محمولات مسائلها من مبادئه وأيضًا لزوم الدور على تقدير أن يراد بالإثبات والنفى على هذا الوجه لا يوجب انحصار المراد فى التصور لجواز أن يراد الإثبات والنفى على وجه آخر كما فى الأصول مثلًا فلذلك جعل الشارح المحقق الإثبات والنفى أعم مما فى الأصول والفقه ليلزم الأصولى تصورها، لكن لما كانت فى الشقه محمولات لمسائله وأعراضًا ذاتية لموضوعه وفى الأصول متعلقات للمحمولات إذ معنى قولنا الأمر للوجوب أنه يفيد الوجوب جعلت فى الفقه مبادئ استقلالًا وفى الأصول استمدادًا ثم نفى كون المراد العلم بإثباتها أو نفيها على ما فى الفقه لأن ذلك فائدة علم الأصول بمعنى غايته وغرضه فيتأخر عنه ضرورة، فلو توقف علم الأصول عليه كان دورًا ولم يتعرض لنفى كون المراد الإثبات أو النفى على ما فى الأصول لظهور أن ذلك من مسائله لا مبادئه وبهذا يندفع الإيراد الثانى على كلام الآمدى، لا يقال المراد بعلم الأصول الملكة والتهيؤ للعلم بجميع القواعد والعلم بإثبات الأحكام على التفصيل فائدة له متأخر حصولها عنه أما على الوجه الذى فى الأصول فالبذات وأما على الوجه الذى فى الفقه

ص: 107

فبالواسطة فلو كان من مبادئه لزم الدور لأنا نقول: إذا قلنا أجزاء العلوم الموضوعات والمبادئ والمسائل لا يراد بالعلوم تلك الملكات والاستعدادات وهو ظاهر ولقائل أن يمنع الدور مستندًا بأنا لا نعنى يكون الشئ كما من مبادئ علم توقف كل مسألة مسألة عليه ولا يكون الشئ من فوائده على توقفه كل مسألة مسألة فكون الإثبات أو النفى من المبادئ لتوقف بعض المسائل عليه ومن الفوائد لتوقفه على بعض المسائل لا يكون دورًا.

قوله: (وسنقف) يعنى أن المصنف جعل تصورات الأحكام من المبادئ ونفى أن تكون التصديقات التى محمولاتها الأحكام منها، وقد ذكر فى المبادئ عن الأحكام تصديقات موضوعاتها الأحكام مثل: أن الواجب الموسع وقته جميع الوقت أو أوله أو آخره وأن المندوب قيل هو تكليف وأن الحكم حاكمه الشرع أو العقل إلى غير ذلك، ولا خفاء فى أنها خارجة عن تصور الأحكام الذى هو من المبادئ وعن إثباتها أو نفيها الذى هو من الفوائد، وإن كانت المبادئ لم ينحصر المراد فى تصور الأحكام وإن كانت على سبيل الاستطراد وتكميل الصناعة لم يصح قوله وإلا جاء الدور لجواز أن يراد مثل هذا الإثبات والنفى، ويمكن أن يقال الاستمداد من الشئ يكون إلا بما فيه وليس فى علم الأحكام إلا تصوراتها والتصديق بإثباتها أو نفيها وهو يوجب الدور، فينحصر المراد فى التصور وهذا لا ينافى إثبات أحكام للأحكام استطرادًا لا استمدادًا.

قوله: (أى الإجمالية) إنما فسر الكلية بالإجمالية أى: التى ليست منصوبة على مسائل مخصوصة لأن العمومات المعينة توصف بالكلية أيضًا كما مر، والمراد توقفها من حيث إنها أدلة وحجج للأحكام كما ذكره على معرفته تعالى لا توقف وجودها عليها لأن إثباته ليس من الأصول؛ فلا يتبين بذلك استمداده من الكلام ما لم ينضم إليه أن حجيتها تتوقف على وجودها.

قوله: (ويعلم لزومه) أى لزوم التكليف وثبوته فى حقنا حين إسناد خطابه إليه تعالى، فإنه الخالق للأشياء المتصرف فيها بما شاء، فلا يلزمنا إلا تكليفه ولا يثبت علينا إلا حكمه تعالى، الذى هو خطابه النفسى ويكشف عنه الأدلة المذكورة كما سيأتى.

ص: 108

قوله: (وتتوقف) أى: معرفة وجود البارى تعالى، لأن المتكلمين إنما يستدلون بحدوث العالم على وجود الصانع، فإنه السبب المحوج إليه أو جزؤه أو شرطه على رأيهم، وهو متوقف على أدلته.

قوله: (وأيضًا أنه) أى كون الكتاب وما ذكر معه حجة (يتوقف على صدق المبلغ) وتوقف السنة على ذلك ظاهر وأما الكتاب فلأن كل واحد مما يستدل به منه على الأحكام ليس معجزًا، فلا يعلم أنه من كلامه تعالى إلا بإخباره فلا من صدقه وأما الإجماع والقياس فيرجعان إليهما.

قوله: (وهو) أى صدق المبلغ بل الحلم به (يتوقف على دلالة المعجزة عليه) فإنها تصديق له من اللَّه تعالى فيما ادعاه ولا طريق إليه سواها (ودلالتها تتوقف على امتناع تأثير غير قدرة اللَّه تعالى القديمة فيها) وإلا لم يجزم بأنها فعله، فضلًا عن أنها تصديقه والعلم بذلك الامتناع يتوقف على قاعدة خلق الأعمال، وعلى أن لا تأثير لقدرة العباد، بل لا مؤثر فى الوجود إلا اللَّه سبحانه وتعالى فالمعجزة من أفعاله قطعًا، وفيه أن من أثبت لغيره تعالى قدرة مؤثرة مع تفاوت مراتبها وتباين آثارها فهو فى دلالة المعجزة على ورطة الحيرة، وإن جنحوا إلى دعوى الضرورة فقطع الاحتمال على وجه لا يشوبه ريبة إنما هو بتلك القاعدة القويمة، وظاهر هذه العبارة يساعد هذا التوجيه كما تشهد به الطبائع المستقيمة، ومنهم من جعل الضمير راجعًا إلى دلالة المعجزة زاعمًا أنها تتوقف عندنا على أمرين: الأول: الامتناع المذكور فإن شرط المعجزة العجز عن المعارضة، الثانى: قاعدة خلق الأعمال إذ من شرائطها أن تكون فعله تعالى أو مسببًا عنه ليكون تصديقًا منه، وأن يكون ظهورها على يد مدعى النبوة فتكون المعجزة الظاهرة على يد من خلق اللَّه تعالى، ولا يريد بهذا توقفها على أنه المؤثر فى جميع الممكنات بل فى المعجزة، وفيه بحث لأن تأثيره فيها يعلم من ذلك الامتناع فبعد تحققه لا توقف لدلالتها على تلك القاعدة أصلًا وأيضًا تخصيص الأمرين يوهم الانحصار مع توقف الدلالة على إثبات العلم والإرادة ليمكنه إيجاد المعجزة على وفق دعوى النبى صلى الله عليه وسلم تصديقًا له وفى بعض النسخ: والقدرة مكان الإرادة، والأول أظهر.

قوله: (ولا تقليد فى ذلك) العلم بالمسائل الأصولية يتوقف على العلم بما ذكر من القواعد الكلامية والتقليد لا يفيد علمًا بها لاختلاف عقائد الناس فيها وتناقضها

ص: 109

فلو أفاده وقلد واحد فى الحدوث وآخر فى القدم؛ كانا عالمين بها ويجتمعان فى الواقع فلا بد من الاستدلال عليها وذلك من وظيفة علم الكلام.

قوله: (وأما الأحكام) استمداد الأصول من الأحكام إنما هو من تصورها؛ وذلك لأن مقصود الأصولى إثبات الأحكام ونفيها فى الأصول من حيث إنها مدلولة للأدلة السمعية ومستفادة منها، فإذا قلنا: الأمر للوجوب مثلًا؛ كان معناه أنه دال عليه ومفيد له فقد وقع جزءًا من المحمول وكذا مقصوده إثباتها ونفيها فى الفقه من حيث تعلقها بالأفعال، فإذا قلنا: الوتر واجب مثلًا كان معناه أنه متعلق للوجوب وموصوف به فقد وقع أيضًا جزءًا من المحمول فمن قال: الأحكام محمولات مسائل الفقه، وأعراض ذاتية لموضوعه، فقد أطلق المحمول على مبدئه وتصور موضوعات المسائل ومحمولاتها وما يقع جزءًا فيها من المبادئ؛ لأن إثباتها يتوقف عليها، وإنما ذكر الفقه ههنا تنبيهًا على أن الأصول فى نفسه وفى ترتب فائدته عليه يستمد من تصور الأحكام، فهو بالاعتبار الأول مبدأ له وبالاعتبار الثانى مبدأ لغايته؛ لا لأن ما يقع فى محمولات ما هو فائدة العلم من مبادئه أيضًا على ما اختاره المصنف ليعترض بأن المنطق آلة لاكتساب العلوم، فوجب أن يكون تصور محمولات مسائلها من مبادئه، ويجاب بأن غاية المنطق هى العلم بطرق الاكتساب المستعملة فى العلوم من حيث تعلقها بمواد معينة بل على وجه عام، وأما الأصول فغايته العلم بطرق اكتساب الأحكام المتعلقة بالأفعال فلا بد من تصورها، فإن الجواب فاسد أما أوَّلًا؛ فلأن ما ذكره نفس المنطق لا غايته وإن أريد الطرق الجزئية العارضة للمواد المخصوصة ويدعى أن المستفاد منه معرفة الصور المعينة فقط إذ لا يبحث فيه عن المادة أصلًا، وإن كان مخالفًا للحق فلا يجد نفعًا؛ لأن الغرض من تلك المعرفة هى العلوم فيعود المحذور، وأيضًا ثانيًا فلأن الأصول لا تفيد علمًا بطرق اكتساب الأحكام بل هو مقدمات يتصرف فيها بقوانين الاكتساب فيتوصل إلى تلك الأحكام، ولو سلم فالغاية متأخرة عن العلم، فالحكم بأن مبادئها من حيث إنها كذلك مبدأ له يستلزم دعوى توقف المتقدم على ما يتوقف عليه المتأخر من حيث هو كذلك، وما ذكره المصنف من أن معرفة الفائدة من المبادئ لا يقتضي نسبة هذا الاختيار إليه، كما لا يخفى فإن قلت: ما وجه تخصيص ذكر التنبيه بالأصول دون المنطق، قلت: الاشتراك فى الاستمداد من

ص: 110

الحكم، وأن غايته مخصوصة، وأما المنطق فلا تنحصر فائدته فى عدد ليشار إلى مبادئها.

قوله: (ولا يريد) استمداد الأصول من الأحكام إنما هو من تصورها لا من التصديق بإثباتها أو نفيها من حيث استفادتها من أدلتها، فإن ذاك مسائله لا مبادئه ولا من حيث تعلقها بالأفعال لأنه فائدة لهذا العلم متأخرة عنه، فلو استمد منه وتوقف عليه كان دورًا وقد منع لزومه، واستند بأن كون الشئ مبدأ لعلم لا يستلزم توقف كل مسألة منه عليه كما أن كونه فائدة لا يوجب توقفه عليها فجاز أن يكون الإثبات والنفى من حيث التعلق بالأفعال مبدأ لمسائل منه وفائدة لأخرى، وأجيب بأن الفقه علم المجتهد وتصديقه بكل مسألة فقهية يتوقف على علمه بجميع القواعد التى يتوصل بها إلى استنباط الأحكام عند مانعى تجزؤ الاجتهاد، فلو توقف على شئ منها دار، نعم يتجه السؤال على من جوزه إن لم يكن مانع آخر والمصنف متوقف فيه، والمختار عند الجمهور المنع وفيه التزام وروده عليه؛ لأن التوقف لا يصير مبدأ للجزم.

قوله: (وستقف) أراد أنه لم يقتصر فى مبادئ الأحكام على تصورها، بل أورد هناك أحكامًا على الأحكام هى تصديقات إيجابية كقولنا: الإباحة حكم شرعى، وسلبية كقولنا: الإباحة ليست جنسًا للوجوب (وهى خارجة عن الأمرين) أعنى تصررها والعلم بإثباتها أو نفيها فى الأفعال فإن لم تكن من المبادئ لم يصح ذكرها فيها، وإلا لم ينحصر الاستمداد فى تصورها وبطل التزام الدور على التقديرين؛ وتفصيله أن للأحكام تصورًا وتصديقًا من حيث وجودها فى أنفسها، وتصديقًا من حيث إنها مستفادة من الأدلة سواء جعلت موضوعات فيه أو أجزاء لمحمولاته، وتصديقًا من حيث تعلقها بفعل المكلف كذلك وتصديقًا خارجًا عما ذكر والأول من المبادئ وقد بينه، وكذا الثانى ولم يذكره لشهرته واندراجه فيما أفاده إجمالًا من مبادئ الكلام، والثالث: مسائل هذا الفن، والرابع: هو الفقه الموقوف عليه، وأما الخامس فقد قرنه بتصورها فإن كان مبدأ بطل العصر وإلا لغا الذكر فإن قيل ربما كان استطرادًا أو تكميلًا للصناعة بما ليس منها أجيب بأن بطلان قوله وإلا جاء الدور باقٍ بحاله، ورد بأن الاستمداد من علم الأحكام لا يكون إلا بما هو فيه من تصوراتها والتصديق بنفيها وإثباتها وحيث لزم الدور فى الثانى انحصر المراد فى

ص: 111

الأول، وهذا لا ينافى فى ذكره أحكامًا للأحكام استطرادًا لا استمدادًا وهذا إنما يتم إذا كان الاستمداد من علم الأحكام أعنى الفقه لا منها أنفسها وستنكشف جلية الحال فى ذلك، وفهم بعضهم أن قوله: ستقف. . . إلخ إشارة إلى أن المصنف قد اقتصر على تصور الأحكام واقعة فى المحمولات كما يدل عليه قوله ليمكن إثباتها ونفيها، لكنه قد جعلها أيضًا محكومًا عليها فى مبادئ الأحكام كما مر وفي الأدلة حيث قال: الحكم على الواحد حكم على جماعة، والحكم يجوز تأخير تبليغه إلى وقت الحاجة ونسخه دون التلاوة إلى غير ذلك، ولا يقدح هذا فى كون الأدلة موضوعًا للعلم لأن موضوع المسألة قد يكون عرضًا ذاتبًا له وتصورها هناك أيضًا من المبادئ فالواجب التعميم، والتزم أن التصديقات الموردة فى المبادئ الأحكامية مسائل من هذا الفن ذكرت فيها لإفادتها تصور جزئيات الأحكام إذ يعلم مما ذكر فى الواجب المخير أن من الوجوب ما يتعلق بشئ مبهم من أشياء معينة قال: وهكذا الحكم فيما أورده فى المبادئ غير الأحكامية من السائل ولذلك عنونها بمسألة مسألة وأنت خبير بما فى هذا الفهم من التعسف.

قوله: (فلأن كل واحد مما يستدل به منه على الأحكام ليس معجزًا) قال بعض الأفاضل هذا لا يوجب توقف العلم بكونه كلام اللَّه تعالى على صدق المبلغ لأنه يجوز أن يضم إليه من سابقه أو لاحقه ما يصير به مقدار السورة فإن كان المجموع معجزًا علم أن ذلك البعض كلام اللَّه تعالى لأن ضم غير كلام اللَّه تعالى يخرجه عن الإعجاز وإلا لا يمكن أن يعرف بإعجاز القرآن كونه بتمامه كلام اللَّه تعالى هذا كلامه وهو فى غاية الضعف لأن الجزء الذى ليس معجزًا لا يمكن أن يعلم كونه جزءًا من الكلام إلا بإخبار الصادق، ولا يلزم كان كون مقدار السورة معجزًا كون كل واحد من أجزائه كلام اللَّه تعالى لأن ضم غير كلام اللَّه تعالى إليه لا يخرج المجموع عن الإعجاز إذ الجموع خارج عن طرق البشر ولا يعلم بإعجاز القرآن كونه بتمامه كلام اللَّه تعالى بل يعلم ذلك بإخبار الصادق ولا فساد فى ذلك فإنا إذا نظرنا إلى مقدار السورة جزمنا بأن هذا المقدار خارج عن طوق البشر فيجب أن يكون البعض من اللَّه تعالى قطعًا، وإلا لم يكن المجموع خارجًا عن طرق البشر وأما أن كل جزء من هذا المقدار داخل فى كلام اللَّه تعالى فهو غير معلوم إلا

ص: 112

بإخبار الصادق.

قوله: (وأن لا تأثير لقدرة العباد) فإن قلت دلالة المعجزة لا تتوقف على أنه لا تأثير لقدرة العباد أصلًا بل تتوقف على إثبات أنه لا تأثير لقدرة العباد فى الأفعال الخارقة للعادة وجواز تأثير قدرة العباد فى الأفعال العادية لا يستلزم جواز تأثيرها فى الأفعال الخارقة للعادة قلت تجويز تأثير قدرة العباد فى الأفعال العادية لا يستلزم جواز تأثيرها فى الأفعال الخارقة للعادة قلت: تجويز تأثير قدرة العباد فى الأفعال العادية مع تفاوت مراتبها وتباين آثارها يورث جواز تأثيرها فى الأفعال مطلقًا إذ ليس لهم دليل على امتناع التأثير فى البعض فلو لم يمتنع الكل لم يكن للمعجزة دلالة فصح قوله والعلم بذلك الامتناع يتوقف على قاعدة خلق الأعمال وأن لا تأثير لقدرة العباد وهذا الذى ذكر من السؤال والجواب توضيح لما يتضمنه كلامه وفى عطف قوله فلا تأثير لقدرة العباد على قوله قاعدة خلق الأعمال تنبيه على معنى قاعدة خلق الأعمال وعلى وجه تغيير الأسلوب فى قول الشارح ويتوقف على قاعدة خلق الأعمال حيث لم يقل وهو يتوقف كما فى أخواته وهذا الوجه هو التفاوت بين ما ذكر بعد قوله ويتوقف وبين ما ذكر قبله فإن امتناع تأثير غير القدرة القديمة عام شامل لامتناع تأثير قدرة العباد وغيرها ولو قيل تأثير غير القدرة القديمة ليس إلا تأثير قدرة العباد فالتغاير بحسب المفهوم فقط لكان هذا التوقف من قبيل توقف العلم اليقينى على تحقيق معلومه وفى قوله بل لا مؤثر فى الوجود إلا اللَّه تعالى إشعار بأن دلالة المعجزة موقوفة على امتناع تأثير غير القدرة القديمة مطلقًا سواء كان ذلك التأثير من قدرة العبد أو غيرها إلا على امتناع تأثير قدرة العبد فقط.

قوله: (وإن ذهبوا إلى دعوى الضرورة) أى وإن ذهبت هذه الفرقة القائلة بتأثير القدرة الحادثة إلى أن امتناع تأثير قدرة العبد فى المعجزة ضرورى دفعًا للحيرة فى دلالة المعجزة ويتوقف ذلك الامتناع على تقدير كون المذكور ضروريًا على تلك القاعدة باعتبار إزالة الخفاء الواقع فى هذا الضرورى وأنت خبير بأن ما يزيل الخفاء هو قاعدة خلق الأعمال باعتبار الأعمال الخارقة للعادة.

قوله: (ولا يريد بهذا توقفها على أنه المؤثر فى جميع الممكنات بل فى المعجزة) يعنى أن معنى قاعدة خلق الأعمال أن اللَّه تعالى خالق لأعمال العباد كما لوح قول

ص: 113

الشارح ويتوقف على قاعدة خلق الأعمال ليس المراد به أن دلالة المعجزة موقوفة على أنه تعالى مؤثر فى جميع الممكنات إذ لا أدخل لغير المعجزة فى المقصود بل المراد به أنه تعالى خالق الأفعال الخارقة للعادة.

قوله: (فإن الجواب فاسد) ههنا بحث وهو أن المجيب يقول إن غاية المنطق هى العلم بطرق الاكتساب وأراد الطرق الجزئية المركبة من المادة والصورة، وأراد أيضًا أن غاية المنطق هى تلك الطرق لا من حيث تعلقها بمواد معينة أى لا يكون تعلقها بالأمور المكتسبة المعينة مأخوذة فى المنطق، وأما الأصول فغايته العلم بطرق اكتساب الأحكام أى تعلق تلك الطرق بتلك الأحكام مأخوذة فى الأصول والحاصل أن مباحث الأصول على وجه يفهم فيها تعلق الطرق التى هى الأدلة بالأمور المكتسبة العينة بخلاف المنطق فإن مباحثه على وجه يفهم فيها تعلق طرق الاكتساب بالأمور المكتسبة لا على التعيين، والفرق ظاهر فلا يبعد أن يقال تصور الأمور المكتسبة يجب فى تحصيل علم الأصول إذ هى مأخوذة فيه على التعيين ولا يجب فى تحصيل المنطق إذ ليست مأخوذة فيه على التعيين.

قوله: (من حيث هو كذلك) بيان ذلك أنه لما كان مبادئ الغاية لأجل مبادئ لها صارت مبادئ للعلم الذى تلك الغاية غاية له وهذه الحيثية موجودة فى كل ما يتوقف عليه الغاية فلزم توقف العلم الذى هو المتقدم على كل ما هو يتوقف عليه المتأخر ومن جملة ما يتوقف عليه المتأخر نفس ذلك العلم فلزم توقف الشئ على نفسه وأنت خبير بأن من قال مبادئ الفائدة هى مبادئ العلم أراد أن ما يتوقف عليه الفائدة مما هو غير ذلك العلم يتوقف عليه ذلك العلم.

قوله: (وأجيب بأن الفقه علم المجتهد) هذا الجواب صحيح إذا كان التصديق بإثبات الأحكام أو نفيها من حيث التعلق علم الفقه وكل تصديق بإثبات حكم أو نفيه من حيث التعلق من أجزاء الفقه وذلك غير مسلم لأن بعضًا من تلك التصديقات لم يكن من أجزاء الفقه وهو التصديقات الحاصلة من الأدلة القطعية فقول الشارح ولا يريد العلم من إثباتها أو نفيها لأن ذلك فائدة العلم ويتأخر حصوله عنه فلو توقف عليه العلم كان دورًا مبنيًا على إرادة التصديق اليقينى وتقييد الكلام بالمذهبين مذهب مانعى تجزى الاجتهاد ومذهب من قال الأدلة اللفظية لا تفيد إلا ظنًا وكذا ما يتفرع عليها من الإجماع والقياس.

ص: 114

قوله: (فإن قيل ربما كان استطرادًا) حاصل هذا القول اختيار أن القسم الخامس ليس من المبادئ وتوجيه إيراده فيها بأن ذكره فيها لا يكون لغوًا بل تكميلًا للصناعة، وحاصل الجواب عن هذا القول أن وجود القسم الخامس يوجب بطلان قوله وإلا جاء الدور سواء كان ذكره لغوًا أو تكميلًا لأن التصديقات المتعلقة بأحكام الأحكام داخلة فى النفى الواقع فى قوله: وإلا جاء الدور، والدور غير لازم فيه، وحاصل الرد أن الاستمداد لا يكون إلا لمن يعلم المتعلق بالأحكام والعلم المتعلق بالأحكام ليس إلا تصورها أو التصديق بها أى بإثباتها أو نفيها وأما التصديق بأحكام الأحكام فهو خارج عن العلم بالأحكام فصح قوله وإلا جاء الدور أى وإن أريد العلم بإثباتها أو نفيها جاء الدور.

الشارح: (توقف على صدق المبلغ) أى ليثبت حقيته المستند إليها حجيته.

الشارح: (وعلى إثبات العلم والإرادة) عطف على قوله على امتناع تأثير غير القدرة القديمة.

الشارح: (ولا يريد بالأحكام العلم بإثباتها أو نفيها) أى على الوجه الذى فى الفقه لأن ذلك فائدة العلم وأما على الوجه الذى فى الأصول فعدم إرادته ظاهر فلذا لم يتعرض له.

الشارح: (وسنقف. . . إلخ) مراده الإعتراض على المصنف كما بينه السعد والسيد.

التفتازانى: (يعنى لزوم امتثاله. . . إلخ) حمل اللزوم على الوجود وقدر مضافًا وحمل قول الشارح حينئذٍ على ما يفيد التعليل.

التفتازانى: (هو الحدوث) أى وحده أو مع الإمكان أو بشرطه.

التفتازانى: (ويرد عليه أنه لو أريد إثبات الأحكام. . . إلخ) فيه أن الآمدى لم يتعرض لقوله ليمكن إثباتها ونفيها ولم يجعل ذلك الإثبات باعتبار الفقه بحيث تكون الأحكام ثابتة لأفعال المكلف وإنما تعرض لبيان التصديق بها الذى يوجب الدور لو توقف علم الأصول عليه فيحتمل أنه يقول: ليمكن إثباتها ونفيها أى فى الأصول فحينئذٍ يلزم الأصولى تصورها.

ص: 115

التفتازانى: (محمولات. . . إلخ) سيأتى للسيد قدس سره أن المراد مبادئ المحمولات.

التفتازانى: (يندفع الإيراد الثانى) هو قوله وأيضًا لزوم الدور. . . إلخ.

التفتازانى: (لا يقال المراد. . . إلخ) أى أن الدور لازم عند جعل التصديق بالأحكام سواء كان على الوجه الذى فى الفقه أو على الوجه الذى فى الأصول من المبادئ لأن علم الأصول هو الملكة لا المسائل والتصديق المذكور متأخر عنه مطلقًا فلا حاجة لأن يقال: إنه لم يتعرض لنفى كون التصديق بالأحكام على الوجه الذى فى الأصول لظهور أن ذلك مسائله وحاصل الجواب أن المبادئ إنما تكون للعلوم: لمعنى المسائل لا الملكات ومعلوم أن الشئ لا يكون مبدأ لنفسه ولظهوره لم يتعرض له كما قال.

التفتازانى: (ونفى أن تكون التصديقات التى محمولها الأحكام) أى على الوجه الذى فى الفقه، وقوله: مثل أن الواجب الموسع. . . إلخ. أى من حيث اشتماله على الوجوب الذى هو الحكم.

التفتازانى: (وليس فى علم الأحكام) أى الذى هو علم الفقه.

التفتازانى: (وإلا) أى وإن لم يحتج إلى غيره ولم يستمد من ذلك الغير فليس استمداد أحدهما من الآخر أولى من عكسه لاستوائهما فى تلك المبادئ واحتمال تقدم تدوين أحدهما أو اشتهار نسبة المبادئ إليه مما لا يجدى لأن المقصود من استمداد علم من آخر استمداده باعتبار نفسه منه باعتبار نفسه لا باعتبار شهرة أو تقدم تدوين والمبادئ التصويرية لكل علم لا من تصورها على وجه يتوقف عليه مطالبه وليس له حال أخرى بحال بمعرفتها على علم آخر حتى يستمد منه واستفادة تصور تلك المبادئ من الكتب المدونة فى ذلك العلم السابق لا يصير العلم اللاحق مستمدًا منه.

قوله: (لأن العمومات الكلية. . . إلخ) أى من الكتاب والسنة والعلة التى هى مبنى القياس العامة توصف بالكلية أيضًا فللاحتراز عنها فسرها بالإجمالية.

قوله: (كما ذكره) أى حيث قال: يكون الكتاب والسنة والإجماع حجة.

قوله: (على معرفته تعالى) لأن معنى كونها حججًا أن الأحكام الثابتة بها هى أحكام اللَّه التى يلزمنا العمل بها فلا بد من معرفته تعالى لتسند الأحكام إليه.

ص: 116

قوله: (إن حجيتها تتوقف على وجودها) أى وإن وجود مبرهن عليه فى الكلام، وأما على أن وجودها بديهى فبالانضمام المذكور لا يتبين به استمداد الأصول من الكلام.

قوله: (وثبوته فى حقنا. . . إلخ) حمل اللزوم على الثبوت فى حقنا وحمل حينئذٍ على مجرد الظرفية ردًا على التفتازانى، وأما جعل الضمير عائدًا على التكليف فليس الغرض منه الرد عليه فى جعل الضمير للخطاب لأن الخطاب والتكليف المراد بهما واحد كما يدل عليه قوله: ولا يثبت علينا إلا حكمه الذى هو خطابه.

قوله: (لأن المتكلمين) أى جمهورهم وإلا فبعضهم يستدل بالإمكان على وجود الصانع.

قوله: (ليس معجزًا) لأن المعجز هو ما كان مقدار أقصر سورة وقد نزل أقل من ذلك وحده كقوله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]، وهذا لا ينافى ما قيل من أنه لا يصح أن يكون القرآن ثابتًا بالشرع لأنه أقوى أدلة إثباته، فلا يتوقف عليه لأن المراد بذلك مجموع القرآن لا هو وأبعاضه.

قوله: (بل العلم به) أى لأن صدقه فى ذاته يتوقف على دلالة المعجزة وقوله: والعلم بذلك الامتناع أشار بذلك إلى أن الضمير فى قوله: ويتوقف على قاعدة خلق الأعمال عائد على الامتناع بتقدير مضاف وليس عائدًا على دلالة المعجزة كما قال بعضهم وقد درج السعد على عود الضمير على دلالة المعجزة.

قوله: (وعلى أن لا تأثير لقدرة العبد) أشار به إلى تفسير المراد من قاعدة الأعمال وأنها شاملة لجميع الأعمال لا فرق بين الخارق للعادة وغيره.

قوله: (بل لا مؤثر فى الوجود. . . إلخ) لما كان نفى قدرة العبد لا ينافى أن يكون لغيره من سائر المخلوقين قدرة وتأثير مع أن العلم بامتناع تأثير غير القدرة القديمة يتوقف على أن لا تأثير لغير اللَّه أصلًا أتى بالإضراب المذكور مشيرًا به إلى أن الذى يتوقف عليه العلم بالامتناع المذكور بالذات هو أنه لا مؤثر فى الوجود سواه تعالى وقاعدة خلق الأعمال متفرعة عليه ففي عبارة الشارح مسامحة.

قوله: (وفيه. . . إلخ) ليس اعتراضًا بل المراد أن ما ذكره يتضمن أن من أثبت. . . إلخ. وقوله: فى ورطة الحيرة أى لجواز أن يكون ذلك الأمر الخارق للعادة مما تتعلق به بعض القدر لأنها متفاوتة المراتب والآثار بخلاف ما إذا قلنا: لا

ص: 117

تأثير لقدرة العباد لكن ربما يقال: إنها وإن لم يكن لها تأثير فلا كسب وربما يختلف الكسب لتفاوت مراتب القدرة الكاسبة فيجوز أن يكون الأمر الخارق من مكسوب بعض القدر فلا بد فى دلالة المعجزة من دعوى الضرورة أيضًا.

قوله: (وإن جنحوا إلى دعوى الضرورة) أى أن الجماعة الذين أثبتوا للعبد قدرة مؤثرة يلجئون فى دلالة المعجزة على الصدق إلى الضرورة دفعًا للحيرة وعلى هذا فالعلم بالامتناع لا يتوقف على قاعدة خلق الأعمال سواء كانت خارقة للعادة أو لا؛ لأنه يعلم بالضرورة وإنما يتوقف عليها لإزالة الخفاء فقط؛ والمراد بالأعمال على ذلك الأعمال الخارقة للعادة فقط إذ لا دخل غيرها فى المقصود لأن الكلام فى امتناع تأثير غير القدرة القديمة فيها أى المعجزة.

قوله: (فمقطع الاحتمال) أى احتمال أن تكون المعجزة من بعض قدر العباد فلا تفيد الصدق إنما هو بتلك القاعدة القويمة النافية لتأثير قدرة العبد مطلقًا.

قوله: (وظاهر هذه العبارة) أى عبارة الشارح التى هى قوله: ويتوقف على قاعدة خلق الأعمال حيث لم يقل أيضًا كما قال فى العبارة الأولى، وأيضًا أنه يتوقف ولم يقل وعلى قاعدة خلق الأعمال عطفًا على قوله، على امتناع تأثير غير القدرة القديمة فلو كان الضمير فى يتوقف على قاعدة خلق الأعمال عائدًا على دلالة المعجزة كما قال بعضهم؛ لكانت دلالة المعجزة متوقفة على أمرين فكان الظاهر أن يقول: وتتوقف أيضًا أو أن يقول وعلى قاعدة ويحذف قوله ويتوقف فلما قال: ويتوقف على قاعدة خلق الأعمال بدون أيضًا كان ذلك ظاهرًا فى أن الضمير فى يتوقف ليس عائدًا على الدلالة بل على الامتناع المذكور قبله.

قوله: (ولا يريد بهذا) أى بتوقفها على قاعدة خلق الأعمال توقفها على أنه المؤثر فى جميع الممكنات بل فى المعجزة أى بل يريد أن اللَّه تعالى هو الخالق للأفعال الخارقة للعادة لكن يرد أن القاعدة المذكورة هى عامة فلا وجه للتخصيص.

قوله: (والأول أظهر) أى لأن القدرة قد ذكرت فى قوله على امتناع غير تأثير القدرة القديمة.

قوله: (فمن قال. . . إلخ) القائل السعد.

قولد: (وتصور موضوعات المسائل. . . إلخ) مرتبط بما قبل قوله: فمن قال. . . إلخ

ص: 118

والكلام السابق وإن كان فى المحمولات وما يقع فيها إلا أنه أشار بذكر تصور الموضوعات وما يقع فيها إلى أن الأحكام فى مسائل الأصول كما تقع محمولًا وداخلًا فى المحمول تقع موضوعًا وداخلًا فيه فلا بد من تصورها.

قوله: (لا لأن ما يقع. . . إلخ) رد على الأبهري حيث قال فى وجه ذكر الفقه هنا ما حاصله أن الفقه فائدة لأصول الفقه والأحكام واقعة محمولات مسائله فيكون تصورها من مبادئ علم الأصول لأن ما يقع فى محمولات ما هو فائدة العلم يكون من مبادئ ذلك العلم.

قوله: (ويجاب. . . إلخ) داخل تحت النفى وحاصله أن المنطق هو العلم بالطرق الكلية للاكتساب وغايته هى العلم بالطرق الجزئية المستعملة فى العلوم لا من حيث تعلقها بمواد معينة هى نتائج تلك الطرق بل على وجه عام كأن يعلم أن هذا الشكل الثانى مثلًا ينتج لما هو نتيجته وأما الأصول فغايته العلم بطرق اكتساب الأحكام فالمكتسب بالطرق فى المنطق غير معين فلم تكن تصورات أجزائه من مبادئ المنطق بخلاف الأصول فالمكتسب معين هو الأحكام فكان تصورها من مبادئه أى ما تتعلق به فقوله: وإن أريد الطرق الجزئية العارضة للمواد المخصوصة هو المراد والمراد بالمواد المخصوصة ما حصل بالاكتساب من تلك الطرق الجزئية.

قوله: (ويدعى أن المستفاد منه) أى من المنطق معرفة الصور المعينة فقط فيعرف بالمنطق صور الأشكال المعينة ولا يعرف المادة التى تتعلق بها تلك الأشكال ولا يبحث فيه عن المادة أصلًا فلو كان يبحث منه عن المادة على الوجه العام كما يبحث فيه عن الصور على وجه عام كان معرفة المواد الجزئية التى هى مسائل العلوم غاية له فيرد الاعتراض المذكور.

قوله: (وإن كان مخالفًا للحق) أى لأن الحق أن المنطق يبحث فيه عن المادة أيضًا على وجه عام فتكون مسائل العلوم غاية له فيرد الاعتراض المذكور وقوله: لأن الغرض من تلك المعرفة هى العلوم أى فتكون هى الغاية أيضًا.

وقوله: (مسعود المحذور) أى الذى هو وجوب كون تصورات محمولات مسائل العلوم من مبادئ المنطق.

قوله: (ولو سلم. . . إلخ) أى لو سلم أن الأصول يفيد العلم بطرق اكتساب الأحكام وأن ذلك العلم غاية له فالغاية متأخرة عن العلم.

ص: 119

قوله: (من حيث إنها كذلك) أى مبادئ لها.

قوله: (يستلزم دعوى توقف المتقدم على ما يتوقف عليه المتأخر من حيث هو كذلك) وهذه الدعوى خلاف الظاهر المألوف من أن المتأخر هو الذى يقال فيه إنه إذا توقف على شئ متوقف على آخر كان ذلك المتأخر متوقفًا على ذلك الآخر فلو حكم بعكس هذا وقيل إن مبادئ ذى الغاية من حيث إنها مبادئ له مبادئ للغاية فيستلزم دعوى أن المتأخر متوقف على ما يتوقف عليه المتقدم لكان له وجه هذا ما يفهم من حاشية الخلخالى وقال الهروى على قوله من حيث هو كذلك بيان ذلك أنه لما كان مبادئ الغاية لأجل أنها مبادئ لها صارت مبادئ للعلم الذى تلك الغاية غاية له وهذه الحيثية موجودة فى كل ما يتوقف عليه الغاية فلزم توقف العلم الذى هو المتقدم على كل ما يتوقف عليه المتأخر ومن جملة ما يتوقف عليه المتأخر نفس ذلك العلم فلزم توقف الشئ على نفسه وأنت خبير بأن من قال: مبادئ الفائدة هى مبادئ العلم أراد أن ما يتوقف عليه الفائدة مما هو غير ذلك العلم يتوقف عليه ذلك العلم. اهـ.

قوله: (وما ذكره المصنف. . . إلخ) أراد الرد على ما تمسك به الفاضل الأبهرى فى قوله: إنه مختار المصنف ووجه الرد أن المصنف إنما جعل معرفة الفائدة من المبادئ بالمعنى الأعم أعنى ما يتوقف عليه ذاتًا أو تصورًا أو شروعًا لا منها بالمعنى الأخص الذى هو ما يتوقف عليه ذاتًا وهو الذى الكلام فيه فلا يقتضى كلام المصنف اختيار أن محمولات الفائدة من مبادئ ذى الفائدة.

قوله: (فإن قلت ما وجه. . . إلخ) يعنى إذا اقتضى كون العلم مستمدًا فى ترتب فائدته عليه من مبادئ تلك الفائدة أن تذكر الفائدة ومبادئها تنبيهًا على ذلك الاستمداد اقتضى أيضًا المنطق فى ترتب فائدته عليه من مبادئها ذكر تلك الفائدة ومبادئها كذلك سمع أنه لا تعرض فى كتب المنطق لشئ من ذلك فما وجه التخصيص.

قوله: (قلت الاشتراك. . . إلخ) حاصله أن للتخصيص وجهين، أحدهما: الاشتراك فى الاستمداد من الأحكام أى أن الأصول والفقه مشتركان فى الاستمداد لشئ واحد هو الأحكام بخلاف المنطق وفائدته، ثانيهما: أن غاية الأصول شئ واحد مخصوص هو الفقه فتتيسر الإشارة إلى مبادئه بخلاف المنطق

ص: 120

فإن فوائده كثيرة غير محصورة فى عدد فلا يتيسر ذكرها والإشارة إلى مبادئها. اهـ. خلخالى.

قوله: (إنما هو من تصورها) الحصر إضافى كما يشير به قوله: (لا من التصديق. . . إلخ) فلا ينافى أن الاستمداد من التصديق بوجود الأحكام أيضًا الذى هو فى علم الكلام.

قوله: (وتصديقه بكل مسألة فقهية. . . إلخ) أى لأنه لا بد فيه من التهيؤ التام لهذا التصديق ولا يتأتى ذلك إلا بعلمه بجميع القواعد بالفعل.

قوله: (يتجه الرد) أى بمنع الدور وقوله على من جوزه أى التجزى ووجه الاتجاه أنه بناء على الشك الذى ذكره يجوز أن يكون البعض الذى منه الاستمداد وهو من المسائل الفقهية غير المجتهد فيه والمجتهد فيه متوقف على البعض الآخر الذى هو وسيلة إلى المجتهد فيه فلا دور.

