المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمات البرهان قطعية - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ١

[عضد الدين الإيجي]

الفصل: ‌مقدمات البرهان قطعية

قال: (و‌

‌مقدّمات البرهان قطعية

لتنتج قطعيًا لأن لازم الحق حق وتنتهى إلى ضرورية وإلا لزم التسلسل وأما الأمارات فظنية أو اعتقادية إن لم يمنع مانع إذ ليس بين الظن والاعتقاد وبين أمر ربط عقلى لزوالهما مع قيام موجبهما).

أقول: مقدمات البرهان قطعية وحينئذ تنتج قطعيًا لأن النتيجة لازمة لمقدمات حقة قطعًا ولازم الحق حق قطعًا ولا بد أن تنتهى إلى المقدّمات الضرورية دفعًا للدور والتسلسل المانعين من الاكتساب وأما الأمارات أى ما هى ظنية فتستلزم النتيجة استلزامًا ظنيًا أو اعتقاديًا ولا تستلزم ذلك وجوبًا ولا دائمًا بل وقتًا ما وذلك إذا لم يمنع مانع وإنما لم يجب لأنه ليس بين الظن والاعتقاد وبين أمر ربط عقلى بحيث يمتنع تخلفه عنه لزوالهما مع بقاء موجبهما كما يكون عند قيام المعارض وظهور خلاف الظن بحس أو دليل.

قوله: (ومقدمات البرهان) يعنى أن فى البرهان تصديقًا بالمقدمات وتصديقًا بالنتيجة وتصديقًا بلزومها للمقدمات والثلاثة قطعية لا تحتمل النقيض والأمارة مقدماتها كلها أو بعضها والنتيجة ولزومها ثلاثتها ظنية تحتمل النقيض، إذ ليس فى الأمارة جهة دلالة قطعية لأن الطواف بالليل ليس مما يوجب السرقة فاستلزام الأمارة للنتيجة ليس بلازم ومع عدم اللزوم ليس بدائم؛ وذلك لأنه ليس بين الظن وبين أمر ما ربط عقلى بحيث يمتنع تخلفه عن ذلك الأمر فإن الظن قد يزول بمعارض كما إذا أخبر عدل بحكم وآخر بنقيضه وقد يزول بظهور خلاف الظن بحس كما إذا ظن أن زيدًا فى الدار لكون مركبه وخدمه على الباب ثم يعاين خارج الدار أو بدليل كما إذا ظن بقول الفلاسفة قدم العالم ثم قام البرهان على حدوثه، وكذا الكلام فى الاعتقاد هذا ولنورد لبيان ما فى الكتاب بحثين:

الأول: أنه وقع فى نسخ المتن لتنتج قطعيًا ومعناه أن قطعية المقدمات تستلزم قطعية النتيجة؛ لأنه إذا كان الملزوم حقًا كان اللازم حقًا وهذا معنى قوله: لأن لازم الحق حق وقد يفهم منه أنه لا بد من قطعية المقدمات لتكون النتيجة قطعية بمعنى أن حقية المقدمات لازم لحقية النتيجة وهذا باطل؛ لأن الكاذب قد يستلزم الصادق كقولنا لو كان الإنسان فرسًا لكان حيوانًا فلهذا قال الشارح: وحينئذ تنتج تصريحًا بأن حقية المقدمات ملزومة وحقية النتيجة لازمة دون العكس لكن ظاهر

ص: 324

كلام المتن الإشعار بقطعية النتيجة من غير إشعار بقطعية اللزوم، وكلام الشارح بالعكس وذهب بعض الشارحين إلى أن المراد بقوله: لأن لازم الحق حق أن مقدمات البرهان لا بد أن تكون حقة لأنها لازمة للبرهان الحق لكونها أجزاء له ولازم الحق حق وهذا كلام لا حاصل له؛ لأنه لا معنى لقطعية البرهان إلا قطعية مقدماته وكأنه سقط من نسخته: لتنتج قطعيًا.

والثانى: أن قوله وأما الأمارات فظنية معناه على ما فى الشروح أن نتيجتها ظنية أو اعتقادية والأنسب بما سبق فى البرهان أن يراد أن مقدماتها ظنية وقد حملها الشارح على أن استلزامها للنتائج ظنى أو اعتقادى بقرينة قوله: إن لم يمنع مانع فإن هذا الاشتراط إنما هو فى ظن الاستلزام واعتقاده ويرد على ذلك مثل قولنا: فلان يطوف بالليل وكل من يطوف بالليل فهو سارق فإن استلزامها للنتيجة قطعى، والجواب لا مطلقًا بل على تقدير التسليم والقطع بحقية المقدمتين بخلاف البرهان فإن قطعية المقدمتين فيه مقررة وإليه أشار بقوله: وتنتهى إلى ضرورية وإلا لزم التسلسل أى عدم تناهى التوقفات إما فى مواد متناهية وهو الدور أو غير متناهية وهو التسلسل المتعارف ولا يخفى أنه لا يلزم فى الأمارة ظنية جميع المقدمات، وأنها على ما اشتهر من تفسيرها لا تنتج الاعتقاد بل الظن وأن نتائج الاعتقادات اعتقاديات لا ظنيات وأنه لو خص الدليل بما يفيد العلم والأمارة بما يفيد الظن بقى المفيد للاعتقاد خارجًا ولا بد من إلحاقه بأحدهما والشارح فسر الأمارات بما هى ظنية وجعل الاستلزام ظنيًا أو اعتقاديًا، فالمقام لا يخلو عن اضطراب وقال فى المنتهى لا بد أن تكون المقدمات فى البرهان كلها قطعية لتكون النتيجة قطعية وإلا فظنية أو اعتقادية إن لم يمنع مانع. . . إلخ. أى لم تكن المقدمات كلها قطعية فالنتيجة ظنية أو اعتقادية وهذا كلام لا غبار عليه.

قوله: (مقدمات البرهان قطعية) عبارة المتن حيث قال: ومقدمات البرهان قطعية لتنتج قطعيًا لأن لازم الحق حق تشعر بالاستدلال بقطعية كل من المقدمات والنتيجة على قطعية الأخرى، وفساده ظاهر وجعل قطعية النتيجة أمرًا مسلمًا بناء على أن البرهان ما يفيد قطعيًا والاستدلال بها على قطعية المقدمات يوجب استدراك قوله: لأن لازم الحق حق بل الواجب أن يقال: لأن غير القطعى لا يفيد قطعيًا؛ فإن

ص: 325

قلت: دعوى ذلك كلية ممنوع لجواز استلزام الكاذب الصادق قلت: القطع بالنتيجة إذا كان حاصلًا من استلزام المقدمات إياها فلا بد أن تكون هى أيضًا مقطوعًا بها، وكون اللزوم وحده قطعيًا لا يجدى ذلك، نعم ربما يقطع بالنتيجة لسبب آخر يدلك على ما ذكرناه أن الكاذب إذا زال اعتقاده بنقيضه؛ فإن زالت النتيجة لم تكن قطعية وإلا لكان قطعها مستندًا إلى جهة أخرى فتعين العكس أعنى جعل قطعى مقدماته مسلمة بناء على أن البرهان دليل مقدماته كذلك؛ فيستدل بها على قطعية نتيجته فوجب حمل اللام على العاقبة، واعتبار كون اللزوم قطعيًا كما أشار إليه بقوله: وحينئذ تنتج قطعيًا وبقوله: لازمة المقدمات حقة قطعًا أى لزومًا قطعيًا فالبرهان قطعى مقدماته واستلزامه لنتيجته فتكون هى أيضًا قطعية.

قوله: (ولا بد أن تنتهى. . . إلخ) مقدمات البرهان قطعية ولا يجب من ذلك كونها ضرورية إذ النظريات قد تكون قطعية، نعم يجب انتهاؤها إلى الضروريات دفعًا للدور والتسلسل واقتصر المصنف على التسلسل لدلالته على الدور حيث يقترنان غالبًا، ولم يعكس لأن الدور ظاهر البطلان فلا حاجة إلى ذكره وإبطاله بخلاف التسلسل وقيل المراد به عدم تناهى التوقفات فإما فى مواد متناهية وهو الدور أو غير متناهية وهو التسلسل المتعارف، وقد يقال: الدور مستلزم للمتعارف منه فى كل واحد من طرفيه على ما هو المشهور والأول أنسب بعبارة الشارح.

قوله: (وأما الأمارات أى ما هى ظنية) يعنى أراد بالأمارات ما مقدماته ظنية أى غير قطعية أى لا تكون هى بأسرها مقطوعًا بها؛ فإن الظن كثيرًا ما يطلق على مقابل اليقين فيتناول الظنون الصرفة والاعتقادات الصحيحة والفاسدة، والشاهد على إرادته وقوع الأمارات بإزاء البرهان الذى مقدماته قطعية، وقوله: فتستلزم النتيجة استلزامًا ظنيًا أو اعتقاديًا شرح لقول المصنف: فظنية أو اعتقادية، والمتبادر منه المناسب لما سبق فى البرهان أن مقدمات الأمارات ظنية أو اعتقادية، ثم إن نتائجها كذلك وقد منعه من حمله على أحدهما إن لم يمنع مانع فإن هذا الاشتراط إنما يعبر فى الاستلزام لا فى المقدمات أو النتيجة؛ فأشار أولًا إلى أن كون مقدمات الأمارات ظنية أى غير قطعية أمر مقطوع به أى مسلم إذ لا يراد بها إلا الدليل الذى مقدماته كذلك، وفسر قوله: فظنية بأن استلزام تلك المقدمات لنتائجها غير مقطوع به ومنه يعلم أن نتائجها لا تكون قطعية فالأمارات غير قطعية

ص: 326

مقدماتها بأسرها ونتيجتها واستلزامها إياها، والتحقيق أن الأمارة لا تكون قطعية المقدمات والاستلزام معًا وإلا لأفادت قطعيًا فتكون برهانًا؛ لكن يجوز كون مقدماتها قطعية دون الاستلزام كما فى الاستقراء والقياس الذى يظن إنتاجه، وبالعكس كما فى الضروب المستلزمة لنتائجها يقينًا إذا تركبت من مقدمات غير قطعية كقولك: زيد يطوف بالليل وكل ما يطوف بالليل فهو سارق فإن استلزامها للنتيجة قطعى لا شبهة فيه، وإنما الكلام فى تحقق الملزوم فحيث كان ظنيًا كان اللازم أيضًا ظنيًا وقد سبق تحقيقه ومن ههنا ظهر أن قوله: لأنه ليس بين الظن أو الاعتقاد وبين أمر ربط عقلى بحيث يمتنع تخلفه عنه منظور فيه لأن ذلك إنما يتم إذا لم يكن الأمر الذى يستفاد منه الظن أو الاعتقاد قياسًا صحيح الصورة، وقوله: لزوالهما مع بقاء موجبهما ممنوع لأن زوالهما مع بقاء مقدسات ذلك القياس على حالها ممتنع وعند قيام المعارض فى الاعتقاديات يتغير اعتقاد المقدسات لا الاستلزام؛ فإن من اعتقد قدم العالم بشبهة صحيحة الصورة ثم اطلع على برهان حدوثه يزول عنه اعتقاد بعض مقدماته دون الاستلزام لكونه قطعيًا وكذا الحال فى ظهور خلاف الظن بحس أو دليل، نعم لو جعل الأمارة عبارة عن النكردات كالطواف بالليل وتغيم الهواء، وكون مركب القاضى على باب الحمام لظهور زوالهما مع بقاء موجبهما.

التفتازانى: (فاستلزام الأمارة للنتيجة ليس بلازم) يعنى لذاته من غير تقدير التسليم لأن جهة الدلالة فى المثال المذكور ليست قطعية وأما على تقدير التسليم فالاستلزام قطعى كما سيأتى.

التفتازانى: (ومعناه أن قطعية المقدمات. . . إلخ) أى فقطعية المقدمات مسلمة والاستدلال بها على قطعية النتيجة فقوله: لينتج قطعيًا اللام لام العاقبة.

التفتازانى: (بمعنى أن حقية المقدمات. . . إلخ) أى فليس اللام لام العاقبة بل لام التعليل فقطعية النتيجة علة لقطعية المقدمات أى أن البرهان لما كان معلومًا أنه ينتج القطعى فلا بد أن تكون المقدمات قطعية.

التفتازانى: (وهذا باطل. . . إلخ) أى فضلًا عن أنه يلزم استدراك قوله: لأن لازم الحق حق وسيأتى للسيد رد بطلانه ورد دليل البطلان الذى هو قوله لأن

ص: 327

الكاذب قد يستلزم الصادق.

التفتازانى: (وكلام الشارح بالعكس) فيه أن الشارح تعرض لقطعية النتيجة وقطعية الاستلزام حيث قال: وحينئذ ينتج قطعيًا لأن النتيجة لازمة لقدمات حقة قطعًا أى لزومًا قطعيًا.

التفتازانى: (والجواب لا مطلقًا بل على تقدير التسليم) تقدم للسيد -قدس سره- البحث فيه حيث قال: وفساده ظاهر لأن التسليم لا مدخل له فى الاستلزام فإن تحقق اللزوم لا يتوقف على تحقق الملزوم ولا اللازم كما لا يخفى إلى أن قال: وإنما صرح بتقدير التسليم إشارة إلى أن القياس من حيث هو قياس لا يجب أن تكون مقدماته مسلمة صادقة ولو اكتفى بما عداه لتوهم أن تلك القضايا متحققة فى الواقع. اهـ. وتقدم أن المراد بالتسليم التسليم العلمى ولا شك فى مدخلية التسليم فى الاستلزام فى الكل.

التفتازانى: (على ما اشتهر من تفسيرها) أى بأنها المقدمات الظنية.

قوله: (وفساده ظاهر) أى لما فيه من الدور.

قوله: (استدراك قوله لأن لازم الحق الحق) وذلك لما علمت من أن قطعية النتيجة أمر مسلم فكونها لازمًا حقًا معلوم.

قوله: (دعوى ذلك كلية ممنوع) الإشارة تحتمل أن تكون راجعة لمضمون قوله: لأن غير القطعى لا يفيد قطعيًا وقوله: لجواز استلزام الكاذب الصادق أى فقد أفاد غير القطعى قطعيًا ويحتمل أن تكون راجعة إلى أن قطعية النتيجة تستلزم قطعية المقدمات، وقوله لجواز استلزام الكاذب الصادق أى فقطعية النتيجة فى ذلك ليست مستلزمة لقطعية المقدمات وهذا الأخير هو مقتضى عبارة السعد والغرض من السؤال والجواب الرد عليه حيث قال: وهذا باطل لأن الكاذب قد يستلزم الصادق.

قوله: (قلت القطع بالنتيجة. . . إلخ) أى والمراد ذلك فقوله: إن قطعية النتيجة مستلزمة لقطعية المقدمات المراد قطعية النتيجة الحاصلة عن الاستلزام.

قوله: (إذا زال اعتقاده بنقيضه) أى بسبب اعتقاد نقيضه.

قوله: (فتعين العكس) تفريع على قوله: يوجب استدارك قوله لأن لازم الحق حق والعكس هو جعل قطعية المقدمات أمرًا مسلمًا والاستدلال بها على قطعية النتيجة.

ص: 328

قوله: (كما أشار إليه) أى إلى ما ذكر من كون اللام للعاقبة وكون اللزوم قطعيًا فقوله: وحينئذ تنتج قطعيًا راجع لكون اللام للعاقبة وقوله: لازم لمقدمات حقة قطعًا أى لزومًا قطعيًا راجع لاعتبار كون اللزوم قطعيًا.

قوله: (حيث يقترنان غالبًا) أى أن الغالب أنه إذا ذكر التسلسل ذكر الدور وبالعكس ومن غير الغالب قد يفترقان كما فى امتناع البرهان على ثبوت الحد للمحدود فإنه ذكر فيما مر أن فيه دورًا فقط.

قوله: (وقد يقال الدور. . . إلخ) أى يقال فى توجيه الاقتصار على التسلسل: إن التسلسل بالمعنى المتعارف لازم للدور وبطلان اللازم بطلان للملزوم والمراد بالمعنى المتعارف ما لا يشمل الدور وهو ترتب أمور غير متناهية فى كل واحد من الطرفين وذلك أن أمثلًا إذا توقف على ب المتوقف على أكان أمتوقفًا على نفسه وهذه مقدمة لازمة للدور ولنا مقدمة صادقة فى نفسها وهى أن الموقوف غير الموقوف عليه فيلزم أن يكون أمغايرًا له ويتوقف عليه وكذا ههنا مقدمة أخرى صادقة فى نفسها هى أن نفس أليس إلا أكذا ذكر الخلخالى.

قوله: (والأول أنسب بعبارة الشارح) أى الوجه الأول وهو أن الاقتصار على التسلسل لدلالته على الدور لتقارنهما غالبًا أنسب بعبارة الشارح حيث قال دفعًا للدور والتسلسل فلو كان وجه الاقتصار على التسلسل أحد الوجهين الأخيرين لكان الواجب أن لا يذكر الدور ويقتصر على التسلسل.

قوله: (فإن الظن كثيرًا. . . إلخ) أشار إلى العلة المصححة وقوله: والشاهد على إرادته إشارة إلى العلة المقتضية.

قوله: (فأشار أولًا إلى أن كون. . . إلخ) أى غير قطعية أمر مقطوع به حيث قال: أى ما هى ظنية وأشار إلى أن الاستلزام ظنى أو اعتقادى بتفسير قوله: فظنية أو اعتقادية بأن استلزام تلك المقدمات لنتائجها ظنى أو اعتقادى ولم يتعرض إلى أن النتائج لا بد أن تكون ظنية أى غير مقطوع بها لفهمها من الثانى.

قوله: (والتحقيق أن الأمارة. . . إلخ) رد على ما يفهم من الشارح من أنه لا بد فى الأمارة من الأمور الثلاثة المتقدمة.

قوله: (كما فى الاستقراء) أى الناقص وقوله: والقياس الذى يظن إنتاجه أراد

ص: 329

به التمثيل وقيده بالذى يظن إنتاجه احترازًا عن الذى يقطع بإنتاجه وهو ما كانت علته قطعية.

قوله: (وقد سبق تحقيقه) أى من أن تحقق اللزوم لا يتوقف على تحقق الملزوم ولا اللازم.

قوله: (ومن ههنا) وهو إطلاق التصديق على المصدق به الذى هو مجموع القضية نشأ توهم من توهم أن التصديق الذى هو أحد قسمى العلم وهو إدراك ذلك المصدق به فيكون جميع التصورات الثلاثة والحكم الذى هو إذعان النسبة.

