المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة: فى القرآن معرب - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ١

[عضد الدين الإيجي]

الفصل: ‌(مسألة: فى القرآن معرب

قال: ‌

‌(مسألة: فى القرآن معرّب

، وهو عن ابن عباس وعكرمة رضى اللَّه عنهم، ونفاه الأكثرون لنا المشكاة هندية، وإستبرق وسجيل فارسية، وقسطاس رومية. قولهم: مما اتفق فيه اللغتان كالصابون والتنور بعيد وإجماع العربية على أن نحو إبراهيم منع من الصرف للعجمة والتعريف يوضحه المخالف بما ذكر فى الشرعية وبقوله: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44]، فنفى أن يكون متنوعًا وأجيب بأن المعنى من السياق أكلام أعجمى ومخاطب عربى لا يفهمه وهم يفهمونها ولو سلم نفى التنويع فالمعنى أعجمى لا يفهمه).

أقول: القرآن فيه ألفاظ معرّبة وهو مروى عن ابن عباس وعكرمة رضى اللَّه عنهم ونفاه الأكثرون لنا أن المشكاة هندية والإستبرق والسجيل فارسيتان والقسطاس رومية وقول الأكثر لا نسلم أن ذلك من المعرّب لجواز كونه مما اتفق فيه اللغتان كالصابون والتنور بعيد لندرة مثله والاحتمالات البعيدة لا تدفع الظهور ولا تقدح فى الظواهر هذا وأن إجماع أهل العربية على أن منع صرف إبراهيم ونحوه للعجمة والتعريف يوضح ما ذكرناه من وقوع المعرّل فيه وجعل الأعلام من المعرّب أو مما فيه النزاع محل المناقشة.

احتج المخالف أولًا: بما مر فى نفى الأسماء الشرعية من لزوم أن لا يكون القرآن عربيًا والجواب الجواب، وثانيًا: بقوله تعالى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44]، فنفى أن يكون القرآن متنوعًا وهو لازم لوجود المعرّب فيه فينتفى.

الجواب: لا نسلم أنه نفى التنويع بل المراد أكلام أعجمى ومخاطب عربى فلا يفهمه فيبطل غرض إنزاله يدل عليه سياق الآية من ذكر كون القرآن عربيًا وأنه لو أنزل أعجميًا لقالوا ذلك، وهذه الألفاظ كانوا يفهمونها فلا تندرج فى الإنكار سلمنا أنه لنفى التنويع لكن المراد أعجمى لا يفهم، وهذه تفهم فلا تندرج فى الإنكار.

قوله: (محل المناقشة) لأن النزاع فى أسماء الأجناس المنسوبة إلى لغة أخرى المتصرف فيها عند العرب بدخول اللام والإضافة ونحو ذلك والإعلام بحسب وضعها العلمى ليست مما ينسب إلى لغة دون لغة ولا هى أيضًا مما تصرفت فيها العرب فاستعملتها فى كلامهم.

ص: 608

قوله: (القرآن فيه ألفاظ معرّبة) العرب لفظ وضعه غير العرب لمعنى ثم استعملته العرب بناء على ذلك الوضع قيل: تعلق هذه المسألة بما سبق اشتراك المجاز والمعرب فى أنهما ليسا من الموضوعات الحقيقية للغة العرب.

قوله: (لنا أن المشكاة هندية) ومعناها الكوة وفى المحصول أنها حبشية، والإستبرق الغليظ من الديباج والسجيل تعريب سنك كل والقسطاس الميزان.

قوله: (كالصابون والتنور) قيل قد اجتمعت فيهما جميع اللغات.

قوله: (والاحتمالات البعيدة) يعنى مثل كونها مما اتفق فيه اللغتان لا تدفع ظهور خلافها مثل اختلاف اللغتين فيها ولا تقدح فى الظواهر مثل ما ذكرناه من الدليل على وجود المعرّب فى القرآن وإنما يدفع القطع ويقدح فى الأدلة القاطعة والمدعى فى هذا المقام الظهور لا القطع.

قوله: (وجعل الأعلام من المعرب أو مما فيه النزاع محل المناقشة) أما المناقشة فى الأول فأن يقال: اعتبار العجمة فى هذه الأعلام لمنع الصرف لا يقتضى كونها معربة أولا ترى أن عربيًا لو سمى ابنه بإبراهيم منعه الصرف للتعريف والعجمة مع أنه على هذا ليس بمعرب قطعًا إذ استعماله فى ذلك المعنى ليس مأخوذًا من غيرهم، والتحقيق: أن التعريب أخذهم اللفظ مع الوضع من غيرهم والعجمة باعتبار أخذ اللفظ أعم من أن يكون مع الوضع أو بدونه فهى أعم فلا تستلزم التعريب ولا يكون الإجماع عليها موضحًا لوقوع المعرّب فى القرآن، وأما المناقشة فى الثانى فأن يقال: على تقدير تسليم أن هذه الأعلام معربة لا نسلم أنها مما وقع فيه النزاع فإن الأعلام ليست موضوعة فى أصل اللغة إنما هى بأوضاع متجددة والكلام فيما هو من الأوضاع الأصلية ولذلك لم تذكر فى الأحكام ولم يتمسك بها للمثبت مع أنها على ذلك التقدير أظهر من غيرها.

قوله: (فنفى أن يكون متنوّعًا) لأن الاستفهام للإنكار والتنوع لازم لوجود المعرب فى القرآن فينتفى لانتفاء لازمه، والجواب: لا نسلم أن المراد من قوله: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44]، نفى التنوع عن القرآن، بل المراد منه: أكلام أعجمى ومخاطب عربى لا يفهم فيبطل غرض إنزاله الذى هو فهم المخاطب يدل على أن المراد ما ذكرناه سياق الآية حيث ذكر إنزال القرآن عربيًا وأنه لو أنزل أعجميًا

ص: 609

لقالوا: لولا فصلت آياته لتفهيمنا يعنى لتمسكوا على ذلك التقدير بكونهم عربًا لا يفهمون ذلك الكلام الأعجمى فدل على أن المراد: نفى كون القرآن أعجميًا مع كون المخاطب عربيًا لا يفهم أى ليس لهم التمسك بما يكون متمسكًا لهم على ذلك التقدير وهذه الألفاظ كانوا يفهمونها فلا تندرج تحت الإنكار وإنما قيد المخاطب العربى بعدم الفهم لئلا يقال: يلزم من نفى كون القرآن أعجميًا والمخاطب عربيًا أن لا يوجد فيه المعرب ولفظ "من" فى قوله: من ذكر يحتمل البيان والابتداء ولفظ "ذلك" فى قوله: لقالوا ذلك إشارة إلى ما ذكر فى الآية من قولهم: {لَوْلَا فُصِّلَتْ} [فصلت: 44]، لدلالة الآية عليه أو إشارة إلى أن الكلام أعجمى والمخاطب عربى فلا يفهم والمعنى واحد ومحصل الجوابين: أن اللازم من الدليل نفى تنوع خاص هو اشتمال القرآن على أعجمى لا يفهم ولا يلزم منه نفى التنوع مطلقًا.

التفتازانى: (ولا هى مما تصرفت فيها العرب) أى والمعرب لا بد فيه من التصريف والتغيير.

التفتازانى: (أى ما يصلح للأصالة فى الجملة) وقد دفع الدور أيضًا بأن التعريف لفظى وما قاله السعد أحسن.

قوله: (بناء على ذلك الوضع) فهو مستعمل فيما استعمله فيه غيرهم جريًا على وضع ذلك الغير وينزل الاستعمال والجرى منزلة الوضع الأولى فيكون المعرب حقيقة عند العرب وإن لم يكن من موضوعاتهم الحقيقية حقيقة ولا المجازية ولذا قيل بأنه واسطة لا حقيقة ولا مجاز.

قوله: (ومعناها الكوة) فى كلام غيره الكوة التى لا تنفذ.

ص: 610

قال: (مسألة: المشتق ما وافق أصلًا بحروفه الأصول ومعناه وقد يزاد بتغيير ما وقد يطرد كاسم الفاعل وغيره وقد يختص كالقارورة والدبران).

أقول: اشترط فى المشتق أمورًا:

أحدها: أصل له فإنه فرع ولو كان أصلًا فى الوضع غير مأخوذ من غيره لم يكن مشتقًا منه.

ثانيها: أن يوافقه فى الحروف إذ الأصالة والفرعية لا تتحققان بدونه والمعتبر الحروف الأصلية فإن حروف الزيادة مثل الاستعجال والاستباق لا عبرة بها.

ثالثها: الموافقة فى المعنى بأن يكون فيه معنى الأصل إما مع زيادة كالضرب والضارب فإن الضارب ذات ثبت له الضرب وإما دونها كالقتل مصدرًا من القتل وربما زيد فى الحد بتغيير ما أى فى المعنى فيخرج المقتل مع القتل صرح به فى المنتهى وحمله على تغيير اللفظ كما فى كلام غيره لا يستقيم ههنا إذ الأصالة والفرعية لا تتصوران إلا بمغايرة وإلا كان مترادفًا ولذلك لم يجعله من ذكره قيدًا فى الحد بل قال بعد تمامه ولا بد من تغيير وهو إما بحركة أو بحرف بزيادة أو بنقصان التركيب ثناء وثلاث ورباع يرتقى إلى خمسة عشر وذكروا أمثلتها فجعل ذكره تمهيدًا للقسمة لا قيدًا.

واعلم أن الاشتقاق تعتبر فيه الموافقة فى الحروف الأصول مع الترتيب كضرب وضارب ويسمى الأصغر أو بدونه نحو كنى وناك ويسمى الصغير أو المناسبة فيها نحو ثلم وثلب ويسمى الأكبر ويعتبر فى الأصغر موافقته فى المعنى وفى الأخيرين مناسبته فينبغى أن يكون مراده بحروفه الأصول هى على ترتيبها وأيضًا فاعلم أن الاشتقاق يحدّ تارة باعتبار العلم كما قال الميدانى هو أن تجد بين اللفظين تناسبًا فى المعنى والتركيب فتردّ أحدهما إلى الآخر وتارة باعتبار العمل كما يقال هو أن تأخذ من اللفظ ما يناسبه فى التركيب فتجعله دالًا على معنى يناسب معناه وأنت تعلم كيفية أخذ حدّه من حد المصنف للمشتق بالاعتبارين هذا والمشتق قد يطرد كأسماء الفاعلين والصفات المشبهة وأفعل التفضيل والزمان والمكان والآلة وقد لا يطرد نحو القارورة والدبران والعيوق والسماك وتحقيقه أن وجود معنى الأصل فى محل التسمية قد يعتبر من حيث إنه داخل فى التسمية والمراد ذات ما باعتبار نسبة له إليها فهذا يطرد فى كل ذات كذلك وقد يعتبر من حيث إنه مصحح لتسمية مرجح لها

ص: 611

من بين الأسماء من غير دخوله فى التسمية والمراد ذات مخصوصة فيها المعنى لا من حيث هو فيها بل باعتبار خصوصها فهذا لا يطرد وحاصله الفرق بين تسمية الغير لوجوده فيه أو بوجوده فيه.

قوله: (أحدها أصل له) يشير بهذا إلى دفع الاعتراض بمثل الحلَب والحلْب بالفتح والسكون، فإن أحدهما ليس أصلًا للآخر وإن كان أصلًا فى الجملة لكن لا يخفى أن العلم بأصالة أحد اللفظين وفرعية الآخر يتوقف على العلم باشتقاقه منه فتعريف الاشتقاق به دور؛ ولذا قال المصنف أصلًا بالتنكير أى ما يصلح للأصالة فى الجملة.

قوله: (مثل الاستعجال والاستباق) بالسين المهملة من السبق يعنى أن الاستباق يوافق الاستعجال فى حروفه الزائدة والمعنى وليس بمشتق منه، وهذا المعنى مع وضوحه قد خفى على كثير من الناظرين حتى زعم بعضهم أن المراد الاستعجال مشتق من العجل مع عدم الموافقة فى حروف الزيادة وبعضهم أن استعجل مثلًا مشتق من الاستعجال مع عدم الموافقة فى الألف الزائدة، وكذا فى الاستباق وصحفه بعضهم إلى الاشتياق من الشوق.

قوله: (بأن يكون فيه معنى الأصل) إشارة إلى أن ليس المراد بالموافقة فى المعنى اتحاد المعنيين وإلى أن ضمير حروفه، ومعناه للأصل على ما صرح به فى المنتهى حيث قال: المشتق ما دل على معنى بحروف أصله الأصول ومعناه بتغيير ما وإن كان عوده إلى ما وافق أيضا صحيحًا من جهة المعنى.

قوله: (صرح به فى المنتهى) حيث إنه ذكر أوّلًا الحد الذى زيد فيه بتغيير ما ثم قال وقد يقال المشتق ما غير عن صيغة حروف أصله الأصول فمقتل بمعنى قتل غير مشتق على الأول مشتق على الثانى ولا يخفى أن هذا إنما يستقيم إذا أريد بالتغيير فى قوله بتغيير ما التغيير فى المعنى ليخرج مثل مقتل مع قتل، ولو أريد التغيير فى اللفظ لم يكن بين التعريفين فرق ولكان بين المقتل والقتل اشتقاق على التعريفين.

قوله: (وحمله) جمهور الشارحين حملوا التغيير فى قوله بتغيير ما على التغيير فى اللفظ كما هو صريح كلام غير المصنف، وذهب الشارح المحقق إلى أنه غير

ص: 612

مستقيم فى كلام المصنف لأنه فسر المشتق بما وافق أى فرع واف أصلًا ولا تتصور أصالة أحد اللفظين وفرعية الآخر إلا على تقدير المغايرة بينهما فيكون ذكرها مستدركًا ولهذا قال من ذكر التغيير فى الحد لم يجعله قيدًا فى الحد لئلا يلزم الاستدراك بل جعله بعد تمام الحد تمهيدًا لقسمة التغيير إلى ما يحتمله من الأقسام كأنه قال قد علم من التعريف أنه لابد من التغيير فى اللفظ وذلك ينقسم إلى كذا وكذا.

قوله: (وإلا كان مترادفًا) ظاهر الكلام أنه لو لم يتغاير الفرع والأصل فى اللفظ لكانا مترادفين وفساده واضح؛ لأن عدم المغايرة فى اللفظ مناف للترادف لا مستلزم له بل المستلزم له عدم المغايرة فى المعنى فقيل هو متعلق بقوله أى فى المعنى يعنى لولا المغايرة فى المعنى لكان اللفظان مترادفين وهذا أيضًا ظاهر الفساد، أما أوّلًا فلأن قوله ولذلك لم يجعله مرتب على قوله وحمله على تغيير اللفظ لا يستقيم ههنا فيكون قوله وإلا لكان مترادفًا حشوًا قبيحًا جدًا وأما ثانيًا فلأن عدم اشتراط التغيير فى المعنى لا يوجب عدم المغايرة فى المعنى حتى يلزم الترادف، وإن أراد الترادف فى الجملة وفى بعض الصور كالمقتل مع القتل فأى فساد فى ذلك وغاية ما أدّى إليه نظرى أنه لولا المغايرة لفظًا لكان لفظ الأصل والفرع مترادفين حيث أطلقا على مدلول واحد وهو ذلك اللفظ الواحد وفيه ما فيه.

قوله: (واعلم) إشارة إلى ما ذكر من أنه إن اعتبر فى الاشتقاق الحروف الأصول مع الترتيب فالاشتقاق الصغير وإلا فإن اعتبر الحروف الأصول فالكبير؛ وإلا فلا بد من رعاية ما يناسب الحروف فى النوعية أو المخرج للقطع بعدم الاشتقاق فى مثل الحبس مع المنع والقعود مع الجلوس ويسمى الأكبر، والشارح سمى الأول الأصغر والثانى الصغير والثالث الأكبر ولا يخفى ما فيه، وكأنه أشار بتسمية الثانى بالصغير إلى أن الثالث يناسب أن يسمى الكبير وأيضًا بتسمية الثالث بالأكبر إلى أن الثانى يناسب أن يسمى الكبير أيضًا فيكون الأول هو الصغير ثم فى كلام الشارح إشارة إلى أنه يعتبر فى الأصغر الترتيب وفى الصغير عدم الترتيب وفى الأكبر عدم الموافقة فى جميع الحروف الأصول فتكون الثلاثة أقسامًا متباينة، وإلى أنه يعتبر فى الأصغر موافقة المشتق الأصل فى معناه بأن يكون فيه معنى الأصل وحده أو مع زيادة وفى الصغير والأكبر مناسبة بأن يكون المعنيان متناسبين

ص: 613

فى الجملة ولما كان الاشتقاق عند الإطلاق هو الأصغر وهو الذى قصده المصنف بالتعريف لم يكن بد من إرادة قيد الترتيب، وإن لم يصرح به ليخرج الاشتقاق الكبير الذى يتحقق فيه الموافقة فى المعنى كالجذب والجبذ والحمد والمدح بخلاف مثل الكنى والنيك فإنه خارج بقيد الموافقة فى المعنى.

قوله: (هو أن تجد بين اللفظين تناسبًا) إن أريدى تعريف الاشتقاق الأصغر فالمراد بالتناسب هو التوافق، وإن أريد الأعم على ما مر من أن المناسبة أعم من الموافقة بحيث يكون التناسب فى التركيب متناولًا لمثل الحمد والمدح.

قوله: (وأنت تعلم) يعنى أن الاشتقاق باعتبار العلم أن نجد اللفظ موافقًا لأصل بحروفه الأصول ومعناه وباعتبار العمل هو أن تأخذ من اللفظ ما يوافقه فى حروفه الأصول ومعناه.

قوله: (وتحقيقه) يعنى إذا اعتبر معنى الأصل فى المشتق بحيث يكون داخلًا فى مفهومه ويكون المشتق اسمًا لذات مبهمة من حيث انتساب ذلك المعنى إليها بالصدور عنها أو الوقوع عليها أو فيها أو نحو ذلك فهو مطرد؛ إلا لمانع كالفاضل لا يطلق على اللَّه تعالى مع إثبات الفضل له وإذا اعتبر من حيث إنه يرجح تعيين الاسم المشتق من بين الأسماء لهذا المعنى ولا يدخل فى مفهومه، ويكون المشتق اسمًا لذات مخصوصة يوجد فيها معنى الأصل لكن وجوده فيها لا يكون معتبرًا فى مفهوم الاسم فهو غير مطرد هذا ولكن ليس المراد بقوله ذات ما الذات المبهم على الإطلاق؛ لأنه إنما يكون فى الصفات خاصة دون أسماء الزمان والمكان والآلة على ما سبق تحقيقه.

قوله: (وحاصله) يعنى إذا سميت شيئًا باسم لوجود معنى فيه بمعنى أن يكون هو العلة لصحة الإطلاق فهو مطرد كالأحمر لمن له الحمرة، وإذا سميته باسم بسبب وجود المعنى فيه بأن يكون سببًا للتسمية والتعيين غير داخل فى مفهوم الاسم فهو غير مطرد كالقارورة، وقد يفهم من اللام السببية للتسمية ومن الباء الاعتبار فى المفهوم أى إن كانت التسمية لأجل ذلك المعنى فغير مطرد وإن كانت باعتباره فمطرد، والعبارة المحررة أن اعتبار المعنى قد يكون للتصحيح فيطرد وقد يكون للترجيح فلا يطرد.

ص: 614

قوله: (اشترط) أى المصنف فى المشتق أعم من أن يكون اسمًا أو فعلًا أمورًا:

أحدها: أن يكون له أصل فإن المشتق فرع مأخوذ من لفظ آخر ولو كان أصلًا فى الوضع غير مأخوذ من غيره لم يكن مشتقًا وقد وجد فى بعض النسخ لفظة منه بعد قوله مشتقًا فالضمير المجرور فيه راجع إلى الغير.

وثانيها: أن يوافق المشتق الأصل فى الحروف إذ الأصالة والفرعية باعتبار الأخذ لا تتحققان بدون الوفاق فيها والمعتبر الموافقة فى جميع الحروف الأصلية لفظًا أو تقديرًا فإن حروف الزيادة مثل الهمزة والسين والتاء والألف فى الاستعجال والهمزة والتاء والألف فى الاستباق لا عبرة بها فهما مشتقان من العجل والسبق وموافقان لهما فى الحروف الأصول.

وثالثها: الموافقة فى المعنى لا بأن يتحدا فيه بل بأن يكون فى المشتق معنى الأصل إما مع زيادة كالضرب فإنه للحدث المخصوص والضارب فإنه لذات ما له ذلك الحدث وإما بدون زيادة سواء كان هناك نقصان كما فى اشتقاق الضرب من ضرب على مذهب الكوفيين أو لا بل متحدان فى المعنى كالقتل مصدرًا من القتل والأولى أن يقتصر على الأخير كما فى الشرح لأن قوله: بأن يكون فيه معنى الأصل لا يتناول بحسب مفهومه الظاهر صورة النقصان ويجعل هذا التعريف له على المذهب الصحيح وإذا تحققت معانى الأمور الثلاثة اتجه لك حد المشتق بما وافق أصلًا بحروفه الأصول ومعناه وربما زيد فى الحد بتغيير ما يعنى مع تغيير ما أو ملتبسًا بتغيير ما أى فى المعنى فيخرج المقتل مع القتل عن الحد الثانى دون الأول صرح بذلك فى المنتهى حيث قال: المشتق ما دل على معنى بحروف أصله الأصول ومعناه بتغيير ما وقد يقال: المشتق ما غير عن صيغة حروف أصله الأصول فمقتل بمعنى قتل غير مشتق على الأول مشتق على الثانى وحمل قوله بتغيير ما على تغيير اللفظ كما هو محمول عليه فى كلام غيره لا يستقيم ههنا إذ الأصالة والفرعية لا تتصوران إلا بمغايرة الفرع للأصل فى اللفظ وإلا لكان متحدًا معه فيه فلا أصالة ولا فرعية فاعتبارهما يتضمن التغيير بحسب اللفظ فلو حول قوله: بتغيير ما عليه كان مستدركًا قطعًا وأيضًا لا يخرج نحو القتل والقتل إذ المغايرة اللفظية حاصلة هذا هو المعنى الظاهر الذى يقتضيه سياق الكلام وقد وقع فى النسخ بأسرها بدل

ص: 615

قولنا وإلا كان متحدًا قوله وإلا كان مترادفًا ولعله من طغيان قلم الناسخ الأول وقد سبق له نظير أو كان مخرّجًا بعد قوله: وربما زيد فى الحد بتغيير ما أى فى المعنى فاشتبه على الناقل فأسقطه من موضعه وألحقه بغيره فإن قلت: لو جعلنا قوله: إذ الأصالة إلخ تعليلًا لقوله: وربما زيد فى الحد بتغيير ما أى فى المعنى أو لقوله: فيخرج وتكون المغايرة من المعنوية صح الكلام بلا تكلف قلت فيه مخالفة ظاهر وخلل أما الأوّل فلأن الظاهر من الكلام لفظًا ومعنى إنه تعليل لقوله: لا يستقيم لا لما ذكرتم أما اللفظ فظاهر وأما المعنى فلأن هذا التعليل يناسب عدم الاستقامة كما لا يخفى ولا يناسب زيادة القيد فى الحد لاقتضائه أن لا يذكر فيه لكونه مستغنى عنه وبتقدير ذكره لا يكون قيدًا زائدًا بحسب المعنى بل توضيحًا لحال ما ذكر فيه والخروج معلل بزيادة القيد فلو علل بقوله إذ الأصالة والفرعية بطل التعليل الأول، وأما الثانى أعنى الخلل فلأنه يلزم أن يكون المقتل مع القتل خارجًا عن الحدين معًا وهو خلاف ما صرح به فى المنتهى وليس يفهم من كلام الشارح مخالفته إياه وكأن من اشترط التغيير فى المعنى نظر إلى أن المقاصد الأصلية من الألفاظ معانيها وإذا اتحد المعنى لم يكن هناك تفرع وأخذ بحسبه وإن أمكن بحسب اللفظ فالمناسب أن يكون كل منهما أصلًا فى الوضع ومن لم يشترط اكتفى بالنوع والأخذ من حيث اللفظ، فإن قلت نحو: أسد مع أسد يندرج فى التعريفين فما تقول فى ذلك جمعًا ومفردًا قلت: يحتمل القول بالاشتراك فلا اشتقاق ويمكن أن يعتبر التغيير تقديرًا فيندرج فيهما ويكون من نقصان حركة وزيادة مثلها وأما الحلب والحلب بمعنى واحد فيمكن أن يقال باشتقاف أحدهما عن الآخر كالمقتل مع القتل وأن يجعل كل واحد أصلًا فى الوضع لعدم الاعتداد بهذا التغيير القليل وفيه تمحل.