قوله: (إن لم يكن مانع آخر) أى غير منع التجزى يعنى أن السؤال يتجه على القول بتجزى الاجتهاد إن لم يكن له مانع آخر غير منع التجزى لكن يجوز أن يكون هناك مانع آخر يمنع توجه السؤال على من جوز التجزى أيضًا.

قوله: (متوقف فيه) أى فى جواز التجزى.

قوله: (وفيه التزام. . . إلخ) أى فى التوقف من المصنف التزام ورود السؤال بعدم الدور عليه.

قوله: (لأن التوقف لا يصير مبدأ للجزم) أى بعدم استمداد الأصول من التصديق بإثبات الأحكام ونفيها على الوجه الذى فى الفقه ولزوم الدور.

قوله: (على التقديرين) أى تقدير التصديق بالإثبات والتصديق بالنفى وليس المراد بهما تقدير كونها من المبادئ وتقدير كونها ليست منه لأنه لا مجال لتوهم الدور على أنها ليست من المبادئ حتى يتعرض لإبطاله بناءً عليه كذا قيل وهو غير ظاهر بل المراد بهما تقدير كونها من المبادئ وتقدير كونها ليست منها كما يدل عليه قوله: وأجيب بأن بطلان. . . إلخ. وأما قوله: إذ لا مجال. . . إلخ. فمدفوع بأن الكلام على الفرض والتقدير فقوله وإلا جاء الدور أى لو أريد من كون الأحكام مبادئ التصديق بأحوالها لجاء الدور مع أنه لو أريد التصديق بأحكام الأحكام وجعل ذلك فى المبادئ لم يلزم الدور وإن كان ذلك التصديق فى الواقع

ص: 121

ليس من المبادئ بل ذكرها فيها استطرادى فلا يقتضى لزوم الدور فى ذاته الحصر فى التصور.

قوله: (من حيث استفاداتها من الأدلة) أى باعتبار تعلقها بالأفعال على الإجمال وأما تعلقها بها على التفصيل فهو المطلوب فى الفقه.

قوله: (سواء جعلت موضوعات) كقولنا الوجوب مدلول الأمر، وقوله: أو أجزاء لمحمولات كقولنا الأمر للوجوب.

قوله: (من حيث تعلقها بفعل المكلف) أى على التفصيل كقولنا الوتر سنة أو واجب بخلاف قولنا: الأمر للوجوب فإن الوجوب فيه متعلق بالفعل المحمل.

قوله: (باقٍ بحاله) أى أنه وإن اندفع بطلان الحصر واللغو لكنه لم يندفع لزوم الدور.

قوله: (ورد بأن الاستمداد. . . إلخ) أى رد الإشكال ببقاء الدور بحاله بأن الاستمداد من علم الأحكام لا يكون إلا بما فيه وهو منحصر فى التصور والتصديق وحيث. . . إلخ.

قوله: (وهذا لا ينافى. . . إلخ) أى فلا إشكال أصلًا من أى جهة.

قوله: (وستنكشف لك جلية الحال) أى من أن الاستمداد من الأحكام أنفسها لا من علم الأحكام.

قوله: (ولا يقدح هذا) أى وقوع الحكم موضوعًا فى المسألة وهو دفع لما يقال: إنه إذا جعل الحكم موضوعًا فى المسألة خرجت المسألة عن أن تكون من الأصول لأن موضوعه الأدلة وحاصل الدفع أنه لا يجب فى مسألة العلم أن يكون موضوعها موضوع العلم بل يجوز أن يكون موضوعها عرضًا ذاتيًا له الحكم من الأعراض الذاتية لموضوع الأصول.

قوله: (فالواجب التعميم) أى تعميم التصور لتصور الأحكام موضوعة ومحمولة.

قوله: (والتزام) عطف على قوله اقتصر.

قوله: (ولذلك عنونها مسألة بمسألة) أى لأجل أن التصديقات الموردة فى المبادئ الأحكامية من مسائل هذا الفن عنونها مسألة بمسألة.

قوله: (بما فى هذا الفهم والالتزام من التعسف) أما التعسف فى الفهم فلأن

ص: 122

المتبادر من الأمرين فى قوله: وهو خارج عن الأمرين تصور الأحكام والتصديق بإثباتها ونفيها الذى هو فائدة الفقه لأن ذلك هو المذكور أولًا والمراد بتصور الأحكام تصورها مطلقًا سواء جعلت من أجزاء المحمول أو من أجزاء الموضوع ولا يقدح فى ذلك قوله: ليمكن إثباتها ونفيها كما هو منشأ فهم بعضهم لأن المراد أنه لا بد من تصورها وهو قد حمل الأمرين على تصور الأحكام مثبتة وتصورهما منفية أخذًا بظاهر قوله ليمكن إثباتها ونفيها هذا ما يفهم مما كتبه المحشى فى حاشية الحاشية وفيه أنه لا مانع من أن يكون هذا الفاهم حمل الأمرين على التصور الذى للأحكام محمولة أخذًا من قوله: ليمكن إثباتها ونفيها والتصديق بإثباتها ونفيها وهما مذكوران صراحة لأعلى التصورين كما ادعى المحشى، وأما التعسف فى الالتزام فلأن العنونة بمسألة مسألة لا تقتضى أن تلك المسألة من الفن وإلا لكان كل ما عنون عنه بذلك فى مبادئ الأحكام كان الفن مع أنه ليس كذلك وفى التخصيص تعسف هذا ما يؤخذ من حاشية الحاشية.

ص: 123

قال: (الدليل لغة المرشد والمرشد الناصب والذاكر وما به الإرشاد وفى الاصطلاح ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبرى وقيل إلى العلم به فتخرج الإمارة وقيل قولان فصاعدًا يكون عنه قول آخر وقيل يستلزم لنفسه فتخرج الأمارة).

أقول: لما كان استمداده من المواضع الثلاثة كان مبادئه منهما فشرع فى ذكرها، وهذه هى مبادئ الكلام. والدليل لغة يقال للمرشد وهو الناصب والذاكر ولما به الإرشاد وهذا ما صرح به فى الأحكام ولا يبعد أن يجعل للمرشد وهو للمعانى الثلاثة فإن ما به الإرشاد يقال له المرشد مجازًا. فيقال الدليل على الصانع هو الصانع أو العالِم أو العالَم واصطلاحًا أيضًا عند الأصوليين فما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبرى وذكر الإمكان لأن الدليل لا يخرج عن كونه دليلًا بعدم النظر فيه وقيد النظر بالصحيح لأن الفاسد لا يتوصل به إليه وإن كان قد يفضى إليه اتفاقًا وهذا يتناول الأمارة أى الظنى منه وربما قيل إلى العلم بمطلوب خبرى فلا يتناولها. وأما عند المنطقيين فقولان فصاعدًا يكون عنه قول آخر وهذا يتناول الأمارة لأنه يجمع القياس البرهانى والظنى والشعرى والسفسطى وربما قيل بدل يكون يستلزم لذاته قولًا آخر فتخرج الأمارة إذ يختص بالبرهانى منه فإن غيره لا يستلزم لذاته شيئًا فإنه لا علاقة بين الظن وبين شئ لانتفائه مع بقاء سببه وفيه بحث مذكور فى الكلام.

وأعلم أن الحاصل أن الدليل عندنا على إثبات الصانع هو العالم وعندهم أن العالم حادث وكل حادث فله صانع.

قوله: (لما كان استمداده من المواضع الثلاثة) أى الكلام والعربية والأحكام والآمدى يسميها المبادئ الكلامية والمبادئ اللغوية والمبادئ الفقهية، والشارح المحقق كان يتحاشى عن التصريح بأن الأصول تستمد من الفقه استبعادًا منه لكون مبادئ العلم مبينة فى علم أدنى مع أنه لم يعهد تصورات الأحكام فى علم الفقه ولذا يقول ههنا المواضع الثلاثة دون العلوم الثلاثة ويقول فى بحث الأحكام قد استوفى مبادئ هذا العلم من اللغات وما هى مبادئه من الأحكام، على أنه قد ذكر فيما سبق أن الاستمداد إجمالًا ببيان أنه من أى علم يستمد وبالجملة من دأب

ص: 124

الشارح فى هذا الكتاب سوق الكلام فى مظان اللبس على وجه الإبهام والاحتراز عن التصريح بالمرام، والحق أن مبادئ العلم قد تبين فى علم أدنى على ما صرح به ابن سينا وأن بيان مفهوم الأحكام وظيفة الفقه لكونها محمولات مسائله، هذا وكلام المصنف بعد مضطرب لأنه زاد فى المبادئ المتعلقة بالأحكام كثيرًا من المسائل التى ليست من الفقه وأورد المباحث المتعلقة بالعربية بعضها فى المبادئ كالحقيقة والمجاز والاشتراك وبعضها فى المقاصد كالعموم والخصوص والمنطوق والمفهوم ولم يورد فى المبادئ الكلامية شيئًا مما يتعلق بمعرفة البارى وصدق المبلغ ودلالة المعجزة؛ لأن ذلك فى نظر الأصولى منزلة البديهى بل اقتصر على ما لا يبعد أن يكون بالنسبة إلى الكلام أيضًا من المبادئ بل المقدمات بل ليس له اختصاص بالكلام كمباحث النظر الذى سائر العلوم فيه متساوية الأقدام نعم لما لم يكن فى العلوم الإسلامية ما يناسب مباحث النظر والاستدلال سوى علم الكلام أضافوها إليه وفى قوله مبادئ الكلام دون المبادئ الكلامية رمز إلى ما ذكرنا.

قوله: (ولا يبعد) بعيد لما فيه من إطلاق المرشد على معناه الحقيقى والمجازى جميعًا إلا أن يؤول بأن الدليل لغة ما يطلق عليه لفظ المرشد ثم ههنا بحث أما أولًا: فلأن الدليل فعيل بمعنى فاعل من الدلالة وهى أعم من الإرشاد والهداية وأما ثانيًا: فلأن قولنا الدليل لغة كذا معناه أن ذلك مفهومه بحسب وضع اللغة فلا يصح فى المعنى المجازى وليس هذا بمصرح فى كلام الآمدى لأنه قال: أما الدليل فقد يطلق فى اللغة بمعنى الدال وهو الناصب للدليل وقيل الذاكر له وقد يطلق على ما فيه دلالة وإرشاد وهو المسمى دليلًا فى عرف الفقهاء سواء أوصل إلى علم أو ظن، والأصوليون يفرقون فيخصون الدليل بما يوصل إلى علم والإمارة بما يوصل إلى ظن فحده عند الفقهاء مما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبرى وعند الأصوليين ما يمكن التوصل به إلى العلم بمطلوب خبرى والأقرب أن اصطلاح الأصول ما ذكره الشارح.

قوله: (الدليل على الصانع هو الصانع) لأنه الذى نصب العالم دليلًا عليه (أو العالم) بكسر اللام لأنه الذى يذكر للمستدلين كون العالم دليلًا على الصانع (أو العالم) بفتح اللام لأنه الذى به الإرشاد.

قوله: (لأن الدليل لا يخرج) يعنى أن الدليل معروض الدلالة وهى كون الشئ

ص: 125

بحيث يفيد العلم عند النظر فيه، وهذا حاصل نظر فيه أو لم ينظر.

قوله: (وقيد النظر بالصحيح) صحة النظر أن يكون فى وجه الدلالة أعنى ما به ينتقل الذهن كالحدوث للعالم وفساده وبخلافه فلو أطلق النظر لفهم من أن الدليل يجب أن يمكن التوصل به إلى المطلوب الخبرى بأى نظر كان ولا خفاء فى أن العالم دليل الصانع ولا يمكن التوصل إلى المطلوب بالنظر الفاسد إما صورة فظاهر وإما مادة كما فى قولنا العالم بسيط وكل بسيط له صانع فلانتفاء وجه الدلالة إذ ليست البساطة مما ينتقل منه إلى ثبوت الصانع وإن أفضى إليه فى الجملة فإن قيل: الإفضاء إلى المطلوب يستلزم إمكان التوصل إليه لا محالة قلنا ممنوع فإن معنى التوصل يقتضى وجه دلالة بخلاف الإفضاء ثم مبنى كلام الشارح على أن المراد بما أمكن هو الموجود العينى الذى به التوصل كالعالم لا القضايا والتصديقات على أنها لو كانت مرادة يجب أن تعتبر مجردة عن الترتيب، إذ لا معنى للحظر وحركة النفس فى الأمور الحاضرة المرتبة.

قوله: (أى الظنى منه) يعنى من الدليل يعنى أن الأمارة هو الشئ الذى يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى الظن بمطلوب خبرى كوجود النار لوجود الدخان.

قوله: (فقولان) يعنون بالقوله المركب التام الذى يصح السكوت عليه والأولى أن يزاد قيد احتمال الصدق والكذب.

قوله: (البرهانى) هو القياس المؤلف من المقدمات اليقينية الواجبة القبول والظنى يتناول الخطابى المؤلف من المظنونات أو منها ومن المقبولات، والجدلى المؤلف من المشهورات أو منها ومن المسلمات وأما الشعرى فهو المؤلف من المخيلات والسفسطى هو المؤلف من المشبهات بالقضايا الواجبة القبول فجميع تلك الأقيسة يحصل منها نتيجة وإن لم يكن فى غير البرهانى على سبيل اللزوم.

قوله: (إذ يختص بالبرهانى منه) أى من القياس فإن قيل: قد أطبق جمهور المنطقيين على قيد الاستلزام فى تعريف القياس وجعلوه شاملًا للبرهانى والظنى والشعرى والسفسطى قلنا نعم لكن مع زيادة قيد آخر هو تقدير التسليم وذلك أنهم قالوا: هو مؤلف قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر فاللزوم فى الكل إنما هو على تقدير التسليم، وأيضًا بدونه فلا يكون فى غير البرهانى وبينه فيما هو أقرب إلى اللزوم كالظنى فإنه لا علاقة بين الظن وبين شئ آخر ما بحيث يمنع

ص: 126

تخلفه عنه لانتفاء الظن مع بقاء سببه، كالغيم الرطب يكون أمارة للمطر ثم يزول ظن المطر بسبب من الأسباب مع بقاء الغيم بحاله.

قوله: (وفيه بحث) وهو أن الممكنات مستندة إلى اللَّه ابتداء والعلم والظن عقيب الدليل والأمارة بخلق اللَّه تعالى من غير تأثير لهما وإيجاب ومعنى استلزام الدليل العلم استعقابه إياه عادة فلا يبعد أن تستلزم الأمارة الظن بهذا المعنى ويتخلف عنها، بناء على أن اللَّه لا يخلقه عقيبها والجواب أن الاستعقاب العادى يمنع التخلف عادة وإن جاز عقلًا حتى لو وقع كان من خوارق العادة، وتخلف الظن عن الإمارة ليس كذلك بخلاف العلم من الدليل.

قوله: (لما كان استمداده من المواضع الثلاثة) يعنى الكلام والعربية والأحكام قيل: عدل عن العلوم الثلاثة إلى هذه العبارة؛ تحاشيًا عن التصريح باستمداد الأصول من الفقه مع كونه أدنى، ولم يعهد فيه تصور الأحكام وقد سبق أنه أن الاستمداد إجمالًا ببيان أنه من أى علم يستمد، والحق أن مبنى العلم قد تبين فى علم أدنى على ما صرح به ابن سينا وأن بيان مفهومات الأحكام وظيفة الفقه لوقوعها محمولات فى مسائله ولذلك سماها الآمدى بالمبادئ الفقهية وليس بحق فإن المبادئ التصورية لعلم حقها أن تبين فيه لا أن تؤخذ من علم آخر وما صرح به من أن المبادئ تبين دى العلم الأعلى كثيرًا وفى الأدنى قليلًا إنما هو فى المبادئ التصديقية المسماة بالأصول الموضوعة كما لا يخفى على من له دربة بصناعة البرهان كيف لا وتلك التصورات إذا ذكرت فى علم آخر لا تكون مسائل منه بل مبادئ تصورية له أيضًا؟ فلو احتيج فى بيانها إلى غيره لزم الدور أو التسلسل وإلا فليس استمداد أحدهما من الآخر أولى من عكسه، فعلم أن الأصول إنما يستمد من الأحكام أنفسها لكونها أجزاء المحمولات مسائله لا من علم الفقه فلهذا السبب عدل عن العلوم إلى المواضع وقال فيما بعد: قد استوفى فى مبادئ هذا العلم من اللغات وما هى مبادئه من الأحكام، وأما قوله: من أى علم يستمد فمحمول على التغليب وإنما سماها الآمدى فى موضع بالمبادئ الفقهية لاشتهارها بالانتساب إليه لا لكونها مأخوذة منه كما يشعر بذلك عبارته فى صدر الأحكام فإن قلت: كما أنه يستمد من تصورات الأحكام كذلك يستمد من تصورات أخر لموضوعات مسائله

ص: 127

ومحمولاتها وأجزائهما فما وجه الاقتصار عليها قلت: هى تصورات كثيرة متجانسة لها شيوع فى المسائل فأشار إليها وأفردها بالذكر قبلها، وأما التصورات المتفرقة المخصوصة ببعض المسائل فأخر بيانها إلى أن يشرع فى تلك المسائل كما فعل مثل ذلك فى المباحث المتعلقة بالعربية حيث أورد بعضها فى المبادئ كالحقيقة والمجاز والاشتراك والترادف وبعضها فى المقاصد كالعموم والخصوص والمنطوق والمفهوم لشدة ارتباط لهذا البعض بالمسائل التى أخر ذكره إليها.

قوله: (وهذه هى مبادئ الكلام) جعل قول الدليل لغة إلى قوله: مبادئ اللغة مبادئ كلامية لأصول الفقه لأنه مقتضى عبارته حيث حكم بأن هذا العلم يستمد من أمور ثلاثة وبينه إجمالًا ثم أورد هذه المباحث وعقبها بالمبادئ اللغوية والأحكام، فتوجه أن القواعد المنطقية نسبتها إلى علم الكلام كنسبتها إلى سائر العلوم الكسبية إذ هى آلة لها فكما يتوقف عليها أصول الفقه يتوقف عليها الكلام أيضًا فجعلها مبادئ كلامية للأصول ليس أولى من العكس، وقد صرح بذلك الإمام الغزالى فى المستصفى حيث قال: إن المقدمة المشتملة على هذه المباحث ليست من جملة أصول الفقه ولا من مقدماته الخاصة بل هى مقدمة العلوم كلها، وحاجة جميع العلوم النظرية إلى هذه المقدمة كحاجة أصول الفقه، وقد أجيب بأن المنطق جزء لما عداه من العلوم المدونة لتركيبها فى المشهور من المسائل والمبادئ، ولها مادة تتألف منها، وصورة هى القواعد المنطقية وحيث كان الكلام أعلى العلوم الشرعية وأساسها كان مقدمًا فى الرتبة والاعتبار فنسب تلك القواعد إليه فهى مبادئ كلامية للأصول وغيره وليس بشئ لأن صور الأدلة والمعرفات المخصوصة المذكورة فى العلوم ليست هى من المسائل المنطقية بل هى جزئيات موضوعاتها، والحق أن إثبات مسائل العلوم النظرية محتاج إلى دلائل وتعريفات معينة والعلم بكونها موصلة إلى المقصود لا يحصل إلا من المباحث المنطقية أو يتقوى بها فهى محتاج إليها لتلك العلوم وليست جزءًا منها بل هى علم على حيالها وعلم الكلام لما كان رئيس العلوم الشرعية ومقدمًا عليها انتسب إليه هذه القواعد المحتاج إليها، فعدت مبادئ كلامية للعلوم الشرعية، وقيل: الأولى أنه لما ذكر الدليل فى حدى الأصول والفقه أشار إلى معناه وحيث أخذ فى تعريف النظر المشتمل بيانه على العلم والظن احتاج إلى بيانهما والبحث عما يتعلق بهما فجره ذلك إلى تقسيم

ص: 128

العلم إلى التصور والتصديق المنقسمين إلى الضرورى والنظرى وبيان الطرق الموصلة إلى النظريات وما يتعلق بها فهذه المباحث كلها من تتمة الحد، ولذلك لم يصدرها بعنوان يدل على أنها مبادئ كلامية كما فعله فى القسمين الآخرين وفيه أن يراد علم فى آخر استطرادًا مما يأباه الطبائع المستقيمة، وأما صاحب الأحكام فاقتصر على تعريف الدليل والنظر والعلم والظن وجعلها مبادئ كلامية.

قوله: (والدليل لغة) الدليل لغة يطلق على المرشد، والمرشد له معنيان: الناصب لما يرشد به، والذاكر له وكذا يطلق الدليل على ما به الإرشاد فله ثلاثة معان وللمرشد معنيان وإنما كرر اللام فى قوله: ولما به الإرشاد تنبيهًا على كونه معطوفًا على المرشد وهذا التوجيه موافق لما صرح به الآمدى فى الأحكام حيث قال: وأما الدليل فقد يطلق فى اللغة بمعنى الدال وهو الناصب للدليل وقيل هو الذاكر له وقد يطلق على ما فيه دلالة وإرشاد. قال الشارح: ولا يبعد أن يجعل ما به الإرشاد فى عبارة الكتاب عطفًا على الناصب فيكون الدليل للمرشد وهو للمعانى الثلاثة وحيث كان إطلاقه على المعنى الثالث مستبعدًا فى بادئ الرأى أزاله بقوله فإن ما به الإرشاد يقال له: المرشد مجازًا؛ لأن الفعل قد يسند إلى الآلة فيقال للسكين: إنه قاطع واعترض بأنه بعيد لما فيه من إطلاق المرشد على معناه حقيقة ومجازًا معًا إلا أن يؤول بأن الدليل لغة ما يطلق عليه لفظ المرشد، وأجيب بأن هذا التأويل لازم على التوجيه الأول أيضًا لئلا يلزم إطلاقه على معنييه الحقيقيين معًا أعنى الناصب والذاكر فكأنه قيل: مدلوله لغة هو مدلول المرشد فيعم الحقيقى والمجازى على أن المصنف جوز استعمال اللفظ فى كل واحد من مدلوليه الحقيقى والمجازى معًا مجازًا كما جوزه فى المعنيين الحقيقيين أيضًا فلا استبعاد على مذهبه، وما قيل من أن الإرشاد هو الهداية فيكون أخص من الدلالة فلا يصح تفسير الدليل بالمرشد وأيضًا قولنا: الدليل لغة كذا معناه أن ذلك مفهومه بحسب وضع اللغة فلا يشمل المعنى المجازى، فجوابه أن المصنف فسر المرشد بما فسر به الآمدى الدال أعنى الناصب والذاكر ولم يعتير فى شئ منهما معنى الإيصال، فالإرشاد والهداية عنده يرادفان الدلالة قال الجوهرى: الهدى الإرشاد والدلالة وهديته الطريق، والبيت هداية أى: عرفته وإن الشارح أشار إلى اعتبار القول والإطلاق دون الوضع.

ص: 129

قوله: (فيقال) تمثيل لمعانى الدليل الثلاثة أى: (الدليل على الصانع) بالمعنى اللغوى (هو الصانع) لأنه الناصب لما فيه دلالة وإرشاد إليه (أو العالم) بكسر اللام لأنه الذاكر لذلك (أو العالم) بفتحها لأنه الذى به الإرشاد.

قوله: (واصطلاحًا) يعنى أن هناك اصطالاحين، وللدليل بحسب كل منهما معنيان أحدهما أعم من الثانى مطلقًا، وقدم اصطلاح الأصولى لأنه المناسب وأبدأ فيهما بالمعنى الأعم؛ لأنه المعنى المعتبر عند الأكثر كما يفصح عنه عبارته وإنما قيل ما يمكن التوصل دون ما يتوصل تنبيهًا على أن الدليل من حيث هو دليل لا يعتبر فيه التوصل بالفعل بل يكفى إمكانه فلا يخرج عن كونه دليلًا بأن لا ينظر فيه أصلًا ولو اعتبر وجوده لخرج عن التعريف ما لم ينظر منه أحد أبدًا وأريد من النظر فيه ما يتناول النظر فيه نفسه وفى صفاته وأحواله فيشمل المقدمات التى هى بحيث إذا رتبت أن إلى المطلوب الخبرى والمفرد الذى من شأنه إذا نظر فى أحواله أوصل إليه كالعالم، وحيث أريد بالإمكان المعنى العام الجامع للفعل والوجوب اندرج فى الحد المقدمات المرتبة وحدها، وأما إذا أخذت مع الترتيب فيستحيل النظر فيها وقيد النظر بالصحيح وهو المشتمل على شرائطه مادة وصورة؛ لأن الفاسد لا يمكن أن يتوصل به إلى مطلوب خبرى، إذ ليس هو فى نفسه سببًا للتوصل ولا آلة له وإن كان قد يفضى إليه فذلك إفضاء اتفاقى ليس من حيث إنه وسيلة له فلو لم يقيد وأريد العموم خرجت الدلائل بأسرها إذ لا يمكن التوصل بكل نظر فيها، وإن اقتصر على الإطلاق لم يكن هناك تنبيه على افتراق الصحيح والفاسد فى ذلك، والحكم يكون الإفضاء فى الفاسد اتفاقيًا إنما يصح إذا لم يكن بين الكواذب ارتباط عقلى يصير به بعضها وسيلة إلى بعض أو يخص بفاسد الصورة أو بوضع ما ليس بدليل مكانه وتقييد المطلوب بالخبرى لإخراج قول الشارح ولو قيد بالتصورى كان حدًا له، وإن جرد عنهما فللمشترك بينهما أعنى الموصل إلى المجهول وحيث كان التوصل أعم من أن يكون إلى علم أو ظن توليدًا أو إعدادًا لزومًا أو عادة يتناول التعريف القطعى والظنى وصح على المذاهب كلها.

قوله: (فقولان) أى قضيتان معقولتان أو ملفوظتان فإن الدليل كالقول والقضية يطلق على المعقول والمسموع اشتراكًا أو حقيقة ومجازًا وقيل: أى مركبان ويخرج بقوله: يكون عنه قول آخر، قولان فصاعدًا من المركبات التقيدية أو منها ومن

ص: 130

التامة كما يخرج قولان من التام إذا لم يشركا فى حد أوسط وإنما قال: فصاعدًا؛ ليتناول القياس المركب من أقوال وفى توحيد الضمير وتذكيره فى عنه تنبيه على أن الهيئة لها مدخل فى ذلك قيل: إنما وصف القول بالآخر ليخرج عنه مجموع أى قضيتين اتفقتا فإنه يستلزم إحداهما وهذا لا يصح ههنا إذ لا يكون إحداهما ولا اعتبر حصول القول الآخر سواء كان لازمًا بينًا أو غير بين أو لا يكون لازمًا تناول حد الأمارة وغيرها لأنه يجمع التمثيل والاستقراء، والقياس البرهانى المؤلف من مقدمات قطعية لإفادة اليقين والجدلى المركب من قضايا مشهرة أو مسلمة لإلزام الحكم لحفظ الأوضاع وهدمها، والخطابى المؤلف من قضايا ظنية مقبولة أو غيرها لإقناع من هو قاصر عن درك البرهان وعبر عنهما بالظنى، والشعرى المركب من قضايا مخيلة لإفادة القبض والبسط فى الإحجام والإقدام، والمغالطى الذى يتركب من قضايا مشبهة بالمشهورات وتسمى شغبًا أو بالأوليات وتسمى سفسطة وعبر عنها بالسفسطى إطلاقًا للأخص على الأعم فاستوفى الصناعات بأسرها.

قوله: (إذ يختص بالبرهانى منه) أى من الدليل أو من القياس، إذ لا برهان من غيره إلا إذا كان راجعًا إليه (وأما غير البرهانى فلا يستلزم لذاته شيئًا فإنه لا علاقة عقلية بين الظن وبين شئ) يستنكاد هو منه (لانتفائه مع بقاء سببه) الذى يتوصل منه إليه وفى اكتفائه فى بيان المدعى بحال الظن وسببه إيماء إلى أن ما عدا البرهانى إما ظنى أو فى حكمه فإن قلت: قد أطبق جمهور المنطقيين على اعتبار قيد الاستلزام فى تعريف القياس وجعلوه مع ذلك شاملًا للصناعات الخمس أجيب بأنهم زادوا قيدًا آخر وهو تقدير تسليم مقدماته فالاستلزام فى الكل إنما هو على ذلك التقدير وأما بدونه فلا استلزام إلا فى البرهانى، وهو المراد ههنا فلا منافاة بينهما، وفساده ظاهر؛ لأن التسليم لا مدخل له فى الاستلزام فإن تحقق اللزوم لا يتوقف على تحقق الملزوم ولا اللازم كما لا يخفى أو لا يرى إلى قولنا: إن العالم قديم وكل قديم مستغنٍ عن المؤثر يستلزم قولنا: العالم مستغن عن المؤثر إذ لو تحقق الأول فى نفس الأمر تحقق الثانى قطعًا وهو معنى الاستلزام ولا تحقق لشئ منهما، وإنما صرح بتقدير التسليم إشارة إلى أن القياس من حيث هو قياس لا يجب أن تكون مقدماته مسلمة صادقة ولو اكتفى بما عداه لتوهم أن تلك القضايا متحققة فى الواقع وأن اللازم متحقق فيه أيضًا كما ذكر فى موضعه فالحكم بعدم

ص: 131

الاستلزام فى غير البرهانى إنما يتم بأن يبين تحققه أو جواز تحققه بدون النتيجة كما فى انتفاء الظن مع بقاء سببه لا بأن يبين جواز عدم تحققه فى نفسه.

قوله: (وفيه بحث) أى فى استلزام البرهان النتيجة لذاته بحث (مذكور فى علم الكلام) وهو أن فيضان النتيجة بطريق العادة عند الأشاعرة ولا استلزام ذاتيًا هناك إذ لا مؤثر فى النتيجة إلا اللَّه سبحانه وتعالى ولا وجوب عنه ولا عليه، وإن أريد بالاستلزام الذاتى امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلًا كما هو المتبادر من العبارة صح التعريف الثانى على رأى أصحابه دون الواقع بخلاف الأول فإنه صحيح مطلقًا وإن حمل على الدوام، والامتناع العادى فقد عدل به عن ظاهره هذا وقد قيل: مراده أن الاستعقاب عادة لا يبعد أن يوجد فى الأمارة أيضًا، ورد بأن وجود التخلف فيها يمنع ذلك ولا تخلف فى البرهان أصلًا، وإن أمكن عقلًا ومن قال: هو أن الأمارة المؤلفة من مقدمتين ظنيتين مثلًا تحصل النتيجة منها على تقدير واحد هو صدقهما معًا دون التقادير الثلاثة الأخر ومع جوازها فعدمها إما راجح أو مساوٍ فلا استلزام لها لذاتها، ولما كان البحث عن الدليل وأقسامه من مسائل الكلام قال: مذكور فيه أى فى موضعه اللائق يذكره هو ذاك فقد أبعد عن المرام بما لا فائدة فيه.

قوله: (وأعلم) أقول الدليل عند الأصوليين على إثبات الصانع سواء أخذ بالمعنى الأول أو الثانى هو العالم إذ يمكن التوصل بصحيح النظر فيه بحسب أحواله إلى هذا المطلوب الخبرى بل إلى العلم به وعند المنطقيين هاتان القضيتان مع هيئة الترتيب العارضة لهما، وظاهر كلامه أن الدليل عندنا لا يطلق إلا على المفردات التى من شأنها أن يتوصل بأحوالها إلى المطالب الخبرية فيجب أن يحمل قولنا: بصحيح النظر فيه، على النظر فى أحواله وصفاته ويجوز أن يجرى على عمومه فيتناول الأقسام الثلاثة كما أوضحناه سابقًا وعلى التقديرين فالمعنيان متباينان صدقًا ومن زعم تساويهما فى الوجود بشرط النظر فى المعنى الأصولى لزسه القول بوجوده فى الكواذب.

قوله: (قيل عدل عن العلوم الثلاثة) أراد هذا القائل أن الشارح قد اعتقد أن علم الأصول يستمد من الفقه ولذا قال فيما سبق أن الاستمداد إجمالًا ببيان أنه

ص: 132

من أى علم يستمد فقد اعترف ههنا أن علم الأصول لا يستمد من علم الأحكام لكنه ترك التصريح هنا بأنه مستمد من الفقه لأن الفقه أدنى ولم يعهد فيه بيان الأحكام وتصورها والحق أن مبادئ العلم قد تبين فى علم أدنى أى لا يتوهم من كون الفقه أدنى عدم جواز استمداد الأصول منه ومن عدم كون بيان الأحكام معهودًا فيه أن لا يكون ذلك البيان وظيفة له فإن الحق ما ذكر.

قوله: (وتلك التصورات إن ذكرت فى علم آخر مسائل منه بل مبادئ تصورية له) لأن المذكور فى علم إما مسائله أو مبادئه إذ ما ليس شيئًا منهما لا يذكر فيه فلو احتيج فى بيان تلك التصورات إلى علم آخر لزم الدور أو التسلسل وإن لم يحتج فالعلم المفروض أولًا أيضًا كذلك إذ المبادئ المفروضة فيهما واحدة وإذا انتفى الاحتياج بينهما انتفى الاستمداد لأن معنى الاستمداد هو الاحتياج ولقائل أن يقول قد ذكر فى أول الكلام أن المبادئ التصورية لعلم حقها أن يتبين فيه لا أن تؤخذ من علم آخر ولا يحصل من المقدمات المذكورة استغناء كل علم فى بيان مبادئه التصورية عن علم آخر ولا يلزم منها وجوب ببان مبادئه التصورية فيه وعدم جواز أخذها من علم آخر فجاز أن يكون علم مقدمًا على علم آخر ويذكر مبادئ العلم المؤخر فى العلم المقدم وتبين فيه ويترك البيان فى العلم المؤخر ويؤمر بالرجوع إلى العلم المقدم إذ لا يلزم من انتفاء الاحتياج عدم الجواز وباعتبار هذا الأمر يقال إن العلم المؤخر مستمد من العلم المقدم لاعتبار الاحتياج ولا يلزم الترجيح من غير مرجح وأيضًا لا يحصل من تلك المقدمات أن المبادئ التصورية لعلم يكون بيانها فى ذلك العلم أولى فإن إبطال الاحتياج لا يقتضى ذلك فإن قيل إذا ذكر المبادئ التصورية فى علم آخر وبين فيه ووقع الأمر بالرجوع فقد ثبت الاستمداد والاحتياج يشعر بذلك قوله وتلك التصورات إن ذكرت فى علم آخر فأصل الذكر فى علم آخر يوجب الاحتياج وليس المراد باحتياج العلم إلى علم آخر فى بيان مبادئه التصورية أن تلك المبادئ لا يجوز أن تبين فيه بل يجب أن تبين فى العلم الآخر كالمبادئ التصديقية قلنا تختار ذكرها فى علم آخر وبيانها فيه وعدم احتياج هذا العلم إلى علم آخر وبيانها فى بيانها ويمنع قوله فليس استمداد أحدهما عن الآخر أولى من عكسه فى الصورة المذكورة.

قوله: (وقد أجيب بأن المنطق جزء لما عداه) لا يخفى أن تلك المقدمة لا مدخل

ص: 133

لها فى الجواب لأن القواعد المنطقية نسبتها إلى علم الكلام كنسبتها إلى سائر العلوم الكسبية سواء كانت تلك القواعد آلة لها خارجة عنها أو جزءًا لها ومنشأ الإشكال هو استواء تلك النسبة ولا يحصل التفاوت بالخروج والدخول؛ بل الجواب حقيقة هو قوله وحيث كان الكلام أعلى العلوم الشرعية. . . إلخ. والمحشى قد أورد هذا القول مع بيان خروج المنطق عن العلوم وصوره بقوله والحق فالحق والباطل راجعان إلى مقدمة لا يحتاج إليها السؤال والجواب.

قوله: (لا يحصل إلا من المسائل المنطقية) فإن قلت بعض المسائل النظرية التى هى المسائل الكلامية يكون إثباتها محتاجًا إلى دلائل وتعريف يعلم كونها موصلة إلى ما فى تلك المسائل بالقواعد التى هى مذكورة فى أوائل الكلام ويبحث فيها عن المعلومات كان حيث إنها موصلة إلى القواعد الدينية كما أن المنطق يبحث فيه عنها من حيث إنها موصلة إلى المجهولات مطلقًا ويحصل بتلك القواعد استغناء عن المسائل المنطقية قلت القوم قد تكلفوا وجعلوا القواعد المنطقية مقيدة بقيود تخرجها عن كونها من المنطق ثم جعلوها جزءًا من الكلام لئلا يلزم احتياج العلم الشرعى الذى هو رئيس العلوم الشرعية إلى علم غير شرعى والاحتياج فى الكل حقيقة إلى المنطق ومن قال المبادئ الكلامية للأصول هى تلك القواعد التى هى جزءًا من الكلام فقد أخطأ لأن تلك القواعد بسبب تقييد لا تفيد إلا فى الأمور الكلامية والمفيد فى إثبات المسائل الأصولية لا يكون إلا القواعد المنطقية لا لما نقل فى حاشية الحاشية.

قوله: (فعدت مبادئ كلامية) قد حصل بذلك جواب عن قول السائل فجعلها مبادئ كلامية للأصول ليس أولى من عكسه ووقع توجيه يجعل الأصول مستمدًا من الكلام حال كونه مستمدًا من تلك القواعد.

قوله: (فكأنه قيل مدلوله لغة هو مدلول المرشد. . . إلخ) إشارة إلى أن التأويل كما يجب فى جانب المرشد يجب فى لفظ الدليل أيضًا فإن الإشكال وارد على كل منهما.

قوله: (وأيضًا قولنا الدليل لغة) هذا الكلام اعتراض على تفسير الدليل على تقدير أن يكون المعنى الثالث للدليل لا للمرشد، ويقال المعنى الثالث معنى مجازى للدليل وأما إذا كان المعنى الثالث ثابتًا للمرشد ومعنى مجازيًا له فلا يرد الإعتراض

ص: 134

إلا على تفسير المرشد وذكر الدول للتمثيل فإنه يجوز أن يكون المعنى فى التفسير مجازيًا وفى المفسر حقيقيًا والمعنى المجازى للمرشد مفهوم الدليل بحسب الوضع وإذا قيل هذا المعنى معنى مجازى للدليل أيضًا يرد الاعتراض عليه أيضًا.

قوله: (إذا لم يكن بين الكواذب ارتباط) إشارة إلى أنه قد يكون بينهما ارتباط عقلى كمثل قولنا كل إنسان حجر وكل حجر فرس فكل إنسان فرس وقد يكون بين الكاذب والصادق كقولنا كل إنسان حيوان وكل حيوان ناطق فكل إنسان ناطق وحينئذ يجب أن يقال المراد بالفاسد ما يكون فساده باعتبار الصورة أو يقال المراد بالفاسد ما يكون فساده بوضع ما ليس بدليل مكانه كقولنا كل إنسان حيوان وكل حيوان له صانع فكل إنسان له صانع، وإذا خص الفاسد حصل الواسطة بين الصحيح والفاسد وكان إخراجها

(1)

من التعريف بلا جهة إذ يمكن التوصل بها أيضًا إلى مطلوب خبرى أو وقع التعميم فى الصحيح وفى بعض النسخ وقع بالواو العاطفة فى قوله وبوضع ما ليس بدليل مكانه.

قوله: (وفى توحيد الضمير وتذكيره) يعنى أن الظاهر أن يقال يكون عنهما باعتبار القولين أو يقال يكون عنها باعتبار الأقوال وإذا قال يكون عنه واعتبر الوحدة حصل الإشارة إلى أن الأقوال ما لم تصر واحدة سبب عروض الهيئة الوحدانية لم يكن ولم يحصل عنه شئ.