قوله: (لأن زوالهما مع بقاء مقدمات ذلك القياس على حالها ممتنع) لما عرفت من أن استلزام القياس الصحيح الصورة لنتيجة قطعى لا شبهة فيه.

التفتازانى: (فالمقام لا يخلو عن اضطراب) سيأتى للسيد تحقيق المقام بما لا اضطراب فيه.

ص: 330

قال: (وجه الدلالة فى المقدمتين أن الصغرى خصوص والكبرى عموم فيجب الاندراج فيلتقى موضوع الصغرى ومحمول الكبرى).

أقول: وجه الدلالة فى المقدمتين وهو ما لأجله لزمتهما النتيجة أن الصغرى باعتبار موضوعها خصوص والكبرى باعتبار موضوعها عموم واندراج الخصوص فى العموم واجب فيندرج موضوع الصغرى فى موضوع الكبرى فيثبت لها ما ثبت له وهو محمول الكبرى نفيًا أو إثباتًا فيلتقى موضوع الصغرى ومحمول الكبرى وهو النتيجة وذلك نحو العالم مؤلف وكل مؤلف حادث فإن العالم أخص من المؤلف فلذلك تقول: العالم مؤلف حكم خاص بالعالم وكل مؤلف حادث حكم عام للعالم ولغيره فيلتقى العالم والحادث، واعلم أنهما إذا تساويا فالحكم كذلك لكن طبيعة المحمول بما هو محمول أعم فلذلك لم يتعرض للآخر.

قوله: (وجه الدلالة) إذا جعلنا العالم دليلًا على وجود الصانع فكونه بحيث يلزم من العلم به العلم بوجود الصانع دلالته وثبوت الصانع مدلوله والحدوث الذى لأجله يستلزم العالم وجود الصانع هو وجه دلالته، فذكر هنا ما لأجله يستلزم البرهان النتيجة وهو ظاهر لكنه مختص بالشكل الأول لأنه مرجع الأشكال فوجه الدلالة فيه وجه الدلالة على الكل.

قوله: (فيثبت) أى ينتسب إلى موضوع الصغرى ما انتسب إلى موضوع الكبرى، ولا خفاء فى أن انتساب محمول الكبرى إلى موضوع الصغرى وهو معنى التقائهما الذى هو النتيجة فلا معنى لقوله: فيلتقى بعد فوله: فيثبت إلا أن يكون تفسيرًا.

قوله: (واعلم) دفع لما يقال: إن موضوع الصغرى قد يكون مساويًا لموضوع الكبرى كما فى قولنا: الحيوان ماش وكل ماش منتقل من مكان إلى مكان فلا يتحقق الاندراج على الوجه المذكور، يعنى إذا تساوى الموضوعان فالتقاء موضوع الصغرى ومحمول الكبرى لازم كما فى صورة العموم لكن لما كان طبيعة محمول الصغرى الذى هو موضوع الكبرى أعم بحسب الفهوم؛ لأن شيئًا ما له المشى أعم من الحيوان وإن كان مساويًا له بحسب الوجود اقتصر المصنف على صورة العموم، ولم يتعرض لصورة المساواة لكن لا يخفى أنه إنما يصح فيما هو محمول بالطبع

ص: 331

بخلاف مثل قولنا: كل ماش حيوان وكل حيوان منتقل من مكان إلى مكان فالأولى أن يقال: إن الالتقاء فى صورة المساواة لازم بطريق الأولى أو يحمل كلامه على أن مفهوم المحمول أعم من الموضوع فى صورة المساواة أيضًا؛ لأن المراد به الأفراد فالحيوان أعم من كل فرد من أفراد الماشى وبالعكس.

قوله: (وجه الدلالة فى المقدمتين) لما ذكر أن مقدمات البرهان قطعية وأشار إلى أن استلزامها للنتيجة قطعى أيضًا، وأن مقدمات الأمارة تستلزمها استلزامًا غير قطعى عقبه بوجه الدلالة فى المقدمتين أى وجه استلزامهما لنتيجتهما، وهو ما لأجله لزمتهما النتيجة فإن المقدمات من حيث هى مقدمات مطلقًا لا تستلزم نتيجة؛ بل لا بد هناك من أمر آخر لكنه ذكر وجه الاستلزام القطعى كما لا يخفى.

قوله: (فيثبت له ما ثبت له) يدل على أن النتيجة والكبرى موجبتان دائمًا لا علم من التأويل، وقوله: فيلتقى موضوع الصغرى ومحمول الكبرى تصريح بعبارة المتن دلالة على ما فسر به كلامه من أن خصوص الصغرى وعموم الكبرى بحسب موضوعهما، والمراد هيئة الشكل الأول وقدم عليه الإشارة إلى التأويل ليظهر معنى الالتقاء فى جميع الصور على ما هو المتبادر منه.

قوله: (فإن العالم أخص من المؤلف) إن أريد بالعالم جميع ما سوى اللَّه تعالى من حيث هو فالمؤلف أعم لصدقه على بعضه أيضًا وكذا إن أريد به مجموع كل نوع من أنواعه، وقيل: المراد بالعالم الجزئيات وبالمؤلف مفهومه أعنى ما من شأنه أن يؤلف مع الغير ليتناول الجوهر الفرد فيكون أعم منه وبذلك بين هذا القائل كون المحمول أعم فى صورة التساوى؛ فورد أنه لا يلائم قوله: واعلم أنهما إذا تساويا، ومعناه أنه إذا تساوى موضوع الصغرى والكبرى فالحكم كما ذكر من التقاء موضوع الصغرى ومحمول الكبرى، لكن موضوع الكبرى هو محمول الصغرى وطبيعة المحمول بما هو محمول أعم من الموضوع لما مر، وقد صرح به فى المواقف فبذلك الاعتبار يكون موضوع الكبرى أعم من موضوع الصغرى فيندرج المساوى فى العموم فلذلك لم يتعرض لذكره على الخصوص ونظر بعضهم فى قولنا: كل إنسان ناطق وكل ناطق حيوان فقال: حاصل الجواب أن مفهوم الناطق أعم من مفهوم الإنسان وإن كان مساويًا له بسبب خارجى فرد عليه بجعل الإنسان فى المثال وسطًا.

ص: 332

التفتازانى: (فذكر هنا ما لأجله يستلزم البرهان) أى فما لأجله يستلزم البرهان النتيجة من كون الصغرى أى موضوعها خصوصًا والكبرى أى موضوعها عمومًا واندراج الخصوص فى العموم واجب هو وجه الدلالة فيه كما أن الحدوث هو وجه الدلالة فى العالم الذى هو دليل على وجود الصانع.

التفتازانى: (أى ينتسب) تأويل للثبوت ليشمل النفى وهو خلاف ما درج عليه السيد من أنه يدل على أن النتيجة والكبرى موجبتان دائمًا.

التفتازانى: (لما كان طبيعة المحمول) أى المحمول الذى هو محمول بطبيعته وهو الذى يكون تابعًا وعارضًا لغيره كالكاتب بالنسبة للإنسان.

التفتازانى: (بخلاف مثل قولنا كل ماش حيوان) أى مما جعل فيه العارض موضوعًا والمعروض محمولًا.

قوله: (لما علم من التأويل) أى فى قوله: ولا بد من مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه.

قوله: (دلالة على ما فسر به كلامه) يعنى أن قوله: فيلتقى. . . إلخ. يدل على أن مراد المصنف بقوله: إن الصغرى خصوص والكبرى عموم خصوص الموضوع وعمومه فذكره الشارح بعد هذا التفسير ليدل عليه.

قوله: (الإشارة إلى التأويل) أى فى قوله: فيثبت له ما يثبت له وقوله: ليظهر معنى الالتقاء فى جميع الصور وذلك لأن الثبوت سبب للاتقاء لا عينه فاندفع قول السعد: إن الثبوت هو عين الالتقاء فلا معنى لقوله: ليلتقى بعد قوله: فيثبت إلا أن يكون تفسيرًا.

قوله: (لا يلائم قوله واعلم. . . إلخ) إذ لا يكون وجه للإيراد بعد حمل العموم على العموم فى المفهوم على زعمه.

قوله: (وقد صرح به فى المواقف) أى حيث قال بعد أن ذكر أن الاستدلال إما بالكلى على الجزئى وهو القياس أو بالجزئى على الكلى وهو الاستقراء أو الجزئى على الجزئى وهو التمثيل ما نصه: فإن قلت ههنا قسم آخر وهو الاستدلال بكلى على كلى قلنا: إن دخلا تحت ثالث مشترك بينهما يقتضى الحكم فهما جزئيان له لأن المراد بالجزئى ههنا ما اندرج تحت الغير وهو المسمى بالإضافى لا ما يمنع نفس

ص: 333

تصوره الشركة فيه المسمى بالحقيقى وإلا فلا تعلق بينهما فلا يتعدى حكم أحدها إلى الآخر أصلًا فإن قيل: إذا قلت: كل إنسان ناطق وكل ناطق حيوان فقد استدللت بأحد المتساويين على الآخر لا بالكلى على الجزئى قلت المقصود أنا إذا أثبتنا لكل واحد واحد من أفراد الإنسان الحيوانية لاتصافه بمفهوم الناطق فإن ملاحظة مفهوم الناطق هو الذى يفيدنا الحكم بها. اهـ. قال شارحه والحاصل أن الاستدلال بمفهوم الناطق على كل واحد من جزئيات الإنسان ولا شك أن كل واحد منها جزئى لمفهوم الناطق يرجع إلى الاستدلال بالكلى على الجزئى.

ص: 334

قال: (وقد تحذف إحدى المقدمتين للعلم بها والضروريات منها المشاهدات الباطنة وهى ما لا يفتقر إلى عقل كالجوع والألم ومنها الأوّليات وهى ما يحصل بمجرد العقل كعلمك بوجودك وأن النقيضين يصدق أحدهما ومنها المحسوسات وهى ما يحصل بالحس ومنها التجريبيات وهى ما يحصل بالعادة كإسهال المسهل والإسكار ومنها المتواترات وهى ما يحصل بالأخبار تواترًا كبغداد ومكة).

أقول: قد تحذف إحدى مقدمتى البرهان للعلم بها فالكبرى مثل: هذا يحدّ لأنه زان والصغرى مثل: هذا يحد لأن كل زانٍ يحد ومنه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، ولا بد من انتهاء المقدمات القطعية إلى الضروريات.

وهى أنواع:

الأول: المشاهدات الباطنة وتسمى الوجدانيات وهى ما لا يفتقر إلى عقل كجوع الإنسان وعطشه ولذته وألمه فإن البهائم تدركه.

الثانى: الأوليات وهى ما يحصل بمجرد العقل ولا يشترط فيه إلا حضور الطرفين والالتفات إلى النسبة كعلم الإنسان بأنه موجود وأن النقيضين يصدق أحدهما فلا يصدقان معًا ولا يكذبان.

الثالث: المحسوسات وهى ما يحصل بالحس الظاهر أعنى الشاعر الخمس كالعلم بأن النار حارة والشمس مضيئة.

الرابع: التجريبيات وهى ما يحصل بالعادة أعنى تكرر الترتيب من غير علاقة عقلية وقد يخص كعلم الطبيب بإسهال المسهلات وقد يعم كعلم العامة بأن الخمر مسكر.

الخامس: المتواترات وهى ما يحصل بنفس الأخبار تواترًا كالعلم بوجود مكة وبغداد لمن لم يرهما وأما المقدمات الظنية فأنواع، الحدسيات كما شاهدنا نور القمر يزداد وينقص بقربه وبعده من الشمس فنظن أنه مستفاد. منها والمشهورات: كحسن الصدق والعدل وقبح الكذب والظلم وكالتجريبات الناقصة والمحسوسات الناقصة والوهميات: ما يتخيل بمجرد الفطرة بدون نظر العقل أنه من الأوليات مثل: كل موجود متحيز والمسلمات: ما يسلمه الناظر من غيره.

ص: 335

قوله: (الحدسيات) ذهب بعض الشارحين إلى أن المصنف لم يقصد حصر أقسام الضروريات فلذا ترك الحدسيات والقضايا التى قياساتها معها، وزعم الشارح أن الحدسيات ليست قطعية فضلًا عن أن تكون ضرورية وهذا مخالف لما صرح به فى المواقف، وأما القضايا التى قياساتها معها كقولنا: الأربعة زوج فملحقة بالأوليات ثم الظاهر أنه جعل مع الحدسيات والمشهورات الوهميات والمسلمات أيضًا أنواعًا للظنية كما صرح فى المواقف بالمسلمات إلا أن الوهميات قد تكون كاذبة مثل: كل موجود متحيز، وإنما تصدق إذا كانت فى المحسوسات مثل: كل جسم فى جهة والمسلمات إنما تكون ظنية إذا كانت مع حسن ظن دون استنكار ويندرج فيها المقبولات وأما التجريبات الناقصة التى لم يبلغ التكرر فيها حدًا يفيد القطع والمحسوسات الناقصة التى لم يدرك الحس كنهها كما إذا رأى جسمًا من بعيد فظنه أسود فظاهر العبارة أنهما من قبيل المشهورات وليس بسديد، أما إذا لم تشتهرا فظاهر وأما لو اشتهرتا فلأنه لا عبرة حينئذ بالتجربة والإحساس الناقصين والتحقيق أن كلًا من الإحساس والتجربة والتواتر والحدس قد يكون كاملًا يفيد القطع، وقد يكون ناقصًا يفيد الظن فقط وأن المشهورات منها ما هى قطعية يجب قبولها لتطابق الآراء عليها وتسمى المشهورات الحقيقية ومنها ما هى ظنية وتسمى المشهورات فى بادئ الرأى والمقبولات وكذا الوهميات بالنظر إلى المحسوس وغير المحسوس وعلى هذا ينبغى أن يحمل كلامه وتمام تحقيق هذا الكلام فى المنطق.

قوله: (ومنه قوله تعالى) فصله عما تقدم لأنه قياس استثنائى والمحذوف فيه ما هو بمنزلة الكبرى وضعًا أعنى المقدمة الاستثنائية، وقيل: لاحتمال أن يقال: لا حذف هناك لدلالة "لو" على الملازمة وانتفاء اللازم معًا.

قوله: (ولا بد من انتهاء المقدمات القطعية) إشارة إلى ربط الكلام بما سبق فإن المصنف حكم بأن مقدمات البرهان تنتهى إلى الضروريات وأورد بحث الأمارة ووجه الدلالة وحذف إحدى المقدمتين ثم كر إلى بيانها فكرر الشارح حديث الانتهاء هنا تنبيهًا على ذلك.

قوله: (وهى أنواع) وجه الضبط أن الحكم فى القضية الضرورية القطعية إما أن

ص: 336

لا يحتاج إلى عقل أو يحتاج إليه، والأول هو الوجدانيات التى تشاهد بالقوة الباطنة؛ فإن البهائم أيضًا تدرك جوعها وعطشها وألمها وأنها حاصلة لها لكنها قضايا شخصية، ومن زعم أن توحيد الضمير فى تدركه ليرجع إلى كل واحد مما ذكر وفيه تنبيه على أن حصول طرفى الحكم لا يحتاج إلى عقل، وأما حصوله بنفسه فمفتقر إليه إذ الأصح أن الحاكم هو العقل سواء كان الحكم كليًا أو جزئيًا؛ فقد ذهب عليه أن المحسوسات أيضًا كذلك، نعم إدراكها لهذه العوارض مقطوع به وأما إدراك أنها حاصلة لها أعنى الحكم فلا، والثانى أى المحتاج إلى العقل إما أن يحصل بمجرد التفاته إلى النسبة بين طرفيه فهو الأوليات شخصية كانت كعلم الإنسان بأنه موجود، أو كلية كعلمه بأن النقيضين يصدق أحدهما فقط فلا يجتمعان صدقًا ولا كذبًا، وإما أن يحتاج إلى معاونة الحس وهو إما حس السمع وهو المتواترات وهى ما يحصل بنفس الأخبار مرة بعد أخرى، وإنما قال: بنفس الأخبار احترازًا عما يحصل بالقرائن فإنه لا يسمى متوترًا وتنبيهًا على عدم الاحتياج إلى انضمام قياس خفى على ما ظن، وأما غير السمع فإما أن يحتاج إلى عادة أعنى تكرر الترتب من غير علاقة عقلية، وإنما اعتبر هذا القيد لأن تكرر الترتب مع تلك العلاقة لا يسمى عادة فهو التجربيات التامة خاصة أو عامة أو لا يحتاج إليها وهو المحسوسات التامة بالحواس الظاهرة، وفيه بحث لأنه إن أريد بها القضايا الكلية التى تستفاد من الإحساسات بالجزئيات لأنها تقع مبادئ للبرهان فى العلوم فينبغى أن يعتبر مثلها فى الوجدانيات فيحتاجان معًا إلى العقل، وإن أريد القضايا الشخصية فيهما فالحكم بالاحتياج إليه فى أحدهما دون الآخر تحكم ولم يذكر القضايا الفطرية القياس؛ إما لأنه جعلها نظريات جلية أو أدرجها فى الأوليات لأن تصورات أطرافها كافية فيما هو كاف فيها فهى ملزوزه فى قرنها، ولما تبين جميع مبادئ البرهان ظهر أن ما عداها مبادئ الأمارة، وأشار الشارح إليها متابعة للمنتهى واستيفاء لحق المقام فإن مقدمات الأمارة لا بد أن تنتهى أيضًا إلى الضروريات، وإلا لزم الدور أو التسلسل وزعم أن الحدسيات مندرجة تحت الظنيات الصرفة موافقة له وإن جعلها المنطقيون من اليقينيات، واندراج المسلمات تحتها ظاهر وأما عده المشهورات والوهميات من أنواع المقدمات الظنية فبناء على أن المراد بها ما يقابل القطعية كما تقدم، وقوله: وكالتجربيات الناقصة والمحسوسات

ص: 337

الناقصة معطوف على الحدسيات بحسب المعنى كأنه قيل: كالحدسيات وكالتجربيات لا على قوله: كحسن الصدق على ما يتبادر فى بادئ الرأى ليتوجه أنهما إن لم يشتهرا فليسا من المشهورات، وإلا فلا عبرة بالتجربة والإحساس الناقصين يرشدك إلى ما ذكرناه تفننه فى عبارة الأقسام فإن قوله: والوهميات مرفوع على أنه مبتدأ وما بعده خبر وكذا قوله: والمسلمات فقد أورد كل قسمين على أسلوب واحد ولا يلزم محذور سوى مخالفته لما نقل من أن المذكور فى المنتهى هو الحدسيات والمشهورات والوهميات والمسلمات والأمر فيه هين.