قوله: (ولذلك) يعنى ولأن التغيير محمول فى كلام غيره على التغيير اللفظى لم يجعله من ذكره قيدًا فى حد المشتق ولا فى حد الاشتقاف لعدم الاحتياج فيه إليه فإن ما أورده فى الحد دال على المغايرة اللفظية أيضًا، بل قال بعد تمام الحد ولابد من تغيير وهو إما بحركة أو حرف بزيادة أحدهما أو بنقصانه فهذه أربعة أقسام بسائط وأقسام التركيب ثناء ستة وثلاث أربع ورباع واحد الجميع يرتقى إلى خمسة عشر وذكر أمثلتها المشهورة فجعل ذكر التغيير اللفظى تمهيدًا للقسمة لا قيدًا فى

ص: 616

الحد ولك أن تقول فى ضبط الأقسام الخمسة عشر هناك زيادة ونقصان وكل واحد إما فى الحرف فقط أو الحركة فقط أو فيهما معًا فهذه ستة أقسام ثلاثة للزيادة فقط وثلاثة للنقصان فقط وإذا ضربت الثلاثة الأولى فى الأخيرة حصلت تسعة أخرى فالكل خمسة عشر فإن قلت عرّفنى الفرق بين الاشتقاق المعرّف والعدل المعتبر فى منع الصرف قلت المشهور أن العدل يعتبر فيه الاتحاد فى المعنى والاشتقاق إن اعتبر فيه الاختلاف فى المعنى كانا متباينين وإلا فالاشتقاق أعم إلا أن المصنف قد صرح فى بعض مصنفاته بمغايرة المعنى فى العدل فالأولى أن يقال العدل أخذ صيغة من صيغة أخرى مع أن الأصل البقاء عليها والاشتقاق أعم من ذلك فالعدل قسم منه ولذلك قال فى شرحه للكافية على الصيغة المشتقة هى منها فجعل ثلاث مشتقة من ثلاثة ثلاثة.

قوله: (واعلم أن الاشتقاق) أى مطلقه إن جعل مشتركًا معنويًا بين الثلاثة أو ما يسمى به إن كان مشتركًا لفظيًا قد تعتبر فيه الموافقة فى الحروف الأصول مع الترتيب بينها ويسمى هذا القسم الاشتقاق الأصغر أو بدون الترتيب ويسمى الصغير أو تعتبر المناسبة فى الحروف الأصول ويسمى الأكبر ويعتبر فى الأصغر موافقة المشتق للمشتق منه فى المعنى لما عرف من التفسير وفى الأخيرين مناسبته إياه فى المعنى فإن معنى كنى إذا لم يصرّح يناسب معنى ناك فى الإخفاء وكذا معنى ثلم وهو فى الجدار ونحوه يناسب معنى ثلب وهو فى العرض من جهة الاختلال ولا يخفى أن المناسبة فى المعنى أعم من الموافقة فيه فينبغى أن يكون مراد المصنف بحروفه الأصول هى على ترتيبها لأنه يحدّ الاشتقاق الأصغر بدليل اعتبار الموافقة فى المعنى فلو لم يعتبر الترتيب لورد مثل جبذ وجابذ من الجذب ثم لا شك أن الضارب يوافق الضرب فى الحروف الأصول والمعنى وقد أخذ منه بناء على أن الواضع لما وجد فى المعانى ما هو أصل يتفرع عنه معان كثيرة بانضمام زيادات إليه عين بإزائه حروفًا وفرّع منها ألفاظًا كثيرة بإزاء المعانى المتفرعة على ما يقتضيه رعاية المناسبة بين الألفاظ والمعانى فالاشتقتاق هو هذا التفريع والأخذ لا الموافقة المذكورة وإن كانت ملازمة له فالاشتقاق الأصغر عمل مخصوص فإن اعتبرناه من حيث إنه صادر عن الواضع احتجنا إلى العلم به لا إلى عمله فاحتجنا إلى تحديده بحسب العلم كما قال الميدانى: هو أن تجد بين اللفظين تناسبًا فى المعنى والتركيب فترد

ص: 617

أحدهما إلى الآخر والحاصل منه العلم بالاشتقاق فكأنه قيل: العلم بالاشتقاق هو أن تجد بين اللفظين تناسبًا فى المعنى والتركيب فتعرف ارتداد أحدهما إلى الآخر وأخذه منه وإن اعتبرناه من حيث يحتاج أحدنا إلى عمله عرّفناه باعتبار العمل فنقول هو أن تأخذ إلخ.

قوله: (وأنت تعلم كيفية أخذ حده) أى الاشتقاق (من حد المصنف للمشتق بالاعتبارين) فنقول باعتبار العلم الاشتقاق هو أن تجد موافقة فرع لأصل بحروفه الأصول والمعنى فترده إليه وباعتبار العمل هو أن تأخذ من أصل فرعًا يوافقه فى الحروف الأصول فتجعله دالًا على معنى يوافق معناه.

قوله: (كأسماء الفاعلين) ينبغى أن يقرأ بفتح اللام ليشمل اسم المفعول على سبيل التغليب.

قوله: (وقد لا يطرد نحو القارورة) فإنها مشتقة من القرار لا تطلق على كل مستقر للمائع وكذا الدبران مشتق من الدبور ولا يطلق مما يتصف به إلا على خمسة كواكب فى الثور ويقال له سنامه وهو من منازل القمر والعيوق من العوق ولا يطلق على كل ما له عوق بل على نجم أحمر مضئ فى طرف المجرّة يتلو الثريا لا يتقدمه والسماك من السمك أى الرفع أو السموك أى الارتفاع ولا يطلق إلا على السماكين الرامح وليس من منازل القمر والأعزل وهو منها هكذا فى الصحاح وإن خالف بعض هذه التفاسير ما فى كتب الهيئة فلا بأس.

قوله: (وتحقيقه) أى تحقيق ما ذكره من الاطراد وعدمه (أن وجود معنى الأصل) المشتق منه (فى محل التسمية) بالمشتق (قد يعتبر من حيث إن ذلك المعنى داخل فى التسمية) وجزء من المسمى (والمراد ذات ما باعتبار نسبة معنى الأصل إليها فهذا) المشتق (يطرد فى كل ذات كذلك) أى بمعنى الأصل معها تلك النسبة لوجود معناه فيها كالأحمر فإنه لذات ما له الحمرة فاعتبر فى المسمى خصوصية صفة أعنى الحمرة مع ذات ما فاطرد فى جميع محاله وقد يعتبر وجود معنى الأصل من حيث إن ذلك المعنى مصحح للتسمية بالمشتق مرجح لها من بين سائر الأسماء من غير دخول المعنى فى التسمية وكونه جزءًا من المسمى والمراد بالمشتق ذات مخصوصة فيها المعنى لا من حيث هو أى المعنى فى تلك الذات المخصوصة بل باعتبار خصوصها فهذا المشتق لا يطرد فى جميع الذوات التى يوجد فيها ذلك إذ مسماه

ص: 618

تلك الذات المخصوصة التى لا يوجد فى غيرها كلفظ أحمر إذا جعل علمًا لولد له حمرة وحاصل التحقيق الفرق بين تسمية الغير بالمشتق لوجود المعنى فيه فيكون المسمى هو ذلك الغير والمعنى سببًا للتسمية كما فى القسم الثانى فلا يطرد فى مواضع وجود المعنى فيه وبين تسميته بوجود أى مع وجود المعنى فيه فيكون المعنى داخلًا فى المسمى كما فى القسم الأول فيطرد فى جميعها فاعتبار الصفة فى أحدهما مصحح للإطلاق وفى الآخر مرجح للتسمية.

قوله: (بحروف أصله الأصول ومعناه) حاصل التعريف هكذا: المشتق ما يدل على معنى ملتبسًا بحروف أصله الأصول، ومعنى ذلك الأصل مع تغيير ما فى المعنى فحصل بذلك الأصل الاشتراط وبتقييد حروف الأصل بالأصول الاشتراط الثانى وكون المشتق ملتبسًا بمعنى الأصل على أن يكون ذلك المعنى معنى مطابقيًا للمشتق أو بعضًا من معناه أو مشتملًا على معناه يحصل به الاشتراط الثالث وقوله: مع تغيير مّا فى المعنى يخرج مثل المقتل مع القتل.

قوله: (ثنا مسته) الأول زيادة الحركة ونقصانها، الثانى زيادة الحرف ونقصانه، الثالث زيادة الحركة ونقصان الحرف، الرابع زيادة الحركة ونقصان الحرف، الخامس نقصان الحركة وزيادة الحرف، السادس نقصان الحركة ونقصان الحرف، وأما الأقسام الأربعة الثلاثية فأولها زيادة الحركة مع زيادة الحرف ونقصانه، وثانيها نقصان الحركة مع زيادة الحرف ونقصانه، وثالثها زيادة الحركة ونقصانها مع زيادة الحرف، ورابعها زيادة الحركة ونقصانها مع نقصان الحرف وأما القسم الواحد للرباعى فهو مركب من زيادة الحركة ونقصانها وزيادة الحرف ونقصانه.

قوله: (هناك زيادة ونقصان) أى: زيادة فى كلمة لا نقصان فيها أو نقصان فيها بلا زيادة والأقسام الستة منها زيادة الحركة فقط ومنها زيادة الحركة والحرف ومنها نقصان الحركة ومنها نقصان الحرف فقط ومنها نقصان الحركة والحرف والأقسام التسعة الحاصلة من ضرب الثلاثة فى الثلاثة؛ منها زيادة الحركة مع نقصانها، ومنها زيادة الحركة مع نقصان الحرف ومنها زيادة الحركة ومنها زيادة الحرف مع نقصانه ومنها زيادة الحرف مع نقصان الحركة والحرف ومنها زيادة الحركة والحرف مع نقصان الحركة ومنها زيادة الحركة والحرف مع نقصان الحرف ومنها زيادة الحركة والحرف مع نقصان الحركة والحرف.

ص: 619

الشارح: (وأما دونها كالمقتل من القتل) الفائدة فى الاشتقاق عند الاتحاد التوسع فى العبارات والمبالغة فى المعنى من قولهم زيادة البناء تدل على زيادة المعنى.

الشارح: (صرح به فى المنتهى) أى صرح بأن التغيير فى المعنى حيث ذكر الحد الذى اعتبر فيه التغير ثم الحد الآخر الذى ليس فيه ذلك وفرع على ذلك أن مقتلًا مشتق من القتل على الثانى لا الأول.

الشارح: (والتركيب ثناء وثلاث ورباع يرتقى إلى خمسة عشر) يظهر أن التركيب مبتدأ وثناء وثلاث ورباع أحوال منه وخبره محذوف أى يحصل به التغير وقوله: يرتقى مستأنف بيانى لأن الاحتمالات بالبسائط والمركبات خمسة عشر.

الشارح: (واعلم أن الاشتقاق. . . إلخ) تمهيد، لقوله: فينبغى أن يكون. . . إلخ. وأن الترتيب مراد.

الشارح: (وفى الأخيرين مناسبة) أى أعم من الموافقة فى المعنى فيشملها.

الشارح: (هو أن تجد بين اللفظين. . . إلخ) محط القصد قوله فترد أحدهما إلى الآخر أى فتحكم بالرد المذكور وتدركه وأما قوله أن تجد بين اللفظين تناسبًا فى المعنى فبيان لسبب العلم المذكور الذى هو الاشتقاق بمعنى العلم برد أحد اللفظين إلى الآخر.

التفتازانى: (يعنى أن الاستباق. . . إلخ) أخذ ذلك من الجمع بين الاستباق والاستعجال فيظهر من ذلك أن المراد أحدهما ليس مشتقًا من الآخر وإن توافقا فى الزوائد والمعنى لعدم التوافق فى الحروف الأصول وقوله: حتى زعم بعضهم. . . إلخ. جرى عليه السيد.

التفتازانى: (ليس المراد. . . إلخ) لا يرد أن يقال: إن التفسير بقوله بأن يكون. . . إلخ. لا يشمل ما إذا اتحد الفرع والأصل فى المعنى لقصوره على ما إذا كان معنى الفرع أزيد من معنى الأصل حتى يقال: إن معنى الأصل فى الفرع لأنا نقول: المراد بكون معنى الأصل فى الفرع كونه مدلولًا له سواء زاد عليه أو لم يزد أو أن التقوية الحاصلة من زيادة المبنى زائدة على أصل المعنى الذى فى الأصل لكن على هذا لا يشمل غير المطرد من المشتق لعدم كون معنى الأصل مدلولًا للفرع فالأحسن أن يقال: إن معنى كون معنى الأصل فى الفرع اعتباره فيه أعم من

ص: 620

أن يكون على وجه الجزئية أو الاتحاد أو مرجحًا للتسمية به.

التفتازانى: (لا يوجب عدم المغايرة فى المعنى) أى فالملازمة باطلة وقوله وإن أريد. . . إلخ. فاللازم ليس باطلًا وإن صحت الملازمة على هذه الإرادة فالحاصل أن الدليل المذكور باطل لبطلان الملازمة أو لبطلان فساد اللازم وقوله وفيه ما فيه لعله أن الكلام ليس فى لفظ الأصل ولفظ الفرع بل فيما صدقا عليه من الألفاظ.

التفتازانى: (إشارة إلى ما ذكر) تحريف ولعله إلى ما ذكروه.

التفتازانى: (أن تجد اللفظ موافقًا الأصل بحروفه الأصول ومعناه) حقه أن يزيد فترد أحدهما إلى الآخر لأنه هو الاشتقاق بمعنى العلم.

قوله: (لفظًا أو تقديرًا) أما اللفظ فظاهر وأما التقدير فكقولك خف من الخوف فإن أصله أخوف نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها فاستغنى عن همزة الوصل وحذفت الواو لالتقاء الساكنين.

قوله: (وتكون المغايرة من المعنوية) أى المغايرة فى قوله: لا تتصور أن إلا بمغايرة المراد بها المغايرة المعنوية لا اللفظية.

قوله: (بلا تكلف) أى تكلف أنه من طغيان القلم أو الاشتباه على الناقل.

قوله: (فهذه الأربعة أقسام) الأول زيادة الحركة نحو: علم من العلم، والثانى نقصها نحو: سفْر بسكون الفاء من السفر بفتحها، الثالث: زيادة الحرف نحو كاذب من الكذب بكسر الذال الرابع نقص الحرف نحو صهل من الصهيل.

قوله: (وأقسام التركيب ثناء ستة) ما زيد فيه حركة وحرف معًا نحو ضارب من الضرب وما نقصا معًا نحو صب من الصبابة وما زيد ونقص منه حركة حذر بكسر الذال اسم فاعل من الحذر بفتحها وما زيد ونقص منه حرف نحو صاهل من الصهيل وما زيد فيه حرف ونقص منه حركة نحو أكرم من الكرم وما زيد فيه حركة ونقص منه حرف رجع من الرجعى.

قوله: (وثلاث أربع) ما زيد فيه حركة وحرف ونقص منه حركة نحو منصور من النصر وما زيد فيه حركة وحرف ونقص منه حرف نحو مكلم اسم فاعل أو اسم مفعول من التكليم وما نقص منه حركة وحرف وزيد فيه حركة نحو عد من الوعد وما نقص فيه حركة وحرف وزيد فيه حرف نحو كال بتشديد اللام من الكلال.

ص: 621

قوله: (ورباع واحد) هو ما زيد فيه حركة وحرف ونقصا منه نحو مقام من الإقامة واعلم أنه ليس المراد بالحركة الحركة الواحدة بالشخص بل جنسها واحدة أو أكثر وكذا الحرف والمركب منهما وإن حركة الإعراب وهمزة الوصل لا اعتداد بهما.

قوله: (فهذه ستة أقسام) هى زيادة الحركة فقط، زيادة الحرف فقط، زيادتهما، نقصان الحركة فقط، نقصان الحرف فقط، نقصانهما.

قوله: (على الصيغة المشتقة هى منها) لعل فيه تحريفًا وصوابه عن الصيغة. . . إلخ. أى العدل عنها ثم اعلم أنه إذا كانت الموافقة والمناسبة معتبرة فى الاشتقاق وكل منهما نسبة بين اللفظين فوجه كون أحد اللفظين مشتقًا والآخر مشتقًا منه وجود مزية فى المشتق منه أما فى المعنى بأن يكون متأصلًا فيه وغير طارئ عليه كالمصدر يدل على مطلق الحدث والفعل يدل على الحدث المقيد بالزمن والأصل عدم التقييد وأما فى اللفظ فإن ما فيه زيادة فرع عما لا زيادة فيه فإن الأصل عدم الزيادة.

قوله: (ينبغى أن يقرأ بفتح اللام ليشمل اسم المفعول على سبيل التغليب) قد يقال: إنه داخل تحت الكاف فلا حاجة إلى ذلك.

ص: 622

قال: (اشتراط بقاء المعنى فى كون المشتق حقيقة ثالثها إن كان ممكنًا اشترط المشترط لو كان حقيقة وقد انقضى لم يصح نفيه أجيب بأن المنفى الأخص فلا يستلزم نفى الأعم قالوا: لو صح بعده لصح قبله أجيب إذا كان الضارب من ثبت له الضرب لم يلزم النافى أجمع العربية على صحة ضارب أمس وأنه اسم فاعل أجيب مجاز كما فى المستقبل باتفاق، قالوا: صح مؤمن وعالم للنائم أجيب مجاز لامتناع كافر لكفر تقدم، قالوا: يتعذر فى مثل متكلم ومخبر أجيب بأن اللغة لم تبن على المشاحة فى مثله بدليل صحة الحال وأيضًا فإنه يجب أن لا يكون كذلك).

أقول: المشتق عند وجود معنى المشتق منه كالضارب لمباشر الضرب حقيقة اتفاقًا وقبل وجوده كالضارب لمن لم يضرب وسيضرب مجاز اتفاقًا وبعد وجوده منه وانقضاته كالضارب لمن قد ضرب قبل وهو الآن لا يضرب قد اختلف فيه على ثلاثة أقوال: أولها: مجاز مطلقًا، وثانيها: حقيقة مطلقًا، وثالثها: إن كان مما يمكن بقاؤه فمجاز وإلا فحقيقة فتقدير كلامه اشتراط بقاء المعنى فى كون المشتق حقيقة فيه مذاهب: أحدها: اشتراطه، وثانيها: نفيه، وثالثها: أنه لو كان البقاء ممكنًا اشترط وإلا فلا وكأن ميل المصنف إلى التوقف ولذلك ذكر دلائل الفرق وأجاب عنها.

فالمشترطون مطلقًا قالوا: أولًا: لو كان المشتق حقيقة بعد انقضائه لما صح نفيه وقد صح إذ يصح نفيه فى الحال وأنه يستلزم النفى مطلقًا لأن النفى فى الحال أخص من النفى فى الجملة وكلما صح الملزوم صح اللازم.

الجواب: لا نسلم أن نفيه فى الحال يستلزم نفيه مطلقًا فإن الثبوت فى الحال أخص من الثبوت مطلقًا والمنفى فى نفيه فى الحال هو الثبوت فى الحال وفى نفيه هو الثبوت مطلقًا والثبوت فى الحال أخص من الثبوت ولا شك أن نفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم وقد يجاب عنه بأن المراد النفى المقيد بالحال لا نفى المقيد بالحال فإن قيل فالملازم النفى فى الجملة ولا ينافى الثبوت فى الجملة قلنا ينافيه لغة للتكاذب بهما عرفًا.

والجواب: أنه لو ادعى صدقه على إطلاقه لغة منعناه أو عقلًا فلا تنافى.

قالوا: ثانيًا: لو صح الإطلاق حقيقة باعتبار ما قبله لصح باعتبار ما بعده ولا يصح اتفاقًا بيان الملازمة أنه يصح باعتبار ثبوته فى الحال فقيد كونه فى الحال إما

ص: 623

أن يعتبر فى المصحح فتنتفى الصحة باعتبار ما قبله لانتفائه وهو خلاف الفرض أو يلغى فيبقى الثبوت فى الجملة فتتحقق الصحة باعتبار ما بعده لتحققه.

الجواب: لا نسلم أنه لو لم يعتبر قيد كونه فى الحال صح باعتبار ما بعده إذ لا يلزم من عدم اعتبار هذا القيد عدم اعتبار شئ من القيود بل قد يشترط المشترك بين الحال والماضى وهو كونه ثبت له الضرب والمشاحة فى دلالة ثبت له الضرب على الماضى خاصة بعد ظهور المراد منه لا نحن.