قوله: (مع بقاء سببه) قيل إذا تركب مقدمتان ظنيتان أو إحداهما ظنية وحصب منهما مقدمة ظنية يجوز أن ينعدم الظن بالنتيجة ويحصل اليقين بها من شئ آخر مثلًا إذا قلنا زيد حيوان وكل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ فزيد يحرك فكه الأسفل عند المضغ والواقع هو الظن بالكبرى حصل لنا ظن بالنتيجة وبعد ذلك يجوز أن يحصل لنا القطع بأن زيدًا يحرك فكه الأسفل عند المضغ فانتفى الظن بالنتيجة مع بقاء سببه الذى هو التصديق بالمقدمتين المذكورتين على الوجه المذكور.

قوله: (إذ لو تحقق الأول فى نفس الأمر تحقق الثانى) لبعض الناس هنا كلام وهو أن ما ذكره فى بيان ظهور الفساد مبنى على أن المراد بقوله متى سلمت متى وقعت

(1)

قوله: وكان إخراجها. . . إلخ. هكذا فى الأصل ولتحرر العبارة فلعلها لا تخلو من تحريف. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 135

صادقة وهو ليس كذلك بل المراد به متى وقع التصديق بها بمعنى أنه متى تحقق تلك التصديقات تحقق التصديق المتعلق بالقول الآخر وهذا الاستلزام العلمى منشؤه استلزام تحقق تلك الأقوال للقول الآخر فى نفس الأمر فالملزوم حقيقة هو التصديقات وليس هنا توقف اللزوم على تحقق الملزوم فى نفس الأمر وصدقه، وكما أن اللزوم بين الدليل المذكور وبين نتيجته لا يتوقف على تحقق مقدماته فى نفس الأمر كذلك اللزوم بين التصديقات المتعلقة بمقدمات ذلك الدليل وبين التصديق بالقول الآخر فإنه لا يتوقف على تحقق تلك التصديقات ولو أريد اللزوم بحسب التحقق فى نفس الأمر لدخل فى تعريف الدليل على مذهب المنطقيين المقدمات المتفرقة وبطل نكتة توحيد الضمير لأن الهيئة الترتيبية الوحدانية لا مدخل لها فى هذا الاستلزام بل لها مدخل فى الاستلزام العلمى فنقول يجب أن يرجع إلى عبارة الجواب وتوضيح ما هو المراد منها فالمجيب أن حمل التسليم على التصديق وكان معنى كلامه أن الصناعات الخمس لها استلزام على تقدير التصديق بمفهوماتها وأما بدون التسليم والتصديق فلا استلزام إلا فى البرهان، يرد عليه أن الأمارة والبرهان يشتركان فى الاستلزام على تقدير التصديق وعدم الاستلزام على تقدير عدم التصديق بلا تفاوت وإن حمل التسليم على التحقق والصدق وكان معنى كلامه أنها مستلزمة على تقدير الصدق وأما بدون الصدق فلا استلزام إلا فى البرهان، يرد عليه أنه لا معنى لقوله أن البرهان بدون صدق مقدماته يستلزم قولًا آخر فيجب أن يرجع ضمير قوله وأما بدونه إلى القيد ويكون معناه وأما بدون القيد المذكور بمعنى تركه على إطلاقه بأن قيل البرهان يستلزم لذاته قولًا آخر لا بمعنى اعتبار عدم القيد فيه بأن يقال البرهان يستلزم لذاته على تقدير عدم صدق مقدماته قولًا آخر وكذا غير البرهان وإذا كان كذلك فالاستلزام فى البرهان على تقدير الإطلاق وعدم الاستلزام فى غيره على هذا التقدير مبنى على أمرين حمل التسليم على التحقق والصدق وجعل جواز عدم تحقق الملزوم دليلًا على انتفاء اللزوم وبعد اعتبار هذين الأمرين صح أن يقال البرهان يستلزم لذاته قولًا آخر لأن البرهان لا يجوز عدم صدق مقدماته فلا يكون إلا صادقًا فيكون مستلزمًا ولا يصح أن يقال الأمارة تستلزم لذاته قولًا آخر ما لم يقيد بالقيد المذكور؛ لأنه يجوز عدم صدقها فلا تكون مستلزمة وحينئذ ظهر معنى قول المحشى فى آخر الحاشية فالحكم

ص: 136

بعد الاستلزام فى غير البرهان إنما يتم بأن يبين تحققه أو جواز تحققه بدون النتيجة إلخ وأنت تعلم أنه لو كان التسليم بمعنى التصديق لا يكون لقوله وأما بدونه فلا استلزام إلا فى البرهان معنى؛ لأن البرهان والأمارة متساويان فى وجوب التصديق بالمقدمات وعدمه.

قوله: (لزمه القول بوجوده فى الكواذب) أى بوجود المعنى الأصلى فى الكواذب لأن المعنى المنطقى قد يوجد هناك وفى الكواذب لا يمكن النظر الصحيح فلا يمكن وجود المعنى الأصلى هناك مع اشتراط النظر فيه، والحاصل أن النسبة المعتبرة بين المعنى الأصولى والمنطقى لو اعتبرت بحسب الصدق والحمل لكان المعنيان متباينين لأن المعنى الأصولى على تقدير التعميم الذى ذكره لا يصدق إلا على الأقسام الثلاثة التى هى المفردات والمقدمات المتفرقة والمقدمات المرتبة وحدها أى مع قطع النظر عن الترتيب والمعنى المنطقى لا يصدق على شئ منها بل يصدق على المقدمتين مع هيئة الترتيب العارضة لهما فقط بينهما مباينة، ولو اعتبرت بحسب التحقق والوجود فإن اشترط فى المعنى الأصولى النظر بالفعل كان المعنى المنطقي أعم لأن المعنى الأولى على هذا التقدير لا يتحقق إلا فى صورة يكون هناك مقدمات مرتبة هى فرد من المعنى المنطقى ويتحقق المعنى المنطقى بدونه فى الكواذب، وإن لم يشرط فالظاهر أن النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه لصدقهما فى المعنى الأصولى الواقع مع النظر وصدق الأصولى بدونه فى المفرد الذى لا يقع معه النظر وصدق المنطقى بدونه فى بعض الكواذب.

قوله: (قيل عدل. . . إلخ) القائل التفتازانى إلى قوله سماها الآمدى بالمبادئ الفقهية تحاشيًا عن التصريح أى وإن كان الواقع أن الاستمداد من الفقه وسبب التحاشى أمران أحدهما: أن الفقه أدنى من الأصول فكيف يستمد الأصول منه، الثانى: أنه لم يعهد فى الفقه تصور الأحكام وبيان مفهوماتها فلا يحسن أن يكون مستمدًا منه وانظر لِمَ لَمْ يتحاش أيضًا عن التصريح بالاستمداد من العربية مع كونها أدنى أيضًا من الأصول.

قوله: (مع كونه أدنى) أى لأن البحث عن موضوع الفقه من حيث اقترن به أعراض ذاتية لموضوع الأصول وذلك لأن البحث فى الفقه عن أفعال المكلفين إنما

ص: 137

هو من حيث تعلق الوجوب مثلًا المستفاد من الأدلة من حيث هو مستفاد من الأدلة لأن حيث تعلق الوجوب من حيث نفسه لأن الفقه التصديق بالمسائل الفقهية عن دليل وهو المسائل المدللة فتكون الاستفادة مأخوذة فيه من جهة البحث والاستفادة عرض ذاتى للأدلة إما حقيقة وإما مسامحة ولأن الإسلاميين قالوا: إن الكلام رئيس العلوم الشرعية لنفاذ حكمه فيها بأسرها فيكون الأصول أعلى من الفقه لتوقفه عليه. اهـ. خلخالى.

قوله أيضًا: (مع كونه أدنى) قال الخلخالى إنما كان الفقه أدنى من الأصول لتوقف موضوعه على موضوعه ونفسه على نفسه أما الثانى فظاهر وأما الأول فلأنه يبحث فى الفقه عن الأفعال من حيث اقترن به أعراض ذاتية لموضوع الأصول فإنه يبحث فيه من حيث يتعلق به الوجوب هذا هو الموافق لما نقله الشارح المحقق فى شرح الإشارات على ما نقله قدس سره حيث قال: كون علم تحت علم إنما يكون على أربعة أوجه: الأول: أن يكون موضوع العالى جنسًا لموضوع السافل، الثانى: أن يكون موضوعهما واحدًا لكنه فى أحدهما وضع مطلقًا وفى الآخر مقيدًا، الثالث: أن يكون موضوع العالى عرضًا عامًا لموضوع السافل والمتعين هنا الرابع. اهـ باختصار.

قوله: (وقد سبق) أى عدل عن العلوم إلى هذه العبارة والحال أنه قد سبق منه. . . إلخ. أى فالاستمداد فى الحقيقة من العلم كما ذكرنا وأشار بقوله: وقد سبق أن على فى قول السعد: على أنه قد ذكر فيما سبق بمعنى مع.

قوله: (إن مبادئ علم قد تبين. . . إلخ) رد للسبب الأول وقوله: وإن بيان مفهومات الأحكام. . . إلخ. رد للسبب الثانى ووجه رد السبب الثانى بذلك أن كون وظيفة الفقه ذلك كاف فى الاستمداد منه فى تصويرها وليس بلازم تصويرها وبيان مفهوماتها فيه بالفعل.

قوله: (فإن المبادئ التصورية لعلم حقها أن تبين. . . إلخ) نقل قدس سره فى حاشية الحاشية عن ابن سينا ما يؤيد ذلك.

قوله: (المسماة بالأصول الموضوعة) المبادئ التصديقية هى التى يحتاج إليها فى المسائل سواء كانت تتألف أقيستها منها أو لا وهى إما بينة بنفسها وهى المسماة بالعلوم المتعارفة، أو غير بينة وهى إما مسلمة بناء على حسن الظن فتسمى أصولًا

ص: 138

موضوعة أو مأخوذة مع استنكار وتشكك إلى أن تبين فى موضعها فتسمى مصادرات هذا هو المذكور فى كلامهم فقول المحشى المسماة بالأصول الموضوعة فيه قصور.

قوله: (بل مبادئ تصويرية له أيضًا) لانحصار العلم فى المبادئ والمسائل فإذا لم تكن من المسائل معين أن تكون من المبادئ.

قوله: (فلو احتيج إلى غيره) أى بالاستمداد منه.

قوله: (لزم الدور) أى: إن رجع إلى العلم الأول وقوله أو التسلسل أى: إن لم يرجع إلى الأول.

قوله: (وما هى مبادئه من الأحكام) أى ولم يقل من علم الأحكام.

قوله: (وأما قوله من أى علم يستمد. . . إلخ) جواب عن قول السعد على أنه قد ذكر فيما سبق وقوله: على التغليب أى غلب علم الكلام وعلم اللغة على ما ليس بعلم وهو الأحكام.

قوله: (وإنما سماها الآمدى. . . إلخ) جواب عما يقال: إن تسميتها بالمبادئ الفقهية يقتضى أن الاستمداد من الأحكام عبارة عن الاستمداد من علم الفقه كما ذكره السعد.

قوله: (كما أنه يستمد من تصورات الأحكام. . . إلخ) فى بعض الحواشى لعل السر فى الاقتصار على المحمولات وأجزائها أن المسائل والقضايا المتكثرة التى تعد علمًا واحدًا لاشتراكها فى الموضوع المعلوم بيان استمدادها التصورى يكون بتصور المحمولات وأجزائها التى تعلم بعد، وأما ما ذكره المحشى ففيه أن تصورات الدلائل التى هى موضوعات الفن كذلك تصورات كثيرة متجانسة لها شيوع فى المسائل فيجب أن يشير إليها ويفردها بالذكر.

قوله: (كما فعل مثل ذلك إلى قوله لشدة ارتباط لهذا البعض. . . إلخ) أراد بذلك إزالة بعض الاضطراب الذى اعترض به التفتازانى على المصنف ولم يتعرض لدفع الاضطراب بأنه لم يورد فى المبادئ الكلامية شيئًا مما يتعلق بمعرفة البارئ وصدق المبلغ ودلالة المعجزة؛ لأن ذلك فى نظر الأصولى بمنزلة البديهى بل اقتصر على ما لا يبعد أن يكون بالنسبة إلى الكلام أيضًا من المبادئ بل المقدمات بل ليس له اختصاص بالكلام؛ لأن عدم الإيراد قد اعتذر هو عنه وأيضًا الاقتصار على المسائل

ص: 139

المنطقية على فسيجئ غالبه وأما الاضطراب فإنه زاد فى المبادئ المتعلقة بالأحكام كثيرًا من المسائل التى ليست من الفقه فلم يتعرض لدفعه لأنه مبنى على استمداد الأصول من علم الأحكام وقد تبين أنه ليس كذلك.

قوله: (وبينه إجمالًا) أى حيث قال وأما استمداده فمن الكلام والعربية والأحكام إلى قوله: وإلا جاء الدور وقوله: ثم أورد. . . إلخ أى ثم فصل بعض ما أجمل فأورد إلخ فيكون قوله والدليل لغة إلى قوله مبادئ اللغة تفصيلًا للمبادئ الكلامية.

قوله: (فبجعلها مبادئ كلامية للأصول ليس أولى من العكس) على أنها ليست مبادئ بمعنى ما يتوقف عليه ذات الشئ توقفًا قريبًا كما هو المصطلح عليه بل بمعنى أنها وسيلة.

قوله: (وقد أجيب بأن المنطق جزء. . . إلخ) قال الهروى ما حاصله أن مبنى الإشكال استواء نسبة المنطق لسائر العلوم سواء كان جزءًا أو غير جزء فالجواب حقيقة هو قوله وحيث كان الكلام أعلى العلوم وقد ارتضاه المحشى بقوله: وعلم الكلام لما كان. . . إلخ فالحق والباطل فى كلام المحشى راجعان إلى مقدمة خارجة عن الجواب. اهـ.

قوله: (ولها) أى لمبادئ العلم وقوله: مادة هى مواد التعريفات ومواد الأدلة وقوله وصورة هى صور ما ذكر.

قوله: (بل هى جرْئيات موضوعها) لأن موضوعها المعلوم التصورى والمعلوم التصديقى من حيث صحة الإيصال إلى المجهول وذلك المعلوم هو المعرفات والأدلة على التعيين.

قوله: (لا يحصل إلا من المباحث المنطقية) أى لأنه لا بد من الحلم بصحة موادها وصورها وحصول شرائطها لأنه لو فسدتا أو إحداهما كان الفكر المشتمل عليهما فاسدًا غير موصل للمقصود ولما كان العلم بتفاصيل خصوصيات الأحكام التصورية والتصديقية متعذرًا أو متعسرًا احتيج إلى المباحث المنطقية ليرجع إليها فى معرفة أى فكر أريد.

قوله: (ويتقوى بها) أى: إن كان ممن صفا ذهنه وقويت عارضته جدًا.

قوله: (فهى محتاج إليها لتلك العلوم وليست جزءًا منها) قال فى حاشية

ص: 140

الحاشية لا يقال فعلى هذا يلزم أن يكون المنطق أعلى من الكلام والإلهى لأنه يبين مبادئ كثيرة لهما لا يبين مثلها فى الأدنى كما لا يخفى لأنا نقول: هو لا يبين مبادئهما أصلًا بل يبين ما يعرض لمبادئهما التصورية والتصديقية المصطلح عليها من الطرق الموصلة إلى مقاصدها ومثله يستحق أن يسمى وسيلة وآلة فظهر أن الاستمداد كله ليس من مبادئ العلم بالمعنى المشهور. اهـ. وقد وضحه الخلخالى فقال قوله: لا يبين مثلها فى الأدنى دفع لما يقال: إن كون المنطق مبينًا لمبادئهما لا يوجب كونه أعلى منهما فإنه قد تبين مبادئ الأعلى فى الأدنى ووجه الدفع أن هذا إنما يكون فى مبادئ قليلة نادرة وما ذكرنا ليس من هذا القبيل وقوله: لا يبين مبادئهما أصلًا وجهه أن مبادئهما إنما هى الأدلة والمعرفات المخصوصة المعينة وظاهر أن هذه ليست مباحث مبينة فى المنطق بل المباحث المبينة فيه هى ما يعرض لهذه التعريفات والأدلة المعينة التى هى المبادئ المصطلح عليها وهى المبادئ بالمعنى الأخص الذى هو جزء من العلم أعنى الطرق الموصلة إلى مقاصدها توصلًا قريبًا، وقوله: فظهر أن الاستمداد كله أى ما يستمد منه ليس كله بالمعنى المشهور وهو ما يتوقف عليه ذاتًا فاستمداد الكلام والإلهى من للمنطق لا يوجب كون مسائله مبادئ لهما بالمعنى المشهور ليستلزم كونه أعلى. اهـ. وهذا الذى ذكره فى حاشية الحاشية باعتبار إطلاق الكلام على ما لا يشمل مباحث النظر كما هو أحد إطلاقيه فلا ينافى أن المنطق جزء من الكلام بإطلاق آخر كما أنه لا منافاة بين ما ذكره المحشى هنا من قوله وليست جزءًا من العلوم وبين ما ذكره فى شرح المواقف من أن المنطق جزء من الكلام لأن المنطق فى نفسه ليس جزءًا من الكلام لكن لما كان علم الكلام رئيس العلوم الدينية ومقدمًا عليها لم يرض علماء الإسلام أن يكونوا محتاجين فيه إلى علم آخر أصلًا سواء كان شرعيًا أو لا فأخذوا موضوعه على وجه يتناول العقائد والمباحث النظرية التى يتوقف عليها العقائد فجاء علم الكلام كافلًا لإثبات العقائد الدينية المتعلقة بالصانع تعالى وصفاته وغير ذلك من المباحث النظرية التى يتوقف عليها مواد أدلة العقائد وصورها ومواد معرفاتها وصورها وكانت مباحث النظر من الكلام.

قوله: (لما كان رئيس العلوم الشرعية) أى لأنه متكفل بإثبات الصانع تعالى وصفاته وإثبات النبوة ولولا ذلك لا يتصور علم التفسير والحديث والفقه وأصوله.

ص: 141

قوله: (فعدت مبادئ كلامية) وبهذا الاعتبار جعل استمداد الأصول من القواعد المنطقية استمدادًا من الكلام ولم يجعل المستمد منه أربعة: الكلام والعربية والأحكام والمنطق.

قوله: (وفيه أن إيراد علم. . . إلخ) وأيضًا فيه أنه يلزمه توسط الفائدة والاستمداد بين الحد وما يتعلق به وهو ما تأباه الطباع السليمة وأيضًا يلزم أنه لم يذكر الاستمداد التفصيلى من الكلام كما ذكر الاستمداد التفصيلى من أخويه.

قوله: (وقيل هو الذاكر له) حكايته بقبل لا تنافى جعله من المعانى اللغوية عنده.

قوله: (ولا يبعد. . . إلخ) ذكر فى حاشية الحاشية أن ذلك رد على من قال ما به الإرشاد عطف على المرشد لا على قوله الناصب والذاكر إذ ليس من معانى المرشد وحاصل الرد أنه إن أراد أنه ليس من معاني المرشد أصلًا فممنوع لأن ما به الإرشاد من المعانى المجازية للمرشد وإن أراد أنه ليس من المعانى الحقيقية فنمنع تمام التقريب إذ لا يلزم من عدم كونه من المعانى الحقيقية للمرشد عدم جواز عطفه على ما هو معنى حقيقى له إذ يكفى فى ذلك كونه كان مطلق معانيه فإن قيل إذا لم يكن ما به الإرشاد من المعانى الحقيقية للمرشد لم يصح كونه من المعانى الحقيقية للدليل فكيف كان معنى حقيقيًا للدليل دون المرشد سمع الحكم بترادف الدليل والمرشد فالجواب أن الترادف باعتبار بعض معاني الدليل وهو اثنان منها لأن الدليل له معان ثلاثة يرادف المرشد باثنين منها وليس له معنى واحد شامل للأمور الثلاثة حتى ينافى الترادف.

قوله: (واعترض بأنه بعيد) المعترض هو التفتازانى وقوله لما فيه من إطلاق المرشد على معناه حقيقة ومجازًا أى فى قوله الدليل لغة المرشد لا فى قوله والمرشد الناصب والذاكر وما به الإرشاد لعدم الجمع فى ذلك.

قوله: (ما يطلق عليه لفظ المرشد) أى فلم يعتبر شخص كل من المعانى الحقيقية والمجازية بل اعتبر مجرد شئ يطلق عليه لفظ المرشد سواء كان الإطلاق حقيقيًا أو مجازيًا وذلك ليس من الجمع الممنوع.

قوله: (هو مدلول المرشد) أى أن المعتبر أمر على يشمل المعنيين وليس المعتبر شخص كل حتى يلزم الجمع.

ص: 142

قوله: (على أن المصنف. . . إلخ) جواب ثان.

قوله: (وما قيل) القائل التفتازانى وقوله: من أن الإرشاد. . . إلخ. اعتراض على قول المصنف: الدليل لغة المرشد وحاصل الاعتراض أن الإرشاد هو الهداية وهذا لا نزاع فيه والهداية اعتبر فيها الإيصال بخلاف الدلالة فإنها أعم فقد فسر الأعم بالأخص.

قوله: (وأيضًا قولنا الدليل لغة كذا معناه أن ذلك مفهومه بحسب وضع اللغة فلا يشمل المعنى المجازى) أى فمثله قوله المرشد كذا يكون معناه أن كذا مفهوم بحسب وضع اللغة فقوله: وأيضًا قولنا. . . إلخ. اعتراض على التوجيه الذى ذكره الشارح.

قوله: (فجوابه أن المصنف. . . إلخ) جواب عن الاعتراض الأول الوارد على المصنف.

قوله: (فالإرشاد والهداية عنده يرادفان الدلالة) تعرض للهداية لما علمت من أن كون الإرشاد هو الهداية مما لا نزاع فيه.

قوله: (وأن الشارح. . . إلخ) جواب عن قوله: وأيضًا قولنا. . . إلخ. الوارد على الشارح.

قوله: (تنبيهًا على أن الدليل. . . إلخ) قال بعضهم أقول يمكن أن يكون فائدة ذكر قيد الإمكان الاحتراز عن مذهبى التوليد والإعداد اللزومى فإنه عند أهل الحق لا وجوب عنه تعالى ولا عليه فبعد النظر فى الدليل لا يجب التوصل بالنظر إلى نفس الدليل بل يمكن.

قوله: (المعنى العام) وهو كون عدم الموصل ليس واجبًا فيصدق بوجوب التوصل ووجوده.

قوله: (المقدمات المرتبة وحدها) أى المقدمات المعروضة للهيئة والترتيب وحدها من غير أخذ الهيئة الترتيبية معها إذ النظر فى المجموع من حيث هو مجموع مستحيل يعنى إذا أخذت مع الترتيب بجعل إحداهما صغرى ولأخرى كبرى يستحيل الترتيب فيها بهذا الأخذ مرة أخرى وهذا لا ينافى إمكان الترتيب فيها من حيثية أخرى بأن يأخذ المجموع شيئًا واحدًا ويجعل صغرى، كقولنا: كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم مقدمتان مرتبات على هيئة الشكل الأول وكل مقدمتين مرتبتين على هيئة الشكل الأول ينتجان المطلوب فهما ينتجان المطلوب.

ص: 143

قوله: (وهو المشتمل على شرائطه مادة وصورة) تمهيد للاعتراض الآتى فى قوله: والحكم يكون الإفضاء فى الفاسد. . . إلخ. ورد على التفتازانى حيث فسر صحة النظر بأن يكون فى جهة الدلالة فقصره على صحة المادة.

قوله: (إذ ليس هو فى نفسه سببًا للتوصل ولا آلة) يشير إلى أن الباء فى قوله بالنظر باء السببية أو الآلة.

قوله: (فلو لم يقيد. . . إلخ) تفصيل لكلام التفتازانى حيث قال فلو أطلق النظر لفهم منه أن الدليل يجب أن يمكن التوصل به إلى مطلوب خبرى بأى نظر كان فمعناه لو أطلق النظر عن القيد فلم يقيد بالصحة وقيل ما يمكن التوصل بالنظر فيه إلى مطلوب خبرى لكانت اللام إما للاستغراق وإما للعهد الذهنى وأيما كان يفهم أنه يجب فى الدليل أن يمكن التوصل بأى نظر كان إلى المطلوب أما على الاستغراق فظاهر وأما على العهد الذهنى فللإبهام فيصدق على أى فرد من أفراد النظر فليس مراد المحشى الاعتراض على التفتازانى كما فهم بعضهم حيث قال: إن قوله: بأى نظر كان هو معنى العموم لا الإطلاق الذى هو بصدد بيانه فقول المحشى وإن اقتصر على الإطلاق لم يكن هناك تنبيه. . . إلخ. تعريض للعلامة النحرير.

قوله: (والحكم بكون الإفضاء. . . إلخ) رد على الشارح حيث أطلق أن الفاسد قد يفضى إلى المطلوب اتفاقًا وقوله: إنما يصح إذا لم يكن بين الكواذب ارتباط. . . إلخ. أى مع أنه قد يكون بينها الارتباط المذكور كقولنا: كل إنسان حجر وكل حجر فرس فلا يصح ذلك الحكم بالإفضاء الاتفاقى، وقوله: أو يخص بفاسد الصورة أو بوضع ما ليس بدليل مكانه أى ولا دليل على ذلك التخصيص مع أنه يبقى عليه الواسطة بين الصحيح والفاسد المذكور وهى فاسد المادة لكذبها مع صحة الصورة فلا يكون فى التعريف ما يخرجها إلا إذا فسر الصحيح بما يشمل تلك الواسطة وهو خلاف الظاهر ومثال وضع ما ليس بدليل مكانه قولنا فى الاستدلال على أن العالم حادث: الإنسان متعجب وكل متعجب ضاحك أو الإنسان متغير وكل متغير حادث والحاصل أن الفساد فى المادة إما بعدم مطابقتها للواقع وإما بعدم مناسبتها للمطلوب لكن قيل: إن فساد المادة مع صحة الصورة ليس من فساد النظر فى شئ غاية الأمر أنه لا يفيد اليقين الذى يفيده البرهان.

قوله: (لإخراج القول الشارح) أى مواده بقطع النظر عن الترتيب إذ لو أخذت

ص: 144

مع الترتيب لم يحتج لإخراجه بقيد الخبرى ولا يصح قوله: ولو قيد المطلوب بالتصورى كان حدًا للقول الشارح.

قوله: (أعنى الموصل) أى الذى شأنه الإيصال ليوافق قوله ما يمكن التوصل. . . إلخ.

قوله: (توليدًا) هو مذهب المعتزلة لأنهم أثبتوا لبعض الحوادث مؤثرًا غير اللَّه تعالى قالوا: الفعل الصادر عنه إما بالمباشرة وإما بالتوليد ومعنى التوليد عندهم أن يوجب فعل لفاعله فعلًا آخر كحركة اليد والمفتاح فإن حركة اليد أوجبت لفاعلها حركة المفتاح فكلاهما صادرتان عنه الأولى بالمباشرة والثانية بالتوليد والنظر فعل العبد واقع بمباشرته يتولد عنه فعل آخر هو العلم بالمنظور فيه.

قوله: (أو أعدادًا لزومًا) هو مذهب الحكماء وهو أن النظر يعد الذهن إعدادًا تامًا فتفاض النتيجة من المبدأ الفياض لزومًا لأنهم زعموا أن المبدأ الذى يستند إليه الحوادث موجب وعام الفيض ويتوقف حصول الفيض منه على الاستعداد الخارجى المستدعى لذلك الفيض.

قوله: (أو عادة) هو مذهب الأشاعرة وهو أن حصول العلم عقب النظر بطريق جرى العادة لا بالاستلزام لأن جميع الممكنات مستندة إلى اللَّه تعالى بلا واسطة وهو فاعل مختار لا يجب عنه شئ ولا يجب عليه ولا علاقة بين الحوادث المتعاقبة بوجه بل اللَّه تعالى أجرى عادته بأن يخلق بعض الحوادث عقب بعض كالإحراق عقب مماسة النار والعلم بعد النظر ممكن حادث ولا مؤثر سوى اللَّه تعالى فهو فعله الصادر عنه تعالى بلا وجوب عنه ولا عليه وهو دائمى أو أكثرى فيكون عاديًا وهناك مذهب رابع لم يشر إليه المحشى وهو مذهب الرازى: وهو أن حصول العلم عقب النظر واجب عقلًا لا إنفكاك عنه وهما فعلان للَّه تعالى وهذا لا يصح مع كون اللَّه تعالى فاعلًا مختارًا فى جميع الممكنات وليس قول المحشى لزومًا إشارة إلى مذهبه لأنه بعيد عن السياق إذ كأن يقولا أو لزومًا كما قال فى غيره وقوله أو عادة عطف على قوله أو إعدادًا لا على قوله لزومًا حتى يتوهم أن القائلين بالعادة يقولون بالإعداد مع أنه ليس كذلك.

قوله: (على المعقول والمسموع) لكن القول الآخر الذى هو النتيجة المراد منه المعقول فقط إذ المسموع ليس لازمًا أصلًا ولزوم المسموع بالنظر لمدلوله ولا ينافى ذلك أن اللزوم ذاتى.

ص: 145

قوله: (على أن الهيئة لها مدخل فى ذلك) أى بالجزئية فما لم تصر الأقوال واحدة بسبب عروض الهيئة الموحدة لها لم يحصل عنها شئ.

قوله: (إذ لا يكون عنه إحداهما) وإلا لزم أن الشئ يكون ناشئًا عن نفسه.

قوله: (التمثيل) هو الذى تسميه الفقهاء قياسًا وهو مشاركة أمر لأمر فى علة الحكم فيثبت الحكم للأول وإنما يفيد الظن لعدم القطع بالعلية حتى لو قطع بها رجع إلى القياس المنطقى المفيد لليقين.

قوله: (والاستقراء) أى الناقص أما التام فيرجع للقياس المنطقى.

قوله: (من قضايا مشهورة أو مسلمة) أى من حيث هى مشهرة أو مسلمة لا من حيثية أخرى كاليقينية إن وجدت.

قوله: (وعبر عنهما بالظنى) أى عبر الشارح عن الجدلى والخطابى بالظنى.

قوله: (من قضايا مشبهة بالمشهورات. . . إلخ) أى ولم يعتبر المشابهة بالمظنونات والمخيلات لأن القضايا المشابهة لهما إن أفادت ظنًا أو تخيلًا فهى هى وإلا لم تكن معتدًا بها.

قوله: (وعبر عنه) أى عن المغالطى وقوله إطلاقًا للأخص هو السفطى وقوله على الأعم هو المغالطى الشامل للشغب والسفسطة.

قوله: (إذ لا برهان. . . إلخ) توجيه لجعل الضمير عائدًا على القياس مع أن السياق للدليل وإن كان رجوعه إلى القياس أوفق بقول الشارح: يجمع القياس البرهانى والظنى.

قوله: (فإن قلت. . . إلخ) الإشكال المذكور وجوابه ذكرهما التفتازانى وسيأتى للمحشى رد الجواب.

قوله: (جمهور المنطقيين) هذا لا ينافى ما تقدم عن أن التعريف الأول للأكثر لأن ذلك فى تعريف الدليل الشامل للقياس وغيره وأما هذا ففى تعريف القياس.

قوله: (وفساده ظاهر. . . إلخ) حمل المحشى الاستلزام على الاستلزام فى التحقق كما يدل عليه قوله: فإن تحقق اللزوم. . . إلخ. وقوله: إذ لو تحقق الأول فى نفس الأمر تحقق الثاني وعلى ذلك يكون المراد بالتسليم تسليم صدق المقدمات وتحققها فى نفس الأمر مع أنه لا مانع من أن يراد بالاستلزام الاستلزام فى العلم بل هو الظاهر وعليه يكون التسليم معناه التصديق بالمقدمات ولا شك أن الاستلزام العلمى المذكور لابد منه فى الكل كما قال التفتازانى فى جواب السؤال الذى ذكره

ص: 146

فلابد من التسليم فى الكل ولا ينافيه قوله: وأما بدونه فلا استلزام إلا فى البرهان المقتضى كون الاستلزام فى المعلوم لا فى العلم لأن المراد أن البرهان لكون مقدماته قطعية يستلزم النتيجة بمجرد تلك القطعبة لأنه لا ينفك عنه التصديق سواء سلم أو لم يسلم مكابرة وعنادًا فالتسليم حاصل فى الحقيقة.

قوله: (وإنما صرح بتقدير التسليم) أى فى قوله متى سلمت يعنى لا عبرة بإبهام تقدير التسليم أن له مدخلًا فى الاستلزام للقرينة العقلية على أنه لا دخل له وذكره لدفع توهم عدم كون تعريف القياس غير جامع للصناعات كلها.

قوله: (فالحكم بعدم الاستلزام. . . إلخ) تفريع على ما سبق له وإشارة إلى أن قوله فإنه لا علاقة بين الظن وبين شئ لانتفائه مع بقاء سببه ممنوع فيما إذا كان الشئ الذى يستفاد منه الظن قياسًا صحيح الصورة فإن زوال الظن مع بقاء مقدمات القياس المفيدة له ممنوع بل الذى قاله إنما يظهر فى المفرد كالغيم الرطب يكون أمارة على الخضرة.

قوله: (أى فى استلزام البرهان. . . إلخ) جعل الضمير فى قوله: وفيه بحث راجعًا إلى استلزام البرهان ويرد عليه أن البحث فى ذلك الاستلزام الذى ذكره بقوله فإن أراد بالاستلزام. . . إلخ ليس مذكورًا فى الكلام ويجاب بأنه مذكور بذكر مبناه الذى ذكره بقوله: وهو أن فيضان النتيجة إلى قوله: ولا مؤثر إلا اللَّه سبحانه وتعالى.

قوله: (فإن أريد بالاستلزام. . . إلخ) حاصله أنه إن أريد بالاستلزام الاستلزام الذى بمعنى امتناع الانفكاك عقلًا فالتعريف فاسد لأنه لا استلزام فى الواقع ولا يجدى فى صحته موافقته لمذهب المعرف وإن حمل على الدوام والامتناع العادى فهو خلاف ما يفهم من ظاهر العبارة مع كونه مخالفًا لمذهب ذلك المعرف.

قوله: (صحيح مطلقًا) أى على مذهبهم وفى الواقع لموافقته لهما.

قوله: (وقد قيل مراده. . . إلخ) القائل السعد وهو قد جعل الضمير فى قوله وفيه بحث لعدم استلزام الأمارة الظن بناء على جعل الاستلزام بمعنى الاستعقاب العادى فهو يقول لأصحاب التعريف الثانى الاستلزام الذاتى باطل وإنما الحاصل الاستعقاب العادى وبناء عليه لا فرق بين الأمارة والبرهان ثم أجاب بناء على أن الاستلزام الاستعقاب بالفرق بين الإمارة والبرهان وقد ذكره المحشى بقوله ورد. . . إلخ.

قوله: (بأن وجود التخلف فيها) أى كثيرًا.

ص: 147

قوله: (ومن قال هو أن الأمارة. . . إلخ) أى البحث هو أن الأمارة. . . إلخ. فيكون البحث عبارة عن الدليل والضمير فى قوله: وفيه بحث راجع إلى قوله: لانتفائه مع بقاء سببه.

قوله: (دون التقادير الثلاثة) هى كذب المقدمتين وكذب الصغرى فقط وكذب الكبرى فقط.

قوله: (ومع جوازهما) أى التقادير الثلاثة وقوله فعدمها أى النتيجة.

قوله: (إما راجح أو مساو) قال بعضهم الظاهر أن العبرة بالضرورى عند المستدل وعليه فالتقادير الثلاثة مرجوحة موهومة عنده فلا وجه لقوله أو مساو.

قوله: (ولما كان البحث. . . إلخ) اعتذار عن جعل الدليل على عدم الاستلزام فى الأمارة الذى عبر عنه بالبحث مذكورًا فى علم الكلام.

قوله: (فقد أبعد عن المرام) أى لأن التعبير عن الدليل بالبحث خلاف الظاهر.

قوله: (فيتناول الأقسام الثلاثة) هى المفرد والمقدمات غير المرتبة والمقدمات المرتبة وحدها بقطع النظر عن ترتيبها وعلى هذا فالحصر فى قوله: الدليل عندنا على إثبات الصانع هو العالم إضافى أى لا القضيتان المرتبتان المعتبر ترتيبهما.

قوله: (وعلى التقديرين) أى تقديرى الخصوص والعموم.

قوله: (فالمعنيان) أى معنى الدليل عندنا ومعناه عند المناطقة.

قوله: (متباينان صدقًا) أى حملًا لأن المعنى الأصولى يصدق على الأقسام الثلاثة المذكورة بناء على العموم وعلى المفرد بناء على الخصوص والمعنى المنطقى لا يصدق على واحد من تلك الأقسام وإنما يصدق على القضايا المرتبة باعتبار أن الترتيب جزء منها.

قوله: (ومن زعم تساويهما فى الوجود. . . إلخ) أى إذا شرط النظر فى المعنى الأصولى كان المعنى المنطقي أعم فى الوجود لأن المعنى الأصولى على هذا التقدير لا يتحقق إلا فى صورة يكون فيها مقدمتان مرتبتان مع اعتبار الصحة ولا يصدق فى مقدمتين مرتبتين كاذبتين والمعنى المنطقى يصدق عليهما وإذا لم يشترط النظر فالنسبة بينهما العموم والخصوص الوجهى لصدقهما فى المعنى الأصولى الواقع مع النظر وصدق الأصولى بدون المعنى المنطقى فى المفرد الذى لا يقع معه النظر بالفعل وصدق المنطقى بدون الأصولى فى بعض الكواذب كذا فى الهروى.

ص: 148

قال: (ولا بد من مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه فمن ثم وجبت المقدمتان).

أقول: لا بد فى الدليل من مستلزم للمطلوب وإلا لم ينتقل الذهن منه إليه ولا من ثبوته للمحكوم عليه ليكون الحاصل خبريًا فلذلك وجبت فيه المقدمتان لتنبئ إحداهما عن اللزوم والأخرى عن ثبوت الملزوم فإن قلت هذا يختص فيما أرى ببعض الدلائل. وإلا فما تقريره فى نحو لا شئ من الملح بمقتات وكل ربوى مقتات وفي نحو لو كان الملح ربويًا لكان مقتاتًا وليس فليس قلنا مهما جعلنا المطلوب والوسط هما النفى والإثبات يزول هذا الوهم وتقريره فى المثالين أن نفى الاقتيات حاصل له ويستلزم نفى الربوية وفى الثانى كذلك وستراه يرجع الجميع إلى أمر واحد وهو الشكل الأول فتعين بذلك أن نظره إلى ما ذكرت.

قوله: (ولا بد من مستلزم) هذا على تفسير المتكلمين ظاهر وأما على تفسير الأصوليين وهو المقصود بالبيان فوجوب المقدمتين إنما يكون على تقدير النظر، وإليه أشار بقوله ليكون الحاصل خبريًا يعنى إذا كان المستلزم حاصلًا للأصغر يكون اللازم حاصلًا له ضرورة فيحصل مطلوب خبرى هو النتيجة فحصول المستلزم للأصغر ليس مضمون النتيجة على ما سبق إلى الوهم بل مضمون الصغرى.

قوله: (لتنبئ إحداهما عن اللزوم) هذه هى الكبرى فى الشكل الأول قدمها فى البيان لأن الملزوم من حيث هو ملزوم إنما يكون بعد اللزوم.

