المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(مباحث التصورات) قال: (والحد حقيقى ورسمى ولفظى فالحقيقى ما أنبأ عن - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ١

[عضد الدين الإيجي]

الفصل: ‌ ‌(مباحث التصورات) قال: (والحد حقيقى ورسمى ولفظى فالحقيقى ما أنبأ عن

(مباحث التصورات)

قال: (والحد حقيقى ورسمى ولفظى فالحقيقى ما أنبأ عن ذاتياته الكلية المركبة والرسمى ما أنبأ عن الشئ يلازم له مثل الخمر مائع يقذف بالزبد واللفظى ما أنبأ عنه بلفظ أظهر مرادف مثل العقار الخمر وشرط الجميع الاطراد والانعكاس أى إذا وجد وجد وإذا انتفى انتفى).

أقول: الحد عند الأصوليين ما يميز الشئ عن غيره. وينقسم إلى حقيقى ورسمى ولفظى.

فالحقيقى: ما أنبأ عن ذاتياته الكلية المركبة أى عن ذاتيات المحدود دون عرضياته وإلا فهو رسم الكلية دون المشخصات فإن الأشخاص لا تحد المركبة أى التى ركب بعضها مع بعض لأنها فرادى لا تفيد الحقيقة لفقد الصورة.

والرسمى: ما أنبأ عن الشئ بلازمه كما يقال الخمر مائع يقذف بالزبد فإن ذلك لازم له عارض بعد تمام حقيقته.

واللفظى: ما أنبأ عنه بلفظ أظهر مرادف مثل العقار الخمر.

وشرط الجميع الاطراد والانعكاس فالاطراد هو أنه كلما وجد الحد وجد المحدود فلا يدخل فيه شئ ليس من أفراد المحدود فيكون مانعًا والانعكاس هو أنه كما وجد المحدود وجد الحد ويلزمه كما انتفى الحد انتفى المحدود فلا يخرج عنه شئ من أفراد المحدود فيكون جامعًا.

قوله: (الحد عند الأصوليين) احتراز عما عليه المنطقيون من أن الحد لا يكون إلا بالذاتيات وأنه يقابل الرسمى واللفظى.

ثم ههنا أبحاث:

الأول: أن التعريف ببعض الذاتيات خارج عما ذكر اللهم إلا أن يجعل رسميًا أو يراد باللازم أعم من الداخل والخارج ولا يرد جميع الذاتيات؛ لأنه ليس بلازم لعدم المغايرة.

الثانى: أن جميع ذاتيات الماهية لما كانت نفسها جعل الحد الحقيقى ما ينبئ عن

ص: 246

جميع الذاتيات إشارة إلى أن الإنباء عنها إنباء عن الماهية وكأنه جعل المنبئ نفس المجموع من حيث هو مجموع أو اللفظ نفسه، وبهذا التأويل يصح أن الرسمى منبئ عن الشئ بلازمه وإلا فهو نفس اللازم وأما جعل اللفظى ما أنبأ عن الشئ بلفظ أظهر فليس بمستقيم؛ لأنه نفس ذلك اللفظ وقد يتأول بأنه المعنى من حيث هو مدلول اللفظ الأظهر ويمكن أن يتأول الجييع بأن ما مصدرية أى التحديد الحقيقى الإنباء عن جميع ذاتيات الشئ والرسمى الإنباء عنه بلازمه واللفظى الإنباء عنه بلفظ أظهر لكنه بعيد.

الثالث: أن تقييد الذاتيات بالكلية احتراز عن العوارض المشخصة التى هى ذاتيات للماهية الشخصية، فإنها لا تكون كلية بل شخصية لأن تقييد الكلى بالكلى لا يفيد الشخصية وقد اشتهر فيما بينهم أن الشخصى لا يحد لأنه إن اقتصر على مقومات الماهية لم يكن حدًا له من حيث إنه شخصى وإن أخذ العوارض المشخصة فهى فى معرض التغير والتبدل مع بقاء الشخص.

الرابع: أن المركب قد يقال بمعنى المركب مع الشئ فيصدق على كل من الأجزاء، وقد يقال بمعنى المركب من الشئ أى الذى ضم بعضها إلى البعض فلا يصدق إلا على المجموع، والأول هو المراد على أن الحكم المتعلق بالجمع المضاف متعلق بكل من الآحاد، وكذا اتصافه بالمركبة على ما لا يخفى فى الاتصاف بالكلية وبهذا تتحقق التفرقة بين المنبئ والنبأ عنه ههنا، واحترز به عن تعقل الذاتيات واحدًا فواحدًا من غير انضمام البعض إلى البعض ليشعر بالصورة وتمام الحقيقة إنما يكون بالمادة والصورة جميعًا، والمحققون على أنه لا بد فى التركيب من تقديم الجنس على الفصل ليعقل أمر مبهم ثم يحصل بما ينضاف إليه فترسم الحقيقة، وأما مجرد الجمع كما فى تقديم الفصل فلا يفيد الصورة ولهذا جعلوه حدًا ناقصًا.

الخامس: أن الحد اللفظى عند المحققين هو أن يقصد بيان ما تعقله الواضع فوضع الاسم بإزائه سواء كان بلفظ مرادف أو باللوازم أو بالذاتيات، حتى إن ما يقال فى أول الهندسة أن الثلث شكل يحيط به ثلاثة أضلاع تعريف اسمى ثم بعد ما تبين وجوده يصير هو بعينه حدًا حقيقيًا.

السادس: أن تعريف الانعكاس بأنه كما وجد المحدود وجد الحد موافق للعرف

ص: 247

حيث يقال كل إنسان ناطق وبالعكس وكل إنسان حيوان ولا عكس، ثم قولنا كلما انتفى الحد انتفى المحدود عكس نقيض لهذا العكس العرفى بخلاف ما عليه ظاهر كلام المتن فإنه ليس عكسًا بحسب العرف ولا بحسب المنطق. واعلم أن اشتراط الاطراد إنما هو رأى المتأخرين، وأما على رأى المتقدمين فالرسوم الناقصة قد تكون أعم.

قوله: (الحد عند الأصوليين) قسم كلًا من التصور والتصديق إلى مطلوب وضرورى ثم أشار إلى الطرق الموصلة إلى المطالب وقدم ما يوصل إلى التصور المطلوب وهو الحد المرادف للمعرف عند الأصوليين وإنما انحصر فى الأقسام الثلاثة؛ لأنه إما أن يحصل فى الذهن صورة غير حاصلة أو يفيد غير صورة حاصله عما عداها، والثانى حد لفظي إذ فائدته معرفة كون اللفظ بإزاء معنى معين، والأول إما أن يكون بمحض الذاتيات وهو الحقيقى لإفادته حقائق المحدودات فإن كان جميعها فتام وإلا فناقص، وإما أن لا يكون كذلك فهو الحد الرسمى.

قوله: (فالحقيقى) يريد به التام لأنه سيذكر نقصانه فلا حاجة إلى جعل الحد الناقص داخلًا فى الرسم وهو جميع ذاتيات المحدود مفصلة أى: مرتبة، ولاشتماله على كل واحد منها ينبئ عنه فلذلك عرفه بما أنبأ عن ذاتياته أى معرف أنبأ عن كل واحد منها وإلا فهو حد حقيقى ناقص واعتبر كونها كلية احترازًا عن المشخصات التى هى ذاتيات للأشخاص من حيث هى أشخاص إذ لا يتركب الحد منها فإن الأشخاص لا تحد بل طريق إدراكها الحواس الظاهرة أو الباطنة، إنما الحد للكليات المرتسمة فى العقل دون الجزئيات المنطبعة فى الآلات على ما هو المشهور ولم يرد بالمركب تركب الذاتيات فى أنفسها لجواز أن يكون كل من الجنس والفصل بسيطًا بل أراد تركيب بعضها مع بعض على ما ينبغى، فلو كانت فرادى أو مركبة على وجه آخر لم يكن حدًا حقيقيًا تامًا لفقد صورته، وقد اشتهر بين أرباب الصناعة أن الجنس والفصل جزءان ماديان للحد والهيئة العارضة من تقديم الجنس عليه صورته فلو عكس فأتت الصورة وانقلب حدًا ناقصًا، والحق أنهما إذا التأما أفادا كنه الذات إلا لا جزء له غيرهما نعم تقديمه أولى ليعقل ما هو مبهم أولًا ثم

ص: 248

يتحصل بما ينضاف إليه ثانيًا ولا بد فى مطابقتهما ما للذات من اجتماعهما وما يتبعه على أنه لازم خارج.

قوله: (والرسمى) لم يذكر كون اللازم خاصة شاملة اعتمادًا على ما ذكره من أن شرط الجميع الاطراد والانعكاس ولا كونها ظاهرة لأنه سيصرح به، فإن قلت: الرسمى هو نفس اللازم فكيف ينبئ عن الشئ بلازمه، أجيب بأنه على قاعدة القدماء من وجوب التركيب فيه وذلك المجموع هو المعرف الذى ينبئ عن الشئ ويميزه عما عداه بلازمه والناقشة؛ فى المثال بأن قذف الزبد عارض فى بعض الأحيان، ويصدق الحد على غير الخمر من المائعات التى تقذفه وتكلف الجواب عن ذلك مما لا يعتد به المحصلون.

قوله: (واللفظى ما أنبأ عنه بلفظ أظهر مرادف) اعترض عليه بأن الحد اللفظى هو ذلك اللفظ الأظهر فلا يصدق عليه ما ذكره، وأجيب بأن المحدود هو معنى العقار من حيث إنه مسماه والحد هو ذلك المعنى من حيث إنه مسمى بالخمر فلا إشكال وما يقال من أن لفظ الخمر أنبأ عن العقار بلفظ أظهر هو نفس لفظ الخمر، يقتضى أن يحمل لفظ أظهر على مفهومه كأنه قيل: لفظ ينبئ عنه بسبب كونه لفظًا أظهر والمتبادر هو الذات المغايرة للأول وأنت إذا تحققت ما تلونا عليك فى ضبط أقسام المعرّف ينكشف لك أن اللفظى لا يفيد صورة مجددة بل يميز صورة حاصلة ليعرف أن اللفظ بإزائها، فتارة يميز بلفظ مفرد وهو الأكثر وتارة بمركب لا يقصد به تفصيله بل يعتبر المجموع من حيث هو، فهو فى حكمه فيوصف بالترادف تبعًا وأما التعريف الاسمى سواء كان حدًا أو رسمًا فالمقصود منه تحصيل صور المفهومات الاصطلاحية وغيرها من الماهيات الاعتبارية؛ فيندرج فى القول الشئ المخصوص بالتصورات المكتسبة حدًا أو رسمًا لإنبائه عن ذاتيات مفهوم الاسم أو عنه بلازمه بخلاف اللفظى الذى يجرى فى البديهيات والموجودات التى علم وجودها، وقد أشار بعض المحققين إلى الفرق بأن أحدهما يناسب الباحث اللغوية، والآخر المطالب العلمية.

قوله: (وشرط الجميع) لا بدّ فى الحد مطلقًا من المساواة ليميز المحدود عن غيره وهى المآل فى اشتراط الاطراد والانعكاس المستلزمين للمنع والجمع ولا فسر الاطراد باستلزام الحد للمحدود كليًا كان الانعكاس عبارة عن استلزامه للحد كذلك

ص: 249

عرفًا واصطلاحًا أيضًا لصدق حده عليه، وحيث كان صدق عكس الموجبة الكلية كليًا مخصوصًا بمادة المساواة وجزئيًا شاملًا للكل اعتبروا الثانى على ما هو أبهم فى صناعتهم، وما سماه الصنت انعكاس هو عكس نقيض له بلازمه فأقامه مقامه.

قوله: (وقدّم ما يوصل إلى التصور) يعنى أن المقصود ههنا بيان ما يوكل إلى المطالب وقدم الحد الذى بعض أقسامه موكل إلى التصور المطلوب وهو الحد الحقيقى والحد الرسمى وأما الحد اللفظى مذكور لاستيفاء أقسام الحد.

قوله: (وإنما انحصر فى الأقسام الثلاثة) لقائل أن يقول: الحد بالمعنى المذكور لا ينحصر فى تلك الأقسام لأنه يصدق على الشخص وعلى المركب من الشخص والفصل والجنس بالنسبة إلى الشخص كما أنه يصدق على الفصل والمركب من الجنس والفصل بالنسبة إلى النوع ولا يصدق على شئ منهما شئ من الأقسام الثلاثة فإن قلت لفظ ما فى قوله الحد ما يميز الشئ عن غيره عبارة عن الكاسب بقرينة المقام فخرج الشخص والمركب المذكور عن المقسم قلت: فلا حاجة على هذا التقدير إلى قيد الكلية فى تعريف الحد الحقيقى لإخراج التشخص باعتبار أن لفظة ما فيه أيضًا عبارة عن الكاسب أو عن المقسم الذى هو مطلق الحد الخارج عنه التشخص على أنه لو كان لفظة ما فى تعريف الحد عبارة عن الكاسب لكان تقسيمه إلى الأقسام الثلاثة التى من جملتها الحد اللفظى فاسدًا إذ لا كسب فيه كما سيذكره.

قوله: (أما أن يحصل فى الذهن صورة غير حاصلة) اعترض عليه بأن الأقسام الثلاثة إلى التصور داخلة فى الشق الأول من الترديد وذلك لأن الصورة الحاصلة فى الذهن التى هى العلم تنقسم إلى التصور والتصديق فهى شاملة لهما والحد اللفظى يحصل التصديق إذ فائدته معرفة كون اللفظى موضوعًا بإزاء المعنى، فيصدق عليه أنه يحصل فى الذهن صورة غير حاصلة فيحتاج فى دفع ذلك إلى أن يقال إن المراد بالتحصيل ما يكون بطريق الكسب والإفادة أعم من ذلك ولا خفاء فى أن التحصيل والإفادة فى مرتبة واحدة من حيث صلاحية التخصيص والتعميم لا يقال يمكن أن يخصص الصورة بالتصور ليخرج الحد اللفظى من الشق الأول وهو يحصل التصديق؛ لأنا نقول إن كان المراد بالمغايرة المذكورة فى قوله يحصل

ص: 250

صورة غير حاصلة ما هو بالذات فهو فاسد لأنه يلزم خروج الحد التام من هذا الشق من الترديد، إذ الصور الكائنة فى الحد بعينها صور كائنة فى الحدود التغاير بحسب الاعتبار وإن كان المراد بالمغايرة ما هو أعم من ذلك بحيث يتناول التغير الاعتبارى أيضًا يدخل الحد اللفظى لأن الحد اللفظى أيضًا يحصل التصور الذى يغاير التصور السابق على التعريف بالاعتبار، فإن معنى الأسد فى قولنا الغضنفر الأسد من حيث إنه متصور فى لفظ الأسد يحصل من حيث إنه متصور فى ضمن لفظ الغضنفر وسيجئ بيان التغاير الاعتبارى بين الحد والحدود فى التعريف اللفظى والجواب أن المراد بالصورة التهور وبالتحصيل ما هو بطريق الكسب.

قوله: (أى معرّف أنبأ) إنما قيد بذلك ليخرج عن تعريف الحد الحدود إذ يصدق على المحدود بسبب اشتماله على كل واحد من الأجزاء أنه ينبئ عن كل واحد منها كما ينبئ الحد عنها.

قوله: (بل طريق إدراكها الحواس) لقائل أن يقول: إن أراد أن طريق جميع الأشخاص والجزئيات الحقيقية الحواس فهو ليس كذلك إذ من الجزئيات الحقيقية ما لا يدرك إلا بالعقل وإن أراد أن طريق إدراك الجزئيات المادية الحواس فلا فائدة لتلك المقدمة فى هذا المقام إذ المقصود توجيه إيراد قيد الكلية فى التعريف فيجب أن يقال: ليس الحد لشئ من أفراد الجزئى الحقيقى بل طريق إدراك كل منها ما هو عن الحواس ولا خفاء فى أنه لا معنى لقولنا بل طريق إدراك بعضها وهو المادى الحواس.

قوله: (فكيف ينبئ عن الشئ بلازمه) يمكن دفع ذلك بأن يقال: الإنباء له تعلق بالمنبئ وتعلق بالمنبأ عنه والباء فى قوله: بلازمه يتعلق بالإنباء باعتبار تعلقه بالمنبأ عنه وعلى هذا يكون معنى قوله: ما ينبئ عن الشئ بلازمه أن التعريف الرسمى يحصل منه معلومية الشئ بالوجه الذى هو لازمه فإن معلومية الشئ على وجهين معلومية بالكنه ومعلومية بالوجه الذى هو غير الكنه، والأول حاصل من جميع الذاتيات والثانى قد يحصل من اللوازم ويصدق على اللازم المفرد الذى وقع حدًا أنه ينبئ عن الشئ بلازمه أى يحصل منه معلومية الشئ بالوجه كما يحصل من الحد الحقيقى معلومية الشئ بالكنه؛ مثلًا إذا قلنا فى تعريف الإنسان باللازم المفرد الإنسان ضاحك فقد حصل لنا من ذلك معلومية الإنسان بالوجه

ص: 251

الذى هو الضاحك وصدق على مفهوم الضاحك أنه يحصل منه معلومية الإنسان بالضاحك أى يحصل الضاحك آلة لملاحظته فالضاحك يحصل منه معلومية الإنسان بالوجه اللازم الذى هو الضاحك أى لا يحصل منه معلومية الإنسان بالكنه ولا فساد فى هذا المعنى ولا حاجة فى دفع الاعتراض إلى اختيار قاعدة القدماء ولا إلى التأويل المذكور فى حاشية الحاشية.

قوله: (لا بد فى الحد مطلقًا من المساواة) لا خفاء فى أنه يجب الاكتفاء بالتغاير الاعتبارى فى المساواة ليصح تحقق هذا الاشتراط فى جميع أقسام الحد فصح المساواة فى الحد اللفظى كما صح فى الحد التام.

الشارح: (ما يميز الشئ عن غيره) ما واقعة على المحمول أى الذى يحمل على الشئ المميز المذكور فى قوله: يميز الشئ فاندفع بذلك أن التعريف يشمل العقل والعلم والتشخيص ولا يرد أنه لا يفصل التعريف اللفظى لأن المحمول فيه ليس جزئيًا بل هو المعنى والمفهوم المعبر عنه باللفظ الأظهر وهو فى ذاته كلى.

الشارح: (ما أنبأ عن ذاتياته الكلية) أى معرف أنبأ عنها وجعل مرآة لمشاهدة كل واحد من الذاتيات مركبة مع بعضها والمحدود مجموع تلك الذاتيات لا بهذا الاعتبار فالاختلاف بالإجمال والتفصيل.

الشارح: (عن ذاتيات المحدود) أى كلًا أو بعضًا وقوله دون عرضياته يؤيد هذا التعميم ولكن المحشى لم يعتبر ذلك فلم يجعله شاملًا للحد الناقص.

التفتازانى: (خارج عما ذكر) أى فى قوله فالحقيقى ما أنبأ عن ذاتياته الكلية والرسمى ما أنبأ عن الشئ بلازمه واللفظى ما أنبأ عنه بلفظ أظهر وعلى هذا يكون قوله وإلا فهو رسم معناه وإلا يكن بالذاتيات دون العرضيات بل كان بالعرضيات فهو رسم وهو خلاف الظاهر.

التفتازانى: (إلا أن يجعل رسميًا) أى وعليه يكون قوله وإلا فهو رسم معناه وإلا يكن بالذاتيات جميعها دون العرضيات بأن كان بالعرضيات وحدها أو مع بعض الذاتيات أو ببعض الذاتيات وأما كونه بالذاتيات جميعًا والعرضيات فالمعتبر فى الحقيقة جميع الذاتيات لأنه المحصل للحقيقة فهو فى حكم ما اشتمل على جميع الذاتيات فقط.

ص: 252

التفتازانى: (ويراد باللازم) أى فى تعريف الرسمى بقوله ما أنبأ عن الشئ بلازمه وقوله أعم من الداخل أى الذى هو بعض الذاتيات وهو لازم للشئ لزوم الجزء للكل وقوله: ولا يرد جميع الذاتيات. . . إلخ. أى لا يرد أن يقال: جميع الذاتيات لازم؛ وإن المراد باللازم ما هو أعم من الداخل والخارج لأن الجميع ليس لازمًا للشئ لأنه لا بد فى اللزوم من المغايرة الحقيقية ولا مغايرة بين الشئ وذاتياته حقيقية بل اعتبارية.

التفتازانى: (جعل الحد الحقيقى ما ينبئ عن جميع الذاتيات) أى ولم يقل ما أنبأ عن الشئ بذاتياته كما قال فى الرسمى ما أنبأ عن الشئ بلازمه وفي اللفظى ما أنبأ عنه بلفظ أظهر.

التفتازانى: (وكأنه جعل المنبئ نفس المجموع من حيث هو مجموع) أى والمنبأ عنه هو الذاتيات معتبرًا فيه كل واحد مركب مع غيره من تلك الذاتيات وقوله: أو اللفظ نفسه وعليه فاختلاف المنبئ والمنبأ عنه ظاهر وقوله: وبهذا التأويل وهو أن المنبئ المجموع أو اللفظ وقوله: يصح أن الرسمى منبئ عن الشئ بلازمه أى ولا يلزم اتحاد المنبئ والمنبأ به لأن المنبئ إذا كان المجموع أعنى مجموع اللوازم والمنبأ به اللازم أى كل واحد واحد من اللوازم لا باعتبار مجموعها فالاختلاف ظاهر وكذا إذا كان المنبئ هو اللفظ لكن يرد أن اللازم قد يكون خاصة مركبة كالطائر الولود تعريفًا للخفاش فليس هنا لوازم متعددة يعتبر أن كل واحد واحد منها منبأ به عنها مجموعة ففي هذا اتحد المنبئ والمنبأ به وأما المنبأ عنه فهو ماهية الشئ فإنها معلومة بالوجه وهى غير الوجه ولك أن تقول كما قال بعضهم: إن التعريف باللازم له جهتان جهة كونه تعريفًا وبها كان منبأ وجهة كونه باللازم وبها كان منبأ به.

التفتازانى: (بأنه) أى الحد اللفظى وقوله المعنى من حيث هو مدلول اللفظ الأظهر أى والمحدود هو المعنى لا بهذا الاعتبار.

التفتازانى: (التى هى ذاتيات للماهية الشخصية) أى وذلك لأن الذاتى ليس بلازم أن يكون محمولًا بل قد يكون محمولًا كما فى ذاتيات الماهية النوعية وقد لا يكون كما فى ذاتيات الماهية الشخصية فإن التشخص لا يصح حمله عليها.