النافون لاشتراطه قالوا: أولًا: أجمع أهل اللغة على صحة ضارب أمس والإطلاق أصله الحقيقة وعلى أنه اسم فاعل فلو لم يكن المتصف به فاعلًا حقيقة لما أجمعوا عليه عادة الجواب أنه مجاز بدليل إجماعهم على صحة ضارب غدًا وعلى أنه اسم فاعل مع أنه مجاز اتفاقًا.

قالوا: ثانيًا: لو لم يصح المشتق حقيقة وقد انقضى المعنى لم يصح مؤمن لنائم وغافل لأنهما غير مباشرين للإيمان وأنه باطل للإجماع على أن المؤمن لا يخرج عن كونه مؤمنًا بنومه وغفلته ويجرى عليه أحكام المؤمنين وهو نائم أو غافل، الجواب أنه مجاز لامتناع كافر لمؤمن باعتبار كفر تقدم وإلا لكان مؤمنًا كافرًا معًا حقيقة ولزم أن يكون أكابر الصحابة كفارًا حقيقة وكذلك النائم واليقظان والحلو والحامض والحر والعبد وأمثال ذلك مما لا يحصى ويفيد استقراؤه الظن وهو قوى.

قالوا: ثالثًا: لو اشترط بقاء المعنى لما كان مثل مخبر ومتكلم حقيقة واللازم باطل بالاتفاق.

بيان الملازمة أنه لا يتصور حصوله إلا بحصول أجزائه وأنها حروف تنقضى أولًا فأولًا ولا تجتمع فى حين فقبل حصولها لم يتحقق وبعده قد انقضى.

الجواب: أن اللغة لم تبن على المشاحة فى أمثال ذلك وإلا لتعذر أكثر أفعال الحال مثل يضرب ويمشى فإنها ليست آنية بل زمانية تنقضى أجزاؤه أولًا فأولًا وبهذا صرح فى المنتهى وقد يقال: مراده فعل الحال الصريح وهو يتكلم ويخبر فيلزم أن لا يكون حقيقة فى الحال بما ذكرتم من الدليل بعينه وهو باطل اتفاقًا فما هو جوابكم فهو جوابنا.

وهذا أقرب إلى لفظه ههنا والتحقيق أن المعتبر المباشرة العرفية كما يقال يكتب

ص: 624

القرآن ويمشى من مكة إلى المدينة ويراد به أجزاء من الماضى ومن المستقبل متصلة لا يتخللها فصل يعدّ عرفًا تركًا لذلك الأمر وإعراضًا عنه سلمنا ذلك لكن لا يلزم من عدم اشتراط البقاء فيما تعذر عدم الاشتراط مطلقًا وهو معنى قوله: (وأيضًا فإنه يجب أن لا يكون كذلك) أى يجبط أن لا يكون المشتق مما لا يمكن بقاؤه حتى يشترط فيه البقاء وإلا لم يشترط وهذا رجوع إلى القول الثالث بتخصيص الدعوى.

قوله: (على المشاحة فى مثله) يعنى ليس مبنى اللغة على المضايقة فى أن ما تتقضى أجزاؤه شيئًا فشيئًا هل هو باق أم لا؟ بل يعنون ببقاء المعنى عدم انقضائه بالكلية حتى يقولون لمن هو مباشر للأخبار والكلام إنه مخبر ومتكلم حقيقة، وأن المعنى باق غير منقض وكذا المتحرك ما دام متوسطًا بين المبدأ والمنتهى.

قوله: (بدليل صحة الحال) حمله بعض الشارحين على لفظ الحال فإنه يطلق على الزمان الحاضر مع أنه لا استقرار لأجزائه، وإنما الموجود منه أن لا يتقسم وفساده بين فإن مدلول اللفظ قد يكون معدومًا بجميع أجزائه بل مستحيلًا فأين هذا عما نحن فيه، وهو أنه لا اشترط فى حقيقة المشتق بقاء المعنى لم يبق لهذه المشتقات التى يمتنع بقاء معانيها حقائق فلهذا عدل الشارح المحقق عن ذلك وقال: المراد فعل الحال المشتق عن المصادر التى يمتنع وجود معانيها فى أن الضرب والمشى والحركة والتكلم ونحو ذلك فإق يلزم أن لا يكون حقيقة أصلًا للقطع بأنه ليس بحقيقة فيما مضى ولا فيما يستقبل بل فى الحاضر وتحقق مثل هذه المعانى فى الآن الحاضر محال أو فعل الحال من هذه المشتقات كيتكلم ويخبر فإنه يلزم أن لا يكون حقيقة لتعذر حصول معانيها لتوقفه على تقرر الأجزاء، والوجهان متقاربان والأول صريح فى المنتهى حيث قال وإلا تعذر أكثر المشتقات وجميع أفعال الحال إلا أن الشارح قيد أفعال الحال أيضًا بالأكثر احترازًا عن الأفعال الآتية كيوجد ويعدم والثانى أقرب إلى لفظ المصنف فى هذا الكتاب لتبادر الفهم إليه والاستغناء عن التقييد بالزمان.

قوله: (وأيضًا فإنه يجب أن لا يكون كذلك) جمهور الشارحين على أن معناه أنه يلزم أن لا يكون بقاء المعنى المشتق منه كذلك أى شرطًا بتمامه فى المصادر

ص: 625

السيالة، ولا يلزم أن لا يكون البقاء شرطًا أصلًا بل شرط بقاء الجزء الأخير فى الجميع ولما لم يكن للفظ دلالة على هذا المعنى ولم يوافق كلام المنتهى حيث قال: وأيضًا فإنما يشترط إن أمكن عدل عنه المحقق إلى أن المراد أنا لا نشترط البقاء مطلقًا بل فيما أمكن بقاؤه كالقيام والقعود بخلاف مثل الإخبار والتكلم فيكون هذا تخصيصًا للدعوى بصورة الإمكان ورجوعًا إلى المذهب الثالث وهو أنه لو كان البقاء ممكنًا اشترط وإلا فلا فإن قيل: فكيف يصح من المشترط مطلقًا قلنا لأن معنى الجواب عن الدليل إبطاله وبيان عدم إفادته مطلوب المستدل فلا يضره عدم موافقته مذهب المجيب وهذا ما يقال إن المانع لا مذهب له على أنا نقول لا حاجة على هذا التقرير أيضًا إلى جعله راجعًا إلى المذهب الثالث بل معناه أنه يجب أن لا يكون المشتق مما يمتنع بقاؤه حتى يشترط وإلا فيشترط بقاء جزء منه، فمرادنا أنه لا بد من بقاء المعنى بتمامه إن أمكن وإلا فبجزء منه وهذا هو الموافق لكلام الآمدى حيث قال: والجواب أن الشرط هو وجود المعنى إن أمكن وإلا فوجود آخر جزء منه وذلك متحقق فى الكلام والخبر بخلاف نحو ضارب.

قوله: (ذكر دلائل الفرق) لأن ثالث أدلة النافين للاشتراط إنما يخص المذهب الثالث ويدفع بجوابه الأول.

قوله: (لو كان المشتق حقيقة) وجه الاستدلال أنه يصدق ليس بضارب فى الحال فيصدق ليس بضارب مطلقًا، لأن المقيد أخص المطلق وصدق الأخص مستلزم لصدق الأعم وحقيقة الجواب أن فى الحال إن كان ظرفًا للنفى بمعنى أنه يصدق فى

الحال أنه ليس بضارب فهذا عين النزاع، وإن كان ظرفًا للمنفى كضارب مثلًا بمعنى أنه يصدق أنه ليس بضارب فى الحال فهذا لا يستلزم صدق أنه ليس بضارب مطلقًا؛ لأن الضارب فى الحال أخص الضارب مطلقًا ونفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم؛ إلا أن المصنف لما اقتصر فى الجواب على الشق الثانى رده الشارح باختياره الشق الأول حيث قال: وقد يجاب عنه أى عن الجواب المذكور بأن المراد بصحة نفيه النفى المقيد بالحال لا نفى الأمر المقيد بالحال والنفى المقيد بالحال لا يستلزم النفى مطلقًا؛ لأن الأخص يستلزم الأعم ثم اعترض بأن النفى مطلقًا لا ينافى الثبوت مطلقًا إذ لا تناقض بين المطلقتين فأجاب بأنهما يتناقضان لغة وعرفًا حيث قال فى الرد على من قال: زيد قائم زيد ليس بقائم ولا يخفى أن الاعتراض

ص: 626

غير موجه لأن التقدير أن صحة النفى تنافى الحقيقة لكونها من خواص المجاز ولا يضرنا عدم منافاتها الثبوت، ثم أجاب عن أصل الدليل على التقرير الأخير بأنه إن ادعى صحة النفى المطلق بحسب اللغة أى يصح لغة أنه ليس بضارب فهو ممنوع بل هو عين النزاع وإن ادعى صحته عقلًا بمعنى أنه يصدق عقلًا أنه ليس بضارب فى الجملة، بناء على أنه يصدق أنه ليس بضارب فى الحال والضارب فى الحال ضارب فى الجملة، فصحة النفى بهذا المعنى لا تنافى كون اللفظ حقيقة بل النافى له صحة اللفظ بالكلية إذ هى العلامة للمجاز وهذا كما يصدق عقلًا أن الإنسان ليس بحيوان بمعنى أن حيوانًا ما مسلوب عنه بناء على أنه ليس بحيوان صهال مع أن الحيوان حقيقة فى الإنسان من حيث كونه من أفراد مفهومه.

قوله: (والمشاحة) يعنى ظاهر أن المراد بقولنا ثبت له الضرب تحقق صدور الضرب فى الماضى أو فى الحال وإن كان ظاهر لفظ ثبت مختصًا بالماضى.

قوله: (وعلى أنه اسم فاعل) فيه بحث لأن اسم الفاعل فى عرف النحو اسم لهذا النوع من الصيغة بأى معنى كان ويكفى لصحة النقل كونه فاعلًا فى الجملة.

قوله: (إنه مجاز بدليل إجماعهم) أصل الجواب منع كونه حقيقة بل مجازًا لكنهم لا تمسكوا بأن الأصل فى الإطلاق الحقيقة فلا يخالف إلا بدليل جعل إجماعهم على صحة ضارب غدًا دليلًا على ذلك، ولا يخفى ما فيه وأما ما يقال من أنه لو لم يرتكب المجاز لزم الاشتراك فليس بشئ لجواز أن يكون للقدر المشترك بين الماضى والحال أى من ثبت له الضرب ماضيًا أو حالًا لا من له الضرب فى أحد الأزمنة ليلزم المستقبل، وللنافى أن يخصص هذه الصورة بالاتفاق ويبقى دليله فى هذه الصورة معمولًا به.

قوله: (أنه مجاز لامتناع كافر) أى بدليل عدم اطراده وإلا لزم الاتصاف بالمتقابلين حقيقة فيما إذا صار الكافر مؤمنًا والنائم يقظان والحلو حامضًا والعبد حرًا، فإن قيل إنما امتنع ذلك واتحد الزمان وهو غير لازم قلنا الكلام فى اللغة وبطلان ذلك معلوم لغة فإن قيل: عدم اطراد الكافر فى الصحابة لمانع وجوب التعظيم فلا يكون دليك المجاز؛ قلنا: نعم لكن استقراء الجزئيات فى أمثال ذلك يفيد الظن بأنه ليس بحقيقة بعد انقضاء المعنى والظن كاف فى ذلك هذا ولكن كون المؤمن للنائم والغافل مجازًا بعيد جدًا ولا يبعد بالإجماع على بطلانه، والتحقيق

ص: 627

أن النزاع فى حقيقة اسم الفاعل وهو الذى بمعنى الحدوث لا فى مثل المؤمن والكافر والنائم واليقظان والحلو والحامض والعبد والحر ونحو ذلك مما يعتبر فى بعضه الإنصاف به مع عدم طريان المنافى وفى بعضه الاتصاف به بالفعل البتة.

قوله: (قد اختلف فيه) أى فى المشتق لمن وجد منه المعنى وانقضى.

قوله: (إن كان) أى المعنى مما يمكن بقاؤه كالقيام والقعود فالمشتق مجاز وإن لم يكن مما يمكن بقاؤه كالمصادر السيالة نحو التكلم والإخبار فالمشتق حقيقة (فتقدير كلام المصنف اشتراط بقاء المعنى) أى معنى المشتق منه فاللام للعهد إشارة إلى قوله سابقًا ومعناه (فى كون المشتق حقيقة فيه مذاهب) ولما ذكر التفصيل علم منه الآخران (وكأن ميل المصنف) كصاحب الأحكام فى هذه المسألة (إلى التوقف ولذلك ذكر دلائل الفرق) وأجاب عنها فإن قلت: ما ذكره وأجاب عنه أدلة المشترط مطلقًا والنافى كذلك وأما التفصيل فلم يذكر له دليلًا ولا جوابًا فالظاهر ميله إليه كما ينبئ عنه قوله وأيضًا فإنه يجب أن لا يكون كذلك قلت: دليل المشترط مطلقًا مع اعتبار التعذر فى المسألة هو دليل التفصيل: فيقال دل على الاشتراط مطلقًا ولما تعذر الحكم فى بعض الأمور كان معمولًا به فى الباقى فهو أيضًا مذكور مع جوابه، وأما قوله: وأيضًا إلخ فقد أورده ردًا على دليل النافى مطلقًا وقد يردّ دليل الخصم باحتمال لا يعتقد كما سبق فالظاهر ما ذكرناه.

قوله: (بعد انقضائه) أى المعنى (لما صح نفيه) أى المشتق لأن صحة النفى من علامات المجاز (وقد صح).

قوله: (وكلما صح الملزوم) يعنى الأخص الذى هو النفى فى الحال (صح اللازم) يعنى الأعم الذى هو النفى مطلقًا، وحاصل الجواب: أن النفى إنما يرد على الإيجاب وإذا لوحظ ذلك ظهر أن نفيه للحال نفى للأخص، ونفيه مطلقًا نفى للأعم والأوّل أعم من الثانى فلا يستلزمه، ولا يخفى أن قوله فإن الثبوت فى الحال أخص من الثبوت مع قوله والثبوت فى الحال أخص من الثبوت يشتمل على تكرار لا حاجة إليه.

قوله: (وقد يجاب عنه) أى: عن الجواب المذكور (بأن المراد) من النفى فى الحال هو (النفى المقيد بالحال) على أن يكون فى الحال ظرفًا للنفى (لا نفى المقيد

ص: 628

بالحال) على أن يكون فى الحال ظرفًا للمنفى وحينئذ يندفع المنع المذكور فإن قيل: فاللازم على ما ذكرتم أن المراد النفى فى الجملة؛ لأن النفى القيد بالحال أخص من النفى فى الجملة لا من النفى دائمًا والنفى فى الجملة لا ينافى الثبوت فى الجملة إنما ينافيه النفى دائمًا، قلت: ينافيه لغة للتكاذب بهما عرفًا فإذا قيل: زيد ضارب وأريد تكذيبه قيل: ليس بضارب وبالعكس، فلا بد من المنافاة ليلزم من صدق أحدهما كذب الآخر، ولعلهما إما لتقييدهما بالحال فيتناقضان على ما قيل، وإما لفهم الدوام من الإطلاق فى أحدهما وذلك بالنفى أولى، والجواب عن أصل الدليل بعد حمله على ما ذكر من المراد: أنه لو ادعى صدق النفى على إطلاقه لغة وأنه لازم لصدقه فى الحال منعناه، لأن إطلاق السلب فى اللغة يتبادر منه الدوام فلا يصدق فى صورة النزاع ولا يكون لازمًا لصدقه مقيدًا بالحال ولو ادعى صدقه على إطلاقه عقلًا وأنه لازم للنفى المقيد بالحال فلا تنافى بينه وبين الإثبات على الإطلاق، وبعبارة أخرى قولكم: يصدق أنه ليس فى الحال بضارب إن أردتم به أنه انتفى عنه فى الحال الضرب جميع الأزمنة منعناه أو انتفى عنه الضرب الحالى سلمناه ولا منافاة.

قوله: (لو صح الإطلاق حقيقة باعتبار ما قبله) يعنى: باعتبار ثبوت المعنى قبل حال الإطلاق لصح الإطلاق حقيقة باعتبار الثبوت الذى بعده هذا على النسخة التى وجد فيها المتن هكذا قالوا: لو صح قبله لصح بعده والوجود فى أكثر النسخ لو صح بعده لصح قبله ومعناه: لو صح إطلاق المشتق حقيقة بعد المعنى وأنقضائه لصح إطلاقه كذلك قبله والمقصود واحد، بيان اللازمة أنه أى الإطلاق حقيقة يصح باعتبار ثبوت المعنى فى حال الإطلاق فقيد كونه فى الحال إما أن يعتبر فى مصحح الإطلاق حقيقة فتنتفى الصحة باعتبار الثبوت الذى قبل الحال لانتفاء المصحح وهو خلاف الفرض، أو يلغى ذلك القيد فيبقى الثبوت فى الجملة مصححًا للإطلاق فتتحقق الصحة باعتبار الثبوت الذى بعد الحال لتحقق المصحح المذكور.

قوله: (بعد ظهور المراد منه) أى: من ثبت له الضرب وهو المعنى المشترك بين الماضى والحال الذى لا يشاركهما فيه الاستقبال وكأنه قيل: الضارب من له الضرب.

ص: 629

قوله: (لا تحسن) لأنه مشاحة فى العبارة وتضييق فيها لا يقدح فى المقصود ولا يشتمل على فائدة يعتد بها.

قوله: (والإطلاق أصله الحقيقة) وإنما خصه بهذا الوجه ولم يجعله مشتركًا بين الوجهين كما فعل غيره حيث قال: أجمعوا على صحة ضارب أمس وعلى أنه اسم فاعل، والأصل فى الاستعمال الحقيقة؛ لأن ذلك يجعلهما فى الحقيقة وجهًا واحدًا، محصله أن المشتقات كالضارب والفاعل قد تطلق باعتبار ضرب وفعل قد انقضى والأصل فى الإطلاق الحقيقة وأما على تقرير الشارح فهما وجهان مختلفان.

قوله: (وعلى أنه) أى ضارب فى ضارب أمس اسم فاعل فلو لم يكن المتصف بالضرب المنقضى فاعلًا حقيقة لما أجمعوا على كونه اسم فاعل عادة، والجواب: أن ضاربًا وكذا فاعلًا فيما ذكر مجاز أى لا نسلم أنه حقيقة هناك وما ذكرتم من الوجهين لا يدل على ذلك بدليل إجماعهم فى صورة الوفاق.

قوله: (لم يصح مؤمن لنائم وغافل) حقيقة بل جاز السلب (لأنهما غير مباشرين للإيمان) سواء فسر بالتصديق أو بغيره (وأنه باطل للإجماع) المذكور وكذا الحال فى عالم فإنه يصح لنائم وغافل، ولا يخرج العالم عن كونه عالمًا بنومه وغفلته، الجواب: أن مؤمنًا وكذا عالمًا مجاز فى النائم والغافل، والإجماع إنما هو على إطلاق المؤمن عليهما فى الجملة، وأما بطريق الحقيقة فلا وإجراء أحكام المؤمنين على النائم مثلًا لا يستلزم كون إطلاقه عليه حقيقة لغوية فالجواب بمنع صحة الإطلاق حقيقة، وقوله: لامتناع كافر إلخ تأكيد لهذا المنع ويمكن أن يؤكد به المنع السابق هكذا قيل، والأظهر أن الجواب معارضة فكأنه قيل: ما ذكرتم وأمثاله مجازات ولا يصح إطلاق المشتق حقيقة باعتبار معنى زائل بدليل امتناع استعمال كافر للمؤمن باعتبار كفر تقدم على إيمانه (وإلا لكان كافرًا مؤمنًا معًا حقيقة ولزم أن يكون أكابر الصحابة كفارًا حقيقة) لسبق كفرهم وكذلك يلزم أن يكون الشخص فى حالة واحدة نائمًا ويقظانًا معًا حقيقة وكذا ما ذكر من الأمثلة (وأمثاله مما لا يحصى ويفيد استقراؤه الظن) بأن الإطلاق حقيقة لا يصح (وهو) أى: الجواب أو الظن الحاصل منه (قوى) لا يندفع بما بعتذر به من أن إطلاق الكفار عليهم حقيقة وإن صح لغة لكن الشرع قد منع عنه فإن هذا الاعتذار لا

ص: 630

يجرى فى أمثال الحلو والحامض والنائم واليقظان.

قوله: (بيان الملازمة أنه لا يتصور حصوله) أى: حصول المعنى أعنى الخبر والكلام.

قوله: (الجواب: أن اللغة لم تبن على المشاحة) أى المضايقة فى مثل ما ذكر من الأمور غير القارّة (وإلا لتعذر أكثر أفعال الحال) ولم يكن استعمالها بحسب الحال حقيقة (مثل يضرب ويمشى) وغيرهما (فإنها ليست آنية) توجد دفعة فى آن ليكون إطلاقها فيه حقيقة (بل زمانية) توجد فى زمان (تتقضى أجزاؤه أولًا فأولًا) فلا توجد معانيها فى الحال الذى هو الآن أصلًا فلا يكون استعمالها فى الحال حقيقة، وإنما قيد بالأكثر احترازًا عن أفعال الحال من الأمور الآنية كالوصول والمماسة إذ لا تعذر هناك (وبهذا) الذى ذكرناه من تعذر أكثر أفعال الحال (صرح فى المنتهى) فقوله: بدليل صحة الحال، يعنى به صحة أكثر أفعال الحال (وقد يقال: مراده منه فعل الحال الصريح) الموافق فى الاشتقاق لا نحن بصدده (وهو بخير ويتكلم فيلزم أن لا يكون حقيقة فى الحال وهو باطل اتفاقًا فما هو جوابكم فهو جوابنا) وإنما وصف الفعل بالصريح أى الظاهر فى الحال تنبيهًا على أنه المتبادر فيكون حقيقة فيه قطعًا، ويحتمل أن يريد بكونه صريحًا فى الحال أنه حقيقة فيه كما هو المذهب الصحيح وأخر الآخرين فإن الكلام لا يتم إلا بذلك، وأما الاتفاق على البطلان فإنما هو من المشترط والنافى فلا يرد أنه مختلف فيه ولعله لم يصرح بهذا الوصف فى الأول اكتفاء بتصريحه فى الثانى (وهذا) المعنى أى الثانى (أقرب إلى لفظ المصنف ههنا) لتبادره منه إلى الفهم ولو أراد المعنى الأول لكان الأنسب أن يقول: بدليل صحة أكثر أفعال الحال.