قوله: (مهما جعلنا المطلوب) لما كان الظاهر أن المطلوب هو النتيجة والمستلزم هو الحد الأوسط وحصوله للأصغر هو حمله عليه بالإيجاب توهم أكثر الشارحين أن ما ذكره إنما يصح فى الشكل الأول والهاربين الأول والثانى من الشكل الثانى لا فى الاستثنائى ولا فى باقى الضروب والأشكال مما صغراه سالبة والوسط موضوع وبعضهم فهم من المطلوب الأكبر فجعل هذا مختصًا بالضربين الأول والثانى من الشكل الأول إذ فيهما لزوم الأكبر للأوسط وثبوت الأوسط للأصغر على أنه لو جرى على ظاهره لم يصح إلا فى الكبرى الضرورية فذهب الشارح المحقق إلى أن هذا وهم، والتحقيق أن المراد بالمطلوب النفى والإثبات بين الأكبر والأصغر وبالمستلزم الإثبات أو النفى بين الأوسط والأصغر فلابدّ من مقدّمه

ص: 149

الإثبات أو النفى الذى هو نفس المستلزم ولأخرى لبيان الاستلزام، وحاصل ذلك أن الأصغر قد حصل نسبة الأوسط إليه وهى مستلزمة لنسبة الأكبر أيضًا إليه وهذا حقيقة الشكل الأول الذى هو مرجع الكل كأنه قيل الأصغر نسب إليه الأوسط، وكل ما نسب إليه الأوسط نسب إليه الأكبر ولا يخفى أن فى جعل المستخدم بهذا المعنى حاصلًا للمحكوم عليه نوع تكلف والأظهر أن المستلزم هو الأوسط ومعنى حصوله للأصغر نسبته إليه وتعلقه به بحمله على الأصغر أو يحيل الأصغر عليه إيجابًا أو سلبًا.

قوله: (لا بد فى الدليل) وجوب المقدمتين على الاصطلاح المنطقى ظاهر على تعريفهم، وأما على الاصطلاح الأصولى فإنما يجبان فيه من حيث يتعلق به النظر؛ والسبب فى ذلك أنه لا بد فى الدليل من حيث يتوصل به إلى المطلوب أعنى المحكوم به من مستلزم له وإلا لم ينتقل الذهم منه إليه، ولا بد أيضًا من ثبوت المستلزم الموصوف للمحكوم عليه ليلزم من ثبوته له ثبوت لازمه له فيكون الحاصل منه خبريًا ولوجوب المستلزم بالحصول وجبت فى الدليل المقدمتان لتنبئ إحداهما عن اللزوم وهى الكبرى، وقدمت لأنها العمدة فى الإنتاج المشتملة على النتيجة بالقوة ولأخرى عن ثبوت الملزوم للمحكوم عليه وهى الصغرى، فإن قلت: الاستلزام إنما يكون فى القطعيات دون الظنيات على ما سبق قلت: إن أريد التعميم كما هو الظاهر حمل الاستلزام هنا على المناسبة المصححة للانتقال لا على امتناع الانفكاك.

قوله: (هذا يختص) أى: ما ذكرتم من المستلزم للمطلوب الحاصل للمحكوم عليه إنما يوجد فى بعض الدلائل؛ لأن محصوله حمل الوسط الذى هو المستلزم على المحكوم عليه أعنى الأصغر إيجابًا كليًا أو جزئيًا، وحمل الأكبر الذى هو المطلوب على الوسط إيجابًا كليًا فاختص بالضرب الأول والثالث من الشكل الأول ولو أجرى الاستلزام على ظاهره لوحب أيضًا أن تكون كبراهما ضرورية وأما الضربان الباقيان منه فقد انتفى فيهما الاستلزام لمكان السلب وكذا فى الضرب الأول والثالث من الثانى وفى الضربين الآخرين منه انتفى الأمران لسلب الوسط عن الحكوم عليه واستلزام المطلوب للأوسط وفى ضروب الثالث انتفى الحصول

ص: 150

مطلقًا وفى المنتجة للسلب الاستلزام أيضًا وفى ضروب الرابع انتفى الأمران معًا.

قوله: (وإلا فما تقريره) أورد مثالين أحدهما من الاقترانيات الذى انتفى فيه الشرطان فإن المقتات الذى هو الوسط ليس حاصلًا للمحكوم عليه أعنى الملح بل مسلوب عنه ولا مستلزمًا للمطلوب الذى هو الربوى بل الأسر بالعكس، وثانيهما استثنائى انتفيا فيه أيضًا قيل: وأما الاستثنائى الذى يستثنى فيه عين القدم كقولنا إن كان هذا إنسانًا فهو حيوان لكنه إنسان فاشتماله على هيئة الشكل الأول المستجمع للشرطين ظاهر وهذا إنما يجرى فى بعض أقسامه الذى يسهل ردّه إليه كما سيأتى بيانه.

قوله: (مهما جعلنا) يريد أن وهم الاختصاص ببعض الدلائل إنما ينشأ إذا جعل المطلوب والأوسط هو المفرد المذكور بدون ملاحظة وجوده أو عدمه أما إذا لوحظ فيهما ذلك زال التوهم فيقال فى المثالين أن الوسط هو نفى الاقتيات وهو حاصل للملح ومستلزم للمطلوب الذى هو نفى الربوية فكأنه قيل الملح سلب عنه الاقتيات، وكل ما سلب عنه الاقتيات سلب عنه الربوية ينتج أن الملح سلب عنه الربوية ومثل هذا يسمى موجبة سالبة المحمول وسالبة الطرفين والأولى لازمة للسالبة والثانية صادقة فى عكس نقيض الموجبة على طريقة القدماء والمصنف يجوّز استعماله فى القياس وستطلع على تحقيقها فالمراد من النفى والإثبات هو الوجود والعدم مضافين إلى الفرد تركيبًا تقييديًا واقعًا محمولًا أو موضوعًا وما ظن من أنه أريد بهما الإيقاع والانتزاع أما فى المطلوب فلأنه لا دليل إلا على تصديق وأما فى الوسط فلأن الموصل إليه لا يكون إلا تصديقًا أيضًا فسهو؛ لأن قوله أن نفى الاقتيات حاصل له تصريح بأنه محمول على الملح حاصل له ثم الوسط لابد وأن يكون متكررًا والحكم الموجود فى الصغرى لم يتكرر فى الكبرى قطعًا ولم يرد بالمطلوب ههنا النتيجة كما هو المتعارف بل محمولها فإنه مطلوب الثبوت للمحكوم عليه ومقابل له ولا شك أن المستلزم للنتيجة هو المجموع وليس حاصلًا للمحكوم عليه وقوله لتنبئ إحداهما عن اللزوم أى لزوم المطلوب للمستلزم الذى هو الوسط ينبئ عن فساده أيضًا والوسط موصل أبعد ولا يكون إلا تصورًا، وإذا عرفت الحال فى المثالين فقس عليهما ما عداهما وسيجئ تفاصيله.

قوله: (وستراه) لما وجه كلامه بما هو خلاف الظاهر أيده بأن المصنف سيرجع

ص: 151

جميع الأدلة من الأشكال الثلاثة والاستثنائيات إلى الشكل الأول، بناء على أنه المنتج والمستلزم للمطلوب الخبرى فى نفس الأمر وهو السبب للعلم بالإنتاج فما عداه إن اشتمل على هيئته ينتج وإلا فلا.

(فتعين بذلك أن نظره إلى ما ذكرناه) من التأويل فى المطلوب والوسط ليمكن رد الجميع إليه. واعلم أن كلامه كما يقتضى انحصار الإنتاج فى الضربين من الشكل الأول يقتضى تأويل السوالب بالموجبات السالبة المحمول؛ فالقضية المعتبرة فى الإنتاج هى الموجبة وكون الكبرى ضرورية وإنما يتأتى بأن يؤخذ المحمول فى القضية الممكنة مثلًا إمكانه فترجع ضرورية وربما يستغنى عن هذا بما أسلفناه.

قوله: (من حيث يتوصل به إلى المطلوب) فائدة هذا القيد توضيح قول الشارح وإلا لم ينتقل الذهن منه إليه فإن الظاهر هو التوصل بالدليل إلى الحكم وانتقال الذهن منه إليه لا إلى المحكوم به لكن لما كان للمحكوم به زيادة اختصاص بالحكم الذى لا يحصل بدونه جعل مطلوبه من الدليل وانتقال الذهن منه إليه واجبًا.

الشارح: (ليكون الحاصل خبريًا) أى ليحصل المطلوب الخبرى لأنه إذا كان الوسط ثبت له الأكبر وقد ثبت ذلك الأوسط للأصغر فقد ثبت الأكبر للأصغر.

التفتازانى: (لأن الملزوم من حيث هو ملزوم. . . إلخ) الأوضح أن لو قال: لأن حصول الملزوم للمحكوم عليه من حيث هو ملزوم إنما يكون بعد اللزوم.

التفتازانى: (إنما يصح فى الشكل الأول) أى لأن حصول المستلزم للمطلوب ظاهر فيه لإيجاب صغراه فى جميع ضروبه.

التفتازانى: (والضربين الأول والثانى من الشكل الثانى) الضرب الأول منه ما كانت الصغرى فيه موجبة كلية والكبرى سالبة كلية وحصول الأوسط للأصغر فيه إيجابًا ظاهر وأما الضرب الثانى فهو ما كانت فيه الصغرى سالبة كلية والكبرى موجبة كلية كقولنا: كل غائب ليس: بمعلوم الصفة وكل ما يصح بيعه معلوم الصفة ولا شك أن الأوسط فيه ليس حاصلًا للأصغر فلعل قوله والثانى تحريف وصوابه والثالث وهو ما كانت الصغرى فيه موجبة جزئية والكبرى سالبة كلية كقولك بعض الغائب مجهول الصفة وكل ما يصح بيعه ليس بمجهول الصفة فالأوسط فيه

ص: 152

حاصل للأصغر إيجابًا.

التفتازانى: (بالضربين الأول والثانى من الشكل الأول) تحريف وصوابه بالضرب الأول والثالث من الشكل الأول لأن الضرب الأول فيه ما كانت الصغرى موجبة كلية والكبرى كذلك، والثانى ما كانت الصغرى فيه موجبة كلية والكبرى سالبة كلية فليس فى الضرب الثانى منه لزوم الأكبر للأوسط بل سلب اللزوم وأما الثالث فالصغرى فيه موجبة جزئية والكبرى موجبة كلية ولزوم الأكبر للأوسط فيه ظاهر لإيجاب الكبرى.

التفتازانى: (النفى والإثبات بين الأكبر والأصغر) أى فيكون هو النتيجة.

التفتازانى: (والأخرى لبيان الاستلزام) وهى الكبرى.

التفتازانى: (نوع تكلف) أى لأن إثبات الوسط أو نفيه للأصغر ليس حاصلًا للمحكوم عليه الذى هو الأصغر بل الحاصل الوسط إيجابًا أو سلبًا فالحصول باعتبار الوسط.

قوله: (من حيث يتعلق به النظر) لأنه مجموع الحركتين حركة من المطالب إلى المبادئ وحركة من المبادئ إلى المطالب وذلك يقتضى المقدمتين.

قوله: (لتنبئ أحدهما عن اللزوم) إنباؤها عن اللزوم باعتبار كونها كلية دالة على ثبوت الأكبر لجميع أفراد الأوسط.

قوله: (على النتيجة بالقوة) لأنه حكم بالأكبر الذى هو محمول النتيجة على جميع أفراد الأوسط ومن جملة أفراد الأوسط الأصغر فقد وجدت النتيجة بالقوة لا بالفعل.

قوله: (وأما الضربان الباقيان منه) هما الثانى والرابع.

قوله: (لمكان السلب) لأن الضرب الثانى هو المركب من موجبة كلية وسالبة كلية والضرب الرابع هو المركب من جزئية موجبة وسالبة كلية.

قوله: (وكذا فى الضرب الأول والثالث من الشكل الثانى) أى لأن الأول مركب من موجبة وسالبة كلية والثالث من موجبة جزئية وسالبة كلية ولا استلزام فيهما لمكان السلب.

قوله: (وفى الضربين الأخيرين) هما الثانى والرابع وقوله لسلب الوسط عن المحكوم عليه أى لأن الثانى الصغرى فيه سالبة كلية والرابع صغراه سالبة جزئية.

ص: 153

قوله: (واستلزام المطلوب للوسط عطف على قوله لسلب الوسط) أى فالوسط ليس مستلزمًا للمطلوب كما قال المصنف بل الأمر بالعكس.

قوله: (انتفى الحصول مطلقًا) أى لأن الوسط موضوع فى الصغرى والكبرى فليس حاصلًا للمحكوم عليه بل المحكوم عليه فى الواقع وقع محكومًا به على الوسط.

قوله: (مطلقًا) أى سواء أنتج الإيجاب أو السلب.

قوله: (وفى المنتجة للسلب لا استلزام أيضًا) أى انتفى فيها الاستلزام كما انتفى فيها الحصول وضروبه على ما سيأتى ستة؛ الأول: أن تكون المقدمتان كلتاهما موجبة كلية، الثانى: أن تكون الأولى موجبة جزئية والثانية موجبة كلية، الثالث: كلية موجبة صغرى وجزئية موجبة كبرى، الرابع: كلية موجبة وكلية سالبة، الخامس: جزئية موجبة وكلية سالبة، السادس: كلية موجبة وجزئية سالبة.

قوله: (انتفى الأمران معًا) أى الحصول والاستلزام أما الحصول فلأن الوسط موضوع فى الصغرى وأما الاستلزام فلأن الوسط وقع لازمًا للأكبر فى الإيجاب ومسلوبًا عنه فى السلب وضروبه خمسة على ما سيأتى.

قوله: (انتفيا فيه أيضًا) لأن الاقتيات فى المثال وقع مسلوبًا عن الملح والاستلزام وقع للأصغر لا للأوسط لأن ذلك مقتضى الشرطية.

قوله: (الذى اتحد فيه موضوع المقدم وموضوع التالى)(*) أى كالمثال الذى ذكره.

قوله: (فيقال فى المثالين) لم يتعرض لتمثيل الإثبات لعدم الاحتياج إليه وذكره استطرادى تنبيهًا على جواز اعتباره وإن لم يكن لازمًا بأن يقال العالم ثبت له التغير وكل ما ثبت له التغير حادث.

قوله: (والأولى لازمة للسالبة) قالوا فى بيان اللزوم أنه إذا صدق سلب ب عن ج صدق على ج أنه منتفٍ عنه ب وإلا لصدق نقيضه أعنى ليس منتفيًا عنه ب فلا تصدق السالبة وهذا خلف.

قوله: (والمصنف يجوز. . . إلخ) جواب عما يقال: إن بيان إنتاج القياس بعكس النقيض مخالف للمشهور فإنهم جوزوا العكس المستوى دون عكس النقيض فإن

(*) لم أجد لها موضعًا.

ص: 154

المستوى لا يغير حدود القياس بخلاف عكس النقيض وحاصل الجواب: أن المصنف يجوز استعماله فى القياس على ما يأتى أنه استعمل فى بيان إنتاج الرابع فى الشكل الثانى عكس النقيض حيث يبين لعكس الكبرى وهو الموجبة الكلية بنقيض مفرديها وما ذكره الشارح بيان لكلامه على مذهبه.

قوله: (هو الوجود والعدم) المراد من الوجود ثبوت المحمول والمراد من العدم سلبه حتى تكون القضية سالبة المحمول أو سالبة الطرفين فلا يقال: إن القضية معدولة لا سالبة وقوله واقعًا محمولًا أو موضوعًا أى الوجود أو العدم المضاف هو الواقع محمولًا لا مجموع المضاف والمضاف إليه حتى تكون معدولة جعل السلب جزءًا من محمولها.

قوله أيضًا: (هو الوجود والعدم) أى فالمراد من النفى والإثبات هو المطلوب أو الوسط ثبوتًا أو انتفاء لا المفهوم من ظاهره.

قوله: (ثم الوسط. . . إلخ) تزيف آخر.

قوله: (فإنه مطلوب الثبوت للمحكوم عليه) أى فصح التعبير عنه بالمطلوب وقوله: ومقابل له أى فهناك دليل على إرادته وهو أنه ذكر فى مقابلة المحكوم عليه فى قوله من مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه ومقابل المحكوم عليه هو المحمول.

قوله: (ولا شك أن المستلزم. . . إلخ) إبطال لإرادة النتيجة بالمطلوب وقوله: والوسط موصل أبعد إشارة إلى تزييف آخر لقوله: أما فى الوسط فلأن الموصل لا يكون إلا تصديقًا ووجه الرد أن الموصل القريب هو القياس والبعيد هو كل واحد من المقدمتين وأما الوسط فهو طريق أبعد فإنه محمول الصغرى وموضوع الكبرى فلا يكون إلا مفردًا ولو بالقوة فلا يكون إلا تصورًا.

قوله: (وكون الكبرى) عطف على قوله تأويل السوالب.

قوله: (بما أسلفناه) وهو أن المراد بالاستلزام المناسبة المصححة للانتقال ولو لم يكن هناك امتناع انفكاك.

ص: 155

قال: (والنظر الفكر الذى يطلب به علم أو ظن).

أقول: الفكر هو انتقال النفس فى المعانى انتقالًا بالقصد وذلك قد يكون لطلب علم أو ظن فيسمى نظرًا وقد لا يكون كذلك كأكثر حديث النفس فلا يسمى نظرًا وبهذا صرح الإمام فى الشامل وقول الآمدى مراده أن النظر هو الفكر ثم تفسيره بأنه الذى يطلب به علم أو ظن بعيد.

قوله: (انتقالًا بالقصد) احتراز عن الحدس وعما يتوارد على النفس من المعانى بلا قصد.

قوله: (وقول الآمدى) لما كان المراد بالفكر والنظر فى عبارة المنطقيين واحدًا زعم الآمدى أن مراد القاضى أبى بكر فى هذا التعريف أن يفسر النظر بالفكر تنبيهًا على اتحادهما معنى ثم يعرّفه بما يطلب به علم أو ظن ولا شك أنه بعيد لم يعهد مثله فى التعريفات ولا يفهم من اللفظ، مع أن التفسير بالذى يطلب به علم أو ظن ينتقض بالقوة العاقلة وكثير من آلات الإدراك وبالدليل نفسه وعلى هذا التعريف أسئلة أقواها أن الظن غير المطابق جهل لا يطلبه عاقل وما يعلم مطابقته علم فلا حاجة إلى ذكر الظن، والجواب أن المطابق قد يطلب لا من حيث الجزم بل من حيث الرجحان.

قوله: (الفكر. . . إلخ) حركة النفس فى المحسوسات تسمى تخيلًا وفى المعقولات تسمى فكرًا، هذا هو المشهور ولما بدل الحركة بالانتقال الذى هو أعم منها زيد القصد احترازًا عن الحدس وأيضًا الحركة فيما يتوارد من المعقولات بلا اختيار كما فى المنام لا تسمى فكرًا، ولعل المراد بالمعانى ههنا هو المعقولات المقابلة للمحسوسات الشاملة للموهومات لأن الفكر الذى بهذا المعنى هو الذى عد من خواص الإنسان، وذلك الانتقال الفكرى قد يكون لطلب علم أو ظن فيسمى نظرًا، وقد لا يكون كذلك فلا يسمى به: فالفكر جنس له وما بعده فصل، وإنما قال: أو ظن ليتناول النظر فى الأمارات وبما ذكرناه من أن الفكر هو الانتقال المذكور وأن أحد قسميه هو النظر صرح إمام الحرمين فى الشامل، قال الآمدى فى الإبكار: مراد القاضى أن النظر هو الفكر أى: هما مترادفان وما بعدهما تعريف

ص: 156

لهما. قال الشارح: هو بعيد عن الصواب إذ لا يناسب المقام ولم يعهد مثله فى التعريفات ويوجب الالتباس وبالجملة؛ المتبادر من العبارة خلافه فيبعد إرادته قيل: ينتقض الحد أيضًا بالقوة العاقلة وكثير من آلات الإدراك وبالدليل نفسه فإن قلت: ماذا أريد بالنظر المعرف بما ذكر أمجموع الحركتين كما هو رأى القدماء أم الحركة الثانية وحدها كما هو مذهب المتأخرين؟ وهل يتناول النظر فى التصورات أو لا؟ قلت: الظاهر حمله على المعنى الأول إذ به يحصل المطلوب لا بالحركة الثانية وحدها والتصور مندرج فى العلم على ما فسر به فيتناول الحد الأنظار التصورية والتصديقية من اليقينيات والظنون وما يجرى مجراهما.

تنبيه: الانتقال الفكرى حركة فى الكيفيات النفسانية التى هى الصور المعقولة على قياس الحركة فى الكيفيات المحسوسة فتنتقل النفس به من ملاحظة صورة إلى أخرى.

قوله: (زيد القصد احترازًا عن الحدس) بيان ذلك أن الانتقال الواقع فى المعانى الحدسية أى فى المواد المرتبة الحاصلة بلا حركة ليس بالقصد إذ ليس هناك إلا ملاحظة المبادئ وملاحظة المطلوب بسرعة من غير قصد واختيار فى الانتقال كالانتقال الواقع فى المنام بخلاف المعانى الفكرية، فإن فيها انتقالات مقرونة بالقصد إليها وللنفس اختيار فى تلك الانتقالات فإن قلت قد تتحقق الحركة الأولى أى الحركة من المطلوب إلى المعقولات مع قصد الانتقال إلى المطلوب وبعد ذلك يحصل الانتقال الحدسى فلا يخرج من تعريف الفكر بسبب القيد بالقصد مطلق الحدس قلت: معنى الكلام أن الفكر هو انتقال النفس فى المعانى الواقعة ملاحظتها مع القصد إلى ذلك الانتقال أى لا يكون الانتقال الواقع فيها بلا اختيار بل وقع من النفس ملاحظة معنى مع قصد الانتقال منه وانتقلت بالاختيار وفى الحدث ليس الانتقال من ملاحظة المبادئ المرتبة بالقصد والاختيار بخلاف المعانى الفكرية فإنه يقع فيها الملاحظات المقصود منها الانتقال وذلك الانتقال يكون بالقصد والاختيار؛ لأن النفس بعد ملاحظة تلك المعانى تجعلها مرتبة فيحصل الانتقال.

قوله: (حركة فى الكيفيات النفسانية) الظاهر أن الحركة لا تتصور فى الكيفيات العلمية لأن النفس تتكيف بكيفية علمية فى آنٍ وتتكيف بكيفية علمية أخرى فى آن

ص: 157

آخر على وجه لا يتوسط بينهما كيفية علمية أخرى وليس هناك حركة وإلا لزم تتالى الآنات فإطلاق الحركة على الفكر يكون على سبيل التجوز، وكذا إطلاق السرعة فى قولهم: الحدس هو سرعة الانتقال من المبادئ.

التفتازانى: (أن مراد القاضى أبى بكر فى هذا التعريف. . . إلخ) قال القاضى أبو بكر: الذى يطلب به علم أو غلبة ظن فأورد عليه أسئلة أربعة: الأول: أن الظن غير المطابق جهل فيلزم مما ذكره فى التعريف أن يكون الجهل مطلوبًا ولا يطلبه عاقل فإن المطلوب ما تعلم مطابقته فيكون علمًا لا ظنًا فقوله: أو غلبة ظن مستدرك وأجيب بأن الظن مطلوب من غير ملاحظة المطابقة وعدمها فإن المقصود الأصلى قد يترتب على الظن من حيث هو ظن كما فى الاجتهاديات العملية ولا يلزم من طلب الأعم طلب الأخص، الثانى: غلبة الظن غير أصل الظن فيخرج عنه ما يطلب به أصل الظن وأجيب بأن الظن هو المعبر عنه بغلبة الظن لأن الرجحان مأخوذ فى حقيقته وإنما عدل عن الظن إلى غلبته تنبيهًا على اعتبار الرجحان فيه، الثالث: الحد إنما يكون للماهية من حيث هى هى وهذا المذكور فى تعريف النظر تعديد لأقسامه فإن ما يطلب به العلم قسم وما يطلب به الظن قسم وأجيب بأن الانقسام إليهما خاصة للنظر مميزة له عما عداه، الرابع: لفظ الفكر فى هذا التعريف زائد لا حاجة إليه إذ باقى الحد مغن عنه إذ يكفى أن يقال: النظر هو الذى يطلب به علم أو ظن والجواب أن الفكر جنس فى التعريف وهو حركة النفس فى المعقولات فإن كان لطلب علم أو ظن كان نظرًا وإلا لم يكن نظرًا فليس الفكر مرادفًا للنظر فقوله فى هذا التعريف مع أن القاضى عبر بغلبة الظن دون الظن لا شئ فيه لما علمت من أن المراد بالغلبة نفس الظن.

التفتازانى: (بعيد لم يعهد مثله فى التعريفات) أى لأن بيان الترادف واتحاد المدلول ينبو عنه مقام التحديد الذى يقتضى ذكر الأجزاء الموصلة إلى المعرف.

التفتازانى: (وعلى هذا التعريف أسئلة) علمت أنها أربعة على تعريف القاضى وهى على تعريف المصنف ثلاتة لأنه لم يأخذ الغلبة فى التعريف كما أخذها القاضى.

قوله: (وفى المعقولات تسمى فكرًا) يرد أن يقال: إن الفكر هو المعبر عنه

ص: 158

بالحركة بالقصد لا مطلق الحركة كما سيذكره ويجاب بأنه ليس الغرض من ذلك تعريف الفكر بالتعريف الجامع المانع بل مجرد الفرق بين الحركة فى المحسوسات والحركة فى المعقولات وإن كانت لا تسمى فكرًا ولا تكون تعريفًا له إلا إذا اعتبر فيها القصد ويجاب أيضًا بأنه أسند ذلك إلى المشهور فلا ينافى أن له اختيارًا آخر.

قوله: (زيد القصد) احترازًا عن الحدس لأن الحدس هو الانتقال الدفعى الحاصل من غير قصد كما إذا اطلعت النفس على المبادئ المرتبة فانتقلت منها إلى ما هى له من غير سبق قصد لها فى ذلك الانتقال وبزيادة القصد يحصل الاحتراز عن الحركة غير الاختيارية أيضًا والحاصل أن الحدس لا حركة فيه فلو عبر بالحركة يخرج الحدس ولكن يبقى شاملًا للحركة غير الاختيارية وبزيادة القصد تخرج تلك الحركة فزيادة القصد لا بد منها لإخراج تلك الحركة وأما الحدس فلا يحتاج فى إخراجه لزيادة القصد إلا إذا عبر بالانتقال لا بالحركة.

قوله: (الشاملة للموهومات) صفة للمحسوسات.

قوله: (قال الآمدى. . . إلخ) نشأ له ذلك من استعمال المنطقيين النظر والفكر فى معنى واحد.

قوله: (إذ لا يناسب المقام) أى مقام التعريف الذى يناسبه ذكر أجزائه كما مر.

قوله: (ويوجب الالتباس) أى بأن الفكر من أجزاء التعريف.

قوله: (ينتقض الحد. . . إلخ) نقل عنه أن الباء للسببية أو الآلة يعنى القريبة وما ذكر ليس سببًا قريبًا أو آلة كذلك لا يقال الدليل والتعريف قريبان إلى النتيجة والمعرف فهذا الجواب لا يحسم مادة الإشكال لأن نقول لا نسلم ذلك لأن الترتيب الواقع فيهما هو الأقرب وإن كان الترتيب جزءًا منهما وقيل: إن الذى يحسم مادة الإشكال أن يقال المتبادر من التعريف ما يكون له نوع استقلال واختصاص بالطلب وليس ذلك إلا فى مجموع الحركتين.

قوله أيضًا: (مجموع الحركتين) لأنه لا شك أن كل مجهول لا يمكن اكتسابه من أى معلوم اتفق بل لابد من أمور معلومة مناسبة له ولا شك أيضًا أنه لا يمكن تحصيله من تلك المعلومات على أى وجه كان بل لا بد له من ترتيب معين فيما بينها ومن هيئة مخصوصة عارضة لها بسبب ذلك الترتيب فإذا حصل لنا شعور بأمر تصوري أو تصديقى وحاولنا تحصيله على وجه أكمل فلا بد أن يتحرك الذهن فى

ص: 159

المعلومات المخزونة عنده منتقلًا من معلوم إلى معلوم حتى يجد المعلومات المناسبة لذلك المطلوب وهى المسماة بمبادئه ثم لا بد أيضًا أن يتحرك فى تلك المبادئ ليرتبها ترتيبًا خاصًا يؤدى إلى ذلك المطلوب فهناك حركتان مبدأ الأولى منهما المطلوب المشعور به بالوجه الناقص ومنتهاها آخر ما يحصل من تلك المبادئ ومبدأ الثانية أول ما يوضع منها للترتيب ومنتهاها المطلوب على الوجه الأكمل وحينئذ فحقيقة النظر هو التوسط بين المعلوم والمجهول وذلك مجموع الحركتين اللتين هما من قبيل الحركة فى الكيفيات النفسانية وأما الترتيب الذى ذكروه فى تعريف النظر فهو لازم للحركة الثانية. اهـ من حاشية السيد على المواقف.

قوله: (كما هو مذهب المتأخرين) كتب ههنا أن المتأخرين إنما أطلقوا الفكر على الحركة الثانية تسامحًا والمراد مجموع الحركتين فعبر عن الكل لأشهر أجزائه لأنها أشهر وكذا من جعل الفكر عبارة عن الترتيب قد تسامح لأن الترتيب لازم للحركة الثانية.

قوله: (لا بالحركة الثانية وحدها) أى وإن كان يدور عليها حصول المطلوب وجودًا وعدمًا فليس مخالفًا لما صرح به فى حاشية المطالع من قوله: إن حصول المجهول يدور على الحركة الثانية وجودًا وعدمًا.

قوله: (على قياس الحركة) فى المحسوسات فكما يمكن أن يفرض فى الحركة فى الكيفيات المحسوسة بين المبتدأ والمنتهى كيفيات متعددة غير متناهية كذلك يمكن فى الحركة الفكرية بين المبتدأ والمنتهى صور غير متناهية أما فى الحركة الأولى فظاهر وأما فى الحركة الثانية فلعدم اشتراط وجود ما بين المبدأ والمنتهى بالفعل بل يكفى وجوده بالقوة فلا يرد أنه ليس للنفس فى زمان الفكر إلا العلم بمفهومات متناهية كالجنس والفصل والصغرى والكبرى كذا فى بعض الحواشى وبه رد قول الهروى الظاهر أن الحركة لا تتصور فى الكيفيات النفسية لعدم التوسط بين الكيفيتين للنفس وإلا لزم تتالى الآنات وأصحاب الحركة فى الكيف لا يقولون بالتتالى المذكور لئلا يلزم الجزء الذى لا يتجزأ وهم ينكرونه.

ص: 160

قال: (والعلم قيل لا يحد فقال الإمام: لعسره، وقيل: لأنه ضرورى من وجهين أحدهما أن غير العلم لا يعلم إلا بالعلم فلو علم العلم بغيره كان دورًا، وأجيب بأن توقف تصور غير العلم على حصول العلم بغيره لا على تصوره فلا دور، وثانيهما أن كل أحد يعلم وجوده ضرورة وأجيب بأنه لا يلزم من حصول أمر تصوّره أو تقدّم تصوّره).

أقول: قد اختلفوا فى تحديد العلم فقيل لا يحد وقيل يحد؛ أما القائلون بأنه لا يحد فافترقوا فرقتين فقال الإمام والغزالى: ذلك لعسر تحديده. وإنما يعرف بالقسمة أو المثال واستبعد لأنهما إن أفادا تميزًا فيعرّف بهما وإلا فلا يعرف بهما وليس ببعيد إذ الشئ قد يعلم بتقسيم يخرجه فيجعل له اسم ويتميز عن غيره فى مثال جزئى ولا يعرف له لازم بين الثبوت لأفراده بين الانتفاء عن جميع ما عداها. ولا يصلح للتعريف لازم إلا إذا كان كذلك والعلم من هذا القبيل فإنا نعرفه باعتبار الجزم والمطابقة والموجب ونعلم أن اعتقادنا بأن الواحد نصف الاثنين كذلك ولكن لا نعلم المطابق وغيره بضابط ضرورة وإلا لم يحصل الجهل لأحد وقيل لأنه ضرورى لوجهين:

الأول: أن غير العلم لا يعلم إلا بالعلم فلو علم العلم بغيره لزم الدور لكنه معلوم فيكون لا بالغير وهو الضرورى.

والجواب: بعد تسليم كونه معلومًا أن توقف تصور غير العلم إنما هو على حصول العلم بغيره أعنى علمًا جزئيًا متعلقًا بذلك الغير لا على تصور حقيقة العلم والذى يراد حصوله بالغير إنما هو تصوّر حقيقة العلم لا حصول جزئى منه فلا دور للاختلاف.

والثانى: أن علم كل أحد بأنه موجود ضرورى أى معلوم بالضرورة وهذا علم خاص وهو مسبوق بالعلم المطلق والسابق على الضرورى ضرورى فالعلم المطلق ضرورى.

والجواب: أن الضرورى حصول العلم له وهو غير تصوّر العلم الذى هو المتنازع فيه وذلك أنه لا يلزم من حصول أمر تصوّره حتى يتبع تصوّره حصوله ولا تقدم تصوّره حتى يكون تصوّره شرطًا لحصوله وإذا كان كذلك جاز الانفكاك مطلقًا، فيتغايران فلا يلزم من كون أحدهما ضروريًا كون الآخر كذلك وسيجئ فى الخبر ما إذا عطفته إلى هذا الموضوع ينفعك.

ص: 161

قوله: (واستبعد) قال حجة الإسلام وربما يعسر تحديد العلم على الوجه الحقيقى بعبارة محررة جامعة للجنس والفصل؛ لأن ذلك متعسر فى أكثر الأشياء بل فى أكثر المدركات الحسية كرائحة المسك فكيف فى الإدراكات؟ لكنا نقدر على شرح معنى العلم بتقسيم ومثال أما التقسيم فهو أن نميزه عما يلبس من الإدراكات فيتميز عن الظن والشك بالجزم وعن الجهل بالمطابقة وعن اعتقاد المقلد بأن الاعتقاد يبقى مع تغير المعتقد ويصير جهلًا بخلاف العلم وبعد هذا التقسيم والتمييز يكاد يرتسم العلم فى النفس بحقيقته ومعناه، وأما المثال فهو أن إدراك البصيرة شبيه بإدراك الباصرة فكما أنه لا معنى للإبصار إلا انطباع صورة المبصر أى مثاله المطابق فى القوة الباصرة كانطباع الصورة فى المرآة كذلك العلم عبارة عن انطباع صور المعقولات فى العقل فالنفس بمنزلة حديد المرآة وغريزتها التى بها تتهيأ لقبول الصور أعنى العقل بمنزلة صفاء المرآة واستنارتها وحصول الصورة فى مرآة العقل هو العلم فالتقسيم المذكور يقطع العلم عن مظان الاشتباه، وهذا المثال يفهمك حقيقة العلم، هذا ملخص كلامه فى المستصفى وبه يتبين أن مراده عسر تحديده بالحد الحقيقى لا بما يفيد امتيازه وأن ليس مراده بالمثال جزئيًا من جزئياته كما فى اعتقادنا أن الواحد نصف الاثنين على ما فهمه الشارح.

قوله: (يخرجه) أى يخرج التقسيم ذلك الشئ كما يقال الاعتقاد إما أن يكون مطابقًا أو لا والمطابق إما أن يكون جازمًا أو لا والجازم إما أن يكون ثابتًا أو لا، فهذا التقسيم قد أخرج لنا اعتقادًا جازمًا مطابقًا ثابتًا فسميناه العلم.

قوله: (ولا يصلح للتعريف) فيه بحث لأن المعتبر فى الرسم هو كون اللازم مختصًا بالماهية شاملًا لأفرادها منتفيًا عما عداها، وأما كون اللازم كذلك بينا فلا إذ لا يشترط العلم بالاختصاص فضلًا عن كونه بينًا، وما يقال إن التعريف لا يكون إلا باللازم البين فمعناه أن يكون بحيث يحصل منه الانتقال إلى الملزوم البتة.

قوله: (وإلا لم يحصل الجهل لأحد) يعنى لو كنا نعلم بضابط كلى يفيد أن أى اعتقاد مطابق وأيه غير مطابق لم يكن شئ من اعتقاداتنا جهلًا، لعلمنا حينئذ بأنه هل هو مطابق أم لا باعتبار ذلك الضابط.

قوله: (الأول) حاصله أن تصور العلم لو كان كسبيًا لتوقف تصور حقيقة العلم

ص: 162

على تصور الغير لكن تصور الغير موقوف على العلم فيدور والجواب منع لزوم الدور، وإنما يلزم لو توقف تصور الغير على تصور حقيقة العلم وليس كذلك بل على حصول فرد من أفراد العلم متعلق بذلك الغير، وعلى العبارة مؤاخذة وإن كان كلامًا على السند وهو أن تصور الغير ليس نفس حصول العلم به فكيف يتوقف عليه، وغاية ما تكلف الشارح العلامة أن تصور الشئ أخص من العلم به ضرورة تقيده بعدم الحكم فيتوقف عليه ولا يخفى ضعفه.

قوله: (أى معلوم بالضرورة) هذا التفسير للضرورى إنما يكون حيث يقع صفة لمتعلق العلم، وأما إذا وقع صفة للعلم فلا يفهم منه سوى أنه حاصل بغير نظر واكتساب سلمنا لكنه لا يطابق المتن وهو أن كل أحد يعلم وجوده ضرورة إلا إذا حمل على أنه يعلم العلم بوجوده ولا يخفى بعده سلمنا، لكن هذا التفسير يدفع الجواب على الوجه المذكور بيان ذلك أنهم استدلوا بأن علم كل أحد بوجوده ضرورى أى حاصل بلا نظر وهو علم خاص فيكون المطلق ضروريًا وأجيب بأن الضرورى هو علمه بوجوده لا تصور علمه وحصول العلم بالشئ ضرورة لا يوجب تصور العلم فضلًا عن بداهته فدفع بأن كونه عالمًا بوجوده ضرورى أى معلوم بالضرورة بمعنى أن تصديقه بأنه عالم بوجوده ضرورى والعلم أحد تصورات هذا التصديق فيكون تصوره ضروريًا، وأجيب بأن التصديق الضرورى هو الذى لا يتوقف بعد تصورات الأجزاء على نظر وكسب فهو لا يستلزم بداهة الأجزاء فدفع بأن هذا التصديق ضرورى بجميع أجزائه بمعنى أنه لا يتوقف على كسب ونظر أصلًا لا فى نفس الحكم ولا فى أطرافه ضرورة حصوله لمن لا يتأتى منه النظر والاستدلال، فعلى هذا لا يتوجه فى الجواب أن تصور العلم ليس بضرورى بل إن التصديق إنما يتوقف على تصورات الأطراف بوجه والكلام فى تصور حقيقة العلم.

قوله: (الضرورى حصول العلم له) فإن قيل الضرورى والمكتسب من صفات العلم خاصة فما معنى كون العلم ضروريًا قلنا المراد أن تصور وجوده أو تصديقه بأنه موجود ضرورى.

قوله: (وهو غير تصور العلم) فإن قيل العلم من صفات النفس فحصوله فى النفس تصوره قلنا تصور الشئ وجوده فى النفس وجودًا غير متأصل، بمعنى أن

ص: 163

يرتسم فى النفس مثال مطابق له وحصول العلم بالشئ فى النفس وجوده فيها وجودًا متأصلًا كالكرم والبخل والإيمان والكفر وهذا يوجب الاتصاف لا التصور والأول بالعكس فالكافر يتصور الإيمان ولا يتصف به ويتصف بالكفر ولا يتصوره.