قوله: (فصله عما قبله. . . إلخ) حاصله أنه لما كان المحذوف فى القياس الاستثنائى فى تلك الآية هو المقدمة الكبرى وضعًا وإن كانت هى الصغرى اصطلاحًا فصله ولما كانت تلك المقدمة صغرى اصطلاحًا جعله منه.

قوله: (تدرك جوعها وعطشها) أى فالضمير فى تدركه راجع لما ذكر من الجوع والعطش وما معهما باعتبار إضافتها لا باعتبار ذاتها.

قوله: (إن المحسوسات أيضًا كذلك) أى فلا تصح المقابلة بين الوجدانيات وبينها.

قوله: (نعم إدراكها. . . إلخ) أى تدرك البهائم نفس الجوع ونحوه قطعًا وأما إنه حاصل فلا قطع به.

قوله: (شخصية كانت. . . إلخ) بيان لوجه إيراد المثالين فى كلام المصنف.

قوله: (على ما ظن) الظان هو أبو الحسين فظن أن العلم بصدق الخبر المتواتر نظرى يحتاج إلى العلم بأنه خبر جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وكل خبر كذلك فهو صادق.

قوله: (الفطرية القياس) أى التى قياساتها معها.

قوله: (كافية فيما هو كاف فيها)"ما" واقعة على القياس وهو مرجع الضمير فى هو وقوله: فيها أى فى القضايا الفطرية.

قوله: (ملزوزة فى قرنها) أى مشدودة وملتصقة بها.

قوله: (إلى الضروريات) المراد بها فى الأمارات ما تطمئن النفس إليه وتسكن وذلك كالمشهورات والمسلمات وما معهما مما ذكرناه.

ص: 338

قوله: (وأما عده فى المشهورات والوهميات. . . إلخ) أى مع أن المشهورات قد تكون حقة والوهميات قد تكون كاذبة.

قوله: (فبناء على أن المراد بها ما يقابل القطعية) أى فيشمل ما كان كاذبًا كالوهميات وما كان صادقًا غير قطعى كالمشهورات لكن الحق أن المشهورات ليست من الظنيات مطلقًا إذ منها ما هو قطعى.

قوله: (لا على قوله كحسن الصدق. . . إلخ) رد على السعد وقوله يتوجه أى كما قال السعد.

قوله: (سوى مخالفته لما نقل. . . إلخ) أى لأنه فى المنتهى اقتصر على هذه الأربعة ولم يذكر التجربيات الناقصة والمحسوسات الناقصة.

ص: 339

قال: (وصورة البرهان اقترانى واستثنائى فالاقترانى ما لا يذكر اللازم ولا نقيضه فيه بالفعل والاستثنائى نقيضه والأول بغير شرط ولا تقسيم ويسمى المبتدأ فيه موضوعًا والخبر محمولًا وهى الحدود فالوسط الحد المتكرر وموضوعه الأصغر ومحموله الأكبر وذات الأصغر الصغرى وذات الأكبر الكبرى).

أقول: ما ذكرناه مادة البرهان وأما صورته فضربان: اقترانى واستثنائى لأنه إما أن لا يكون اللازم منه ولا نقيضه مذكورًا فيه بالفعل أو يكون الأول: الاقترانى والثانى: الاستثنائى وسنذكر مثالهما فالاقترانى بغير شرط ولا تقسيم أى يقتصر على هذا القسم ويسمى الاقترانيات الحملية ولم يتعرض للقسم الآخر وهو ما فيه تقسيم أو شرط ويسمى الاقترانيات الشرطية لقلة جدواها وكثرة شعبها وبعد أكثرها عن الطبع ثم المفردان من مقدّمتيه يسميهما المنطقيون: موضوعًا ومحمولًا والمتكلمون: ذاتًا وصفة والفقهاء: محكومًا عليه ومحكومًا به والنحويون: مسندًا إليه ومسندًا.

وأجزاء المقدمات تسمى حدودًا ولا بد من حدى متكرر باعتبار نسبته إلى طرفى المطلوب ويسمى الأوسط وأما الآخران وهما طرفا المطلوب فيسمى موضوعه الأصغر ومحموله الأكبر والمقدمة التى فيها الأصغر الصغرى والتى فيها الأكبر الكبرى مثاله: كل وضوء عبادة وكل عبادة قربة ينتج: كل وضوء قربة فالعبادة الأوسط والوضوء الأصغر وكل وضوء عبادة الصغرى وقربة الأكبر وكل عبادة قربة الكبرى.

قوله: (ويسمى المبتدأ فيه) الظاهر أن الضمير للاقترانى أو لمطلق البرهان وجعله العلامة للمقدمة بتأويل التصديق والأحسن أن يجعل لمطلق القضية؛ لأن هذه التسمية لا تخص حال التأليف القياسى ثم ما ذكر من اصطلاح المتكلمين إنما يصح فى الموضوع والمحمول بالطبع مثل: الإنسان كاتب بخلاف الكاتب إنسان، وما ذكر من اصطلاح النحويين إنما هو فى اللفظ الدال على الموضوع والمحمول وقد أشار الشارح المحقق إلى أن ما ذكر لا يخص المبتدأ والخبر على ما فى المتن بل يعم الفعل والفاعل أيضًا، ولا يخفى أن المسند إليه عند النحويين قد يكون سورًا عند المنطقيين لا موضوعًا.

قوله: (ما ذكرناه) يعنى من أقسام الضرورة (مادة البرهان) بمعنى أنه لا بد من

ص: 340

انتهاء مقدماته إليها وإن كانت فى نفسها مكتسبة.

قوله: (أى يقتصر) هذا تفسير حسن لكلام المتن يسقط به اعتراض الشارحين بأنه منقوض بالاقترانيات الشرطية، ولا يحتاج إلى الجواب بأن المراد لا يلزم فيه شرط ولا تقسيم أو بأنه لم يعتد بالاقترانيات الشرطية لقلة جدواها فحصر الاقترانى فى الحملى لكن ظاهر عبارة المنتهى يأبى هذا التفسير حيث قال: ومقدمتا الاقترانى بغير شرط ولا تقسيم.

قوله: (وأجزاء المقدمات) يعنى أن ضمير هى لأجزاء المقدمات بمعنى أطرافها الثلاثة التى واحد منها مكرر حيث نسب تارة إلى موضوع المطلوب وأخرى إلى محموله، وكان الأنسب بالسياق أن يقول: والمتكرر الأوسط بمعنى أنه يسمى الأوسط وجعل المحقق ضمير "موضوعه" للمطلوب لدلالة الكلام عليه، وقد جعله العلامة للأوسط على ما هو فى الشكل الأول خاصة والأحسن أن يجعل اللازم المذكور صريحًا.

قوله: (ما ذكرناه) يعنى أن ما ذكره من قوله: ويسمى كل تصديق قضية إلى هنا بحث متعلق بمادة البرهان بل القياس مطلقًا أو ما ذكره من الضروريات مادة له وأما صورة القياس برهانيًا أو غيره فضربان، وأراد بكون اللازم أو نقيضه مذكورًا فيه بالفعل ذكر طرفيه على ترتيبه كذلك وإلا فهما قضيتان محتملتان للصدق والكذب بخلاف المذكور والتقييد بالفعل احتراز عن الاقترانى لوجود اللازم فيه بالقوة لوجود طرفيه فقط.

قوله: (أى يقتصر على هذا القسم) المتبادر من كلامه انحصار الاقترانى فى الحملى الذى ليس فيه شرط أى متصلة ولا تقسيم أى منفصلة فتخرج الاقترانيات الشرطية؛ فاعتذر بعضهم بحمله على أن شيئًا منهما لا يلزم فى الاقترانى بخلاف الاستثنائى؛ إذ لا بد فيه من أحدهما، وبعضهم بأنها ليست يقينية الإنتاج ولذلك لم يذكرها المتقدمون فلم يعتبرها المصنف، وحصر الاقترانى فى الحملى، وأوله الشارح بأنه يقتصر على ذكر هذا القسم ولم يتعرض لما عداه بناء على ما فصله.

قوله: (ثم المفردان من مقدمتيه) أى مقدمتى الاقترانى المذكور أعنى الحملى وفيه إشارة إلى أن الضمير المجرور فى عبارة المتن: "ويسمى المبتدأ فيه" راجع إلى الأول

ص: 341

الذى هو الاقترانى أى يسمى المبتدأ فى الاقترانى بل فى القول الذى جعل جزءًا منه.

قوله: (والمتكلمون ذاتًا وصفة) رد بأنه إنما يصح فيما هو موضوع ومحمول بالطبع كقولنا: الإنسان كاتب لا فى عكسه، وأجيب بأن المحكوم عليه يراد به ما صدق عليه وهو الذات والمحكوم به يراد به المفهوم وهو الصفة.

قوله: (والنحويون مسندًا إليه ومسندًا) الموافق للمتن مبتدأ أو خبرًا وإنما عدل الشارح ليندرج الفعل والفاعل فى ذلك اندراجهما فيما عداه قيل ويقعان فى الشكل الثانى، كقولك: ضحك كل إنسان وما ضحك شئ من الفرس وكأن المصنف نظر إلى هيئة الشكل الأول لأن الكل مرتد إليه وما اعترض به من أن المبتدأ والمسند إليه عندهم قد يكون سورًا عند المنطقيين كقولنا كل إنسان حيوان؛ فجوابه أن المحكوم عليه بحسب المعنى هو الإنسان.

قوله: (وأجزاء المقدمات تسمى حدودًا) تنبيه على أن الضمير فى قوله: وهى الحدود راجع إلى أجزاء المقدمات لتقدمها معنى.

قوله: (ولا بد من حد مكرر) لأن النسبة بين موضوع ومحمول إذا كانت مجهولة فلا بد فى تعريفها من أمر ينتسب إلى كل منهما فيتكرر لذلك.

قوله: (فيسمى موضوعه) أى موضوع المطلوب هو اللازم المذكور سابقًا وفيه رد على من زعم أن ضمير: موضوعه ومحموله فى عبارة المصنف راجع إلى الأوسط فيختص بالشكل الأول.

التفتازانى: (الظاهر أن الضمير للاقترانى أو لمطلق البرهان) الظاهر أن الضمير راجع للأول المذكور فى قوله: والأول بغير شرط ولا تقسيم لأنه أقرب مذكور وهو نفس الاقترانى الذى سبق.

التفتازانى: (لكن ظاهر عبارة المنتهى. . . إلخ) لا فرق بين عبارة المنتهى وما ذكره هنا فى قبول هذا التفسير.

قوله: (بحث متعلق بمادة البرهان) أى أنه لا بد من التأويل فى قوله: مادة البرهان إذا جعل ما ذكره عبارة عن قوله: ويسمى كل تصديق قضية إلى هنا ليصح الحمل وأما لو جعل عبارة عما ذكره من الضروريات فلا حاجة إلى التأويل فى

ص: 342

حمل قوله: مادة البرهان على ما ذكره.

قوله: (كذلك) كان الأولى حذفه والإتيان بـ "فقط" بدله والعنى: لا مع حيثية تعلق الحكم به وإلا كان إثباتًا للشئ بنفسه ومصادرة على المطلوب.

قوله: (وإلا فهما قضيتان. . . إلخ) أى وإلا نقل أن المراد بذكر اللازم أو نقيضه بالفعل مجرد ذكر طرفيه وصورته من غير حيثية الحكم بل قلنا: المراد ذكرهما من حيث الحكم القائم بهما واشتمالهما على حكم تام فهما قضيتان والمذكور من اللازم ونقيضه ليس قضية.

قوله: (بخلاف الاستثنائى) أى فإنه يلزم أن تكون إحدى مقدمتيه شرطية متصلة أو منفصلة.

قوله: (بل فى القول الذى جعل جزءًا منه) وهو القضية التى جعلت مقدمة القياس.

قوله: (رد بأنه إنما يصح. . . إلخ) المراد السعد.

قوله: (اندراجهما فيما عداه) وهو المحكوم عليه والمحكوم به والموضوع والمحمول.

قوله: (وكأن المصنف. . . إلخ) اعتذار عن التعبير بالمبتدأ والخبر دون المسند والمسند إليه.

قوله: (فجوابه أن المحكوم عليه. . . إلخ) هذا الجواب غير نافع لأن المعترض يقول: إن المبتدأ والمسند إليه عند النحويين قد يكون سورًا عند المنطقيين وكون المسند إليه فى المعنى هو الإنسان فى قولك: كل إنسان ناطق لا يرد ذلك.

ص: 343

قال: (ولما كان الدليل قد يقوم على إبطال النقيض والمطلوب نقيضه وقد يقوم على الشئ والمطلوب عكسه احتيج إلى تعريفهما).

أقول: لما كان الدليل قد لا يقوم على صدق المطلوب ابتداء بل إما على إبطال نقيض المطلوب ويلزم منه صدقه، وإما على تحقق ملزوم صدق المطلوب وهو ما يكون المطلوب عكسه فيلزم صدقه فلذلك احتيج إلى بيان النقيض والعكس والمراد بالتعريف البيان ليتناول حدهما وحكمهما فإنه يذكرهما جميعًا.

قوله: (وهو ما يكون المطلوب) تعيين للمراد لا تفسير لملزوم صدق المطلوب إذ قد يكون غير ذلك.

قوله: (لما كان الدليل) الدليل قد يقوم على المطلوب ابتداء بأن ينساق النظر فيه إلى ما هو المطلوب بعينه كما فى بعض القياس المستقيم، وقد يقوم على إبطال نقيضه ويلزم منه صدقه قطعًا كما فى قياس الخلف، وقد يقوم على تحقق أمر هو ملزوم لصدق المطلوب لكونه عكسًا له فيلزم صدقه قطعًا؛ كما فى رد الإشكال إلى الأول بحيث يحتاج إلى عكس النتيجة، ولذلك احتيج إلى بيان ماهيتهما وأحكامهما.

ص: 344

قال: (فالنقيضان كل قضيتين إذا صدقت إحداهما كذبت الأخرى وبالعكس فإن كانت شخصية فشرطها أن لا يكون بينهما اختلاف فى المعنى إلا النفى والإثبات فيتحد الجزءان بالذات والإضافة والجزء والكل والقوة والفعل والزمان والمكان والشرط وإلا لزم اختلاف الموضوع فى الكم لأنه إن اتحدا جاز أن يكذبا فى الكلية مثل كل إنسان كاتب لأن الحكم بعرضى خاص بنوع وأن يصدقا فى الجزئية لأنه غير متعين فنقيض الكلية المثبتة جزئية سالبة ونقيض الجزئية المثبتة كلية سالبة).

أقول: النقيضان: كل قضيتين يلزم من صدق أيتهما فرضت كذب الأخرى ويلزمه العكس وهو أن يلزم من كذب أيتهما فرضت صدق الأخرى ولا حاجة إلى تقييد اللزوم بكونه بالذات رفعًا لورود: هذا إنسان هذا ليس بناطق لأن كذب كل منهما لا يلزم من صدق الآخر بل من صدقه واستلزامه لنقيض الآخر جميعًا والضابط فى التناقض أن القضية إذا كانت شخصية، فيجب أن لا يكون بينها وبين نقيضها تغاير إلا بتبديل كل من الإثبات والنفى بالآخر فيلزم أن يتحد الموضوع والمحمول لا باللفظ فقط بل بالذات وبالاعتبار ويلزم من ذلك ست وحدات لولاها لم يتحدا كذلك لاختلاف الاعتبار.

الأول: اتحاد الإضافة مثل زيد أب زيد ليس بأب ولو أردت فى أحدهما لبكر وفى الآخر لعمرو لم يتنافيا.

الثانى: الاتحاد فى الجزء والكل مثل الزنجى أسود الزنجى ليس بأسود ولو أردت فى أحدهما جزأه وفى الآخر كله لم يتنافيا.

الثالث: فى القوة والفعل مثل الخمر فى الدن مسكر الخمر فى الدن ليس بمسكر.

الرابع: الزمان مثل الشمس حارة الشمس ليست بحارة.

الخامس: المكان مثل زيد جالس زيد ليس بجالس.

السادس: الشرط الكاتب متحرك الأصابع، الكاتب ليس بمتحرك الأصابع، هذا إذا كانت القضية شخصية وإن لم تكن شخصية لزم مع ما ذكرناه اختلاف الموضوع بالكلية والجزئية وإلا لكانتا كليتين أو جزئتين والكليتان يجوز كذبهما معًا مثل كل إنسان كاتب كل إنسان ليس بكاتب، وإنما كذبتا لأن الحكم بعرضى خاص بنوع من الموضوع على الموضوع كله فلثبوته لنوع منه لا يصدق سلبه عن كله ولاختصاصه

ص: 345

به وانتفائه عن نوع آخر منه لا يصدق إثباته لكله والجزئيتان يجوز صدقهما معًا مثل: بعض الإنسان كاتب بعض الإنسان ليس بكاتب وإنما صدقتا لأن الحكم فى الجزئى على غير معين من جزئيات الموضوع وأنه يوجد فى ضمن كل جزئى فيصدق الإيجاب فى ضمن جزئى والسلب فى ضمن آخر ولو كان القصد إلى بعض معين بأن تقول بعض الإنسان كاتب وذلك البعض ليس بكاتب أو تنوى ذلك لم يمكن صدقهما إذا ثبت ذلك تعين أن نقيض الكلية المثبتة الجزئية السالبة ونقيض الجزئية المثبتة الكلية السالبة وهو واضح.

قوله: (فيتحد الجزءان) أى الموضوع والمحمول من هذا مع الموضوع والحمول من ذاك.

قوله: (كل قضيتين) اقتفى أثر المتن فى إيراد لفظ كل فى الحد وإن كان فاسدًا، وأشار بلفظ أيتهما إلى أن كلمة "إحدى" ههنا للعموم وصرح باللزوم لما أن كلمة "إذا" ههنا للشرط المفيد للزوم والإشعار بأن مضمون الجزاء لازم لنفس مضمون الشرط، وحيث اعترض بأنه على تقدير التصريح باللزوم لا بد من تقييده بكونه بالذات ليخرج مثل: هذا إنسان هذا ليس بناطق أشار إلى الجواب بأن كذب هذا ليس بناطق لم يلزم من صدق هذا إنسان بل سنه مع استلزامه لصدق هذا ناطق وكذا كذب هذا إنسان لم يلزم من صدق هذا ليس بناطق بل منه مع استلزامه لصدق هذا ليس بإنسان وبهذا يندفع أيضًا ما يقال: إنه لا بد من قيد الاختلاف بالإيجاب والسلب ليخرج مثل هذا زوج هذا فرد فإن كذب هذا فرد لم يلزم من صدق هذا زوج بل منه مع استلزامه لصدق هذا ليس بفرد، وقوله: وبالعكس الظاهر أنه من تمام الحد أى يلزم من كذب كل منهما صدق الأخرى احترازًا عن المتضادين مثل كل حيوان إنسان لا شئ من الحيوان بإنسان فإنه لا يناقض لان صدق كل وإن استلزم كذب الأخرى لكن كذب كل لا يستلزم صدق الأخرى وظاهر كلام الشارح أنه ليس من تمام الحد لاستقلال كل من الضدين بإفادة التمييز حتى لو قيل هما قضيتان إذا كذبت إحداهما صدقت الأخرى كان كافيًا، وكأنه لا يجعل كذب لا شئ من الحيوان بإنسان لازمًا لصدق كل حيوان إنسان بل مع استلزامه للجزئية التى هى بعض الحيوان إنسان ولا يخفى ما فيه.