واعلم أن حاصل الجواب على التقديرين هو نقض إجمالى فيقال: ملخص ما ذكرتم أنه لو اشترط وجود المعنى فى صدق المستثنى حقيقة لم تكن المشتقات من المصادر السيالة حقيقة أصلًا لامتناع وجود المعنى حين الإطلاق، فنقول: لا شك فى اشتراط وجود المعنى فى الحال لإطلاق فعله حقيقة فلا يكون أكثرها أو هذا الفعل المخصوص حقيقة لامتناع وجود معناه فى الحال، أما فى الثانى فبعين ما ذكرتم من الدليل، وأما فى الأول فلأن أكثر أفعال الحال آنية، وخلاصته كما أن الاشتراط يستلزم هناك محذورًا يستلزمه ههنا أيضًا فما هو جوابكم عن الدليل فى

ص: 631

صورة النقض فهو جوابنا عنه فى أصل الدعوى ولا يذهب عليك أن جريان الدليل فى يخبر ويتكلم أظهر منه فى أكثر أفعال الحال، ولما كان هذا الجواب إلزامًا حقق الشارح رحمه الله المقام فقال:(والتحقيق أن المعتبر) فى نحو مخبر ومتكلم وفى أفعال الحال (المباشرة العرفية كما يقال: يكتب القرآن ويمشى من مكة إلى المدينة و) يقصد الحال لا بمعنى الآن الحاضر بل (يراد به أجزاء من الماضى ومن المستقبل متصلة) بعضها مع بعض (لا يتخللها فصل يعد عرفًا تركًا لذلك الفعل وإعراضًا عنه) فالمخبر والمتكلم حقيقة لمن يكون مباشرًا للخبر والكلام مباشرة عرفية حتى لو انقطع كلامه بتنفس أو سعال قليل لم يخرج عن كونه متكلمًا حقيقة، وعلى هذا القياس أفعال الحال فتد تسومح لغة فى اعتبار الحال واعتبار هذه الأمور على الوجه المذكور فلا يلزم من اشتراط بقاء المعنى ما ذكر من المحذور فى المشتق ولا فى أفعال الحال، ومن فسر كلام المتن بصحة إطلاق لفظ الحال على زمان الفعل الحاضر مع أن أجزاء زمان الفعل الحاضر لا تكون فيه عند إطلاقه فلعله أراد أن لفظ الحال بمعنى الحاضر فقد تسومح ههنا فى وصف الكل بصفة الجزء وإقامته مقامه فلم لا يجوز أن يتسامح فى نحو مخبر ومتكلم بإقامة جزء من المعنى مقام كله وما فى الشرح من التوجيهين أقوى وأنسب بما فى المنتهى.

قوله: (سلمنا ذلك) يعنى: سلمنا أن اشتراط بقاء المعنى مطلقًا يستلزم أن لا يكون مثل مخبر ومتكلم حقيقة.

قوله: (وهذا رجوع) أى الجواب الثانى رجوع فى الرد (إلى القول الثالث بتخصيص الدعوى) فالمصنف رد أولًا دليل النافى مطلقًا على مذهب الاشتراط مطلقًا ثم رجع فى رده إلى القول بالتفصيل وليس فى ذلك ميل إليه كما عرفت.

قوله: (يعنى الأعم الذى هو النفى مطلقًا) إنما اعتبر استلزام النفى الحالى للنفى مطلقًا لم يكتف فى إثبات التجوّز بالنفى الحالى الذى صحته علامة التجوّز نفى متعلق بالمعنى الحقيقى والتقييد بالحالى حتى يوجد علامة المجاز.

قوله: (فلا تنافى بينه وبين الإثبات) النفى الذى صحته علامة المجاز نفى لا يجمع مع الإثبات ينافى التجوّز.

قوله: (مثل: يضرب ويمشى) هذا بناء على أن الحركة بمعنى القطع، ولو اعتبر

ص: 632

الحركة بمعنى التوسط لصح قولنا: يمشى باعتبار تقييده بالحالى لو كان بناء معناه.

قوله: (كالوصول والمماسة) فإن قلت: المعتبر فى الأفعال الحالية يتحقق منه

(1)

ما سبق منه للفعل حال إطلاق لفظ الفعل ولفظ الفعل زمانى لا يمكن أن يحصل فى حال التلفظ به فى زمانه أمر آتٍ فإن قولنا: يصل ويماس مقيدًا بالحال معناه: أن الوصول والمماسة واقعة فى حال التلفظ بلفظ يصل ويماس وحال التلفظ به زمان لا يقع فيه الآتى قلت: يكفى فى وقوع المشتق منه فى حال التلفظ أن يقع فى زمانه أو فى آن من آناته وإذا اعتبر ما ذكره فيما قبله وقوله: وإنها ليست آنية توجد دفعة فى آن ليكون إطلاقها فيه وجب أن يراد من حال التلفظ المعتبر فى الحال آن من آناته لا زمانه ولذا يقال: الحال هو الآن.

قوله: (إلحاحه)

(2)

ويمكن: أن يقال: بطريق المنع كما أن معنى المتكلم يتحقق على سبيل التقصى كذلك لفظ المتكلم وإجراؤه على سبيل التقصى فلم لا يجوز أن يراد بحال التلفظ زمانه وينطبق زمان التلفظ بلفظ المتكلم على زمان تحقق معناه وحينئذ يكون لفظ التكلم حقيقة أو يتحقق معناه فى الحال.

قوله: (أقرب إلى لفظ المصنف) لأنه قال: بدليل صحة الحال ولا يجوز أن يراد كل فعل حالى وهو ظاهر فيحمل على هذا المخصوص بالقرينة الواضحة، وأما إرادة الأكثر فبعيد عن اللفظ.

قوله: (ملخص ما ذكرتم) أن الذى

(3)

ذكره هذا القائل عام يتناول جميع ما ذكر من المشتقات نظرًا إلى الحقيقة وإن كان مراد هذا القائل جريانه فى الأسماء المشتقة مثل مخبر ومتكلم من حيث لزوم الفساد.

قوله: (أما فى الثانى) معناه: أما امتناع وجود المعنى بيتكلم وبيخبر وقوله: وأما فى الأول معناه: أما امتناع وجود المعنى فى أكثر الأفعال الحالية والبعض منها بإجراء الدليل فى صورة قد تقرر بالاتفاق كونها حقيقة وذلك يتوقف على وجود

(1)

يتحقق منه. . . إلخ. كذا فى الأصل وهى عبارة لا تخلو من التحريف والخلل وكم فى هذه النسخة من أمال ذلك فحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.

(2)

قوله: إلحاحه هكذا فى الأصل ولا وجود لهذه الكلمة فى كلام السيد كما ترى. اهـ. كتبه مصحح طبعة بولاق.

(3)

أن الذى. . . إلخ. كذا فى الأصل السقيم فحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 633

معناها فى الحال فوجود المعنى شرط لكونها حقيقة ولزم من الدليل بطلان وجود معناها فما ذكر فى توجيه وجود معناها فى الحال ذكر فى توجيه وجود المعنى فى نحو متكلم ومخبر.

قوله: (أقوى) لأن الوجه الذى ذكره الشارح يجعل الخصم مضطرًا بالتوسعة فى وجود المعنى بخلاف ما ذكره هذا المعتبر.

المصنف: (اشتراط بقاء المعنى. . . إلخ) المتبادر من المصنف وشراح كلامه أن المراد بقاء المعنى حال الإطلاق وقد استثنى من الخلاف الفعل الماضى والمضارع والأمر والنهى فإنها حقائق وإن لم يوجد المعنى حال الإطلاق فيكون محل الخلاف الصفات المشتقة وإن معنى قولهم: اسم الفاعل حقيقة فى الحال المراد بالحال فيه زمن التكلم وعلى ذلك درج القرافى واستشكل نصوص {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2]، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38]، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، ونحوها بأنها إنما تتناول من اتصف بالمعنى بعد نزولها الذى هو حال نطق النبى صلى الله عليه وسلم مجازًا والأصل عدم المجاز والإجماع على أن تناولها له حقيقة وأجاب بأن المسألة فى المشتق المحكوم به فإن كان محكومًا عليه فحقيقة، واعترضه الكورانى بأنه كلام من لا تحقيق عنده أما أولًا فلأن الكلام فى اللغة هل يشترط بقاء المعنى للإطلاق حقيقة أو لا ولا ريب فى أن كون اللفظ محكومًا عليه أو به لا دخل له فى هذا لا نفيًا ولا إثباتًا وأما ثانيًا فلأن وجوب الحكم فى مسألة الزانى والسارق ليس مبنيًا على أن الصفة فى النصين وقع محكومًا عليه وأنه حقيقة مطلقًا بل لأن الشارع رتب الحكم على الوصف الصالح للعلية فحيث وجد الوصف وجد الحكم كما رتب وجوب الزكاة على السوم فى قوله فى السائمة زكاة مع أن القول بأن اسم الفاعل حقيقة فى المستقل مخالف للإجماع. اهـ. وفيه أن ابن سينا قد اعتبر فى الموضوع الاتصاف بالوصف العنوانى بالفعل فلتفرقة القرافى وجه وحمل والد ابن السبكى قولهم اسم الفاعل حقيقة فى الحال على أنه حقيقة فى حال التلبس بالمعنى وقال إنما سرى الوهم للقرافى من اعتقاده أن الماضى والحال والاستقبال بحسب إطلاق اللفظ وليس كذلك والقاعدة صحيحة لكنه لم يفهمها واسم الفاعل ونحوه لا يدل على زمان النطق فالمناط فى الإطلاق الحقيقى حال التلبس لا حال

ص: 634

النطق فاسم الفاعل مثلًا حقيقة فيمن هو متصف بالمعنى حين قيامه به حاضرًا عند النطق أو مستقبلًا ومجازًا فيمن يتصف به وكذا فيمن اتصف به فيما مضى ودرج على ذلك ابن السبكى فى جمع الجوامع حيث قال: والجمهور على اشتراط بقاء المعنى فى كون المشتق حقيقة إن أمكن وإلا فآخر جزء منه ومن ثم كان اسم الفاعل حقيقة فى الحال أى حال التلبس لا النطق خلافًا للقرافى. اهـ. ومعنى قوله: ومن ثم كان اسم الفاعل حقيقة فى الحال أى حال التلبس أنه من أجل اشتراط الجمهور بقاء المشتق منه فى كون إطلاق المشتق حقيقة إن أمكن وإلا فآخر جزء منه كان اسم الفاعل موضوعًا للمتصف بالحدث فيلزمه أن لا يطلق حقيقة إلا إذا كان باعتبار حال الاتصاف وزمنه فهناك فى كل كلام زمانان زمن ثبوت المحكوم به للمحكوم عليه وهو الذى يقال له حال اعتبار الحكم وزمن إثبات النسبة وهو الذى يقال له حال التكلم وحال الحكم فإذا قلنا مثلًا: ضرب زيد فزمان نسبة الضرب هو الزمان الماضى إذ فيه ثبت الضرب لزيد واتصف به وأما زمان إثبات هذه النسبة فهو حال التكلم بهذا الكلام فلا يكون أحدهما عين الآخر فالحال فى قولهم اسم الفاعل حقيقة فى الحال المراد به حال التلبس بالحدث وهو حال اعتبار الحكم وزمن ثبوت النسبة فإطلاق اسم الفاعل إنما يكون مجازًا إذا أطلق على غير المتصف باعتبار أنه كان اتصف أو أنه سيتصف وأما إطلاقه على المتصف باعتبار اتصافه فحقيقة سواء كان الاتصاف فى الحال أو فى الماضى أو فى المستقبل هذا على رأى الجمهور أما على رأى غيرهم ممن لا يشترط بقاء المعنى مطلقًا فإطلاقه على غير المتصف حقيقة استصحابًا للأصل إذا كان قد اتصف فى الماضى وأما إطلاقه على من يتصف فى المستقبل فمجاز اتفاقًا وهذا كله عند عدم التقيد بالأمس أو الغد أما لو قلت: زيد ضارب أمس أو غدًا فحقيقة خلافًا لما فى الشارح واعلم أن قولهم اسم الفاعل حقيقة فى الحال أى حال التكلم على ما فهمه القرافى مشكل من جهة أنه لم يوضع للزمان أصلًا وأجاب شارح مسلم الثبوت بأن ذلك عند أفراده وأما فى التركيب فيدل على الزمان.

الشارح: (وقبل وجوده كالضارب لمن لم يضرب وسيضرب مجازًا اتفاقًا) قال فى مسلم الثبوت وشرحه فيه نظر فإن ابن سينا وأتباعه ذهبوا فى تحصيل معنى القضية إلى أن معنى كل أبيض كل ما يصدق عليه أبيض بالفعل فى أحد الأزمنة

ص: 635

الثلاثة فلا اتفاق، والجواب أنه ليس مقصوده بيان اللغة بل بيان أن القضية المعتبرة فى المنطق والمستعملة فى الفلسفة هو ما اعتبر صدق العنوان عليه بالفعل ولو سلم أنه حسب أن فى اللغة الاعتبار بهذا المعنى فأى صحة فى حسبانه فإنه ليس من رجال هذا المقال فلا يضر إجماع رجال هذا الشأن فإن قلت فما تصنع بقول أتباعه فى ترجيح اعتباره على اعتبار الفارابى أنه موافق للغة والعرف ومنهم من هو من رجال هذا الشأن قلت: إنهم أرادوا أنه قريب من العرف واللغة صرح به بعض منهم فتدبر. اهـ. وفيه أن يقال: إن الاتفاق على المجازية فيمن لم يضرب وسيضرب فى المستقبل لأنه قد أطلق فيه المشتق على غير المتصف ملاحظًا فيه اتصافه فى المستقبل فيكون مجاز الأول وهذا لا ينافى أنه لو أطلق على المتصف فى المستقبل باعتبار أنه متصف كان حقيقة فلا وجه للنظر.

الشارح: (أولها مجاز مطلقًا ثانيها حقيقة مطلقًا) قال أبو حنيفة بالأول وبالثانى الشافعى وانبنى على هذا الخلاف مسائل منها أن المتبايعين فى قوله صلى الله عليه وسلم: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" هل يتناول من صدرت منه المبايعة وانقضت أم لا فعند الشافعى يتناوله حقيقة ولهذا أثبت خيار المجلس بعد انعقاد البيع إلى أن يتفرقا بالأبدان وعند أبى حنيفة لا يتناوله ولذا لم يثبت خيار المجلس بعد انعقاد البيع وأثبت الخيار ما لم يتفرقا بالأقوال التى هى الإيجاب والقبول.

الشارح: (وفى نفيه) أى مطلقًا.

الشارح: (والجواب أنه لو ادعى صدقه. . . إلخ) وأيضًا الدليل منقوض بأنه يصدق على المباشر فى الحال أنه ليس بضارب فى الماضى فليس بضارب.

الشارح: (أجمع أهل اللغة على صحة ضارب أمس. . . إلخ) الظاهر أن الكلام فى إطلاق الوصف غير مقيد بزمن أما لو قيد بزمن واعتبر الاتصاف فيه فحقيقة من غير نزاع فالاتفاق على مجازية ضارب غدًا غير ظاهر.

الشارح: (الجواب أنه مجاز. . . إلخ) قال صاحب التحرير: الجواب الحق أنه إذا أجمع على أن المؤمن لا يخرج بالنوم والغفلة عن الإيمان وعن كونه مؤمنًا باعترافكم بل حكم أهل اللغة والشرع بأنه ما دام المعنى مودعًا حافظة المدرك كان قائمًا به ما لم يطرأ حكم يناقضه بلا شرط دوام المشاهدة فالإطلاق فى حال قيام المعنى وهو حقيقى اتفاقًا فلم يفد فى محل النزاع شيئًا وبه يبطل الجواب بأنه مجاز

ص: 636

قال فى شرحه وإن ذكره ابن الحاجب وتابعه الشارحون وأردفه المحقق الشريف بأن الإجماع إنما هو على إطلاق المؤمن على ذلك فى الجملة وأما بطريق الحقيقة فلا وإجراء أحكام المؤمنين على النائم مثلًا لا يستلزم كون إطلاقه عليه حقيقة ووجه بطلانه ظاهر. اهـ. ثم قال: وإثباته أى كون الإطلاق المذكور مجازًا بامتناع كافر لمؤمن صحابى أو غيره باطل فإن هذا الامتناع يقتضى أن لا يصح الإطلاق لا حقيقة ولا مجازًا وليس كذلك بل صحته لغة بالاتفاق إنما الخلاف فى أنه حقيقة والمانع شرعى وإذا لهم ادعاء كونه حقيقة مع صحة إطلاق الضد كذلك ولا يمتنع إلا لو قام معناهما فى وقت الصحتين وليس المدعى سوى كون اللفظ بعد انقضاء المعنى حقيقة وأين هو من قيامه فى الحال ليجتمع المتنافيان أو يلزم قيام أحدهما بعينه.

التفتازانى: (حمله بعض الشارحين. . . إلخ) قال الأصفهانى فى شرحه لهذا الموضع من هذا الكتاب ما نصه بدليل صحة إطلاق لفظ الحال حقيقة على زمان الفعل الحاضر مع أن أجزاء زمان الفعل الحاضر لا تكون باقية عند إطلاق لفظ الحال لأن الزمان غير قار أى لا تجتمع أجزاؤه فى الوجود. اهـ.

التفتازانى: (فأين هذا مما نحن فيه) يمكن تطبيقه على ما نحن فيه بأن يكون المراد أن مدلول الحال أجزاء من أواخر الماضى وأوائل المستقبل مع الآن الذى بينهما فمجموع الأجزاء لم يجتمع فى الوجود وإطلاق الحال عليها حقيقة وليست باقية حال الإطلاق فكذا المشتق لا يشترط فيه البقاء فى الإطلاق الحقيقى.

التفتازانى: (كالضرب) هو ليس من المصادر السيالة وإنما ذكره باعتبار أن معناه ليس آنيًا.

التفتازانى: (من هذه المشتقات) أى التى ذكرها المصنف بقوله: مثل متكلم ومخبر وقوله والثانى أقرب إلى لفظ المصنف أى فى قوله: مثل متكلم ومخبر.

التفتازانى: (عن التقيد بالزمان) تحريف وحقه عن التقيد بالأكثر.

التفتازانى: (على هذا التقرير أيضًا) هو أن الشرط البقاء إن أمكن لكن بمعنى إن أمكن اشتراط البقاء للمعنى بتمامه وإلا اشترط بقاء آخر جزء منه لا بمعنى وإن لم يمكن لم يشترط كما هو المذهب الثالث.

ص: 637

التفتازانى: (إنما يخص المذهب الثالث) أى بناء على أنه رجوع إلى المذهب الثالث.

التفتازانى: (صحة اللفظ بالكلية) تحريف وصوابه صحة النفى اللغوية مطلقًا وصحة النفى من أمارات المجاز فيكون الإطلاق على مباشر الضرب مجازًا وليس كذلك.

التفتازانى: (ولا يخفى ما فيه) أى من أنه لا يصح أن يكون إجماعهم على صحة ضارب غدًا مع أنه مجاز اتفاقًا دليلًا على مخالفة أن الأصل فى الإطلاق الحقيقة فيكون ضارب أمس مجازًا للفرق بين الأمرين سيما وقد تقدم أن صحة الإطلاق باعتبار ما قبله لا تقتضى صحة الإطلاق باعتبار ما بعده.

التفتازانى: (وأما ما يقال. . . إلخ) قال الأصفهانى: فإن قيل المجاز خلاف الأصل أجيب بأنه إنما يكون خلاف الأصل إذا لم يلزم ما هو أشد محذورًا منه وههنا قد لزم لأنه إذا كان حقيقة فى الماضى وفى الحال حقيقة بالاتفاق يلزم الاشتراك فإن قيل: إنما يلزم الاشتراك إذا لم يكن موضوعًا للقدر المشترك؛ أجيب بأنه إذا كان موضوعًا للقدر المشترك يلزم أن يكون إطلاقه فى المستقبل بطريق الحقيقة لأن القدر المشترك وهو وقوع الضرب فى أحد الأزمنة الثلاثة متحقق فيه وهو باطل اتفاقًا. اهـ. فقوله: لا من له الضرب فى أحد الأزمنة ليلزم المستقبل قصد به الرد على الأصفهانى.

التفتازانى: (وللنافى أن يخصص هذه الصورة بالاتفاق. . . إلخ) يعنى أن النافى له أن يقول: إن كون الأصل فى الإطلاق الحقيقة خص منه ضارب غدًا للاتفاق على مجازيته ولم يوجد هنا المخصص فى ضارب أمس فبقى كون الأصل فى الإطلاق الحقيقة معمولًا فيه.

التفتازانى: (ولكن كون المؤمن للنائم. . . إلخ) وذلك لأن المعنى باق فى الحافظة فالإطلاق عند النوم إطلاق حال وجود المعنى وهو حقيقة اتفاقًا.

التفتازانى: (والتحقيق أن النزاع. . . إلخ) رد بأنه لا فارق بين الذى بمعنى الثبوت والذى بمعنى الحدوث لدخولهما تحت ضابطة واحدة لغة فإن اشتراط الاتصاف بالمبادئ لا فرق فيه بين الثابت والمتجدد.

التفتازانى: (وهو الذى بمعنى الحدوث) لعل الأولى حذفه وقوله: سواء فسر

ص: 638

بالتصديق أى كما هو رأى غير المعتزلة أكثر الأفعال الصريحة فى الحال.

قوله: (لها) تبين للمراد من التصحيح وأن ظاهره ليس مرادًا.

قوله: (فى المسألة) تحريف وصوابه فى الجملة.

قوله: (فالظاهر ما ذكرناه) أى من ميله إلى التوقف.

قوله: (فلا يصدق فى صورة النزاع) أى لأنها مفروضة فى حصول المعنى وانقضائه قبل.

قوله: (لو صح قبله لصح بعده) معناه لو صح باعتبار ما قبله لصح باعتبار ما بعده.

قوله: (أو بغيره) أى العمل كما هو رأى المعتزلة لأن كلًا منهما ليس موجودًا حال النوم والغفلة.

قوله: (أن يؤكد به المنع السابق) أى منع كون إطلاق ضارب أمس حقيقة.

قوله: (أن يكون الشخص فى حالة واحدة نائمًا ويقظًا معًا حقيقة) فيه أن المدعى الصحتان لا قيام المعنيين فى وقت الصحتين كما مر.

قوله: (كما هو المذهب الصحيح وآخر الآخرين) لعله وأحد الآخرين أى القولين الآخرين وهما أن المضارع للقدر المشترك بين الحال والاستقبال وأنه للاستقبال.