قوله: (وذلك أنه لا يلزم) آثر فى تقرير هذا الجواب بعض التطويل ليبين فائدة قوله أو تقدم تصوره بصيغة المصدر عطفًا على تصوره فأثبت التغاير بين حصول العلم وتصوره بمعنى جواز الانفكاك مطلقًا أى من الجانبين؛ لأن هذا غاية التغاير إذ قد يفسر بأن المفهوم من هذا ليس هو المفهوم من الآخر وقد يفسر بجواز الانفكاك فقيل يكفى من جانب وقيل بل من الجانبين ومبناه على أن تصور الشئ بدون حصوله نفسه ظاهر فالحاصل أن تصور العلم بعدما أنه ليس نفس حصول العلم ليس لازمًا له لاحقًا ولا شرطًا له سابقًا فلا يلزم من بداهته بداهته، والعجب أنه جعل تقدم التصور على حصوله فى بحث الخبر دليل الانفكاك والتغاير حيث قال: لا يلزم من حصول أمر تصوره إذ قد يحصل ولا يتصور وقد يتقدم تصور حصوله فيتصور وهو غير حاصل؛ وذلك لأنه قال فى المتن يجوز أن يحصل ضرورة ولا يتصوره أو يتقدم تصوره بصيغة المضارع وفى بعض النسخ أو تقدم تصوره بصيغة الماضى وههنا أيضًا كذلك فى كثير من النسخ عطفًا على: لا يلزم أى يقدم تصوّره على حصوله فينفك عنه فيغايره، والحاصل أن تقدم التصور قد يوجد مع الانقضاء فيكون دليل الانفكاك وقد يوجد مع البقاء فيكون دليل عدم الانفكاك قيل: وإنما عدل ههنا عن صيغة الماضى لأنه لو تقدم تصور العلم على حصوله يلزم بداهة تصور العلم لأن حصول العلم لكل أحد بوجوده ضرورى بمعنى أنه لا يتوقف على كسب أصلًا؛ إذ لا يخلو عنه البله والصبيان والسابق على البديهى أولى أن يكون بديهيًا والجواب أن المراد جواز التقدم فى الجملة لا لزومه على أن مثله فى الخبر آت أيضًا.

قوله: (وسيجئ فى الخبر) يجوز أن يكون إشارة إلى احتمال أن يكون تقدم تصوره بلفظ الماضى وأن يكون إشارة إلى ما ورد من أن البداهة تنافى الاستدلال وأجاب بأن العلم البديهى بالشئ مغاير للعلم بأن ذلك العلم بديهى ولا يلزم من بداهة الأول بداهة الثانى. واعلم أن لهذا الدليل تقريرًا آخر وهو أنه لو كان مطلق

ص: 164

العلم كسبيًا لكان كل علم كسبيًا ضرورة أن كسبية الجزء تستلزم كسبية الكل، واللازم باطل ضرورة كثرة التصورات والتصديقات البديهية وتقرير الجواب أن كسبية مطلق العلم لا تستلزم إلا كسبية تصور كل علم وهو لا ينافى حصول بعض العلوم من التصورات والتصديقات بلا كسب كما أن حصول الشئ ليس نفس تصوره ولا مشروطًا بتصوره.

قوله: (وإنما يعرف) أى: العلم على صيغة المجهول من المعرفة وكذلك قوله: وإلا فلا يعرف وأما قوله: فيعرف بهما، فمن التعريف والمذكور فى المستصفى أنه ربما يعسر تحديده على الوجه الحقيقى بعبارة محررة جامعة للجنس والفصل الذاتيين فإن ذلك عسير فى أكثر الأشياء بل فى أكثر المدركات الحسية كرائحة المسك وطعم العسل، وإذا عجزنا عن حد المدركات فنحن عن تحديد الإدراكات أعجز ولكنا نقدر على شرح معنى العلم بتقسيم ومثال، فقد صرح بأن المتعسر هو الحد الحقيقى لا الرسمى وأنه ليس مختصًا به لصعوبة الامتياز بين الذاتيات والعرضيات وعلى هذا فاستبعاد الآمدى فى غاية السقوط لأن ثبوت الحد الرسمى وسهولته لا ينافى عسر الحد الحقيقى ذكر فى الأحكام أنهما قالا: لا سبيل إلى تحديده، وطريق تعريفه إنما هو القسمة والمثال وهو غير سديد فإن القسمة إن لم تكن مفيدة لتميزه عما سواه فليست بمعرفة له وإن كانت مميزة له عما سواه فلا معنى للتحديد بالرسم سوى هذا وحاصله أنهما نفيا عنه التحديد وأثبتا له التعريف بوجه مخصوص، فاعترض بأن ذلك الوجه إن لم يفد تميزًا لم يكن تعريفًا، وإن أفاده صار رسميًا والشارح بنى الكلام على أنهما نفيا عنه التعريف مطلقًا وأثبتا له طريق معرفته ووجه اعتراضه بأن الطريق المذكور إن أفاد تميزًا كان تعريفًا وإلا لم يكن طريقًا إلى معرفته وأجاب عنه بأن إفادته للتميز لا تستلزم كونه صالحًا للتعريف، فإن الشئ قد يعلم بتقسيم يخرجه بأن يؤخذ مقسم شامل له ذاتيًا أو عرضيًا ويميز بعضه عن بعض بأمور متمايزة ويكون أحد أقسامه ذلك الشئ فيعرف باعتبار الشامل والمميز ويجعل له اسم وقد يتميز أيضا عن غيره فى مثال جزئى، ولا يعرف لذلك الشئ على تقديرى إخراجه بالقسمة وامتيازه بالمثال لازم بين الثبوت له فى جميع أفراده وبين الانتفاء عما عداها (ولا يصلح للتعريف لازم إلا إذا كان كذلك) فقد جاز أن

ص: 165

يكون شئ طريقًا إلى معرفة شئ آخر، ولا يكون معرفًا له لانتفاء شرائطه، وهذا الجواب يخالف ما هو المشهور من أن القسمة الحقيقية لانطوائها على المشترك وما به تمايز أقسامه تشتمل على تعريفاتها، وأن المثال مآله إلى تعريف رسمى وأن المعتبر فى اللازم اختصاصه وشموله لا العلم بذلك نعم لا بد من كونه بحيث ينتقل الذهن منه إلى الملزوم وإن لم يكن معرفًا له ولا طريقًا إلى معرفته إلا أن الانتقال إذ لم يكن على وجه الاكتساب كان موصلًا إلى معرفته ولم يكن معرفًا له كما فى الانتقال عن تصورات الماهيات إلى لوازمها البينة لكنه خلاف ظاهر الحال فى القسمة والمثال.

قوله: (والعلم من هذا القبيل) أى مما يعلم بتقسيم يخرجه ويميزه عن غيره فى مثال جزئى ولم يعرف له لازم كذلك؛ لأن التباسه إنما هو بالإدراكات لا بغيرها من الصفات النفسية، ونحن نعرفه باعتبار الجزم الذى به يمتاز عن الشك والظن وبالمطابقة التى بها يتميز عن الجهل المركب، وبالموجب الذى يميزه عن تقليد المصيب فإذا قسمنا الاعتقاد المرادف للتصديق بملاحظة هذه الصفات خرج العلم بالمعنى الأخص (و) كذلك (نعلم أن اعتقادنا أن الواحد نصف الاثنين كذلك) أى مستجمع لهذه الأوصاف وعلم وليس غيره فقد تميز لنا بذلك المعنى فى هذا المثال ولا نعلم له فى شئ من الحالين لازمًا صالحًا لتعريفه به؛ إذ ليس مجموع هذه الأمور لازمًا بينًا كما ذكر (لأنا لا نعلم المطابق وغيره) من الصفات أو غير المطابق (بضابط ضرورة) أى: علمًا ضروريًا إذ لو علم الكل على هذا الوجه لم يحصل الجهل لأحد من العقلاء لتميزه بذلك الضابط المطابق عن غيره تميزًا ضروريًا، فلا يحصل له اعتقاد غير مطابق إذ لا يتمكن فيه، وإنما اعتبر الضابط لظهور أن المطابقة مثلًا ليست بينة بدون مراجعة إلى ضابط، واعتبر كون العلم ضروريًا حاصلًا من الضابط على وجه التنبيه؛ إذ لو كان مكتسبًا لم يكن اللزوم بينًا ولا يخفى جريانه فى كثير من الرسومات والأمثلة. واعلم أن الغزالى أورد فى المثال تشبيه إدراك البصيرة بإدراك البصر، والأمر فى ذلك سهل.

قوله: (الأول) أقول: لو لم يكن العلم ضروريًا لكان كسبيًا، إذ لا واسطة بينهما فيتوقف على العلم بغيره مع توقفه عليه فيكون دورًا، وإنما قال: لكنه معلوم دفعًا لما يقال من كون امتناع اكتسابه لا يستلزم كونه ضروريًا لجواز امتناع

ص: 166

حصوله، والجواب: أنا لا نسلم كونه معلومًا بكنهه والنزاع إنما وقع فيه ولئن سلمنا فلا نسلم لزوم دور لأنه إذا كان كسبيًا كان تصوره موقوفًا على تصور غيره، وتصور غيره لا يتوقف على تصوره، فإن أكثر الناس يتصورون أشياء كثيرة ولا يتصورون حقيقة العلم وبهذا القدر انكشف الحال واندفع الإشكال وإنما زيد فى الجواب بيان ما يتوقف عليه تصور غير العلم تنبيهًا على منشأ توهم الدور فإنه يتوقف على حصول علم جزئى يتعلق بذلك الغير وعلى حصول ماهية العلم فى ضمنه، فكأنه لم يفرق بين حصوله وتصوره فإن قلت: توقف تصور غيره على حصول ماهيته أمر معقول إذ لا امتناع فى توقف حصول الخاص على حصول العام، وأما توقفه على حصول علم جزئى متعلق بذلك الغير فلا لأن توقفه من حيث الحصول فيكون حصوله متوقفًا على حصوله، لأن العلم المتعلق به هو ذلك التصور بعينه قلت: يمكن أن يحمل تصور الغير على كونه متصورًا معلومًا، ولا استحالة فى توقف كون الشئ معلومًا على حصول العلم به وقيل: العلم الجزئى المتعلق بذلك الغير أعم مفهومًا من تصوره فيرجع إلى توقف حصول الخاص على حصول العام مع أنه كلام على ما يتعلق بإيضاح المنع.

قوله: (والثانى أن علم كل أحد) الضرورى يقع صفة للعلم: بمعنى: أن حصوله لا يحتاج إلى نظر وكسب ويقع صفة للمعلوم: بمعنى أن حصول العلم به كذلك، ولما قال: إن علم كل أحد بأنه موجود ضرورى، احتمل أن يكون من القبيل الثانى أى: العلم بذلك العلم حاصل بلا اكتساب فلا يطابقه الجواب، ويخالف تقرير السؤال على ما ذكر فى متن الكتاب فلذلك فسره بقوله: أى معلوم بالضرورة يعنى: أن كونه موجودًا معلوم له بالضرورة لا أن علمه به معلوم بالضرورة على ما ظن، فالضرورى صفة للعلم فى نفسه لا باعتبار تعلق علم آخر به، وإنما حمل عليه أولًا صريحًا ثم فسره بما هو مقتضى عبارة المصنف، ثانيًا تنبيهًا على أن الضرورة هناك كذلك.

قوله: (والجواب أن الضرورى) أقول: أى المستغنى عن تجشم الاكتساب هو حصول ماهية العلم له فى ضمن هذا الجزئى الحاصل له ضرورة وهو غير تصور ماهيته الذى هو المتنازع فيه، وبيان التغاير (أنه لا يلزم من حصول أمر تصوره حتى يتبع تصوره حصوله) فإن كثيرًا من الملكات حاصلة للنفس، وليس يتبع تصورها

ص: 167

حصولها (ولا نقدم تصوره) أى ولا يلزم من حصول أمر تقدم تصوره (حتى يكون تصوره شرطًا لحصوله) وإذا لم يكن تصور الشئ تابعًا لحصوله لا حقًا ولا شرطًا له سابقًا (جاز الانفكاك مطلقًا) أى من الجانبين لأن عدم استلزام التصور للحصول فى غاية الظهور، أو جاز انفكاك الحصول عن التصور أى: لا يستلزمه مطلقًا لا تابعًا ولا متقدمًا (فيتغايران) قطعًا (فلا يلزم من كون أحدهما ضروريًا) غير محتاج إلى نظر (كون الآخر كذلك) فإن قيل: كل أحد يعلم بالضرورة، أنه عالم بوجوده والعلم أحد تصورات هذا التصديق البديهى مطلقًا فيكون ضروريًا، أجيب بأن اللازم من ذلك أن يكون تصور العلم بوجه ما ضروريًا وليس بمطلوب.

قوله: (وسيجئ فى الخبر ما إذا عطفته إلى هذا الموضع ينفعك) هو أنه قال المصنف: هناك فى مثل هذا الاستدلال، ورد بأنه يجوز أن يحصل ضرورى ولا نتصوره أو يتقدم تصوره أى يتصور، ولا يكون حاصلًا فبين جواز انفكاك كل من الحصول والتصور عن الآخر وعلى هذا فالمناسب هنا أن يجعل قوله: أو تقدم فعلًا ماضيًا معطوفًا على قوله: لا يلزم؛ ليظهر الانفكاك من الجانبين، لا مصدرًا معطوفًا على قوله: تصوره كما قرر أولًا ولذلك صرح فيه بـ "لا" مع الواو تنبيها على انتفاء الأمرين معا فيكون تفصيلًا لعدم استلزام الحصول للتصور إذ فيه تعسف أما أولًا فلحمل اللزوم على معنى مآله التبعية ليصح جعل المقدم قسيما للتقدم وأما ثانيا فلأن كل واحد من التبعية والتقدم يقتضى التغاير فلا يجامع الاتحاد وهذا التوجيه يوهم خلافه قيل: وما يتوهم من أن الحمل على صيغة الماضى ههنا يستلزم تقدم تصور العلم على حصوله البديهى ويلزمه أن يكون أولى بالبداهة، فجوابه: أن المراد جواز تقدم التصور على الحصول فيه وفى غيره بيانا للتغاير لا وقوع ذلك التقدم فيه على أن مثله آت فيما ذكره فى الخبر.

قوله: (والشارح بنى الكلام) يعنى أن الشارح قد وقع فى الغلط من وجهين الأول أنه حمل كلام الإمامين على غير مرادهما بأن حمل التحديد على مطلق التعريف والثانى أنه حمل كلام الآمدى على غير مراده لأن مراده فى الاعتراض أنها إذا كانت مميزة فهذا التعريف هو التحديد وهو يزعم أن الإمام سلم كونه تعريفًا ومنع كونه تحديدًا وعلى ما ذكره الشارح يكون مراده فى الاعتراض أنها إذا كانت

ص: 168

مميزة فهذا الطريق إلى المعرفة يكون تعريفًا فهو يزعم أن الإمام سلم كونه طريقًا إلى المعرفة ومنع كونه تعريفًا.

قوله: (فإذا قسمنا الاعتقاد) يعنى أن العلم بعد ما لم يكن التباسه إلا بإدراكات وحصل لنا العلم ببعض اعتباراته على وجه يتميز بكل اعتبار نوع من أنواع الإدراكات، ولم يكن عندنا شئ يتميز به عن كل واحد منها قسمناه بملاحظة تلك الاعتبارات فحصل لنا العلم بما هو مركب منها وحصل تميزه عن كل واحد منها وكذا الحال فى المثال إلا أن الاعتبارات المذكورة تعتبر عند التقسيم فى العلم وعند التمثيل فى المثال الذى هو الاعتقاد بأن الواحد نصف الاثنين؛ فإن قيل: ما الفائدة فى قوله وليس غيره بعد أن قال إن الاعتقاد بأن الواحد نصف الاثنين مستجمع لهذه الأوصاف وعلم؟ قلنا: لما كان المقصود من التقسيم والتمثيل فى هذا المقام هو التميز لماهية العلم عن غيرها ذكر الاعتبارات المذكورة وفي العلم والاعتقاد بها وذكر التميز فى جانب المثال وقع بقوله: وليس غيره.

قوله: (إذ لا امتناع فى توقف حصول الخاص على حصول العام) يعنى أن تصور الغير خاص وماهية العلم عام وتوقف حصول الأول على الثانى أمر معقول أى لا يأباه العقل فى بادئ الرأى إذ لا امتناع فى توقف حصول الخاص على حصول العام أى لا امتناع فى هذا الجنس من التوقف فإن هذا الحكم فى بعض أفراده صحيح وهذا القدر كاف فى هذا التقرير فلا يصح أن يقال: قد يكون العام خارجًا عن الخاص عارضًا له وقد يكون حصول الخاص عين حصول العام وماهية العلم بالنسبة إلى فرده يجوز أن تكون من قبيل أحدهما.

قوله: (على أن الضرورة هناك كذلك) لا يخفى أن عبارة المتن فيها خفاء يحتاج رفعه إلى التصريح ثم التفسير لأجل التنبيه بعبارة هى أخفى مما قصد توضيحه بها؛ فإن قوله: أى معلوم بالضرورة تفسير مذكور بعد لفظ ضرورى واقع على خبر المبتدأ هو علم كل واحد ويتبادر الذهن من ذلك إلى أن قوله ضرورى وقوله معلوم بالضرورة يكون المبتدأ فيهما واحدًا فلزم أن يكون العلم معلومًا، وما فعله من تقدير مبتدأ آخر هو كونه موجودًا وجعل التفسير تفسيرًا لمجموع الكلام خلاف الظاهر والظاهر ما ذكره غيره.

قوله: (أى المستغنى عن تجشم الاكتساب) إنما فسر بذلك لأنه قد تقرر أن

ص: 169

الضرورى إذا كان صفة للمعلوم معناه أن العلم به لا يحتاج إلى كسب وحصول العلم معلوم ولا يصح إرادة هذا المعنى هنا ففسر بما هو المناسب.

قوله: (جاز الانفكاك مطلقًا) أى من الجانبين فإن قلت إثبات أن التصور لا يكون تابعًا للحصول ولا متقدمًا عليه بأن يكون شرطًا له لا يقتضى جواز الانفكاك بينهما؛ لأن الاستلزام وامتناع الانفكاك بين الشيئين لا يقتضى التقدم والتأخر بينهما كالمتضايفين فامتناع التقدم والتأخر لا يحصل الانفكاك وجوازه، قلت: هذا كلام على السند الذى لا ينفع فيه المناقشة على أنه يجوز أن يقال هنا مقدمة ظاهرة تركها المجيب وهى أن التصوّر لا يستلزم الحصول وهذا الاستلزام أعم متناول للأقسام الثلاثة التى هى التقدم والتأخر والمعية وإذا انتفى استلزام التصوّر للحصول على وجه المعية يلزم انتفاء استلزام الحصول للتصوّر على ذلك الوجه قطعًا فهذه المقدمة الظاهرة المتروكة مع المقدمة المذكورة تفيد جواز الانفكاك من الجانبين.

قوله: (لأن عدم استلزام التصوّر للحصول فى غاية الظهور) لا يقال هذا القول لا يصح سالبة كلية لأن تصوّر ماهية العلم وتصور كل مفهوم كلى يستلزم حصوله فى الذهن ورفع الإيجاب الكلى لا ينفع هنا؛ لأنا نقول: حصول الماهية الذى كلامنا فيه حصول ليس مثل حصول المفهومات الكلية فى الذهن حين تصورها كيف وهذا الجنس من الحصول يستلزم التصور والتصور يستلزمه ويلزم من كون أحدهما ضروريًا كون الآخر كذلك، ويبطل الجواب بتمامه ولأجل ذلك قال المحشى الحصول قد يكون بدون التصور مثل حصول الملكات النفسانية فإن حصول ماهية العلم فى ضمن فردها من جنس هذا الحصول فإذا تصورنا الشجاعة مثلًا فلها حصول ظلى لا ينفك عن التصور ولها حصول آخر من غير نظر إلى التصور متحقق حين عدمه وحصول ماهية العلم فى ضمن فرده من قبيل الثانى لا من قبيل الأول.

الشارح: (ويتميز عن غيره) عطف على قوله: يعلم بتقسيم بيان للعلم بالمثال.

الشارح: (بعد تسليم كونه معلومًا) أى بالكنه وفيه إشارة إلى الجواب بالمنع وهو ما قاله السيد وحاصل جواب الشارح: أنا لا نسلم كونه معلومًا بكنهه والنزاع إنما وقع فيه وهذا الجواب هو الموافق لما قاله الغزالى من أن التحديد الحقيقى هو

ص: 170

الممتنع دون غيره، ومحصل الجواب بالمنع: أنا لا نسلم كونه معلومًا بحقيقته فلا يلزم من امتناع كونه مكتسبًا لئلا يلزم الدور كونه ضروريًا لجواز أن يكون تصوره بكنهه ممتنعًا.

الشارح: (إنما هو على حصول العلم بغيره) أى ويلزمه التوقف على حصول العلم فقوله: غير العلم إنما يعرف بالعلم ليس معناه إنما يتصور بتصور العلم، بل معناه إنما يتصور بحصول العلم وقوله: والذى يراد حصوله بالغير. . . إلخ. أى فالجهة منفكة.

التفتازانى: (وإن كان كلامًا على السند) هو قوله: بل على حصول فرد من أفراد العلم متعلق بذلك الغير، وقوله: يتوقف عليه أى توقت الخاص على العام.

التفتازانى: (ولا يخفى ضعفه) أى لأنه ليس المراد من العلم المتعلق بالغير الأمر الكلى الشامل للتصور والتصديق وإن كان مفهومه فى ذاته عامًا.

التفتازانى: (وأما إذا وقع صفة للعلم) أى كما هنا يعنى فلا يصح هذا التفسير وقوله: سلمنا أى أنه تفسير للعلم لكنه لا يطابق المتن، وقوله: ولا يخفى بعده أى لأن المتبادر أن نفس العلم بأنه موجود ضرورى لا العلم بالعلم بذلك، وقوله: لكن هذا التفسير يدفع الجواب على الوجه المذكور أى لأن حاصل الجواب أن الضرورى حصول علمه بأنه موجود لا تصور علمه بذلك وقد اعتبر على هذا التفسير العلم بالعلم فيكون الجواب مدفوعًا على هذا التفسير فلا يكون جوابًا على هذا التفسير وإنما يكون الجواب بأن التصديق إنما يتوقف على تصورات الأطراف بوجه والكلام فى تصور حقيقة العلم.

التفتازانى: (قلنا: المراد. . . إلخ) أى فليس المراد حصوله ضرورى فالظاهر غير مراد.

التفتازانى: (ومبناه) أى مبنى إثبات جواز الانفكاك من الجانبين على أن تصور الشئ. . . إلخ أى فلم يبين هذا لظهوره فلا يقال: إن انفكاك الحصول عن التصور لا يقتضى جواز الانفكاك من الجانبين.

التفتازانى: (ليس لازمًا. . . إلخ) أى فالغرض من قوله: لا يلزم من حصول أمر تصوره. . . إلخ. بيان المغايرة الكاملة.

التفتازانى: (والعجب أنه جعل. . . إلخ) أى فقد خالف هنا ما سيأتى، وقوله:

ص: 171

لأنه قال فى المتن. . . إلخ، عبارته فى مبحث الخبر والخبر قول مخصوص للصيغة والمعنى فقيل لا يحد لعسره وقيل: لأنه ضرورى من وجهين: الأول أن كل واحد يعلم أنه موجود ضرورة فالمطلق أولى والاستدلال على أن العلم ضرورى لا ينافى كونه ضروريًا بخلاف الاستدلال على حصوله ضرورة ورد بأنه يحصل ضرورة ولا يتصور أو يتقدم تصوره وكتب الشارح على هذا الموضع ما نصه. لا يلزم من حصول أمر تصوره إذ قد يحصل ولا يتصور وقد يتقدم تصوره فيتصور وهو غير حاصل. اهـ. فقوله: ولا يتصور بالواو دون الفاء إشارة إلى أن اللزوم بمعنى عدم الانفاك، وقوله: وقد يتقدم بالواو دون "أو" إشارة إلى أن "أو" فى عبارة المصنف بمعنى الواو حتى يناسب اعتبار جواز الانفكاك من الجانبين.

التفتازانى: (وأن يكون إشارة إلى ما ورد أن البداهة تنافى الاستدلال) قال المصنف فى بحث الخبر والاستدلال على أن العلم ضرورة لا ينافى كونه ضروريًا بخلاف الاستدلال على حصوله ضرورة. اهـ. قال الشارح فى هذا الموضع: وربما يقال الاستدلال على كونه ضروريًا ينافى كونه ضروريًا لأن الضرورى لا يقبل الاستدلال ويجاب عنه بأن كون العلم ضروريًا كيفية لحصوله وأنه يقبل الاستدلال عليه والذى لا يقبله هو نفس الحصول الذى هو معروض الضرورة فإنه يمتنع أن يكون حاصلًا بالضرورة وبالاستدلال لتنافيهما.

التفتازانى: (واعلم أن لهذا الدليل تقريرًا آخر) أى فقوله: إن كل أحد يعلم وجوده ضرورة يدل على أنه ليس كسبيًا لأنه لو كان مطلق العلم كسبيًا لكان كل علم كسبيًا واللازم باطل لأن كل أحد يعلم أنه موجود ضرورة ومثله غيره من البدبهيات التصديقية والتصورات البديهية الكثيرة.

قوله: (الذاتيين) قيد بذلك احترازًا عن استعمال الجنس فى المشترك مطلقًا والفصل فى المميز مطلقًا.

قوله: (إلى تحديده وطريق تعريفه إنما هو القسمة والمثال) إن كان المراد بالتحديد مطلق التعريف الاصطلاحى الصادق بالحد والرسم وكان المراد بالتعريف فى قوله وطريق تعريفه التعريف الاصطلاحى الرسمى كان فى كلامهما تناقض والاعتراض يكون به ولا يحسن الترديد الواقع فى كلام الآمدى وإن كان المراد بالتحديد فى كلامهما التحديد الحقيقى والمراد بالتعريف التعريف الرسمى كان الاعتراض فى

ص: 172

غاية السقوط وإن كان المراد بالتحديد مطلق التعريف الاصطلاحى والمراد بالتعريف فى قولهما: وطريق تعريفه التعريف اللغوى وفهما أن التعريف اللغوى أعم ومعنا طريق معرفته كان هو الذى اختاره الشارح فلا معنى لقول المحشى: والشارح بنى كلامه إلخ لأنه لا فرق بينهما.

قوله: (وحاصله أنهما نفيا عنه التحديد وأثبتا له التعريف) أى ففى كلامهما تناقض بناء على أن التحديد هو التعريف الاصطلاحى مطلقًا وأن التعريف فى قوله: وطريق تعريفه المراد منه التعريف الاصطلاحى الرسمى وقوله: فاعترض أى الآمدى.

قوله: (وأثبتا له طريق معرفته) أى وهو عام يشمل التعريف الرسمى وغيره مما ليس بتعريف.

قوله: (وأجاب عنه. . . إلخ) هذا خلاف ما اختاره فى المواقف فإنه استبعد قولهما كما استبعده الآمدى غير أنه ذكر فى عبارتهما طريق معرفته لا طريق تعريفه.

قوله: (وهذا الجواب يخالف ما اشتهر. . . إلخ) أجاب عن ذلك بعضهم بأن الذى اشتهر اشتمال القسمة على تعريفات الأقسام وهو غير كون القسمة نفسها تعريفًا وفيه تأمل.

قوله: (وإن المثال مآله إلى التعريف الرسمى) أجاب بعضهم أيضًا بأن التعريف يجب أن يكون مطردًا منعكسًا ولا يحصل ذلك إلا بالخاصة المساوية للمعرف ورجوع المثال إلى التعريف الرسمى إنما هو لكونه منبأ عن الخاصة للمثل لا لخصوصه فلا ينافى ما أجاب به الشارح تأمل.

قوله: (وإن المعتبر فى اللازم. . . إلخ) أجاب بعضهم أيضًا بأن العلم بالاختصاص والشمول إجمالًا واجب حتى يكون عالمًا بالطرد والعكس الواجبين فى التعريف والمراد باللازم البين فى كلامه ليس البين باصطلاح المناطقة بل المراد به الظاهر الثبوت لجميع أفراد المحدود الظاهر الانتفاء عن غيرها كاستواء القامة وعرض الأظفار للإنسان.

قوله: (لكنه خلاف ظاهر الحال فى القسمة والمثال) أى لأن الظاهر فيهما أن الانتقال يكون على وجه الاكتساب.

ص: 173

قوله: (لا بغيرها من الصفات النفسية) كالعلم والقدرة لظهور تميزه عن ذلك.

قوله: (المرادف للتصديق) ولذلك صح شموله للظن والشك الخارجين بالجزم لكن شموله للشك فيه تأمل.

قوله: (أى مستجمع لهذه الأوصاف وعلم) لأنه يحصل فى ذهننا من إيراد هذا المثال الموصوف بتلك الصفات صورة علم فقد تميز العلم بالمعنى الأخص فى هذا المثال عن غيره.

قوله: (وغير المطابق) يعنى أن قول الشارح وغيره يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون المراد وغيره من الصفات وهو الجزم والموجب، وثانيهما: أن المراد به غير المطابق من الجهل المركب.

قوله: (إذ لتمكن فيه) إنما ذكر ذلك لأن معنى كون العلم بالضابط ضروريًا أنه لو حصل لحصل بالضرورة فلا يتمكن الجهل.

قوله: (ولا يخفى جريانه فى كثير من الرسومات والأمثلة) أى فإنها تعريفات وليس فيها ضابط بيّن معلوم بالضرورة.

قوله: (والأمر فى ذلك سهل) نقل عنه -قدس سره- أن وجه السهولة أنه لم يحصر التعريف بالمثال فيما أورده الغزالى بل هو جار فى غيره وأجاب عما ورد عليه من أن المخالفة لا بد لها من نكتة بأن التعريف بالمثال عندهم أعم من التعريف بالجزئى ومن التعريف بالتشبيه واختار الشارح الأول لأنه إذا لم يكن تمثيل الكلى موجبًا لحصول المعرف فبالأولى أن لا يكون التنظير بالنسبة إليه كذلك.

قوله: (فإن أكثر الناس يتصورن. . . إلخ) أى وإنكار ذلك مكابرة.

قوله: (وبهذا القدر) وهو أن تصور الغير لا يتوقف على تصور العلم فلو توقف تصور العلم على تصور غيره لم يلزم الدور.

قوله: (بيان ما يتوقف عليه تصور الغير) وهو قوله: توقف تصور الغير إنما هو على حصول العلم بغيره.

قوله: (فكأنه لم يفرق بين حصوله وتصوره) أى فتخيل أن تصور غير العلم إذا توقف على حصول علم جزئى متعلق بالغير ولا شك أنه يتوقف على حصول ماهيته فى ضمنه فى ذهنه وهو معنى تصورها فقد توقف كل منهما على الآخر مع أن بينهما فرقًا لأن ارتسام ماهية العلم فى النفس على وجهين أحدهما: أن ترسم

ص: 174

فيها بنفسها فى ضمن جزئياتها وذلك حصولها وليس نفس تصورها ولا مستلزمًا له على قياس حصول الشجاعة للنفس الموجب لاتصافها بها من غير أن تتصورها، والثانى أن ترسم فيها بمثالها وصورتها وهذا هو تصورها لا حصولها على قياس تصور الشجاعة الذى لا يوجب اتصاف النفس بها وهو المطلوب بتعريفها. اهـ من شرح السيد على المواقف.

قوله: (فإن قلت. . . إلخ) كتب المحشى فى حاشية الحاشية أن الجواب المحرر الذى لا يرد عليه هذا السؤال أن يقال: تصور العلم موقوف على تصور الغير وهو علم جزئى متعلق به فيتوقف حصوله على حصول ماهية العلم فيلزم من ذلك توقف تصور العلم على حصول ماهيته فى ضمن ذلك الجزئى المتعلق بالغير وفى هذا الجزئى المتعلق به أيضًا فمن هنا تركب شبهة على امتناع تعقله فإن قلت إنما يلزم لو كان ذاتيًا وهو ممنوع قلنا وعلى تقدير كونه لازمًا يتقدم حصول ماهيته على تصورها. اهـ. وقوله: شبهة على امتناع تعقله هى تقدم الشئ على نفسه بناء على اتحاد التصور والحصول وقوله: فإن قلت إنما يلزم لو كان ذاتيًا أى إنما يلزم توقف العلم الجزئى المتعلق بالغير على حصول ماهيته فى ضمنه لو كان العلم ذاتيًا لهذا العلم المتعلق بالغير وهو ممنوع فعلى تقدير عدم الفرق بين التصور والحصول لا يلزم من كون تصور العلم مكتسبًا من تصور الغير دور وقوله: قلنا على تقدير كونه لازمًا يتقدم حصول ماهيته على تصورها يعنى لو لم يكن العلم ذاتيًا للعلم الجزئى المتعلق بالغير لكان عرضًا لازمًا ضرورة امتناع انفكاك الأعم المطلق عن الأخص المطلق ولما كان اكتساب تصور ماهية العلم من هذا الجزئى المتعلق بالغير موجبًا لتقدم حصوله على حصول تصورها بالزمان لأن كون تصورها مكتسبًا حاصلًا منه لا يتأتى إلا بالحركة المقتضية للزمان كان موجبًا لتقدم لوازمه على تصورها بالزمان أيضًا، لأن المتقدم بالزمان على المتقدم على الشئ بالزمان يكون متقدمًا على ذلك الشئ بالزمان وتقدم حصول العلم على تصوره تقدم للشئ على نفسه لأن المفروض كونهما متحدين. اهـ. خلخالى.

قوله: (من القبيل الثانى) أى بأن يكون ضرورى صفة العلم باعتبار أنه معلوم يتعلق به علم آخر وإنما قلنا يتعلق به علم آخر لأن الضرورى صفة للعلم قطعًا.

قوله: (فلا يطابقه الجواب) أى لأنه مبنى على عدم الفرق بين حصول ماهية

ص: 175

العلم وتصورها وتسليم كون حصولها ضروريًا دون تصورها وتقرير السؤال على هذا الوجه يستلزم كون تصورها ضروريًا لأن العلم المتعلق بالعلم إذا كان ضروريًا كان ماهية العلم الحاصلة فى ضمنه ضرورية فيكون تصور ماهية العلم ضروريًا فلا يطابقه الجواب المذكور وقوله: ويخالف تقرير السؤال على ما ذكره فى متن الكتاب أى لأن الضرورة التى فى متن الكتاب وقعت صفة لقوله: إنه موجود أى كونه موجودًا معلوم بالضرورة لا لقوله: يعلم حتى يكون المعنى علم كل أحدى بأنه موجود معلوم بالضرورة.

قوله: (وإنما حمله عليه أولًا صريحًا) أى حيث قال: إن علم كل أحد بأنه موجود ضرورى.

قوله: (ثم فسره بما هو مقتضى عبارة المصنف) أى من أن الضرورة وقعت فيها صفة للمعلوم الذى هو أنه موجود وقوله تنبيهًا على أن الضرورة هنا كذلك أى أنها فى عبارة المصنف تقع صفة للعلم باعتبار نفسه وكونه علمًا لا باعتبار تعلق علم آخر به وكونه معلومًا هذا ولا يخفى أن الظاهر من التفسير الذى ذكره أن العلم معلوم بالضرورة؛ لأن قوله: أى معلوم تفسير لقوله: ضرورى الواقع صفة للعلم فيكون واقعًا على العلم فيفيد أن العلم معلوم بالضرورة وأن المتبادر من قولهم علم كل أحد بوجوده ضرورى إنما هو أن حصول العلم نفسه ضرورى لا العلم بالعلم فالحق فى التوجيه أن يقال: إنما ذكر هذا التفسير تنبيهًا على محل غلط المستدل وهو أنه لما نظر إلى أن تعلق العلم بالوجود ضرورى ظن ذلك ضرورية تصور العلم ظنًا منه أن تعلقه هو نفس تصوره ونبه أيضًا على أن الضرورى وقع فى كلام المستدل صفة للعلم والموصوف بالضرورية إنما يراد به معلوميتها فيكون العلم معلومًا وحينئذ فحاصل الجواب: أن الضرورى حصول العلم لا تصوره وأيضًا الضرورى حصول العلم بالعلم لا تصور العلم إذ ليس الحصول نفس التصور والكلام فيه وذلك أنه لا يلزم من حصول أمر تصوره حتى يتبع تصوره حصوله ولا تقدم تصوره حتى يكون شرطًا لحصوله وإذا كان كذلك فهما متغايران فلا يلزم من ضرورية أحدهما ضرورية الآخر وهذا هو الموافق لما فى المواقف حيث قال: والعلم بالجزء سابق على الكل ولم يقل: والجزء سابق على الكل ولما كان هذا بناء على عدم الفرق بين التصور والحصول على زعم المستدل كان الجواب

ص: 176

بالفرق بينهما مطابقًا واندفع بأن تفسير الضرورى بما ذكر إنما يكون حيث وقع صفة لمتعلق العلم وأما إذا وقع صفة للعلم فلا واندفع أنه لا يطابق المتن وهو أن كل أحد يعلم وجوده ضرورة إلا إذا حمل على أنه يعلم العلم بوجوده ولا يخفى بعده فاندفع ما قاله التفتازانى من قوله هذا التفسير للضرورى إنما يكون إلى قوله: ولا يخفى بعده.

قوله: (أى المستغنى عن تجشم الاكتساب هو حصوله ماهية العلم. . . إلخ) قال فى حاشية الحاشية: الضرورى إذا وقع صفة للعلم كان معناه أن حصوله لا يحتاج إلى كسب فجاز جعله صفة لحصوله بمعنى أنه مستغن عن الاكتساب. اهـ. وهو إشارة إلى رد ما قاله السعد من أن الضرورى والمكتسب من صفات العلم خاصة فما معنى كون الحصول ضروريًا؟ ! . اهـ. ووجه الرد أن كون العلم ضروريًا بالمعنى المذكور مصحح لجعل الضرورة صفة لحصوله بمعنى كونه مستغنيًا عن الاكتساب لا بمعنى أن حصول الحصول مستغن عن الاكتساب.

قوله: (وبيان التغاير) أى الكامل وإلا فمجرد الغيرية فى المفهوم كاف فى عدم الاتحاد وإن كانا متلازمين.

قوله: (لأن عدم استلزام التصور. . . إلخ) جواب عما يقال: إن كون التصور ليس تابعًا للحصول ولا شرطًا سابقًا إنما يقتضى انفكاك الحصول عن التصور ويجوز أن التصور لا ينفك عن الحصول فلا يأتى الانفكاك من الجانبين.

قوله: (أو جاز انفكاك الحصول. . . إلخ) أى فالمراد الانفكاك من جانب الحصول لا من الجانبين.

قوله: (والعلم أحد تصورات هذا التصديق) أى لوقوعه محمولًا فيه.

قوله: (البديهى مطلقًا) أى بجميع أجزائه أو شروطه لحصوله للبله والصبيان ممن لا يكتسب.

قوله: (وليس بمطلوب) أى لأن المطلوب تصوره بالكنه.

قوله: (لا مصدرًا معطوفًا. . . إلخ) أى فيكون المجموع بيانًا لانفكاك الحصول عن التصور فقط لا بيان للانفكاك من الجانبين.

قوله: (تفصيلًا لعدم استلزام الحصول للتصور) أى عدم امتناع انفكاكه عنه، وحاصل التفصيل أن التصور ليس تابعًا للحصول ولا شرطًا سابقًا.

ص: 177

قوله: (إذ فيه تعسف) أى فى جعله مصدرًا معطوفًا على قوله: تصوره تعسف.

قوله: (فلحمل اللزوم على معنى مآله التبعية) فمعنى لا يلزم من حصول أمر تصوره لا ينشأ منه تصوره فيكون التصور تابعًا فالتبعية فى اللازم.

قوله: (ليصح جعل المقدم) وهو قوله تصوره وقوله قسيمًا للتقدم أى الذى هو قوله أو تقدمه يعنى ولولا ذلك الاعتبار لم يصح جعل قوله تصوره قسيمًا لقوله أو تقدمه لأنا لو أردنا باللزوم امتناع الانفكاك وكان المعنى لا يمتنع انفكاك التصور عن الحصول كان ذلك شاملًا لأن التصور لا يكون تابعًا ولا شرطًا متقدمًا.

قوله أيضًا: (ليصح جعل المقدم. . . إلخ) ولا بد أيضًا على ذلك من تقدير فى قوله: ولا تقدمه بأن يقال ولا يلزم تقدمه لأنه لا يصح عطفه على التصور عطف مفردات لئن يلزم المسلطة على التصور بمعنى ينشأ ويستتبع وهو بهذا المعنى لا يسلط على التقدم بل هو باعتباره بمعنى عدم الانفكاك.