ص: 346

قوله: (لا باللفظ فقط) مشعر بأن اتحاد الموضوع والمحمول فى اللفظ لازم وليس كذلك كيف وقد قيد المصنف الاختلاف بقوله فى المعنى احترازًا عن مثل هذا إنسان هذا ليس ببشر فإنهما نقيضان، والشارح المحقق قد حذف هذا القيد حيث قال: فيجب أن لا يكون بينها وبين نقيضها تغاير إلا بتبديل كل من الإثبات والنفى بالآخر واعترض العلامة بأنه لا بد من الاختلاف فى الجهة أيضًا والجواب أنه سكت عنه بناء على أنه لم يعترض فى بحث القضايا للجهة أصلًا.

قوله: (لأن الحكم بعرضى خاص بنوع) أى ببعض من أفراد الموضوع فلا يكون شاملًا فلا يصح الإيجاب الكلى، وقد فسر العرضى الخاص بالنوع بهذا المعنى ليلزمه عدم الشمول فيتم المقصود ويندفع احتراز العلامة بأن هذا إنما يصح إذا كان غير شامل وهذا خلاف ما سبق فى بحث خلل الحد.

قوله: (فلثبوته) ضمير: ثبوته وسلبه واختصاصه وانتفائه وإثباته للعرضى وضمير: منه وكله فى الموضعين للموضوع وضمير "به" لنوع من الموضوع ولا يخفى أن مثل هذه الإضمارات لا تليق بالشروح وأن قوله: ولاختصاصه به مستدرك فى البيان.

قوله: (لأن الحكم فى الجزئى على غير معين) دفع لا يتوهم من أن عدم تناقض بعض الحيوان إنسان بعض الحيوان ليس بإنسان مبنى على عدم اتحاد الموضوع إذ هذا البعض غير ذاك يعنى أن الاتحاد حاصل؛ لأن الحكم فى كل من الجزئيتين على ما صدق عليه أنه بعض من الحيوان من غير تعيين حتى لو قصد التعيين، وإن أريد تعيين ذلك البعض كان تناقضًا وإن أريد تعيين البعض الآخر كان عدم التناقض بناء على اختلاف الموضوع لكن لم تكن الثانية حينئذ جزئية بل شخصية والكلام فى الجزئيتين.

قوله: (النقيضان كل قضيتين) تابع المصنف فى إيراد لفظة كل وإن كان تركها أولى ومع ذلك فالمقصود حاصل إذ يعلم منه أن النقيضين قضيتان. . . إلخ. وأن كل قضيتين يصدق عليهما أنهما قضيتان كذلك فهما نقيضان، وأكثر تعريفات المشايخ المتقدمين من الأدباء والأصوليين على هذا النسق؛ لأن نظرهم إلى تحصيل المقاصد وتفهيم المعانى لا رعاية الاصطلاحات؛ فلا يناقشون فى إهمال ما لا يضر بذلك، ولعلهم أرادوا التنبيه بملاحظة إحاطة الجزئيات التى هى أقرب إلى أذهان

ص: 347

المبتدئين على المعانى الكلية المشتركة بينهما، وقيل: الوجه فى ذلك ما أشار إليه فى تعريف الموضوعات اللغوية وبيانه ههنا أنه يحد النقيضين بصفة العموم على أن اللام للاستغراق؛ فلا بد من إيراد كل فى الحد ليطابق المحدود، وليس بين ظاهريهما فرق كما كان هناك.

قوله: (يلزم من صدق أيتهما) أشار بقوله: أيتهما فرضت إلى أن لفظ "إحداهما" فى المتن لم يرد به إحداهما بعينها؛ بل يتناول كلًا منهما وصرح باللزوم لأن مطلقات الحمليات فى العلوم تحمل على الضرورية ومطلقات الشرطيات على اللزومية والمتبادر من اللزوم هو الكلى وحمله على الجزئى لا يخل بالمقصود ههنا.

قوله: (ويلزمه العكس) الظاهر أن يقال: وبالعكس كما فى عبارة الكتاب ثم يفسر بما ذكره هنا ويكون احترازًا عن المتضادتين أعنى الكليتين إذ لا يلزم من كذب أيتهما كانت صدق الأخرى؛ كما لزم من صدق أيتهما كانت كذب الأخرى وتوجيه ما فى الشرح أن ضمير "يلزمه" راجع إلى اللزوم لتقدمه معنى، وقد نبه بذلك على أن العكس لازم فليس احترازًا عما ذكر إذ لا يلزم من صدق إحدى الكليتين كذب الأخرى بل منه مع استلزامه صدق ما هو نقيض الأخرى؛ كما ذكر فى صدق إيجاب إحدى المتساويتين وكذب سلب الأخرى ولا شبهة أن قولنا: إذا صدقت إحداهما كذبت الأخرى يتبادر منه أن سبب الكذب هو الصدق وحده، وأن معنى قوله: يلزم من صدق أيتهما فرضت كذب الأخرى أنه ينشأ ويتفرع منه كذبها، وبهذا يتضح ما حققه فى عدم الحاجة إلى التقييد بالذات ولو اكتفى بمجرد امتناع الانفكاك لورد أن صدق أحدهما مستلزم لصدق نقيض الآخر الذى يستلزم كذبه وملزوم الملزوم ملزوم، وبالجملة فالقضيتان المتنافيتان لذاتهما يلزم من صدق أيتهما فرضت كذب الأخرى وما عداهما ليس كذلك فإن كذب الأخرى إنما يلزم من صدق الأولى واستلزامه صدق ما ينافى بالذات صدق الأخرى؛ فلا حاجة إلى قيد العكس لإخراج المتضادتين ولا قيد بالذات لإخراج هذا إنسان هذا ليس بناطق ولا قيد الاختلاف بالإيجاب والسلب احترازًا عن مثل هذا زوج هذا فرد ولو عرّف النقيضان بما ذكر من معنى العكس، وقيل قضيتان يلزم من كذب أيتهما فرضت صدق الأخرى لصح ولم يحتج إلى قيد زائد على قياس ما عرفت وههنا بحث، وهو أن اللزوم بمعنى امتناع الانفكاك لا يغنى عن القيود المذكورة كما أشرنا إليه

ص: 348

وإن اعتبر معنى التعليل كما ينبئ عنه استعمال مع حرف الابتداء يلزم الدور إذ كل واحد من الصدق والكذب سبب لصاحبه؛ إلا أن يجعل أحدهما علة فى الذهن والآخر فى الخارج أو يراد بأحد اللزومين امتناع الانفكاك فقط وزعم بعض من تصدى لتوضيح مقاصد الشرح أن الضمير المنصوب فى قوله: ويلزمه العكس راجع إلى كل واحد من قضيتين فإنهما إنما يتناقضان إذا اتصفتا باللزوم المذكور أولًا والمعطوف عليه ثانيًا ليشعرا بمعنى الجمع والخلو معًا إذ لا بد منهما فى التناقض قطعًا.

قوله: (فيجب أن لا يكون بينها وبين نقيضها تغاير) أى فى المعنى كما هو فى المتن وفى بعض نسخ الشارح احترازًا عن خروج مثل زيد إنسان زيد ليس ببشر.

قوله: (فيلزم أن يتحد) أى يتحد الموضوع بالموضوع والمحمول بالمحمول (لا باللفظ فقط) لأن الاتحاد به فقط لا يقتضى عدم الاختلاف والتغاير بينهما فى المعنى بما عدا النفى والإثبات (بل) يلزم أن يتحدا (بالذات) أى الحقيقة (وبالاعتبار) لينتفى التغاير المذكور سواء اتحدا لفظًا أو لا ولا يتوهمن من عبارته أنه اعتبر اتحاد اللفظ إذ لو أريد ذلك لقيل بل بالذات والاعتبار أيضًا فالإضراب عن مجموع قوله لا باللفظ فقط لا عن القيد فقط وإنما لم يشترط اختلاف الجهة مع أنه لا بد منه لأنه لم يتعرض لمباحثها أصلًا.

قوله: (ويلزم من ذلك) أى اتحاد الموضوع والمحمول (ست وحدات) أخرى لولاها يتحدا ذاتًا واعتبارًا ولا اختصاص لشئ منها بأحدهما لأن القضية إذا عكست انعكست حال الوحدات فصار ما يعتبر فى الموضوع معتبرًا فى المحمول.

قوله: (لزم مع ما ذكرناه) صرح بذلك دفعًا لما توهم من عبارة المصنف: أن مجرد اختلاف الكمية كاف فى تناقض المحصورات ولا منافاة بين اشتراط اتحاد الموضوع واختلاف الكمية وإن كان المعتبر فى إحداهما حميع الأفراد وفى الأخرى بعضها لأن المراد اتحاد الوصف العنوانى كما حقق فى موضعه.

قوله: (بنوع من الموضوع) أى ببعض أفراده كالكاتب بالفعل فإنه نوع من الإنسان لغة وإن كان صنفًا منه اصطلاحًا وإنما فسره بذلك ليتم التعليل ولا يحتاج إلى تقييد العرضى بعد الشمول لجميع أفراد النوع وإلا لكانت الموجبة الكلية صادقة كقولنا: كل إنسان كاتب بالقوة.

ص: 349

قوله: (ولاختصاصه به) أى العرضى بنوع من الموضوع قيل هو مستدرك إذ يكفيه قوله: ولانتفائه عن نوع آخر منه لا يصدق إثباته لكله والجواب أن كون العرضى خاصًا بنوع من الموضوع يحتمل معنيين: أن يكون خاصة له مطلقة ويلزم حينئذ استدراكه لأن انتنفاءه عن الأشياء الخارجة عن الموضوع لا مدخل له فى الاستدلال أصلًا وأن يكون خاصة له بالقياس إلى نوع آخر منه فذكر الاختصاص وعطف عليه ما يتعين به المقصود منه، ورد أيضًا بأن كونه خاصًا به لا يقتضى انتفاءه عن نوع آخر منه لجواز أن يكون خاصة له مقيسة إلى شئ ثالث فجعل قوله لاختصاصه به توطئة لما بعده إشعارًا بأن خصوصه باعتبار انتفائه عن النوع الآخر لا عن شئ مما سواه، وفيه أن قوله: خاص بنوع من الموضوع يفهم منه ظاهرًا انتفاؤه عن نوع آخر بل عن جميع ما عداه وقد وقع فى عبارة الشرح فى هذا المقام أحد عشر ضميرًا مجرورًا من جنس واحد خمسة منها راجعة إلى الموضوع وخمسة أخرى إلى العرضى وواحد إلى نوع منه ولظهور القرائن المعينة تتبادر الأذهان إلى المعانى المقصودة بلا كلفة.

قوله: (والسلب فى ضمن جزئى آخر) لا يقال: فلا يتحد الموضوع فيهما لأن المعتبر هو اتحاد العنوان كما سلف.

قوله: (أو تنوى) عطف على أن تقول فالقصد إما أن يقارن لفظًا يدل عليه أو يكون نية مجردة عنه ومن فرق بين القصد والنية بأن فيه إشارة لفظًا إلى التعيين دونها فقد سها.

قوله: (لم يمكن صدقهما) فإن قلت: هل يمكن كذبهما مع استجماع سائر الشرائط أو لا فيتناقضان قلت: الجزئية تصدق تارة مع تعدد الأفراد المندرجة تحت حكمها وأخرى لا مع تعددها فإن قصد فيهما إلى متعدد جاز كذبهما معًا كالكليتين وإن قصد إلى فرد معين صارتا شخصيتين متناقضتين وإن قصد فى الأول إلى بعض مطلق وأشير فى الثانى إلى ذلك البعض كما هو الظاهر لم يمكن أن تكذبا وتتنافيان صدقًا وكذبًا إلا أن ذلك باعتبار أمر زائد على مفهومى الجزئيتين المتصادقتين والكلام فيهما والحكم بأن الثانية على هذا التقدير شخصية خطأ فإن الإشارة إلى بعض مطلق قد ذكر مرة لا تفيد تشخصًا نعم هو متعين فى نفسه فلو علم بخصوصه وأشير إليه بعينه متعددًا أو غيره كانت شخصية لكن العبارة عارية

ص: 350

عن ذلك ويؤيده جواز تسويره بأن يقال: لا شئ من ذلك البعض بكاتب.

قوله: (إذا ثبت ذلك) أى إذا ثبت فى تناقض المحصورات اختلاف الكمية مع وجوب الاختلاف بالنفى والإثبات تعين أن يكون نقيض الكلية المثبتة بكسر الباء الجزئية السالبة وبالعكس لأن التناقض من الإضافات المتفقة وكذا حال الجزئية المثبتة والكلية السالبة.

الشارح: (ويلزم من ذلك ست وحدات) أى من لزوم الجزء للكل إذ الاتحاد بالذات والاعتبار عبارة عن الاتحاد فى هذه الأمور وقال بعضهم: إن اتحاد الموضوعين والمحمولين بالاعتبار ليس عين اتحاد اعتباريهما ثم قال: فإن قلت اتحاد الموضوعين والمحمولين بالذات هو عين اتحادهما كلًا وجزءًا فأين اللزوم قلت المراد بالموضوعين والمحمولين الموضوعان والمحمولان عند المتكلم واتحادهما بالذات عنده ليس عين اتحادهما كلًا وجزءًا فى الواقع فتأمله.

التفتازانى: (أى الموضوع والمحمول. . . إلخ) دفع بذلك ما قد يتوهم من أن المعنى اتحاد الموضوع والمحمول فى القضية مع أنه فاسد.

التفتازانى: (وإن كان فاسدًا) رده السيد بأنه خلاف الأولى فقط.

التفتازانى: (للعموم) أى ليس المراد واحدة منهما معينة ويكون قوله: وبالعكس معناه ويلزم من صدق القضية الأخرى كذب الأولى فيصير المعنى يلزم من صدق أيتهما فرض.

التفتازانى: (لما أن كلمة إذا. . . إلخ) رده السيد بأن الشرط لا يفيد اللزوم مطلقًا لجواز الاتفاقية وإنما اللزوم من إطلاق الشرطية فى العلوم كالضرورية من إطلاق الحملية فيها.

التفتازانى: (وكذا كذب. . . إلخ) أى لأن المعنى يلزم من صدق أيتهما فرض كذب الأخرى.

التفتازانى: (احترازًا عن المتضادين) أى لأنهما لا يجتمعان وقد يرتفعان وقوله: لأن صدق كل وإن استلزم. . . إلخ. أى لأن الضدين لا يجتمعان كما عرفت وقوله: لكن كذب كل. . . إلخ. أى لجواز ارتفاع الضدين.

التفتازانى: (لاستقلال كل من الضدين بإفادة التمييز) المراد بكونهما ضدين أنه

ص: 351

يلزم من صدق أيتهما فرض كذب الأخرى ويلزم من كذب أيتهما فرض صدق الأخرى فكل منهما كاف فى إفادة التمييز للنقيضين.

التفتازانى: (ولا يخفى ما فيه) رد بأنه قد ارتضاه فى إخراج مثل هذا إنسان هذا ليس بناطق وهذا زوج هذا فرد.

التفتازانى: (مشعر بأن اتحاد الموضوع. . . إلخ) رده السيد بأن الإضراب الذى بعده ليس عن المقيد بل عن القيد والقيد ولكن هذا لا ينافى الإشعار بحسب الظاهر.

التفتازانى: (بهذا المعنى) هو أن المراد نوع من الموضوع.

التفتازانى: (ويندفع اعتراض العلامة بأن هذا) أى الحكم بعرض خاص بنوع يقتضى أن لا تصدق الكليتان إنما يصح إذا كان غير شامل كالكاتب بالفعل، وأما إذا كان شاملًا كالكاتب بالقوة فلا تكذب الكليتان، وحاصل الدفع أن المراد بنوع من الموضوع فلا يكون إلا غير شامل فلا يحتاج إلى التقييد بكونه غير شامل كما قاله وهذا إنما يصح إذا كان غير شامل وقوله: وهذا خلاف ما سبق. . . إلخ. مراده أن التأويل هنا غير التأويل الذى سبق فى خلل الحد فى قوله: وجعل العرضى الخاص بنوع فصلًا فلا ينعكس وتأويله الذى سبق هو أن المعنى جعله فصلًا بحيث لا ينعكس والتأويل هنا أن المراد اختصاص العرضى بنوع من الموضوع لذكر الموضوع هنا دون ما سبق والمآل واحد.

التفتازانى: (مبنى على عدم اتحاد الموضوع) أى لا على اختلاف الكم.

التفتازانى: (فإن أريد تعين ذلك البعض كان تناقضًا) أى بأن أريد من البعض فى القضية معينًا هو البعض المطلق فى القضية الأخرى لكن كونه تناقضًا حيث لم يكن البعض المعين متعددًا وإلا جاز أن يكذبا كالكليتين.

التفتازانى: (وإن أريد تعين البعض الآخر) أى دون الأول.

قوله: (ومع ذلك فالمقصود حاصل) أى ومع كون الترك أولى فالمقصود من التعريف وهو الجمع والمنع حاصل أما الجمع فلأنه يعلم منه أن النقيضين قضيتان. . . إلخ. وأما المنع فلأنه يعلم منه أن كل قضيتين يصدق عليهما أنهما قضيتان كذلك فهما متناقضان.

ص: 352

قوله: (وأكثر تعريفات المشايخ. . . إلخ) اعتذار عن ارتكاب خلاف الأولى وقوله: ولعلهم بيان للباعث لهم.