التفتازانى: (لأن تقييد الكلى بالكلى لا يفيد الشخصية) أى والكلى المفيد هو الماهية النوعية فإذا كان القيد المنضم لها كليًا لم تصر به شخصية مع أن القيد لذلك

ص: 253

فتعين أن تكون المشخصات المذكورة شخصية.

التفتازانى: (وقد اشتهر بينهم. . . إلخ) ذكره تأييدًا لإخراج المشخصات عن الذاتيات بقيد الكلية ويحتمل أنه يقول: إن هذا الذى تقدم على التحقيق لا يصح لأنه يصح تحديد الشخص فيجب حذف قيد الكلية وقولهم: إن المشخصات تتغير مع بقاء الشخص ممنوع فلا يلزم انتفاء الحد مع بقاء المحدود.

التفتازانى: (فيصدق على من الأجزاء) أى لأن كل واحد يصدق عليه أنه مركب مع غيره منها وقوله: وقد يقال بمعنى المركب من الشئ أى الأشياء التى ضم بعضها إلى بعض أى اعتبر المجموع الحاصل من تلك الذاتيات كما قال فلا يصدق الأعلى المجموع أى فيكون قوله: ما أنبأ عن ذاتياته اتحد فيه المنبئ والنبأ عنه لأن المنبئ هو المجموع المذكور وقوله والأول هو المراد أى فاللفظ يحتمل المراد وغيره ويكفى فى صحته الحمل على المراد.

التفتازانى: (على أن الحكم المتعلق. . . إلخ) ترق فى رفع الاحتمال الثانى وقوله: وكذا اتصافه بالمركب أى أنه وصف للآحاد فكل واحد من الذاتيات مركب، وقوله: على ما لا يخفى فى الاتصاف بالكلية أى جريًا على ذلك الوصف لأنه وصف لكل واحد من الذاتيات.

التفتازانى: (وبهذا تتحقق التفرقة. . . إلخ) أى بما ذكرنا من أن المركب وصف لكل واحد كما أن الكلية كذلك وأنه ليس المراد المجموع تتحقق التفرقة لأن المنبئ هو المجموع والمنبأ عنه هو كل واحد مركب منها وقوله: واحترز به أى بالمركبة.

التفتازانى: (سواء كان بلفظ مرادف. . . إلخ) أى أنه يشمل التعريف الحدى والرسمى وليس قاصرًا على ما أنبأ عن الشئ بلفظ مرادف أظهر، لأن الترادف إنما يكون إذا كان اللفظان مفردين فنهى عبارة المصنف قصور فالتفتازانى يرى أن التعريف اللفظى هو ما قصد به بيان ما تعقله الواضع مطلقًا، وقوله حتى إن ما يقال فى أول الهندسة أى قبل أن يدخل فى مقاصدها التى منها يعلم وجوده، وقوله: تعريف اسمى أى مع كونه مركبًا، وقوله: حدًا حقيقيًا أى لأنه يعلم منه الحقيقة الموجودة، وقوله: موافق للعرف الأولى للعرفى أى المعنى المتعارف عند اللغة والنسبة نسبة الخاص للعام.

التفتازانى: (بخلاف ما عليه ظاهر المصنف) أى من جعله عكسًا لكل ما وجد

ص: 254

الحد وجد المحدود مع أنه عكس لنقيض هذا العكس وقوله: فإنه ليس عكسًا. . . إلخ. أجيب عنه بأنه لما كان لازمًا للعكس أطلق العكس عليه وأجيب أيضًا بأن العكس ليس مقصورًا على ما ذكره من العرفى والمنطقى بل يقال أيضًا على التلازم فى الانتفاء أنه عكس للطرد الذى هو التلازم فى الثبوت.

قدس سره: (قسم كلًا. . . إلخ) بيان لمناسبة ذكر الحد هنا.

قوله: (وقدم ما يوصل إلى التصور المطلوب) أى لتقدمه على التصديق طبعًا فقدم وضعًا ليناسب الوضع الطبع.

قوله: (وإنما انحصر فى الأقسام الثلاثة) لا يرد عليه التشخيص لأنه لا يحمل ولا يميز فى الذهن والعلم بل فى الخارج، والمراد التمييز فى الذهن والعلم وكذا لا يرد المركب من التشخص والحس والعقل لأن المجموع ليس كليًا يصح أن يحمل لكن على هذا لا حاجة إلى قيد الكلية فى تعريف الحد الحقيقى إلا أن يكون تصريحًا هو بيانًا للمراد لا يرد أنه قد سبق أن التهور المطلوب ما كان متعلقه مركبًا فتطلب مفرداته لتعرف متميزة والموصل إليه هو الحد الحقيقى فقط فلا يصح تقسيم الحد إلى الأقسام الثلاثة المذكورة لأن المراد بالمتعلق المتعلق بلا واسطة وهو صادق على العوارض للشئ فالعوارض التى أخذ الرسم منها هى متعلق التصور أولًا وبالذات وهو مركب وأما المتعلق بالعرض فهو الماهية ذات العوارض فلا يضر كونها بسيطة وصح أن المطلوب تصوره ما متعلقه مركب تطلب مفرداته ثم أورد على الانحصار فى الأقسام الثلاثة أن المنحصر هو ما يوصل إلى التهور المطلوب فلا يشمل التعريف اللفظى لأنه يوصل إلى التصديق بأن هذا المعنى وضع له هذا اللفظ فإن جعل المنحصر ما يميز الشئ عن ما عداه صح الحصر فى الثلاثة المذكورة هذا على ما جرى عليه المحشى، أما على ما جرى عليه المحقق الدوانى فى حاشية التهذيب من أن للتصورات مراتب أدناها أن يستحضر فى المدركة صورة مخزونة بوساطة لفظ موضوع بإزاء فإن حصل ذلك ابتداء فلا يتصور طلب كما إذا ألقى لفظ موضوع بإزاء معنى للعالم بالوضع ففهم معناه فهذا لا يدخل فى سلسلة المطالب لعدم الطلب وإن حصل بعد إلقاء لفظ لم يعرف معناه فهناك يتصور الطلب كما إذا قيل: الخلاء محال فيقال: ما الخلاء؟ فيجاب بأنه بعد موهوم فهذا التعريف لفظى لإحضار صورة مخزونة وهو بمنزلة التصوير ابتداء إلا أنه من حيث

ص: 255

أنه مسبوق بلفظ لم يفهم معناه بخصوصه صح طلبه وأعلاها أن يستحضر صورة غير حاصلة فى الخزانة وفيه مراتب متفاوتة وأتمها الكنه وذلك بالحد التام فالتعريف اللفظى داخل فى المطالب التصورية. اهـ. فتحصر الموصل إلى التصور فى الأقسام الثلاثة التى منها التعريف اللفظى ظاهر.

قوله: (إذ فائدته معرفة. . . إلخ) عرفت ما فيه من كلام الدوانى.

قوله: (وإلا فناقص) يفيد الحقيقة أيضًا إلا أنها غير كاملة.

قوله: (يريد به التام) أى فيكون قوله: ما أنبأ عن ذاتياته، معناه: ما أنبأ عن جميع ذاتياته.

قوله: (لأنه سيذكر نقصانه) أى والنقصان إنما يتصور طريانه على ما يتصور تماميته وإن لم يبق عند طريانه على تماميته ولا يرد عليه أن التفصيل حينئذ لا يطابق الإجمال لأن الإجمال شامل للناقص أيضًا بخلاف التفصيل لأنه يطابقه بعد ذكر نقصانه كذا قيل ولكن الظاهر أن يكون التفصيل المذكور عقب الإجمال مستوفيًا للأقسام المذكورة إجمالًا وأما ذكر بعض الأقسام فى التفصيل والفصل بغيرها ثم ذكر الباقى من الأقسام فخلاف الظاهر.

قوله: (فلا حاجة إلى جعل الحد الناقص داخلًا فى الرسم) أى كما توهم الأصفهانى وتبعه غيرهم، وعذرهم أن المصنف ذكر أن الحد الحقيقى ما أنبأ عن ذاتياته الكلية يعنى عن جميعها كما هو مقتضى الجمع المضاف إذا تعلق به حكم عم جميع الآحاد والرسمى ما أنبأ عن الشئ بلازمه فقالوا: إن الحد الناقص داخل فى الرسمى لتكمل الأقسام وقالوا: إن اللازم فى تعريف الرسمى أعم من الداخل والخارج ولا يرد عليهم أن جميع الذاتيات لازم فيدخل فى تعريف الرسمى وأن الجميع المذكور ليس لازمًا وإن اللازم لا بد أن يغاير الملزوم بالذات وهنا لا مغايرة كذلك كما تقدم.

قوله: (ولاشتماله على كل واحد منهما ينبئ عنه) أى أن المنبئ هو المجموع، والمنبأ عنه هو كل واحد من الذاتيات فلم يتحد المنبئ والمنبأ عنه.

قوله: (أى معرف) يعنى أن ما واقعة على المعرف بالكسر فلا يرد أن التعريف صادق على نفس المعرف إذ هو ينبئ عن جميع الذاتيات أيضًا لأنه هو نفس التعريف والاختلاف بينهما اعتبارى.

ص: 256

قوله: (وإلا فهو حد ناقص) هذا بظاهره يفيد أن قول الشارح عن ذاتياته معناه عن محض ذاتياته سواء كانت جميعها أو بعضًا منها، وقوله: وإلا فهو رسم، معناه: وإن لم ينبئ عنها أصلًا بل أنبأ عن العرضيات فهو رسم فيكون التعريف شاملًا للحد الناقص والتام وهو خلاف ما تقدم للمحشى فإذا حملت قول المحشى هنا ما أنبأ عن ذاتياته أى عن جميعها وقوله وإلا فهو حد ناقص على أن المراد وإلا يكن بالجميع مع كون الإنباء بالذاتيات فهو حد ناقص كان موافقًا لما جرى عليه أولًا.

قوله: (التى هى ذاتيات للأشخاص) دفع لما يقال: إن الذاتى هو المحمول والتشخص لا يحمل فكيف يكون ذاتيًا، وحاصل الدفع أن الذاتى الذى يحمل هو الذاتى الكلى الذى هو ذاتى للماهية النوعية بخلاف الذاتى للأشخاص.

قوله: (بل طريق إدراكها الحواس. . . إلخ) فيه أن من الجزئيات الجزئيات المجردة وهى لا تدرك بالحواس.

قوله: (على ما هو المشهور) مقابلة أنها ترسم فى العقل.

قوله: (ولم يرد بالمركب تركب الذاتيات فى أنفسها) أى كما لم يرد اعتبار كونها مركبة ومجموعة كما ذكره السعد.

قوله: (أو مركبة على وجه آخر) لا يقال: إن الشارح لم يتعرض للتركيب على وجه آخر لأنه قد ترض له حكمًا بقوله: لفقد صورته.

قوله: (وما يتبعه) أى من الصورة الحاصلة من تقديم الجنس على الفصل أو العكس وإن كانت تلك الصورة ليس جزءًا كما تقدم له.

قوله: (يلازمه) هو كل واحد من المفردات والأجزاء وكون المجموع لازمًا ولا أنبأ له عن الشئ بذاته لا ضرر فيه.

قوله: (من حيث إنه مسماه) فيه أن الفرض كما تقدم عن الدوانى ليس إلا استحضار معنى العقار من حيث ذاته لاستحضاره من هذه الحيثية إذ لا غرض له يتعلق بذلك.

قوله: (لا يفيد صورة مجددة) قد علمت أنه يفيدها استحضارًا كما تقدم.

قوله: (فيوصف بالترادف تبعًا) أى فلا إشكال على المصنف حيث جعل التعريف اللفظى هو التعريف بالمرادف مع أنه قد يكون مركبًا.

ص: 257

قوله: (وأما التعريف الاسمى. . . إلخ) رد على السعد حيث فهم أن اللفظى هو الاسمى مع أنه ليس كذلك.

قوله: (بأن أحدهما) أى اللفظى والاسمى.

قوله: (واصطلاحًا أيضًا) يرد به على السعد حيث جعله عكسًا عرفيًا فقط والحق معه والاعتذار الذى ذكره بقوله: وحيث كان. . . إلخ. غير نافع لأن المنطقيين لا يعتبرون خصوص المادة فالدار فى العكس على كونه لازمًا بحسب الصورة.

قوله: (فأقامه مقامه) أى فلا اعتراض على المصنف خلافًا للسعد وقد قدمنا أن إطلاق العكس على التلازم فى الانتفاء اصطلاحى أيضًا.

ص: 258

قال: (والذاتى ما لا يتصور فهم الذات قبل فهمه كاللونية للسواد والجسمية للإنسان ومن ثمة لم يكن لشئ حدّان ذاتيان وقد يعرف بأنه غير معلل وبالترتيب العقلى).

أقول: الذاتى ما لا يتصور فهم الذات قبل فهمه فلو قدّر عدمه فى العقل لارتفع الذات كاللونية للسواد والجسمية للإنسان إذ لو خرجتا عن الذهن لبطل فهمهما فرفعهما رفع لحقيقتهما بخلاف المتضايفين، وكان أجل أنه لا يعقل الذات قبل فهم الذاتى كان الحد الحقيقى بتعقل جميع الذاتيات وذلك لا يتصوّر فيه التعدد فلم يكن للشئ حدّاد ذاتيان إلا من جهة العبارة بأن يذكر بعض الذاتيات بالمطابقة تارة وبالتضمن أخرى وأما غيره فيتعدد لجواز تعدد اللوازم والأسماء المشهورة وقد يعرّف الذاتى بأنه غير معلل أى لا يثبت للذات بعلة فالسواد للسواد ليس بعلة أصلًا وكذا للونية لتقدمها عليه بخلاف الزوجية للأربعة فإن الزوجية معللة بالأربعة وقد يعرّف بالترتيب العقلى. أى هو الذى يتقدم على الذات فى التعقل وهذا يختص بجزء الحقيقة وهما راجعان إلى الأول.

قوله: (ما لا يتصور فهم الذات) على لفظ المبنى للفاعل كان تصوّر الشئ صار ذا صورة أى لا يمكن أو المبنى للمفعول بمعنى لا يعقل، ولا يقبل العقل أن تنكهم الذات قبل فهمه وظاهر هذا التفسير شامل لما يكون فهمه فهم الذات كالمتضايف وتأوله الشارح بما يكون رفعه رفع الذات أو سببًا لرفعها، فإن هذه خاصة مساوية للذاتى لا تتناول شيئًا من اللوازم والمتضايفات وأما لوازم الماهية فلا ترد لأن فهمها لا يكون إلا بعد فهم الذات.

قوله: (فلو قدّر) الأظهر فلو ارتفع لأن ارتفاع الذات لازم لارتفاع الذاتى لا لتقدير ارتفاعه.

قوله: (إلا من جهة العبارة) كما يعبر عن الجنس القريب للإنسان تارة وبالحيوان وتارة بالجسم النامى الحساس المتحرك بالإرادة.

قوله: (غير معلل) الذاتى لا يعلل أى ثبوته للذات لا يكون بعلة؛ لأنه إما نفس الذات أو جزؤه المتقدم بخلاف العرضى فإنه إن كان عرضًا ذاتيًا أوّليًا يعلل بالذات لا محالة كزوجية الأربعة وإلا فبالوسائط كالضحك للإنسان لتعجبه، وما يقال إن

ص: 259

كان لازمًا بينًا يعلل بالذات وإلا فبالوسائط إنما يصح لو أريد العلة فى التصديق ولو أريد ذلك انتقض باللوازم البينة، فإن التصديق بثبوتها للملزومات لا يعلل بشئ أصلًا نعم يشكل ما ذكر بما أطبق عليه المنطقيون من أن حمل الأجناس العالية على الأنواع إنما هو بواسطة المتوسطات وحيل المتوسطات بواسطة السوافل، حتى صرح ابن سينا بأن الجسمية للإنسان معلل بحيوانيته.

قوله: (فى التعقل) لأنهما فى الوجود واحدى لا اثنينية أصلًا فلا تقدم، وهذا التفسير مختص بجزء الماهية والأولان يعمان نفس الماهية أيضًا وحقيقة التعريفين الآخرين ترجع إلى الأول؛ لأن عدم تعليل الذاتى مبنى على أنه لا يمكن فهم الذات قبل فهمه بل بالعكس والتقدم فى التعقل مستلزم لذلك وإن لم يكن مبنيًا عليه.

قوله: (الذاتى) لما أخذ الذاتى فى تعريف الحد الحقيقى فسره أولًا بالمعنى الأعم الشامل للذات والجزء تفسيرين، وثانيًا بما يخصه تفسيرًا واحدًا وقال: الذاتى ما لا يتصور فهم الذات قبل فهمه، ومأخذه ما قيل من أن الجزء لا يمكن توهم ارتفاعه مع بقاء الماهية بخلاف اللازم إذ قد يتصور ارتفاعه مع بقائها واعتبر ذلك فى الثلاثة إذ يمتنع توهم ارتفاع الواحد ذهنًا أو خارجًا مع بقاء ماهيتها هناك، ولا يمتنع تصور ارتفاع الفردية مع بقائها وإن امتنع تحقق الثلاثة فيهما منفكة عنها، فالمحال ههنا هو المتصور دون التصور، وأما فى الجزء فكلاهما محال وعلى هذا فمعناه أن الذاتى محمول لا يمكن أن يتصور كون الذات مفهومًا حاصلًا فى العقل بالكنه ولا يكون هو بعد مفهومًا حاصلًا فى العقل بالكنه فيدخل فيه الذات إذ يستحيل تصور ثبوتها عقلًا بل خارجًا أيضًا قبل ثبوتها فعه والجزء المحمول إذ يمتنع تصور ثبوت الذات فى العقل وهو معنى كونه مفهومًا قبل ثبوته فيه أى: مع ارتفاعه عنه، والسبب فى ذلك أن رفع الذاتى هو رفع الذات بعينه فامتنع توهم الانفكاك فلو قدر عدمه أى فرض وتصور أنه معدوم فى العقل لكان بعينه فرضًا وقصورًا لعدم الذات فيه بخلاف اللازم كالمتضايف فإن ارتفاعه مغاير لارتفاع ملزومه، وإن كان مستلزمًا له ذهنًا وخارجًا فأمكن تصور الانفكاك لا يقال الحكم بأن تصور ثبوت الثلاثة لا يجامع ارتفاع الواحد يقتضى تصور ثبوتها مع ارتفاعه

ص: 260

معًا فلا يكون مستحيلًا؛ لأنا نقول: يلزم من ذلك اجتماع تصور تصور ثبوتها إلا تصور ثبوتها مع تصور ارتفاعه لا مع ارتفاعه والممتنع هو الثانى فإن صورة ثبوت ماهية الثلاثة مع ارتفاع الواحد عنها يمتنع حصولها فى العقل، وملخصه أن تصور ثبوتها مستحيل مع فرض ارتفاعه لا مع تصور ذلك الفرض فالظرف معمول للثبوت لا للتصور وفي عبارة المتن معمول للفهم الذى هو الثبوت الذهنى فإن قلت: قد حكمنا على هذه الصورة باستحالتها فى الذهن فلا بد أن تكون حاصلة فيه، أجيب بأن الحاصل هو صورة هذه الصورة لأنفسها.

قوله: (كاللونية) أورد مثالين للجزء، أحدهما من الأعراض، الثانى من الجواهر دون الذات لظهور حالها، ومن الناس من قال: معناه أنه لا يمكن فهم الذات قبل فهمه فيشمل بظاهره، ما يكون فهمه مع فهم الذات كالمتضايف وتأوله الشارح بما يكون رفعه رفع الذات أو سببًا لرفعها فإنه خاصة للذاتى لا يتناوله غيره ثم قال: والأظهر أن يقال: فلو ارتفع مكان فلو قدر لأن ارتفاع الذات لازم لارتفاع الذاتى لا لتقدير ارتفاعه، وأجيب عن الأول بأن الذاتى محمول على الذات وأحد المتضايفين لا يحمل على الآخر، وعن الثانى بأنه لما كان معنى اللزومية أن صدق التالي لازم لتقدير صدق المقدم أقحم لفظ قدر تصريحًا بالمقصود ودفعًا لما توهم بعضهم من أن صدقه لازم لصدق المقدم فى نفس الأمر فيكون قاطعًا، وزاد المجيب أن مرجع التعريف أنه لو فهم الذات الفهم الذاتى على معنى أن فهم الذاتى لا يغاير فهم الذات مغايرة بالذات بل بالاعتبار وسيجئ تحقيقه فى بحث دلالة المطابقة والتضمن ويلزمه بعكس النقيض لم يفهم الذاتى على معنى أن ارتفاعه عين ارتفاعها وغفل عما صرح به فيما بعد من أن تعقل الذاتى مقدم على تعقل الذات، فإن الجزء من حيث هو جزء مقدم على كله إن خارجًا فخارجًا وإن ذهنًا فذهنًا وجعله راجعًا إلى الاعتبار لا اعتبار به وأيضًا لو صح، فتعقل الجنس هو بعينه تعقل النوع ولا يرضى به عاقل.

قوله: (ومن أجل أنه لا يعقل الذات قبل فهم الذاتى) لأنه إذا لم يمكن تصور تعقل الذات قبل فهم الذاتى فبالأولى أن لا يمكن تعقلها قبل فهمه.

قوله: (كان الحد الحقيقى) أى التام (بتعقل جميع الذاتيات) لأنه موصل إلى كنه الذات ولا يحصل إلا بجميعها، ولا يتصور فى الجميع تعدد وإلا لم يكن شئ

ص: 261

منها جميعًا؛ فلا تعدد فى الحقيقى التام من حيث المعنى، وأما من حيث اللفظ فقد يورد حد الجنس بدله فيدل على أجزائه بالمطابقة كما يوضع فى حد الإنسان جوهر جسمانى نام حساس متحرك بالإرادة موضع الحيوان الدال عليها بالتضمن.