قوله: (وهذا التوجيه يقتضى خلافه) لأنه قد نفى التقدم والتبعية اللذين يقتضيان التغاير فيتوهم الاتحاد عند ثبوتهما وهو باطل ويدفع بأن المقصود نفى الاتحاد وكمال التغاير بين الحصول والتصور بمعنى جواز الانفكاك من الجانبين، وهذا يقتضى بيان نفى التبعية والتقدم وكل واحد منهما لا يقتضى التغاير بذلك المعنى ولا يمكن هنا أن يقال: الاتحاد يستلزم امتناع الانفكاك فنفى الاتحاد بنفى لازمه لأن نفى التبعية والتقدم إنما يستلزم امتناع الانفكاك على وجه التبعية والتقدم واللازم للاتحاد امتناع الانفكاك مطلقًا لا على وجه التبعية والتقدم هذا وقيل: إن هذا الثانى لا يرد لأن المراد من قوله لا يلزم من حصول أمر تصوره يعنى فضلًا عن الاتحاد فالكلام خارج مخرج المبالغة فى نفى الاتحاد ونفى شبهة الاتحاد لكنه تكلف.

قوله: (فجوابه: أن المراد جواز التقدم. . . إلخ) أى المراد من التقدم فى قولنا: أو تقدم تصوره التقدم جوازًا لا وجوبًا والمتقدم على البديهى إنما يكون بديهيًا إذا كان واجب التقدم لا جائزه كذا فى حاشية الحاشية وفيه أن التصديق البديهى يجب تقدم تصور أطرافه عليه مع أنها قد تكون كسبية ولو قيل: إن واجب التقدم على البديهى إنما يكون بديهيًا إذا كان المتأخر حاصلًا لمن لا يتأتى منه الكسب كالبله والصبيان لكان كلامًا آخر كذا قال بعض الحواشى وقال بعض: إن مراده أن المقدم

ص: 178

على البديهى إنما يكون بديهيًا إذا كان واجب التقدم بخصوصه لا جائزه وتصورات التصديق البديهى وإن كان تقدمها واجبًا لكن لا بخصوصها بل لكونها من جملة أفراد تصورات أطراف التصديق الواجب تقدمها.

قوله: (فيه وفى غيره) أى فى التصديق البديهى وفى غيره.

قوله: (لا وقوع ذلك التقدم فيه) أى لا وقوعه بالفعل فى التصديق البديهى.

قوله: (على أن مثله آت فيما ذكره فى الخبر) أى فلا وجه لقوله ههنا وتخصيصه إتيانه بما ذكر فى العلم.

ص: 179

قال: (ثم نقول لو كان ضروريًا لكان بسيطًا إذ هو معناه ويلزم منه أن يكون كل معنًى علمًا).

أقول: استدل على أن العلم ليس ضروريًا بأنه لو كان ضروريًا لكان بسيطًا ويلزم منه أن يكون كل معنًى علمًا واللازم منتفٍ أما الأولى فلأنه لا معنى للضرورى إلا البسيط عقلًا كما سنبينه وأما الثانية فلأن حصول المعنى ذاتى للعلم إذ لو رفع عن الذهن لارتفع ماهية العلم عنه ضرورة والمفروض أنه لا ذاتى له غيره لبساطته فيكون ذلك تمام حقيقته فيلزم من تحققه تحققه وأما بطلان اللازم فلأن حصول المعنى قد يكون ظنًا وجهلًا وتقليدًا وغيرها.

قوله: (ثم نقول) معارضة مبنية على ما ذكره المصنف من أن التصور الضرورى ما لا يتقدمه تصور يتوقف عليه لانتفاء التركيب فى متعلقه كالوجود والشئ وهذا معنى قوله لأنه أى البسيط معناه أى معنى الضرورى وليس المراد أن الضرورى والبسيط اسمان لمعنًى واحد بحسب الاصطلاح من المصنف وتقرير المعارضة من قياس اقترانى من متصلتين ثم استثنائى فقوله: أما الأولى إشارة إلى الملازمة الأولى التى هى صغرى الاقترانى وأما الثانية أى التى هى كبراه وبينها الشارحون بأن العلم معنًى فلو لم يكن كل معنًى علمًا لزم تركب العلم من المعنى ومن الخصوصية التى بها يمتاز عن سائر المعانى، واعترض بأنه إنما يلزم لو كان المعنى ذاتيًا له فعدل الشارح إلى ما لا يرد عليه هذا المنع وهو أنه يلزم أن يكون كل حصول معنًى علمًا لأنه ذاتى للعمل لا تعقل ماهيته بدونه وترتفع بارتفاعه، ويلزم أن يكون تمام ماهيته بساطتها وأما بطلان التالى فلأن حصول المعنى فى العقل قد لا يقارن الجزم والمطابقة والثبات فلا يكون علمًا لما سيجئ من تفسيره، وقد يقال لا نسلم أن كل ما لو رفع عن الذهن ارتفع ماهيته عنه يكون ذاتيًا له لجواز أن يكون لازمًا للياهية إلا أن يراد أنها ترتفع بارتفاعه وحينئذٍ لا شك أن حصول المعنى كذلك.

قوله: (استدل) لا أبطل أدلة القائلين بكونه ضروريًا ولا يلزم من بطلان الدليل فساد المدلول عقبه بالاستدلال على بطلانه ليثبت كونه كسبيًا فيصح تحديده بما

ص: 180

سيورده، وتقريره أن العلم لو كان ضروريًا لكان بسيطًا، ولو كان بسيطًا لكان كل معنًى علمًا ينتج لو كان ضروريًا لكان كل معنًى علما ثم يستثنى نقيض تالى النتيجة ليثبت المطلوب بيان الملازمة، الأولى أن معنى الضرورى على اصطلاح المصنف هو البسيط عقلًا أى: هما متلازمان متساويان كما سنبينه، وبيان الملازمة الثانية أن حصول المعنى بل المعنى الحاصل ذاتى للعلم إذ لو رفع مفهوم المعنى عن الذهن لارتفع ماهية العلم عنه لا على معنى: أن هناك رفعين يوجب أحدهما الآخر أو يستلزمه فإن شيئًا منهما لا يدل على كونه ذاتيًا بل على أن الرفع الأول هو الثانى بعينه كما سيأتى فى تعريف الذاتى فيكون ذاتيًا له أى غير خارج عنه بل تمام حقيقته (وأما بطلان اللازم) أى تالى النتيجة (فلأن المعنى الحاصل قد يكون ظنًا وجهلًا) مركبًا (وتقليدًا وغيرها) أى شكًا ووهمًا هذا إن فسر المعنى بأمر حاصل للقوة المدركة، وإن أريد به ما يقوم بالنفس يتناول الشجاعة وسائر صفتها، وإن جعل مرادفًا للعرض كما هو المشهور دخل فيه مثل السواد والبياض أيضًا، وعلى التقادير يرد أنا لا نسلم أن ارتفاع المعنى عين ارتفاع ماهية العلم أو موجب له، غايته أنه يستلزمه وسيأتيك أيضًا ما يرد على اصطلاح المصنف.

قوله: (أو موجب له) فإن قيل قد سبق أن شيئًا من الإيجاب والاستلزام لا يدل على كونه ذاتيًا فما هو مقدمة الدليل هو كون رفع المعنى عين ارتفاع ماهية العلم وليس فى الدليل أن رفع المعنى يوجب رفع ماهية العلم والمنع يتوجه إلى ما فى الدليل لا إلى ما ليس فيه قلنا قد منع كونه موجبًا له تأكيدًا لانتفاء الذاتية ويوسعه للمنع؛ فإن المقدمة التى هى قوله ارتفاع المعنى عين ارتفاع العلم مذكورة فى الدليل لإثبات كون المعنى ذاتيًا للعلم أعم من أن يكون المعنى عينه أو جزءًا بناءً على أن عدم الذاتى هو عين عدم الماهية ولما لم تكن تلك المقدمة مسلمة بل قيل عدم الجزء ليس عين عدم الكل بل يوجبه زاد السائل قوله أو موجب له.

التفتازانى: (معارضة. . . إلخ) أى إقامة دليل يعارض دليل الخصم وقوله: وهذا معنى قوله. . . إلخ. أن المراد من أن البسيط معنى الضرورى أن متعلق الضرورى أى ما تعلق به العلم الضرورى هو البسيط وقوله: من قياس اقترانى من متصلتين

ص: 181

نظمه هكذا لو كان العلم ضروريًا لكان بسيطًا ولو كان بسيطًا لكان كل سعنًى علمًا ينتج لو كان العلم بسيطًا لكان كل معنًى علمًا والتالى فى هذه النتيجة باطل فملزومه وهو كون العلم بسيطًا باطل فملزومه وهو كون العلم ضروريًا باطل، وقوله: وبينها الشارحون بأن العلم معنى. . . إلخ. أى يصدق عليه أنه معنًى، وقوله: واعترض بأنه إنما يلزم. . . إلخ، أى ومجرد صدق المعنى على العلم لا يوجب كونه ذاتيًا لجواز أن يكون هذا الصدق صدقًا عرضيًا أى صدق العرضى على ما هو عرض له وقوله إلى ما لا يرد عليه المنع أى إلى الاستدلال الدافع لهذا المنع وهو قوله لأنه ذاتى للعلم لا تعقل ماهيته بدونه وترتفع بارتفاعه وليس المراد أنه عدل إلى اعتبار الحصول حيث قال: فلأن حصول المعنى ذاتى لأن المراد فلأن المعنى الحاصل ذاتى وقوله: إلا أن يراد أنها ترتفع بارتفاعه أى بأن يكون ارتفاعه ارتفاعها أو موجبًا لارتفاعها لكن الثانى لا يقضى الذاتية.

قوله: (كما سنبينه حكاية عن الشارح) أى عند تقسيم العلم إلى الضرورى والنظرى.

قوله: (بل المعنى الحاصل) نقل عن المحشى أن هذا رد على من توهم أنه أراد أن حصول المعنى ذاتى له لا نفس المعنى. . . إلخ. اهـ. يريد بذلك المتوهم التفتازانى لكن علمت أن التفتازانى لم يرد أن العدول الذى سلكه الشارح ليس إلى تقدير الحصول بل إلى الاستدلال على الذاتية والتفتازانى يريد بحصول المعنى المعنى الحاصل أيضًا والتسامح فى ذلك مشهور.

قوله: (فإن شيئًا منهما لا يدل على كونه ذاتيًا) نقل عنه أنه توهم بعضهم أن إيجاب رفعه رفعه يدل على ذلك أى الذاتية وهو فاسد لأن رفع العلة الفاعلية يوجب رفع المعلول وليست العلة ذاتية للمعلول ويمكن دفعه بحمل الرفع على الذهنى وبأن رفع العلة يوجب رفع وجود المعلول لا رفع ماهيته فإن السواد مثلًا سواد فى نفسه وجد الفاعل أم لا بخلاف اللون مثلًا فإن رفعه يوجب رفع السواد فكأن ما ذكره مبنى على كون الماهيات مجعولة كذا فى حاشية الخلخالى ثم إن قوله فإن شيئًا منهما لا يدل على كونه ذاتيًا فيه رد على التفتازانى فإنه جعل الأول دالًا على كونه ذاتيًا.

قوله: (أو موجب له) قد تقدم له قريبًا أن الإيجاب لا يدل على الذاتية فمراده

ص: 182

أنه على تقدير أن الإيجاب يدل على كونه ذاتيًا كما هو رأى بعضهم فليس هنا إيجاب.

قوله: (وسيأتيك أيضًا ما يرد على المصنف) أى عند تقسيم العلم إلى ضرورى ونظرى لأنه لما عرف التصور الضرورى بما لا يتقدمه تصور وهو الذى يكون متعلقه مفردًا كالوجود والشئ والنظرى؛ بخلافه والتصديق الضرورى ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه والنظرى بخلافه قال بعد ذلك: واعلم أنه لا يلزم من توقف التصور على تصور مفرداته أن تطلب بل قد تكون حاصلة من غير سبق طلب ولا نظر يعنى فيكون تعريف التصور الضرورى غير جامع وتعريف التصور النظرى غير مانع.

ص: 183

قال: (وأصح الحدود صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض فيدخل إدراك الحواس كالأشعرى وإلا زيد فى الأمور المعنوية واعترض بالعلوم العادية فإنها تستلزم جواز النقيض عقلًا، وأجيب بأن الجبل إذا علم بالعادة أنه حجر استحال أن يكون حينئذٍ ذهبًا ضرورة وهو المراد ومعنى التجويز العقلى أنه لو قدّر لم يلزم منه محال لنفسه لا أنه محتمل).

أقول: وأما القائلون بأنه يحد فقد ذكروا له محدودًا، وأصحها أنه صفة توجب لمحلها تمييزًا لا يحتمل النقيض بوجه وهذا يتناول التصور إذ لا نقيض له، والتصديق اليقينى إذ له نقيض ولا يحتمله. ثم من كان يرى رأى الأشعرى يقتصر على هذا فيدخل فيه إدراك الحواس كالسمع والبصر وإلا زاد فى الحد قيدًا فقال: تمييزًا فى الأمور المعنوية فيخرج لأن تمييزها فى الأمور العينية الخارجية وقد اعترض على هذا الحد بالعلم بالأمور العادية ككون الجبل حجرًا فإنه علم ويحتمل النقيض لجواز انقلاب الجبل ذهبًا مثلًا لتجانس الجواهر واستوائها فى قبول الصفات مع ثبوت القادر المختار وهما يوجبان جواز ذلك. وأجاب بالمنع وأسند بأن الشئ يمتنع أن يكون فى الزمن الواحد حجرًا وذهبًا بالضرورة فإذا علم بالعادة كونه حجرًا فى وقت استحال أن يكون فى ذلك الوقت ذهبًا وإذا علم كونه حجرًا دائمًا استحال أن يكون ذهبًا فى شئ من الأوقات ونفى احتمال النقيض فى نفس الأمر فى جميع العلوم ضرورى نعم إنه يحتمل النقيض بمعنى أنه لو قدّر بدله نقيضه لم يلزم منه محال لنفسه وذلك لا يوجب الاحتمال كما فى حصول الجسم فى حيزه واختصاصه بحركته أو سكونه إذا علم بالحس فإنه لو قدر نقيضه فى ذلك الوقت لم يلزم منه محال مع أن نقيضه فى ذلك الوقت غير محتمل. ولتحقيق أن احتمال متعلقه لنقيض الحكم الثابت فيه لا يستلزم أن لا يجزم بأن الواقع أحدهما بعينه جزمًا مطابقًا لأمر يوجبه من حس وغيره.

قوله: (تمييزًا لا يحتمل النقيض) الظاهر من مثل هذه العبارة أنه لا يحتمل نقيض ذلك التمييز وفى بعض الشروح أن المراد يوجب التمييز إيجابًا لا يحتمل النقيض وفى قول الشارح وهذا يتناول التصور إذ لا نقيض له إشعار بأن المراد نقيض تلك الصفة لأنها العلم الذى هو التصور والتصديق، وفى آخر كلامه ما

ص: 184

يدل على أن المراد احتمال متعلق التمييز لنقيضه حتى إنه يعتبر فى التصديق نقيض الحكم الثابت فى متعلق التمييز وكأنه هو التحقيق وأما حمل متعلق التمييز على طرفى الحكم كما حمل الشارح متعلق الحكم النفسى عليه فبعيد، ومعنى قوله: لا نقيض للتصور أنه لا نقيض لمتعلقه لأن نقيض الشئ رفعه وسلبه ففيه شائبة الحكم والتصديق لكن هذا يبطل كثيرًا من قواعد المنطق ويوجب شمول التعريف لجميع التصورات غير المطابقة كما إذا تعقل الإنسان حيوانًا صهالًا اللهم إلا أن يقال: إنه ليس بتمييز وفى اعتبار النقيض للتصور وأخذ التصور للعلم مشروطًا بالمطابقة وعدم احتمال النقيض أيضًا إشكال.

قوله: (رأى الأشعرى) هو أن الإحساس ليس إلا علمًا بالمدركات الحسية.

قوله: (فى الأمور المعنوية) أى الصور الذهنية كليات كانت أو جزئيات لتقابل الأمور العينية وتقييدها بالكليات ليس بمستقيم لما ذكره فى المواقف من أنه يخل بطرد الحد أى انعكاسه؛ لأنه طرد للحد فى جميع أفراد الحدود على ما هو المعنى اللغوى إذ يخرج العلم بالجزئيات وفى بعض الشروح أن المعنى ههنا فى مقابلة اللفظ لأنه محسوس وفساده بين إذ لا يخرج جميع الإحساسات.

قوله: (لتجانس الجواهر) أى الجواهر الفردة التى هى أصول الأجسام والظاهر أنه لا حاجة إلى ذلك فى بيان المقصود بل مجرد الإمكان مع ثبوت القادر المختار كافٍ فله أن يعدم الجبل ويوجد الذهب مكانه فلا يكون حجرًا، وهو معنى النقيض سواء كان على وجه الانقلاب أو لم يكن.

قوله: (والتحقيق) حاصل كلامه أن المراد بعدم احتمال النقيض جزم العقل بأن ليس النقيض واقعًا فى نفس الأمر البتة وإن كان ممكنًا فى ذاته، ويتميز عن الجهل بالمطابقة وعن اعتقاد المقلد بوجود الموجب وفى كلامه إشعار بأن امتناع النقيض عند العقل امتناع ذاتى؛ لأنه لما اعتقده حجرًا دائمًا يمتنع أن لا يكون حجرًا فى شئ من الأوقات لامتناع اجتماع النقيضين بالذات وهو موافق لما ذكره القاضى البيضاوى من أن الجواب بوجهين: الأول: أن الإمكان فى نفسه لا ينافى الجزم المطابق لموجب وهو معنى عدم احتمال النقيض، الثانى: أن الجبل فى حال كونه حجرًا لا يمكن أن يكون ذهبًا أى لا حجرًا لاستلزامه اجتماع النقيضين وهذا مما يناقش فيه لما فيه من جعل الإمكان نقيض الضرورة بشرط المحمول وكذا قول

ص: 185

الشارح المحقق إذا علم كونه حجرًا دائمًا استحال كونه ذهبًا فى شئ من الأوقات إذ دوام الإيجاب لا ينافى إمكان السلب وفى بعض الشروح أن المراد أن النقيض ممكن فى نفسه لكنه ممتنع بالغير؛ لأن النفس قد اكتسبت بالعادة أن النقيض ممتنع فى الخارج وفى بعضها أن المراد بالتجويز العقلى الإمكان الخارجى وبالاحتمال الإمكان الذهنى ونفى الثانى لا ينافى ثبوت الأول، وأنت خبير بأنه يجب فى العلم عدم احتمال النقيض بوجه من الوجوه فالصواب ما أشار إليه الشارح من أن معنى عدم احتماله النقيض هو أن العقل لا يجوّز بوجه من الوجوه كون الواقع فى نفس الأمر نقيض ذلك الحكم، وإن كان من الأمور الممكنة كما إذا شاهد حركة زيد وبياض جسم فإنه لا يجوّز البتة فى ذلك الوقت كون زيد ساكنًا والجسم أسود بل يقطع بأن الواقع هو هذه النسبة لا غير، والعلوم العادية من هذا القبيل بخلاف ما إذا اعتقده اعتقادًا جازمًا لا بموجب فإنه لا يمتنع أن يظهر الأمر على خلاف معتقده.

قوله: (فقد ذكروا له حدودًا) ذكروها فى الكتب الكلامية وبينوا صحتها وفسادها وأصحها ما اختاره المصنف ههنا، وإنما كان أصح إما نظرًا إلى صحة تعريفه بالاعتقاد الجازم المطابق لموجب غير أنه لا يشمل التصور مع إطلاقه عليه إذ قد يقال: علمت معنى المثلث كما صرح بذلك فى المواقف فيكون هذا أصح منه لشموله كلا نوعيه، وإما نظرًا إلى صحة الحد المستفاد من التقسيم الذى سيأتى، لأن ذلك على القول بأنه إضافة وهذا على القول بأنه صفة ذات إضافة ولما ترجح الثانى كان الأول أصح، وأما قوله: ويسمى تصديقًا وعلمًا فليس من المقصود فى شئ.

قوله: (صفة) هى ما يقوم بغيره يتناول العلم وغيره وبقوله: توجب لمحلها تمييزًا أى: توجب لمحلها الذى هو النفس تمييزه لشئ يخرج الصفات التى توجب لمحلها التميز عن غيره فقط وهى ما سوى الإدراكات فإن القدرة مثلًا توجب امتياز محلها عن العاجز لا تمييزه لشئ بخلاف العلم فإنه يوجب تميز المحل وتمييزه معًا وبقوله: لا يحتمل النقيض أى لا يحتمل متعلق التمييز نقيضه بوجه من الوجوه يخرج الصفات الإدراكية التى توجب لمحلها تميزًا يحتمل متعلقه نقيضه كالظن وأخواته،

ص: 186

وحاصله أن العلم صفة قائمة بمحل متعلقة بشئ توجب كون المحل مميزًا للمتعلق تمييزًا لا يحتمل ذلك المتعلق نقيض ذلك التمييز، فلا بد من اعتبار المحل الذى هو العالم؛ لأن التمييز المتفرع على الصفة إنما هو له لا للصفة ولا شك أن تمييزه إنما هو لشئ تتعلق به الصفة، والتمييز وهو الذى لا يحتمل النقيض كما صرح به فيما بعد وإسناده إلى التمييز مجاز ثم الظاهر أن المراد نقيض التمييز كما ذكرناه لا نقيض الصفة أو المتعلق.

قوله: (وهذا) أى هذا الحد (يتناول التصور إذ لا نقيض له) لأن النقبضين هما المفهومان المتمانعان لذاتهما ولا تمانع بين التصورات فإن مفهومى الإنسان واللا إنسان مثلًا لا يتمانعان إلا إذا اعتبر ثبوتهما لشئ فيحصل حينئذٍ قضيتان متنافيتان صدقًا وإن جعل السلب راجعًا إلى نسبة الإنسان كانتا متناقضتين، وكذلك قولنا: حيوان ناطق حيوان ليس بناطق على التقييد لا يتدافعان إلا بملاحظة وقوع تلك النسبة إيجابًا وارتفاعها سلبًا أعنى التصديقين اللذين أشير بهما إليهما أو بالاعتبار المذكور فى المفردين، وكذا قولنا: اضرب ولا تضرب لا مدافعة بينهما إلا بنحو من أحد التأويلين فلا تناقض بين التصورات أنفسها وما ذكره المنطقيون من نقائض أطراف القضايا فعلى وجهين، أحدهما أن يعتبر نسبة الأطراف إلى الذات تقييدًا إيجابيًا أو سلبيًا ويسمون هذا نقيضًا بمعنى السلب، وثانيهما أن يلاحظ مفهوماتها من حيث هى هى ويجعل معنى حرف السلب مضمونًا إليها صائرًا معها شيئًا واحدًا ويسمونه نقيضًا بمعنى العدول وكلاهما مجاز على التأويل اللهم إلا أن يقال المتناقضان هما المفهومان المتنافيان لذاتيهما والتنافى إما فى التحقق والانتفاء كما فى القضايا وإما فى المفهوم بأنه إذا قيس أحدهما إلى الآخر كان أشد بعدًا مما سواه فيوجد فى التصورات أيضًا كما فى مفهومى الفرس واللا فرس وبهذا المعنى قيل رفع كل شئ نقيضه سواء رفعه فى نفسه أو رفعه عن شئ وإذا لم يكن للتصور نقيض صدق أن متعلقه لا يحتمل النقيض بوجه فإذا تصورنا ماهية الإنسان وحصل فى ذهننا صورة مطابقة لها فالتمييز ههنا هو تلك الصورة إذ بها تمتاز وتنكشف الماهية الإنسانية عند النفس ومتعلق التمييز هو تلك الماهية ولا يحتمل نقيض ذلك التمييز إذ لا نقيض له وعلى هذا فالعلم بالإنسان ليس تلك الصورة بل صفة توجبها، فإن قلت ما ذكرته يقتضى أن تكون التصورات بأسرها علوما

ص: 187

وهو باطل فإن بعضًا منها غير مطابق أجيب بأن التصور لا يوصف بعدم المطابقة أصلًا فإنا إذا رأينا شبحًا من بعيد وهو فرس وحصل منه فى أذهاننا صورة إنسان فتلك الصورة صورة الإنسان وإدراك له والخطأ إنما هو فى حكم العقل بأن هذه الصورة للشبح المرئى فالصور التصورية مطابقة لذوى الصور سواء كانت موجودة أو معدومة وعدم المطابقة فى أحكام العقل المقارنة لها.

قوله: (والتصديق اليقينى) التمييز فى التصديق اليقينى هو الإثبات والنفى وكل واحد منهما نقيض الآخر ومتعلقه الطرفان وهو لا يحتمل نقيض التمييز أصلًا لا بحسب نفس الأمر لأن الواقع فيه هو ذلك التمييز ولا عند ذلك المميز فى الحال لجزمه ولا فى المآل لاستناده إلى موجب ويلزم من ذلك أن لا يكون الإثبات والنفى علمًا بل ما يوجبهما.

قوله: (ثم من كان يرى رأى الشيخ أبى الحسن الأشعرى) أن إدراك الحواس قسم من العلم فمن يرى ذلك يقتصر فى حد العلم على ما ذكر فيدخل فيه الإحساسات (كالسمع) أى إدراك المسموعات بالقوة السامعة (والبصر) أى إدراك المبصرات بالقوة الباصرة إذ بكل واحد من الحواس ترتسم فى الذهن صورة بها يمتاز وينكشف المحسوس للنفس وليس لها نقيض فالصفة الموجبة لتلك الصورة تندرج فى الحد ومن لا يرى رأيه فزاد فيه قيدًا فقال: تمييزا فى الأمور المعنوية وأراد بها ما يقابل الأمور العينية أى الخارجية التى هى المحسوسة بالحواس الظاهرة فيتناول الكليات المعقولة والجزئيات الموهومة ومن قال فى الأمور المعنوية الكلية فقد أخل بانعكاس الحد.

قوله: (واعترض) أى الحد بأنه غير جامع لعدم صدقه على العلوم العادية التى هى من أفراد المحدود، وقوله: بالعلم بالأمور العادية أراد الأمور التى موجب العلم بها هو العادة كالعلم بكون الجبل حجرًا.

قوله: (لتجانس الجواهر واستوائها) يعنى تماثل الجواهر الفردة التى تتركب منها الأجسام وتساويها فى قبول الصفات المقابلة كالذهبية والحجرية فقد تحقق محل قابل مع ثبوت القادر المختار وهما يوجبان جواز الانقلاب.

واعلم أن ثبوت المختار مما أجمع عليه أهل الملل وقد برهن عليه فى الكلام وأما تجانس الجواهر الفردة بمعنى تماثلها فعند بعض المتكلمين فإن كانت متجانسة وهى

ص: 188

قابلة للصفات المتنافية فالجبل عبارة عن مجموع جواهر فردة مخصوصة موصوفة بالحجرية وذلك المجموع بعينه قابل للذهبية المستلزمة لنقيض الحجرية فالحكم بكونه حجرًا محتمل لنقيضه وإن كانت متخالفة الحقائق وما يتركب منه الجبل لا يجوز أن يتركب منه الذهب فليس هناك موضوع معين يصح أن يتوارد عليه هذان الوصفان المتنافيان فليس الحكم على الجبل بأحدهما محتملًا لنقيضه، نعم يمكن أن يعدم الجبل ويوجد الذهب مكانه فيختلف الموضوع فلا تنافى بين الحكمين فلا احتمال للنقيض اللهم إلا أن يؤخذ الموضوع ما هو قدر مشترك بينهما كالشاغل للمكان الفلانى مثلًا فلا يكون الحكم واردًا على خصوصية الجبل كما ذكره المصنف وحيث أراد الشارح توجيه كلامه تعرض لحديث التجانس فبطل ما توهم من أنه لا حاجة إلى ذلك فى بيان المقصود بل يكفيه مجرد الإمكان مع القادر المختار.

قوله: (وأجاب بالمنع) نقض الحد بخروج بعض أفراد المحدود مبنى على مقدمتين، الأولى أن ذلك من أفراده، والثانية أنه خارج منه ولما كانت المقدمة الأولى ههنا مسلمة والثانية مبرهنة باحتمال العلوم العادية نقائضها منع احتمالها للنقيض وأسنده بأن الشئ الواحد كالجبل مثلًا يمتنع أن يكون فى الوقت الواحد حجرًا وذهبًا لامتناع اجتماع الشئ مع ما هو أخص من نقيضه عقلًا فذلك معلوم ضرورة فإذا علم بالعادة كونه حجرًا فى وقت استحال أن يكون هو بعينه فى ذلك الوقت ذهبًا وإلا لأمكن اجتماع النقيضين وإذا علم بالعادة أيضًا كونه حجرًا دائمًا استحال أن يكون ذهبًا فى شئ من الأوقات وما ذكر من الاستحالة هو المراد بعدم الاحتمال فالعلم العادى بكونه حجرًا سواء كان مؤقتًا بوقت معين أو دائمًا لا يحتمل النقيض قطعًا ونفى احتمال النقيض فى نفس الأمر بالمعنى الذى ذكرناه ضرورى فى جميع العلوم عادية كانت أو غيرها نعم إن العلم العادى يحتمل نقيضه تجويزًا عقليًا بمعنى أنه لو فرض بدله نقيضه لم يلزم من النقيض محال لنفسه وذلك لا يوجب الاحتمال الذى نفيناه لاستلزامه محالًا نظرًا إلى ما هو واقع فى نفس الأمر أو لا يرى أن هذا التجويز جاز فى جميع الممكنات الواقعة ولا اختصاص له بالأمور العادية مع أن ما علم منها بالحس كحصول الجسم فى حيزه مثلًا لا يحتمل النقيض اتفاقًا فلا فرق بين أن يعلم كون الجبل حجرًا مشاهدة وبين

ص: 189

أن يعلم ذلك عادة فى التجويز العقلى ونفى الاحتمال بحسب نفس الأمر.

مقدمة: إذا وقع أحد طرفى الممكن فى وقت فإذا قيس طرفه الآخر إلى ذاته من حيث هو كان ممكنًا له فى ذلك الوقت قطعًا وإن قيس إلى ذاته من حيث هو متصف بذلك الطرف كان ممتنعًا لا بحسب الذات بل بحسب تقييده بما ينافيه فهو امتناع بالغير فإن قلت: الذات مأخوذًا مع أحدهما يمتنع له الآخر امتناعًا ذاتيًا نظرًا إلى المجموع وكيف لا واجتماع النقيضين محال لذاته ولا ينافى ذلك إمكانه للذات وحده قلت: الطرفان هناك مقيسان إلى الذات لا إلى المجموع المركب منه ومن أحدهما ولا امتناع هناك إلا بالغير واجتماع النقيضين وإن كان مستحيلًا لذاته لكن صدق أحدهما فى زمن صدق الآخر ممتنع لا لذاته بل لصدق الآخر ولولاه لم يستلزم اجتماع النقيضين وعلى هذا فالممكن المطابق للواقع يمكن نقيضه بالذات وهو معنى التجويز العقلى ويستحيل بالغير وهو معنى نفى الاحتمال فالإمكان الذاتى يقابل الامتناع الذاتى والاحتمال فى نفس الأمر يقابل الامتناع مطلقًا وهو المراد بالاستحالة فى قوله: استحال أن يكون ذهبًا فى شئ من الأوقات فإن صدق المطلقة الوقتية يستحيل لصدق الدائمة فبطل ما قيل من أن دوام الإيجاب لا ينافى إمكان السلب فلا يصح الحكم بالاستحالة هناك.

قوله: (والتحقيق) قد حقق أن التجويز العقلى لا ينافى عدم احتمال النقيض فى الواقع فأخذ يحقق أنه لا ينافيه مطلقًا وبيانه أن احتمال متعلق العلم لنقيض الحكم الثابت فيه بدله بل احتماله لكل واحد من النقيضين على البدل وهو معنى التجويز العقلى لا يستلزم أن لا يجزم بأن الواقع أحدهما بعينه جزمًا مطابقًا لأمر يوجب ذلك الجزم من حس وغيره من ضرورة أو عادة أو برهان فباعتبار حصول الجزم لا يكون له احتمال النقيض الآخر عند العالم فى الحال وبواسطة الموجب لا يحتمله عنده فى المآل ولأجل مطابقته لا يحتمل فى نفس الأمر فلا احتمال بوجه وأنت خبير بأن نفى الاحتمال عند العالم على الوجهين إنما هو لإمكان الاحتمال عنده كما فى الظن والتقليد وأما نفيه بحسب الواقع فمآله إلى المطابقة وعدم وقوع النقيض فيه إذ لا يتصور له احتمال فى الواقع أما على تقدير عدمه فلما حققناه وأما على تقدير وجوده فلأن هناك وقوعًا لا احتمال وقوع وسنشير إليه فيما بعد فالظاهر أنه قصد ذلك فى تحقيقه.

ص: 190

قوله: (كالظن وأخواته) وهى الجهل المركب والتقليد والوهم والشك هنا سؤال مشهور وهو أن الشك والوهم من قبيل التصور ولا نقيض له فلا يكون فيهما احتمال النقيض، والجواب أن المراد بالتصور فى قوله: والتصور ولا نقيض له إدراك ما عدا الوقوع واللاوقوع يدل على ذلك بالنظر إلى ظاهر اللفظ والعبارة قوله فيما بعد التصوّر علم بمفرداته والتصديق علم بوقوع النسبة ولا وقوعها، وأريد بالمفرد ما عدا حصولها ولا حصولها هذا كلامه ويفهم منه أن إدراك الوقوع واللا وقوع مجردًا عن الإذعان والقبول لا يكون تصوّرًا إذ ليس هذا الإدراك علمًا بمفرد بالمعنى المذكور ولو أريد دخوله فى التصوّر لوجب أن يقال التصديق علم بحصول النسبة ولا حصولها والتصور علم هو غير العلم بحصولها ولا حصولها لا العلم بما عدا الحصول واللاحصول؛ لأن ما ذكر فى تفسير التصديق من العلم بالحصول واللا حصول مقيد بكونه على طريق الإذعان والقبول إذ العلم بالحصول واللا حصول يجوز أن يكون تصوّرًا فإن التصوّر يتعلق بكل شئ، فإذا قيل التصوّر علم هو غير العلم المذكور دخل العلم بالحصول واللا حصول الواقع فى الشك فى التصوّر والإشكال فى الشك ليس إلا باعتبار إدراك الوقوع واللا وقوع فإذا خرج هذا الإدراك من التصوّر صح قوله لا نقيض لتصوّر وإن الشك يحتمل النقيض.

واعلم أن احتمال النقيض فى الشك لا على تفصيل الإثبات والنفى الذى يلاحظ فيه بأن يقال الشك باعتبار الإثبات يناقض الشك باعتبار النفى وقد وقع فيه كلام يناسب ذلك فى قوله فيما بعد؛ أجيب عن الأول بأن النسبة من حيث هى تصوّر لا نقيض لها من حيث هذه الحيثية؛ لكن يتعلق بها الإثبات أو النفى وكل واحد نقيض الآخر فهى من حيث يتعلق بها الإثبات تناقض من حيث يتعلق بها النفى، ولا نشك أن النسبة الإيجابية لا تخلو عن ملاحظة أحدهما إما معينًا أو غير معين فإن الشاك يلاحظ معها كل واحد منهما على سبيل التجويز هذا كلامه.

قوله: (كون المحل مميزًا) يدل على أن التمييز يراد به المعنى المصدرى وسيجئ أن التمييز هو الصورة الإدراكية فإنه قال فيما بعد فالتمييز ههنا هو تلك الصورة وقال أيضًا التمييز فى التصديق اليقينى هو الإثبات والنفى.

ص: 191

قوله: (وهذا الذى لا يحتمل النقيض) يعنى أن الضمير الفاعل فى قوله لا يحتمل النقيض يجب أن يرجع إلى متعلق التمييز، ولا يجوز أن يرجع إلى التمييز أو إلى الصفة لأن التمييز فى التصديقات هو الإثبات والنفى كما سيجئ ولا معنى لاحتمال الإثبات نقيضه الذى هو النفى إذ لا يصح أن يقال الإثبات يحتمل النفى فلا معنى لاحتمال التمييز نقيضه وكذا الصفة فإنه لا يصح أن يقال الصفة الموجبة للتمييز الذى هو الإثبات يحتمل ذلك نقيض التمييز أى النفى إذ على تقدير النفى تتبدّل الصفة المتعلقة بالإثبات لا احتمال للصفة كالتمييز، وأما متعلق التمييز فكونه محتملًا لنقيض التمييز أمر معقول لأن متعلق التمييز فى التصديقات الطرفان كما سيجئ وللطرفين المتعلق بهما الإثبات احتمال نقيض الإثبات الذى هو النفى إذ يجوز وقوع النقيضين بينهما على سبيل البدل، وأما ما أضيف إليه النقيض فى قوله لا يحتمل النقيض فالظاهر أنه التمييز لا الصفة ولا المتعلق لأن المتعلق لا نقيض له إذ هو من الأمور التصورية والظاهر أن الصفة أمر غير النفى والإثبات كما سيجئ فلا نقيض له أيضًا وظاهر العبارة أيضًا يناسبه.

قوله: (إلا إذا اعتبر ثبوتهما لشئ) فإن قلت إن أريد باعتبار ثبوتهما لشئ فلا يصح قوله لا يتمانعان إلا إذا اعتبر ثبوتهما لشئ إذ قد يتمانعان باعتبار ثبوتهما لشئ من غير حكم بأن يقال: زيد إنسان زيد لا إنسان على وجه الشك والتردد فإن التناقض واحتمال النقيض متحقق فى الشك قطعًا وإن أريد ما هو أعم من ذلك فلا يصح قوله فيحصل حينئذٍ قضيتان إذ القضية بجب فيها الحكم قلت: المراد هو الثانى وإطلاق القضية على التسامح الشائع.

قوله: (أو بالاعتبار المذكور فى المفردين) أى اعتبار ثبوتهما لشئ بأن يقال مثلًا: زيد حيوان ناطق زيد حيوان ليس بناطق فحصل ههنا قضيتان متناقضتان صدقًا وهذا القدر كافٍ فى كون المفهومين متدافعين ولا مجال ههنا لجعل السلب الواقع داخل المركب التقييدى راجعًا إلى نسبة هذا المركب التقييدى إلى شئ على وجه يحصل قضيتان متناقضتان إذ السلب داخل فى هذا المركب لا يصلح لرجوعه إلى النسبة الواقعة بين هذا الشئ وبين هذا المركب التقييدى ولو أريد تحصيل القضيتين المتناقضتين وجب اعتبار السلب خارجًا عن المركب التقييدى بأن يقال زيد ليس بحيوان ناطق.

ص: 192

قوله: (إلا بنحو من أحد التأويلين) فى عبارته الإشعار باختلاف التأويل الواقع فى المركب الإنشائى بالنسبة إلى ما سبق حيث لم يقل إلا بأحد التأويلين والتأويلان أحدهما قى قولنا: اضرب إشارة إلى قضية هى قولنا أطلب منك الضرب والآخر أن يقال: زيد مقول فى حقه اضرب زيد مقول فى حقه لا تضرب وإن أريد تحصيل القضيتين المتناقضتين قيل زيد مقول فى حقه اضرب زيد لا يقال فى حقه اضرب ولا يمكن اعتبار ثبوتهما لشئ باقيين على حالهما وقد حصل قضيتان متناقضتان كما فى المركب التقييدى والحق أن المراد بالتأويل الثانى اعتبار ثبوتهما لشئ من غير التناقض.