قوله: (وقيل الواجب فى ذلك) أى فى الإتيان بلفظ الكل فى الحد ما أشار إليه فى تعريفات الموضوعات اللغوية حيث قال عند تعريف الموضوعات بقوله كل لفظ وضع لمعنى ما نصه: ولفظ الكل لا يذكر فى الحد لأنه للمياهية من حيث هى هى ولا يدخل فيها عموم ولأنه يجب صدقه على كل فرد ولا يصدق بصيغة العموم وقد ذكره لأنه يحد الموضوعات اللغوية بصيغة العموم فوجب اعتبارها فيه فكأنه قال: معنى قولنا الموضوعات اللغوية كذا وكذا أن كل لفظ وضع لمعنى كذا وكذا وإن كان بين ظاهريهما فرق ستتعرفه. اهـ. لكن يرد على هذا التوجيه أنه وإن كان الحد مطابقًا للمحدود عليه فلا يندفع السؤال لأنه كما يجب كون الحد ماهية كلية يجب كون المحدود ماهية كلية فمن اعترض بالفساد عند جعل الحد مسورًا بكل يعترض بالفساد أيضًا إذا كان المحدود مسورًا بها.

قوله: (وليس بين ظاهريهما فرق كما كان هناك) سيأتى للسيد أن الفرق الظاهرى بين الحد والمحدود فى قوله الموضوعات اللغوية كل لفظ وضع لمعنى أن الجمع المعرف بلام الاستغراق يستغرق جميع الأفراد بلا تفصيل بخلاف لفظ "كل" مضافًا إلى نكرة فإنه يفيد العموم والاستغراق التفصيلى ولهذا إذا قيل: للرجال عندى درهم لزمه درهم واحد ولو قال: لكل رجل عندى درهم لزمه دراهم بعددهم. اهـ. وإنما لم يكن هنا بين ظاهريهما فرق لأن كلًا منهما مثنى بخلاف الموضوعات اللغوية مع "كل" فى قوله: كل لفظ وقد نقل عن المحشى أنه قال: لأن ههنا كليهما مثنى وهناك جمع ومفرد فاستغراق الموضوعات عبارة عن أحاد الجمع وكل عن أحاد الفرد وهو يخالف التوجيه الذى سيأتى ونقلناه قبل.

قوله: (لأن مطلقات الحملية. . . إلخ) رد على السعد كما ذكرناه فيما كتب عليه.

قوله: (وحمله على الجزئى لا يخل بالمقصود هنا) لأن المقصود هنا أن يمتاز النقيضان عن جميع ما عداهما ولا شك أن كون صدق إحدى المقدمتين مستلزمة لكذب الأخرى لا يوجد إلا فى النقيضين.

قوله: (الظاهر أن يقول وبالعكس) أى الظاهر فى بادئ الرأى وأما التحقيق فهو ما حققه كما سيبينه.

ص: 353

قوله: (ولو اكتفى بمجرد امتناع الانفكاك) أى ولم ينظر لما تفيده من من السببية.

قوله: (لو رد أن صدق. . . إلخ) أى فلا يصح إخراج المتساويين المتخالفين إيجابًا وسلبًا عن المتناقضين.

قوله: (يلزم الدور) أى من اللزوم الأصلى واللزوم واللازم له.

قوله: (إلا أن يجعل أحدهما علة فى الذهن والآخر علة فى الخارج) فيه أن الصدق ومقابله ليس أمرًا خارجيًا إذ المعتبر أن فرض صدق إحداهما يقتضى كذب الأخرى وكذا العكس فلا يتأتى أن يكون علة فى الخارج.

قوله: (وزعم بعض من تصدى. . . إلخ) إنما كان زعمًا لأنه يصير المعنى حينئذ أن كل قضيتين يلزم من صدق أيتهما فرضت كذب الأخرى يلزمه كل قضيتين يلزم من كذب أيتهما فرضت صدق الأخرى ولا يخفى أن اللازم حينئذ عين الملزوم ولا تغاير إلا باعتبار لزوم الثانى للزوم الأول فالحق إرجاع الضمير إلى اللزوم من أول الأمر كذا قيل وإلا وجه أنه إنما سماه زعمًا لأن التحقيق أن المتضادين خارجان من غير اعتبار العكس وقد فهم هذا الزاعم أن قوله ويلزمه العكس معناه: ولا بد من العكس منضمًا إلى: يلزم من صدق إلخ.

قوله: (وفى بعض نسخ الشارح) أى لفظ العنى فى بعض نسخ الشارح وقد ذكر احترازًا عن خروج. . . إلخ.

قوله: (ولا اختصاص لشئ منها بأحدهما) أى الموضوع والمحمول لأنك إذا عكست القضايا انعكس الأمر وصارت وحدة الجزء والشرط والكل راجعة إلى المحمول والبواقى إلى الموضوع بعد أن كان الأمر بالعكس.

قوله: (لأن المراد اتحاد الوصف العنوانى) فيه أنه يستلزم ضياع قول المصنف بالذات فالحق فى دفع المنافاة هنا أن اتحاد الذات فى الموضعين لا ينافى اشتمال موضوع إحداهما على موضوع الأخرى لكونه يشمله وغيره إذ القدر الذى اتحدا فيه كاف فى الاتحاد الذاتى القابل للاتحاد الاعتبارى.

قوله: (لا مدخل له فى الاستدلال أصلًا) أى حتى يحتاج إلى قوله: لاختصاصه لإفادته ولا يكون مستدركًا فى البيان.

قوله: (فذكر الاختصاص. . . إلخ) صريح فى أن الأصل فى الاستدلال هو

ص: 354

قوله: ولاختصاصه وليس كذلك بل الأصل فيه قوله: ولانتفائه وأيضًا هذا يوهم أن المقصود الأصلى بيان الاختصاص المقصود هنا لا الاستدلال وفيه ما لا يخفى مع أنه لا يدفع السؤال بأنه مستدرك فى البيان.

قوله: (ورد أيضًا) أى رد الاستدراك أيضًا.

قوله: (فجعل قوله لاختصاصه به توطئة لما بعده إشعارًا بأن خصوصه. . . إلخ) هو مخالف للسوق إذ سوق الكلام لبيان أنه لا يصدق إثبات ذلك العرض لكل الموضوع لا لبيان أن الاختصاص هنا باعتبار انتفائه عن نوع آخر لا عن شئ مما سواه.

قوله: (على مفهوم الجزأين المتصادقين) أى باعتبار أصل مفهومهما.

ص: 355

قال: (وعكس كل قضية تحويل مفرديها على وجه يصدق فعكس الكلية الموجبة جزئية موجبة وعكس الكلية السالبة سالبة مثلها وعكس الجزئية الموجبة مثلها ولا عكس للجزئية السالبة).

أقول: عكس كل قضية تحويل مفرديها بأن يجعل الموضوع محمولًا والمحمول موضوعًا على وجه يصدق أى على تقدير صدق الأصل لا فى نفس الأمر إذ قد يكذب هو وأصله نحو: كل إنسان فرس عكسه بعض الفرس إنسان وهما كاذبان لكن لو صدق الأصل صدق فهذا حده، وقد يقال للقضية التى حصلت بعد التبديل عكس أيضًا كالخلق والنسيج وعلى هذا فعكس الكلية الموجبة جزئية موجبة لأن الموضوع والمحمول قد التقيا فى ذات صدقا عليها فبعض ما صدق عليه المحمول قد صدق عليه الموضوع لكن ربما يكون المحمول أعم يثبت حيث لا يثبت الموضوع فلا يلزم الكلية وعكس الكلية السالبة كلية سالبة لأن الطرفين لا يلتقيان فى شئ من الأفراد وعكس الموجبة الجزئية موجبة جزئية للالتقاء والجزئية السالبة لا عكس لها لجواز أن يكون الموضوع أعم قد سلب الأخص عن بعضه فإذا عكس كان سلب الأعم عن الأخص فلا يصدق.

قوله: (على وجه يصدق) أى يلزم صدقه إن كان الأصل صادقًا فبقيد اللزوم خرج مثل تبديل كل إنسان ناطق إلى كل ناطق إنسان وتبديل كل إنسان حيوان إلى بعض الحيوان ليس بإنسان؛ لأن مصداق اللزوم هو أن لا يختلف باختلاف المواد ولا يصح تبديل الكلية إلى الكلية عندى عموم المحمول ولا تبديل الموجبة إلى السالبة عندى مساواته وبقيد التقدير دخل عكس القضايا الكاذبة وقد نبه على أن العكس قد يطلق بمعنى المصدر وهو التبديل وقد يطلق بمعنى الحاصل منه وهو القضية الحاصلة من التبديل فسقط اعتراض العلامة وغيره بأن هذا التعريف ليس بمطرد ولا منعكس لما ذكرنا من الصور، ومثل هذا ينبغى أن يعتبر فى عكس النقيض أيضًا وأما اعتراض العلامة بأن ما ذكره المصنف من أن عكس الكلية السالبة مثلها وأنه لا عكس للجزئية السالبة ليس على إطلاقه، بل إنما يصح فى بعض الموجهات دون البعض فمدفوع بأن كلام المصنف مبنى على عدم التعرض للجهة.

ص: 356

قوله: (بأن يجعل الموضوع) أى العنوان (محمولًا والمحمول موضوعًا) أى وضعًا عنوانيًا فسر المفردين بهما وإن أمكن تفسيرهما بالمحكوم عليه وبه ليعم عكس القضايا الشرطية بناء على أن المراد عكس الحمليات كالتناقض ولهذا اعتبر الصنف هناك اختلاف الموضوع فى الكم فكأنه خصها بالبيان لأنه اقتصر على الاقترانيات الحملية وأحوال الشرطيات إن احتيج إليها فى الاستثنائيات تعرف بالمقايسة على أنه لما ادعى انحصار البرهان على هيئة الشكل الأول من الاقترانيات الحملية كانت القضايا المستعملة فيه راجعة فى الحقيقة إلى الحمليات فالمهم عنده بيانها.

قوله: (على وجه يصدق) أى يلزم صدقه صدق الأصل ولذا فسره بمعنى الشرطية أوّلًا تنبيهًا على أن الحكم بصدق الحاصل بالتحويل ليس بحسب نفس الأمر بل على تقدير صدق الأصل وشرح بالعبارة الشرطية ثانيًا إظهارًا لمعنى اللزوم كما مر والأول دفع لما عسى أن يتوهم من وجوب صدق العكس فى نفسه والثانى رد لما اعترض به من أن التعريف يقتضى أن يكون قولنا: بعض الإنسان حيوان عكسًا لقولنا بعض الحيوان ليس بإنسان وليس كذلك لعدم الاتفاق فى الكيف على أن الاكتفاء بمجرد التحويل يشعر ببقاء الكيفية على حالها فيندفع النقض به أيضًا، وأما قولنا: كل إنسان ناطق فهو عكس لقولنا: كل ناطق إنسان لخصوص المادة لكنهم يبحثون عن عكوس القضايا على وجه كلى لم ينظر فيه إلى المواد الجزئية فلذلك حكموا بأن عكس الموجبة الكلية موجبة جزئية لأنها لازمة لها فى جميع صورها بخلاف الكلية لتخلفها عنها فى بعضها فإن قلت: قد يعتبرون مع القضايا قيودًا كلية كالضرورة والدوام ويثبتون العكوس بملاحظتها فلِمَ لم يعتبروا قيد المساواة فى الموجبة الكلية ولم يثبتوا لها عكسًا معها؟ قلت: القيود الداخلة فى مفهومات القضايا معتبرة فى أحكامها دون الخارجة عنها والضرورة مثلًا داخلة فى مفهوم السالبة الضرورية والمساواة خارجة عن القضية التى يساوى محمولها الموضوع.

قوله: (قد يقال) يعنى ما ذكرناه معناه حقيقة وقد يطلق على معنى آخر مجازًا مشهورًا، وعلى هذا المعنى قال المصنف: فعكس الموجبة الكلية موجبة جزئية فلا يتوجه عليه أن الحد غير منعكس لان التحويل لا يصدق على القضايا التى هى

ص: 357

العكوس وأيضًا لما لم يتعرض لأحكام الجهات وتفاصيل الموجهات لم يرد عليه أن الموجبتين الممكنتين لا تنعكسان إلا إذا أخذ وصف الموضوع بالإسكان ولأن السوالب السبع الكلية التى أخصمها الوقتية لا تنعكس أصلًا وأن السالبة الجزئية إذا كانت إحدى الخاصتين انعكست كنفسها وحيث وجد انعكاس الموجبتين أكثريًا وانعكاس السوالب الكلية أكثريًا وعدم انعكاس السالبة الجزئية أيضًا أكثريًا حكم بالانعكاس فى الأوليين ويعدمه فى الأخيرة.

الشارح: (بأن يجعل الموضوع محمولًا والمحمول موضوعًا) أى فإضافة التبديل إلى الطرفين عهدية والمراد منها ذلك فلا يرد أن يقال: إن تبديل قولنا كل إنسان حيوان بقولنا بعض الحجر جسم يصدق عليه أنه تبديل طرفى القضية على وجه يصدق فهو خارج من إضافة التبديل العهدية.

التفتازانى: (عند عموم المحمول) أى لأنه يلزمه حمل الأخص على جميع أفراد الأعم وهو باطل وحيث تخلف العكس فى مادة فلا تنعكس الموجبة الكلية موجبة كلية لأن العكس هو اللازم فى كل مادة وقوله: عند مساواته أى لأنه كاذب مع صدق الأصل وحينئذ لا يكون السلب عكسًا للإيجاب لعدم اطراده وكذا لا يكون الإيجاب عكسًا للسلب.

التفتازانى: (فسقط اعتراض العلامة وغيره بأن هذا التعريف ليس بمطرد ولا منعكس) حاصل الاعتراض أن قوله: على وجه يصدق يشمل تبديل كل إنسان ناطق إلى كل ناطق إنسان وتبديل كل إنسان حيوان إلى بعض الحيوان ليس بإنسان مع أنهما ليسا عكسًا فيكون غير مطرد ولا يشمل عكس القضايا الكاذبة فيكون غير منعكس، وحاصل الجواب أن المراد لزوم الصدق على تقدير صدق الأصل لا الصدق فى نفس الأمر ولا مجرد الصدق.

التفتازانى: (ومثل هذا) أى لزوم الصدق على تقدير صدق الأصل.

قوله: (أى العنوان) دفع به وبما قاله بعدما يقال: إن المعتبر فى جانب الموضوع هو الذات وفى جانب المحمول هو الوصف والعكس لا يصير المفهوم ذاتًا والذات مفهومًا.

قوله: (ليعم عكس القضايا الشرطية) أى لأن المحكوم عليه يشمل الموضوع

ص: 358

والمقدم والمحكوم به يشمل المحمول والتالى بخلاف الموضوع والمحمول.

قوله: (بناء على أن المراد. . . إلخ) علة لقوله: فسر المفردين بهما.

قوله: (اختلاف الموضوع فى الكم) أى فلم يقل: اختلاف المحكوم عليه فى الكم حتى يشمل عكس الشرطيات.

قوله: (المستعملة فيه) أى فى الاستثنائى.

قوله: (أى يلزم صدقه صدق الأصل) أى فلا يكون صدقه اتفاقيًا وليس بلازم أن يصدق فى نفس الأمر.

قوله: (كما مر) أى من أن مطلقات الشرطية تحمل على اللزوم.

قوله: (من أن التعريف يقتضى. . . إلخ) أى بناء على اعتبار صدق العكس ولو اتفاقيًا.

قوله: (لعدم الاتفاق فى الكيف) هذا التعليل من طرف المعترض وحاصل رد الاعتراض أنه لا بد من أن يكون الصدق للعكس لازمًا لصدق الأصل.

قوله: (وأما قولنا: كل إنسان ناطق. . . إلخ) أى فلا يصح الاعتراض به لأن الكلية إنما تنعكس كلية عند المساواة والعكس لا بد فيه من اللزوم فى جميع المواد فما ليس كذلك ليس عكسًا أصلًا فمثل كل إنسان ناطق لا تنعكس إلى كل ناطق إنسان.

قوله: (مجازًا مشهورًا) وعلى هذا فيفسر العكس بأنه أخص قضية لازمة للقضية بطريق التبديل موافقة لها فى الكيف والصدق.

قوله: (أن الموجبتين الممكنتين) أى العامة والخاصة لا تنعكسان أى على مما ذهب الشيخ لأن مذهبه صدق الموضوع بالفعل على أفراده فى نفس الأمر فعليه مفهوم كل ج ب بالإمكان أن كل ما هو ج بالفعل ب بالإمكان ومن الجائز أن يكون ب بالإمكان ولا يخرج من القوة إلى الفعل أصلًا فلا يصدق فى عكسه بعض ما هو ب بالفعل ج بالإمكان فإذا فرضنا صدق قولنا: كل حمار مركوب زيد بالإمكان يكون مفهوم هذه القضية أن كل ما هو متصف بالحمارية بالفعل مركوب زيد بالإمكان ومن الجائز أن يكون المركوب بالإمكان لا يخرج من القوة إلى الفعل أصلًا فحينئذ لا يصدق فى عكسه بعض ما هو مركوب زيد بالفعل حمار بالإمكان، وأما على مذهب الفارابى فجائز انعكاسهما كنفسها لأنه لا يشترط فى وصف

ص: 359

الموضوع ثبوته بالفعل بل يكتفى بالإمكان فيكون مفهوم كل ج ب بالإمكان أن كل ما هو ج بالإمكان ب بالإمكان وينعكس إلى بعض ما هو ب بالإمكان ج بالإمكان وفى عبد الحكيم: أن اعتبار صدق الموضوع بالفعل بحسب الفرض لا بحسب نفس الأمر إنما هو تحقيق الرازى فى شرح المطالع لم يسبقه إليه أحد.

قوله: (إلا إذا أخذ وصف الموضوع بالإمكان) أى كما هو مذهب الفارابى.

قوله: (ولا أن السوالب) أى ولا يرد أن السوالب وقوله: السبع هى الوقتيتان والوجوديتان والممكنتان والمطلقة العامة وإنما لم تنعكس لأن أخصها وهو الوقتية الخاصة لا تنعكس لصدق قولنا: لا شئ من القمر بمنخسف وقت التربيع لا دائمًا مع كذب بعض المنخسف ليس بقمر بالإمكان العام الذى هو أعم الجهات وإذا لم ينعكس الأخص لم ينعكس الأعم لأنه لو انعكس الأعم لانعكس الأخص لأن العكس لازم القضية ولازم الأعم لازم الأخص.

قوله: (انعكست كنفسها) أى على أنه قد قال: إن السالبة الجزئية لا تنعكس.

قوله: (وحيث وجد. . . إلخ) يظهر أنه توجيه آخر.

ص: 360

قال: (وإذا عكست الموجبة الكلية بنقيض مفرديها صدقت ومن ثمة انعكست السالبة سالبة جزئية).