قوله: (لم يصرح بهذا الوصف) أى الصريح وقوله فى الأول أى أكثر أفعال الحال فلم يقل.

قوله: (فلأن أكثر أفعال الحال آنية) تحريفا وصوابه ليست آنية.

قوله: (فى وصف الكل يوصف الجزء) لأن الحاضر إنما هو الجزء فسمى الكل حالًا لحضور جزئه.

ص: 639

قال: (مسألة: لا يشتق اسم الفاعل لشئ والفعل قائم بغيره خلافًا للمعتزلة لنا الاستقراء قالوا: ثبت قاتل وضارب والقتل للمفعول قلنا: القتل التأثير وهو للفاعل قالوا: أطلق الخالق على اللَّه باعتبار المخلوق وهو الأثر لأن الخلق المخلوق وإلا لزم قدم العالم أو التسلسل وأجيب أولًا بأنه ليس بفعل قائم بغيره، وثانيًا أنه التعلق الحاصل بين المخلوق والقدرة حال الإيجاد فلما نسب إلى البارى صح الاشتقاق جمعًا بين الأدلة).

أقول: لا يشتق اسم الفاعل للشئ باعتبار فعل حاصل لغيره خلافًا للمعتزلة فإنهم جعلوا المتكلم للَّه لا باعتبار كلام هو له بل كلام الجسم هو يخلقه فيه ويقولون: لا معنى لكونه متكلمًا إلا أنه يخلق الكلام فى الجسم لنا الاستقراء يفيد القطع بذلك.

قالوا: ثبت قاتل وضارب لغير من قام به الفعل لأن القتل والضرب هو الأثر الحاصل فى المفعول وهو المقتول والمضروب.

والجواب: لا نسلم أنه الأثر بل تأثير ذلك الأثر وهو قائم بفاعلهما.

قالوا: قد أطلق الخالق على اللَّه باعتبار الخلق وهو المخلوق إذ لو كان غيره لكان هو التأثير فإن قدم قدم العالم إذ لا يتصور تأثير ولا أثر وإن حدث احتاج إلى تأثير آخر ولزم التسلسل.

والجواب: أما أولًا: فبأنه غير محل النزاع إذ محل النزاع فعل قائم بالغير وهذا ليس كذلك بل مجموع بعضه قائم بنفسه وبعضه قائم بذلك البعض والمجموع يعد قائمًا بنفسه لا بغيره.

وأما ثانيًا: فبأن للقدرة تعلقًا حادثًا به الحدوث ضرورة وهذا التعلق إذا نسب إلى العالم فهو صدوره عن الخالق أو إلى القدرة فهو إيجابها له أو إلى ذى القدرة فهو خلقه فالخلق كون الذات تعلقت قدرته به وهذه النسبة قائمة بالخالق وباعتبارها اشتق له فيصح ما ذكرنا من الدليل على وجوب القيام لأنا لا نعنى به كونها صفة حقيقية بل سائر الإضافات قائمة بمحالها وكذا ما ذكرتم من الدليل على أنه ليس أمرًا حقيقيًا مغايرًا للمخلوق فإنه يدل على أنه ليس أمرًا حقيقيًا مغايرًا فكان الحمل على هذا واجبًا جمعًا للأدلة.

ص: 640

قوله: (ويقولون) إشارة إلى دفع ما أورد عليهم من أنه لو جاز إطلاق المتكلم عليه باعتبار كلام يخلقه فى جسم لجاز المتحرك والأسود والأبيض باعتبار خلقه تلك الصفات فى مجالها، وذلك لأنه قد ثبت إطلاق المتكلم عليه وقام البرهان على امتناع قيام الكلام به فلزم القول بأن معنى المتكلم فى حقه خالق الكلام فى جسم ولا كذلك مثل المتحرك والأسود والأبيض.

قوله: (الاستقراء يفيد القطع) يعنى حصل لنا من تتبع كلام العرب حكم كلى قطعى بذلك كوجوب رفع الفاعل، وإن كان الاستقراء فى نفيه لا يفيد إلا الظن.

قوله: (لا نسلم أنه الأثر) مبنى على ما هو الحق من أن التأثير ليس محو الأثر.

قوله: (لكان هو التأثير) المستلزم للأثر ضرورة ومبناه على نفى كون التكوين صفة حقيقية أزلية فيكون لها المكوّنات الحادثة فى أوقاتها.

قوله: (إذ محل النزاع) يعنى أن النزاع فيما إذا اشتق اسم الفاعل لشئ والفعل قائم بغيره وإطلاق الخالق على اللَّه تعالى باعتبار الخلق الذى هو عين المخلوق ليس كذلك لأن المخلوق ليس فعلًا قائمًا بالغير بل مجموعًا بعضه قائم بنفسه كالجواهر وبعضه بذلك البعض كالأعراض، والمجموع من حيث هو المجموع يعدّ قائمًا بنفسه لا بغيره كالجسم المركب من المادة والصورة يعدّ قائمًا بنفسه وإن كان بعض أجزائه قائمًا بالبعض، ولا يخفى عليك أن قوله لا بغيره أى غير ذلك المجموع مما لا معنى له فى هذا المقام بل المناسب أن يذكر أنه ليس قائمًا بغير الخالق على أن ههنا مناقشة أخرى وهى أن المجموع إذا كان قائمًا بنفسه كان قائمًا بغير الخالق ضرورة ويندفع بأن معنى قيامه بنفسه أنه ليس قائمًا بشئ أصلًا ولما كان هذا الجواب ضعيفًا، أما أوّلًا فلأن معنى قولنا لا يشتق اسم الفاعل لشئ والفعل قائم بغيره أنه يجب أن يكون قائمًا بذلك الشئ البتة لأن الفعل لا بد له من القيام بشئ، وأما ثانيًا فلأن إطلاق الخالق ليس يجب أن يكون باعتبار جميع المخلوقات بل يصح باعتبار الأفعال والصفات القائمة بالغير أيضًا كضرب زيد وقتل عمرو وبياض الجسم إلى غير ذلك، وأما ثالثًا فلأنهم يزعمون أن الخلق هو الموجود واتصاف العالم بالوجود وهو قائم بالغير أجاب بوجه آخر تحقيقه أن الذات قديم وكذا القدرة فلا بد من أمر حادث تحدث عنده الحوادث وهو تعلق القدرة فهذا

ص: 641

التعلق من حيث انتسابه إلى العالم صدور العالم، ومن حيث انتسابه إلى القدرة إيجاب القدرة للعالم، ومن حيث انتسابه إلى الذات الموصوفة بالقدرة القديمة هو خلق العالم فمعنى تعلقه بالخالق واتصاف الخالق به وليست صفة حقيقية متقررة فيه ليلزم كون التقديم محلًا للحوادث وبهذا يحصل الجمع بين دليلنا الدال على وجوب كون الفعل قائمًا بما اشتق اسم الفاعل له، ودليلهم الدال على امتناع كون الخلق أمرًا محققًا مغاير للمخلوق.

قوله: (لا يشتق اسم الفاعل) إنما قيد باسم الفاعل، لأن اسم المفعول يجوز فيه ذلك وفيه بحث يظهر بالتأمل فى الفرق بين معنيى مصدر المجهول ومصدر المعلوم وأريد به معناه المشهور أو ما يتناول الصفة المشبهة واسم التفضيل إذا كان للفاعل أيضًا وبالفعل معنى المصدر قال فى الأحكام: وهل يشترط قيام الصفة المشتق منها بما له الاشتقاق؟ وهل يلزم الاشتقاق من الصفة المعنوية لمن قامت به؟ فذلك مما أوجبه أصحابنا ونفاه المعتزلة؛ وكأنه اعتبر الصفة احترازًا عن مثل لابن وتامر مما اشتق من الذوات فإن المشتق منه ليس قائمًا بما له الاشتقاق وقال فى المحصول: اختلفوا فى أن المعنى القائم بالشئ هل يجب أن يشتق له منه اسم؟ ثم قال: وإذا لم يشتق لمحله منه اسم فاعل فهل يجوز أن يشتق لغير ذلك المحل منه اسم؟ فعند أصحابنا لا، وعند المعتزلة نعم؛ فالمصنف اقتصر على إحدى المسألتين موافقًا لنقل المحصول.

قوله: (بل كلام) أى بل باعتبار كلام حاصل لجسم كاللوح المحفوظ وغيره ويقولون: لا معنى لكونه متكلمًا إلا أنه يخلق الكلام فى الجسم، فإن قيل: فلعل المتكلم عندهم يطلق على معنيين أحدهما: المشهور، وثانيهما: خلق الكلام والمتكلم إنما ينطلق عليه تعالى مأخوذًا من المعنى الثانى وهو قائم به تعالى قلنا: المتكلم والمتكلم وسائر تصاريفه مشتقة من الكلام فهو المشتق منه حقيقة ولم يقم به بل بغيره.

قوله: (الجواب لا نسلم أنه) أى كل واحد من القتل والضرب (الأثر) القائم بالمفعول (بل هو تأثير ذلك الأثر والتأثير قائم بفاعلهما) إذ لا شك أن هناك أثرًا وأنه إنما يحصل من تأثير قطعًا وأن الأثر قائم بالمفعول والتأثير بالفاعل، وما ذكرتم

ص: 642

إنما يتم لو كان القتل الذى اشتق منه الفاعل عبارة عن الأثر، أما إذا كان عبارة عن التأثير فلا، نعم يطلق القتل عليه أيضًا وهو المفعول المطلق فى قولك: قتلته قتلًا لكنه ليس بمصدر، وما قيل من أنه مصدر فمن التسامح الذى لا يضر فى المقاصد اللغوية ولا يجدى التدقيق فيه بطائل.

قوله: (باعتبار الخلق) لأنه مشتق منه وهو المخلوق الذى هو الأثر إذ لو كان غير المخلوق لكان هو التأثير إذ ليس له معنى ثالث اتفاقًا لكن لا تأثير يغاير الأثر وإلا لزم أحد المحذورين، وعبارة المتن هكذا: أطلق الخالق على اللَّه تعالى باعتبار المخلوق وهو الأثر؛ لأن الخلق المخلوق فقوله: لأن تعليل لإطلاقه عليه تعالى باعتبار المخلوق، لا لقوله: وهو الأثر فكأنه قيل: الإطلاق باعتبار الخلق والخلق هو المخلوق فإطلاقه باعتبار المخلوق الذى هو الأثر وليس قائمًا به تعالى.

قوله: (وهذا) أى الخلق بمعنى المخلوق (ليس كذلك) أى فعلًا قائمًا بالغير بل هو مجموع بعضه قائم بنفسه كالجوهر، وبعضه الآخر كالأعراض قائم بالبعض الأوّل، وهذا المجموع من حيث هو يعد قائمًا بنفسه لا بغيره، ومعنى الخلق الذى اشتق منه الخالق هو هذا المجموع لا كل واحد وحينئذ يخرج عن محل النزاع فإن بين إطلاقه على كل واحد وأن الاشتقاق بحسبه وأجرى الكلام فى الأعراض اقتصرنا على الجواب الثانى، ومنهم من قال: إنه خارج عن المتنازع فيه لأن الخلق بمعنى المخلوق ليس فعلًا فضلًا عن كونه فعلًا قائمًا بغيره تعالى ثم اعترض بالمخلوقات التى هى أفعال كضرب مثلًا، ولعل الشارح رحمه الله لم يلتفت إلى هذا لأنه حمل الفعل على مدلول المصدر المشتق منه لا على الحدث.

قوله: (وأما ثانيًا فلأن للقدرة تعلقًا حادثًا به) أى بذلك التعلق الحادث (حدوث الأشياء ضرورة) إذ لولا تعلق القدرة بها على وجه يترتب عليه وجودها لم توجد الأشياء منه أصلًا ولولا حدوثه لم تكن حادثة بل قديمة، وهذا التعلق المخصوص إذا نسب إلى العالم فهو صدوره عن الخالق، أو إلى القدرة فهو إيجابها للعالم أو إلى ذى القدرة أعنى اللَّه سبحانه فهو خلقه للعالم فالخلق كون الذات تعلقت قدرته هذا هو الظاهر من العبارة، ويمكن أن يقال: إن هذا التعلق إذا نسب إلى العالم صار مبدأ وصف له هو صدوره عن الخالق أو إلى القدرة صار مبدأ وصف آخر هو الإيجاب أو إلى ذى القدرة صار مبدأ وصف آخر هو كونه تعلقت قدرته،

ص: 643

وهذه النسبة يعنى كون الذات تعلقت قدرته قائمة بالخالق تعالى وباعتبار هذه النسبة اشتق له اسم الخالق فيصح ما ذكرنا من الدليل الاستقرائى على وجوب قيام التعلق بما اشتق له اسم الفاعل لا بغيره؛ لأنا لا نعنى بقيامه كونه صفة حقيقية قائمة به بل ما هو أعم من ذلك فإن سائر الإضافات التى هى أمور اعتبارية لا تحقق لها فى الأعيان قائمة بمحلها وكذا يصح ما ذكرتم من الدليل على أن الخلق ليس أمرًا مغايرًا للمخلوق فإنه يدل على أن الخلق ليس أمرًا حقيقيًا موجودًا فى الأعيان مغايرًا للمخلوق وإلا لزم التسلسل أو القدم، أما إذا كان أمرًا اعتباريًا فلا يلزم شئ منهما لعدم احتياجه على تقدير حدوثه إلى تقدير آخر ونقول: التسلسل فى الاعتباريات جائز فكان حمل الخلق على هذا المعنى الذى ذكرناه واجبًا جمعًا للأدلة قيل: إنما قال ذلك، وإن كان المناسب جمعًا بين الدليلين؛ لأن أقل الجمع اثنان أو لأنه صار كالمثل السائر فيما بينهم، وبعضهم قرر الجواب الثانى بما حاصله: إن ما ذكرتم من الدليل يدل على جواز إطلاق الخالق باعتبار الخلق الذى ليس هو قائمًا به تعالى وما ذكرنا من الاستقراء يقتضى كون الخلق الذى اشتق منه الخالق قائمًا به تعالى فليجعل الخلق عبارة عن التعلق المذكور جمعًا بين الدليلين، فإن تعلق من حيث إنه بين القدرة والمخلوق ولم يكن قائمًا بذاته تعالى حقيقة فيصح دليلكم بهذا الوجه، ومن حيث إنه ليس قائمًا بما شرعه

(1)

بالكلية كان متعلقًا به فلا يلزم إهمال دليل أيضًا بخلاف ما لو حمل على المخلوق إذ يلزم ترك دليلنا بالكلية فتأمل وكن الحاكم الفيصل.

قوله: (من الصفة المعنوية) احتراز عن الصفة بمعنى: ما دل على ذات مبهمة باعتبار معنى هو المقصود، والمراد منها معنى قائم بالشئ وما ذكر فى المحصول من أن المعنى القائم بالشئ هل يجب أن يشتق له منه اسم موافق لذلك.

قوله: (موافقًا لنقل المحصول) ليس المراد أن الموافق يكون فى المحصول أيضًا بل المراد الموافق فى التقدير، فإن المشتقات التى ذكرها المصنف فى الأحكام هكذا هل يشترط قيام الصفة المشتق منها بما له الاشتقاق ويلزم من هذا أن اشتقاق اسم الفاعل للشئ باعتبار فعل حاصل لغيره، وهو المسألة المذكورة فى المحصول هكذا

(1)

"شرعه" كذا فى الأصل وانظره. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 644

لا يجوز أن يشتق لغير ذلك المحل ولا يخفى الموافقة بين ما ذكر فى المحصول وبين ما ذكره المصنف.

قوله: (وهو قائم به تعالى قلنا: التكلم) هذا لا ينافى

(1)

بالكلام أعم من أن يكون ذلك الكلام أو بغيره وإذا كان اللَّه تعالى خالقًا للكلام فى غيره فهو قد أتى به.

قوله: (من الدليل على أن الخلق ليس أمرًا مغايرًا للمخلوق) فالمراد بالدليل الأوّل على أصل المدعى، وبالدليل الثانى هو الدليل على تقدير الدليل باعتبار التقييد بالوجود الخارجى يقال قوله إذ لو كان غيره معناه إذ لو كان الخلق موجودًا مغايرًا للمخلوق فكأن هذا القائل يقول بالإطلاق باعتبار الخلق والخلق موجود قطعًا وهو بمعنى المخلوق أى الخلق الموجود الخارجى هو المخلوق لا الثانية وإلا لزم أحد المحذورين.

قوله: (فإن تعلق من حيث إنه بين القدرة) يجب أن لا يذكر كون الذات تعلقت قدرته ويعتبر فيه الجهتان باعتبار كل واحد منهما فصح دليل الخصم لكن يمكن حمل التعلق على كون الذات تعلقت قدرته، وأيضًا لا يلزم من كون ذلك التعلق بغير القدرة أن لا يكون قائمًا بذاته تعالى فلا يصح دليل الخصم من هذه الحيثية، وأيضًا لو كان الخلق فى هذا الدليل بمعنى التعلق لم يصح قوله وهو المخلوق وأيضًا يفهم من كلام هذا البعض أن المراد بالدليل ههنا هو الدليل على أصل المدعى، والقول بصحته من المجيب ينافى غرضه إذ لا يكون قصده إلى التوفيق بل الغرض إبطال دليل الخصم وأيضًا كان متعلقًا به يجتمع مع الحيثية المذكورة أوّلًا ولو ذكر مكانه كان قائمًا به لكان له وجه.

المصنف: (والقتيل للمقتول) تحريف وصوابه: والفعل للمفعول؛ لأن الكلام ليس فى قاتل فقط بل فيه وفى ضارب والفعل يشملهما وكذا قوله: والقتل التأثير صوابه: والفعل التأثير.

التفتازانى: (إشارة إلى دفع ما أورد عليهم. . . إلخ) رده فى التحرير بأنه لا تفصيل فى الحكم اللغوى بين من يمتنع القيام به فيجوز وبين من لا يمتنع قيام الوصف به فلا بل لو امتنع لم يضع له أصلًا فحيث صيغ له لزم قيامه به تعالى.

(1)

قوله: هذا لا ينافى. . . إلخ. كذا فى نسخة الأصل السقيمة وحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 645

التفتازانى: (ومبناه على نفى كون التكوين صفة حقيقية أزلية. . . إلخ) قال فى التحرير: إنا بينا فى الرسالة المسماة بالمسامرة أن قول أبى حنيفة لا يفيد ما ذهبوا إليه يعنى المتأخرين من صفة التكوين وأنها قديمة وأنه قول مستحدث وقول أبى حنيفة: إنه تعالى خالق قبل أن يخلق ورازق قبل أن يرزق بالضرورة يراد به قدرة الخلق والرزق وإلا قدم العالم ويراد بصفة الخلق بالفعل تعلقها وهو عروض الإضافة للقدرة ويلزم حدوثه ولو صرح أبو حنيفة بأن المراد بصفة الخلق الخلق بالفعل وأنه حاصل قبل أن يخلق ولم يرد القدرة على الخلق فقد نفاه الدليل وهو لزوم قدم العالم. اهـ. بتوضيح من شرحه.

التفتازانى: (كان قائمًا بغير الخالق) أى الذى هو نفس الشئ وقوله يجب أن يكون قائمًا بذلك الشئ ألبتة أى والخالق قد أطلق على اللَّه ولم يقم به الخلق الذى هو بمعنى المخلوق أصلًا وإن لم يكن الخلق بهذا المعنى قائمًا بغير اللَّه لأنه نفس غير اللَّه لا شئ قائم به وقوله: ليس يجب أن يكون. . . إلخ. فيه أن المراد بالفعل الذى اعتبر قيامه بمن اشتق له مدلول المصدر المشتق منه لا الحدث مطلقًا.

التفتازانى: (ليس قائما بشئ أصلًا) أى وحينئذ لا يكون من محل النزاع وهو أن يكون المعنى قائمًا بغير ما له الاشتقاق وقوله: إنه يجب أن يكون قائمًا بذلك الشئ أى فحينئذ هو من محل النزاع لأن الخلق: لمعنى المخلوق ليس قائمًا بما له الاشتقاق وقوله لأن الفعل لا بد له من القيام بشئ ظاهر إذا كان المشتق منه حدثًا أو وصفًا وقوله هو الوجود واتصاف العالم بالوجود ممنوع ومن قال: إن الخلق وجود العالم فمراده العالم الموجود وقد تسامح فى العبارة وقوله: صدور العالم الظاهر أن يزاد بالقدرة حتى يصح أن يكون معنى لتعلق القدرة.

قوله: (لأن اسم المفعول يجوز فيه ذلك) أى: بناء على أن الضرب مثلًا صفة حيقية واحدة قائمة بالفاعل فقط وإنما له نسبة إلى المفعول بطريق العرض فمضروبية عمرو لزيد مثلًا ليست إلا ضرب زيد له لا غير هكذا فى مسلم الثبوت ثم قال: فتدبر قال شارحه: ولا يخفى على من له أدنى تدبر أن غاية ما لزم أن المصدر المجهول ليس صفة حقيقية بل اعتبارية ناشئة عن المصدر المعلوم وهذا لا ينافى الاشتقاق باعتباره فإنه كما يجوز الاشتقاق من الصفات الحقيقية يجوز الاشتقاق من الصفات الاعتبارية، نعم لو كانت اختراعية محضة لصح هذا

ص: 646

القول. اهـ باختصار ولعل المراد بالبحث الذى ذكره المحشى -قدس سره- هو ما قاله شارح مسلم الثبوت المذكور.

قوله: (وأريد به) أى باسم الفاعل.

قوله: (وبالفعل) عطف على قوله: به من قوله وأريد به وقوله: معنى المصدر أى المصدر المشتق منه سواء كان هذا المعنى حدثًا أو صفة أو غيرهما كالخالق من الخلق بمعنى المخلوق كما عند المعتزلة.