قوله: (أى لا يثبت للذات بعلة) ثبوت الذاتى للذات لا يكون معللًا بعلة، أما فى الذاتى الذى هو الذات؛ فلأن السواد سواد فى حد ذاته وليس ثبوته لنفسه معللًا به، وإلا لتقدم عليه بالذات ولا بجعل جاعل وإلا لم يكن السواد سوادًا إذا قطع النظر عنه، وكلاهما محال فلا يكون معللًا بعلة أصلًا وكذا حال الذاتى بمعنى الجزء، فإن ثبوت اللونية للسواد لا يعلل بالسواد (لتقدمها عليه) بل لعدم تقدمه على ثبوتها له ولا بعلة خارجة عنه، وإلا لانتفى بإنتفائها فلا يكون لونًا فى حد ذاته بخلاف لوازم الماهية كالزوجية للأربعة فإنها معللة بماهية الأربعة فإنها وجدت وتمت حقيقتها أولًا وبالذات ثم اتصفت بهذه الصفة لاقتضائها إياها فإن قلت: قد أطبقوا على أن حمل الجنس العالى على النوع السافل لأجل المتوسط حتى صرحوا بأن جسمية الإنسان معللة بحيوانيته فلو جعلوا الحيوان وسطًا فى إثبات الجسم للإنسان كان برهان لم قلت: المدعى أن ثبوت الجزء للذات لا يمكن تعليله بالذات ولا بأمر خارج عنه، والحجة ناهضة على ذلك لا مطلقًا فلا ينافى ما ذكرتموه ومنهم من تعمق فقال: قوله أى لا يثبت، إما من الثبوت إذ من خواص الذاتى أن لا يكون ثبوته للذات بعلة أى مغايرة لعلة الذات لأن جعلهما واحد بل لا يكون ثبوته فى ذاته أيضًا بالعلة المغايرة، وأما العرضى فثبوته للذات، وفي ذاته بعلة مغايرة فإن القريب معلول للذات بل أثر من آثاره وعلة للبعيد، وإما من الإثبات إذ من خواصه أيضًا أن لا يكون التصديق بثبوته للذات معللًا بالذات فإن العلة متقدمة على معلولها ولا تقدم للذات على ذلك ولا بغيرها وهو ظاهر، وأما العرضى فإن كان بينًا يعلل إثباته للذات بها لتقدم تصورها على تصوره واقتضائها ثبوته، وما وقع فى كلامهم أنه لا يعلل فمعناه بغير الذات ومن ثمة عرّفوه بأنه الذى تصور الملزوم أو تصورهما يكفى فى الجزم باللزوم بينهما وإن كان غير بين يعلل إثباته للذات بالواسطة هذا إن فهم الذات بكنهها، وإلا جاز أن يعلل إثبات الذاتى لها بعد أحدهما أو بذاتى آخر أخص منه فإن العالى يحمل على الشئ بواسطة حمل السافل عليه لكن التعليل بهما إنما هو لبيان التصور بالذات

ص: 262

والتصديق بالعرض قال فى الشفاء: إثبات الحد للشئ هو إثبات المحدود له وبالعكس وإنما يؤتى بهذا لقوم بله لم يفهموا معنى الموضوع أو المحمول إذا ذكر وحده وإذا ذكره غيره تصوروه وفيه بحث، أما أولًا فلأن الذات متقدمة على التصديق بثبوت الذاتى لها كتقدمها على التصديق باللزوم، وأما تأخر تصورها عن الذاتى وتقدمه على اللازم فلا يقدح فى ذلك فلم كان علة له فى أحدهما دون الآخر على أنهم صرحوا بأن تصورات أطراف البديهيات كافية فى الحكم بينها، وأما ثانيًا فلأن ما نقله عن الشفاء إنما هو فى توسيط حد أحد الشيئين فى التصديق بالنسبة بينهما لا فى توسيط أخص الذاتين فى إثبات أعمهما للذات فإنه قال فى الفصل الرابع من المقالة الرابعة من برهان الشفاء ما معناه سواء عندي طلب الشئ للشئ وطلبه لحده التام، وكذلك طلب الشئ للشئ وطلب حده التام له، ومن استدل بالحد التام فهو مصادرة على المطلوب الأول نعم ربما يذكر الأصغر وحده لمن لا فطانة له فلا يحضر معناه فلا يقبل حمل الأكبر عليه فإذا عقب بحده فهم وقبل فذكر الأوسط إنما هو للتصور بالذات وللتصديق بالعرض وقال فى المقالة الأولى من برهانه أيضًا: الفصل العاشر فى بيان كيفكية كون الأخص علة لإنتاج الأعم على ما دون الأخص، ثم قال: إنه مما يشكل إشكالًا عظيمًا أن الحيوان كيف يكون سببًا لكون الإنسان جسمًا على ما ادعيناه فإنه ما لم يكن الإنسان جسمًا لم يكن حيوانًا فإن الجسمية سبب لوجود الحيوان ثم حقق ذلك بما لا يحتمله المقام.

قوله: (أى هو الذى يتقدم على الذات فى التعقل) قد اشتهر فى كلام القوم أن الجزء متقدم على الكل فى الموجودين وكذا فى العدمين لكن التقدم فى الوجود شامل لكل واحد من الأجزاء والتقدم فى العلم إنما هو لواحد منها لا بعينه، ومعناه أن الجزء حيث كان جزءًا يتقدم على الكل، ولما كان الذاتى جزءًا عقليًا لا يتميز عن الذات فى الوجود إلا هناك كان تقدمه فى التعقل فقط، (وهذا) التعريف (يختص بجزء الحقيقة) إذ لا تقدم للذات فى التعقل على نفسها بخلاف الأولين فإنهما يعمان الذات أيضًا كما أوضحناه، (وهذان) التفسيران أعنى الأخيرين (راجعان إلى الأول) ولازمان له فإنه إذا لم يمكن تصور ثبوت الذات فى الذهن قبل ثبوت الذاتى وكان ارتفاعه عين ارتفاعها، وجب أن لا يعلل ثبوته

ص: 263

لها لا بالذات وإلا لكانت متقدمة على ثبوت الذاتى فأمكن تصور ثبوت الذات مع ارتفاعه عنها ولا يكون ارتفاعه ارتفاعها ولا بغيرها، وإلا لكانت الذات فى نفسها بحيث لا يثبت لها الذاتى ويعود المحذور، وكذلك إذا كان ارتفاعه عن الذهن عين ارتفاعها فلا بد أن يكون نفسها أو متقدمًا عليها؛ لأن ما مع الشئ أو متأخر عنه لا يكون ارتفاعه ارتفاع الشئ بعينه قطعًا لكن الجزء ليس نفس الكل فلا بد أن يكون متقدمًا عليه فظهر بما ذكرنا رجوعهما إليه ونبه المصنف عليه باستعمال قد فيهما.

قوله: (ويدخل فيه الذات) هنا بحث وهو أنه إذا جعلت لفظة ما عبارة عن المحمول فإن اعتبر الحمل بالنسبة إلى الذات المذكور فى قوله: ما لا يتصور فهم الذات وهو الظاهر ويدل عليه قوله فيما بعد، وأجيب بأن الذاتى محمول على الذات واحد المتضايفين لا يحمل على الآخر فلا يصدق هذا التعريف على الذات لأن الشئ لا يحمل على نفسه فإن قلت: يجوز الحمل بالتغاير الاعتبارى قلت: فحينئذ يتصور فهم الذات قبل فهمه بأن يقال ما يصدق عليه المحمول ليس محض الذات بل المحمول هو الذات منضمًا إلى أمر يحصل التغاير باعتباره فيصح الحمل من ذلك والذات المعتبر مع شئ آخر يصدق عليه أنه يمكن أن يتصور كون الذات مفهومًا حاصلًا فى العقل بالكنه ولا يكون هذا الذات المعتبر مع شئ آخر بعد مفهومًا حاصلًا فيه فلا يصدق التعريف على الذات على هذا التقدير أيضًا فإن الإنسان من حيث هو كاتب يصح حمله على الإنسان من غير تلك الحيثية ولا يصح حمله من حيث هو عليه وما يصدق عليه المحمول هو الأول لا الثانى ولا شك أنه يمكن فهم الإنسان بدون فهم الإنسان الكاتب وإن لم يمكن فهمه من حيث هو بدون فهمه من حيث هو، وإن اعتبر الحمل بالنسبة إلى شئ أعم مما ذكر فلا فائدة فى تقييد التعريف بالحمل اللهم إلا أن يقال: المراد هو الأول، ومعنى التعريف أن الذاتى محمول لا يتصور فهم الذات قبل فهمه بالنظر إلى ذات ذلك المحمول لا من حيث كونه محمولًا.

واعلم أن حاصل قوله: ما لا يتصور فهم الذات قبل فهمه أنه لا يمكن فرض حصول الذات مع فرض ارتفاعه، وحاصل قوله: لا يقال اعتراض بأن الحكم بأن

ص: 264

تصور ثبوت الثلاثة فى العقل لا يجامع ارتفاع الواحد فيه يقتضى ثبوت الثلاثة وتصور ارتفاع الواحد فيحصل فى ذهن الحاكم ثبوت الثلاثة وارتفاع الواحد فلا يكون هذا التصور مستحيلًا، وحاصل الجواب: أن التصور ههنا بمعنى الفرض ويلزم مما ذكرته تصور فرض ثبوت الثلاثة مع تصور ارتفاع الواحد لا تصور ثبوتها أى فرضه وأيضًا جمع تصور ارتفاعه لا جمع ارتفاعه وحاصل قوله: وتلخيصها، أن الفرض ههنا يتعلق بثبوت الثلاثة وارتفاع الواحد أيضًا وليس المراد فرض ثبوت الثلاثة نفس الارتفاع فإن فرض ثبوت الثلاثة فى العقل لا ينافى ارتفاع الواحد فى نفس الأمر.

قوله: (رفع الذاتى هو رفع الذات) قيل: عليه أن المرفوع والأعدام المضافة تتمايز بتمايز ما أضيفت إليه والكل يتمايز عن الجزء قطعًا فيلزم تمايز الرفع المضاف إلى الكل عن الرفع المضاف إلى الجزء وأيضًا يقال: عدم الجزء علة لعدم الكل فيلزم انتفاء الاتحاد بين العدمين.

قوله: (أقحم لفظ قدر) فإن لفظ قدر وفرض واعتبر وقع كثيرًا فى الشرطيات، والغرض منه التصريح بما فهم من أداة الشرط الباعث على ذلك وهو دفع توهم من توهم أن صدق التالي لازم لصدق المقدم أى صدق المقدم واقع فى نفس الأمر غير مقيد بالتقدير والفرض وصدق التالي لازم له فالحاكم فى قوله: إن كان زيد إنسانًا كان ناطقًا قد حكم بأن كونه ناطقًا لازم لكونه إنسانًا فى نفس الأمر أى: يمتنع انفكاكه عما هو صادق فى نفس الأمر ولم يكن معه الفرض والتقدير فيلزم صدق التالي قطعًا ولا يخفى أن قوله: لازم لتقدير صدق المقدم يكون كان قبيل التصريح بالمقصود فإن صدق التالي لازم لصدق المقدم لا لتقدير صدق المقدم فالمعنى: أن اللزوم يعتبر فيه معنى يعبر عنه بلفظ التقدير وبلفظ إن كان من غير أن يكون ذلك المعنى ملزومًا أو لازمًا.

قوله: (أى لا يثبت) أى: لا يثبت الذاتى (للذات بعلة) فإن قلت: هذا التفسير يوجب الخفاء فى البيان وعلى تقدير ترك هذا التفسير يكون لزوم تقدم الشئ على نفسه فى غاية الظهور؛ لأن الذاتى الذى هو الذات لو علل نفسه لزم تقدمه على نفسه وكذا الجزء لو علل بالذات لزم تقدم الذات على نفسه فما الفائدة فيه؟ قلت: الفائدة فى ذلك ظهور الفرق بين الذاتى واللازم فإنه إذا قطع النظر عن الثبوت

ص: 265

والإثبات صار اللازم مثل الذاتى فى عدم كونه معلولًا فإن الزوجية مثلًا لا تكون معللة باعتبار نفسها بل كونها معلولة ليس إلا باعتبار الثبوت والاتصاف فاعتبر الشارح الثبوت فى الذاتى أيضًا وبين عدم كونه معللًا حتى ظهر الفرق.

اعلم أنه لا يكون فى الذات نفسه ثبوت وانتساب إلا بالتغاير الاعتبارى فإذا اعتبرنا جهة التغاير لا يكون الثبوت بين الذات مع جهة التغاير فى طرف، وبين الذات مع جهة التغاير فى طرف آخر أى: لا يكون المثبت مجموع الذات والجهة والمثبت له أيضًا كذلك فإنا إذا لاحظنا زيدًا من حيث إنه كاتب ولاحظناه بوجه آخر صح منا ملاحظة ثبوت زيد لنفسه ولا نعنى أن زيدًا مع صفة الضحك مجموعهما ثابت لمجموع زيد مع وجه آخر إذ ليس هنا ثبوت شئ لنفسه بل تكون ملاحظة جهة التغاير لتصحيح اعتبار الثبوت بين الشئ ونفسه، وكلما كان ثبوت شئ لآخر معلالًا يجب أن يكون الشئ الثابت متأخرًا عن العلة كما فى وجود المعلول من العلة فإن تأثير العلة ليس إلا فى ثبوت الوجود للمعلول واتصاف المعلول به لا فى نفس الوجود مع أنهم يقولون: الوجود متأخر عن العلة فإذا كان الذات علة لثبوت نفسه له فنفسه الثابت متأخر عنه فلزم تقدم الشئ على نفسه وكذا الحال فى الذاتى الذى هو الجزء لقائل أن يقول ثبوت شئ لآخر لا يلزم أن يكون بمعنى اتصاف الآخر بذلك الشئ كما فى ثبوت الوجود للماهية فإن ثبوت الجزء للكل ليس بمعنى اتصاف الكل بالجزء وأيضًا لا يلزم أن يكون المتقدم على ذلك الثبوت متقدمًا على الثابت فإن ثبوت الجزء للإنسان متأخر عن علته التى هى الحيوان والجسم لا يتأخر عن الحيوان بل يتقدم عليه، فالصواب أن يقال: ثبوت للذات لو صدر عن الذات لزم أن يكون ثبوت الذات للذات متقدمًا على ثبوت للذات، لأن تأثير الذات فى الثبوت متأخر عن ثبوت الذات لنفسه إذ العقل يحكم بأن الذات بين بنفسه فوقع منه التأثير وهذا أقرب مما قاله فى حاشية الحاشية لبيان عدم كون السواد علة لثبوت اللونية له فإنه قال هناك: لو كان السواد علة لثبوت اللونية له لكان متقدمًا على ثبوتها له فيكون ثبوته فى نفسه متقدمًا على اللونية له وهو محال فإن قلت: يمكن تسليم أن ثبوت السواد فى نفسه متقدم على ثبوت اللونية له ومتأخر عن السواد المتأخر عن نفس اللونية لا عن ثبوتها له ولا استحالة فى تقدم نفس اللونية على ثبوت السواد وتأخر ثبوت اللونية له عن ثبوت السواد قلت:

ص: 266

العقل يحكم بأنه يثبت الجزء للكل فيثبت الكل فيجب تقدم ثبوت الجزء للكل على ثبوت الكل كما يجب تقدم نفس الجزء على نفس الكل وتبوته، لقائل أن يقول: ثبوت الجزء للكل أمر كان فى نفس الأمر كثبوت الجسم للإنسان وهو نسبة قطعًا والنسبة متأخرة عن الطرفين فلزم تقدم السواد مثلًا على ثبوت اللونية له فهذا التقدم إن اقتضى تقدم ثبوت السواد فى نفسه على ثبوت اللونية له يلزم الحال وإن لم يقتض ذلك بل يكفى تقدم نفس السواد فيثبت شئ مقدم على ثبوت الشئ الآخر له ولا يكون ثبوته فى نفسه مقدمًا على ثبوت الشئ الآخر له فلا وجه لقوله فى تلك الحاشية: لو كان السواد علة لثبوت اللونية له لكان متقدمًا بالذات على ثبوتها له فيكون ثبوته فى نفسه متقدمًا على ثبوت اللونية له فإنه لا يتفرع التقدم الثانى على التقدم الأول بل يتفرع على كون السواد علة فيجب ترك التقدم الأول وأن يقال: لو كان السواد علة لثبوت اللونية له لكان ثبوته فى نفسه مقدمًا على ثبوت اللونية له قيل: على هذا المقام أن القوم قد حكموا بأن ثبوت الشئ للشئ فرع عن ثبوت ذلك الشئ المثبت له فى نفسه وهم يدعون الضرورة فى ذلك، ولم يقولوا: إن هذا الحكم مبنى على أن المثبت له علة ومصدر ولم يقولوا أيضًا: إن هذا الحكم فيما إذا كان ثبوت شئ لشئ بمعنى اتصاف الشئ الثانى بالشئ الأول حتى يقال: إن الأمر فى الجزء والكل ليس كذلك وأنت تعلم أن هذا القول مدفوع بأن معنى ثبوت شئ لشئ هنا اتصاف الشئ الثانى بالشئ الأول وغير هذا المعنى توهم وقولهم: ثبوت الذاتى للذات يكون بمعنى الكون له على وجه يمكن أن يلاحظ بين الشئ ونفسه وبين الكل وجزئه لا بمعنى الاتصاف.

قوله: (والحجة ناهضة على ذلك) لا يقال: هذا التحقيق يقتضى أن يعلل كل فرد من أفراد العرضى إما بالذات أو بأمر خارج عن الذات ولا يوجد فرد منه معلل بالجزء إذ لو وجد ذلك الفرد العلل بالجزء لدخل فى تعريف الذاتى؛ لأنه يصدق عليه أنه لا يعلل أى: لا يثبت للذات بعلة هى نفس الذات أو خارجة عنه لأنا نقول: لا يتصور أن يكون فرد من العرضى ثابتًا للذات بلا مدخلية الذات إذ الذات معروضة فكل من أفراد العرضى يكون علته إما بالذات أو مركب منه وغيره وهذا المركب خارج عنه.

ص: 267

قوله: (لأن جعلهما واحد) دل ذلك على أن مراده بقوله: لا يكون ثبوته للذات بعلة انتفاء ذلك بالنظر إلى الخارج ولا شك أنه إذا نظر إلى الخارج فالذاتى هو عين الذات فيه وليس هناك ثبوت الذاتى للذات، ولو اعتبر التعدد الذهنى صح اعتبار ثبوت الذاتى للذات لكن هذا الثبوت غير ثبوت الذاتى فى نفسه الذى هو عين ثبوت الذات فى الخارج والثانى يعلل بعلة الذات دون الأول.

قوله: (واقتضائها ثبوته) لا تقريب لذكره فى بيان كون الذات علة للتصديق؛ لأن اقتضاء الذات العرضى فى نفس الأمر يفيد كون الذات علة للثبوت فى نفس الأمر لا للتصديق بالثبوت إلا أن يقال: المراد باقتضائها ثبوته أن الذات يقتضيه على وجه يحصل من تصور الذات العلم بالثبوت، وهذا المعنى يناسب اعتباره هنا لأن المدعى أن الذات علة للتصديق ولا يثبت ذلك بمجرد تقدم تصور الذات على تصور العرضى.

قوله: (ومن ثمة عرّفوه) أى ومن أجل أن إثبات العرضى البين لا يعلل بغير الذات عرفوا العرضى البين بما ذكر اعترض عليه بأن هذا التعريف يدل على أن علة التصديق بثبوت العرضى البين للذات قد يكون مركبًا من تصور الملزوم وتصور اللازم وهذا المركب غير الذات فظهر من كلامهم أن إثبات العرضى البين قد يعلل بغير الذات وأجيب بأن المراد بقولهم: الذات علة لإثبات العرضى البين أن الذات علة له بمشاركة الغير أو بغير المشاركة.

قوله: (لا زمان له) هنا بحث وهو أنه إذا كان هذان المعنيان لازمين للمعنى الأول وجب أن يمتنع انفكاكهما عنه وقد تقرر أن المعنى الثالث لا يصدق على الذات والمعنى الأول صادق عليها فيتحقق الانفكاك وبطل اللزوم، والعجب أنه ذكر أن التعريف الثالث يختص بجزء الحقيقة والأولان يعمان الذات أيضًا وذكر فيما بعد أنه إذا كان ارتفاعه عن الذهن عين ارتفاعها فلا بد أن يكون نفسها أو متقدمًا عليها وقال مع ذلك: إن الثالث لازم للأول قيل هذا القول مبنى على التغليب.

قوله: (لأن ما مع الشئ أو متأخر عنه) فإن قلت: إذا كان ارتفاع الجزء عين ارتفاع الكل فقد كان ارتفاع الكل أيضًا عين ارتفاع الجزء إذ لا يتصور العينية من أحد الجانبين فقط والكل متأخر عن الجزء فقد يكون ارتفاع المتأخر عين ارتفاع

ص: 268

المتقدم قلت: للكل ارتفاعات مخصوصة يمكن وقوع كل منها للكل وكل واحد منها عين ارتفاع جزء معين منه والمراد أن المتأخر عن الشئ لا يكون كل ما هو ارتفاعه ارتفاع ذلك الشئ بخلاف المقدم فإن ما يصدق عليه ارتفاع الجزء المعين فهو بعينه ارتفاع للكل.

الشارح: (أى لا يثبت للذات بعلة) إنما اعتبر أن المعنى على أن الثبوت ليس معللًا ليظهر الفرق بين اللازم والذاتى لأنه إذا قطع النظر عن الثبوت والإثبات ونظر للشئ فى نفسه صار اللازم مثل الذاتى فى أنه ليس معللًا فإن الزوجية مثلًا لا تكون معلولة باعتبار نفسها بل باعتبار الثبوت والاتصاف كذا قال الهروى وقال السيواسى: إنما قال أى لا يثبت. . . إلخ. لئلا يرد أنه إن أراد بقوله غير معلل أنه غير صادر عن موجد فهو باطل إذ الماهيات مجعولة على التحقيق، وإن أراد أنه لا يتخلل بين الشئ ونفسه جعل فذلك غير مختص بالذاتى.

الشارح: (فالسواد للسواد ليس بعلة) أى فثبوت السواد لنفسه ليس بعلة أصلًا وقوله: وكذا اللونية أى ثبوتها للسواد ليس بعلة، وقوله: لتقدمها أى اللونية عليه أى السواد فهو تعليل لقوله: وكذا اللونية.

التفتازانى: (إن كان عرضًا ذاتيًا أوليًا) تقدم أن المراد بالأولى ما كان العروض فيه بلا واسطة لا ما كان عروضه للشئ أولًا وبالذات وعروضه لغيره بتوسطه ولذلك صح التمثيل بالزوجية للأربعة فإنها تعرض للأربعة بلا واسطة وذلك لا ينافى عروضها لغيرها كالثمانية أيضًا بلا واسطة فلا إشكال فى التمثيل.

التفتازانى: (إنما يصح لو أريد العلة فى التصديق) أى لأن ذلك هو الذى يفرق فيه بين البين وغيره.

التفتازانى: (انتقض باللوازم البينة) علمت أنه لانتقاض لأن المنفى عدم تعليلها بشئ غير الذات لا عدم التعليل رأسًا كما قال.

التفتازانى: (لأنهما فى الوجود واحد) علة للتخصيص بالتعقل.

قوله: (بما يخصه) أى الجزء الذى هو المراد من الذاتى المأخوذ فى الحد.