أقول: ههنا نوع آخر من العكس يسمى عكس النقيض وهو تبديل كل من الطرفين بنقيض الآخر على وجه يصدق والكلية الموجبة تنعكس بهذا العكس وذلك أن محمولها لازم لموضوعها وعدم اللازم مستلزم لعدم اللزوم وهذا بخلاف الجزئية إذ لا استلزام ئية ومن أجل أن الكليتين الموجبتين متلازمتان انعكست السالبة كلية أو جزئية بهذا العكس، أما الجزئية فلأن الجزئيتين السالبتين نقيضا الكليتين الموجبتين والتلازم بين الشيئين يستلزم التلازم بين نقيضيهما وأما الكلية فلأنها مستلزمة للجزئية المستلزمة لعكسها وهو بعينه عكس الكلية.

قوله: (وذلك أن محمولها لازم لموضوعها) فإن قيل هذا إنما يصح فى الضرورية دون غيرها خصوصًا المقيدة باللاضرورة واللادوام قلنا: إن المراد أن المحمول لازم الصدق على الموضوع بجهة من الجهات حتى إن الممكنة الخاصة يلزم صدق محمولها على موضوعها بالإمكان الخاص إلا أن الموجهات بعضها ينعكس وبعضها لا ينعكس؛ وتحقيق ذلك فى المنطق فإن قيل: ففى الجزئية أيضًا المحمول لازم لبعض الأفراد قلنا: هذا لا يقتضى اللزوم لنفس الموضوع بجهة من الجهات حتى يلزم الانعكاس كما فى قولنا: بعض الحيوان لا إنسان حيث لا يصدق بعض الإنسان لا حيوان.

قوله: (ومن ثمة انعكست السالبة سالبة جزئية) وجهه على ما فى الشروح أنه لما انعكست الموجبة الكلية إلى موجبة كلية لزم انعكاس السالبة إلى سالبة جزئية؛ لأنه إذا صدق لا شئ من ج ب أو ليس بعض ج ب صدق بعض ما ليس ب ليس ج وإلا فكل ما ليس ب ليس ج وينعكس بعكس النقيض إلى كل ج ب وهو مناف للأصل، وأما ما ذكره الشارح الحقق فمما لا مزيد عليه وقد تفرد به إلا أنه قد يتوهم عليه سؤال وهو أنه يوجب انعكاس الموجبة الجزئية إلى الموجبة الكلية لكونهما نقيضى السالبة الكلية والسالبة الجزئية المتلازمين وجوابه منع التلازم بل الأصل ملزوم والعكس لازم ونقيض الملزوم لا يستلزم نقيض اللازم لجواز كونه أعم وتحقيقه أنا إذا قلنا الكلية تنعكس إلى الكلية تلازمتا، لأن كلًا منهما عكس

ص: 361

للأخرى وإذا قلنا: الكلية تنعكس إلى الجزئية لم يتحقق اللزوم إلا من جانب الجزئية.

قوله: (وهو تبديل كل من الطرفين بنقيض الآخر) فسر المفردين ههنا بالطرفين وأراد بهما الموضوع والمحمول لما قررناه هناك، وقد يقال: حملهما فى أحد التعريفين على ما يتناول عكس الشرطيات وفى الآخر على ما يختص بعكس الحمليات تنبيهًا على أن لإرادة كل من المعنيين وجهًا فى كلا الحدين واعتبار اللزوم فى صدق العكس وبقاء الكيف بحاله يعلم مما سلف تقريره فى العكس المستوى واختار فى عكس النقيض مذهب القدماء لأنه المستعمل فى العلوم وأراد بنقيض الطرفين ما هو بمعنى السلب لا العدول فيندفع النقض الذى أورده المتأخرون عليهم.

قوله: (وذلك لأن محمولها لازم لموضوعها) قيل: أراد أن محمولها لازم الصدق على الموضوع بجهة من الجهات فيتناول كل موجبة كلية حتى الممكنة الخاصة لأن إمكان محمولها لازم لموضوعها إلا أن بعض الموجهات ينعكس دون بعضها وأما الموجبة الجزئية وإن كان محمولها لازم الصدق على بعض أفراد موضوعها بجهة من الجهات فلا تنعكس لأن نقيض اللازم فى الملازمة الجزئية لا يستلزم نقيض الملزوم جواز أن يكون رفع اللازم على وضع وصدق الملازمة على وضع آخر والأولى أن يحمل اللزوم على عدم الانفكاك ويراد أن محمولها دائم لوصف موضوعها فإذا عدم وصف المحمول عن شئ عدم عنه أيضًا وصف الموضوع وإلا لم يكن مستديمًا له والمقدر خلافه ويختص الدليل بالدوائم الست دون السبع التى لا تنعكس سوالبها على الاستقامة ولا يجرى فى الموجبة الجزئية إلا إذا كانت إحدى الخاصتين، وما يقال: من أن جميع القضايا عند المصنف راجعة إلى الضرورية فلذلك حكم بانعكاس الكلية السالبة مطلقًا كنفسها بالمستوى وبانعكاس الموجبة الكلية كذلك بعكس النقيض فقد تبين فساده سابقًا.

قوله: (ومن أجل أن الموجبتين الكليتين متلازمتان) إنما تلازمتا لأن كل واحدة منهما منعكسة إلى الأخرى فوجب تلازم السالبتين الجزئيتين وإذا كانت السالبة الجزئية منعكسة إلى سالبة جزئية انعكست السالبة الكلية إلى تلك الجزئية لأن لازم الأعم لازم للأخص وأعم منه فلا يستلزمه فلا يتوهم وجوب انعكاس الموجبة الجزئية إلى الموجبة الكلية لأنهما نقيضًا السالبة الكلية والجزئية المتلازمتين.

ص: 362

التفتازانى: (لازم الصدق على الموضوع) أى: فليس المراد باللزوم امتناع الانفكاك حتى لا يصدق إلا على الضرورية أو عدم الانفكاك حتى لا يصدق إلا على الدائمة سواء كانت ضرورية أو دائمة بل المراد أنه لا بد من صدق المحمول وثبوته له بأى جهة من الجهات.

التفتازانى: (وجهه كما فى بعض الشروح. . . إلخ) يعنى أن الدليل على صدق عكس السالبة سالبة حزئية لما كان لا يتم إلا بالعكس نقيض الموجبة الكلية موجبة كلية كان ذلك الانعكاس منشأ لعكس السالبة سالبة جزئية.

التفتازانى: (صدق بعض ما ليس ب ليس ج) فيه سقط وصوابه: صدق ليس بعض ما ليس ب ليس ج وقوله: وينعكس بعكس النقيض إلى كل ج ب هذا هو الذى به تم أن السالبة تنعكس سالبة كما مر.

التفتازانى: (وأما ما ذكره الشارح) أى من أنه لما كانت الموجبتان الكليتان متلازمتين انعكست السالبة سالبة؛ لأن الجزئيتين نقيضتا الكليتين والتلازم بين الشيئين. . . إلخ.

التفتازانى: (بل الأصل) وهو السالبة الكلية وقوله: والعكس هو السالبة الجزئية وقوله: ونقيض الملزوم النقيض هو الموجبة الجزئية والملزوم هو السالبة الكلية وقوله: لا يستلزم نقيض اللازم النقيض هو الموجبة الكلية واللازم هو السالبة الجزئية.

قوله: (لما قرره هناك) هو أن المراد عكس الحمليات.

قوله: (مذهب القدماء) أى دون مذهب المتأخرين الذى هو تبديل الطرف الأول بنقيض الثانى والثانى بعين الأول مع الاختلاف فى الكيف.

قوله: (وأراد بنقيض الطرفين ما هو بمعنى السلب. . . إلخ) الحاصل أن المتأخرين اعترضوا مذهب المتقدمين بأن دليلهم على عكس النقيض لا يتم وذلك لأن المتقدمين قالوا: إذا صدق كل ج ب صدق كل ما ليس ب ليس ج لأنه لو لم يصدق لصدق بعض ما ليس ب ج وينعكس بالعكس المستوى إلى بعض ج ليس ب وقد كان الأصل كل ج ب وهذا خلف فلا بد من صدق العكس فقال المتأخرون: إن اللازم من عدم صدق كل ما ليس ب ليس ج إنما هو ليس بعض ما ليس ب

ص: 363

ليس ج وهو قضية سالبة معدولة المحمول ولا يلزم من صدقها صدق بعض ما ليس ب ج لأن هذه موجبة محصلة والسالبة المعدولة أعم من الموجبة المحصلة لصدقها مع عدم الموضوع بخلاف الموجبة المحصلة ولا يلزم من صدق الأعم صدق الأخص فلا تلزم القضية الموجبة المحصلة التى تنعكس بالعكس المستوى إلى ما ينافى الأصل حتى يتم دليل المتقدمين وأيضًا يجوز أن تكون القضية من الحمليات التى محمولها من الأمور العامة كقولك: كل إنسان ممكن بالإمكان العام فإنها تصدق ولا يصدق عكسها بعكس النقيض الموافق إلى كل ما ليس بممكن بالإمكان العام ليس بإنسان لأن هذه القضية موجبة تقتضى وجود الموضوع مع أنه ليس بموجود وأجيب من طرف المتقدمين بأن نقيض الطرفين معتبر على معنى السلب لا العدول يعنى فقولنا: ليس بعض ما ليس ب ليس ج ليست قضية سالبة معدولة بل هى سالبة سالبة الطرفين فقد سلب فيها سلب ج عما ليس ب وإذا سلب سلب المحمول لزم ثبوته فيلزم ثبوت ج لبعض ما ليس ب وقولنا: كل ما ليس بممكن بالإمكان العام ليس بإنسان قفية موجبة سالبة الطرفين فلا تقتضى وجود الموضوع.

قوله: (ويراد أن محمولها دائم لوصف موضوعها) أى أن علة دوامه للموضوع هو وصف الموضوع حتى يكون انتفاء المحمول انتفاء للموضوع ويتحقق عكس النقيض وقوله: ولا يجرى فى الموجبة الجزئية إلا إذا كانت إحدى الخاصتين أى لأنه حينئذ يكون المحمول دائم الثبوت للموضوع للوصف، ويكون انتفاء المحمول انتفاء للموضوع باعتبار وصف الموضوع ويتحقق عكس النقيض، وأما العامتان فإن المحمول فيهما وإن كان ثابتًا لذات الموضوع ما دام الوصف؛ إلا أنه يحتمل أن يكون الدوام لذات الموضوع لا للوصف ولذا كانتا أعم من الخاصتين فالوصف العنوانى تارة يكون له مدخل فى دوام المحمول كما فى: بعض الكاتب متحرك الأصابع ما دام كاتبًا وقد لا يكون له مدخل فى ذلك كقولك: بعض الكاتب إنسان ما دام كاتبًا وإنما لم تنعكس الموجبة الجزئية فى غير الخاصتين للنقض والتخلف فى بعض الصور كما فى قولك: بعض الحيوان لا إنسان إذ لا يصح بعض الإنسان لا حيوان.

قوله: (فقد تبين فساده سابقًا) نقل عنه يعنى قد تبين سابقًا أن انعكاس الموجبة

ص: 364

فى الموجهات أكثرى لا كلى وانعكاس السالبة الكلية كثير وانعكاس السالبة الجزئية قليل وعدم انعكاسها أكثرى وأيضًا قد سبق فى قوله: ولا بد من مستلزم أنه ليس من القضايا الضرورية عند المصنف وما يتوهم من قوله: مستلزم رفعناه أى بأن المراد المناسبة المصححة للانتقال وأيضًا قد بين أن حكمه ههنا ليس باعتبار الجهة فإنه لم يتعرض لمباحث الجهة من الضرورة وغيرها.

قوله: (وأعم منه) أى لأن لازم الأعم إما أن يكون مساويًا له أو أعم منه وعلى كل حال يكون أعم من الأخص.

قوله: (لأنهما نقيضا السالبة الكلية والجزئية المتلازمتين) علة للوجوب وأما على النفى فما تقدم من أن الجزئية أعم وإذا كانت أعم لم تكن مستلزمة للكلية فلا يكون بينهما تلازم.

ص: 365

قال: (وللمقدمتين باعتبار الوسط أربعة أشكال فالأول محمول لموضوع النتيجة موضوع لمحمولها والثانى محمول لهما والثالث موضوع لهما والرابع عكس الأول فإذا ركب كل شكل باعتبار الكلية والجزئية والموجبة والسالبة كانت مقدراته سنة عشر ضربًا).

أقول: وضع الأوسط عند الحدين الآخرين يسمى شكلًا والأشكال أربعة لأن الأوسط إن كان محمولًا فى الصغرى موضوعًا فى الكبرى فالأول وإن كان محمولًا فيهما فالثانى وإن كان موضوعًا فيهما فالثالث وإن كان عكس الأول أى موضوعًا فى الصغرى محمولًا فى الكبرى فالرابع ثم إذا ركب كل شكل باعتبار مقدمتيه فى الإيجاب والسلب والكلية والجزئية جاءت مقدراته العقلية ستة عشر ضربًا لأن الصغرى إحدى الأربع والكبرى إحدى الأربع ويضرب الأربع فى الأربع فيحصل ستة عشر لكن منها ما لا يكون بالحقيقة قياسًا لأنه غير منتج فيسقط بحسب الشروط ويكون محققاته ما يبقى بعد ذلك.

قوله: (وضع الأوسط) أى الهيئة الحاصلة من نسبة الأوسط إلى الأصغر والأكبر تسمى شكلًا.

قوله: (لكن منهما ما لا يكون بالحقيقة قياسًا) إشارة إلى أن ما ذكر فى باب القياس من أن شرط إنتاجه كذا وكذا ليس معناه أنه إذا انتفى هذه الشرائط كان قياسًا غير منتج بل لا يكون قياسًا أصلًا لعدم صدق الحد عليه.

قوله: (وضع الأوسط) أراد بالوضع اللغوى أى وضع الحد الأوسط عند الحدين الآخرين بالوضع أو الحمل بل الهيئة الحاصلة به يسمى شكلًا وإنما رتب الأشكال على هذا النسق لأن الأول على نظم طبيعى ينتقل فيه الذهن من المحكوم عليه إلى الوسط ومنه إلى المحكوم به بلا كلفة فلا تحتاج قياسيته لكونها ضرورية إلى بيان والثانى يشاركه فى أشرف مقدمتيه أعنى الصغرى المشتملة على موضوع النتيجة الذى هو الذات والثالث يشاركه فى المقدمة الأخرى والرابع يخالفه فيهما فصار بعيدًا عن الطبع مشكلًا بيان قياسيته.

قوله: (إحدى الأربع) يريد المحصورات لأن المهملة فى قوة الجزئية

ص: 366

والشخصيات لا تعتبر فى العلوم والضرب هو اقتران الصغرى بالكبرى بحسب الكمية والكيفية ويسمى قرينة.

قوله: (ما لا يكون بالحقيقة قياسًا) إشارة إلى أن الستة عشر أقسام يقدرها العقل وبعضها لا ينتج فلا يكون قياسًا بالحقيقة لأن الإنتاج بمعنى الاستلزام معتبر فى حده فيسقط بحسب الشروط المعتبرة فيه ويكون محققات كل شكل ما يبقى بعد سقوط ما انتفى عنه شرط منها.

قوله: (أراد بالوضع اللغوى) أى: لا الوضع المقابل للحمل حتى لا يشمل كون الوسط محمولًا.

قوله: (فى أشرف مقدمتيه) أى وفى الحكم على الأصغر بالأوسط فينتقل الذهن عنه إلى النتيجة ولذلك لا يحتاج صاحب الذهن القوى إلى رده إلى الأول.

قوله: (فى المقدمة الأخرى) أى وفى الحكم الأكبر على الأوسط الثابت للأصغر فله قرب للأول من هذه الجهة أيضًا.

قوله: (فصار بعيدًا عن الطبع مشكلًا بيان قياسيته) أى صار بعيد تمام البعد فلا ينافى أن غيره من الثالث والثانى بعيد أيضًا.

قوله: (والشخصيات لا تعتبر فى العلوم) أى وإن كانت أحكامها أحكام الكليات كما ذكر الشيخ فى الشفاء أن المخصوصات أحكامها كأحكام الكليات فإنه قد يكون القياس مركبًا من شخصيتين، كقولك: زيد أبو عبد اللَّه وأبو عبد اللَّه أخو عمرو لكن النتائج تكون مخصوصة شخصية وأكثر ما يستعمل الشخصيات مقدمات صغرى. اهـ.

ص: 367

قال: (الشكل الأول أبينها ولذلك يتوقف غيره على رجوعه إليه وينتج المطالب الأربعة وشرط إنتاجه إيجاب الصغرى أو فى حكمه ليتوافق الوسط وكلية الكبرى ليندرج فينتج يبقى أربعة موجبة كلية أو جزئية وكلية موجبة أو سالبة فالأول كل وضوء عبادة وكل عبادة بنية الثانى كل وضوء عبادة وكل عبادة لا تصح بدون النية الثالث بعض الوضوء عبادة وكل عبادة بنية الرابع بعض الوضوء عبادة وكل عبادة لا تصح بدون النية).

أقول: الشكل الأول: هو أبين الأشكال ولذلك كان غيره موقوفًا على الرجوع إليه فيكون إنتاجه إنما يعلم برجوعه إليه لما علمت أن حقيقة البرهان وسط مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه وأن جهة الدلالة أن موضوع الصغرى بعض موضوع الكبرى فالحكم عليه حكم عليه وكلاهما صورة الشكل الأول والعقل لا يحكم بإنتاج إلا بملاحظة ذلك سواء صرح به أو لا وليس من شرط ما يلاحظه العقل التمكن من تفسيره وتلخيص العبارة فيه فلأجل ذلك تراه يحكم بأن ما تحقق فيه الرجوع إلى الشكل الأول تحقق فيه ذلك وهو السبب للإنتاج والفقه فيه فأنتج وما لم يرجع إليه فهو بخلافه ولا تظننه محتجًا بعدم الدليل الخاص على عدم المدلول فتحكم بغلطه وهو برئ من ذلك وكيف يذهب على مثله أن انتفاء الدليل الخاص بل انتفاء الدليل مطلقًا لا يوجب انتفاء المدلول وقد كرر ذلك فى مواضع من كتابه وبين ضروبًا بغير هذا الوجه من الخلف بل قصده إلى ما ذكرنا ولا يستبعد أن يفطن ذكى لحكمة هى مناط لأمر فيؤيدها باستقراء الجزئيات فتتعاضد اللمية والأنية.