قوله: (فالتمييز ههنا هو تلك الصورة) يمكن أن يقال: يجوز أن يجعل التعريف على وجه يصير العلم الإنسانى تلك الصورة بأن يقال المراد بالتمييز هو المعنى المصدرى وقوله لا يحتمل النقيض جملة مرتبطة بالصفة ومعناه لا يحتمل متعلق تلك الصفة نقيضها وعلى هذا فالعلم بالإنسان هو نفس تلك الصورة، إذ يصدق على تلك الكيفية النفسانية أنها صفة توجب تمييزًا أى كون المحل مميزًا إذ بتلك الصورة يمتاز وينكشف ماهية الإنسان ويصدق أيضًا أن متعلقها لا يحتمل نقيضها، ومثل ذلك يقال فى صدقه على الإثبات والنفى فى التصديقات.

قوله: (فالصور التصورية مطابقة لذوى الصور) يعنى أن المطابقة وعدمها يعتبران فى التصورات بالنسبة إلى ذى الصورة لا بالنسبة إلى ما يؤخذ منه تلك الصورة لأن تلك الصورة التصورية فيها حكاية عن المتصور، وأما التصديق فالمطابقة وعدمها يعتبران بالنسبة إلى ما فى نفس الأمر لا بالنسبة إلى ذى الصورة لأن التصديق فيه حكاية عما فى نفس الأمر فلا يرد عليه ما قد قيل من أن المطابقة وعدمها إذا كانتا باعتبار ذى الصورة فلا حكم من العقل إلا وهو صادق مطابق لذى صورته.

قوله: (ومتعلقه الطرفان) قيل عليه إنه قد بين أن المتعلق فى التصور هو المتصور وفى الإثبات والنفى الطرفان ولا يفهم مما ذكر فى التعريف هذا التفصيل بل للمتعلق مفهوم كلى صادق على ما ذكر من المتصور والطرفين، وكما يصدق مفهوم المتعلق فى جانب التصور على ذى الصورة كذلك يصدق هذا المفهوم فى جانب الإثبات والنفى على ذى الصورة وهو الوقوع واللاوقوع وقد ظهر من

ص: 193

توضيح تعريف العلم أن المحتمل للنقيض لا يكون إلا الطرفين ولا يتصور ذلك الاحتمال بين النفى والإثبات أو بين الوقوع واللاوقوع فلا معنى لأن يقال الإثبات أو الوقوع يحتمل النفى أو اللاوقوع بل يجب أن يقال الطرفان لهما احتمال النقيض فمفهوم المتعلق يصدق على شيئين فى جانب التصديق وهما ذو الصورة والطرفان فيصدق على الظن وأخواته بسبب المتعلق الذى هو ذو الصورة أن متعلقه لا يحتمل النقيض فدخل فى التعريف وقد يجاب بأن المراد لا يحتمل شئ له من متعلقه النقيض فخرج من التعريف.

قوله: (لاستناده إلى موجب) لقائل أن يقول إن ذلك مبنى على عدم جواز انتفاء الموجب وهو خلاف الواقع؛ فإن بعضًا من القضايا الحاصلة لنا بالبرهان فى وقت قد يصير منسيًا فى وقت آخر مع ما يوجبه بحيث إذا توجهنا إليه تردّدنا فيه، وقد يظهر دليل على خلاف ما كان وحصل اعتقاد مخالف.

قوله: (ترتسم فى الذهن صورة) إذا ارتسم فى الذهن الصورة المتعلقة بالجزئيات فلها فى النفس صورة وصفة موجبة لها هى العلم، وإن ارتسم تلك الصورة فى القوى البدنية فلا يصدق التعريف على ما فى تلك القوى إذ يجب أن يكون محل مميزًا بسبب العلم وليس القوّة البدنية مميزة؛ بل المميز هو النفس فلو تحقق فرد من العلم حين الإحساس بإحدى الحواس لكان هذا الفرد حاصلًا فى النفس وموجبًا لصورة حاصلة فى تلك القوى.

قوله: (موصوفة بالحجرية) التحقيق ذكره مبنى على أن الجبل عبارة عن الجواهر الفردة المعروضة لعرض هو يميز له صورة نوعية الجوهرية عند الحكماء؛ فإن من قال بالجواهر الفردة يتميز أنواع الجواهر عنده بأعراض متنوعات لها وهذا العرض المتنوع الجبلية يكون على وجه يجوز اجتماعه مع الصورة النوعية الحجرية ومع الصورة النوعية الذهنية أيضًا، وأما كونه عبارة عن الجواهر الأفراد فقط من غير اعتبار شئ آخر معها فالواقع بخلافه وإذا كان كذلك فالحكم على الجبل بأنه حجر حكم عليه بأنه ذهب من غير تغيير فى الوضوع الذى هو الجبل فحصل اتحاد الموضوع فى القضيتين، وتوجيهه إيراد حديث تجانس الجواهر الأفراد وعلى هذا يجب على الشارح أن يقول لجواز انقلاب الحجر ذهبًا إذ لا معنى لقوله انقلاب الجبل ذهبًا؛ لأن الجبل حين ذهبيته موجود بحاله وعلى المحشى أن يقول فالجبل

ص: 194

عبارة عن مجموع جواهر مخصوصة وذلك المجموع بعينه قابل للذهبية وأن يترك قوله: موصوفة بالحجرية إذ الجواهر الموصوفة بالحجرية لا تحتمل الذهبية، وأما القول بانقلاب الجبل ذهبًا فهو يوجب اختلاف الموضوع فى القضيتين سواء كانت الجواهر متجانسة أو لا فلا فائدة فى إيراد حديث التجانس.

قوله: (والاحتمال فى نفس الأمر يقابل الامتناع مطلقًا) فإذا قلنا: إن قولنا زيد قائم يحتمل الوقوع يكون معناه أن ثبوت القيام لزيد لا يكون ممتنعًا لذاته ولا يكون ممتنعًا بالغير أى بسبب تحقق عدم القيام، فالاحتمال بهذا المعنى يستلزم الوقوع إذ لو لم يقع القيام لكان الواقع عدم القيام فكان وقوع القيام ممتنعًا بالغير لاستحالة وقوع القيام لزيد بشرط عدم القيام، فالاحتمال بالمعنى المذكور لا بجامع الامتناع المطلق وهو المراد بالاستحالة أى والامتناع المطلق الذى هو أعم من أن يكون بالذات أو بالغير هو المراد بالاستحالة فى قوله استحال أن يكون ذهبًا فى شئ من الأوقات، وهذه الاستحالة بمعنى الامتناع المطلق لازم لكون حجرية الجبل دائمًا لأنه لو لم يكن لازمًا لجاز دوام حجرية الجبل مع عدم الاستحالة المذكورة فلزم جواز صدق المطلقة الوقتية مع صدق الدائمة مختلفتين إيجابًا وسلبًا بيان ذلك أنه لما كانت تلك الاستحالة بمعنى الامتناع المطلق الذى يكفى فى صدقه تحقق أحد فرديه أعنى الامتناع الذاتى والامتناع بالغير كان عدم تلك الاستحالة مستلزمًا لعدم كل واحد من فردية فلزم الإمكان الذاتى والوقوع فى نفس الأمر فلزم كون الجبل ذهبًا فى وقت من الأوقات، وهو المطلقة الوقتية حين تحقق دوام الحجرية للجبل وهو الدائمة فبطل ما قيل من أن دوام الإيجاب الذى هو دوام حجرية الجبل لا ينافى إمكان السلب الذى هو لازم لذهبية الجبل يعنى أن دوام الحجرية يجوز اجتماعه مع إمكان الذهبية فلا يصح الحكم للزومه الاستحالة.

قوله: (بل احتماله لكل واحد من النقيضين) يعنى أن المناسب بقوله أن لا يجزم بأن الواقع أحدهما هو أن يقال احتمال متعلق الحكم لكل واحد من النقيضين ولما ذكر احتمال متعلقه لنقيض الحكم الثابت فيه ناسب أن يذكر هكذا لا يستلزم أن لا يجزم بأن الواقع هو الثابت فيه.

التفتازانى: (الظاهر من مثل هذه العبارة. . . إلخ) وجه كونه ظاهرًا منها أنه

ص: 195

المذكور صريحًا وهو الموافق لقولهم: اعتقاد الشئ كذا مع اعتقاد أنه لا يكون إلا كذا علم ومع احتمال أنه يكون كذا احتمالًا مرجوحًا ظن وهناك وجهان مرجوحان أحدهما: أن يراد نقيض المتعلق ويكون المراد بالتمييز المعنى المصدرى أعنى الكشف والإيضاح فالمعنى صفة توجب لمحلها الكشف والإيضاح لمتعلقها بحيث لا يحتمل ذلك المتعلق نقيضه وحينئذٍ تكون الصفة المعبر عن العلم بها عبارة عن الصورة بالنسبة للتصور وعن الإثبات والنفى بالنسبة إلى التصديق لا ما يوجبهما ويصح أيضًا أن يكون المراد بالتمييز ما به التمييز وهو الصورة والإثبات والنفى وحينئذٍ فتكون الصفة المعبر بها عن العلم ما يوجب تلك الصورة والإثبات والنفى وإنما كان ذلك الوجه أعنى أن يراد من النقيض نقيض المتعلق مرجوحًا لأن الشئ لا يكون محتملًا لنقيضه أصلًا؛ لأن الواقع ليس إلا أحدهما واحتمال الشئ لنقيضه يقتضى اتصافه به وهو باطل إلا أن يقال: إن المراد باحتماله لنقيضه احتماله عند المدرك احتمالًا بدليًا أى احتمال حصول أحدهما بدلًا عن الآخر والمراد بالمتعلق على هذا وقوع النسبة أو لا وقوعها لا الطرفان إذ لا معنى لاحتمالهما نقيض أنفسهما فكل واحد من التصور والتصديق صفة توجب كشفًا وأيضًا حالًا يحتمل متعلقه نقيضه عند المدرك، أما فى التصور فلانتفاء النقيض، وأما فى التصديق فلأن متعلقه أعنى الوقوع للنسبة مثلًا له نقيض فى نفس الأمر هو الوقوع فيه فإن لم يكن التصديق أعنى إدراك الوقوع أو للوقوع جازمًا مطالقًا مأخوذًا من حس أو بداهة أو عادة أو برهان احتمل متعلقه أعنى الوقوع مثلًا لنقيضه وهو اللاوقوع وإذا كان التصديق جازمًا مطابقًا مستندًا لما ذكر لم يكن متعلقه محتملًا لنقيضه لا فى الحال ولا فى المآل، وثانيهما: أن يراد نقيض الصفة وضمير لا يحتمل على كل حال راجع للمتعلق والمعنى صفة توجب تمييزًا لا يحتمل متعلقه نقيض تلك الصفة فالتصور والتصديق على هذا نفس الصفة لا توجبه، والمراد بها صورة الماهية فى التصور والإثبات والنفى فى التصديق والمتعلق فى التصور الماهية المتصورة وفى التصديق الطرفان أو النسبة وعدم احتمال المتعلق الذى هو الشئ المتصور لنقيض الصفة التى هى الصورة الذهنية فى التصور لعدم النقيض لتلك الصفة، وعدم احتمال المتعلق فى التصديق إذا كان جازمًا مطابقًا لموجب لنقيض الصفة لأنه إذا كان كذلك فلا يحتمل النقيض وإن كان له نقيض فى ذاته وإنما كان

ص: 196

هذا الوجه الثانى مرجوحًا أيضًا لأنه خلاف ظاهر العبارة ومخالف لتعريف العلم بناءً على أنه إضافة حيث قالوا: إنه تمييز لا يحتمل النقيض فإنه لا يمكن أن يراد فيه نقيض الصفة.

التفتازانى: (إيجابًا لا يحتمل النقيض) أى: فجعل قوله فى التعريف لا يحتمل النقيض صفة للإيجاب المأخوذ من قوله توجب ثم إن المعنى أيضًا لا يحتمل ذلك الإيجاب باعتبار متعلق تلك الصفة نقيض ذلك التمييز بمعنى ما به التمييز وهو الصورة والإثبات والنفى.

التفتازانى: (إشعار بأن المراد نقيض تلك الصفة) تقدم أنه احتمال مرجوح فيؤول قوله إذ لا نقيض له بأن المراد لا نقيض لتمييزه الذى هو الصورة فى التصور والإثبات والنفى فى التصديق.

التفتازانى: (على أن المراد احتمال متعلق التمييز لنقيضه) إن كان الضمير فى قوله لنقيضه راجعًا للتعلق ويكون إشارة إلى الوجه الثانى المرجوح لم يظهر قوله حتى إنه يعتبر فى التصديق نقيض الحكم الثابت فى متعلق التمييز فإنه صريح فى أن النقيض هو الحكم الذى هو الإثبات أو النفى المعبر عنه بالتمييز بل كأن يقول حتى إنه يعتبر فى التصديق نقيض متعلق التمييز ويكون قوله: وأما حمل متعلق التمييز على طرفى الحكم جوابًا عن إيراد على جعل النقيض للمتعلق حاصله أن التعلق الطرفان ولا معنى لاحتمالهما نقيضهما وحاصل الجواب أن المتعلق على هذا ليس هو الطرفان بل الوقوع أو اللاوقوع والاحتمال حاصل على سبيل البدل وإن كان الضمير عائدًا على التمييز كان قوله حتى أنه يعتبر فى التصديق. . . إلخ تفريعًا ظاهرًا وكان هو الموافق لما قاله الشارح آخرًا ويكون قوله وأما حمل متعلق التمييز. . . إلخ ليس جوابًا عن إيراد بل المقصود بيان أن هذا الوجه الذى فى آخر كلامه هو التحقيق وحمل المتعلق فيه على النسبة أولى من حمله على الطرفين.

التفتازانى: (لأن نقيض الشئ رفعه) فهم أن المراد رفعه فى نفسه باعتبار التحقق فيكون بين النقيضين تمانع وتدافع فى التحقق فيكون التناقض قاصرًا على التصديق وأما لو أريد الرفع سواء كان باعتبار التحقق أو البعد فى المفهوم بمعنى أنه إذا قيس أحد الأمرين إلى الآخر كان أشد بعدًا مما سواه كالإنسان واللاإنسان كان للتصور نقيض أيضًا.

ص: 197

التفتازانى: (يبطل كثيرًا من قواعد المنطق) أى كقولهم نقيضا المتساويين متساويان لا كقولهم عكس النقيض جعل نقيض الموضوع محمولًا فإن ذلك ليس قاعدة بل تصوير وتعريف.

التفتازانى: (ويوجب شمول التعريف لجميع التصورات غير المطابقة) أى فتكون كلها علمًا مع أنهم اشترطوا فى العلم المطابقة.

التفتازانى: (اللهم إلا أن يقال: إنه ليس بتميز) هو غير ظاهر والإشكال الذى قاله بعد الذى هو قوله: وفى اعتبار. . . إلخ. يرد هذا ويفيد أن جميع التصورات مطابقة.

التفتازانى: (أيضًا إشكال) أى لأنا لو تصورنا الحجر من بعد بصورة الإنسان لم يكن ذلك غير مطابق بل هو مطابق لأن الصورة المتصورة هى صورة الإنسان قطعًا وإنما الخطأ فى الحكم بأنها لذلك الحجر فلا نقيض حتى فى تلك الصورة.

التفتازانى: (لأنه طرد للحد. . . إلخ) أى: الانعكاس جريان للحد فى جميع أفراد الحدود وشموله لها، وقوله: على ما هو المعنى اللغوى أى للطرد فليس المراد به المعنى الاصطلاحى لأن التقييد بالكليات لا يخل به.

التفتازانى: (المراد بعدم احتمال النقيض جزم العقل. . . إلخ) أى: فمعنى عدم احتمال النقيض الذى أخذ فى تعريف العلم جزم العقل بما فى الواقع لموجب.

التفتازانى: (امتناع ذاتى) أى لاعتبار الاتصاف بأحد الطرفين فى نفس الأمر وقد علمت من كلام السيد أن ذلك امتناع بالغير.

التفتازانى: (الأول أن الإمكان فى نفسه. . . إلخ) هو التحقيق الذى ذكره الشارح آخرًا بقوله: والتحقيق كما يؤخذ من قوله أولًا حاصل كلامه أن المراد. . . إلخ. وقوله الثانى: إن الجبل. . . إلخ. هو ما قبل التحقيق على ما فهمه.

التفتازانى: (لما فيه من جعل الإمكان نقيض الضرورة بشرط المحمول) أى حيث نفى الإمكان يعنى مع أنه ليس نقيضها لأن الإمكان إنما يقابل الضرورة الذاتية ورد بأن المراد بعدم الإمكان الامتناع بالغير وهو يناقض الضرورة بشرط المحمول.

التفتازانى: (وكذا قول الشارح. . . إلخ) أى فيه مناقشة وقد علمت مما قاله السيد ردها.

التفتازانى: (لأن النفس قد اكتسبت. . . إلخ) أى فلا يقال: إن العادة تمنع

ص: 198

احتمال النقيض فى الذهن أما فى الخارج فلا إذ غاية حكم العادة الجزم ولا يلزم أن يكون مطابقًا.

التفتازانى: (بوجه من الوجوه) أى فى الخارج أو فى العقل ولا بتشكيك مشكك. قوله: (وأصحها ما اختاره المصنف هنا) هذا لا ينافى ما قاله المحشى فى شرح المواقف من أن أصح الحدود أن يقال: صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت به لأنه بصدد بيان مختار المصنف لا بيان ما هو أحسن عنده.

قوله: (وإنما كان أصح. . . إلخ) يعنى أنه أصح من بينها فلا يقتضى أن يكون كل ما عدا هذا التعريف صحيحًا.

قوله: (غير أنه لا يشمل التصور) يقال هو حينئذ غير صحيح فلا يظهر أن الذى ذكره المصنف أصح بالنسبة له ويجاب بأنه حد لما هو المشهور من قسمى العلم لكن تعريف مطلق العلم أحسن وأضبط فكان أصح كذا نقل عن المحشى.

قوله: (المستفاد من التقسيم) أى فى قوله الآتى وما عنه الذكر الحكمى أما أن يحتمل. . . إلخ لكن لا باعتبار القسم الذى هو الطرفان أو النسبة لأن ذلك يختص بالتصديق ولا يشمل التصور بل يقال: تمييز لا يحتمل متعلقه النقيض بوجه وحينئذ يكون العلم إضافة إذ المراد بالتمييز فيه الكشف والإيضاح.

قوله: (وهذا على القول بأنه صفة ذات إضافة) المشار إليه بهذا هو التعريف بصفة توجب تمييز. . . إلخ.

قوله: (ولما ترجح الثانى) هو الحد المستفاد من التقسيم وقوله ترجح الأول أى الذى هو صفة توجب تمييز. . . إلخ. فالمراد بالأول والثانى ليس الأول والثانى فى قوله لأن ذلك على القول بأنه إضافة وهذا على القول بأنه صفة بل الأول بالنسبة لقوله وأما نظرًا إلى صحة الحد المستفاد من التقسيم فإن ذلك ثان بالنسبة للأول المذكور فى المتن.

قوله: (وأما قوله ويسمى تصديقًا وعلمًا) أى قوله فيما يأتى والعلم ضربان علم بمفرد ويسمى تصورًا وعلم بنسبة ويسمى تصديقًا وعلمًا وقوله فليس من المقصود فى شئ أى لأنه لم يقصد به تعريف العلم حتى يعتبر حدًا له وتعتبر النسبة بين هذا الحد الذى هو أصح الحدود وبينه.

قوله: (توجب لمحلها تمييزًا) أى توجب إيجابًا عاديًا كون المحل وهو النفس

ص: 199

بحيث يلاحظ ذلك التعلق مميزًا عما عداه فالمعنى أن العلم صفة قائمة بالنفس يخلقها اللَّه تعالى عقب تعلقها بالشئ توجب تلك الصفة بطريق جرى العادة أن تكون النفس بحيث تلاحظ هذا الشئ مميزًا عن جميع ما عداه تمييزًا لا يحتمل النقيض.

قوله: (كالظن وإخوانه) قال بعض الفضلاء: إخراج الشك والوهم من تعريف العلم لا وجه له لأن كلًا منهما تصور ولا نقيض للتصور وأجاب عبد الحكيم على حاشية الخيالى بأن الشك والوهم من حيث إنهما تصور للنسبة من حيث هى هى لا نقيض لهما وهما بهذا الاعتبار داخلان فى العلم وأما باعتبار أنه يلاحظ فى كل منهما النسبة مع كل واحد من النفى والإثبات على سبيل التجويز المساوى أو المرجوح ولذا يحصل التردد والاضطراب فلكل منهما نقيض فإن النسبة من حيث يتعلق بها الإثبات تناقض النسبة من حيث يتعلق بها النفى وهما بهذا الاعتبار خارجان من الحد. اهـ. فقوله: وإخوانه اندرج فيه الشك والوهم على الاعتبار الثانى.

قوله: (وهو الذى لا يحتمل النقيض كما صرح به) أى الشارح آخرًا حيث قال: والتحقيق أن احتمال متعلقه لنقيض الحكم الثابت فيه.

قوله: (مجاز) من وصف المتعلق بالكسر بوصف المتعلق بالفتح.

قوله: (ثم الظاهر أن المراد نقيض التمييز. . . إلخ) قد عرفت وجه ظهوره فيما كتب على السعد وأن الاحتمالات فى النقيض ثلاثة والمحتمل المتعلق على كل حال.

قوله: (المتمانعان لذاتهما) أى اللذان يتدافعان لذاتهما فى التحقق بحيث يقتضى تحقق أحدهما لذاته نفى تحقق الآخر وبالعكس كالإيجاب والسلب.

قوله: (ولا تمانع بين التصورات) أى لأنه لا يلزم من تحقق صورة انتفاء الأخرى فإن صورة الإنسان واللاإنسان كلتاهما حاصلتان لا تدافع بينهما إلا إذا اعتبر نسبتهما لشئ فيحصل حينئذ قضيتان متنافيتان صدقًا فقط إن لم يجعل السلب راجعًا إلى نسبة الإنسان إلى شئ بل اعتبر جزءًا منه وأما إن جعل السلب راجعًا إليها كانتا متنافيتين صدقًا وكذبًا معًا وحاصله أنه لو اعتبر الإنسان ثابتًا لشئ واللاإنسان ثابتًا لذلك الشئ كانتا قضيتين موجبتين إحداهما معدولة المحمول فلا

ص: 200

يصح اجتماعهما وصدقهما للتنافى بينهما ويجوز أن يرتفعا إذا كان الموضوع معدومًا وتكذب القضيتان لأن الموجبة لابد فيها من وجود الموضوع وإن اعتبر الإنسان مثلًا ثابتًا لشئ واللاإنسان اعتبر سلب الإنسان عنه فيكون قضيتان إحداهما موجبة والأخرى سالبة المحمول فلا يصدقان ولا يكذبان فيتناقضان.

قوله: (على التقييد) أى على أن هذين القولين مركبان تركيبًا تقييديًا بأن تكون النسبة بينهما تقييدية وليست خبرية.

قوله: (أعنى التصديقين اللذين أشير بهما إليهما) وهما وقوع الحيوان ناطق، الحيوان ليس بناطق على أن المراد كل حيوان.

قوله: (أو بالاعتبار المذكور فى المفردين) أى بأن يجعل حيوان ناطق ثابتًا لشئ وحيوان ليس بناطق ثابتًا لذلك الشئ.

قوله: (إلا بنحو من أحد التأويلين) بأن يلاحظ وقوع الضرب وعدم وقوعه فكأنه قال: يقع منك الضرب لا يقع منك الضرب، أو أطلب منك الضرب أطلب منك ترك الضرب.

قوله: (أن يعتبر نسبة الأطراف. . . إلخ) أى فحيث يقولون: كل إنسان ناطق، كل لا إنسان ناطق أن طرفيهما متناقضان يكون معنى كل إنسان كل الأفراد التى هى إنسان ومعنى كل إنسان كل الأفراد التى هى لا إنسان.

قوله: (ويجعل معنى السلب مضمومًا إليها) أى فيكون معنى كل لا إنسان كل غير الإنسان.

قوله: (وكلاهما مجاز على التأويل) أى كلا القسمين المذكورين مجاز لأن التناقض فيما ليس تناقضًا اصطلاحيًا وإطلاق التناقض فيهما مجاز مبنى على التأويل إذ لو لم يكن أحد هذين التأويلين لم يكن إطلاق التناقض على تخالف أطراف القضايا صحيحًا.

قوله: (سواء رفعه فى نفسه أو رفعه عن شئ) والأول فى التصور والثانى فى التصديق هكذا فى سعد العقائد النسفية وقال عبد الحكيم على الخيالى على قوله ومن ههنا قيل. . . إلخ. ذكر السيد الشريف قدس اللَّه سره فى حاشية المطالع: أن المفهوم المفرد إذا اعتبر فى نفسه لم يتصور له نقيض إلا بأن ينضم إليه كلمة النفى فيحصل مفهوم آخر فى غاية البعد عنه ويسمى رفع المفهوم فى نفسه وإذا اعتبر

ص: 201

صدق المفهوم على شئ فنقيض ذلك المفهوم بهذا الاعتبار سلبه أى سلب صدقه ورفعه عما اعتبر صدقه عليه والأول نقيض بمعنى العدول والثانى نقيض بمعنى السلب انتهى كلامه فعلم منه أن النقيض فى التصورات متحقق بقسميه أعنى رفعه فى نفسه ورفعه عن شئ بالاعتبارين، وأما فى التصديقات فلا يتحقق فيها إلا القسم الأول إذ لا يمكن صدقها وحملها على شئ وأن معنى قوله: نقيض كل شئ رفعه فى نفسه أو رفعه عن شئ أنه إذا اعتبر ذلك الشئ فى نفسه كان نقيضه رفعه فى نفسه وإن اعتبر صدقه على شئ كان نقيضه رفعه عن ذلك الشئ. اهـ.

قوله: (صدق أن متعلقه لا يحتمله النقيض بوجه) أى لصدقه على عدم النقيض.

قوله: (إذ بها تمتاز. . . إلخ) أى فإطلاق التمييز على ما به التمييز مجاز من إطلاق السبب على المسبب.

قوله: (وعلى هذا فالعلم. . . إلخ) أورد فى هذا المقام اعتراضات خمسة: الأول أن العلم على هذا ليس نفس الصورة والإثبات والنفى بل ما يوجبهما مع أن العلم نفس الصورة والإثبات والنفى وأجيب عن ذلك بأن المعرفين للعلم بهذا التعريف يلتزمون أن العلم ليس نفس الصورة والإثبات والنفى بل ما يوجبهما فهم يقولون: إنه صفة حقيقية ذات إضافة يخلقها اللَّه تعالى بعد استعمال العقل والحواس أو الخبر الصادق تستتبع انكشاف الأشياء إذا تعلقت بها، الثاني: أنه يلزم أن لا يكون التصور والتصديق قسمى العلم لأن التصور على ما قالوه: هو الصورة الحاصلة والتصديق هو الإثبات والنفى وجوابه إن أردتم أن لا يكون التصور والتصديق قسمى العلم بالذات فمسلم إذ لا ضرر فى ذلك وإن أردتم نفى القسمة أصلًا فممنوع فإن العلم باعتبار إيجابه الإثبات والنفى تصديق وباعتبار إيجاب الصورة الحاصلة تصور وأما أن التصور والتصديق ليس إلا نفس الصورة والإثبات والنفى فذلك اصطلاح الفلاسفة، الثالث: أن القول بالصورة فرع الوجود الذهنى وأهل هذا التعريف ينكرونه وجوابه أن المراد بالصورة الشبح والمثال وليس هذا هو المراد من الوجود الذهنى الذى أنكروه فإن المراد به أمر يشارك الوجود الخارجى فى تمام الماهية ويماثله، الرابع: إن إرادة الصورة والإثبات والنفى من التمييز خلاف

ص: 202

الظاهر وجوابه أن ذلك مبنى على المسامحة اعتمادًا على فهم السامع للقطع بأن النقيض الذى يحتمله المتعلق ليس هو التمييز بمعنى الكشف والإيضاح إذ لا نقيض له بل بمعنى الصورة والإثبات والنفى، الخامس: أن الإثبات والنفى ليسا نقضين لارتفاعهما عند الشك وجوابه: أن المراد بهما ليس الإدراكين بل المعنى اللغوى ولذا جعلوا متعلقهما الطرفين. اهـ من عبد الحكيم على الخيالى بتصرف.

قوله: (فى أحكام العقل المقارنة لها) فإن الحكم بأن الصورة الناشئة من شئ صورة له قد صار ملكة للنفس كذا فى حاشية شرح المطالع ثم الحكم وإن كان ملكة لها إلا أنها قد لا تحكم فلا يقال: إنه يلزم من تصور شئ واحد تصورات وتصديقات غير متناهية مرارًا غير متناهية إذ كل تصديق لا بد فيه من تلك التصورات كذا فى بعض الحواشى وقال عبد الحكيم فى حاشيته على الخيالى إنما يلزم التسلسل لو كان الحكم الحاصل بواسطة تلك الملكة حكمًا صريحًا ملتفتًا إليه بالذات يفصل فيه جميع ما اعتبر فيه من التصورات والوجدان يكذبه. اهـ. ثم أعلم أن كون الخطأ إنما هو فى حكم العقل بأن هذه الصورة للشبح المرئى هو ما قاله الجمهور واعترضه الخيالى على شرح العقائد النسفية بأن هناك فرقًا بين العلم بالوجه والعلم بالشئ من ذلك الوجه والمتصور فى المثال المذكور هو الشيخ والصورة الذهنية آلة لملاحظته وقال عبد الحكيم فى حاشيته: عليه نقل عنه توضيحه إنا إذا رأينا شبحًا من بعيد وهو فى الواقع حجر فحصل منه فى أذهاننا صورة الإنسان فاعتقدنا أنه إنسان فربما نتوجه إلى ذلك الشبح بوصف أنه إنسان ونجعله عنوانًا بناء على ذلك الاعتقاد ونحكم على ذلك بأنه قابل للعلم والفهم مثلًا فالمحكوم عليه فى هذا الحكم الوارد على المأخوذ بهذا العنوان معلوم لنا بهذا الوصف بلا شبهة وصورة الإنسان آلة الملاحظة المحكوم عليه أعنى الشبح، ووجه لذلك الشبح والشبح معلوم لنا من حيث ذلك الوجه وقد تقرر الفرق بين العلم بالوجه وهو هنا العلم بمفهوم الإنسان الذي هو آلة لملاحظة الشبح وبين العلم بالشئ من ذلك الوجه وهو هنا العلم بالشبح من حيث إنه مفهوم الإنسان ولا شك أن العلم بالشبح الذى هو الحجر فى الواقع بوصف الإنسانية غير مطابق ثم قال: وحاصله أنه بعد حصول صورة الإنسان من الشبح واعتقاد أنه إنسان نحكم عليه قابل للعلم مثلًا والمحكوم عليه لا بد أن يكون معلومًا لأن الحكم على الشئ

ص: 203

فرع من تصوره وليس معلومًا إلا بوصف الإنسانية فثبت أن الحجر متصور بوصف الإنسانية وهو علم غير مطابق لمعلومه ولا يمكن أن يقال: إن المعلوم هو الحجر من حيث إنه إنسان لأنه حينئذ يكون العلوم هو الإنسان فلا يكون فرق بين العلم بالشبح بالوجه الذى هو الإنسان ههنا وبين العلم بذلك الوجه، وعلى هذا ظهر أن المعلوم هو الشبح من حيث إنه حجر لا من حيث إنه إنسان واندفع الجواب المذكور فإنه مبنى على عدم الفرق والجواب: أنا إذا سلمنا أنه بعد حصول صورة الإنسان من الشبح واعتقاد أنه إنسان لأجل اشتباه الحال على الحس بواسطة المشاكلة بين الإنسان والحجر نجعل الوصف المذكور عنوانًا ونحكم عليه لكن المعتبر فى اتصاف أفراد الموضوع بالوصف العنوانى هو الاتصاف بالفعل بحسب الاعتقاد على ما هو التحقيق والشبح المذكور وإن كان حجرًا فى نفس الأمر لكنه إنسان بحسب الاعتقاد فيجوز أن تكون الصورة الإنسانية آلة لملاحظة الإنسان الذى هو حجر فى الواقع ويكون معنى الحكم عليه أن الأمر الذى اعتقد أنه متصف بالإنسانية موصوف بكونه قابلًا للعلم مثلًا فيكون التصور مطابقًا لمتصوره الذى هو الإنسان المفروض ومع ذلك يكون المحكوم عليه هو الحجر لأنه حجر فى نفس الأمر والخطأ إنما هو فى الاعتقاد بأن ذلك الحجر إنسان الذى هو ناشئ من عدم تمييز الحس بين الأمور المتشاكلة. اهـ.

قوله: (ترتسم فى الذهن صورة. . . إلخ) الظاهر أن الذى يقول بأن الإحساس علم يقول بأنه يرتسم فى القوة الحاسة صورة المحسوس وبها يتميز ذلك الحسوس وليس هناك صفة فى النفس أوجبت صفة أخرى بها التمييز.

قوله: (الجزئيات الموهومة) أراد بها ما يشمل المتخيلة فالمراد بها ما يدرك بالحس الباطن بدون اشتراط حضور المادة.

قوله: (كالعلم يكون الجبل حجرًا) أى حال غيبته عنه.

قوله: (لجواز انقلاب الجبل ذهبًا) الأولى لجواز انقلاب الحجر ذهبًا حتى يتحد الموضوع فيأتى التناقض.

قوله: (موصوفة بالحجرية) الجبل عبارة عن مجموع جواهر فردة مخصوصة وذلك المجموع قابل للذهبية والحجرية والجواهر الموصوفة بالحجر لا تحتمل الذهبية فالأولى حذف قوله: موصوفة بالحجرية، واعلم أن من قال بأن الجسم مركب من

ص: 204

الجواهر الفردة المتماثلة فى الحقيقة كالأشاعرة وأكثر المعتزلة لا بد أن يعترف بجعل الأعراض داخلة فى حقيقة الجسم فيكون الجسم حينئذ جوهرًا مع جملة أعراض منضمة إلى ذلك الجوهر وإلا كانت الأجسام كلها متماثلة الحقيقة وهو ظاهر البطلان هكذا فى المواقف وشرحه وهو ينافى ما هنا من أن الأجسام كلها متماثلة الحقيقة والاختلاف بالعوارض.

قوله: (ما هو قدر مشترك بينهما) فيه أن الشاغل للمكان العين لا يكون إلا جسمًا معينًا فلا يتوارد عليه الذهبية والحجرية وإنما يتأتى إذهاب ذلك الشاغل المعين وإيجاد بدله.

قوله: (كما ذكره المصنف) حيث قال: إن الجبل إذا علم بالعادة أنه حجر استحال أن يكون حينئذ ذهبًا ضرورة فإنه صريح فى كون المراد خصوصية الجبل وأن مورد الحجرية والذهبية واحد.

قوله: (وهو المراد بعدم الاحتمال) يعنى: أن المراد بعدم الاحتمال للنقيض المذكور فى حد العلم هو عدم الاحتمال للنقيض بحسب الواقع ونفس الأمر لا ما توهمه العترض من عدم التجويز العقلى الذى ينظر فيه إلى ذات الشئ حتى يعترض بخروج العلوم العادية.

قوله: (أو لا يرى أن هذا التجويز العقلى جار فى جميع الممكنات) أى فإن العقل لو قدر بدلها لم يلزم منه محال فلو كان المراد بالاحتمال الذى اعتبر نفيه فى حد العلم هو ذلك التجويز لكان المعلوم من الممكنات بالحس كحصول الجسم فى حيزه بالمشاهدة محال للنقيض مع أنهم اتفقوا على عدم احتماله للنقيض أصلًا.

قوله: (فلا فرق بين أن يعلم. . . إلخ) أى: فيكون القول بكون الأمور العادية محتملة للنقيض دون الأمور المحسوسة تحكم بحت.

قوله: (من حيث هو متصف) أى: لا على أن الاتصاف مأخوذ معه وإلا كان ممتنعًا بالذات.

قوله: (فإن قلت الذات مأخوذًا مع أحدهما. . . إلخ) منشأ الإشكال المذكور اعتبار الاتصاف ملاحظًا مع الذات.

قوله: (وكيف لا واجتماع النقيضين محال لذاته) أى وهذا منه.

قوله: (للذات وحده) أى بقطع النظر عن الاتصاف بالطرف الواقع.

ص: 205

قوله: (الطرفان هناك) أى: فيما إذا قيس إلى ذاته من حيث هو متصف بذلك الطرف وقوله: مقيسان إلى الذات أى المقيدة بالوصف لا على أن الوصف ملاحظ مع الذات كما تقدم.

قوله: (واجتماع النقيضين. . . إلخ) أى الذى تمسك به المستشكل جاعلًا مسألة ما إذا قيس إلى ذاته من حيث هو متصف من اجتماع النقيضين وهو محال لذاته.

قوله: (لكن صدق أحدهما) أى النقيضين فى زمن صدق الآخر أى ومسألة القياس إلى ذاته من حيث الاتصاف هى صدق أحد النقيضين فى زمان صدق الآخر.

قوله: (ولولاه لم يستلزم اجتماع النقيضين) أى لو لم يكن صدق الآخر واقعًا لم يستلزم صدق أحدهما فى زمان صدق الآخر اجتماع النقيضين إذ صدق أحدهما فى زمان صدق الآخر لا يكون إلا بدلًا عن الآخر.

قوله: (وعلى هذا فالممكن. . . إلخ) هذا هو القصود من المقدمة التى ذكرها تمهيدًا له.

قوله: (وهو معنى نفى الاحتمال) أى الاستحالة بالغير معنى نفى الاحتمال فبالنظر لما فى الواقع انتفى الاحتمال، وإن كان بالنظر إلى ذات الممكن بقطع النظر عن الواقع الاحتمال العقلى حاصلًا.

قوله: (والإمكان الذاتى يقابل الامتناع الذاتى) أى: ولا يقابل الامتناع بالغير فجاز أن يكون أحد طرفى الممكن ممتنعًا نظرًا لحصول الطرف الآخر فى الواقع مع كونه ممكنًا نظرًا لذاته.

قوله: (والاحتمال فى نفس الأمر) أى: احتمال النقيض فيه يقابل الامتناع مطلقًا أى سواء كان امتناعًا بالغير أو امتناعًا بالذات فلا يتحقق الاحتمال فى نفس الأمر إلا إذا لم يكن النقيض ممتنعًا أصلًا.