قوله: (ولا يصح تصور ارتفاع. . . إلخ) معناه أنه يمكن للعقل أن يفرض وجود الثلاثة بدون الفردية وإن كان المفروض محالًا فلا يرد أنه سيجئ فى بحث العرض

ص: 269

اللازم أن الثلاثة إذا تعلقت مجردة عن الفردية لم يكن الحاصل فيها ماهيتها وذلك لأن هذا الفرض يكفيه تصور الثلاثة بعنوان الثلاثية وإن لم يكن المتصور ثلاثة حقيقة.

قوله: (دون التصور) المراد به فرض العقل فقول المصنف: ما لا يتصور فهم الذات. . . إلخ معناه ما لا يمكن فرض العقل حصول الذات فى الذهن إلخ.

قوله: (فكلاهما) أى الفرض والمفروض وقوله وعلى هذا أى على ما ذكر من أن الكلام فى الذاتى لأنه تقدم أخذه فى تعريف الحد الحقيقى وإن مأخذه ما قيل كما أن الجزء لا يمكن توهم ارتفاع مع بقاء الماهية فمن الأول أخذ محمول ومن الثانى أخذ أنه لا يمكن ارتفاعه مع بقاء الماهية.

قوله: (أن الذاتى محمول) غير ظاهر بالنسبة للذات لأن المراد الحمل عليها ولا يحمل الشئ على نفسه وأجيب بأن الذات تحمل على نفسها عند التغاير بالاعتبار ولا يقال: إنه حينئذ لا يصدق عليها ما لا يتصور فهم الذات قبل فهمه لأنه يصدق على الذات المعتبر مع شئ آخر أنه يمكن أن يتصور بالكنه ولا يكون هذه الذات مع الشئ الآخر مفهومًا بعد لأنا نقول: إن اعتبار الشئ المنضم لتصحيح الحمل والمعتبر الذات نفسها وهى لا تحصل مع عدم حصولها وفيه تأمل.

قوله: (أن رفع الذاتى هو رفع الذات بعينه) اعلم أنهم قد اختلفوا فى أن عدم الجزء حيث كان جزءًا هل هو عين عدم الكل أو علة تامة له فذهب إلى كل جياعة وأورد على كل منهما أما على الأول فبأن الجزء الخارجى مثلًا وجوده غير وجود الكل بالضرورة فرفعه غير رفعه بالضرورة إذا الكاملة الواحدة الشخصية وإن كانت عدمية لا يجوز أن يتصف بها كل من الشيئين المتغايرين ويلزم أن يكون عدم المركب الواحد متعددًا بعدد إعدام الأجزاء مع أن اتصاف الشئ بالعدم مرة يمنع اتصافه به مرة أخرى، وأجيب بأنا لا نسلم أنه يلتزم من مغايرة وجود الجزء الخارجى لوجود كله أن يكون عدمه غير عدمه وقولهم: إن الصفة الواحدة وإن كانت عدمية لا يجوز أن يتصف بها كل من الشيئين المتغايرين ممنوع إذ لا تمايز بين المعدومات ولا بين الإعدام نعم يدرك العقل تعددًا باعتبار تعدد الأجزاء المعدومة لكنه لا يستلزم الامتياز الخارجى وأما على الثانى فلأن العلة التامة لعدم الكل إما عدم جزء واحد غير معين وإما عدم جزء واحد معين وإما عدم جميع الأجزاء وإما

ص: 270

عدم كل واحد منها والأول يستلزم أن يكون الكلى علة للجزئى الشخصى، والثانى يلزمه التحكم والثالث يستلزم أن يكون الشئ علة تامة لنفسه لأن عدم جميع الأجزاء هو عدم الكل، والرابع يستلزم توارد العلل التامة على معلول بالشخص لو اجتمعت إعدام الأجزاء وأجيب بأن عليه العدم للعدم إنما هى بحسب إدراك الذهن لا فى الخارج إذ لا تمايز بينها فيه فلم لا يجوز أن يكون عدم كل منها وعدم جميعها علة ولا يلزم فى الثانى عليه الشئ لنفسه لأن العلة جميع العدمات والمعلول مجموع الإعدام. الفرق ظاهر قاله بعضهم.

قوله: (مع ارتفاعه معًا) هكذا فى النسخ ولعل "معًا" زائد.

قوله: (تصور تصور ثبوتها) التصور الثانى بمعنى الفرض.

قوله: (مع تصور ارتفاعه) متعلق باجتماع.

قوله: (والممتنع هو الثانى) هو تصور ثبوتها مع الارتفاع أى فرض ثبوتها مع الارتفاع والفرض منصب على الثبوت والارتفاع أى أن الثبوت مع الارتفاع لا يمكن فرضه.

قوله: (فالظرف) هو قوله: مع ارتفاعه.

قوله: (لا للتصور) أى لأنه لو كان معمولًا له لكان المعنى التصور الكائن مع الارتفاع وهذا ليس بمستحيل فإن فرض ثبوت الثلاثة فى نفس الأمر لا ينافى ارتفاع الواحد فى نفس الأمر.

قوله: (وفي عبارة المتن. . . إلخ) والظرف فيه هو قوله: قبل فهمه.

قوله: (فإن قلت قد حكمنا على هذه الصورة) أى حكمنا على صورة ثبوت ماهية الثلاثة مع ارتفاع الواحد عنها بأنه يمتنع حصولها فى العقل والحكم على الشئ يقتضى كونه حاصلًا فى العقل فلا بد أن تكون تلك الصورة حاصلة فى العقل وهو مناف لما قلنا من أنه يمتنع حصولها فى العقل وهذا الإشكال المذكور غير الإشكال الذى تقدم بقوله: لا يقال لأن محصل الأول أن الحكم بأن تصور الثلاثة لا يجامع ارتفاع الواحد يقتضى ثبوت الثلاثة وارتفاع الواحد فى العقل فلا يكون ممتنعًا وحاصل جوابه أنه لا يقتضى ذلك بل يقتضى تصور ما ذكر وأما محصل الإشكال الثانى فهو ما ذكرناه وجوابه غير جواب الإشكال الأول وهو أن الحاصل صورة هذه الصورة لا نفسها.

ص: 271

قوله: (أو سببًا لرفعه) غفل عن قول الشارح فرفعهما رفع لحقيقتهما إلا أن لذلك البعض من الناس فى نسبة ذلك للشارح عذرًا حيث قال: فلو قدر عدمه فى العقل لارتفع الذات لأن المتبادر من هذا التعليق أن الأول سبب.

قوله: (لازم لتقدير صدق المقدم) المراد لازم لصدق المقدم معتبرًا فى اللزوم التقدير والتعليق الذى يؤديه كلمة الشرط.

قوله: (وغفل عما صرح به. . . إلخ) أجاب بعضهم بأن المراد فهم الذاتى من حيث هو داخل فى الذات كما يدل عليه قوله وسيأتى تحقيقه فى بحث دلالة المطابقة والتضمن وهو لا ينافى أن العقل قد يلاحظ تفصيلًا فيكون مقدمًا على الكل.

قوله: (لو صح) فتعقل الجنس هو بعينه تعقل النوع ولا يرضى به عاقل أجاب بعضهم أيضًا بأن تعقل الجنس فى ضمن ما هو ذاتى له الذى هو النوع تعقل للنوع ولا شئ فيه.

قوله: (لأنه إذا لم يمكن. . . إلخ) يعنى أن الذى فى المصنف لا يتصور فهم الذات وقد علمت أن المعنى لا يمكن فرض العقل والفهم الحصول فى الذهن فالمناسب له أن يقول: ومن أجل أنه لا أنه يتصور فهم الذات. . . إلخ. فقال المحشى: إن الذى قاله الشارح لازم أولوى لما قاله المصنف: وحاصله أنه إذا لم يمكن تصور تعقل الذات قبل فهم الذاتى الذى قاله المصنف فبالأولى لا يمكن تعقلها قبل فهمه والمراد من التصور الفرض فإذا امتنع الفرض امتنع المفروض بالأولى ويكون المراد من التصور الفرض أخذًا من كلام الشارح اندفع ما قيل من أنه لا يلزم من عدم إمكان تصور شئ عدم إمكان ذلك الشئ فى نفسه ألا ترى أن الواجب تعالى لا يمكن تصوره بكنهه عند المحققين مع أنه واجب الوجود.

قوله: (وإلا لم يكن شئ منها جميعًا) أى فيلزم فهم الذات قبل فهمه وذلك باطل قال بعضهم: كان الأظهر أن يقول الشارح: ومن أجل أنه لا يعقل الذات قبل فهم الذاتى كان تعقل الذات بالكنه بتعقل جميع الذاتيات الذى هو الحد الحقيقى التام فلا يتعدد الحقيقى التام إذ لا يتصور فى الجميع تعدد.

قوله: (أما فى الذاتى فلأن السواد. . . إلخ) قال فى حاشية الحاشية هذا: إن قلنا بثبوت الشئ لنفسه بناء على التغاير بالاعتبار وإلا فلا ثبوت فلا علة ولا يلزم

ص: 272

السلب لأنه فرع تصور الإثبات. اهـ. أى التعليل المذكور إن قلنا بثبوت الشئ لنفسه بناء على المغايرة الاعتبارية وإلا نقل بهذا الثبوت فلا ثبوت بين الشئ ونفسه فى الواقع فلا حاجة إلى التعليل أصلًا وقوله: لا يلزم السلب إشارة إلى دفع ما يقال: إن الشئ إذا لم يكن ثابتًا لنفسه كان مسلوبًا عنها وهو محال ووجه الدفع أن السلب رفع الإيجاب فيكون بعد كونه متصورًا وحيث كان لا إيجاب غير متصور فلا سلب فالعلية المنفية مبنية على التغاير الاعتبارى ومع ذلك فلا بد من التغاير بين العلة والمعلول بالذات فلا يرد أنه إذا كانت العلية مبنية على التغاير الاعتبارى فبطلان التالى فى قوله: وإلا لتقدم عليه بالذات ممنوع لجواز أن يتقدم على نفسه بالاعتبار وقد أورد المحشى فيما نقل عنه أن هذا الدليل لا يدل على امتناع كون الذات معللًا بجزئه لأن الجزء متقدم على الكل فلو علل به لم يلزم عدم كون الذات تلك الذات مع قطع النظر عن الجزء إذ مع قطع النظر عنه لم تتقرر الذات فى نفسها بل ولا تتصور أيضًا وجوابه ما أشار إليه أيضًا من أن بعض الذاتيات غير كاف والجميع عينه يعنى أنه إذا علل الثبوت للذات بالجزء باعتبار كونه جزءًا فلا يكفى لأن الكل لا يصير عين بعض أجزائه حتى يكون الجزء علة لثبوت الكل لنفسه وإذا علل بالجميع فهو عينه فلا يكون علة وقوله: وليس ثبوته لنفسه معللًا. . . إلخ تفسير لكون فالسواد سوادًا فى حد ذاته وبيان للمراد منه.

قوله: (وإلا لتقدم عليه بالذات) أى وهو باطل واعترض بأن ذات المنسوب إليه متقدمة بالضرورة على النسبة فالسواد متقدم على ثبوته لنفسه وأجيب بأن السواد لو كان علة لثبوته لنفسه لكان ثبوت السواد فى نفسه متقدمًا على ثبوته لنفسه ضرورة أن مرتبة ثبوت العلة متقدمة على مرتبة ثبوت المعلول مع أن العقل يجد السواد ثابتًا لنفسه فى كل مرتبة ولهذا يقال ثبوت الذات للذات لو صدر عن الذات لزم أن يكون ثبوت الذات للذات متقدمًا على ثبوت الذات للذات لأن تأثير الذات فى الثبوت متأخر عن ثبوت الذات لنفسه إذ العقل يحكم بثبوته لنفسه فيقع منه التأثير، وقال الهروى: إذا كان ثبوت شئ لآخر معللًا يجب أن يكون الشئ الثابت متأخرًا عن العلة كما فى وجود المعلول من العلة فإن تأثير العلة ليس إلا فى ثبوت الوجود للمعلول واتصاف المعلول به لا فى نفس الوجود مع أنهم يقولون: الوجود متأخر عن العلة فإذا كان الذات علة لثبوته لنفسه فنفسه الثابت متأخر عنه

ص: 273

فلزم تقدم الشئ على نفسه. اهـ.

قوله: (لتقدمها عليه) اعترض بأن التأخر يجوز أن يكون علة لثبوت المتقدم لغيره فتقدم اللونية على السواد لا يستلزم أن لا يكون السواد علة لثبوتها له كما بين ذلك فى البرهان الذهبي ورد كما نقل عن المحشى بأن السواد لو كان علة لثبوت اللونية له لكان متقدمًا بالذات على ثبوتها فيكون ثبوته فى نفسه متقدمًا على ثبوت اللونية له وهو محال.

قوله: (بل لعدم تقدمه على ثبوتها له) أى ومقتضى أنه علة لثبوتها له أن يتقدم عليه وهو إضراب انتقالى لبيان الفساد من وجه آخر.

قوله: (فلا يكون لونًا فى حد ذاته) أى مع أنه لون فى حد ذاته لأن الكلام فى ذاتى الشئ الذى هو داخل فيه فيكون السواد عبارة عن اللون وقابضية البصر فلا يرد عليه ما يقال: إن أراد بكون السواد لونًا فى حد ذاته أنه لا يعلل ثبوته له بأمر خارج فهو أول المسألة، وإن أراد أن اللون ثابت له مع قطع النظر عما يغايره فلو كان معللًا بغيره لم يكن كذلك ورد عليه أن قطع النظر عن الشئ لا يقتضى انتفاءه فى نفس الأمر إذ يجوز أن يكون هناك أمر يمتنع زواله ويقتضى ثبوت اللون له وإن قطع النظر عنه وإن أراد معنى آخر فعليه البيان. اهـ بعضهم.

قوله: (بخلاف لوازم الماهية) إنما خصها بالذكر لأنها أقرب إلى الذاتيات من اللوازم الأخر.

قوله: (كالزوجية للأربعة) نقل عنه ومن قال: الزوجية عرض أولى للأربعة فقد أخطأ إذ لو كان كذلك لم يثبت لغيرها إلا بتوسطها. اهـ. وأجاب بعضهما: بأنه أراد القائل بالعرض الأولى ما عرض للشئ بلا واسطة لا ما كان عروضه له أولًا وبالذات ولغيره بتوسطه.

قوله: (فإن قلت قد أطبقوا. . . إلخ) وارد على أن الذاتى لا يعلل ثبوته فقد علل ثبوت الجسمية للإنسان بالحيوانية، وقوله: الجنس العالى أى بالإضافة لما تحته لا ما هو فوق الجميع وإلا لم يصح عد الجسم من الجنس العالى.

قوله: (كان برهان لم) أى لأن الأوسط فيه علة لثبوت الأكبر للأصغر فى نفس الأمر وإن كان معلولًا ذلك الأوسط لذات الأكبر فإن الحيوان معلول للجسم والجسم متقدم عليه وذلك لا ينافى أنه علة لثبوت الجسم للإنسان الذى فى قولك:

ص: 274

الإنسان جسم لأنه حيوان لكن هذا يقتضى أن ثبوت الوسط كالحيوان للإنسان مغاير بالذات لثبوت الذاتى الأعم كالجسم له وهو خلاف التحقيق.

قوله: (أيضًا المدعى أن ثبوت الجزء للذات. . . إلخ) خص الحكم بالجزء لأن الظاهر فى الذات أن لا يعلل ثبوته فى نفسه وأما ثبوته لنفسه فمبنى على التغاير الاعتبارى.

قوله: (قلت المدعى أن ثبوت الجزء للذات لا يمكن تعليله بالذات ولا بأمر خارج عنه) ينتقض هذا حينئذٍ بالعرض الذاتى اللاحق للذات بواسطة جزئه الأعم إذ هو عرض ذاتى عند المتأخرين، وقوله: لا مطلقًا أى ليس المدعى أنه لا يمكن تعليل ثبوت الجزء مطلقًا سواء كان بالذات أو بأمر خارج عنه أو بجزء آخر ذاتى، قال بعضهم: نقل عنه فإن العلة لو كانت داخلة فى الذات فإذا قطع النظر عنها لم يتقرر الذات فى حد ذاتها حتى يثبت لها الذاتى أى فصح أن يكون ثبوت الذاتى الذى هو جزء للذات لذاتى آخر هو علة لذلك الثبوت قال السيواسى: إن كون المتوسط علة لثبوت العالى للسافل معناه أن العقل يدرك أن ثبوت العالى للمتوسط أولًا ثم للسافل بواسطته ثانيًا وليس النفى هذا بل المنفى هو كون ثبوت الذاتى فى الخارج معللًا بعلة ولا يلزم من عدم كون الثبوت معللًا فى الخارج بعلة عدم كونه معللًا بحسب إدراك الذهن إياه فتفطن. اهـ. وهو جواب عن قوله: فإن قلت قد أطبقوا. . . إلخ.

قوله: (أى مغايرة لعلة الذات) هو خلاف ظاهر المصنف من نفى العلة رأسًا سواء كان الذاتى بمعنى الذات أو الجزء المحمول وخلاف ما قاله الشارح فى الذاتى بمعنى الذات من أنه ليس بعلة أصلًا حيث قال: فالسواد للسواد ليس بعلة أصلًا وخلاف التحقيق أيضًا إذ الحق أن الذات فى وجودها تحتاج إلى علة وأما ثبوته لنفسه فلا يعلل أصلًا وكذا الذاتى الذى هو الجزء يحتاج فى وجوده إلى تلك العلة وأما ثبوته فلا يحتاج إلى نفس الذات ولا إلى علة خارجة عنها هذا حاصل ما نقل عن المحشى.

قوله: (لأن جعلهما واحد) يفيد أن الثبوت هو الثبوت فى الخارج فمعنى قوله لا يكون ثبوته للذات لعلة انتفاء ذلك بالنظر إلى الخارج ولا شك أنه إذا نظر إلى الخارج فالذاتى عين الذات فيه وليس هناك ثبوت الذاتى للذات ولو اعتبر التعدد

ص: 275

الذهنى صح اعتبار ثبوت الذاتى للذات لكن هذا غير ثبوت الذاتى فى نفسه الذى هو عين ثبوت الذات فى الخارج والثانى يعلل بعلة الذات دون الأول كذا فى الهروى ومحصله أن وحدة الجعل إنما تكون بحسب الخارج وباعتباره الذاتى عين الذات فلا مجال لثبوته للذات ولو نظر للتعدد الذهنى لم يصح أن تكون علة الذات علة له كما هو المدعى وأجيب عن ذلك بأن المراد ثبوت الذاتى للذات فى الخارج بحسب شعور الذهن ولا علة له بهذا الاعتبار مغايرة لعلة الذات.

قوله: (ولا بغيرها) المراد به ما ليس عين الذات ولا جزأها فلا يرد أن التصديق يتوقف على تصور الأطراف.

قوله: (وأما العرضى فإن كان بينًا يعلل إثباته للذات بها. . . إلخ) رد على قول التفتازانى وما يقال إن كان لازمًا بينًا يعلل بالذات على قوله انتقد باللوازم البينة.

قوله: (واقتضائها ثبوته) قال السيواسى: لا شك أن علة الثبوت يكون له مدخل فى الإثبات أيضًا إذ الإثبات بعد الثبوت وخصوصًا انضم إليه تقدم تصوره على تصوره فلا يرد ما قيل: إن قضية المقصود بيان كون الذات علة لإثبات اللازم البين والتصديق بثبوته لها لا كونها مقتضية لثبوته لها فى نفس الأمر.

قوله: (أو تصورها يكفى فى الجزم باللزوم) فإن قلت إذا كان اللازم له دخل فى الجزم باللزوم ثبت أنه يعلل بغير الذات فلا يصح قوله فمعناه بغير الذات ولا تعليله بقوله ومن ثمة قلت: إذا كان اللازم مستندًا إلى الملزوم فالعلة فى الحقيقة ليس إلا نفس الذات. اهـ. سيواسى.

قوله: (لكن التعليل بهما) أى: بعد أحدهما أو بذاتى آخر أخص إنما هو لبيان التصور بالذات أى فثبت أن التصديق بثبوت الذاتى للذات لا يعلل لا بالذات ولا بغيرها كما هو المدعى.

قوله: (قال فى الشفاء) استدلال على أن المقصود من التعليل بحد أحدهما أو بذاتى آخر أخص التصور لا التصديق.

قوله: (إثبات الحد للشئ هو إثبات الحدود له وبالعكس) أى إثبات المحدود للشئ إثبات حده له فلا يصح أن يعلل إثبات أحدهما بالآخر لأنه يكون مصادرة توضيحه أن إثبات الحد وجعله محمولًا للموضوع هو إثبات محدود ذلك الحد وجعله محمولًا للموضوع المذكور فقولك: الإنسان جسم نامٍ حساس متحرك

ص: 276

بالإرادة كقولك الإنسان حيوان وإثبات المحدود للشئ الموضوع وجعله محمولًا له هو إثبات حد ذلك المحدود وجعله محمولًا لذلك الموضوع فقولك: الإنسان حيوان كقولك: الإنسان جسم نامٍ حساس متحرك بالإرادة وحيث كان إثبات أحدهما هو إثبات الآخر فلا يصح تعليل إثبات أحدهما بالآخر لأنه مصادرة.

قوله: (وإنما يؤتى بهذا. . . إلخ) أى إنما يؤتى أى بالحد عند إثبات المحدود للشئ كقولك: الإنسان حيوان لأنه جسم نام. . . إلخ. أو بالمحدود عند إثبات الحد للشئ كقولك: الإنسان جسم نامٍ حساس. . . إلخ؛ لأنه حيوان لقوم بله لم يتصور والمحمول أو الموضوع إذا ذكر وحده.

قوله: (وفيه بحث) أى فى كلام المتعمق بحث كان وجهين، أما أولًا: فلأن الذات متقدمة على التصديق بثبوت الذاتى لها وذلك لأن الذات ما لم تتصور أولًا لم يمكن التصديق بثبوت الذاتى لها فيصح بذلك أن يكون التصديق بثبوت الذاتى لها معللًا بها كما يصح فى العرض اللازم أن يكون التصديق بثبوته لها ولزومه إياها معللًا بها فلا فرق فى ذلك بين الذاتى والعرضى والفرق بينهما بأن تصور الذات متأخر عن تصور الذاتى ومقدم على تصور العرضى لا يقدح فى صحة كون التصديق بثبوت الذاتى للذات معللًا فلم كان علة فى أحدهما دون الآخر أجاب بعضهم بأن الذات وإن كانت متقدمة على التصديق بثبوت الذاتى لها لكنها ليست علة مقتضية للتصديق كما هو المتبادر من العلة وأشار إليه التعمق بقوله واقتضائها ثبوته.