واعلم أن هذا الشكل يختص بأنه بنتج المطالب الأربعة وبأنه ينتج الكلية الموجبة وباقى الأشكال الا ينتج الكلية الموجبة فلا ينتج الأربعة بل إما جزئية أو سالبة وكل ذلك ستعلمه عند التفصيل ثم إن شرط إنتاجه أمران:

أحدهما: أن تكون الصغرى موجبة أو فى حكمها ليتوافق الأوسط فيحصل أمر مكرر جامع وذلك أن الحكم فى الكبرى على ما هو أوسط إيجابًا فلو كان المعلوم ثبوته فى الأغر هو الأوسط سلبًا تعدد الأوسط فلم يتلاقيا.

والمراد بحكم الإيجاب ما يستلزم إيجابًا نحو لا شئ من (ج ب) وكل ما هو ليس (ب أ) فإن لا شئ من (ج ب) سالبة فى حكم كل (ج) هو ليس (ب)

ص: 368

سالبة المحمول.

وثانيهما: أن تكون الكبرى كلية ليعلم اندراج الأصغر فيه إذ لو كانت جزئية جاز كون الأوسط أعم من الأصغر وكون المحكوم عليه فى الكبرى بعضًا منه غير الأصغر فلا يندرج فلا ينتج وبحسب هذا الشرط تسقط السالبتان صغرى مع الكليتين والجزئيتين كبرى والموجبتان صغرى مع الجزئيتين كبرى ويبقى صغرى موجبة إما كلية أو جزئية مع كبرى كلية إما موجبة أو سالبة.

الأوّل: من كلية موجبة وكلية موجبة تنتج كلية موجبة مثل كل وضوء عبادة وكل عبادة بنية ينتج كل وضوء بنية.

الثانى: كلية موجبة وكلية سالبة ينتج كلية سالبة كل وضوء عبادة وكل عبادة لا تصح بدون نية ينتج كل وضوء لا يصح بدون النية.

الثالث: جزئية موجبة وكلية موجبة ينتج جزئية موجبة بعض الوضوء عبادة وكل عبادة بنية ينتج بعض الوضوء بنية.

الرابع: جزئية موجبة وكلية سالبة ينتج جزئية سالبة بعض الوضوء عبادة وكل عبادة لا تصح بدون نية فبعض الوضوء لا يصح بدون نية فقد ظهر لك أنها تنتج المطالب الأربعة وأنها بنية بذواتها لا يحتاج إنتاجها للمطلوب إلى دليل.

قوله: (ولا تظننه) ذكر بعض الشارحين أن القول بتوقف باقى الأشكال على الأول باطل؛ لأن إنتاجها قد تبين بطرق كالخلف والعكس والافتراض وأجاب بعضهم بأنه لا بد من أنتهاء الطرق كلها إلى الشكل الأول لأنه البديهى الذى لا يحتاج إلى بيان، وتحقيق ذلك أنه كما لا بد من انتهاء المواد إلى ضرورى يحصل التصديق به بلا كسب كذلك لا بد من انتهاء الصور إلى الضرورى قطعًا للتسلسل وذلك هو الشكل الأول لا غير، ولما كان كلام المصنف فى أثناء الأشكال مشعر بأن مراده برجوعها إلى الشكل الأول غير انتهاء الطرق إليه لأن بعد البيان بالرجوع بقول ويبين بالخلف مثلًا، ذهب الشارح المحقق إلى أن مراد المصنف هو أن الإنتاج فى القياس مطلقًا لا يكون إلا بملاحظة صورة الشكل الأول بوجهين قررهما المصنف: أحدهما: أن حقيقة البرهان وسط مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه وهذه صورة الشكل الأول، وثانيهما: أن وجه دلالة القياس على

ص: 369

المطلوب أن الصغرى باعتبار الموضوع خصوص والكبرى عموم وهذا أيضًا صورته وكل قائس يلاحظ ذلك، وإن لم يتمكن من تلخيص العبارة بحيث يكون تصريحًا برجوع كل قياس إلى الشكل الأول فلذلك جزم المصنف بأن السبب والحكمة فى الإنتاج هو ملاحظة الشكل الأول، فما تحقق فيه ذلك أنتج وما لا فلا فهذا المعنى بمنزلة برهان لمىّ يفيد لمية الإنتاج واستقراء الجزئيات وإثبات كل منها بما يدل عليه بمنزلة برهان أنى وإذا تعاضدا تبين الإنتاج غاية التبين.

قوله: (ليتوافق الوسط) أى فى الصغرى والكبرى فيتكرر لأن الحكم فى الكبرى على ما ثبت له الأوسط وانتسب إليه إيجابًا؛ لأن موضوع القضية ما ثبت له الوصف العنوانى فلو كان المعلوم فى الأصغر انتساب الأوسط إليه سلبًا بأن تكون الصغرى سالبة لم يتكرر بل تعدد لأن ما ثبت له الأوسط غير ما نفى عنه الأوسط فقوله: ثبوته منصوب خبر كان والضمير للأوسط وسلبًا تمييز وإن كان يحتمل أن يكون ثبوته مرفوعًا فاعل المعلوم والضمير للموصول أعنى اللام فى المعلوم وسلبًا خبر كان، وبالجملة قد ظهر بهذا التحقيق صحة وقوع الأوسط فاعل يتوافق لتعدد معنى ولم يحتج إلى ما ذهب إليه الشارحون من أن المعنى ليتوافق الأوسط مع الأوسط أى لا يباينه، إذ الحكم على أحد المتباينين لا يوجب الحكم على الآخر.

قوله: (والمراد بحكم الإيجاب) جمهور الشارحين على أن المراد به كون السالبة مركبة وأنت خبير بأنه إن أريد إنتاج الجزء الإيجابى منها فهو موجبة لا فى حكم الموجبة وإن أريد الجزء السلبى بناء على أنه يصدق موجبة معدولة المحمول لوجود الموضوع فلا حاجة إلى التركيب بل يكفى مجرد وجود الموضوع، وأما على ما ذكره الشارح المحقق من أن المراد بحكم الإيجاب هو أن تكون السالبة مستلزمة للموجبة ولو سالبة المحمول فهو مطرد فى كل سالبة لأن السالبة المحمول لا تحتاج إلى وجود الموضوع، نعم يشترط حينئذ أن تكون الكبرى سالبة الموضوع ليتحقق الاندراج فصار الحاصل أنه يشترط كون الصغرى موجبة محصلة المحمول أو معدولته أو سالبته وأن تكون الكبرى على وفقها فى جانب الموضوع ليتحقق التلاقى بخلاف ما إذا كانت الصغرى سالبة محضة لا شئ من ج ب، فإن موضوع الكبرى ج إن كان محصلًا مثل كل (ب أ) لم يتحقق الاندراج وإن كان معدولًا أو سالبًا مثل كل لا (ب أ) وكل ما ليس (ب أ) لم يكن هذا شكلًا أول؛

ص: 370

لأن ما وقع محمول الصغرى لم يقع موضوع الكبرى وبالجملة ليتحقق الإنتاج مثل لا شئ من (ج ب) وكل ما ليس (ب أ) مع أن ظاهر الصغرى سالبة قال إيجاب الصغرى أو حكمه وإلا فالصغرى عند الإنتاج موجبة.

قوله: (وبحسب هذا الشرط) يعنى الشرط الذى هو أمران.

قوله: (هو أبين الأشكال) وهو المنتج منها فى الحقيقة ولذلك كان غيره موقوفًا فى إنتاجه على الرجوع إليه واشتماله على هيئته فيكون إنتاج ذلك الغير إنما يعلم برجوعه إلى الأول، وإنما قلنا: إن إنتاج غيره بل العلم بإنتاجه أيضًا يتوقف على رجوعه إليه لما علمت سابقًا أن حقيقة البرهان أى الدليل وسط مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه وبيانه أن النسبة بينهما إذا كانت مجهولة فإن لم يكن هناك أمر ينتسب إليهما فلا برهان أصلًا وإن كان فإن لم يكن حاصلًا للمحكوم عليه لم يستلزم انتساب المطلوب إليه فلا برهان أيضًا وإن كان حاصلًا له فلا بد من استلزامه للمطلوب وإلا فلا برهان فظهر أن حقيقة ما ذكر فلا إنتاج إلا فيما وجدت فيه ولما علمت أيضًا أن جهة الدلالة أن موضوع الصغرى بعض موضوع الكبرى فيندرج فى حكمه فلا يعلم الإنتاج إلا بذلك وبالجملة فحقيقة البرهان وجهة الدلالة انحصرتا فى الشكل الأول فلا إنتاج فى نفس الأمر إلا له والعقل لا يحكم بالإنتاج إلا بملاحظته سواء صرح به أو لا، وقوله: ليس من شرط. . . إلخ. جواب عما يقال أن العقل يحكم بالإنتاج فى الأشكال الباقية بالخلف ولا يلاحظ فيها هيئة الأول كيف ولو لاحظها لتمكن من التعبير عنها وقد يجزم بالإنتاج فى ضروب لا يقدر على ردها إلى الأول وقد علم ذلك فى الكتب المنطقية فلا يصح أن العقل لا يحكم بالإنتاج إلا بملاحظته وتقريره أن العقل ربما لاحظه فى ضمن هيئات باقى الأشكال ملاحظة إجمالية ولم يميزه تمييزًا تامًا مفصلًا ولا يلزم من ذلك قدح فيما ذكرنا إذ ليس من شرط ما يلاحظه العقل أن يتمكن من تفسيره وتلخيص العبارة فيه كما هو حال أكثر العوام فى دلائل وجوده تعالى وكما قيل فى الاستحسان على بعض تفاسيره.

قوله: (فلأجل ذلك) أى فلأجل ما ذكر من أن حقيقة البرهان وجهة الدلالة منحصرتان فى الشكل الأول (تراه يحكم بأن ما تحقق فيه الرجوع إلى الشكل)

ص: 371

الأول من ضروب الأشكال الثلاثة (تحقق فيه ذلك) المذكور من حقيقة البرهان وجهة الدلالة وهو السبب للإنتاج.

قوله: (والفقه فيه) بالرفع عطف على السبب أى السر والحكمة فى الإنتاج وإن قرئ مجرورًا فمعناه أنه السبب العلم به، وقوله: فأنتج عطف على تحقق وما بينهما اعتراض يؤكد تحقق الإنتاج وما لم يرجع إلى الأول لم ينتج لأنه لم يتحقق فيه سبب الإنتاج والعلم به.

قوله: (ولا تظننه) جعل المصنف الأشكال الثلاثة مبنية فى إنتاجها على الشكل الأول واعتبر شرائطها فى ذلك لرجوعها إليه فعلم منه أن المنتج من ضروبها ما اشتمل على هيئته وأن ما عداه لا ينتج أصلًا وظاهره استدلال بانتفاء الدليل الخاص على انتفاء المدلول لأن الارتداد إلى الأول بعض دلائل إنتاجها إذ من جملتها الخلف والافتراض وهذا خطأ فاحش فإن انتفاء الدليل مطلقًا لا يستلزم انتفاء المدلول فضلًا عن الدليل الخاص، وقد صرف المصنف بذلك فى مباحث شرائط العكس فى علة القياس حيث قال: لا يلزم من انتفاء الدليل على الصانع انتفاؤه فلا يتوهم ذلك فى حقه ولا يمكن أن يقال لعله أراد انتفاء العلم بالإنتاج وهو لازم لانتفاء دليله لأنه بين ضروبًا بغير الارتداد وهو الخلف ولفظ من فى قوله: من الخلف بيانية ويوجد فى بعض النسخ بعده لفظة وغيره وهو سهو من الناسخ إذ لم يستعمل المصنف فى بيان الضروب غير الرد والخلف فظهر أن قصده إلى ما ذكرنا من أن حقيقة البرهان ووجه الدلالة الوسط والاندراج المخصوصان بالشكل الأول وهو المنتج فى الحقيقة وهو السبب للعلم بالإنتاج فقد استدل بانتفاء العلة على انتفاء المعلول المساوى لها فلا إشكال ولما كان انحصار الإنتاج فيه مخالفًا للمشهور أزال استبعاده بقوله: ولا يستبعد أن يفطن ذكى لحكمة هى أن حقيقة البرهان ووجه الدلالة ما ذكر وتكون تلك الحكمة مناطًا لأمر هو انحصار الإنتاج فى الأول فيحصل له العلم بهذا الأمر من علته فيؤيد تلك الحكمة فى دلالتها وثبوت مدلولها بأن يستقرئ الجزئيات فيجد الضروب المشتملة على هيئة الأول منتجة وما لا يرتد إليه بوجه لا ينتج أصلًا فهذا الاستقراء التام دل أيضًا على أن المنتج فى الحقيقة هو الأول فيحصل له العلم بذلك من معلوله فيتعاضد اللمية والآنية فى إثبات ذلك الأمر.

ص: 372

قوله: (ليتوافق الأوسط) إنما جاز كون الأوسط فاعل التوافق لكونه متعددًا باعتبار وقوعه فى المقدمتين فكأنه قيل: ليتوافق الأوسط المذكور فى الصغرى مع الأوسط المذكور فى الكبرى أى يتحدا فيحصل فى القياس أمر مكرر جامع بين طرفى المطلوب فإن قلت كيف يتحدان والأوسط فى الصغرى يراد به مفهومه لكونه محمولًا وفى الكبرى ما صدق عليه لكونه موضوعًا قلت المعنى بالاتحاد أن المفهوم الذى جعل محمولًا هو بعينه يجعل وصفًا عنوانيًا لأن المقصود باندراج الأصغر فى حكم الأوسط ويحصل بالإيجاب أو حكمه وبيانه أن الحكم فى الكبرى على ما هو أوسط إيجابًا لأن عقد الوضع بطريق الإيجاب قطعًا فلو كانت الصغرى سالبة كان العلوم ثبوته فى الأصغر هو الأوسط سلبًا فيتعدد الأوسط ولا يتلاقى الطرفان، فقوله: ثبوته متعلق للجار ومرفوع بالعلوم وصيغة هو فصل والأوسط خبر كان وسلبًا تمييز والمراد بما فى حكم الإيجاب سلب يستلزم إيجابًا نحو لا شئ من (ج ب) فإنه لو جعل صغرى لقولنا وكل ما ليس (ب أ) أنتج كل (ج أ) لأن لا شئ من (ج ب) وإن كان سالبة لكنه فى حكم الإيجاب لاستلزامه موجبة سالبة المحمول وهى قولنا كل (ج) هو ما ليس (ب) وسيأتى بيان الاستلزام وإذا اعتبرت هذه الموجبة مع الكبرى أنتجنا تلك النتيجة فالإيجاب ينتج فى صغرى الأول بالذات والسلب لاستلزامه الإيجاب وجمهور الشارحين على أن المراد بحكم الإيجاب كون الصغرى سالبة مركبة فإنها تنتج بسبب الجزء الإيجابى وليس بشئ لأن ذلك إيجاب لا أنه فى حكمه فالصواب ما ذكره الشارح من تأويل السلب بإيجاب سالب المحمول ولا بد حينئذ من تكرر النسبة السلبية فى الكبرى فتكون سالبة الموضوع.

قوله: (وبحسب هذا الشرط) أى الشرط الذى هو أمران فاللام للعهد والمعهود، قوله: وشرط إنتاجه وفى بعض النسخ هذين الشرطين.

قوله: (تسقط السالبتان) إشارة إلى طريق الحذف، وقوله: يبقى إشارة إلى طريق التحصيل.

التفتازانى: (بما يدل عليه) أى على السبب والحكمة فى الإنتاج.

التفتازانى: (فقوله ثبوته منصوب خبر كان. . . إلخ) أى وقوله فى الأصغر من

ص: 373

تعلق بالمعلوم وهو غير مناسب لقول الشارح هو الأوسط وكذا قوله وإن كان يحتمل. . . إلخ. فلعل النسخة التى وقعت له ليس فيها هو الأوسط.

التفتازانى: (بناء على أنه يصدق موجبة معدولة المحمول) أى يئول بها لوجود الموضوع أخذًا من الجزء الإيجابى، وقوله: ولو سالبة المحمول مقتضى كلام السيد أنها لا تكون إلا سالبة المحمول وقوله سالبة محضة أى لم تجعل مزولة بالموجبة السالبة المحمول.

التفتازانى: (لا شئ من ج ب) فيه إسقاط لفظة نحو وقوله فإن موضوع الكبرى حينئذ أى حين إذ كانت الصغرى سالبة كما فى المثال المذكور.

قوله: (وهو المنتج منها فى الحقيقة) هذا لابد منه فى صحة قوله ولذلك يتوقف رجوع غيره إليه كما أشار إلى ذلك المحشى.

قوله: (فلا يعلم الإنتاج. . . إلخ) أى لا يعلم الإنتاج مطلقًا إلا بالاندراج الذى هو لازم لكون موضوع الصغرى بعض موضوع الكبرى وذلك غير بين فى غير الشكل الأول فيكون أبين الأشكال وغير موقوف إنتاجه بل العلم بإنتاجه على رجوعه إليه.

قوله: (فلا إنتاج فى نفس الأمر إلا له) منهرع على قوله: فحقيقة البرهان. . . إلخ.

قوله: (والعقل لا يحكم. . . إلخ) مفرع على قوله وجهة الدلالة.

قوله: (على بعض تفاسيره) أى من أنه دليل ينقدح فى ذهن المجتهد تقصر

عبارته عن الإفصاح به ومتى حصل ذلك عنده وجب عليه العمل به.

قوله: (ولا يمكن أن يقال. . . إلخ) يشير إلى أن قول الشارح وبين ضروبًا بغير هذا الوجه جواب عما يقال: إنه أراد أن انتفاء الدليل مطلقًا علة لانتفاء العلم بالمدلول ولم يرد انتفاء الدليل الخاص ولا أنه علة لانتفاء المدلول وقوله وهو المنتج منها فى الحقيقة ناظر لقوله حقيقة البرهان وسط. . . إلخ. وقوله وهو السبب ناظر لقوله وجهة الدلالة.

قوله: (على انتفاء المعلول المساوى) يشير إلى أن انتفاء العلة لا يوجب انتفاء المعلول مطلقًا بل إذا كانت العلة مساوية لمعلولها.

قوله: (يجعل وصفًا عنوانيًا) أى وإن كان المراد به الماصدق وكان فى الصغرى المراد به المفهوم لأن المعنى وكل ما ثبت له هذا الفهوم.

ص: 374

قوله: (لأن عقد الوضع بطريق الإيجاب قطعًا) أى فموضوع القضية ما ثبت له الوصف العنوانى سواء كان ذلك الوصف إيجابًا أو سلبًا أو عدوليًا.