قوله: (وهو المراد بالاستحالة) أى: الامتناع مطلقًا سواء كان بالغير أو بالذات هو المراد بالاستحالة فى قول الشارح استحال أن يكون ذهبًا فى شئ من الأوقات، قال الهروى: فإذا قلنا إن قولنا زيد قائم يحتمل الوقوع يكون معناه أن ثبوت القيام لزيد لا يكون ممتنعًا لذاته ولا يكون ممتنعًا بالغير أى بسبب تحقق عدم القيام فالاحتمال بهذا المعنى يستلزم الوقوع إذ لو لم يقع لكان الواقع عدم القيام

ص: 206

فكان وقوع القيام ممتنعًا بالغير لاستحالة وقوع القيام لزيد بشرط عدم القيام فالاحتمال بالمعنى المذكور لا يجامع الامتناع الطلق الأعم من الامتناع بالذات والامتناع بالغير وذلك الامتناع هو المراد بالاستحالة فى قوله: استحال أن يكون ذهبًا فى وقت من الأوقات وهى لازمة لكون حجرية الجبل دائمًا لأنه لو لم تكن لازمة له كان دوام حجرية الجبل مع عدم الاستحالة المذكورة فلزم جواز صدق المطلقة مع صدق الدائمة مختلفين إيجابًا وسلبًا، بيان ذلك أنه لما كانت تلك الاستحالة بمعنى الامتناع الطلق الذى يكفي فى صدقه تحقق أحد فرديه أعنى الامتناع الذاتى والامتناع بالغير كان عدم تلك الاستحالة مستلزمًا لعدم كل واحد من الامتناعين فلزم الإمكان الذاتى والوقوع فى نفس الأمر فلزم كون الجبل ذهبًا فى وقت من الأوقات وهو المطلقة الوقتية حين تحقق دوام حجرية الجبل وهو الدائم فبطل ما قيل من أن دوام الإيجاب الذى هو دوام حجرية الجبل لا ينافى إمكان السلب الذى هو لازم لذهبية الجبل يعنى أن دوام الحجرية يجوز اجتماعه مع إمكان الذهبية فلا يصح الحكم بالاستحالة هناك. اهـ. ولو قال المحشى بعد قوله والاحتمال فى نفس الأمر يقابل الامتناع مطلقًا وعدم الاحتمال فى نفس الأمر يتحقق بالامتناع بالغير وهو المراد بالاستحالة وليس المراد بها الامتناع الذاتى حتى يرد ما قيل من أن دوام الإيجاب لا ينافى إمكان السلب لكان ظاهرًا قال المحشى فى حاشية الحاشية: قيل فى قول الشارح المحقق إذا علم كونه حجرًا دائمًا استحال كونه ذهبًا فى وقت من الأوقات مناقشة لأن دوام الإيجاب لا ينافى إمكان السلب وقد أجاب بعضهم عن هذا بأنه إنما يرد إذا نسب الضدان إلى ذات القابل، وأما إذا نسب أحدهما إلى ذاته والآخر إلى ذاته مع اتصافه بالضد الآخر فلا يرد لأنه يكون ممتنع الثبوت له لامتناع اجتماع الضدين وهذا هو المراد فإن أراد الامتناع بالغير فهو ما حققناه وإن أراد الامتناع بالذات فأنت خبير بفساده. اهـ. أقول: مراد المجيب هو الامتناع بالغير لمكان قوله ممتنع الثبوت له أى للذات وقوله لامتناع اجتماع الضدين معناه أنه يكون ممتنع الثبوت له لاستلزامه اجتماع الضدين وهو ممتنع فيكون ما يستلزمه ممتنعًا. اهـ من بعض الحواشى. ويظهر أن المراد بالامتناع الذاتى فى قول الهروى وقول ذلك البعض المجيب هو الامتناع الذى نظر فيه لاتصاف الذات بأحد الطرفين على أن الاتصاف جزء وأن المعتبر المجموع

ص: 207

والاستحالة فى قول الشارح: استحال أن يكون ذهبًا فى وقت من الأوقات هى الامتناع سواء كان بالغير أو بالذات أعنى الامتناع الذى ذكرناه وهو لا ينافى الإمكان الذاتى نظرًا للذات فى نفسها وإذا عرفت أن استحالة الذهبية هى استحالة بالغير أعنى بالنظر لاتصاف الذات بالحجرية عرفت أن معنى قول المصنف استحال أن يكون ذهبًا حينئذ استحالة الذهبية حين اتصافه بالحجرية لا حين علم كونه حجرًا كما فهم ابن السبكى فى شرحه لهذا المحل هو الجبل.

قوله: (فبطل ما قيل. . . إلخ) القائل السعد وقوله فى بيان القصود، أى: مقصود المصنف وقوله: بل يكفيه. . . إلخ، يكفي مجرد إمكان كون الجبل ذهبًا وعدم إبائه الذهبية مع ثبوت الفاعل المختار ولا حاجة إلى اعتبار تجانس الجواهر فى بيان المقصود.

قوله: (بل احتماله لكل واحد. . . إلخ) أضرب إلى ذلك ليشير إلى أن المناسب لقول الشارح آخرًا لا يستلزم أن لا يجزم بأن الواقع أحدهما بعينه أن يقول والتحقيق أن احتمال متعلق العلم لكل واحد من النقيضين لا أن يقول لنقيض الحكم الثابت فيه وإلا لكان يقول لا يستلزم أن لا يجزم بأن الواقع هو الثابت فيه.

قوله: (من ضرورة أو عادة) أراد بالضرورة اقتضاء العلة التامة لمعلولها مثلًا فالمراد بالضرورة اللزوم لا المقابل للكسب فحسن مقابلته بالعادة والحس وقيل: إن المراد بالضرورة الضرورة المقابلة للكسب وتقيد بالناشئة عن غير الحس ويكون تخصيص العادة بالذكر مع دخولها فيها لكون الكلام فيها.

قوله: (وأنت خبير. . . إلخ) أى أننا إذا حملنا التحقيق على ذلك يرد عليه أنه لا يتصور احتمال بالنسبة للواقع حتى ينفى.

قوله: (على الوجهين) أى الحال والمآل.

قوله: (أما على تقدير عدمه) أى عدم النقيض فلما حققناه أى فى المقدمة إلى قوله: فالإمكان الذاتى.

قولي: (وأما على تقدير وقوعه. . . إلخ) يعنى أن كون نقيض شئ محتملًا لوقوعه يستلزم كون ذلك الشئ محتمل الوقوع أيضًا وهذا لا يتصور هناك فإن هناك وقوعًا لا احتمال وقوع.

قوله: (وسيشير إليه فيما بعد) أى عند قول الشارح فإن قلت: الاعتقاد لا

ص: 208

يحتمل النقيض عند الذاكر حيث قال: لأن الواقع فى نفس الأمر أما الاعتقاد فلا احتمال له وأما نقيضه فلا معنى لاحتماله.

قوله: (فالظاهر أنه قصد ذلك فى تحقيقه) أى أنه قصد بقوله: والتحقيق. . . إلخ. أنه لا معنى لنفى احتمال النقيض فى الواقع كما أفاده ما قبل التحقيق؛ لأن نفى الشئ فرع تصوره وهو غير متصور بالنسبة للواقع، وإنما المراد بنفى احتمال النقيض الذى اعتبر قيدًا فى العلم الجزم المطابق لموجب والتجويز العقلى فى المتعلق لا يستلزم نفيه ولم يقصد فى التحقيق المذكور نفى الاحتمال عند العالم فى الحال والمآل ونفيه فى الواقع كما ذكره المحشى أولًا وإلا لقال: لا يستلزم أن لا يحتمل فى الواقع ولا عند العالم حالًا أو مآلًا.

ص: 209

قال: (واعلم أن ما عنه الذكر الحكمى إما أن يحتمل متعلقه النقيض بوجه أو لا الثانى العلم والأوّل إما أن يحتمل النقيض عند الذاكر لو قدّره أو لا والثانى الاعتقاد فإن طابق فصحيح وإلا ففاسد والأول إما أن يحتمل النقيض وهو راجح أو لا فالراجح الظن والمرجوح الوهم والمساوى الشك وقد علم بذلك حدودها).

أقول: إذا قلت: زيد قائم أو ليس بقائم، فقد ذكرت حكمًا وهو الذكر الحكمى وهو ينبئ عن أمر فى نفسك من إثبات أو نفى. وهو ما عنه الذكر الحكمى وربما يسمى الذكر النفسى وله نقيض فللإثبات النفى وللنفى الإثبات. ولذلك متعلق هو طرفاه. فنقول ما عنه الذكر الحكمى سواء صدر عنه الذكر الحكمى أو لا إما أن يحتمل متعلقه النقيض أى نقيض ما عنه الذكر الحكمى بوجه من الوجوه أو لا والثانى العلم والأول إما أن يكون بحيث لو قدر الذاكر النقيض لكان محتملًا عنده أو لا والثانى هو الاعتقاد وهو إن كان مطابقًا للواقع فاعتقاد صحيح وإلا فاعتقاد فاسد والأول إما أن يحتمل النقيض وهو راجح أو لا بل مرجوح أو مساو فالراجح الظن والمرجوح الوهم والمساوى الشك وإنما جعل المورد بها عنه الذكر الحكمى دون الاعتقاد أو الحكم ليتناول الشك والوهم مما لا اعتقاد ولا حكم للذهن فيه وأشار بقوله: لو قدره. إلى أن الظن اعتقاد بسيط وقد لا يخطر نقيضه بالبال ولكن ينبغى أن يكون بحيث لو أخطر نقيضه بالبال لجوّز ولا يكون تمييزه فى القوة بحد لو قدّر نقيضه لمنعه.

فإن قلت: الاعتقاد لا يحتمل النقيض عند الذاكر ولا فى الواقع إذ الواقع أحدهما قطعًا ولم يعتبر الجواز العقلى كما فى العاديات فما معنى احتماله للنقيض.

قلت: ذلك احتمال متعلقه فى نفس الأمر بالنسبة إلى الحاكم أن يحكم فيه بالنقيض وذلك بأن يكون الواقع فيه نقيضه أو هو ولا يكون ثمة موجب من حس أو ضرورة أو عادة توجب الحكم فإن الاعتقاد عن تقليد أو شبهة لا يمتنع أن لا يحصل فيه الجزم الذى اتفق لا لموجب بل يحصل اعتقاد نقيضه ثم ذكر أنه قد علم بهذا التقسيم حدودها أن حد كل واحد من الظن والعلم وقسيماتهما بأن يقال: العلم ما عنه الذكر الحكمى الذى لا يحتمل متعلقه النقيض بوجه، والظن: ما عنه الذكر الحكمى الذى يحتمل متعلقه النقيض عند الذاكر لو قدّره إذا كان راجحًا وعليه فقس.

ص: 210

واعلم أنه قد اشتهر من كلام الإمام الرازى ومن تبعه تقسيم التصديق إلى العلم والظن والاعتقاد والشك والوهم، ولما كان جعل الشك والوهم من أقسام التصديق مخالف للتحقيق زعم الشارح المحقق أن ما عنه الذكر الحكمى أعم من الحكم والتصديق فيعم الشك والوهم، وزعم الشارح العلامة أنه يتناول من التصورات ما يشتمل على نسبة كالمركب التقييدى وأنت خبير بأن هذا معنى ثالث للعلم غير ما ينقسم إلى التصور والتصديق وغير ما هو من أقسام التصديق لم يعرف به اصطلاح، وجمهور الشارحين على أن الذكر الحكمى هو الكلام اللفظى المشتمل على إفادة بالنسبة وما عنه الذكر الحكمى هو الذكر النفسى ويسمى بالكلام النفسى، ومتعلقه بالنسبة التى بين طرفى الذكر النفسى أعنى النسبة القائمة بالذهن لا النسبة الخارجية على ما فى بعض الشروح إذ لا معنى لاحتمالها النقيض، والشارح المحقق فسر الذكر الحكمى بالحكم المذكور وما عنه الذكر الحكمى بالحكم المعقول إذ هو الذى ينبئ عنه المذكور لفظًا فتعين أن يكون متعلقه الطرفين إذ لم يبق سوى النسبة الخارجية وهى لا تتصف باحتمال النقيض ولا معنى لوصفها باحتمال نقيض النسبة المعقولة بخلاف الطرفين، فإنه إذا تعقل بينهما نسبة فقد يحتملان نقيضها وقد لا يحتملان والحاصل أن الذكر النفسى إما عين النسبة المعقولة أو مجموع ما جعل فى العقل من الطرفين والنسبة، وعلى كل تقدير لا معنى لجعل متعلقه النسبة؛ لأن متعلق الشئ خارج عنه لا محالة وعلى التقدير الأول وهو الحق يصح جعل متعلقه الطرفين وههنا بحث وهو أن المفهوم من الإثبات والنفى إما إيقاع النسبة وانتزاعها بمعنى إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة والإذعان والقبول لذلك على ما هو حقيقة التصديق والحكم، ومعلوم أنه لا يتناول الشك والوهم وإما وقوع النسبة ولا وقوعها ومعلوم أنه على تقدير تحققه فى الشك والوهم لا ينقسم إلى العلم والظن ونحوهما بل إلى المعلوم والمظنون لا يقال المراد حضور النسبة التى هى مورد الإيجاب والسلب، لأنا نقول هذا على تقدير أن يصدق عليه الإثبات والنفى وينبئ عنه الذكر الحكمى لا ينحصر فيما ذكر بل قد يكون مجرد تصور وبالجملة لا يفهم من الإثبات والنفى معنى يتناول الشك والوهم ويصدق على العلم وسائر الأقسام وينحصر فيها وغاية ما يمكن من

ص: 211

التكلف أنه أراد حضور النسبة لا من حيث مفهومها بل من حيث وقوعها ولا وقوعها على الجزم أو الرجحان أو التساوى أو المرجوحية، وعلى هذا فتفسير المتعلق بالنسبة المعقولة فى غاية الوضوح لأنها متعلق الحضور والإدراك المنقسم إلى الأقسام ولأن المفهوم من احتمال متعلق الشئ للنقيض احتماله لنقيض ذلك الشئ على ما اضطر إليه الشارح؛ ولأنه أشار فى مواضع من هذا الشرح إلى أن المتعلق فى مثل هذا المقام هو ما تعلق به العلم والتمييز.

قوله: (سواء صدر عنه) إشارة إلى أنه لا ينبغى أن يفهم مما عنه الذكر الحكمى أن يكون قد عبر عنه بالكلام اللفظى البتة بل ما من شأنه ذلك، وفيه تنبيه على أن متعلق عن كما يجوز أن يكون فعل الإنباء يجوز أن يكون فعل الصدور لكن لا صدور الفعل عن الفاعل حتى ينتقض بمثل القوة العاقلة، بل بمعنى أن يكون باعثًا عليه وسببًا فيه فى الجملة.

قوله: (دون الاعتقاد) إشارة إلى أن الاعتقاد كما يطلق على ما يقابل العلم والظن يطلق على ما يشملهما.

قوله: (اعتقاد بسيط) دفع لما قد سبق إلى بعض إلى الأذهان من أن فى الظن اعتقادين اعتقاد أن النسبة واقعة وأن لا وقوعها يحتمل احتمالًا موجودًا.

قوله: (فإن قلت) يعنى أنه جعل الاعتقاد مما يحتمل النقيض فى الجملة وليس ذلك المعتقد؛ لأنه جازم ولا فى نفس الأمر لأن بها فى نفس الأمر لا يكون إلا الثبوت على القطع أو الانتفاء على القطع ولا هو أيضًا بمعنى الجواز العقلى من حيث كون الحكم من الأمور الممكنة فيكون نقيضه أيضًا ممكنًا نظرًا إلى ذاته، لأن ذلك لا يقدح فى كون الحكم لا يحتمل النقيض بوجه كما فى العاديات فإنها علوم لا اعتقادات، بل معناه أن طرفى الحكم المعتقد مما يجوز فى نفس الأمر للحاكم أن يحكم بينهما بنقيض ما اعتقده إما لأن اعتقاده باطل والواقع فى نفس الأمر نقيض حكمه؛ وإما لأن اعتقاده صحيح والواقع فى نفس الأمر هو حكمه ولكنه لا يستند إلى موجب بل اتفق بسبب تقليد أو شبهة لم يمتنع أن ينتفى ذلك الجزم والاعتقاد، ويحصل اعتقاد نقيضه كما يتفق من الاعتقادات فقوله (وذلك) أى الاحتمال المذكور (بأن يكون الواقع فيه) أى فى نفس الأمر (نقيضه) أى نقيض الحكم الذى اعتقده (أو هو) أى نفس حكمه وكان الصواب أو إياه؛ لأنه عطف

ص: 212

على خبر كان إلا أن الضمائر قد يقع بعضها موقع بعض وأما رفع نقيضه على أنه اسم كان والواقع خبره فليس بسديد.

قوله: (وقد علم) قال القاضى البيضاوى: هذا إنما يلزم إذا كان المورد أعم من الأقسام مطلقًا والمميز شاملًا لأفراد كل قسم، وههنا الحكم أعم من العلم مطلقًا ولا المطابقة والجزم شاملين لجميع أفراد العلم فإن منه تصورات ساذجه لا يصدق ذلك عليه

(1)

تقسيم العلم.

قوله: (إذا قلت: زيد قائم أو ليس بقائم) لما فرغ من تحديد العلم أشار إلى تقسيم يعرف منه الظن وأخواته.

قوله: (فقد ذكرت حكمًا) هو هذا اللفظ وإنما سمى به لدلالته عليه أو فقد ذكرت بهذا اللفظ حكمًا وعلى هذا فتسمية اللفظ بالذكر الحكمى ظاهرة لكونه ذكرًا منسوبًا إلى الحكم من حيث دلالته عليه والضمير فى قوله (وهو الذكر الحكمى) راجع إلى القول لا إلى الحكم وأما على الأول فلانتسابه إلى مدلوله أيضًا أو إلى الحكم الذى هو اللفظ فيكون نسبة لإفراده إليه والضمير المذكور عائد إلى الحكم (وهو) أى الذكر الحكمى (ينبئ عن أمر فى نفسك من) مورد (إثبات أو نفى) سواء تعلق به أحدهما على التعيين أو لا وإنما فسرناه بذلك ليتناول الشك والوهم كما صرح به ولو أجرى على ظاهره لكان راجعًا إلى الحكم فلا يتناولهما لا يقال: الذكر الحكمى ينبئ عن الإثبات أو النفى لا عن النسبة التى هى موردهما لأنا نقول: الإنباء عنهما يستلزم الإنباء عنها قطعًا وإنما سميت النسبة المتصورة بين بين الصالحة فى نفسها لورودهما بما عنه الذكر الحكمى إذ من شأنها أن يصدر عنها بل بواسطتها الذكر الحكمى فإن القائل: زيد قائم قاصدًا به معناه لا بد له أن يتصور الطرفين والنسبة ولا يجب فى ذلك أن يكون فى نفسه إيقاعها أو انتزاعها بل قد يكون شاكًا فيها ويذكر ما يدل على أحدهما أو جازمًا بأحدهما ويذكر ما يدل على الآخر لجواز تخلف مدلولات الألفاظ عنها فالذى يحتاج إليه فى الذكر الحكمى وينشأ هو منه مورد الإثبات والنفى (وربما يسمى) ما عنه الذكر الحكمى (بالذكر

(1)

قوله: لا يصدق ذلك عليه. هكذا فى الأصل ولتحرر العبارة. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 213

النفسى) ولذلك جعله مقسمًا فى المنتهى فإن قيل النسبة مجردة عن اعتبار حصولها أو لا حصولها بعينه معها تصور كما سيأتى ولا نقيض له بها سلف فلا يصح على ما ذكرتم، قوله: وله نقيض وأيضًا هى لا تنحصر فى هذه الأقسام إذ قد تكون مجرد تصوره أجيب عن الأول: بأن النسبة من حيث هى هى تصور ولا نقيض لها من هذه الحيثية لكن يتعلق بها الإثبات والنفى وكل واحد منهما نقيض للآخر فهى من حيث يتعلق بها الإثبات تناقضها من حيث يتعلق بها النفى ولا شك أن النسبة الإيجابية لا تخلو عن ملاحظة أحدهما إما معينًا أو غير معين فإن الشاك يلاحظ معها كل واحد منهما على سبيل التجويز فكأنه قيل: وله باعتبار ما يتعلق به نقيض فلا إشكال، وعن الثانى بأن المقسم هو النسبة لا مطلقًا بل من حيث هى متصورة بين بين وصالحة لأن يصدر عنها الذكر الحكمى وانحصارها فى الأقسام المذكورة مما لا شبهة فيه.

قوله: (ولذلك) أى ولما عنه الذكر الحكمى (متعلق هو طرفاه) فإن النسبة المتصورة بينهما القائمة بالنفس متعلقة بهما إذا تمهد هذا فنقول: (ما عنه الذكر الحكمى سواء صدر عنه الذكر الحكمى) الدال على تعيين أحد طرفيه (أولًا إما أن يحتمل طرفاه نقيضه) يعنى إذا اعتبر ما عنه الذكر الحكمى من حيث يلاحظ معه الإثبات أو النفى بدلًا أو بعينه فلا يخلو إما أن يحتمل طرفاه ما هو نقيض له من هذه الحيثية بل نقيض لما لوحظ معه بوجه من الوجوه أو لا قيل إنما قال أولًا: وهو ينبئ، وثانيًا: سواء صدر عنه إيماء إلى أن الجار فى ما عنه إما أن يتعلق بفعل الإنباء أو الصدور.

قوله: (بحيث لو قدر الذاكر النقيض) يتناول ما هو من تلقاء نفسه أو من غيره.

قوله: (فاعتقاد صحيح) بل هو تقليد المصيب والاعتقاد الفاسد يشمل تقليد المخطئ وما ينشأ عن شبهة وكلاهما جهل مركب.

قوله: (وإنما جعل المورد) المشهور فى هذا المقام أن يجعل المقسم الاعتقاد المرادف للتصديق أو الحكم وبعد الشك والوهم من أقسامه وليس بصحيح إذ لا اعتقاد ولا حكم فيهما أما فى الشك فلأن طرفى النفى والإثبات متساويان فيه فإن كان هناك حكم واعتقاد فإما بهما وفساده ظاهر أو بأحدهما فيلزم التحكم والكلام

ص: 214

فى المعنى القائم بالنفس سواء عبر عنه بالألفاظ أو لا فلا يتوجه أن الشاك قد يتلفظ بما يدل على أحد الطرفين كما مر وأما فى الوهم فلأن المرجوح أدنى من المساوى وأيضًا فى الراجح حكم فيلزم اعتقاد النقيضين معًا وبالجملة لا بد فى الحكم والاعتقاد من رجحان ولا رجحان فيهما فلذلك عدل المصنف إلى ما يشملهما.

قوله: (وأشار) المذكور فى عبارة القوم أن الظن هو الحكم بأحد النقيضين مع تجويز الآخر ويتبادر منه أنه مركب من اعتقادين فأشار إلى أنه بسيط وأن خطور النقيض الآخر لا يجب أن يكون بالفعل ولعل مرادهم هو هذا لكن التصريح به أولى.

قوله: (فإن قلت الاعتقاد لا يحتمل النقيض عند الذاكر) لكونه قسيمًا لما يحتمله عنده، (ولا فى الواقع) لأن الواقع فى نفس الأمر إما الاعتقاد فلا احتمال له كما فى العلوم العادية وإما نقيضه فلا معنى لاحتماله وبالجملة ما فى نفس الأمر أحدهما قطعًا والاحتمال ينافيه والجواز العقلى الشامل لجميع الممكنات غير معتبر كما فى العاديات وحيث جعله مقابلًا للعلم فلا بد فيه من احتماله النقيض بوجه وقد انتفت الوجوه بأسرها فما معنى احتماله له والجواب أن معنى احتماله للنقيض هو احتمال متعلقه فى نفس الأمر بالنسبة إلى الحاكم أن يحكم فيه بالنقيض لا فى الحال لوجود الجزم المانع منه وهو الذى نفيناه من قبل بل فى المآل لجواز زواله فيه، (وذلك بأن يكون الواقع فى نفس الأمر نقيضه) كما فى الجهل المركب فيطلع عليه فيما بعد، (أو) يكون الواقع فيه (هو) أى الاعتقاد، (ولا يكون ثمة ما يوجبه من حس أو بداهة أو عادة) أو برهان كما فى تقليد المصيب فيزول، (فإن الاعتقاد) الناشئ (عن تقليد أو شبهة) فى صواب أو خطأ لا يمتنع أن يزول بتقليد آخر أو اطلاع على الواقع أو فساد الشبهة.

واعلم أن لفظ الواقع: منصوب خبرًا لكان، ونقيضه: مرفوع اسمًا لها والضمير المرفوع عطف عليه ويحتمل أن يقتدر ضمير الشأن فيكون عطفًا على خبر المبتدأ.

قوله: (بأن يقال العلم) العلم الخارج من التقسيم قسم من العلم وهو التصديق اليقينى وقد علم منه حده وأما سائر الأقسام فقد خرجت تامة ولا بأس فى ذلك إذ قد تقدم ما هو أصح حدوده والمقصود معرفة ما عداه وأيضًا يمكن تعميمه بأدنى

ص: 215

تصرف فإن قيل ما عنه الذكر الحكمى إن كان هو النفى والإثبات فهو التمييز الذى له نقيض وإن كان هو النسبة فكذلك فإنها باعتبار أحد الواردين عليها نقيض لها باعتبار الوارد الآخر كما سلف فالمعلوم من القسمة أن العلم تميز مخصوص لا يحتمل متعلقه النقيض وقد سبق أنه صفة توجبه أجيب بأن هذا على مذهب القائلين بالإضافة وذلك على ما هو الحق من أنه صفة حقيقية ذات إضافة أو نقول إنما اكتفى ههنا بالتمييز لأنه منشأ هذه الأقسام والصفة مرادة لتقدمها إلا أنه يلزم إرادتها فى الأقسام بأسرها.

قوله: (وهو الذكر الحكمى) قيل يجوز أن يرجع ذلك الضمير إلى الذكر المذكور فى قوله فقد ذكرت والحكم عبارة عن المقول؛ وحينئذ حمل الذكر الحكمى على هذا الضمير فى قوله وهو الذكر الحكمى ونسبة الذكر إلى الحكم فى غاية الظهور وأما قوله وهو ينبئ فباعتبار المذكور.

قوله: (فلانتسابه إلى مدلوله أيضًا) أى كما أن القسمة على الوجه الثانى لذلك الانتساب ولا خفاء فى أن مقصود الشارح من قوله: إذا قلت زيد قائم فقد ذكرت حكمًا توجبه تلك القسمة وإيراد ما يلحقه ياء النسبة، وعلى تقدير ما ذكره المحشى من قوله فلانتسابه إلى مدلوله أيضًا لا يدخل ياء النسبة على الحكم الذى ذكره الشارح بل يدخل على الحكم الذى هو مدلول لذلك الحكم فلا فائدة فى إيراد الحكم من حيث الإطلاق على ذلك اللفظ بل يجب إيراده من حيث كونه مدلولًا وأن يقال فقد ذكرت ما يدل على الحكم.

قوله: (فلا يتناولها) توضيح الكلام أن ما صدر عن النسبة التى هى مورد الإيجاب والسلب جملة خبرية دالة على الحكم أى الإثبات أو النفى سواء تحقق الحكم من المتكلم أو لا، وكل جملة خبرية مقترنة بالحكم والشك والوهم داخل فى الذكر الحكمى لإثباتها عن الحكم، وإن لم يكن هناك حكم، وكما ينبئ عن الحكم ينبئ عن النسبة الحكمية أيضًا إلا أنه لو قسم بها عنه الذكر الحكمى باعتبار الحكم لم يجز أن يجعل الشك والوهم من أقسامه وإن صح جعل الجملة الخبرية المقارنة للشك أو الوهم من أقسام الذكر الحكمى المنبئ عن الحكم ولو قسم ما عنه الذكر الحكمى باعتبار النسبة الحكمية صح جعلهما من أقسامه ومعلوم أن كل ما

ص: 216

يدخل عليه لفظة عن فى قوله وهو ينبئ عن كذا يصير مقسمًا لتلك الأقسام وهو ما عنه الذكر الحكمى؛ فيجب أن يقال والذكر الحكمى ينبئ عن أمر فى نفسك من مورد إثبات أو نفى كما فعله لا من إثبات أو نفى كما فعله الشارح.

قوله: (ويذكر مما يدل على الآخر) يعنى أن قول هذا القائل زيد قائم ذكر حكمى على أى تقدير من التقادير المذكورة ويجب فيه تصوّر النسبة ولا يجب الإيقاع أو الانتزاع فالذكر الحكمى سببه النسبة الحكمية لا الإيقاع والانتزاع، ويجب أن يكون هذا القول على التقدير الأخير ذكرًا حكميًا وإلا لم يجز ذكر هنا، وليس فى تفسير الذكر الحكمى ولا تفسير ما عنه الذكر الحكمى شئ يخرج عن هذا القول فنقول حصر ما عنه الذكر الحكمى فى الأقسام المذكورة ليس بصحيح لأن من قال زيد قائم وهو جازم باللاوقوع فهذا القول ذكر حكمى وهو ينبئ عن مورد الإيجاب من حيث هو مورد له فهذا المورد من حيث يتعلق به الإثبات وإن كان على سبيل التصور له نقيض كما يكون للوهم والتصديق اليقينى ولا يكون علمًا ولا ظنًا ولا وهمًا ولا تقليدًا ولا جهلًا؛ فيجب لدفع هذا الإشكال ترك قوله أو جازمًا بأحدهما ويذكر ما يدل على الآخر وتقييد مورد الإيجاب والسلب فى تفسير ما عنه الذكر الحكمى بقولنا: من حيث يتعلق به الإثبات أو النفى تعلقًا تجويزيًا.

قوله: (هو النسبة لا مطلقًا) يعنى أن المقسم هنا ليس مفهوم النسبة بل النسبة من حيث هو متصورة بين بين أى فرد منها وليس المقسم فردًا منها مجردة عن الوقوع واللاوقوع بل من حيث يتعلق بها أحدهما بالنسبة الواقعة فى الشك، وإذا أدركت من حيث يتعلق بها الإثبات تصير صالحة لأن يصدر عنها الذكر الحكمى الإيجابى وإذا أدركتما من حيث يتعلق بها النفى تصير صاحة لأن يصدر عنها الذكر الحكمى السلبى واحتمال النقيض أيضًا فى الشك على هذا التفصيلى.

قوله: (متعلقة بهما) إشارة إلى أن إطلاق لفظ المتعلق على الطرفين بحذف حرف الجر.

قوله: (مركب من اعتقادين) بناء على أن التجويز هو الحكم بالجواز فحصل فى الظن حكمان، وإنما قال يتبادر منه أنه مركب من اعتقادين لجواز أن يراد بهذه العبارة أن الظن هو الحكم بأحد النقيضين بشرط أن يجتمع معه تجويز النقيض

ص: 217

الآخر والشارح قد أبطل التركيب والاشتراط أيضًا.

قوله: (أن يحكم فيه بالنقيض لا فى الحال) فيه نظر لأن المراد باحتمال متعلقه أن يحكم فيه بالنقيض إما الإمكان الذاتى فيلزم أن يكون الاعتقاد محتمل متعلقه أن يحكم فيه بالنقيض فى الحال ولا يمنعه وجود الجزم نجواز عدمه فى هذا الزمان والحكم بنقيضه وإما إمكان متعلقه المقيد بوقوع الجزم وقد سبق نحو من ذلك فى العلوم العادية وفي قوله مقدمة إذا وقع أحد طرفى الممكن. . . إلخ. فيلزم أن لا يحتمل متعلق الاعتقاد الدائم الصحيح أن يحكم فيه بالنقيض فى المآل أيضًا ولا يظهر قسم آخر، فإن قلت إذا قلنا الاعتقاد يحتمل متعلقه النقيض عند الذاكر أردنا بالاحتمال جواز النقيض فى ذهنه على وجه لو توجه إلى الحكم بالجواز يحكم به وذلك لا يتصور فى الاعتقاد إلا بحسب المآل، قلت: قولهم الاعتقاد يحتمل متعلقه النقيض إما أن يكون معناه أن ذلك فى وقت من الأوقات وأنه بالإمكان فعلى الأول يشكل بالاعتقاد الدائم وعلى الثانى عاد الكلام فيه بلا فرق وقوله فيما بعد لا يمتنع أن يزول متعلق آخر بالقسم الآخر.

قوله: (أدنى تصرف) قال بعض الأذكياء: الذكر الحكمى عندهم هو مثل قولنا زيد قائم وهذا المركب يدل على النسبة وعلى وقوعها وعلى كل واحد من الطرفين إذ المركب يدل على كل واحد من أجزائه بالتضمن فهذا القول كما ينبئ عن النسبة ينبئ عن أطرافها أيضًا وكل فرد من أفراد التصور يمكن أن يجعل جزءًا من قضية، فإذا قلنا ما عنه الذكر الحكمى وأردنا ما من شأنه أن ينبئ عنه الذكر الحكمى مع التعميم فى الأنباء من غير تخصيص بالنسبة دخل التصورات أيضًا فى العلم.

الشارح: (وربما يسمى الذكر النفسى) يريد الشارح بذلك التنبيه على منشأ غلط الشارحين الذين جعلوا ما عنه الذكر الحكمى الكلام النفسى الشامل للنسبة والطرفين وذلك المنشأ هو التعبير عنه بالذكر النفسى مع أن المراد منه النسبة التى هى مورد الإثبات والنفى.

الشارح: (لا يمتنع أن يحصل فيه الجزم) الأوضح حذف فيه الجزم. . . إلخ. بل يقول لا يمتنع أن لا يحصل بل يحصل نقيضه كما هو ظاهر وأشار إليه المحشى فى بيانه.

ص: 218

التفتازانى: (زعم الشارح المحقق أن ما عنه الذكر الحكمى أعم) أى حيث قال وإنما جعل المورد ما عنه الذكر الحكمى دون الاعتقاد أو الحكم ليتناول الشك والوهم مما لا اعتقاد فيه ولا حكم.

التفتازانى: (وزعم الشارح العلامة) أى الشيرازى وقوله: ما يشتمل على نسبة كالمركب التقيدى فيه أنه لا يدخل فيما عنه الذكر الحكمى؛ لأن الذكر الحكمى عبارة عن الكلام المشتمل على النسبة التامة فكأن السعد يشير إلى رده بالتعبير عنه بالزعم.

التفتازانى: (بأن هذا معنى ثالث للعلم) أى ما عنه الذكر الحكمى المنقسم إلى الأقسام الخمسة فإنه إدراك وكل إدراك علم وقد أطلق على ما هو من أقسام التصديق وبعض أقسام التصور وهو الشك والوهم وقوله: غير ما ينقسم إلى التصور والتصديق أى وإن الذى ينقسم إليهما أعم منه إذ يشمل إدراك ما ليس بنسبة أصلًا وإدراك النسبة لا من حيث ملاحظة الإثبات والنفى أصلًا ثم المراد بالتصديق الذى جعل قسيمًا للتصور، أما التصديق اليقينى كما هو المأخوذ من تعريف العلم بصفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض وأما التصديق المطلق الشامل للظن والتقليد لأن العلم ينقسم إلى التصور والتصديق بهذا المعنى أيضًا.

التفتازانى: (بالحكم المذكور) أى الذى هو قولنا: زيد قائم مثلًا، وقوله: بالحكم المعقول أى الذى هو النسبة القائمة بالذهن باعتبار إثباتها أو انتفائها.

التفتازانى: (وهى لا تتصف باحتمال النقيض) أى نقيضها على ما هو ظاهر العبارة وإن كان خلاف التحقيق وقوله ولا معنى لوصفها باحتمال نقيض النسبة أى على ما هو التحقيق من أن المحتمل يتوارد عليه الأمران مع ثبوته.

التفتازانى: (على ما هو التصديق والحكم) عطف الحكم عليه عطف مرادف إذا كان التصديق بسيطًا فإن كان مركبًا فعطف الجزء على الكل.

التفتازانى: (فإن منه تصورات ساذجة لا يصدق ذلك عليه تقسيم العلم) هكذا وقع فى نسخ الطبع وهو تحريف، وصوابه لا يصدق عليها وأما قوله: تقسيم العلم فعبارة زائدة وقعت من الناسخ.

قوله: (أشار إلى تعريف يعرف منه الظن وأخواته) يشير إلى أن ذلك هو الغرض من هذا التقسيم لا معرفة العلم الذى هو التصور والتصدق اليقينى لأنها

ص: 219

قد تقدمت بتعريف العلم بأنه صفة توجب تمييزًا. . . إلخ.

قوله: (أو فقد ذكرت بهذا اللفظ حكمًا) أى كأنك ذكرت حكمًا لذكرك ما دل عليه.

قوله: (فلانتسابه إلى مدلوله أيضًا) فيه أن الحكم فى الأول عبارة عن اللفظ مثل زيد قائم يعتبر مدلولًا بخلاف الثانى فإن قوله: فقد ذكرت حكمًا على معنى أنك ذكرت حكمًا لذكرك ما دل عليه فياء النسبة على الأول داخلة على الحكم الذى ذكره الشارح وهو اللفظ فتكون النسبة نسبة الأفراد للمطلق لا نسبة الدال إلى المدلول.

قوله: (من مورد إثبات أو نفى) دفع بذلك إيراد السعد.

قوله: (وإنما فسرناه بذلك. . . إلخ) أى فسرنا الأمر الذى فى النفس بمورد الإثبات والنفى وذلك بتقدير المضاف كما هو ظاهر من قوله: من مورد إثبات أو نفى أو بذكر المتعلق بالكسر وهو الإثبات والنفى واردة المتعلق بالفتح وهو النسبة، ثم المراد: النسبة باعتبار قيامها بالذهن وملاحظة الإثبات والنفى كما سيذكره فيرجع إلى تقسيم الإدراك والعلم بالمعنى العام للشك والوهم.

قوله: (بل بواسطتها) أضرب إليه ليشير إلى أن النسبة فى ذاتها ليست فاعلة للصدور بل هى وسيلة للصدور من القوة العاقلة.

قوله: (بل قد يكون شاكًا فيها) وذلك لا ينافى أن الجملة ذكر حكمى ينبئ عن الحكم لأن الأنباء متحقق وإن لم يكن الحكم حاصلًا عند المخبر.

قوله: (وأيضًا هى لا تنحصر فى هذه الأقسام) أى لأن منها النسبة التقييدية والإنشائية والنسبة الخبرية قبل إيقاعها أو انتزاعها.

قوله: (من تلقاء نفسه) أى كما فى الشك والظن وقوله: أو من غيره أى كما فى الاعتقاد الصحيح والفاسد وذلك بالتشكيك أو بزوال الشبهة.

قوله: (بل هو تقليد المصيب) اعترض هذا الحبر بأن الاعتقاد الطابق إذا استند إلى دليل فاسد يحتمل متعلقه النقيض عند العالم مآلًا لاحتمال أن يطلع على فساده وليس ذلك بعلم فلا بد أن يندرج فى الاعتقاد الصحيح.

قوله: (مركب من اعتقادين) أحدهما اعتقاد أن الشئ كذا، والآخر اعتقاد أنه يجوز أن لا يكون كذا جوازًا مرجوحًا.

ص: 220

قوله: (فأشار إلى أنه بسيط) أى: وأن معنى التجويز فى عبارة القوم عدم الوصول فى الظن إلى مرتبة الجزم بل يكون بحيث لو قدر الذاكر النقيض كان محتملًا عنده وجائزًا بناء على ذلك.

قوله: (فلا معنى لاحتماله) لأن معنى الاحتمال التردد بين أن يكون وأن لا يكون وإذا كان النقيض واقعًا فلا معنى لهذا الترديد وهذا لا ينافى ما سبق للمحشى من أن الاحتمال يقابل الامتناع مطلقًا؛ لأن مقابلته له لكون الامتناع مجامعًا للقطع لا لكون الامتناع امتناعًا.

قوله: (واعلم أن لفظ الواقع. . . إلخ) رد على التفتازانى وأن قوله: ليس بسديد، ليس بسديد.

قوله: (وهو التصديق اليقينى) أى الخارج هو التصديق اليقينى وقوله وقد علم حده أى حد ذلك القسم الخارج يعنى ولم يخرج حد العلم الشامل للتصور والتصديق اليقينى.

قوله: (ولا بأس فى ذلك) رد على ما قاله البيضاوى اعتراضًا على المصنف فى قوله وقد علم بذلك حدودها حيث قال كما فى السعد: هذا إنما يلزم إذا كان المورد أعم من الأقسام مطلقًا والمميز شاملًا لأفراد كل قسم وههنا الحكم يعنى الذى هو المورد ليس أعم من العلم مطلقًا؛ أى لأن العلم يتحقق بدون تحقق الحكم الذى هو المورد وذلك فى التصور ولا المطابقة والجزم أى المميزين للعلم شاملين لجميع أفراد العلم فإن منه تصورات ساذجة لا يصدق ذلك عليها، وحاصل الرد أنه ليس المقصود إلا معرفة الظن وأخواته وأما حد العلم الشامل للتصور والتصديق اليقينى فقد تقدم فى قوله: وأصح الحدود صفة. . . إلخ.

قوله: (بأدنى تصرف) بأن يراد بما عنه الذكر الحكمى ما يشمل النسبة والأطراف.

ص: 221