قوله: (على أنهم صرحوا. . . إلخ) أى فهذا التصريح منهم صريح فى كون الذات علة لثبوت الذاتى لها فإنهم عدوا التصديق بثبوت الذاتى للذات من البديهيات.

قوله: (إنما هو فى توسيط حد أحد الشيئين إلى أن قال لا فى توسيط أخص الذاتيين) يعنى لا دلالة لكلام الشفاء الذى نقله على أن إثبات الذاتى للذات لا يعلل بغير الذات وأن التعليل إثبات ذاتى بذاتى آخر أخص منه لا لبيان التصديق بالذات قوله: فإنه قال فى الفصل الرابع. . . إلخ. أى ما نقل عن الشفاء هو ما يؤخذ من ذلك الفصل وهو لا يدل على أن إثبات الذاتى الأعم للذات لا يعلل بالأخص بل صرح بخلافه حيث قال فى الفصل العاشر فى بيان كيفية. . . إلخ.

ص: 277

فإنه صريح فى جواز كون إثبات الأعم للذات معللًا بإثبات الأخص لها وأن التعليل بإثبات الذاتى الأخص لبيان التصديق للذات لا بالعرضى.

قوله: (سواء عندي طلب الشئ للشئ وطلبه لحده التام) أى طلب الموضوع للمحمول وطلبه لحد المحمول التام سواء فقولك: الإنسان حيوان وقولك: الإنسان جسم نامٍ. . . إلخ. سواء عنده وقوله وكذلك طلب الشئ للشئ وطلب حده التام له أى طلب الموضوع للمحمول وطلب حد ذلك الموضوع للمحمول سواء كقولك: الإنسان حيوان وكقولك: الجسم النامى الحساس المتحرك بالإرادة الناطق حيوان.

قوله: (بما يذكر الأصغر. . . إلخ) ومثله الأكبر أخذًا من قاعدته.

قوله: (بحده فهم وقبل) كقولك: الإنسان جسم نامٍ حساس متحرك بالإرادة وذلك حيوان فالإنسان حيوان.

قوله: (علة لإنتاج الأعم) أى لإثباته.

قوله: (ثم قال: إنه مما يشكل. . . إلخ) غرضه الإشارة إلى تصريح آخر من الشيخ بجواز كون إثبات الذاتى الأعم للذات معللًا بإثبات الأخص لها وقوله ثم حقق ذلك بما لا يحتمله المقام قال فى حاشية الحاشية: وحاصله أن الجسم بمعنى الجزء والمادة مقدم ثبوته للإنسان على ثبوت الحيوان له وأما الجسم بمعنى المحمول فيتأخر ثبوته للإنسان عن الحيوان فإن الجسم ما لم يكن حيوانًا لم يكن إنسانًا فإن الجسم الذى ليس بحيوان لا يحمل على الإنسان. اهـ. وذلك لأن الجسم ما لم يكن جزءًا للإنسان لا يكون محمولًا عليه وحصول الجسم فى ضمن الإنسان إنما هو بواسطة كون الحيوان فى ضمنه وحصول الجسم وكونه فى ضمنه وإن كان مقدمًا على حصول الحيوان باعتبار جزئه لكون الجسم جزء الجزء لكن لما كان الجميع موجودًا بوجود واحد كان حصول الحيوان له مقدمًا على حصول الجسم وكونه فى ضمنه لقرب الحيوان منه وفي حاشية أخرى أن الجسم المحمول على الإنسان لا بد أن يتحصل أولًا حيوانًا حتى يصح حمله على الإنسان لأن المحمول عليه من الجسم هو حصة الحيوانية فثبوته وحمله عليه هو حمل الحيوان عليه بحسب الحقيقة والتغاير بينهما اعتبارى. اهـ. ثم إن الجسم الذى وقع جزءًا ومادة هو الجسم بشرط لا شئ أى بشرط أن لا يكون معه النامى الحساس المتحرك بالإرادة

ص: 278

وأما الجسم بمعنى المحمول فهو الجسم بلا شرط شئ وأما الجسم بشرط شئ فهو الحيوان قال السيواسى: جزء الجزء مقدم على الجزء فثبوت الجسم بمعنى المادة للحيوان مقدم على ثبوته للإنسان لأن الحيوان جزؤه والجسم جزء جزئه وأما الجسم بمعنى المحمول فمتأخر ثبوته للإنسان عن ثبوت الحيوان له وانظر باقى عبارته.

قوله أيضًا: (قال: إنه مما يشكل. . . إلخ) جعله السيواسى إشارة إلى أن الإنتاج فى قوله علة لإنتاج الأعم على ما دون الأخص بمعنى الثبوت لا الإثبات فينطبق على ما ذكره فى قوله فإن قلت. . . إلخ. يعنى أن قوله سابقًا فإن قلت قد أطبقوا على أن حمل الجنس العالى على النوع السافل لأجل المتوسط يفيد أن الحمل بمعنى الثبوت لا الإثبات فالمناسب له حمل الإنتاج على الثبوت كما أشار إليه بما نقله من قوله: إنه مما يشكل. . . إلخ. وهذا خلاف ما شرحنا عليه الكلام أولًا من جعل الإنتاج بمعنى الإثبات وأن الكلام فيه.

قوله: (قد اشتهر فى كلام القوم. . . إلخ) إنما قال قد اشتهر لأن الحكم المذكور فى التقدم مخالف للتحقيق الذى ذكره الشارح.

قوله: (إنما هو لواحد منها) ظاهره أن العلة لعدم الكل هى عدم جزء ما من أجزائه لا بعينه وكأنه يريد به عدم أى جزء يعتبر سواء كان ذلك الجزء واحدًا أو متعددًا كما يريد بكل واحد من الأجزاء فى شمول المتقدم فى الوجود كل واحد يعتبر جزءًا واحدًا كان أو متعددًا كذا فى بعض الحواشى.

قوله: (ومعناه أن الجزء. . . إلخ) لما كان الذى اشتهر يوهم أن الجزء العقلى ستقدم فى الوجود الخارجى فلا يصح العمل قال ومعناه كذا يؤخذ مما نقل عن المحشى.

قوله: (ولازمان له) اعترض بأن اللزوم بمعنى عدم الانفكاك لا يصح لأن المعنى الثالث أخص من الأول فيتأتى انفكاك الأول عنه إلا أن يقال: إن الحكم باللزوم باعتبار التغليب أى غلب المعنى الثانى على المعنى الثالث وقيل إنهما لازمان وفي الحقيقة اللازم إنما هو المعنى الثانى وأما الثالث فملزوم للأول لا لازم وهو بعيد وحمل بعضهم اللزوم على التبعية وقال السيواسى: الحق أن يقال: إن ما لا يتصور فهم الذت قبل فهمه ويكون ارتفاعه عين ارتفاعه يتبادر منه أن المراد بالذاتى ما يمكن أن يتوهم أنه مغاير للذات ويكون حينئذٍ مخصوصًا بالجزء فباعتبار شموله

ص: 279

يلزمه التعريف الثانى وباعتبار ما يتبادر منه يلزمه التعريف الثالث. اهـ. وفي قوله: لازمان له رد على التفتازانى حيث جعل الثالث ملزومًا للأول وجعل الرجوع إلى الأول بمعنى أعم.

قوله: (ويعود المحذور) هو إمكان تصور ثبوت الذات مع ارتفاع الذاتى عنها وعدم كون ارتفاع الذاتى عين ارتفاع الذات.

قوله: (وكذلك إذا كان ارتفاعه عن الذهن عين ارتفاعها) شروع فى بيان لزوم التعريف الثالث للأول إلا أنه لم يذكر الأول بنفسه بل ذكره بلازمه وهو أن الارتفاع عين الارتفاع.

قوله: (فلا بد أن يكون نفسها أو متقدمًا عليها) فيه أن اللازم على هذا ليس خصوص التقدم بل إلى حد الدائر.

قوله: (لكن الجزء ليس نفس الكل) هذا القدر لا يكفى فى لزومه له إذ اللازم له أحد الأمرين وانتفاء أحدهما لا يستلزم كون اللازم هو الآخر.

ص: 280

قال: (وتمام الماهية هو المقول فى جواب ما هو وجزئها المشترك الجنس والمميز الفصل والمجموع منهما النوع، فالجنس ما اشتمل على مختلف بالحقيقة وكل من المختلف النوع ويطلق النوع على ذى آحاد متفقة الحقيقة فالجنس الوسط نوع بالأول لا الثانى والبسائط بالعكس).

أقول: السؤال بما هو إنما يكون عن تمام الماهية فتمام الماهية هو المقول فى جواب ما هو وذلك كالإنسان لزيد فإنه تمام ماهيته المعقولة وأما مشخصاته فلا تدخل فى التعقل وإنما يتناولها إشارة وهمية أو حسية وأما جزؤها فتمام المشترك الجنس كالحيوان للإنسان إذ لا ذاتى مشتركا بينه وبين الفرس مثلًا إلا هو والجزء المميز هو الفصل كالناطق له والمجموع المركب منهما هو النوع الإضافى، فإذًا تمام ما يشتمل من الذاتى على أمور مختلفة بالحقيقة ولا بد أن يكون تمام حقيقتها المشتركة جنس لتلك المختلفة وكل واحد من تلك المختلفة نوع له إذ لا تختلف حقيقة المشتركات فى ذاتى إلا بذاتى مميز فيكون حقيقته مجموع الجنس والفصل هذا وقد يطلق النوع على ذى آحاد متفقة الحقيقة أى باعتبار كونها آحادًا له ويسمى نوعًا حقيقيًا.

مقدمة: الأجناس تترتب متصاعدة إلى ما لا جنس فوقه وهو الأعلى كالجوهر ومتنازلة إلى ما لا جنس تحته وهو الأسفل كالحيوان وما بينهما هو الوسط وقد يكون مفردًا لا فوقه جنس ولا تحته إذا عرفت هذا فالجنس الوسط نوع بالمعنى الأول لاندراجه تحت جنس دون الثانى إذ آحده ليست متفاقة بالحقيقة والبسائط بالعكس أى أنواع بالمعنى الثانى لجواز أن تكون أفرادها متفقة بالحقيقة لا أن الكل كذلك دون الأول إذ لا جزء لها فلا جنس فقوله والبسائط بالعكس قضية مهملة لا كلية.

قوله: (وكل من المختلفة) يعنى أن تمام المشترك بين الأمور المختلفة بالحقيقة جنس لها وكل من تلك الأمور المختلفة التى يشتمل عليها الجنس ويقال عليها بالذات وتكون جنسية الجنس باعتبارها هو النوع، فبقيد التمام خرج عن تعريف الجنس فصل الجنس وبكون اللام فى المختلفة إشارة إلى ما ذكرنا خرج عن تعريف النوع أصناف الأنواع وأشخاصها.

قوله: (أى باعتبار كونها) إشارة إلى أن الكليات الخمس أمور إضافية تختلف

ص: 281

باختلاف الإضافات فالقول على الآحاد المتفقة إنما يكون نوعًا إذا أخذت الآحاد آحادًا له بأن يقال هو عليها فى جواب: ما هو؟ فيخرج ما يساوى النوع من الفصل والخاصة؛ لأن مثل زيد وعمرو إنما يكون آحادًا لماهية الإنسان لا الناطق أو الضاحك لا يقال: هذا صادق على الجنس لأن مثل زيد وعمرو آحاد للحيوان متفقة الحقيقة لأنا نقول المراد أن يكون جميع آحاده متفقة فى الحقيقة وآحاد الجنس ليست كذلك لكنه يشكل بما يقال إن الأجناس العالية بالنسبة إلى حصصها أنواع حقيقية.

قوله: (الأجناس تترتب) هذا بحسب الإمكان لا بحسب الوجود إذ لا دليل على وجود الجنس المنفرد ولا بحسب اقتضاء العقل إذ لا يقتضى المتوسط والمفرد، نعم لا بدّ من العالى لئلا تتركب الماهية من أجزاء غير متناهية ولا بد من السافل لتعيين الأنواع والأشخاص فتتحقق الأجناس.

قوله: (إن آحاده ليست متفقة) يعنى أن جميع آحاده ليست متفقة الحقيقة وإن أمكن ذلك فى البعض كزيد وعمرو للحيوان لا يقال آحاد الجنس الأنواع لا الأشخاص؛ لأنا نقول لا معنى لآحاد الشئ إلا ما يقال هو عليه فى جواب ما هو فيعم الأشخاص والأنواع.

قوله: (لا أن الكل كذلك) يعنى ليس المراد بقوله البسائط بالعكس أن كل بسيط نوع حقيقى؛ لأن منها ما هو جنس عال كالجوهر مثلًا بل المراد أن بعض البسائط كذلك كالوحدة والنقطة وقد صرح بذلك فى المنتهى، لكن لا يخفى أن الجمع المعرف باللام من صيغ العموم فلا تكون القضية مهملة ولذا قال فى الإشارات إن كان اللام يوجب التعميم والتنوين يوجب الإفراد فلا مهمل فى لغة العرب بل كلية على أن المراد بالبسائط الأنواع البسيطة أى التى لا جزء لها فى العقل لا الحقائق البسيطة.

قوله: (السؤال بما هو) لما فرغ عن تعريف الذاتى أشار إلى تقسيمه؛ فالذاتى بمعنى ما ليس بعرض إما تمام ماهية ما تحته أو جزؤها، والأول مقول فى جواب ما هو؟ لأن السؤال به وبما يرادفه فى أى لغة كانت إنما هو عن تمام ماهية المسئول عنه فهو المقول فى جوابه كالإنسان لزيد فإنه تمام ماهيته المرتسمة منه فى العقل فإنه لا

ص: 282

يزيد على الماهية الإنسانية إلا بمشخصات لا ترسم فى العقل بل إن كانت معانى جزئية فإنها تدرك بالوهم، وإن كانت صورًا أدركت بالحواس الظاهرة، والثانى إما أن يكون تمام المشترك بينها وبين ماهية أخرى وهو الجنس كالحيوان فإنه تمام المشترك بين الإنسان والفرس إذ لا ذاتى مشتركًا بينهما إلا هو أو ما هو داخل فيه فقول المصنف: وجزئها المشترك مجرور معطوف على الماهية، أى: تمام جزئها المشترك فلا يرد فصول الأجناس، وإما أن لا يكون تمام المشترك فيكون مميزًا لها فى الجملة عما عداها وهو الفصل.

قوله: (فإذا) فرعه على ما تقدم تنبيهًا على اعتبار قيدى التمام والذاتى فلا ينتقض بفصول الأجناس والأعراض العامة واعترض بقوله: ولا بد أن يكون تمام حقيقتها المشتركة بين المبتدأ والخبر إشارة إلى كونه مقتولًا فى جواب: ما هو؟ على تلك الأمور المختلفة بالحقيقة بحسب الشركة المحضة ليتحقق معنى الجنسية فلا بد أن يكون جزءًا لكل واحد منها وأريد بمختلفة الحقيقة الماهيات المتخالفة الحقيقة كما يشعر به سياق كلامه فكل منها نوع لذلك الجنس فلا انتقاض بالأشخاص والأصناف، وأما إخراجهما باعتبار أن الجنس مقول على تلك الحقيقة قولًا بالذات، ففيه أنه مما لا دلالة عليه فى العبارة، ولا هو مطابق للواقع فإن الأجناس العالية إنما تقال على الأنواع السافلة قولًا بالواسطة مع أنها أنواع لها.

قوله: (أى باعتبار كونها آحادًا له) يعنى: أنها متفقة الحقيقة بهذا الاعتبار ولا بد من ملاحظة هذا المعنى وإلا بطل التعريف بخاصة النوع الأخير وفصله كالضاحك والناطق إذ كل منهما ذو آحاد متفقة الحقيقة لكن ليس اتفاقها فيها بسبب كونها آحادًا، له وأما الإنسان فإن آحاده متفقة الحقيقة لأجل كونها آحادًا له مقولًا هو عليها فإنه تمام حقيقتها، وهذا التعريف يتناول سائر الكليات مقيسة إلى حصصها ولا إشكال عليه.

قوله: (الأجناس تترتب متصاعدة) التصاعد فى تريب الأجناس ظاهر فإنها إذا ترتبت وإن هناك جنس لنوع وجنس لذلك الجنس وهكذا ولا شك أن الجنس فوق النوع وجنس الجنس فوقه فهى بترتبها تتصاعد فى درجات العموم وأما التنازل فمن حيثما إنها لما ترتبت تحقق سلسلة أحد طرفيها العالى والآخر السافل الذى لا يندرج تحته إلا الأنواع فإن لوحظ الأخير ثم ما يليه إلى الأعلى كان تصاعدًا وإن عكس

ص: 283

كانت تنازلًا، لكن فى التصاعد انتقال عن شئ إلى جنسه وجنس جنسه، وفي التنازل انتقال من شئ إلى نوعه ونوع نوعه وهذه الأنواع وإن كانت أجناسًا بعضها لبعض إلا الداخل تحت السافل فيصدق أن التنازل فى الأجناس إلا أن جنسيتها من حيث تصاعدها، كما أن نوعية بعضها لبعض من حيث تنازلها ثم إن الأجناس قد تترتب فلا بد أن تنتهى متصاعدة إلى الأعلى لئلا يلزم تركب الماهية من أجزاء لا تتناهى ومتنازلة إلى الأسفل وإلا لم تتحقق الأنواع والأشخاص فلا تتحقق الأجناس وقد يكون هناك ما يتوسط بينهما، وأما الفرد فليس من المراتب الواقعة فى الترتيب ومن عدّه منها لاحظ حصوله بمقايسة الأجناس إلى الترتيب وجودًا وعدمًا.

قوله: (لا أن الكل كذلك) فإن من البسائط العقلية ما يكون جنسًا عاليًا أو عرضًا عامًا نعم إذا اتفق أفراد البسيط فى الحقيقة باعتبار كونها أفرادًا له كان نوعًا حقيقيًا.

قوله: (قضية مهملة لا كلية) رد ذلك بأن الجمع المحلى باللام يفيد العموم فتكون كلية والمراد الأنواع البسيطة التى لا أجزاء لها فى العقل لا الحقائق البسيطة، وأجيب بأن ذلك إذا حمل على الاستغراق، وأما إذا حمل على مطلق الجنس فلا ويؤيده ترديده فى الأحكام بين البعض والكل وقوله فى المنتهى وبعض البسائط بالعكس.

قوله: (تمام ماهية ما تحته) هذا التقسيم مبنى على ما هو المشهور من أن الجنس والفصل يجب أن يكون كل واحد منهما جزءًا لماهية ما تحته والتحقيق يقتضى عدم وجوب ذلك فإنهم أثبتوا للمفهومات العارضة للجزئيات أجناسًا وفصولًا كالكليات الخمس فإنها عارضة لما تحتها وأثبتوا لها جنسًا هو مقول على كثيرين وفصلًا هو القيود الباقية وليس ذلك على التشبيه بل على التحقيق يظهر ذلك من مباحثهما.

قوله: (فإنها تدرك بالوهم) الجزئيات الحقيقية لا يجب أن تكون مدركة بالوهم إذا لم تكن مدركة بالحواس الظاهرة فإن بعض الموجودات الخارجية كالمجردات والأعراض القائمة بها لا يدرك إلا بالعقل وكذا المعانى الشخصية العارضة للمفهومات الكلية فى العقل ولا يتوهم من الكلام التخصيص.

ص: 284

قوله: (فلا ينتقض بفصول الأجناس) لو ترك القيدان وقيل: المشترك بين المختلفات هو الجنس لا ينتقض بكل واحد من فصول الأجناس والأعراض القائمة ولو ترك قيد الذاتى وقيل تمام المشترك بينهما هو الجنس لا ينتقض بالمركب من تلك الفصول والأعراض جميعًا لا بكل واحد منهما ولو ترك قيد التمام وقيل: المشترك الذاتى هو الجنس لا ينتقض بفصول الأجناس فقط.

قوله: (وأريد بمختلفة الحقيقة الماهيات المتخالفة الحقيقة) فإن قلت قد تطلق الماهية على الشخص كما يقال: الماهية الشخصية وماهية البارئ عين شخصه وأيضًا يقال: ماهية صنفية ولذا يحترز فى تعريف النوع الإضافى عن المصنف بالقيد الآخر الذى هو قول أوّلى بعد اعتبار الماهية فكيف يندفع الانتقاض بالأشخاص والأصناف؟ قلت: المراد بالماهية الكلى الذاتى للأفراد وإذا كان الجنس جزءًا من الماهيات المتخالفة بهذا المعنى ومقولًا عليها فى جواب بها هو كان كل واحد منها نوعًا له سواء كانت تلك الماهيات المتخالفة أنواعًا حقيقة أو أجناسًا، ولما كانت تلك الماهيات المتخالفة أنواعًا إضافية شاملة للأجناس وغيرها لا تحمل على الأنواع الحقيقية.

قوله: (إلا أن جنسيتها من حيث تصاعدها) فإن قلت. جنسية الجنس ليس إلا باعتبار ما تحته وكذا نوعية النوع ليس إلا باعتبار ما فوقه كالحيوان فإنه جنس بالقياس إلى الإنسان وغيره من الأنواع المختلفة الواقعة تحته وكل منها نوع بالقياس إليه، قلت: المراد أن جنسية الأجناس المرتبة تكون من حيث التصاعد وكذا نوعية الأنواع المرتبة من حيث التنازل بمعنى أنا إذا لاحظنا شيئًا متصفًا بالجنسية وأردنا ملاحظة كونه جنسًا يجب أن يلتفت إلى ما تحته فحصل لنا جنس ثم إذا أردنا يحصل لنا سلسلة الأجناس المرتبة الحاصلة بعضها عقيب بعض المضافة بعضها إلى بعض وجعلنا الجنس الحاصل أولًا متعينًا لأن يكون الحاصل عقيب ذلك الجنس مضافًا وهو مضافًا إليه، يجب علينا أن نتوجه إليها فوق ذلك الجنس لأن الحاصل المضاف إلى ذلك الجنس كقولنا جنس جنس ليس إلا الجنس الذى هو فوق ذلك الجنس، وكذا جنس جنس جنس إلى العالى، وكذلك حال النوع من حيث التنازل ولو ترك هذا النوع من التعبير بالألفاظ صح كل من التصاعد والتنازل فى الأجناس.