قوله: (هل يشترط قيام الصفة المشتق منها بما له الاشتقاق) أى فلا يصح إطلاق المشتق مع عدم تحقق المعنى لمن اشتق له فلا يصح عالم لمن لم يقم به العلم أولًا يشترط فيصح وعلى هذا الأخير المعتزلة فى نفيهم الصفات الذاتية فاللَّه عالم بلا علم وذات اللَّه تعالى يترتب عليها ما يترتب على ذات وصفة فليس إلا الذات ويترتب عليها انكشاف المعلومات وهكذا القادر والمريد والمحيى والمميت وهناك عالمية ولا علم والعالية عبارة عن تعلق الذات بالمعلومات وقوله: وهل يلزم الاشتقاق من الصفة المعنوية. . . إلخ. مسألة أخرى حاصلها أنه لا يشتق إلا من صفة قائمة بمن له الاشتقاق ولا يصح الاشتقاق والمعنى قائم بغير من له المشتق فلا يصح متكلم إلا إذا كان الكلام قائمًا به لا بغيره أو يشتق والمعنى قائم بالغير فهما مسألتان كما درج على ذلك صاحب مسلم الثبوت فقال فى الأولى: مسألة شرط المشتق صدق أصله لامتناع تحقق الكل بدون الجزء خلافًا للمعتزلة فى صفات البارى قالوا بعالميته تعالى دون علمه، قال الشارح: فاعترفوا بصدق العالم المشتق من غير تحقق أصله الذى هو العلم قال المصنف هربًا من لزوم تعدد القدماء وأما العالمية فإنما هى من النسب، والجواب أن الممتنع تعدد قدماء هى ذوات وأما الصفات فواجبة للذات لا بالذات. اهـ. قال الشارح ولمطالع الأسرار هنا كلام يجب التنبه له وهو أن العلم وغيره من الصفات يطلق على معنيين؛ أحدهما المعنى المصدرى المفهوم للكافة الثانى ما به الانكشاف ويترتب عليه هذا المفهوم فالثانى عندهم فى البارى عز وجل نفس ذاته فإن ذاته بذاته تنكشف الأشياء عنده ولا ينظر فى انكشاف الأشياء إلى أمر آخر يقوم به كما نحتاج نحن إلى أمر زائد على ذاتنا فى انكشاف الأشياء والمشتق منه لهذه المشتقات هو المعنى الاعتبارى الأمل القائم بذاته تعالى وليس يلزم لصدق المشتق قيام المبدأ قيامًا انضماميًا ألا ترى

ص: 647

مشتقات الأمور الاعتبارية كيف يصدق على الذوات التى تنتزع الاعتباريات عنها فهم لا يقولون بصدق المشتق من غير قيام المبدأ وهذا أولى مما قيل إن المعتبر من صدق المشتقات القيام الأعم من القيام بنفسه بمعنى سلب القيام بالغير وهذا متحقق فإنه عسى أن يكون صحيحًا لكن عبارات أمثال الزمخشرى والسكاكى مع تصلبهما فى شناعتهما من الاعتزال لا تساعده. اهـ. وقال فى الثانية مسألة لا يشتق اسم الفاعل لشئ والفعل قائم بغيره خلافًا للمعتزلة فإنهم قالوا: إنه تعالى متكلم ولا كلام له لعدم قولهم بالكلام النفسى واللفظى حادث لا يقوم به بل كلامه قائم بجسم هو يخلقه فيه قال فى شرحه قال فى مطالع الأسرار الإلهية: إن أخذوا الخلاف من مسألة الكلام فليس بسديد فإن المتكلم عندهم مشتق من التكلم وهو إحداث الكلام لإفادة المعنى والإحداث قائم بذاته وقالوا فى تحقيق الكلام: إن ههنا كلامًا لفظيًا هو هذا النظم المقروء وقدرة على تأليفه على الوجه المخصوص فهذه القدرة نفس ذاته تعالى فهو بذاته تعالى يقدر على هذا التأليف لا بقدرة زائدة كما أنا نقدر بقدرة زائدة فهذا التأليف يقال له: التكلم هذا وقد عرفت فيما مر أن هذه التمحلات باطلة قطعًا لدلالة الإجماع القاطع على أن الكلام صفة مستقلة غير القدرة والإرادة والعلم وهذه صفة حقيقة قديمة والتكلم عندنا ليس إلا الاتصاف بتلك الصفة أو التأليف مطابقًا لتلك الصفة. اهـ باختصار. لكن فيما ذكره نظر من جهة أن التكلم والمتكلم وسائر تصاريفه مشتقة من الكلام ولم يقم به بل بغيره كما سيأتى.

قوله: (من الصفة المعنوية) المراد بها المعنى القائم بالغير وقوله: على إحدى المسألتين قد عرفتهما مما مر وقوله: موافقًا لنقل المحصول أى حيث اقتصر على إحدى المسألتين وهى ما ذكره المصنف.

قوله: (فإن قيل فلعل. . . إلخ) يعنى فلم تخالف المعتزلة فى إطلاق المشتق على من له مبدأ الاشتقاق لأن المتكلم بمعنى الموجد للكلام والإيجاد قائم به تعالى وقوله: أحدها المشهور هو الاتصاف بالكلام وقوله: قلنا التكلم. . . إلخ. وأيضًا أنهم ذكروا الضارب والقاتل وأن الفعل فيهما قائم بالمفعول.

قوله: (لا لقوله وهو الأثر) لأن دليل كونه الأثر هو أنه لو كان غيره. . . إلخ.

قوله: (قائمًا بنفسه لا بغيره) ظاهره أنه لو قام بغيره أى بغير نفسه لصح مع أنه

ص: 648

ليس كذلك فلا مدخل لقوله لا بغيره بل الذى له دخل أنه ليس قائمًا باللَّه تعالى ويجاب بأن له دخلًا من حيث محل النزاع وأنه لو قام بغيره كان من حل النزاع حيث كان غيره هو غير الخالق وبهذا التوجيه يندفع اعتراض السعد بقوله لا معنى له فى هذا المقام.

قوله: (اقتصرنا على الجواب الثانى) لأنه يكون من محل النزاع إذ الخالق قد أطلق والخلق الذى هو المخلوق من الأعراض قائم بالغير وهو جواهر المخلوقات فيفيد مطلوب المعتزلة فلا بد فى دفعه من الجواب الثانى لا الأول.

قوله: (ومنهم من قال) أى فى معنى الجواب الأول.

قوله: (لأنه حمل الفعل) أى فى قوله والفعل قائم بغيره على مدلول المصدر أى وذلك محقق فى الخالق من الخلق بمعنى المخلوق.

قوله: (من الدليل الاستقرائى على وجوب قيام التعلق بما اشتق له) لعل الأولى على وجوب قيام الوصف المشتق منه بما اشتق له وهو مدعى المصنف والجمهور.

قوله: (من الدليل على أن الخلق ليس أمرًا مغايرًا للمخلوق) كون الخلق أمرًا مغايرًا للمخلوق وليس هو أصل الدعوى للمعترلة لأن أصلها إطلاق الخالق من الخلق؛ بمعنى المخلوق وهو ليس قائمًا به فكأنهم قالوا: والخلق ليس مغايرًا للمخلوق لأنه لو كان غيرًا لكان هو التأثير فيحمل الغير على الغير الحقيقى يصح دليلهم على أن الخلق ليس مغايرًا للمخلوق لأنه ليس أمرًا حقيقيًا مغايرًا له وإن كان لا يفيد فى أصل الدعوى وهو أن الخلق المشتق منه الخالق بمعنى المخلوق وهذا هو المراد.

قوله: (لعدم احتياجه على تقدير حدوثه إلى تقدير آخر أو نقول التسلسل فى الاعتباريات جائز) رده شارح مسلم الثبوت بأن هذا التسلسل فى جانب المبدأ وهو باطل قطعًا اعتبارية كانت أو حقيقية، وهى لا تنقطع عن الواقع بانقطاع الاعتبار فإنها لو انقطعت لزم عدم العالم لأنها علل والحق أن يقال: إن هذا التعلق قديم لكن تعلق بأن يوجد المعلول بعد علة كذا فحينئذ لا يلزم القدم ولا التسلسل. اهـ.

قوله: (فإن تعلق. . . إلخ) تحريف وصوابه فإن التعلق من حيث إنه بين القدرة والمخلوق لم يكن قائمًا به تعالى؛ فقوله لم يكن قائمًا به تعالى خبران فذكر الواو داخلة على: لم يكن قائمًا به فى غير محله.

ص: 649

قوله: (ليس قائمًا بشرعه بالكلية) تحريف وصوابه: ليس مباينًا عنه بالكلية.

قوله: (فلا يلزم إهمال دليل أيضًا) فيه تحريف وصوابه فلا يلزم إهمال دليلنا أيضًا وعبارة الأصفهانى فيجعل الخلق عبارة عن التعلق الحاصل بين المخلوق والقدرة حالة الإيجاد توفيقًا بين الدليلين بأن يعمل بكل من الدليلين من وجه دون وجه فإنه باعتبار أن يكون التعلق نسبة بين القدرة والمخلوق لم يكن قائمًا بذات اللَّه تعالى بالحقيقة فلا يلزم إهمال دليلكم فإنه قد عمل به من حيث إنه لم يحمل الخلق على معنى قائم به بالحقيقة وباعتبار أن يكون متعلقًا بالقدرة القائمة به تعالى لم يكن مباينًا عنه بالكلية بل يكون متعلقًا به لأن التعلق بالصفة القائمة به متعلق به الضرورة فيجوز أن يشتق من الخالق تعالى بهذا الاعتبار فلا يلزم إهمال دليلنا بالكلية لأنه قد عمل به من حيث إنه لم يحمل على الأثر المباين لذاته أما إذا حمل الخلق على المخلوق كما ذكرتم يلزم الترك لدليلنا بالكلية ضرورة كون المخلوق أمرًا منفصلًا عن ذاته وإذا حمل على فعل قائم به بالحقيقة كما ذكرنا أولا يلزم الترك لدليلكم بالكلية والترك لأحد الدليلين على خلاف الأصل لأن الأصل فى الدليل إعماله لا إهماله. اهـ. فأنت تراه جعل دليل الخصم على دعواه صحيحًا من وجه كما جعل دليلنا صحيحًا من وجه وهو يقتضى صحة المذهبين مع أن المجيب ليس مراده إلا تصحيح مذهب الجمهور وإبطال مذهب أهل الاعتزال فلا يصح حمل الجواب على ذلك بل يتعين حمله على الأول ولذا قال المحشى: فتأمل وكن الحاكم الفيصل أى فتعرف أن هذا الوجه ليس صحيحًا وأن الوجه الأول هو المتعين.

ص: 650

قال: (مسألة: الأسود ونحوه من المشتقات يدل على ذات متصفة بسواد لا على خصوص من جسم وغيره بدليل صحة الأسود جسم).

أقول: الأسود وغيره من المشتقات إنما يدل على ذات ما مبهمة باعتبار صفة معينة لا على خصوصية الذات من كونه جسمًا أو غيره بدليل صحة قولنا: الأسود جسم فإنه يفيد فائدة جديدة وليس مثل قولنا: الجسم ذو السواد جسم ولولا ذلك لا صح وكان نحو قولنا: الإنسان حيوان فإنه لا يعد مفيدًا وإن صح الحمل.

قوله: (الأسود وغيره) الأولى الأسود ونحوه على ما فى المتن ليخرج أسماء الزمان والمكان والآلة فإنها تدل على خصوصية الذات بكونه زمانًا أو مكانًا أو آلة مثل المقتل ليس معناه شيئًا ما يقع فيه القتل بل مكان أو زمان يقع فيه القتل، ولهذا لم يكن من الصفات فلم يصح مكان مقتل كما يصح مكان مقتول فيه، وفى قوله: باعتبار صفة معينة إشارة إلى أن المراد أن الأسود ونحوه يدل على ذات متصفة بسواد ونحوه من الصفات المعينة التى تتضمنها المشتقات وإلا فعلى ظاهر لفظ المتن مؤاخذة وهى أنه يقتضى أن الأبيض وكذا غيره من الصفات يدل على ذات متصفة بالسواد، وفى قوله فإنه يفيد إشارة إلى أن المراد بالصحة ههنا إفادة فائدة جديدة، وفى قوله: وكان نحو قولنا الإنسان حيوان إشارة إلى رد ما ذكره العلامة من أن قولنا: الإنسان حيوان صحيح مفيد ليس مثل قولنا الحيوان الناطق حيوان لأن مدلول الإنسان لغة ليس هو الحيوان الناطق.

قوله: (ولولا ذلك) أى لولا عدم دلالته على خصوصية الجسم لما صح عرفًا قولنا: الأسود جسم إذ لا يفيد فائدة جديدة فيعدّ لغوًا.

التفتازانى: (لتخرج أسماء الزمان. . . إلخ) رده الأبهرى بأنها داخلة وهى مبهمة باعتبار عدم تعين المكان والزمان وهو غير ظاهر.

التفتازانى: (إلى أن المراد بالصحة إفادة فائدة جديدة) الأولى أن يقول: إلى أن المراد بالصحة الصحة العرفية وذلك بأن يفيد اللفظ فائدة جديدة.

ص: 651

قال: (مسألة: لا تثبت اللغة قياسًا خلافًا للقاضى وابن سريج وليس الخلاف فى نحو رجل ورفع الفاعل أى لا يسمى مسكوت عنه إلحاقًا بتسمية لمعين لمعنى يستلزمه وجودًا وعدمًا كالخمر للنبيذ للتخمير والسارق للنباش للأخذ خفية والزانى للائط للوطء المحرم إلا بنقل أو استقراء بالتعميم لنا إثبات اللغة بالمحتمل قالوا: دار الاسم معه وجودًا وعدمًا، قلنا: ودار مع كونه من العنب وكونه مال الحى وقبلا قالوا: ثبت شرعًا والمعنى واحد قلنا: لولا الإجماع لما ثبت وقطع النباش وحد النبيذ إما لثبوت التعميم وإما بالقياس لا لأنه سارق أو خمر بالقياس).

أقول: قد اختلف فى جواز إثبات اللغة بالقياس فجوّزه القاضى أبو بكر وابن سريج وبعض الفقهاء والأصح منعه ولا بد من تحرير محل النزاع أولًا ليتوارد النفى والإثبات على محل واحد فنقول: ليس الخلاف فيما ثبت تعميمه بالنقل كالرجل والضارب أو بالاستقراء كرفع الفاعل ونصب المفعول، وإنما الخلاف فى تسمية مسكوت عنه باسم إلحاقًا له بمعين سمى بذلك الاسم لمعنى تدور التسمية به معه وجودًا وعدمًا فيرى أنه ملزوم التسمية فأينما وجد وجب التسمية به كتسمية النبيذ خمرًا إلحاقًا له بالعقار لمعنى هو التخمير للعقل المشترك بينهما الذى دار معه التسمية فما لم يوجد فى ماء العنب لا يسمى خمرًا بل عصيرًا وإذا وجد فيه سمى به وإذا زال عنه لم يسمّ بل خلًا وكذلك تسمية النباش سارقًا للأخذ بالخفية واللائط زانيًا للإيلاج المحرم إلا أن يثبت فى شئ من هذه الصور نقل أو استقراء فيخرج عن محل النزاع فلا يكون المثال مطابقًا ولا يضر فإن المثال يراد للتفهيم لا للتحقيق لنا أن القياس فى اللغة إثبات اللغة بالمحتمل وهو غير جائز.

أما الأولى: فلأنه يحتمل التصريح بمنعه كما يحتمل باعتباره بدليل منعهم طرد الأدهم والأبلق والقارورة والأجدل والأخيل وغيرها مما لا يحصى فعند السكوت عنهما يبقى على الاحتمال.

وأما الثانية: فلأنه بمجرد احتمال وضع اللفظ للمعنى لا يصح الحكم بالوضع فإنه تحكم باطل وأيضًا يجب الحكم بوضع اللفظ بغير قياس إذا قام الاحتمال وهو باطل بالاتفاق.

قالوا: أولًا: دار الاسم مع المعنى وجودًا وعدمًا فدل على أنه المعتبر، لأن الدوران يفيد ظن العلية.

ص: 652

الجواب: المعارضة على سبيل القلب بأنه دار أيضًا مع المحل ككونه ماء العنب ومال الحى ووطأ فى القبل فدل على أنه معتبر كما ذكرتم فالمعنى جزء العلة فلا يستلزم.

قالوا: ثانيًا: ثبتا القياس شرعًا فيثبت لغة إذ المعنى الموجب للثبوت فيهما واحد وهو الاشتراك فى معنى يظن اعتباره بالدوران.

الجواب: لا نسلم أن المعنى واحد إذ المعنى فى الشرع بالحقيقة هو الإجماع على ثبوته أو ذلك مع الإجماع ولم يتحقق ههنا فإن قيل: فبِمَ أوجب الشافعى رحمه الله قطع النباش وحد النبيذ قلنا: ذلك إما لثبوت تعميم السرقة والخمر بالنقل وإما لقياسهما على السارق والخمر قياسًا شرعيًا فى الحكم لا لأنه يسمى سارقًا وخمرًا بالقياس فى اللغة.

قوله: (إلا بنقل) الظاهر أنه استثناء عن قوله: لا يسمى لكن لما لم يستقم الاتصال لأنه لا سكوت عند النقل والاستقراء فى الانقطاع أيضًا تكلف جعله الشارح راجعًا إلى الأمثلة المذكورة ويؤيده ما سيجئ أن الشافعى رحمه الله ربما يدعى فى النبيذ والنباش ثبوت التعميم.

قوله: (وإنما الخلاف فى تسمية مسكوت عنه) أى معنى لم يعلم بالنقل ولا الاستقراء أنه من أفراد مسمى ذلك الاسم وقوله: إلحاقًا علة التسمية ولمعنى علة الإلحاق وضمير به فى الموضعين لذلك الاسم وضمير معه وإنه ووجد لمعنى، وقوله فى المتن: إلحاقًا أى لأجل الإلحاق بالغير والقياس عليه وقوله بتسمية أى باسم موضوع لمعين متعلق بلا يسمى وهم يعبرون عن الاسم بالتسمية لئلا يذهب الوهم إلى نفس المسمى حيث يجعلون الاسم هو المسمى كما يعبرون عن اللفظ الحادث بالقراءة والكتابة دون المقروء والمكتوب، وقوله بمعنى متعلق بإلحاقًا أى بسبب معنى يستلزم ذلك الاسم المعبر عنه بالتسمية ويجوز أن يكون قوله: بتسمية متعلقًا بإلحاقًا والمعنى على المصدرية وبمعنى متعلق بتسمية أى إلحاقًا لتسمية المسكوت عنه بتسمية لعين بسبب معنى يستلزم التسمية وتذكير الضمير باعتبار أن المصدر بمعنى: أن والفعل.

قوله: (وجب التسمية) فإن قيل: قد سبق أن الخلاف فى الجواز قلنا: المراد

ص: 653

بالوجوب ههنا الثبوت ولو سلم فالمعنى أنهم اختلفوا فى أنه هل يحوز أن يثبت بالقياس وجوب كون المسكوت عنه مسمى باسم؟ .

قوله: (وأما الثانية) أى المقدمة القائلة: بأن إثبات اللغة بالاحتمال غير جائز فلأنه تحكم أى حكم بوقوع أحد طرفى الحكم من غير رجحان ولأنه موجب للحكم أى مستلزم لصحة الحكم بالوضع من غير قياس عند قيام الاحتمال وكلاهما باطل بالاتفاق، فقوله: لأنه بمجرد احتمال وضع اللفظ للمعنى لا يصح الحكم بالوضع إعادة للدعوى بطريق أوضح والدليل هو لزوم التحكم ولقائل أن يقول: إن أريد مجرد الاحتمال من غير رجحان على ما صرح به فى المنتهى حيث قال لنا إثبات اللغة بالوهم أو الشك فالمقدمة الأولى ممنوعة وما ذكر فى إثباتها لا يفيد لأن احتمال التصريح بالمنع والاعتبار ليس على السواء، وإن أريد مطلق الاحتمال فالثانية لجواز أن يكون احتمالًا راجحًا فلا يلزم التحكم ولا صحة الحكم بالوضع بمجرد الاحتمال من غير قياس.

قوله: (الجواب المعارضة على سبيل القلب) يعنى أن ما ذكرتم وإن دل على جواز إثبات اللغة بالقياس بناء على غلبة الظن بعلية المعنى فعندنا ما ينفيه بناء على إقامة الدليل على عدم عليته، وكما كان استدلالكم بالدوران فكذا استدلالنا فيكون معارضة على سبيل القلب إلا أن فيه بحثًا وهو أن الدوران يفيد ظن العلية لا مجرد اعتبار المدار فى العلية وحيتئذ يحصل ظن علية كل من المشترك والخصوصية على تقدير ثبوت المدارية وجودًا وعدمًا، ولا يلزم كون المشترك جزء علة وبهذا يظهر فساد ما ذكر بعض الشارحين من أن المراد أن الاسم كما دار مع المشترك دار مع الخصوصية فكما جاز عليه هذا جاز عليه ذاك فيكون الإثبات بالمشترك إثباتًا بالمحتمل من غير رجحان، ولو أريد أن المدار هو المجموع لا المشترك وحده كان هذا منعًا بمدارية المشترك لا معارضة وكلام العلامة فى هذا المقام مختل جدًّا، وذلك أنه جعل المذكور فى معرض الاستدلال مناقضة لدليلنا أى لا نسلم أن علية المشترك ليست أولى من عدم عليته حتى يلزم الإثبات بالمحتمل وكذا المذكور فى معرض الجواب أى لا نسلم أن الدوران يدل على ما ذكرتم بل هو أمارة عليه كما هو أمارة على غيره من غير ترجيح لأحد المحتملين.

قوله: (ثبت القياس شرعًا) فإن قيل: هذا إثبات القياس بالقياس فلا يقوم على

ص: 654

المنكرين مطلقًا ولا على المعترفين به فى الشرعيات خاصة، قلنا بل إثبات للحكم بدليله إلزامًا على القائلين فى الشرعيات خاصة.

قوله: (أو ذلك) أى الاشتراك فى اعتباره مع الإجماع ولم يتحقق فى القياس فى اللغة الإجماع فانتفى المعنى الموجب بالكلية أو بأحد جزأيه.

قوله: (ليس الخلاف فيما ثبت تعميمه بالنقل كالرجل والضارب) فإن مسمى الأوّل ذكر من ذكور بنى آدم وأصل حد البلوغ ومسمى الثانى ذات ما له الضرب علم ذلك بالنقل فلا يكون إطلاق شئ منهما فى موارده المشتملة على هذا المسمى، وإن لم يسمع من أهل اللغة قياسًا إذ تعميمه فيهما باعتبار عموم مسماه إياها.

قوله: (أو بالاستقراء كرفع الفاعل ونصب المفعول) إذ حصل لنا باستقراء جزئيات الفاعل مثلًا قاعدة كلية هى: أن كل فاعل مرفوع لا شك فيها؛ فإذا رفعنا فاعلًا لم يسمع رفعه منهم لم يكن قياسًا لاندراجه تحتها.

قوله: (لمعنى) يتعلق بقوله: إلحاقًا لا بقوله: سمى.