ص: 285

قوله: (وإلا لم تتحقق الأنواع والأشخاص) لقائل أن يقول: يمكن أن يوجد سلسلة أجناس مرتبة غير منتهية إلى جنس سافل على وجه لا يلزم عدم تحقق الأنواع والأشخاص بيان ذلك أنه يجوز أن يوجد جنس عالٍ من الأجناس العالية المشتملة على الموجودات الخارجية من الجواهر والأعراض ويندرج تحت ذلك الجنس جنسان متباينان ليس شئ منهما جنسًا سافلًا أحدهما يكون على وجه يندرج تحته أجناس منتهية إلى جنس سافل مشتمل على أنواع حقيقية وأشخاص والآخر يندرج تحته جنسان متباينان أحدهما يكون على وجه يندرج تحته أجناس منتهية إلى جنس سافل مشتمل على أنواع حقيقية وأشخاص والآخر يندرج تحته جنسان متباينان على الوجه الذى ذكر وهكذا إلى غير النهاية؛ مثال ذلك أنا نفرض الجوهر جنسًا عاليًا مندرجًا تحته جنسان متباينان، أحدهما يكون فى جانب المجردات على وجه يكون تحته أجناس منتهية إلى جنس سافل مشتمل على أنواع وأشخاص مجردة، والآخر يكون فى جانب الأجسام على وجه يندرج تحته جنسان متباينان كالقابل للأبعاد المشتمل على الأجسام النامية وغيرها والجسم غير النامى المقابل للجسم النامى يكون على وجه يندرج تحته أجناس منتهية إلى جنس سافل مشتمل على أنواع وأشخاص غير نامية والجسم النامى يكون على وجه يندرج تحته أجناس منتهية إلى السافل وهذه الأجناس متباينات على الوجه المذكور وهكذا إلى غير النهاية فقد ثبت لنا هناك أجناس مرتبة منتهية إلى سافل وهذه الأجناس المرتبة المتناهية واقعة فى كل تقسيم وأجناس مرتبة غير متناهية وهذه الأجناس المرتبة غير المتناهية مركبة من أجناس كل واحد منها حاصل من تقسيم وقوله: ثم إن الأجناس قد تترتب فلا بد أن تنتهى متنازلة إلى الأسفل معناه: موجبة كلية أى كل سلسلة من الأجناس المرتبة يجب أن تنتهى إلى الأسفل، وقوله: وإلا لم تتحقق الأنواع والأشخاص دفع لذلك الإيجاب الكلى والملازمة الواقعة فيه ممنوعة بما ذكرناه أو لا يرى أنه لو لم تكن الأجناس المرتبة المشهورة التى هى الجوهر والجسم النامى منتهية إلى الأسفل الذى هو مثل الحيوان لكان تلك الأجناس المرتبة نقضًا للقاعدة التى هى قوله: فلا بد أن تنتهى متنازلة إلى الأسفل فإنه يجوز أن يكون فى جانب المجردات أجناس منتهية إلى الأسفل وكذا فى جانب الجمادات والنباتات.

ص: 286

التفتازانى: (إشارة إلى ما ذكرنا) أى من أنها يشتمل عليها الجنس ويقال عليها قولًا بالذات وقوله: خرج عن تعريف النوع أصناف الأنواع وأشخاصها قد علمت رده من السيد.

التفتازانى: (إشارة إلى أن الكليات الخمس تختلف باختلاف الإضافات) يفيد ذلك أن قوله باعتبار كونها آحادًا له متعلق بقوله: يطلق النوع وقد علمت مما قاله السيد أنه متعلق بقوله متفقة الحقيقة فى جواب ما هو.

التفتازانى: (بأن يقال هو عليها) رد بأن الآحاد تتحقق للشئ كما وإن لم يكن الشئ مقولًا عليها فى جواب ما هو فالخاصة والفصل ذوا آحاد متفقة الحقيقة وإن لم يكونا مقولين عليها فى جواب ما هو إلا أنهما ليسا ذوى آحاد متفقة الحقيقة باعتبار كونها آحادًا لهما بل باعتبار كونها آحادًا للماهية.

التفتازانى: (هذا بحسب الإمكان لا بحسب الوجود) أى قوله تترتب وقوله: وقد يكون مفردًا بحسب الإمكان أى أن الترتيب ممكن لا حاصل فى جميع الأجناس لأن منها ما لا يكون داخلًا فى سلسلة الترتيب كالجنس المفرد وحصول الجنس المفرد بالإمكان أيضًا لا بالفعل لعدم الدليل على وجوده واقتصر فى بيان أنه ليس بالوجود على الجنس المفرد لأن كون الترتيب ليس بالوجود قد بينه الشارح بقوله: وقد يكون مفردًا وقوله: ولا بحسب العقل راجع أيضًا لهما فقوله: إذ لا يقتضى العقل المتوسط باعتبار ترتب الأجناس وقوله والمفرد باعتبار قول الشارح وقد يكون مفردًا هذا ويحتمل أن التفتازانى فهم أن الجنس المفرد داخل فى الأجناس المرتبة فقال: إن ترتبها بحسب الإمكان لا بحسب الوجود إذ الجنس المفرد لا دليل على وجوده ولا بحسب العقل لأن العقل لا يقتضى المتوسط والمفرد وإنما يقتضى العالى والسافل، وعلى هذا يرد عليه بأن الجنس المفرد ليس من المراتب الواقعة فى الترتيب ويكون قول السيد: وأما المفرد فليس من المراتب ردًا عليه ولعل هذا هو الظاهر فى فهم عبارته.

التفتازانى: (يعنى أن جميع آحاده. . . إلخ) قد عرفت مما قاله السيد أن المدار فى النوع على كون الآحاد متفقة الحقيقة باعتبار كونها آحادًا له ومثل زيد وعمرو وإن كانت آحادًا للحيوان متفقة الحقيقة لكنها ليست متفقة الحقيقة باعتبار كونها آحادًا

ص: 287

للحيوان بل باعتبار كونها آحادًا للإنسان.

التفتازانى: (لا يقال. . . إلخ) أى فلا حاجة إلى اعتبار جميع الآحاد لإخراج الجنس وقوله: لأنا نقول. . . إلخ. أى فلا بد من اعتبار الجميع لإخراجه.

التفتازانى: (وقد صرح بذلك فى المنتهى) أى حيث قال: وبعض البسائط بالعكس.

التفتازانى: (ولذا قال فى الإشارات إن كان اللام. . . إلخ) نقل عن المحشى أنه قال والعجب منه أى عن التفتازانى حيث استدل بعبارة الإشارات حيث قال فى الإشارات: إن كان اللازم يفيد العموم والتنوين يفيد الإفراد فلا مهمل فى كلام العرب وليس له فى ذلك دليل لأنه لم يجزم بوقوع مقدم الشرطية. اهـ. وأجيب بأنه أخذ من عبارة الإشارات أن كل ما يفيد العموم أو البعضية فهو سور فيصح جعل اللام سورًا فلا تكون القضية مهملة.

التفتازانى: (على أن المراد) أى بناء على أن المراد أى الكلية مبنية على ذلك فكأنه قال: جميع الأنواع البسيطة بالعكس لا جميع الحقائق البسيطة حتى يشمل الأجناس العالية والأعراض البسيطة العامة.

قوله: (بمعنى مما ليس بعرضى) أى فيشمل الذات وجزأها وليس المراد به الجزء فقط كما هو مقتضى تعريفه الأخير.

قوله: (إلا بمشخصات لا ترسم فى العقل) ولا ترد الجزئيات المجردة حيث قالوا فيها: إنها تدرج بالعقل بلا واسطة لأن المراد من قولهم ذلك أن إدراكها على الوجه الكلى يكون بالعقل بلا واسطة وليس الكلام فى ذلك بل الكلام فى الجزئى من حيث هو جزئى.

قوله: (مجرور معطوف. . . إلخ) هذا يقتضى أن يكون قوله: والمميز الفصل مجرورًا أيضًا ولا يخفى أن وصف الفصل بالتمام خلاف المتعارف وقراءته بالرفع دون سابقة خلاف الظاهر ورفعهما معًا يقتضى أن الجزء المشترك جنس مطلقًا مع أنه ليس كذلك إذ ليس فصل الجنس جنسًا مع أن الرسم فى قوله: وجزئها لا يساعد الرفع ويلزم على رفعهما عدم صحة قوله: والمجموع المركب منهما النوع على إطلاقه؛ لأن المركب من فصل الجنس والفصل لا يكون نوعًا من فصل الجنس كالحساس الناطق وحاصل ما اختاره المحكى أن قوله: وجزئها بالجر وقوله:

ص: 288

والمميز بالرفع والمراد المميز فى الجملة فيصدق بفصل الجنس.

قوله: (فرعه على ما تقدم تنبيهًا. . . إلخ) أى: أن قول المصنف فى الجنس ما اشتمل معناه أن الجنس ذاتى هو تمام المشترك اشتمل إلخ.

قوله: (فلا ينتقد بفصول الأجناس) لأنها وإن كانت جزءًا مشتركًا لكنها ليست تمام المشترك وقوله: والأعراض العامة لأنها وإن كانت تمام المشترك إلا أنها ليست ذاتيًا لما تحمل عليه.

قوله: (ليتحقق معنى الجنسية) يعنى أن قول الشارح: ولا بد أن يكون تمام حقيقتها المشتركة إشارة إلى أن مجرد اعتبار ذاتى تمام ما يشتمل على أمور مختلفة بالحقيقة لا يكفى فى تحقق الجنس لأن مجرد ذلك يتحقق فيما إذا كان الذاتى جزءًا من شئ وعرضًا عامًا لشئ آخر بل لا بد أن يكون تمام حقيقتها بأن يكون جزء من كل منهما فأشار الشارح إلى ما اعتبر فى معنى الجنسية بقوله: ولا بد. . . إلخ.

قوله: (الماهيات المختلفة الحقيقة) أى الأنواع المختلفة الحقيقة.

قوله: (فلا انتقاض بالأصناف والأشخاص) أى لأنه ليس شئ منها ماهية أما الأشخاص فلعدم كونها كلية مرتسمة فى العقل ووجوب ذلك فى الماهية المرادة هنا، وأما الأصناف فلعدم كونها مقولة فى جواب ما هو لاشتمالها على العرضيات.

قوله: (وأما إخراجهما. . . إلخ) رد على التفتازانى حيث أخرجهما بأنه لا يقال عليهما الجنس قولًا ذاتيًا وقد اعتبر فى الحقيقة التى هى نوع أن يقال عليها الجنس بالذات أى بلا واسطة.

قوله: (ولا إشكال عليه) أى لأن الكلى إذا كان مقولًا على أفراد متفقة الحقيقة بسبب كونها أفرادًا له كان نوعًا حقيقيًا بالقياس إليها وإن كان بالقياس إلى أفراد أخر جنسًا أو عرضًا عامًا وهذا رد على التفتازانى.

قوله قدس سره: (إلا أن جنسيتها) أى المرتبة وإلا فجنسية الجنس باعتبار ما تحته كالحيوان فإنه جنس بالنسبة لما تحته من الأنواع وحيث كانت الجنسية المرتبة باعتبار التصاعد ففي الحقيقة لا ترتب فى الأجناس متنازلة بل ذلك ترتب فى الأنواع ولذا قال السعد فى التهذيب: ثم الأجناس تترتب متصاعدة إلى العالى ويسمى جنس الأجناس، والأنواع تترتب متنازلة إلى السافل ويسمى نوع الأنواع.

ص: 289

قوله: (لئلا يلزم تركب الماهية من أجزاء لا تتناهى) أى وذلك مستحيل وفيه أن الاستحالة ليست مسلمة غاية الأمر أنه لا يمكن تعقلها بالكنه حينئذ.

قوله: (وإلا لم تتحتقق الأنواع) أى الحقيقية وقوله: ولا الأشخاص أى لأن تحققها فرع تحقق الأنواع وقوله: فلا تتحقق الأجناس أى لأن الجنس يجب اشتماله على الماهيات المختلفة بالحقيقة وهى الأنواع فإذا لم تتحقق الأشخاص لم تتحقق الأنواع فلا تتحقق الأجناس واعترض قوله وإلا لم تتحقق الأنواع والأشخاص بأنه إن أراد لم يتحقق شئ منها فالملازمة ممنوعة لأنه لا يلزم من رفع الإيجاب الكلى الذى هو كل سلسلة من الأجناس المترتبة المتنازلة لا بد أن تنتهى إلى الأسفل السلب الكلى وإن أراد لم يتحقق جميع ذلك فلا يتنافى تحقق البعض فالملازمة مسلمة، ولا نسلم بطلان التالى لجواز أن ينضم إلى الجنس العالى كالجوهر فصل يحصله نوعًا حقيقيًا كالعقل نوع حقيقى لما تحته من العقول وفصل آخر كقابل الأبعاد جنسًا متوسطًا كالجسم ثم ينضم إلى هذا الجنس المتوسط فصل يجعله نوعًا وفصل آخر يجعله جنسًا متوسطًا وهكذا إلى غير النهاية فتتحقق الأنواع والأشخاص بلا انتهاء إلى الجنس الأسفل ويمكن أن يجاب بأن المدعى وجوب انتهاء سلسلة الأجناس المترتبة المتنازلة من الأعلى إلى الأسفل فى تحقق الأنواع والأشخاص لا وجوب الانتهاء بالقياس إلى كل ما يندرج تحت الأعلى والجوهر وإن كان جنسًا عاليًا بالقياس إلى الأجناس المندرجة تحته لكنه مفرد بالقياس إلى العقل والجسم وإن كان متوسطًا بالقياس إلى ما تحته من الأجناس لكنه أسفل بالقياس إلى النوع المفروض. اهـ من حاشية أفضل الدين.

قوله: (ترديده فى الأحكام) أى فى لفظ الأحكام الواقع فى تعريف الفقه حيث ردده بين البعض والكل وأورد ذلك اعتراضًا على تعريف الفقه وقد صحح بعضهم ما قاله السعد بناء على أن الظاهر من اللام الاستغراق وحمله على الجنس بعيد، وأما التأييد بالترديد فليس بتأييد لأن الترديد وقع سؤالًا على تعريف الفقه ومن عادة السائل التعرض لكل محتمل وإن كان بعيدًا وأما تأييده بعبارة المنتهى فذلك تأييد ظاهرى وفي الحقيقة المراد من بعض البسائط هو الأنواع فيكون قوله: والبسائط بالعكس معناه جميع البسائط التى هى أنواع بالعكس فتكون القضية كلية.

ص: 290

قال: (والعرضى بخلافه وهو لازم وعارض فاللازم ما لا يتصور مفارقته وهو لازم للماهية بعد فهمها كالفردية للثلاثة والزوجية للأربعة ولازم للوجود خاصة كالحدوث للجسم والظل له والعارض بخلافه وقد لا يزول كسواد الغراب والزنجى وقد يزول كصفرة الذهب).

أقول: العرضى بخلاف الذاتى فى التعريفات الثلاثة فهو ما يتصور فهم الذات قبل فهمه أو المعلل أو ما لا يتقدمه عقلًا، وينقسم إلى لازم، وعارض فاللازم: ما لا يتصور مفارقته أى لا يمكن وهو قسمان لازم للماهية بعد فهمها بخلاف الذاتى فإنه لازم لها لا بعد فهمها سواء فرض وجودها أو لا كالفردية للثلاثة ولازم للوجود خاصة دون الاهبة كالحدوث للجسم كله وكونه ذا ظل فى الشمس لبعضه وذلك لا يلزم ماهية الجسم والعارض بخلاف اللازم فهو ما يتصور مفارقته أى يمكن ومع الإمكان قد لا يزول كسواد الغراب والزنجى وقد يزول كصفرة الذهب.

تنبيه: اللازم للماهية بعد فهمها قد يكون لا بوسط بل بينًا وقد يكون بوسط فلا يتبادر الأول إلى ذهنك من كلام المصنف فتخطئه فتخطئ.

قوله: (والعرضى بخلافه) أى هو المحمول الذى يتصور فهم الذات قبل فهمه أو المحمول الذى يعلل ثبوته للذات بنفس الذات كالزوجية للأربعة أو بغيرها كالضحك للإنسان أو المحمول الذى لا يتقدم على الذات فى التعقل، وظاهر هذا التعريف منقوض بنفس الماهية والظاهر أن مراد المصنف بخلافه خلاف الذاتى فى تعريفه الأول.

قوله: (ما لا تتصور مفارقته) على لفظ المبنى للفاعل أى لا يمكن لا على لفظ المبنى للمفعول من التصور: لمعنى التعقل والإدراك؛ لأن اللازم قد تعقل مفارقته تعقلًا مطابقًا كما فى لوازم الوجود أو غير مطابق كما فى لوازم الماهية.

قوله: (لازم للماهية بعد فهمها) ليس هذا تعريفًا لشئ حتى يكون بعد فهمها احترازًا عن الذاتى فيعترض بأنه خرج بقيد العرضى بل هو تنبيه على أن ما هو أحد قسمى العرضى هو اللازم للماهية بعد فهمها بخلاف مطلق اللازم للماهية، فإنه قد يكون ذاتيًا فلا يكون من أقسام العرضى والمراد أن لزومه للماهية لا يكون إلا بعد فهمها وإلا فالذاتى كما أنه لازم قبل فهمها لازم بعد فهمها فقوله: فإنه

ص: 291

لازم لا بعد فهمها معناه لا بعد فهمها فقط، وإنما لم يقل فإنه لازم قبل فهمها ليشمل نفس الماهية أيضًا لكن لا يخفى أنها لا تكون لازمًا للماهية إذ لا مغايرة.

قوله: (سواء فرض) متعلق بقوله لازم للماهية.

قوله: (خاصة) لتقابل لازم الماهية، لأن لازم الماهية لازم للوجود البتة.

قوله: (وكونه ذا ظل فى الشمس لبعضه) إشارة إلى أن التمثيل بالمثالين تنبيه على أن لازم الوجود قد يلزم كل فرد من الأفراد الوجودة للماهية وقد يلزم بعضها فقط، وقيد فى الشمس مما صرح به فى المنتهى ولا بد منه ليصلح مثالًا للعرضى اللازم واعترض بأنه ما من عرضى إلا وهو لازم فى بعض الأحوال وعلى بعض الشروط فينحصر فى اللازم، قلنا: ليس المراد كونه ذا ظل لازم بشرط كونه فى الشمس بل إن كونه ذا ظل فى الشمس لازم له دائمًا لا يفارقه بخلاف كونه ذا ظل على الإطلاق فإنه عرض يفارقه.

قوله: (تنبيه) يعنى أن اللازم قد يكون ثبوته للملزوم بينًا لا يتوقف على وسط فى التصديق بل يحصل بمجرد تصور الملزوم وهو البين بالمعنى الأخص، أو مع تصور اللازم وهو البين بالمعنى الأعم وقد يكون غير بين يتوقف على كسب وملاحظة وسط فى التصديق وإن كان ثبوته للملزوم بلا واسطة كتساوى الزوايا الثلاث للقائمتين للمثلث وقد سبق إلى بعض الأفهام من قوله بعد فهمها أن لازم الماهية يعقب فيه بها من غير تراخ، وهذا لا يصح فى اللازم غير المبين إذ قد يتأخر تصوره والعلم بلزومه عن تصور فهم الماهية فلا يصح جعل ما يخالف لازم الماهية بهذا المعنى، ولازم الوجود خاصة عارضًا يمكن مفارقته لجواز أن يكون لازمًا غير بين فالشارح أزال هذا الوهم بأن اللازم بعد فهم الماهية قد يكون غير بين بل حاصلًا بعد الطلب والكسب، وههنا بحث وهو أن اللزوم عبارة عن امتناع المفارقة وذلك إما فى الخارج أو فى الذهن فإن أريد به الأول فلا معنى لقوله بعد فهمها؛ لأنه لازم للماهية فهمت أو لم تفهم وإن أريد الثانى لم يتصور تراخيه لأنه مقارنة فى العقل.

قوله: (العرضى بخلاف الذاتى) لما فرغ من بيان مادة الحد الحقيقى شرع فى بيان مادة الحد الرسمى وهو العرضى ويقابل الذاتى (فى تعريفاته الثلاثة فهو ما

ص: 292

يتصور فهم الذات قبل فهمه) أى محمول يمكن أن يتصور حصول الذات فى الذهن بالكنه ولا يكون هو حاصلًا فيه بعد وقد كشفنا عنه غطاءه هناك (أو) هو (المعلل) أى يكون ثبوته للذات بعلة هى نفس الذات أو غيرها، وأما تعريفه بما لا يتقدم على الذات فى التعقل فيحتاج إلى قيد آخر ليخرج به نفس الذات، والسر فى ذلك أن الأولين من تعريف الذاتى يشملان الماهية والجزء، فما يقابلهما يختص بالعرضى والثالث مخصوص بالجزء فمقابله يتناول الذات.

قوله: (أى لا يمكن) تفسيره عدم التصور بعدم الإمكان ههنا دون ما ذكره فى حد الذاتى تنبيه على أنه هناك بمعناه كما بينا وإن فسروه فيه بعدم الإمكان أيضًا والتعبير عنه بذلك مبالغة مشهورة عرفًا يقال: هذا مما لا يعقل ولا يتصور ويراد امتناعه فلا حاجة إلى جعله مبنيًا للفاعل من تصور الشئ صار ذا صورة مع مخالفته للرواية.

قوله: (لازم للماهية بعد فهمها) أى لازم لها حاصل فهمه بعد فهمها ومعناه أنه يمتنع انفكاكه عن الماهية من حيث هى ولا يكون حصوله فى الذهن متقدمًا على حصولها فيه بل بعده بالذات وليس احترازًا عن الجزء لعدم اندراجه فى اللازم بالمعنى المذكور بل تنبيه على افتراقهما فى ذلك بعد اشتراكهما فى امتناع الانفكاك مطلقًا وقوله: سواء فرض وجودها أى لازم للماهية مطلقًا سواء فرض وجودها أو لا فإن الفردية لازمة للثلاثة فى الذهن أيضًا فلو تعقلت مجردة عنها لم يكن الحاصل فيه ماهيتها، وأما لازم الوجود فهو الذى يلزم الماهية فى الوجود خاصة فالملزوم ههنا هو الماهية الوجودة وفي الأول الماهية من حيث هى، وإذا قيل: هو لازم للوجود لم يرد به الوجود مطلقًا بل وجودها فإنه لازم له دون ماهية بخلاف الأول فإنه يلزمها.

قوله: (كالحدوث للجسم) فإنه لازم للجسم كله فى الوجود لقيام البرهان عليه، وإن لم يكن يلزمه ذهنًا لجواز أن يتصور ماهية منفكة عنه، فيكون حاصلًا فيه غير موصوف بالحدوث والجسم الكثيف يلزمه فى الوجود أنه بحيث يكون ذا ظل فى الشمس لا يفارفه أصلًا ولا يلزم ماهية قطعًا.