قوله: (تدور التسمية به) أى بذلك الاسم مع ذلك المعنى وجودًا وعدمًا فيظن أن المعنى ملزوم التسمية فأينما وجد المعنى وجب التسمية بذلك الاسم.

قوله: (إلا أن يثبت) أى لا يسمى السكون فى الأمثلة المذكورة بهذه الأسماء إلا أن يثبت فى شئ من هذه الصور.

قوله: (أما الأولى) أى المعنى الذى دار معه التسمية وجودًا وعدمًا (فلأنه يحتمل التصريح) من الواضع بمنع اعتباره والتعدية بسببه (كما يحتمل) التصريح منه (باعتباره) والتعدية.

قوله: (بدليل) يتعلق بالاحتمال المشبه أى: يحتمل التصريح بالمنع بدليل منعهم طرد الأدهم والأبلق فى غير الفرس مع أن الأوّل دائر مع السواد وجودًا وعدمًا، والثانى مع التخطيط من السواد والبياض فقد منع ههنا من اعتبار المعنى والتعدية فى محاله وكذا القارورة والأجدل والأخيل وغيرها كالسماك مثلًا دائر مع معنى القرار والقوّة والخيلان والسموك ولا يجوز التعدية بها فعند سكون الواضع عن التصريح بالمنع والاعتبار كما فى صورة النزاع يبقى المعنى على الاحتمال ويترتب

ص: 655

عليه احتمال الوضع.

قوله: (وأيضًا يجب) أى يلزم من الحكم بالوضع: لمجرد الاحتمال الحاصل من ملاحظة المعنى، الحكم بالوضع بغير قياس إذا قام الاحتمال؛ لأنه بالحقيقة مناط الحكم فبطل ما قيل من أن هذا الوجوب شرعى أو عقلى.

قوله: (لأن الدوران يفيد ظن العلية) فيكون المعنى علة للاسم فأينما وجد وجد كما هو مقتضى العلية.

قوله: (بأنه) أى الاسم (دار أيضًا مع) تعين (المحل) منضمًا إلى ما ذكرتم (ككونه ماء العنب ومال الحى ووطأ فى القبل فدل) الدوران (على أن المحل معتبر معه كما ذكرتم فالمعنى جزء العلة) المركبة منه ومن تعين المحل (فلا يستلزم) الاسم ولا يكون علة.

قوله: (ثبت القياس شرعًا) لا يقال: هذا قياس فى اللغة فيكون إثباتًا للشئ بنفسه؛ لأنا نقول: هذا قياس فى ثبوت القياس فى اللغة لا قياس فى اللغة نعم إنما ينهض حجة على من اعترف بالقياس فى غير الشرعيات.

قوله: (الجواب لا نسلم أن المعنى) أى: الأمر الموجب للقياس (واحد) فيهما (إذ المعنى) الموجب له (فى الشرع بالحقيقة هو الإجماع على ثبوت القياس فيه أو ذلك) المعنى الذى يظن اعتباره بالدوران أو غيره (مع الإجماع ولم يتحقق) الإجماع على ثبوت القياس فى اللغة فإن قلت: إذا أمكن إلحاق شارب النبيذ بشارب الخير والنباش بالسارق فى الحكم قياسًا شرعيًا فهل لثبوت القياس فى اللغة لو ثبت فائدة فى ذلك؟ قلت: إذا سلم أن القياس الشرعى لا يجرى فى الحدود والكفارات كما هو مذهب الحنفية أمكن إثبات اندراجهما تحت النصوص بالقياس فى اللغة فيثبت الحكم بالنص لا بالقياس.

المصنف: (ورفع الفاعل) ظاهر على أن الأعرابى لفظى وأن الحركات ألفاظ أما على غير ذلك فغير ظاهر.

الشارح: (والأجدل) هو الصقر وقوله: والأخيل هو الصرد أو طير مشئوم.

التفتازانى: (وضمير به فى الموضوعين) أى قوله: تدور التسمية به وقوله: وجب التسمية به.

ص: 656

التفتازانى: (وقوله بمعنى متعلق بإلحاق) لعل النسخة التى وقعت له بمعنى لا لمعنى والصواب لمعنى وهو متعلق بتسمية فيكون ظرفًا لغوًا بخلاف الحل الأول فهو متعلق بمحذوف صفة لتسمية بمعنى اسم.

التفتازانى: (ليس على السواء) رد بأن المراد التسوية بحسب عدم التعرض لشئ منهما ويكفى فى ذلك أن الأصل عدم الرجحان.

التفتازانى: (لا مجرد اعتبار المدار فى العلية) أى الصادق بكونه جزء علة كما قال الشارح وقوله: وحينئذ أى حينئذ كان الدور أن يفيد ظن العلية لا مجرد اعتبار المدار فى العلية فالحاصل إنما هو ظن علية كل من المشترك والخصوصية ولا يلزم كون المشترك جزء علة كما قال الشارح.

التفتازانى: (وبهذا يظهر فساد ما ذكر بعض الشارحين. . . إلخ) لعل الأولى صحة ما ذكر بعض الشارحين.

التفتازانى: (أنه جعل المذكور فى معرض الاستدلال) أعنى قوله: دار مع الاسم وجودًا وعدمًا فإنه ذكر فى معرض الاستدلال على إثبات اللغة قياسًا.

التفتازانى: (حتى يلزم الإثبات بالمحتمل) أى كما هو مقتضى الدليل على أن اللغة لا تثبت بالقياس.

التفتازانى: (وإذا المذكور فى معرض الجواب) أعنى قوله: ودار مع كونه من العنب فإنه جواب عن دليلهم فجعله العلامة ردًا للمناقضة على دليلنا وتصحيحًا له مع أنه جواب عن دليلهم ورد له فى ذاته.

التفتازانى: (إلزامًا على القائلين. . . إلخ) أى: يلزمهم حيث أثبتوا القياس فى الشرعيات إثباته فى اللغة.

التفتازانى: (أى الاشتراك فى اعتباره) فيه سقط وأصله: أى الاشتراك فى معنى يظن اعتباره.

قوله: (أى لا يسمى المسكوت عنه. . . إلخ) هذا الحل غير ظاهر والظاهر ما قاله السعد.

قوله: (أما الأولى أى بالمعنى. . . إلخ) تحريف من الطبع وحقه أن يكون أى المعنى تفسيرًا للضمير فى قوله: فلأنه فأصل النسخة هكذا قوله: فلأنه أى المعنى

ص: 657

الذى دار معه التسمية وجودًا وعدمًا يحتمل التصريح من الواضع. . . إلخ. وذلك لأن الأولى ليس المعنى الذى دار. . . إلخ. بل هو أن القياس فى اللغة إثبات اللغة بالمحتمل.

قدس سره: (نعم إنما ينهض. . . إلخ) بهذا يرد على السعد فى قوله: بل إثبات للحكم بدليله إلزامًا. . . إلخ؛ لأن الدليل المذكور هو القياس غير الشرعى فلا يقوم حجة على من اعترف به فى الشرعيات خاصة.

ص: 658

قال: (مسألة: الحروف معنى قولهم الحرف لا يستقل بالمفهومية أن نحو من وإلى مشروط فى دلالتها على معناها الإفرادى ذكر متعلقها ونحو الابتداء والانتهاء وابتدأ وانتهى غير مشروط فيها ذلك وأما نحو ذو وفوق وتحت وإن لم تذكر إلا بمتعلقاتها لأمر فغير مشروط فيها ذلك لما علم من أن وضع ذو بمعنى صاحب ليتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس اقتضى ذكر المضاف إليه وأن وضع فوق بمعنى مكان ليتوصل به إلى علو خاص اقتضى ذلك وكذا البواقى).

أقول: قد سمعت قول النحاة الحرف لا يستقل بالمفهومية وعليه إشكال فأراد تقرير المراد أولًا والإشارة إلى الإشكال ثانيًا وحله ثالثًا.

أما تقريره: فهو أن معناه أن نحو من وإلى مشروط فى وضعها دالة على معناها الإفرادى وهو الابتداء والانتهاء ذكر متعلقها من دار أو سوق أو غيرهما مما يدخل عليه الحرف ومنه الابتداء وإليه الانتهاء والاسم نحو الابتداء والانتهاء والفعل نحو ابتدأ وانتهى غير مشروط فيه ذلك.

وأما الإشكال: فهو أن نحو ذو وأولو وأولات وقيد وقيس وقاب وأىّ وبعض وكل وفوق وتحت وأمام وقدام وخلف ووراء مما لا يحصى كذلك إذ لم يجوز الواضع استعمالها إلا بمتعلقاتها فكان يجب كونها حروفًا وإنها أسماء.

وأما الحل: فهو أنها وإن لم يتفق استعمالها إلا كذلك لأمر ما عرض فغير مشروط فى وضعها دالة ذلك لما علم أن ذو بمعنى صاحب ويفهم منه عند الإفراد ذلك لكن وضعه له لغرض ما وهو التوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس فى نحو زيد ذو مال وذو فرس فوضعه ليتوصل به إلى ذلك هو الذى اقتضى ذكر المضاف إليه لا أنه لو ذكر دونه لم يدل على معناه نعم لم يحصل الغرض من وضعه والفرق بين عدم فهم المعنى وبين عدم فائدة الوضع مع فهم المعنى ظاهر وكذلك فوق وضع لمكان له علو ويفهم منه عند الإفراد ذلك لكن وضعه له ليتوصل به إلى علو خاص اقتضى ذكر المضاف إليه وكذلك بواقى الألفاظ قال فى المنتهى وأشكل منه نحو على وعن والكاف فى الاسمية إذ معناها أسماء وحروفًا واحد.

والجواب: أنه يجب رده إلى ذلك وإن لم يقو هذا التقرير فيه إجراء للبابين على ما علم من لغتهم فيهما ولا يخفى ما فى هذا الكلام من التمحل والتحكم

ص: 659

وإن كنت تريد حقيقة الحال فى ذلك فاعلم أولًا مقدمة: وهى أن اللفظ قد يوضع وضعًا عامًا لأمور مخصوصة كسائر صيغ المشتقات والمبهمات فإن الواضع لما قال صيغة فاعل من كل مصدر لمن قام به مدلوله وصيغة مفعول منه لمن وقع عليه علم منه حال نحو: ضارب ومضروب، من غير تعرض لخصوصهما.

وكذلك إذا قال: هذا: لكل مشار إليه مخصوص، وأنا: لكل متكلم، والذى: لكل معين بجملة. وليس وضع هذا كوضع رجل فإن الموضوع له فيه عام وهذه وضعت باعتبار المعنى العام للخصوصيات التى تحته حتى إذا استعمل رجل فى زيد بخصوصه كان مجازًا وإذا أريد به العام المطابق له كان حقيقة بخلاف هذا وأنا والذى فإنه إذا أريد بها الخصوصيات كانت حقائق ولا يراد بها العموم أصلًا فلا يقال هذا والمراد أحد مما يشار إليه ولا أنا ويراد به متكلم ما وإذ قد تحقق ذلك فنقول: الحرف وضع باعتبار معنى عام وهو نوع من النسبة كالابتداء والانتهاء لكل ابتداء وانتهاء معين بخصوصه والنسبة لا تتعين إلا بالمنسوب إليه فالابتداء الذى للبصرة بتعين بالبصرة والانتهاء الذى للكوفة يتعين بالكوفة فما لم يذكر متعلقه لا يتحصل فرد من ذلك النوع هو مدلول الحرف لا فى العقل ولا فى الخارج وإنما يتحصل بالمنسوب إليه فيتعقل بتعقله بخلاف ما وضع للنوع نفسه كالابتداء والانتهاء وبخلاف ما وضع لذات ما باعتبار نسبة نحو ذو وفوق وعلى وعن والكاف إذا أريد به علو وتجاوز وشبه مطلقًا فهو كالابتداء والانتهاء.

قوله: (الحرف لا يستقل بالمفهومية) عبارة النحاة أن الحرف ما يدل على معنى فى غيره أى لا فى نفسه، وضمير فى "غيره" إما عائد إلى اللفظ بمعنى أنه لا يدل بنفسه بل بانضمام لفظ آخر إليه، وإما إلى المعنى بمعنى أنه غير تام فى نفسه أى لا يحصل من اللفظ إلا بانضمام شئ آخر إليه فصار الحاصل أنه لا يستقل بالمفهومية أى بمفهومية المعنى منه والمعنى قد يكون إفراديًا هو مدلول اللفظ بانفراده، وقد يكون تركيبيًا يحصل منه عند التركيب فيضاف أيضًا إلى اللفظ وإن كان معنى اللفظ عند الإطلاق هو الإفرادى ويشترك الاسم والفعل والحرف فى أن معانيها التركيبية لا تحصل إلا بذكر ما تتعلق به من أجزاء الكلام، ويختص الحرف بأن معناه الإفرادى أيضًا لا يحصل بدون ذكر المتعلق لكن لا بحسب اتفاق الاستعمال كما

ص: 660

فى بعض الأسماء؛ بل بحسب الوضع واشتراط الواضع ذلك تنصيصًا أو دلالة على ما يشهد به الاستقراء؛ فمعنى عدم استقلال الحرف بالمفهومية أنه مشروط بحسب الوضع فى دلالتها على معناها الإفرادى ذكر متعلقها، وفى عبارة الشارح قلق لا يخفى لأن قوله: دالة لم يقع موقعًا صالحًا.

قوله: (لما علم من أن وضع ذو بمعنى صاحب) تعليل لقوله: غير مشروط فيها ذلك على ما قرره الشارح المحقق، وليس بدلًا من قوله: لأمر ما على ما توهمه الشارح العلامة.

قوله: (ولا يخفى ما فى هذا الكلام) أى كلام المنتهى (من التمحل والتحكم) أما التمحل فلظهور أن معنى الكاف فى زيد كعمرو وجاءنى الذى كعمرو واحد فيكون الحكم بأن الأول اسم مستقل بالمفهومية، والثانى حرف غير مستقل غير مستقيم، وأما التحكم فلأنا قاطعون بأن ذكر المتعلق مشروط فيهما بحسب الاستعمال ولا دليل على أن ذلك فى أحدهما بحسب الوضع ليكون حرفًا وفى الآخر لا بحسب الوضع ليكون اسمًا، وأما التقصى عن ذلك على ما ذكره الشارح المحقق فهو أن نظر الواضع فى وضعه قد يكون إلى خصوص اللفظ لخصوص المعنى كما فى الإعلام، وقد يكون إلى خصوص اللفظ لعموم المعنى أى للمعنى الكلى المحتمل للمقولية على الكثرة كوضع رجل حتى يصح أن يقال أكرم رجلًا والمراد رجل ما ولو أريد زيد بخصوصه لم يصح حقيقة وقد يكون إلى عموم اللفظ لخصوص المعنى بأن لا يلاحظ لفظ بعينه بل أمرًا كليًا يندرج فيه كثير من الألفاظ وذلك فى وضع الهيئات بأن يقول صيغة فاعل مع كل مصدر فإنها لمن قام به مدلول ذلك المصدر فيعلم منه أن ضاربًا لمن قام به الضرب وقاعد لمن قام به القعود إلى غير ذلك من الخصوصيات مع أنه لم يعتبرها ولم يلاحظها على التفصيل، وقد يكون إلى اللفظ بخصوصه فيضعه بملاحظة أمر عام لأفراد ذلك الأمر ولخصوصياتها حتى لا يكون الموضوع له هذا الأمر العام بل خصوصياته على التفصيل إلا أن نظر الواضع عند الوضع يكون إلى ذلك الأمر لا إلى الخصوصيات بمعنى أنه عين اللفظ لتلك الخصوصيات لكن بملاحظة ذلك الأمر كما فى تعيين لفظ هذا لهذا الرجل وهذا الفرس إلى غير ذلك مما لا يتناهى بملاحظة أمر كلى هو مفهوم المشار إليه بالخصوص وإلى القسمين الأخيرين أشار الشارح بقوله: اللفظ

ص: 661

قد يوضع وضعًا عامًا لأمور مخصوصة، وأشار بقوله وضعًا عامًا إلى أنه لا يلاحظ إلا ذلك الأمر العام وبقوله لأمور مخصوصة إلى أن تعيين اللفظ لا يكون إلا للدلالة على الخصوصيات حتى لا يصح أن يقال: ضارب والمراد من قام به مدلول مصدر ما بل مدلول الضرب بخصوصه، أو يقال: هذا والمراد شخص ما مشار إليه بل هذا المشار إليه بعينه ففى هذا القسم الأخير خصوص المعنى شخصى لا يحتمل الكثرة واعتبار خصوص اللفظ فى نظر الواضع ضرورى بخلاف ما قيل فإن خصوصيات المعانى كليات وملاحظة الألفاظ عند الوضع ليست باعتبار خصوصياتها بل باعتبار اندراجها تحت أمر كلى، وإنما اقتصر الشارح على التعرض لهذين القسمين لأن وضع الحروف من هذا القبيل لأنها وضعت باعتبار أمر عام هو نوع من النسبة لكل فرد من أفرادها معين بخصوصه ومعلوم أنه لا يحصل خصوص النسبة وتعينها لا فى العاقل ولا فى الخارج إلا بتعيين المنسوب إليه فلم يكن بدّ فى دلالة الحروف على معانيها من ذكر متعلق به تتعين تلك النسبة، بخلاف الاسم والفعل فإنهما ليسا للنسبة بخصوصها بل الاسم قد يكون لنفس الذات كرجل، وقد يكون لذات باعتبار نسبة كذو وفوق، وقد يكون لنسبة لا بخصوصها كالابتداء والانتهاء وكذا الفعل فإنه لنسبة الحديث إلى موضوع ما فعلى وعن والكاف إذا أريد بها علو وتجاوز وشبه مطلقًا من غير نظر إلى الخصوصيات كانت أسماء، وإذا أريد بها علو وتجاوز وشبه بخصوصها كانت حروفًا فلا تمحل ويعرف بالعلامات والقرائن كما فى سائر الألفاظ المشتركة فلا تحكم فقوله: نحو ذو وفوق مثال لما وضع لذات باعتبار نسبة وقوله وعلى وعن والكاف مبتدأ خبره الجملة الشرطية بعده ومما يوضح الفرق بين الكاف الاسمية والحرفية التأمل فى قولنا زيد ما نند أسداست وزيد همجو أسداست.

قوله: (على معناها الإفرادى) قيل: احترز بقيد الإفرادى عن الاسم والفعل؛ فإن دلالتهما على معناهما التركيبى كالفاعلية وكونه مسندًا مثلًا مشروطة بذكر متعلقه لا على معناهما الإفرادى بخلاف الحرف إذ قد اشترط فى وضعه دالًا على معناه الإفرادى ذلك، وأما العلم بهذا الاشتراط فإما من نص الواضع عليه كما قيل وفيه بعد، وإما من استقراء عدم استعمال الحروف بدون المتعلق فلولا

ص: 662

الاشتراط لاستعملت فى الجملة بدونه وهذا أقرب؛ وحينئذ يظهر الإشكال بالأسماء المذكورة لاشتراكهما فى عدم الاستعمال بدون المتعلقات فكما دل هناك على الاشتراط وعدم تجويز الاستعمال بدونها دل عليه ههنا أيضًا، وإنما مثل من الأسماء بالابتداء والانتهاء ومن الأفعال بابتدأ وانتهى لأنهما أقرب إلى حرفى من وإلى مما عداهما للاشتراك فى المعنى فيعلم أن الاختلاف بحسب الاشتراط وعدمه ويتضح ما ذكره من المدعى وقيد رمح وقيس رمح بمعنى قدر رمح وقاب القوس ما بين المقبض والسية فلكل قوس قابان وقوله تعالى:{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9]، يقال: أراد قابى قوس فقلبه كذا فى الصحاح.

قوله: (إلى الوصف بأسماء الأجناس) لم يرد به النعت بل ما هو أعم؛ ومحصل الحل: أن ذكر المتعلق فى الحروف لتتميم الدلالة وفى هذه الأسماء لتحصيل الغاية فإن قيل: إذا سمع لفظ من مفردة يفهم منها معنى الابتداء فلا تكون دلالتها عليه بحسب الوضع مشروطة بذكر المتعلق، أجيب بأن فهمه منها ليس لكونها دالة عليه عند الانفراد وضعًا، بل لكونه مفهومًا منها عند التركيب فيسبق الذهن إليه دونه.

قوله: (وأشكل منه) أى مما ذكر من الأسماء، وإنما كانت أشكل إذ معناها أسماء وحروفًا واحد وكذا لفظها فالفرق أشكل ودعوى الاشتراط فى لفظ واحد بالقياس إلى معنى واحد فى حالة دون أخرى أبعد منها فى لفظين بالنسبة إلى معنى واحد ومعنيين فلذلك قال: وإن لم يقو هذا التقرير فيه.

قوله: (ولا يخفى ما فى هذا الكلام من التمحل والتحكم) أما التمحل أى الاحتيال فهو الاشتراط المذكور؛ لأن الحكم بأن الواضع وضع من والابتداء لمعنى واحد لكنه اشترط فى دلالة الأوّل ذكر المتعلق دون الثانى مع عدم ظهور فائدة لهذا الاشتراط تمحل محض لتوجيه قولهم: الحرف لا يستقل بالمفهومية، وأما التحكم فهو أن الدليل على الاشتراط ليس إلا عدم الاستعمال بدون المتعلق على ما هو الحق وهذا مشترك بين الحروف والأسماء المذكورة فالحكم بأن التزام الذكر فى أحدهما للدلالة وفى الآخر للغاية دون العكس ترجيح من غير مرجح.