قوله: (تنبيه. . . إلخ) اللازم للماهية قد يكون بينًا بالمعنى الأخص أى يلزم تصوره تصورها أو الأعم أى تصورهما كاف فى الجزم باللزوم بينهما وغير بين محتاجًا إلى

ص: 293

وسط فى التصديق كتساوى الزوايا الثلاث للقائمتين للمثلث وقد يتوهم من قوله: وهو لازم للماهية بعد فهمها إما القسم الأول أو البين مطلقًا فإن ما يحتاج إلى وسط لا يكون تصوره ولا التصديق بلزومه بعد فهمها بل متراخيًا عنه إلى أن يفهم الوسط، فنهى الشارح عن أن يتبادر ذلك إلى ذهنك من كلام المصنف فتخطئه فى حصر اللازم فى ذينك القسمين فتكون أنت مخطئا فى تخطئته؛ لأن معناه على ما سلف بيانه أنه لازم لها متأخر فهمه عن فهمها تأخرًا بالذات فلا يتقدم عليه كما فى الجزء فيتناول البين وغيره ويضمحل ما اعترض به من أن اللزوم عبارة عن امتناع المفارقة خارجًا أو ذهنًا فإن أريد الأول فلا معنى لقوله بعد فهمها فإنه لازم للماهية فهمت أو لم تفهم وإن أريد الثانى لم يتصور تراخيه إذ لا يفارقه فى العقل.

قوله: (ويضمحل ما اعترض به) وذلك لأن لازم الماهية على ما وقع التوضيح به هو الذى يمتنع انفكاكه عن الماهية من حيث هى أى كلما وجد الملزوم ثبت له اللازم وكذلك اللازم حالة أخرى هى كونه مفهومًا بعرفهم الملزوم باعتبار امتناع الانفكاك من حيث الثبوت لا من حيث العلم أى: سواء وجد العلم أم لا وبعد ذلك قد ذكر بهذا اللازم الحالة التى هى كونه مفهومًا بعرفهم الملزوم لأجل التشبيه المذكور والبعدية المذكورة أعم من أن تكون مع التراخى أو مع غيره فصح تقسيم الماهية إلى البين وغير البين واندفع الاعتراض والتوهم وهذا المعنى واضح من قوله، ومعناه: أنه يمتنع انفكاكه عن الماهية من حيث هى فلا يكون حصوله فى الذهن متقدمًا على حصولها فيه (*).

التفتازانى: (هو المحمول الذى يتصور. . . إلخ) قيد بالمحمول ليخرج الأمور الخارجية غير المحمولة فإنها لا تسمى عرضًا فى المتعارف.

التفتازانى: (وظاهر هذا التعريف) أى الأخير وقوله: منقوض بنفس الماهية أى فإنه يصدق عليها محمول لا يتقدم على الذات فى التعقل فيكون تعريف العرضى

(*) لم يكتب الشيخ الهروى بعد هذه القولة شيئًا على حاشية السيد إلى آخر القسم المنطقى وأول ما كتبه بعد ذلك عند الكلام على مبادئ اللغة: قوله: (استدل فى معاشه ومعاده. . . إلخ) فليعلم. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 294

غير مانع فإذا قيد بالمغاير للذات صح التعريف.

التفتازانى: (والظاهر. . . إلخ) هو ما درج عليه الأصفهانى.

التفتازانى: (فلا يصح جعل ما يخالف. . . إلخ) أى لا يصح حصر ما يخالف اللازم المذكور فى العرض الممكن المفارقة.

التفتازانى: (لأن لازم الماهية لازم للوجود البتة) أى للوجود الذهنى أو الخارجى فكل لازم للماهية لازم للوجود لأنه ما يلزمها باعتبار أى وجود وهذا ظاهر على أن المراد بالوجود الذهنى أو الخارجى، أما على أن المراد الخارجى فلا يظهر وحاصله أن لازم الماهية يلحقها لا باعتبار خصوص أحد الوجودين بل باعتبار مطلق الوجود.

قوله: (لما فرغ. . . إلخ) بيان لوجه ارتباط قوله: والعرضى بما قبله.

قوله: (أى محمول) عرفت وجه الحمل عليه.

قوله: (أى يكون ثبوته للذات بعلة هى نفس الذات أو غيرها) اعترض بأنه إن أراد بالغير الأعم من الداخل والخارج دخل فى التعريف الذاتى الذى يكون ثبوته للذات بواسطة الذاتى الأخص فلا يكون مانعًا أراد بالغير الخارج فقط خرج عنه العرضى الذى يكون ثبوته للذات بواسطة الجزء، وأجيب بأن المراد بالغير الخارج والمراد بقوله يكون ثبوته للذات بعلة هى نفس الذات أو غيرها أنه يمكن أن يكون الثبوت للذات بذلك وإن أمكن أن يكون بعلة ليست نفس الذات ولا الخارج عنها وأما الذاتى فلا يمكن أن يكون ثبوته للذات بعلة هى نفس الذات أو الخارج عنها.

قوله: (فيحتاج إلى قيد آخر) أى كالمغاير وهو المتبادر.

قوله: (حاصل فهمه بعد فهمها) يريد بذلك أن الظرف مستقر لا لغو متعلق باللزوم فالذى بعد فهمها فهم اللازم لا لزومه حتى يرد أن اللزوم معناه امتناع الانفكاك ولا معنى لكونه بعد فهم الماهية.

قوله: (سواء فرض وجودها) أى وجودها الخارجى فإنه المتبادر من كلامه لكن عليه يكون التقسيم غير حاصل إذ بقى ما يلحق الماهية باعتبار الوجود الذهنى كالكلية اللاحقة للإنسان فالأولى أن يراد أحد الوجودين الذهنى أو الخارجى.

قوله: (وإذا قيل لازم الوجود لم يرد الوجود مطلقًا بل وجودها. . . إلخ) قال السيواسى كأنه يريد دفع ما يكاد يرد أن الكلام فى لازم الماهية فتقسيمه إلى لازم

ص: 295

الماهية ولازم الوجود تقسيم الشئ إلى نفسه وغيره، وتقريره أن المراد بقوله لازم الوجود لازم للماهية باعتبار وجودها فالمقسم لازم الماهية مطلقًا والقسم لازم الماهية من حيث هى هى أى مع قطع النظر عن وجودها الخاص والقسم الآخر لازم الماهية من حيث وجودها الذهنى أو الخارجى فأقسام لازم الماهية فى التحقيق ثلاثة: لازم لها مطلق الوجود سواء كان ذهنيًا أو خارجيًا ولازم باعتبار الوجود الذهنى فقط ولازم باعتبار الوجود الخارجى فقط لكن لا يخفى أن هذا السؤال إنما يتوهم وروده بناء على تفسيره -قدس اللَّه سره- قول المحقق ولازم فى الوجود بقوله: وأما لازم الوجود. . . إلخ. وأما على عبارة المتن أو الشارح فلا إذ معناه ولازم للماهية فى الوجود.

قوله: (كتساوى الزوايا الثلاث للقائمتين للمثلث) أى أن زوايا المثلث الثلاثة مساوية للزاويتين القائمتين وقد برهن على ذلك فى الرياضيات.

قوله: (تأخرًا بالذات) يعنى أن المراد بالبعدية التأخر بالذات وهو لا ينافى أن يتأخر زمانًا أى وليس المراد بالبعدية التعقيب المستلزم لعدم التراخى.

قوله: (ويضمحل ما اعترض به. . . إلخ) المعترض هو التفتازانى، وحاصل رده أن البعدية باعتبار الفهم لا باعتبار اللزوم كما مر.

ص: 296

قال: (وصورة الحد الجنس الأقرب ثم الفصل وخلل ذلك نقص وخلل المادة خطأ ونقص فالخطأ كجعل الموجود والواحد جنسًا وكجعل العرضى الخاص بنوع فصلًا فلا ينعكس وكترك بعض الفصول فلا يطرد وكتعريفه بنفسه مثل والحركة عرض نقلة الإنسان حيوان بشر وكجعل النوع والجزء جنسًا مثل: الشر ظلم الناس والعشرة خمسة وخمسة ويختص الرسمى باللازم الظاهر لا بخفى مثله ولا أخفى ولا بما يتوقف عقليته عليه مثل الزوج عدد تزيد على الفرد بواحد وبالعكس فإنهما متساويان ومثل النار جسم كالنفس فإن النفس أخفى ومثل الشمس كوكب نهارى فإن النهار يتوقف على الشمس والنقص كاستعمال الألفاظ الغريبة والمشتركة والمجازية).

أقول: قد علمت أن لكل مركب مادة وصورة وأن مادة الحد الذاتى والعرضى بأقسامهما وأما صورته فإن تأتى بالجنس الأقرب ثم بالفصل وخلل الصورة نقص فى الحد، كإسقاط الجنس الأقرب والاقتصار على الأبعد لدلالة الفصل بالالتزام عليه نحو الإنسان جسم ناطق أو إسقاط الجنس مطلقًا لذلك نحو الإنسان ناطق وكتقديم الفصل نحو العشق الفرط من المحبة لإخلاله بالصورة وخلل المادة منه ما هو خطأ ومنه ما هو نقص.

فالخطأ له أمثلة:

منها: جعل الموجود والواحد جنسًا للإنسان مثلًا وهما ليسا ذاتيين له إذ يفهم حقيقته دونهما.

ومنها: جعل العرضى الخاص بنوع ما فصلًا له بحيث لا ينعكس كالضاحك بالفعل للإنسان.

ومنها: ترك بعض الفصول بحيث لا يطرد بأن لا يؤتى بالفصل المساوى له إن اتحدا ولا بواحد من فصوله المساوية إن تعددت.

ومنها: تعريف الشئ بنفسه وأكثر ما يكون ذلك إذا ذكر الشئ بلفظ مرادف مثل الحركة عرض نقلة فإن النقلة ترادف الحركة، ومثل الإنسان حيوان بشر فإن البشر يرادف الإنسان.

ومنها: جعل النوع جنسًا مثل الشر ظلم الناس والظلم نوع من الشر فإن الشرور كثيرة.

ص: 297

ومنها: جعل الجزء المقدارى جنسًا مثل العشرة خمسة وخمسة فإن الخمسة جزء العشرة لا تحمل عليها لا وحدها ولا بانضمام خمسة أخرى إليها بل المحمول مجموع الخمستين هذا فى الحد مطلقًا والحد الرسمى يختص من بين الحدود بأنه يكون باللازم الظاهر له أو من بين اللوازم باللازم الظاهر فلا يجوز أن يرسم الشئ بخفى مثله فإن الخفى لا يعرف الخفى ولا بما هو أخفى منه بالطريق الأولى ولا بما يتوقف تعقله على تعقله للزوم الدور، فالأول مثل الزوج عدد يزيد على الفرد بواحد والفرد عدد يزيد على الزوج بواحد إذ الزوج والفرد سيان فى الخفاء والجلاء ومنه ذكر أحد المتضايفين فى حد الآخر كما يقال الأب من له ابن والابن من له أب، والثانى مثل النار جسم كالنفس فإن النفس ومشابهة النار لها أخفى من حقيقة النار، والثالث مثل الشمس كوكب نهارى فإن عقلية النهار تتوقف على عقلية الشمس لأن النهار وقت طلوع الشمس فهذه الثلاثة هى الخلل فى الرسم خاصة.

وأما النقص فى المادة فله أمثلة:

منها: استعمال الألفاظ الغريبة الوحشية لعدم ظهورها فى المقصود.

ومنها: استعمال الألفاظ المشتركة أى بلا قرينة لترددها بين المقصود وغيره فلا يتعين المقصود.

ومنها: استعمال الألفاظ المجازية أى بلا قرينة لظهورها فى غير المقصود فيقع الجهل.

قوله: (وصورة الحد) مبنى كلام الشارح المحقق على أن المراد به مطلق الحد ولذا جعل مادته الذاتى والعرضى بأقسامهما من الجنس والفصل القريب أو البعيد ومن العرضى اللازم أو العارض، ويدل عليه أن ما ذكره المصنف من الخطأ والنقص فى المادة يعم الحقيقى والرسمى ولذا قال ويختص الرسمى إلا أن جعل الصورة الإتيان بالجنس الأقرب ثم الفصل مما يأبى هذا المعنى لاختصاصه بالحدّ الحقيقى، ولذا قال الشارح العلامة: إنه بيان لصورة الحد الحقيقى على وجه يشعر بمادته ويعلم منه أن ما سوى ذلك مادة وصورة لغير الحد الحقيقى فالمراد بالحد فى قوله: وصورة الحد الحد الحقيقى لا غير اللهم إلا أن يراد بالفصل ما هو مميز فى

ص: 298

الجملة ذاتيًا كان أو غير ذاتى.

قوله: (وخلل الصورة) قال فى المنتهى: وخلل الصورة نقص كإسقاط الأقرب لدلالة الالتزام أو إسقاط الجنس جملة لذلك وكتقديم الفصل على أفراد الجنس مثل العشق إفراط المحبة، فقوله لدلالة الالتزام ولذلك علة للإسقاط والاقتصار على الأبعد مع الفصل أو على الفصل وحده، وصرح الشارح المحقق بهذا المعنى دفعًا لما توهمه الشارح العلامة من أنه علة لكونه خللًا على معنى أن إسقاط القريب أو مطلق الجنس إنما يوجب الخلل لكون دلالة الحد على المحدود حينئذ بالالتزام وهى مهجورة فى جواب ما هو بل العلة فى ذلك ما أشار إليه الشارح بقوله لإخلاله بالصورة أى إنما كان هذا خللًا فى الصورة ونقصًا فى الحد لإخلاله بصورة المحدود.

قوله: (بحيث لا ينعكس) إشارة إلى أن ليس المرد أن التعريف بهذا الوجه يوجب عدم الانعكاس وترك بعض الفصول يوجب عدم الاطراد حتى يرد اعتراض الشارح العلامة بأن ذلك إنما يلزم لو لم يكن العرض الخاص لازمًا كالضاحك بالقوّة ولو لم يكن المتروك فصلًا بعيدًا كالحساس، فإن تعريف الإنسان بالحيوان الضاحك بالقوة منعكس وبالجسم الناطق مطرد وقوله: فصلًا له أى لذلك النوع يعنى يحد ذلك النوع ويورد عرضيه الخاص به بدل فصله، وإنما قيد بالخاص ليصح إيراده بدل الفصل وإنما قال: بحيث لا ينعكس ليصح كونه خللًا فى مطلق الحد، إذ لو كان مساويًا لكان رسمًا لا خلل فيه مثل: الإنسان حيوان ضاحك بالقوة وفي هذا دفع لما يتوهم من أن المراد أن العرض الخاص بقسم من أقسام الشئ يجعل فصلًا لذلك الشئ ويورد فى حده فيلزمه عدم الانعكاس كتعريف الإنسان بالحيوان الكاتب بالفعل المختص ببعض من الإنسان، وأنت خبير بأن هذا الدفع تحكم.

قوله: (تعريف الشئ بنفسه) يعنى يجعل نفس الشئ معرّفًا كما فى قولنا: الحركة نقلة أو داخلًا فيه كما فى قولنا: الحركة عرض نقلة ومثل بهذا لأنه أبعد ومبناه على تخصيص الحركة بالمكانية أو تعميم النقلة لأقسام الحركة.

قوله: (مثل العشرة خمسة) مبناه على ما تعارف من كون الخمسة جزءًا من العشرة وإن كان يأباه الفلاسفة ويجعلون أجزاءها الوحدات.

قوله: (يختص من بين الحدود) معنى اختصاص زيد بالقيام أنه من بين الأشخاص منفرد بذلك الوصف لا يتصف به غيره فالباء داخل فى المقصور قال

ص: 299

اللَّه تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 105] وقد يراد أنه مختص من بين الأوصاف بالقيام لا يتصف بغيره أى مقصور على القيام لا يتجاوزه إلى القعود، فالباء داخل فى المقصور عليه والاستعمال العربي هو الأول وأشار الشارح المحقق إلى أن كلا الاستعمالين محتمل ههنا أى اللازم الظاهر لا يكون إلا تعريفًا رسميًا أو الرسمى لا يكون إلا لازمًا ظاهرًا إلا أن قوله لا يخفى يؤيد هذا المعنى.

قوله: (الزوج عدد) مبنى المثال الأول على أن الواحد عدد والثانى على أنه ليس بعدد، ولو حملنا العكس على أن الفرد عدد ينقص عن الزوج بواحد لم يحتج إلى ذلك.

قوله: (وإن مادة الحد الذاتى والعرضى) ذكر أن الحد الحقيقى ينبئ عن الذاتيات وأن الرسمى ينبئ عن الشئ بعرضى لازم له وأورد له مثالًا مركبًا ثم بين أقسامهما فقد أشار إلى تركبهما من تلك المواد فلا بد هناك من عروض صورة لها فأخذ فى بيانها، وأما اللفظى فهو بالمفردات أو ما فى حكمها ولا صورة له ولا مادة.

قوله: (وأما صورته) مساق كلامه يقتضى بيان صورة الحد مطلقًا وما بينه صورة الحد الحقيقى ظاهرًا، فإما أن يؤول الفصل بالمميز ذاتيًا كان أو عرضيًا فيتناول من الرسوم ما يؤخذ فيه الجنس الأقرب ولو أريد بالجنس أيضًا هو أو ما يقوم مقامه لشمل الرسوم المركبة من الأعراض العامة والخاصة ويدل عليه أن ما ذكره المصنف من خلل المادة يشمل الرسمى حيث قال: وكجعل العرضى الخاص بنوع فصلًا وأردفه بقوله: ويخص الرسمى، وإما أن يجرى على ظاهره ويعتذر عن التخصيص بأن المقصود بيان صورة يكون الإخلال بها نقصًا فى الحد وتلك فى الحقيقى منه فإن تقديم الخاصة على الجنس لا يوجب نقصًا اتفاقًا وأما خلل المادة فمشترك فيحمل على عمومه.

قوله: (وخلل الصورة) الاختلال فى المركب إما من جهة مادته أو من جهة صورته إذ لو صحتا لصح قطعًا وخلل الصورة فى الحد نقص وعدم تقديم الفصل على الجنس خللا فى صورته مشهور واضح وأما إسقاط الجنس مطلقًا أو إسقاط الأقرب والاقتصار على الأبعد فالظاهر أن نقصانهما فى المادة لترك بعضها وجعلهما خللًا فى الصورة متابعة للمنتهى وتوجيهه: أن ما أورده فى كل منهما ذاتى لا

ص: 300

نقصان فيه لا فى ذاته ولا فى دلالته لكن لما أسقط بعض الذاتيات تقدم الفصل على رتبته إذ حقه أن يتأخر عنه أيضًا وقوله أولًا لدلالة الفصل بالالتزام عليه، وثانيًا لذلك تعليل للإسقاط والاقتصار، وأما علة النقصان فى الأمثلة الثلاثة فقد أشار إليها بقوله لإخلاله بالصورة ولو جعل المثالان الأولان من نقصان المادة وعلل ذلك بكون بعضها مدلولًا عليه التزامًا لم يبعد، وإن حملت صدر الكلام على العموم فقس على ما ذكر حال الحد الرسمى بأن يترك الجنس الأقرب ويقتصر على الأبعد والخاصة أو يترك الجنس رأسًا ويرسم بالخاصة وحدها أو تقدم الخاصة على الجنس الأقرب والنقصان فى الأولين مذكور فى كلامهم دون الثالث كما مر.

قوله: (وخلل المادة) الخلل فى المادة إما فى نفسها ويسمى خطأ، وإما فى الدلالة عليها ويسمى نقصًا فالخطأ له أمثلة وضابطها أن يجعل ما ليس من المادة مادة أو جزءًا منها.

قوله: (إذ يفهم حقيقته دونهما) فلا يكونان جنسًا له فوضعهما مكانه خطأ، أما فى الحد الحقيقى فمطلقًا، وأما فى الرسمى فعلى تقدير تركبه من الجنس والخاصة والفرق بين العرضى الذى هو أعم من الجنس والمساوى له بأن ذكر الأول وهو المراد ههنا خطأ فى الحد مطلقًا وذكر الثانى فى الحقيقى خاصة له لدلالته على الجنس التزامًا مما لا يعول عليه.

قوله: (بحيث لا ينعكس) تأويل لقوله: فلا ينعكس فإن ذلك إنما يلزم إذا لم يكن شاملًا له وهذا خطأ فى الحقيقى من وجهين: أحدهما جعل ما ليس بذاتى مكانه وهذا يتناول الخاصة اللازمة البينة أيضًا، والثانى وضع ما ليس بمميز موضعه وفى الرسمى من الوجه الأخير فقط وقوله: بحيث لا يطرد تأويل لقوله: فلا يطرد على قياس ما سبق وإنما جعل ترك الفصل المساوى أو الفصول المساوية من الخطأ فى المادة لأنه قد وضع فيه غير المميز مكانه إذ لا بد فى الحد منه بخلاف ترك الفصول البعيدة فإنه نقص كما مر وإذا ترك فى الرسمى الخاصة المساوية إن اتحدت أو الخواص المساوية بأسرها إن تعددت لزم الخطأ فيه أيضًا ولك أن تجعل الفصل عبارة عن الميز مطلقًا فيندرج الرسمى فى العبارة.

قوله: (وأكثر ما يكون ذلك) أى تعريف الشئ بنفسه.

قوله: (إذا ذكر الشئ بلفظ مرادف له) إذ لو ذكر الشئ بلفظ لظهر كونه

ص: 301

تعريفًا بنفسه بخلاف المرادف إذ قد يخفى فيه ذلك وكان المثال الأول للحد الرسمى فى الأعراض، لأن العرض ليس جنسًا للحركة؛ بل عرض عام لها، والثانى للحقيقى فى الجواهر، والمشهور أن يورد مثالان الحركة نقلة والإنسان حيوان بشر تنبيهًا على أن التعريف إما بنفسه وحدها، وإما مع غيرها وكون النقلة مرادفة للحركة مبنى على تخصيص الحركة بالأبنية كما هو المتعارف عند الجمهور.

قوله: (مثل الشر ظلم الناس) الشر فقدان الشئ كماله والظلم نوع منه وقد جعل جنسًا له أو قائمًا مقامه ولا يصلح لذلك وكان تقييده بالناس فصلًا له أو قائمًا مقامه وفيه أيضًا أنه من التعريف بالأخفى.

قوله: (جعل الجزء المقدارى) أراد به الجزء الذى لا يحمل على كله لامتيازه عنه فى الوجود فله قدر بالقياس إليه لا أجزاء الكميات المتصلة والمنفصلة فقط.

قوله: (فإن الخمسة جزء العشرة) هذا على ما يتبادر إلى الأوهام العامية من تركب الأعداد من الأعداد التى تحتها، وعند المحققين أن تركبها من الوحدات خاصة قيل: وإنما حكموا بذلك بناء على أن لها صورًا نوعية زائدة على وحداتها هى مبادئ أحوالها المخصوصة ولم يثبت.