قوله: (فاعلم أوّلًا مقدمة) لا بد للواضع فى الوضع من تصوّر المعنى فإن تصوّر معنى جزئيًا وعين بإزائه لفظًا مخصوصًا أو ألفاظًا مخصوصة: متصوّرة تفصيلًا أو

ص: 663

إجمالًا كان الوضع خاصًا لخصوص التصوّر المعتبر فيه أى تصوّر المعنى والموضوع له أيضًا خاصًا، وإن تصور معنى علمًا يندرج تحته جزئيات إضافية أو حقيقية فله أن يعين لفظًا معلومًا أو ألفاظًا معلومة على أحد الوجهين بإزاء ذلك المعنى العام فيكون الوضع عامًا لعموم التصوّر المعتبر فيه والموضوع له أيضًا عامًا، وله أن يعين اللفظ أو الألفاظ بإزاء خصوصيات الجزئيات المندرجة تحته؛ لأنها معلومة إجمالًا إذا توجه العقل بذلك المفهوم العام نحوها والعلم الإجمالى كاف فيكون الوضع عامًا لعموم التصوّر المعتبر فيه والموضوع له خاصًا، وأما عكس هذا أعنى: أن يكون الوضع خاصًا لخصوص التصوّر المعتبر فيه والموضوع له عامًا فلا يتصوّر لأن الجزئى ليس وجهًا من وجوه الكلى ليتوجه العقل به إليه فيتصوّره إجمالًا إنما الأمر بالعكس وإذا تحققت هذا يصح عندك معنى قوله: إن اللفظ قد يوضع وضعًا عامًا لأمور مخصوصة كسائر صيغ المشتقات والمبهمات إلخ وبينهما على الوجه الذى أورده فوق من وجهين أحدهما: أن الخصوصيات التى وضعت بإزائها المشتقات جزئيات إضافية كل واحد منها كلى فى نفسه حتى لو فرض أن الواضع تصوّر مفهوم الضارب وعين بإزائه لفظه بيان الوضع والموضوع له عامين وخصوصيات ما وضعت المبهمات بإزائها جزئيات حقيقية وثانيهما: أن تصور اللفظ والمعنى فى المشتقات بوجه عام، وأما فى المبهمات فعموم التصوّر فى المعنى لكن الوضع فى كليهما عام؛ لأن المعتبر فى ذلك هو المعنى إذ لا يترتب على اعتباره فى اللفظ فائدة.

قوله: (وكذلك إذا قال: هذا لكل مشار إليه مخصوص) فإن الواضع تصوّر كل مشار إليه مفرد مذكر باعتبار هذا المفهوم العام ولم يضع اللفظ لهذا المعنى الكلى بل لتلك الجزئيات المندرجة تحته فصار الوضع عامًا والموضوع له خاصًا، وإنما حكمنا بذلك؛ لأن لفظ هذا لا يطلق إلا على الخصوصيات ولا يجوز إطلاقه على غيرها إذ لا يقال: هذا والمراد أحد مما يشار إليه بل لا بد فى إطلاقه من القصد إلى خصوصية معينة فلو كان موضوعًا للمعنى العام كرجل لجاز فيه ذلك ولكان استعماله فى الخصوصيات مجازًا، والقول بأنه موضوع للمفهوم الكلى لكن الواضع قد اشترط أن لا يستعمل إلا فى الجزئيات بخلاف نحو رجل تمحل ظاهر، فإن قلت: إذا كان هذا موضوعًا للخصوصيات المتعددة كان مشتركًا لفظيًا، قلت:

ص: 664

إنما يلزم ما ذكرتم أن لو كان موضوعًا لها بأوضاع متعددة وليس كذلك بل موضوع لها وضعًا واحدًا، واعلم أن وضعه للخصوصيات من حيث إنها مندرجة تحت المفهوم الكلى فزيد من حيث تعلق به إشارة مخصوصة معنى لهذا فله اعتبار فى الوضع وفى الموضوع له أيضًا، ومن ههنا ظهر أن المبهمات والمضمرات بحسب معانيها جزئيات حقيقية ولا يقدح فى ذلك أن "هذا" يشار به إلى أمر كلى مذكور وأن ضمير الغائب قد يرجع إليه أيضًا؛ أما الأوّل فلأن هذا يقتضى بحسب أصل الوضع مشاهدًا مشارًا إليه إشارة حسية فلا يكون إلا جزئيًا حقيقيًا وإذا استعمل فى غيره فقد نزل منزلته والكلى المذكور من حيث إنه مذكور بهذا الذكر الجزئى جزئى لا يحتمل الشركة وإطلاقه من هذه الحيثية، وأما الثانى فلاقتضاء الغائب ذكرًا جزئيًا للمرجوع إليه إما لفظًا أو معنًى أو حكمًا وقد عرفته أن الكلى من حيث هو مذكور ذكرًا جزئيًا جزئى.

قوله: (وليس وضع هذا) أى لفظ هذا وما ذكر معه أو هذا المذكور (وهذه) أى المذكورات من المبهيات والمضمرات (وضعت باعتبار المعنى العام) وقد تحقق اعتباره من وجهين.

قوله: (وإذ قد عرفت ذلك) اعلم أن الابتداء إن أخذ مطلقًا كان معنًى مستقلًا ملحوظًا للعقل بالذات يمكنه أن يحكم عليه وبه، وإن أخذ معينًا متعلقًا بشئ مخصوص فله اعتباران أحدهما: أن يلاحظه العقل من حيث إنه مفهوم من المفهومات ويتوجه إليه بالقصد فيكون مفهومًا مستقلًا أيضًا يصلح أن يكون محكومًا عليه وبه، وثانيهما: أن يلاحظه العقل من حيث هو حالة لذلك الشئ ويجعله آلة لتعرف حاله ويكون المتوجه إليه بالقصد هو ذلك الشئ وبهذا الاعتبار هو مفهوم لا يستقل بالتعقل والملاحظة إنما يلاحظه العقل باعتبار ملاحظة ذلك الشئ؛ فالعقل فى الأوّل يتوجه إلى مطلق مفهومه ويلزمه إدراك متعلقه إجمالًا لكنه ليس مقصودًا بالذات، وفى الثانى يتوجه إلى مطلق المفهوم أيضًا لكنه يضيفه إلى متعلق مخصوص وهو المفهوم من قولك: ابتداء البصرة، وفى الثالث يتوجه بالقصد إلى المتعلق ثم إنه فى تعرّف حاله يلاحظه للابتداء المتعلق به إذا تمهد هذا فنقول: معنى من ليس هو الابتداء المطلق ولا المخصوص المأخوذ بالاعتبار الأوّل وإلا لصح أن يقع محكومًا عليه وبه قطعًا، لكنا لا نشك أن المفهوم المستفاد منه

ص: 665

فى قولك: سىرت من البصرة على الوجه الذى استفيد منه لا يصلح لشئ منهما فتعين أن يكون معناه الابتداء الخاص بالاعتبار الثانى؛ وهو معنى لا يستقل بالمفهومية ولا يتحصل ذهنًا ولا خارجًا إلا بمتعلق ثم إنه يستعمل فى كل ابتداء خاص حقيقة بلا اشتراك فهو موضوع لذلك وضعًا عامًا على معنى أن الواضع تصوّر مفهوم الابتداء ولاحظ به جزئيات فعين لفظ "من" بإزائها، وأما "ابتدأ" فالواضع تصوّر معنى الابتداء المطلق ولاحظ معه النسبة من حيث هى حالة بينه وبين شئ معين فى زمان ماض وعين لفظه بإزاء هذا المجموع، فالنسبة ههنا مفهوم غير مستقل كمفهوم الحرف لا تعقل إلا بطرفيها فلذلك لا يتحصل معنى ابتدأ ذهنًا ولا خارجًا إلا بذكر الفاعل، وإنما حكمنا بذلك لأن النسبة المطلقة والمخصوصة الملحوظة بالذات من حيث هى كذلك لا تكون حكمية بل تقع محكومًا عليها أو بها كما يظهر بأدنى تأمل، وإنما اعتبرنا فى الفاعل التعيين أىّ تعيين كان سواء كان جزئيًا أو مفهومًا عامًا فإن المفهومات العامة من حيث هى أمور متعينة وباعتبار ما صدقت هى عليه غير متعينة؛ لأن النسبة الحكمية التى يتضمنها ابتدأ لو كانت متعلقة بفاعل لا بعينه ولا شك أنه مفهوم عند إطلاقه لكان ابتدأ وحده كلامًا تامًا محتملًا للصدق والكذب وأنه باطل اتفاقًا مع استلزامه محذورين على ما بين فى علم آخر، وأما معنى الابتداء فإنه وإن كان صالحًا فى نفسه للحكم عليه وبه لكنه بانضمام هذه النسبة إليه صار مأخوذًا فيه من حيث إنه محكوم به وانسلخ عنه صلاحية الحكم عليه؛ لأنا نعلم قطعًا أن الابتداء المستفاد من ابتدأ على الوجه الذى استفيد منه لا يصلح أن يكون محكومًا عليه وبه، وما يقال من أن الفعل صالح للحكم به فإنما هو باعتبار جزء معناه لا مجموعة، وما حققناه من الوضع العام فى الحروف يجرى فى الأفعال باعتبار النسب المعتبرة فيها وامتازت الأفعال بالاشتمال على معنى هو محكوم به، وأما نحو ذو وفوق فهو موضوع لذات ما باعتبار نسبة مطلقة كالصحبة والفوقية لها نسبة تقييد به إليها فليس فى مفهومه ما لا يتحصل إلا بذكر متعلقه بل هو مستقل بالتعقل والتزام الإضافة لا يقتضى عدم الاستقلال فلذلك يقع محكومًا عليه وبه، وعلى وعن والكاف فى الحرفية معناها الاستعلاء والتجاوز والشبه المخصوصة على قياس من فتكون غير مستقلة بالمفهومية، وفى الاسمية معناها إما الفوق والجانب والمثل كما هو المشهور

ص: 666

وهى معان مستقلة، وإما العلو والتجاوز والشبه مطلقًا كما فى الشرح وهى أيضًا مستقلة، ولعلك إذا استوضحت ما تلونا عليك اطلعت على مقاصد الكتاب منضمة إلى فوائد لا بد منها فى تحقيق الصواب وانكشف عندك معنى قولهم: الحرف؛ ما يوجد معناه فى غيره وأنه لا يدل على معنى باعتباره فى نفسه بل باعتباره فى متعلقه.

قوله: (على معناهما التركيبى) الإضافة بأدنى ملابسة قد تعتبر لغاية الاحتياط فى التعريف فإن الفاعلية ليست معنى زيد فى ضرب زيد، لكن يمكن أن تجعل معنى تركيبيًا له باعتبار تعلقه به وكونه ناشئًا من التركيب.

قوله: (دالًا على معناه الإفرادى) قد يقال فى توضيح تلك العبارة: إن المراد بالوضع هنا مطلق التخصيص فإن الوضع عبارة عن التخصيص المقيد بقيود مذكورة فى تعريفه من قبيل ذكر الخاص وإرادة العام والتخصيص المطلق شامل للتخصيص الصادر من المستعمل أيضًا فإنه قد عين اللفظ بإزاء المعنى باعتبار إطلاقه عليه، وعلى هذا صار تقدير الكلام مشروطًا فى تخصيصها وإطلاقها حال كونها دالة على معناها ذكر متعلقها، وهذا التوضيح راجع إلى ما ذكروه من أن لفظة من مشروط فى دلالتها على معناها ذكر متعلقها، ولا بأس بالتكلف فى العبارة مع وضوح المعنى.

قوله: (للاشتراك فى المعنى) لا يعتبر ذلك القائل بتفاوتهما فى العموم والخصوص فإن معنى "من" ابتداء مخصوص، ومعنى لفظ الابتداء: الابتداء المطلق.

قوله: (دلالتها عليه بحسب الوضع مشروطة) يفهم من هذا الكلام أن المراد من قول الشارح: مشروط فى وضعها دالة على معناها، أن الدلالة مشروطة بحسب الوضع.

قوله: (بل لكونه مفهومًا منها عند التركيب) يمكن أن يقال: إن المجيب يجب عليه أن يقول فى دفع هذا الاعتراض: إن ما فهم

(1)

من لفظة "من" مفردة وهو الابتداء المطلق منها ليس كلمة "من" معناها ابتداء مخصوص لا يفهم إلا مع ذكر

(1)

إن ما فهم. . . إلخ. هكذا فى النسخة السقيمة وهى عبارة غير مستقيمة فحررها. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 667

المتعلق كما ذكر الشارح المحقق فى التحقيق وفهم الابتداء المطلق منها عند الانفراد بماء على فهم الابتداء المخصوص منها عند التركيب واعتبار الواضع فى وضعها للخصوصيات عنه وأن الابتداء المطلق

(1)

، وأما إذا سلم أن معناها مطلق الابتداء فلا يصح أن يقال: فهمه منها ليس لكونها دالة عليه عند الانفراد وضعًا لأن لفظة "من" لو كانت موضوعة لمطلق الابتداء، فإذا علم ذلك الوضع فهم منها ذلك المعنى عند ذكرها سواء ذكر معها شئ آخر أو لا كالأسماء التى لزمت إضافتها وهذا الفهم منها لكونها دالة عليه عند الانفراد وضعًا وخلاف ذلك تحكم لا يفيد شيئًا.

قوله: (لعموم التصور المعتبر فيه والموضوع له خاصًا) أى: ما هو أعم من أن يكون جزئيًا حقيقيًا أو إضافيًا؛ الأول كالمبهمات والثانى كالمشتقات فإن الواضع تصوّر الألفاظ المشتقة إجمالًا فى ضمن أمر شامل كما إذا قال صيغة فاعل من كل مصدر وتصوّر المفهومات الكلية التى بخصوصيات الألفاظ المشتقة فى ضمن أمر شامل كما إذا قال لمن قام به مدلوله فالألفاظ المشتقة موضوعة بإزاء المفهومات الكلية التى هى جزئيات إضافية للأمر الشامل الذى تصوّره الواضع عند الوضع فالوضع عام والموضوع له خاص فى ذلك الفعل، إذ قد لوحظ ههنا من حيث إنه يندرج تحت شئ ولو تصوّر الواضع خصوص لفظ ضارب وخصوص معناه ووضع اللفظ بإزائه لا يقال: إن الوضع ههنا عام والموضوع له خاص؛ إذ لا يتصور ههنا هذا المفهوم العام من حيث إنه مندرج تحت شئ بل يقال: إن الموضوع له ههنا عام أيضًا.

قوله: (ألا يذكر الفاعل) أى: بوجوده ففى العبارة مسامحة لا يلتبس بها المقصود.

المصنف: (مسألة الحروف) قيل: إن ذكرها فى الأصول لاحتياج الفقيه إليها لوقوعها فى الأدلة وإلا فمحلها علم العربية.

الشارح: (فما لم يذكر متعلقه) الأولى فما لم يلاحظ متعلقه.

التفتازانى: (إما عائد إلى اللفظ بمعنى. . . إلخ) فقوله فى غيره حال من ضمير يدل والمعنى ما يدل حال كونه فى غيره أى ليس منظور إليه فى ذاته ومستقلًا بذلك

(1)

وأن الابتداء المطلق كذا فى الأصل وفى الكلام سقط ظاهر. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 668

بل لا بد من النظر فى دلالته على المعنى إلى لفظ آخر فيضم إليه وقوله: وإما إلى المعنى وعليه فقوله فى غيره صفة للمعنى ومعنى كون المعنى فى غير نفسه أنه ليس معنى بالنظر إلى ذاته كما يقال الدار فى نفسها حكمها كذا وإنما هو معنى بالنظر إلى غيره فلا يتحقق المعنى إلا بذلك الغير وحينئذ فليس الحرف دالًا عليه إلا بذكر دال ذلك الغير فلذا قال أى لا يحصل من اللفظ إلا بانضمام شئ آخر إليه.

التفتازانى: (فيضاف أيضًا إلى اللفظ) أى لأن الإضافة تأتى لأدنى ملابسة وحينئذ يحتاج لإخراج الاسم والفعل باعتبار معناهما التركيبى فيقيد معنى الحرف بالإفرادى فيخرج معنى الاسم والفعل الإفرادى فإنه ليس كمعنى الحرف الإفرادى.

التفتازانى: (لم يقع موقعًا صالحًا) أى لأن ذكر المتعلق شرط فى دلالتها بحسب الوضع عند الاستعمال لا شرط فى وضعها مقترنة بالدلالة إذ الدلالة إنما تتحقق بعد الوضع حين الاستعمال وعبارة الشارح مؤولة بأن معنى قوله فى وضعها دال فى تخصيصها بالمعنى من المستعمل أى ذكرها وهو يقارن الدلالة أو أن معنى قوله فى وضعها بحسب وضعها وقوله دالة حال منتظرة ومحط الشرط هو الدلالة.

التفتازانى: (وليس بدلًا. . . إلخ) أى لأنه عليه لا يحسن قوله اقتضى ذكر المضاف إليه بناء على ذلك فيحتاج إلى التأويل وقد درج على أنه يدل الأصفهانى أيضًا وقدر ما يلائم قوله اقتضى فقال ولأجل ذلك اقتضى ذكر متعلقه.

التفتازانى: (فلظهور أن معنى الكاف. . . إلخ) قد يكتال: إن معنى الكاف حال كونها اسمًا غير معناها حال كونها حرفًا باعتبار الاستقلال فى الأول وأنه ليس آلة لتعرف حال غيره وعدم الاستقلال وأنه آلة لتعرف حال غيره فى الثانى يدل على ذلك الوقوع محكومًا عليه وبه فى الأول دون الثانى وليس بلازم أن يجعل الوضع عامًا لموضوع له خاص كما درج عليه الشارح المحقق والسيد لما قاله عبد الحكيم: إنه لا دليل على ذلك إلا الاستعمال فى الجزئيات والاستعمال بلا قرينة دليل الوضع فتكون موضوعة لها ولا شك أن الوضع لو كان لكل واحد منها بخصوصه يلزم الاشتراك بين المعانى غير المحصورة فاعتبر الوضع العام وهو التزام أمر لا شاهد عليه ولذا اختار السعد فى تصانيفه ما ذهب إليه الأوائل من أنها موضوعة للمعانى الكلية غير الملحوظة لذاتها فلذلك يشترط الواضع فى دلالتها ذكر متعلقها وما قيل: إنه يلزم على هذا أن يكون استعمالها فى خصوصيات تلك المعانى مجازًا

ص: 669

لا حقيقة له لعدم استعمالها فى المعانى الأصلية أصلًا مع إنهم ترددوا فى أن المجاز يلزمه الحقيقة أولًا فمدفوع بأنه إنما يكون مجازًا لو كان استعمالها فيها من حيث خصوصياتها أما إذا كان من حيث إنها أفراد المعانى الكلية فلا. اهـ.

التفتازانى: (ولا دليل على أن ذلك فى أحدهما بحسب الوضع) رد ذلك عبد الحكيم على المطول بأنه كما لا دليل على هذا الاشتراط لا دليل على وضعه للمعنى الجزئى مع احتياجه إلى اعتبار الوضع العام الذى لا دليل عليه، وأما الاستعمال فى الجزئيات فقد عرفت أنه لا يصير دليلًا على الوضع. اهـ. ثم إن الدليل على أن ذلك فى أحدهما بحسب الوضع عدم صحة كونه محكومًا عليه أو به.

التفتازانى: (ليسا للنسبة بخصوصها) أى ليسا للنسبة الخاصة بأن لم يكونا للنسبة أصلًا أو يكونا للنسبة المطلقة، والمراد بالخاصة الملحوظة لتعرف حال الغير فلا ينافى أن النسبة الخاصة إذا لم تلاحظ لتعرف حال الغير بل لوحظت وقصدت لذاتها فلا يكون الدال عليها حرفًا ويصح الحكم عليها وبها وعبارة السيد صريحة فى ذلك.

قوله: (فكما دل هناك على الاشتراط وعدم الاستعمال) الأولى حذف عدم الاستعمال لأن الذى دل هو عدم الاستعمال والمدلول هو الاشتراط وعدم فهم المعنى بدون المتعلق.

قوله: (ما بين المقبض والسية) فى القاموس سية القوس بالكسر مخففة ما عطف من طرفيها، الجمع سيات.

قوله: (لكونه مفهومًا منها عند التركيب) هذا ظاهر فى أن "من" معناها عند التركيب الابتداء الكلى إلا أنه لتعرف حال الغير فكانت من حرفًا.

قوله: (مع عدم ظهور فائدة لهذا الاشتراط) فى عبد الحكيم أن الفائدة هى الإشارة إلى أن معناه مفهوم الابتداء من حيث إنه آلة لتعرف حال متعلقه فلذا وجب ذكر متعلقه وحينئذ لا حاجة إلى القول بالوضع العام والموضوع له الخاص فإنه التزام أمر لا شاهد عليه. اهـ.

قوله: (فالحكم بأن التزام. . . إلخ) فى عبد الحكيم على المطول التزام ذكر المتعلق لأجل كونه آلة لتعرف حاله يورث الفرق بينه وبين الأسماء اللازمة الإضافة فإنها

ص: 670

ملحوظة فى أنفسها والإضافة تبع لها يشهد بذلك وقوعها محكومًا عليها وبها دون الحرف وهذا مراد من قال: إن ذكر المتعلق فى الحرف لتتميم الدلالة لكون معناه متعقلًا بالقياس إلى الغير وفى الأسماء اللازمة لتحصيل الغاية فإن ذو مثلًا معناه متعقل فى نفسه لا يحتاج فى الدلالة إلى ذكر المتعلق إلا أن المقصود من وضعه هو التوصل إلى الوصف بأسماء الأجناس ولا يحصل بدون ذكر ما يضاف إليه. اهـ. ببعض تغيير.

قوله: (وعين بإزائه لفظًا مخصوصًا) أى كزيد وقوله: أو ألفاظًا مخصوصة متصورة تفصيلًا أى كوضع الألفاظ المترادفة لذلك المعنى الجزئى وقوله: أو إجمالًا أى بأن يلاحظ الألفاظ بمفهوم كلى والمعنى بخصوصه ويوضع كل لفظ من هذه الألفاظ المندرجة تحت المفهوم الكلى لهذا المعنى مرة واحدة وهو ليس بواقع وإن كان ممكنًا.

قوله: (يندرج تحته جزئيات إضافية) أى كالحيوان وقوله أو حقيقية أى كالإنسان فله أن يعين لفظًا معلومًا كالحيوان والإنسان أو ألفاظًا معلومة على أحد الوجهين الوجه الأول وهو تصورها بنفسها تفصيلًا يتحقق فى المترادفات والثانى ليس بواقع وإن أمكن.

قوله: (فله اعتبار فى الوضع وفى الموضوع له) أى أن المفهوم الكلى له اعتبار فى الوضع حيث يلاحظ به الجزئيات المندرجة تحته وله اعتبار فى الموضوع له حيث يعتبر تحققه فى الجزئى الموضوع له فـ "زيد" مثلًا إنما وضع له لفظ "هذا" باعتبار أنه مشار إليه إشارة مخصوصة.

قوله: (وقد تحقق اعتباره من وجهين) هما اعتباره آلة فى الوضع للجزئيات واعتباره فى الموضوع له.

قوله: (فتعين أن يكون معناه الابتداء الخاص) فيه أنه لو جعل معنى من الابتداء المطلق الملحوظ لتعرف حال الغير لم يصح الحكم عليه ولا به فلا يلزم من صحة عدم الحكم عليه وبه أن يكون المعنى جزئيًا كما ذكره عبد الحكيم.

قوله: (إلا بذكر الفاعل) الأولى: بملاحظة الفاعل.

ص: 671