قوله: (ولا بانضمام خمسة أخرى إليها) أى ليست الخمسة وحدها، ولا مقيدة بانضمام خمسة أخرى إليها محمولة على العشرة، أما الأول فطاهر، وأما الثانى فلأن الخمسة المقيدة بخمسة أخرى خمسة ولا شئ منها بعشرة.

قوله: (هذا فى الحد مطلقًا) أى ما ذكرنا من وجوه الخلل جار فى الحقيقى والرسمى كما سبق تقريره، وفى الرسمى وجوه أخر لا تتصور فى غيره؛ وذلك لأن الرسمى يختص من بين الحدود أى ينفرد ويمتاز عن الحقيقى بأنه يكون باللازم الظاهر ومآله أن اللازم الظاهر يكون حدًا رسميًا لا حقيقيًا أو يختص من بين اللوازم باللازم الظاهر أى: يكون الرسمى لازمًا ظاهرًا لا غيره ويؤيد هذا المعنى قوله: لا بخفى مثله، وبالجملة فباعتبار اللزوم يكون شاملًا وباعتبار الظهور يكون مقيدًا، وقيد الاختصاص يعرف من اشتراط الاطراد فلا يرسم الشئ بلازم خفى مثله ولا بالأخفى منه ولا بما يتوقف تعقله عليه وشئ من هذه المفاسد لا يجرى فى الحقيقى؛ لأن ذاتى الشئ لا يكون خفيًا مثله ولا أخفى منه ولا موقوفًا تعقله على تعقله وإن أبدل الذاتى بما يتصف بإحدى هذه الصفات فذاك من

ص: 302

الأقسام السابقة والتساوى فى الجلاء بين الزوج والفرد بناء على أن التقابل بينهما تضاد بحسب الشهرة، وأما فى الحقيقة فالفرد أخفى لأنه عدم ملكة وإنما وسط لفظ أو بين التعريفين على ما فى بعض النسخ إذ لو عرف كل منهما بالآخر كان دوريًا، وأما المناقشة بأن الواحد إما أن يكون فردًا فلا يصح تعريفه بخروجه عنه أو لا فلا يدخل الاثنان فى تعريف الزوج فمما لا يقدح فى المقصود لجواز الخلل بوجه آخر ولو حمل العكس على أن الفرد عدد ينقص عن الزوج بواحد واختير أن الواحد عدد لم يتوجه ما ذكر.

قوله: (ومنه) أى من الأول، فإن المتضايفين متكافئان فى الوجود ذهنًا وخارجًا.

قوله: (ومشابهة النار له) أى فى الطاقة وعدم الرؤية والحركة دائمًا فإن النار متحركة بالحركة الدورية تبعًا للفلك، والنفس متحركة بالحركة التخيلية وقيل فى إحداث الخفة فإن النار تحدث الخفة فى مجاورها والنفس فى الجسم، والمراد بالطلوع كون الشمس فوق الأفق ولا شك أن الثالث أردأ من الثانى وهو أردأ من الأول.

قوله: (وأما النقص فى المادة) جعل الخلل التعلق باللفظ نقصًا فى المادة إذ من حقها أن يدل عليها بألفاظ ظاهرة الدلالة والثلاثة مترتبة فى الرداءة، فإن الألفاظ الغريبة لا يفهم منها شئ فيحتاج إلى تفسيرها فتطول المسافة ويختلف حالها بحسب قوم قوم، والمشتركة بلا قرينة معينة لأحدهما يتردد بها بين المقصود وغيره فلا يتعين هو بل ربما يفهم غيره، والمجازية بلا قرينة صارفة ظاهرة فى غير المقصود فيتبادر إليه الفهم فيقع الجهل.

الشارح: (وإن مادة الحد الذاتى والعرضى بأقسامهما) أى تخرج المادة عن ذلك فلا ينافى أنها لا تكون بالعرضى.

الشارح: (الخاص بنوع) ليس المراد الخاص بنوع من المحدود وإلا لكان قوله: فلا ينعكس تفريعًا صحيحًا لا يحتاج إلى التأويل الذى ذكره بقوله: بحيث لا ينعكس بل المراد الخاص بنوع هو المحدود وهو صادق بأن يكون منعكسًا وغير منعكس فلا يتفرع قوله: فلا ينعكس على كون التعريف بالعرضى الخاص بالمحدود فيؤول بأن المراد بالعرضى الخاص بنوع أن يكون بحيث لا ينعكس كتعريف الإنسان

ص: 303

بالحيوان الضاحك بالفعل لا بالحيوان الضاحك بالقوة وكل من الضاحك بالفعل والضاحك بالقوة لازم مختص بنوع هو الإنسان.

الشارح: (وأكثر ما يكون ذلك إذا ذكر الشئ بلفظ مرادف) أى لأنه يتوهم أنه غيره فيعرف به وأما لو ذكر بلفظه لظهر كونه بنفسه فلا يقع التعريف به كما قاله المحشى.

التفتازانى: (أو العارض) ذكره تتميمًا للأقسام وإلا فهو لا يكون مادة.

التفتازانى: (أن ما سوى ذلك مادة وصورة لغير الحقيقى) أى أن الرسم مادته الجنس القريب والمميز العرضى وصورته أن يؤتى بالجنس القريب ثم بالعرضى المميز وخلل ذلك نقص.

التقتازانى: (على أفراد الجنس) أى على الجنس مطلقًا قريبًا أو بعيدًا.

التفتازانى: (العشق إفراط المحبة) فالإفراط الذى هو من المحبة فصل والمحبة جنس وقد قدم الفصل على الجنس.

التفتازانى: (لإخلاله بصورة المحدود) لم يقل بصورة الحد لئلا يكون مصادرة لأن المعلل هو الإخلال بصورة الحد ولو جعل المعلل النقص لصح جعل الإخلال بصورة الحد علة له.

التفتازانى: (أن العرض الخاص بقسم من أقسام الشئ) أى كجعل السواد المختص بالجنس الذى هو نوع من الإنسان فصلًا للمحدود وكجعل الكاتب بالفعل المختص بنوع من الإنسان فصلًا له.

قوله: (ذكر أن الحد الحقيقى. . . إلخ) يريد أن قوله: ومادة الحد الذاتى والعرضى إنما يصح إذا كان الحد مركبًا إذ المفرد لا يكون له مادة وصورة.

قوله: (مساق كلامه) أى حيث قال: مادة الحد الذاتى والعرضى بأقسامهما فإن هذا السوق يقتضى أن يبين صورة الحد مطلقًا وقوله: وما بينه أى بقوله: بأن تأتى بالجنس الأقرب ثم بالفصل إنما هو صورة الحد الحقيقى.

قوله: (المركبة من الأعراض العامة والخاصة) ظاهره أن التعريف بذلك رسم تام وأن ما يقوم مقام الجنس من العرض العام حكمه حكم الجنس.

قوله: (حيث قال: وكجعل العرضى الخاص بنوع فصلًا) أى فإن هذا القول منه يشمل خلل المادة للحد غير الحقيقى كقولك: الإنسان حيوان كاتب بالفعل بخلاف

ص: 304

حيوان كاتب بالقوة.

قوله: (وما أردفه بقوله ويختص الرسمى) أى يدل على أن ما ذكره من أمثلة خلل المادة شامل للحد الحقيقى والرسمى وحيث كان ذلك يقتضى أن الكلام فى خلل المادة مطلقًا وأن ذلك مراد كان الكلام أيضًا فى خلل الصورة مطلقًا وأنه مراد.

قوله: (فإن تقديم الخاصة على الجنس) اقتصر على ذلك؛ لأن إسقاط الجنس بالمرة أو الاقتصار على الجنس البعيد ليس من الخلل فى الصورة على الظاهر عنده وإن كان منه على ما للمصنف فى المنتهى.

قوله: (وتوجيهه أن ما أورده فى كل منهما ذاتى. . . إلخ) أى توجيه جعلهما خللًا فى الصورة أن ما أورده فى كل من المثالين أعنى الإنسان جسم ناطق والإنسان ناطق ذاتى للإنسان فلا خلل فى حده من هذه الجهة ولا نقصان فى هذا الذاتى لا فى ذاته ولا فى دلالته فلا يكون خللًا فى الواقع ولا بحسب اصطلاح المصنف.

قوله: (إذ حقه أن يتأخر عنه أيضًا) الأولى إسقاط أيضًا، والمعنى أن حق الفصل أن يتأخر عن الجنس القريب فإذا ذكر الجنس البعيد وترك بعض الذاتيات التى تحصل الجنس القريب فحق الفصل أن يتأخر عن ذلك البعض مع أنه وقع موقع ذلك البعض وإذا ترك الجنس بالمرة واقتصر على الفصل فحقه أن يتأخر عن الجنس الذى وقع هو موقعه.

قوله: (وأما علة النقصان. . . إلخ) جعل قوله لإخلاله بالصورة علة للنقصان لا للخلل فى الصورة وعلى ذلك فالمراد بالصورة صورة الحد ولا مصادرة خلافًا لما صنعه السعد.

قوله: (ولو جعل المثالان. . . إلخ) هو ما ذكر أولًا أنه الظاهر وقال فى حاشية الحاشية فيه إشارة إلى أن التعرض لدلالة الفصل على الجنس يدل على أنه مراد به فلا حذف فى المعنى بل فى الدلالة نقصان وعلى تقرير الشارح لا حاجة إلى اعتبار الالتزام لأنه جعلها من قبيك الخلل فى الصورة فلا يحتاج إلى نقصان فى الدلالة. اهـ. قال الخلخالى: أى فى جعل نقصان دلالة الالتزام علة كما ذكرنا إشارة إلى أن التعرض لدلالة الفصل على الجنس يدل على أن الجنس مراد بلفظ الفصل فلا حذف للجنس فى المعنى فلا خلل فى المثالين من هذه الجهة بل الخلل فيهما من

ص: 305

جهة نقصان الدلالة فيكون الخلل فى المادة لا فى الصورة وعلى تقرير الشارح لا حاجة إلى التعرض لدلالة الفصل على الجنس بالالتزام واعتباره لأنه جعل المثالين من قبيل الخلل فى الصورة وهو لا يحتاج إلى نقصان دلالة الالتزام ليتعرض لها بل يحتاج إلى التعرض لكون بعض الذاتيات أعنى الجنس مؤخرًا وكون الفصل مقدمًا على رتبته على ما مر من التوجيه.

قوله: (أن يجعل ما ليس من المادة مادة) كأن يجعل العرض العام موضع الجنس أو العرض الخاص موضع الفصل بالنسبة للحد الحقيقى وكأن يجعل غير اللازم موضع اللازم بالنسبة للرسم وقوله: أو جزء منها عطف على ما ليس أى أو يجعل جزء منها مادة بأن يقتصر على ذلك الجزء كأن يذكر الجنس وحده بدون الفصل المساوى كذا وجدته بخطى مكتوبًا على هامش النسخة من القراءة للكتاب فى المرة الأولى وكأن وجه جعل قوله: أو جزء عطف على ما ليس موافقته لقول الشارح ومنها ترك بعض الفصول بحيث لا يطرد بأن لا يؤتى بالفصل المساوى وأما عطفه على قوله: مادة، والمعنى: جعل ما ليس من المادة جزءًا منها فيغنى عنه دخوله فى قوله: جعل ما ليس من المادة مادة لأنه صادق عليه تأمل.

قوله: (فمطلقًا) أى من غير تقدير تركبه من الجنس لأن ذلك العام يلزمه أنه وضع موضع الجنس بخلاف الرسمى فإنه لو لم يقدر ويعتبر أنه مركب من الجنس والخاصة وقد وضع موضع ذلك الجنس العرض المذكور بل اعتبر تركبه من العرض العام والخاصة وجعل رسمًا ناقصًا لم يكن من باب الخطأ فى المادة لوضع العرض موضع الجنس كما هو ظاهر.

قوله: (فى الحقيقى خاصة) أى خطأ فيه لا فى الرسمى فإنه ليس خطأ فيه لدلالته أى دلالة ذلك العرض المساوى للجنس على الجنس التزامًا وقوله مما لا يعول عليه أى لأن فى كل وضع العرض موضع الجنس فالخطأ بذلك الاعتبار موجود فيهما.

قوله: (فإن ذلك) أى عدم الانعكاس إنما يلزم إذا لم يكن العرض الخاص شاملًا للمحدود أى مع أنه قد يكون شاملًا فلا يلزم عدم الانعكاس.

قوله: (وهذا) أى جعل ما ليس بذاتى مكانه.

قوله: (كما مر) أى فى ذكر الجنس البعيد والاقتصار عليه مع الفصل.

ص: 306

قوله: (وإذا ترك فى الرسمى. . . إلخ) أى فهو بالقياس على ترك الفصل المساوى فى الحد الحقيقى.

قوله: (ولك أن تجعل. . . إلخ) أى فلا حاجة إلى القياس.

قوله: (للحد الرسمى فى الأعراض) أى فذكر العرض الذى هو عرضى لما تحته ليس خطأ فيه.

قوله: (لأن العرض ليس جنسًا للحركة) استدلال على أن المثال للحد الرسمى.

قوله: (كما هو المتعارف عند الجمهور) المراد بهم المتكلمون وأما عند الحكماء فالمقولات التى تقع فيها الحركة أربع: الكم والكيف والوضع والأين وهو النقلة التى يسميها المتكلم حركة فإن المتكلمين إذا أطلقوا الحركة أرادوا بها الحركة الأينية المسماة بالنقلة، ومعنى وقوع الحركة فى تلك المقولات أن الموضوع يتحرك من نوع من تلك المقولة إلى نوع آخر منها أو من صنف إلى صنف آخر أو من فرد إلى غيره فالحركة فى الكم على أربعة أوجه التخلخل والتكاثف والنمو والذبول والحركة فى الكيف كما يسود العنب ويسخن الماء وفى الوضع كحركة الفلك على نفسه فإنه لا يخرج عن مكان إلى مكان حتى تكون الحركة أينية والحركة الأينية كانتقال الجسم من جزء إلى جزء آخر.

قوله: (وفيه أيضًا أنه من التعريف بالأخفى) إذ معرفة الأخص تتوقف على معرفة الأعم الذى هو ذاتى له.

قوله: (أراد به الجزء الذى لا يحمل) يدل عليه قوله: فان الخمسة جزء العشرة لا يحمل عليها كما نقل عنه.

قوله: (لا أجزاء الكميات المتصلة) أى ليس المراد ذلك بدليل التمثيل بالخمسة والخمسة بالنسبة للعشرة فإن الخمسة جزء من الكم المنفصل الذى هو العدد.

قوله: (والمنفصلة) أى بدليل أنه علل بعدم الحمل وهو غير مختص بالكميات المتصلة بل هو عام لكل جزء لا يصح حمله سواء كان جزء كم متصل أو منفصل أو غير ذلك.

قوله: (على أن لها صورًا نوعية زائدة على وحدتها) أى فتكون حينئذ مراتب الأعداد أنواعًا متخالفة فلا يكون بعضها جزءًا من بعض؛ لأن ذلك يؤدى إما إلى الترجيح من غير مرجح وإما أن يكون للشئ ماهيات متخالفة وكلاهما باطل قال

ص: 307

فى المواقف وشرحه: مراتب الأعداد متخالفة بالماهية فإنها وإن كانت كثيرة لكنها متمايزه بخصوصيات هى صورها النوعية وذلك لاختلافها باللوازم كالصمم والمنطقية والأولية واختلاف اللوازم يدى على على اختلاف الملزومات ثم قال: وتقوم كل عدد من أنواع الأعداد بوحداته أى مبلغ جملتها ذلك النوع من العدد وكل واحدة من تلك الوحدات جزء لماهيته وليس لها جزء سوى الوحدات فما يقال من أن وحدات كل عدد أجزاء مادية له فلا بلى هناك من جزء صورى كلام ظاهرى بل الصواب أن المركب العددى هو مجموع وحداته وهذا المجموع منشأ الخواص واللوازم العددية أنه لا حاجة فى ذلك إلى اعتبار هيئة عارضة للوحدات بعد اجتماعها وليس تقوم مراتب الأعداد بالأعداد التى فيه فالعشرة مثلًا مجموع وحدات مبلغها ذلك وقال أرسطو: إنها ليست ثلاثة وسبعة ولا أربعة وستة لإمكان تصور العشرة مع الغفلة عن هذه الأعداد فإنك إذا تصورت حقيقة كل واحدة من وحداتها من غير شعور وخصوصيات الأعداد المندرجة تحتها فقد تصورت حقيقة العشرة بلا شبهة فلا يكون شئ من تلك الأعداد داخلًا فى حقيقتها بل هى عشرة مرة واحدة وربما استدل على ذلك بأن تركب العشرة من الاثنين والثمانية ليس أولى من تركبها من الثلاثة والسبعة أو الأربعة والستة أو الخمسة والخمسة فإن تركبت من بعضها لزم الترجيح بلا مرجح وإن تركبت من الكل لزم استغناء الشئ عما هو ذاتى له لأن كل واحد منها كافٍ فى تقويمها فيستغنى به عما عداه. اهـ باختصار.

قوله: (ولم يثبت) أى بل مبادئ أحوالها هو مجموع الوحدات وهو منشأ الخواص واللوازم العددية من غير احتياج إلى هيئة عارضة للوحدات.

قوله: (بأنه يكون باللازم) أى فالباء داخلة على مقصور.

قوله: (أى يكون الرسمى. . . إلخ) أى فالباء داخلة على المقصور عليه.

قوله: (ويؤيد هذا المعنى قوله: لا بخفى مثله) أى لأنه يدل دلالة ظاهرة على أن الباء داخلة على المقصور عليه وإلا لقال المصنف بلى له لا الخفى ويصير المعنى يختص الرسمى باللازم الظاهر لا الخفى فلا يختص به بل لا يكون به أصلًا لكن على هذا يصير قوله: لا بخفى مثله معناه أنه لا يمتاز ولا ينفرد بالخفى ولا يلزم منه المقصود الذى هو عدم جواز التعريف الرسمى به إلا أن يقال: إن المراد من

ص: 308

قوله: ويختص الرسمى باللازم الظاهر مجرد أنه لا يكون إلا به فيكون معنى قوله: لا بخفى مثله أنه لا يكون به.

قوله: (فباعتبار اللزوم يكون شاملًا) أى جامعًا لجميع أفراد المعرف وباعتبار الظهور يكون مفيدًا أى فصح جعله تعريفًا.

قوله: (وقيد الاختصاص. . . إلخ) أى أنه لم يتعرض إلا للزوم والظهور ولم يتعرض للاختصاص مع أنه لا بد أن يكون اللازم الظاهر خاصة للمعرف حتى يصح التعريف به اعتمادًا على ما ذكره سابقًا من شرط الاطراد والانعكاس فى جميع التعاريف فإنه يعرف منه أنه لا بد من الاختصاص حتى يكون مطردًا ومانعًا من دخول غير المحدود فيه.

قوله: (لأن ذاتى الشئ لا يكون خفيًا مثله) المراد بالذاتى هنا الجزء فقط لأن الكلام فيما تركب الحد منه والذاتى بهذا المعنى لا يكون خفيًا مثل الذات ولا أخفى منه؛ لأن ذاتى الشئ يكون متقدمًا عليه فى التعقل ولا بد فى تعقل الشئ من تعقل كل واحد من ذاتياته فخفاء كل واحد منها خفاء له مع زيادة خفائه من جهة الذاتى اللآخر.

قوله: (وإن أبدل الذاتى. . . إلخ) جواب عما يقال: لا نسلم عدم جريان شئ من هذه المفاسد فى الحقيقى فإنه يجوز أن يبدل بعض الذاتيات له بعرض يكون خفيًا مثل المحدود أو أخفى أو يكون تعقله موقوفًا على تعقل المحدود وحاصل الجواب أن ذلك الحد الحقيقى يكون حينئذ من جملة الأقسام السابقة المشتملة على خلل المادة كما إذا أبدل الجنس بالعرض العام أو الفصل بالخاصة.

قوله: (بين التعريفين) أى تعريف الزوج وتعريف الفرد.

قوله: (لخروجه عنه) بل لا يصدق على واحد من أفراد الفرد؛ لأنا لو اعتبرنا الثلاثة مثلًا لا نجدها عددًا يزيد على الزوج بواحد لأن الاثنين ليس زوجًا لأن الزوج ما زاد على الفرد بواحد والاثنان ليس كذلك لأن الواحد ليس فردًا وكذلك لو اعتبرنا السبعة لا نجدها عددًا يزيد على الزوج بواحد لأن الأربعة ليست زوجًا لأنها ليست تزيد على الفرد بواحد لأن الثلاثة ليست فردًا كما وضحناه وهكذا وكذا لا يصدق تعريف الزوج على واحد من أفراد الزوج لمثل ما ذكرنا.

قوله: (لم يتوجه ما ذكر) أى فإنه يصدق على الاثنين أنه عدد يزيد على الفرد

ص: 309

بواحد ويصدق على الواحد أنه فرد.

قوله: (وعدم الرؤية) تفسير للطافة وبلازمها؛ لأن عدم الرؤية ليس من معانى اللطافة والمرئى فى النار ضوءها لا هى على هذا.

قوله: (أن الثالث أردأ من الثانى) أى لاشتماله على تعريف الشئ بنفسه فى المآل الذى هو أردأ من الثانى لجواز أن يصير الأخفى أوضح فى بعض الأوقات لبعض من الأشخاص فيفيد التعريف بخلاف الثالث وهو أردأ من الأول لكون الخفاء فيه أكثر.

قوله: (والثلاثة مترتبة فى الرداءة) فى حاشية أفضل الدين أن هذا مخالف لقوله فى حواشى المطالع: الألفاظ المشتركة أردأ من المجازية وهى أردأ من الوحشية وقال السيواسى: اعلم أن المجازية لها جهتان جهة كونها ظاهرة فى غير المراد بلا قرينة وعدم احتياجه إلى قرينة معينة فهى بالاعتبار الأول أردأ من المشترك وبالاعتبار الثانى المشترك أردأ منه فراعى فى هذا الكتاب الجهة الأولى، وفى حاشية المطالع الجهة الثانية فلا منافاة بين ما ذكره هنا وما ذكره ثمت.

قوله: (بحذف قوم دون قوم) عبارته فى شرح المواقف بعد قوله فتطول المسافة ما نصه: وذلك يختلف بالقياس إلى السامعين فإن اصطلاحات كل قوم مشهورة عند أربابها غريبة عند غيرهم. اهـ. وهو بمعنى ما هنا فهو يشير إلى أن الغريب لا يكون غريبًا عند جميع الأقوام إذ منهم الواضح بناء على أن الواضع البشر فلو كان غريبًا بالنظر إلى الجميع لكان غريبًا بالنظر للشخص المعرف فتكون غير ظاهرة المعنى عنده فلا يجوز له استعمالها فى التعريف.

ص: 310