قوله: (ثبوته متعلق للجار) أى وليس متعلقه المعلوم كما قال السعد، وقوله: ومرفوع بالمعلوم أى لا منصوب خبر كان كما قال السعد وقوله أنتج كل ج أو هى موجبة لا تقتضى وجود موضوعها لأن موضوعها هو موضوع الموجبة السالبة المحمول فعليه ليس كل موجبة محصلة المحمول تقتضى وجود الموضوع.

ص: 375

قال: (الشكل الثانى شرطه اختلاف مقدمتيه فى الإيجاب والسلب وكلية كبراه يبقى أربعة ولا ينتج إلا سالبة أما الأول فلوجوب عكس إحداهما وجعلها الكبرى فموجبتان باطل وسالبتان لا تتلاقيان وأما كلية الكبرى فلأنها إن كانت التى تنعكس فواضح وإن عكست الصغرى فلا بد أن نكون سالبة لتتلاقيا ويجب عكس النتيجة وهى لا تنعكس لأنها تكون جزئية سالبة الأول كليتان والكبرى سالبة، الغائب مجهول الصفة وكل ما يصح بيعه ليس بمجهول الصفة ويتبين بعكس الكبرى الثانى كليتان والكبرى موجبة الغائب ليس بمعلوم الصفة وما يصح بيعه معلوم ولازمه كالأول ويتبين بعكس الصغرى وجعلها الكبرى وعكس النتيجة الثالث جزئية موجبة وكلية سالبة بعض الغائب مجهول وكل ما يصح بيعه ليس بمجهول فلازمه بعض الغائب لا يصح بيعه ويتبين بعكس الكبرى الرابع جزئية سالبة وكلية موجبة بعض الغائب ليس بمعلوم وكل ما يصح بيعه معلوم ويتبين بعكس الكبرى بنقيض مفرديها ويتبين أيضًا فيه وفى جميع ضروبه بالخلف فتأخذ نقيض النتيجة وهو كل غائب يصح بيعه وتجعله الصغرى فينتج نقيض الصغرى الصادقة ولا خلل إلا من نقيض المطلوب فالمطلوب صادق).

أقول: الشكل الثانى: شرط إنتاجه اختلاف مقدمتيه فى الإيجاب والسلب وكلية كبراه ومن خواصه أنه لا ينتج إلا سالبة.

أما الشرط الأول أعنى اختلاف مقدمتيه فى الكيف فلما علمت أنه لا ينتج إلا بردّه إلى الأول وإذا كان مخالفته للأول إنما هو فى الكبرى وجب فى رده إليه أن تعكس إحدى المقدمتين وتجعل كبرى فإن كانتا موجبتين فباطل أى لا يمكن فيه ذلك لأن عكس ما يعكس منهما جزئية لا تصلح كبرى للأول وإن كانتا سالبتين أمكن فيه ذلك لكن لا ينتج إذ تصير الصغرى سالبة فى الأول فلم يتلاقيا كما مر.

وأما الشرط الثانى وهو كلية الكبرى فلأنها إن كانت هى التى تنعكس فواضح لأن الجزئية عكسها جزئية فلا تصلح كبرى للأول وإن كانت غير التى تنعكس بأن عكست الصغرى وجعلتها كبرى والكبرى صغرى فلا بد من عكس النتيجة إذ الحاصل منه سلب موضوع النتيجة عن محمولها والمطلوب عكس ذلك لكنها لا تنعكس لأن القياس حينئذ من جزئية موجبة وكلية سالبة فينتج سالبة جزئية وأنها لا تنعكس وأما كونه لا ينتج إلا سالبة فلأن كبراه عكس سالبة كلية أبدًا إذ غيرها

ص: 376

لا ينعكس أو ينعكس جزئية لا تصلح كبرى للأول وقد علمت أن نتيجة مثله فى الأول سالبة.

فإن قلت: فكيف ذلك فى قولك بعض (ج) ليس (ب) وكل (أب).

قلت: كل (أب) يستلزم لا شئ من (أ) ليس (ب) وينعكس إلى لا شئ مما ليس (ب أ) وينتج المطلوب.

وضروب هذا الشكل باعتبار هذا الشرط أربعة إذ يسقط الموجبة الكلية مع الموجبتين، والجزئية السالبة والكلية السالبة مع السالبتين، والجزئية الموجبة والجزئية الموجبة مع الموجبتين، والجزئية السالبة مع السالبتين والموجبة الجزئية، يبقى الموجبتان مع السالبة الكلية، والسالبتان مع الموجبة الكلية:

الأول: كليتان والكبرى سالبة ينتج كلية سالبة كل غائب مجهول الصفة وكل ما يصح بيعه ليس بمجهول الصفة فكل غائب لا يصح بيعه وبيانه بعكس الكبرى فإن قولنا: كل ما يصح بيعه ليس بمجهول الصفة ينعكس كل مجهول الصفة لا يصح بيعه فيصير كل غائب مجهول الصفة وكل مجهول الصفة لا يصح بيعه ينتج المطلوب من الأول.

الثانى: كليتان والكبرى موجبة تنتج كلية سالبة كالأول كل غائب ليس بمعلوم الصفة وكل ما يصح بيعه معلوم الصفة ينتج كالأول كل غائب لا يصح بيعه بيانه بعكس الصغرى وجعلها كبرى ثم عكس النتيجة فإن قولنا: كل غائب ليس بمعلوم الصفة عكسه كل معلوم الصفة ليس بغائب فيصير هكذا كل ما يصح بيعه معلوم الصفة وكل معلوم الصفة ليس بغائب ينتج كل ما يصح بيعه ليس بغائب وينعكس كل غائب ليس يصح بيعه وهو المطلوب.

الثالث: جزئية موجبة صغرى وكلية سالبة كبرى ينتج جزئية سالبة بعض الغائب مجهول الصفة وكل ما يصح بيعه ليس بمجهول الصفة ينتج بعض الغائب لا يصح بيعه وبيانه بعكس الكبرى كالأول سواء.

الرابع: جزئية سالبة صغرى وكلية موجبة كبرى ينتج جزئية سالبة بعض الغائب ليس بمعلوم وكل ما يصح بيعه معلوم فبعض الغائب لا يصح بيعه بيانه بعكس الكبرى، وهو قولنا: كل ما يصح بيعه معلوم بعكس النقيض إلى قولنا: كل ما ليس بمعلوم لا يصح بيعه وهو مع الصغرى ينتج المطلوب.

ص: 377

واعلم أنه يتبين الإنتاج فى هذا الضرب بالخلف وهو أن نأخذ نقيض المطلوب، وهو قولنا: كل غائب يصح بيعه وتجعله لكونها موجبة صغرى وكبرى القياس لكونها كلية كبرى هكذا كل غائب يصح بيعه وكل ما يصح بيعه معلوم واللازم كل غائب معلوم وهذا يناقض الصغرى، وهى قولنا: بعض الغائب ليس بمعلوم فلا يجتمعان صدقًا لكن الصغرى صادقة لأن المفروض ذلك فتعين كذب هذا وهو مستلزم لكذب مجموع المقدمتين المنتجتين لهذا ولصدق الكبرى تكون الكاذبة هى الأخرى أعنى نقيض المطلوب وإذا كذب نقيض المطلوب كان المطلوب صادقًا وهو المدعى وهكذا فى الضروب الثلاثة الأخر.

قوله: (وجب أن تعكس إحدى المقدمتين) هى الصغرى فى الضرب الثانى والكبرى فى البواقى لكن فى الرابع عكس النقيض، فإن قيل هب أن مخالفته للأول فى الكبرى فقط تصلح علة لعكس الكبرى ليرتد إليه لكن كيف تصلح علة لعكس الصغرى وجعله الكبرى قلنا من جهة أن الصغرى إذا عكست صار الأوسط موضوعًا، فإذا جعلت كبرى وكبرى الأصل صغرى كان الأوسط محمولًا فى الصغرى موضوعًا فى الكبرى وهو الشكل الأول.

قوله: (فلم يتلاقيا كما مر) من أن شرط الشكل الأول إيجاب الصغرى أو حكمه فإذا قلنا لا شئ من الإنسان بفرس ولا شئ من الناطق بفرس وعكسنا الكبرى إلى أنه لا شئ من الفرس بناطق لم يلزم تلاقى الأصغر والأكبر؛ لأنا وإن جعلنا الصغرى موجبة سالبة المحمول لم يتحقق الاندراج لأن الحكم فى الكبرى إنما هو على ما ثبت له محمول السالبة لا على ما سلب عنه.

قوله: (إن كانت هى التى تنعكس) يعنى إن كان القياس من الضروب التى يكون ردها إلى الشكل الأول بعكس الكبرى وجعلها كبرى فاشتراط كلية الكبرى واضح فإن قيل: لا يجوز أن تكون الكبرى جزئية تعكس وتجعل صغرى مثل لا شئ من ج ب وبعض أب قلنا لأنه يكون إلى الشكل الرابع أعنى بعض ب أولا شئ من ج ب، وهذا لا ينتج وإن كان مما يرد إلى الشكل الأول بعكس الصغرى وجعلها كبرى وكبرى الأصل صغرى؛ فكلية الكبرى شرطت فيه أيضًا لأنه لا بد من عكس النتيجة الحاصلة من هذا القياس؛ لأنا إذا قلنا لا شئ من ج ب وكل أب وجعلناه

ص: 378

كل أب ولا شئ من ب ج كان الحاصل لا شئ من أج بسلب موضوع النتيجة لهذا الضرب عن محمولها، لأن نتيجته لا شئ من ج أليصح أن لا شئ من ج ب صغرى لاشتمالها على موضوعها والمطلوب عكس ذلك الحاصل؛ أعنى سلب محمول النتيجة عن موضوعها لكن النتيجة الحاصلة من عكس الصغرى وجعلها كبرى وجعل الكبرى الجزئية صغرى لا تنعكس؛ لأن القياس حينئذ يكون من صغرى جزئية موجبة هى كبرى الأصل وكبرى سالبة كلية هى عكس صغرى الأصل ونتيجتها سالبة جزئية وهى لا تنعكس فالمراد بالنتيجة فى قوله عكس النتيجة نتيجة الشكل الأول، وفى قوله سلب موضوع النتيجة نتيجة الشكل الثانى التى هى المطلوب.

قوله: (ولا ينتج إلا سالبة) العمدة فيه الاستقراء إلا أنه حاول البيان اللمى يعنى أن كل ضروبه تنتهى إلى الشكل الأول السالب الكبرى، لما تقرر من أنه لا بد من الرجوع إلى الشكل الأول وهذا الشكل لا يخالف الأول إلا فى الكبرى فيجب أن تعكس كبراه كما فى الضرب الأول والثالث أو تعكس صغراه وتجعل كبرى كما فى الضرب الثانى فتكون كبراه عند الرد إلى الشكل الأول عكس سالبة كلية وهو سالبة كلية ونتيجة الكبرى السالبة فى الشكل الأول لا تكون إلا سالبة، ولما لم يتحقق هذا فى الضرب الرابع أعنى السالبة الجزئية مع الموجبة الكلية لكون كبراه عند الرد إلى الشكل الأول عكس موجبة كلية عكس النقيض أجاب بأنه فى التحقيق عكس سالبة كلية لأنا إذا قلنا: بعض ج ليس ب وكل أب فالكبرى تستلزم لا شئ من أليس ب ضرورة وتنعكس إلى لا شئ مما ليس ب أفترجع إلى الشكل الأول من موجبة سالبة المحمول وسالبة كلية سالبة الموضوع فتنتج سالبة جزئية وهذا تكلف عظيم من الشارح لا حاجة إليه، إذ يكفى عكس الكبرى الموجبة بعكس النقيض إلى كل ما ليس ب ليس أعلى ما بينه المصنف وقرره الشارح وإن حاول الاحتراز عن البيان بعكس النقيض لكونه أجنبيًا، فاستلزام الموجبة للسالبة المذكورة أيضًا كذلك على أن كلًا من التقريرين مبنى على جعل الصغرى السالبة فى حكم الإيجاب، لكن على تقرير المتن عند صيرورتها صغرى الشكل الأول وعلى تقرير الشرح قبلها فيصير هذا الضرب الثالث بعينه.

قوله: (باعتبار هذا الشرط) يعنى اشتراط الأمرين اختلاف المقدمتين وكلية

ص: 379

الكبرى ولهم فى ذلك طريقان طريق الإسقاط وطريق التحصيل، والشارح يشير إليهما بقوله: يسقط ويبقى وهو ظاهر.

قوله: (وهو مع الصغرى ينتج المطلوب) هكذا بعض الغائب هو ليس بمعلوم وكل ما ليس بمعلوم لا يصح بيعه، على أن الصغرى موجبة سالبة المحمول إذ لو كانت سالبة محضة لم يكن الأوسط محمولًا فى الصغرى موضوعًا فى الكبرى، فإن قيل فيكون الشكل الثانى من موجبتين قلنا الصغرى فى الثانية سالبة وإنما نجعلها موجبة سالبة المحمول عند الرجوع إلى الأول على أن عكس نقيض الموجبة لا يجب أن يكون موجبة بل سالبة من نقيض المحمول وعين الموضوع على ما هو رأى المتأخرين.

قوله: (وهو) أى كذب هذا اللازم أعنى كل غائب معلوم (مستلزم لكذب مجموع المقدمتين المنتجتين له) ضرورة أنهما لو صدقتا لم يكن هذا اللازم لامتناع كذب اللازم عند صدق الملزوم وانتفاء المجموع إما بانتفائهما أو بانتفاء الكبرى فقط، أو بانتفاء نقيض المطلوب فقط والأولان باطلان فتعين الثالث، وقد يقال فى هذا المقام لم لا يجوز أن يكون كذب المجموع لكذب الاجتماع وإن صدق كل كامتناع اجتماع كتابة زيد وعدمها وإن أمكن كله وفساده؛ واضح إذ لا معنى لصدق المجموع إلا صدق كل فإذا صدقتا فلا استحالة ولا لزوم للمحال.

قوله: (أن تعكس إحدى المقدمتين وتجعل كبرى) وذلك لأن كل واحدة منهما توافق صغرى الأولى وعكسها يوافق كبراه فإن عكست الكبرى وقع عكسها موقعها وإن عكست الصغرى جعل عكسها كبرى ثم تعكس النتيجة.

قوله: (أى لا يمكن فيه) أى فى المركب من الموجبتبن (ذلك) أى عكس إحداهما وجعله كبرى لأن عكس الموجبة جزئى لا يصلح كبرى للأول.

قوله: (فلم يتلاقيا) أى الطرفان أعنى الأصغر والأكبر (كما مر) فى اشتراط الإيجاب فى صغرى الأول.

قوله: (فواضح) وذلك لأن عكس الكبرى حينئذ يجب أن يكون كليًا فتكون الكبرى أيضًا كلية لأنها لو كانت جزئية لم يمكن عكسها كليًا.

قوله: (بأن عكست الصغرى) لابد أن تكون كلية سالبة ليكون عكسها كليًا

ص: 380

صالحًا لأن يقع كبرى فى الأول فتكون الكبرى موجبة جزئية والقياس الحاصل بالرد مركب من جزئية موجبة وكلية سالبة فينتج سالبة جزئية موضوعها ما هو أكبر فى الشكل الثانى ومحمولها ما هو أصغر فيه فلا بد من عكس النتيجة ليحصل المطلوب من الثانى وأنها لا تنعكس وإن جعلتها سالبة المحمول وعكستها صار السلب جزءًا من الموضوع فى العكس فتكون موجبة سالبة الموضوع وليست نتيجة لذلك القياس من الشكل الثانى.

قوله: (وأما كونه لا ينتج إلا سالبة) السر فى هذا الحكم وإن كان معلومًا استقراء إذ كبرى الثانى بعد الرد إلى الأول عكس سالبة كلية أبدًا لأن رده إليه بعكس إحدى مقدمتيه وجعله كبرى فلا بد أن تكون تلك المقدمة سالبة كلية لتنعكس إلى كلية إذ غيرها لا ينعكس أصلًا كالسالبة أو ينعكس جزئية لا تصلح كبرى للأول فالقياس المنتظم على هيئة الأول كبراه سالبة ونتيجته مثله لا تكون إلا سالبة وهى بنفسها أو بعكس السالبة نتيجة الثانى.

قوله: (فإن قلت) سؤال على ما ذكره من أن كبرى الثانى بعد الرد إلى الأول عكس سالبة كلية أى كيف يوجد ذلك فى الضرب الرابع المركب من صغرى سالبة جزئية وكبرى موجبة كلية فليس ههنا سالبة كلية تنعكس وتجعل كبرى للأول وأجاب بأن الكبرى الموجبة الكلية تستلزم سالبة كلية سالبة المحمول وتلك السالبة تنعكس بالمستوى إلى ما يصير كبرى للأول لا يقال فالقياس حينئذ من سالبتين لأنا نقول تؤول الصغرى بالموجبة السالبة المحمول فإن قلت: لم لم يكتف فى بيانه بما سيجئ من أن الكبرى نعكس بنقيض مفرديها ويضم إلى الصغرى على هيئة الأول فينتج المطلوب قلت: لأنه أراد توضيح ما ذكره من أن كبراه بعد الرد لا تكون إلا عكس سالبة كلية وعكس نقيضها موجبة سالبة الطرفين وليست سالبة محضة وإن ساوتها صدقًا والنتيجة فى هذا البيان موجبة سالبة المحمول فيحتاج إلى ردها إلى سالبة بسيطة وأيضًا فيه تنبيه على أن لرده إلى الأول طريقين وإن كان المذكور ههنا أطول إلا أن المقدمة المتوسطة فيه لا تخالف حدود القياس إلا بأحد طرفيها وعلى جواز أن يرد ضرب من الأشكال الثلاثة إلى ضرب آخر منها أجلى منه فإنه إذا اكتفى فى بيان هذا الضرب بالسالبة اللازمة لكبراه رجع إلى الضرب الثالث.

قوله: (إذ يسقط وقوله يبقى) إشارة إلى طريقى الحذف والتحصيل.

ص: 381

قوله: (الرابع جزئية سالبة) بيانه بعكس النقيض مخالف للمشهور حيث جوزوا استعمال العكس المستوى فى بيان نتاتج القرائن دون عكس النقيض وعللوه بأن المستقيم لا يغير حدود القياس والحق جواز استعماله أيضًا لكونه لازمًا بخلاف المقدمة الأجنبية ولا دليل على رعاية الحدود فى بيان القياسية على أنهم استعملوه فى الاقترانيات الشرطية ولابد من رد الصغرى إلى موجبة سالبة المحمول لتصح صغرى للأول.

قوله: (واعلم أنه) طريق الخلف فى الشكل الثانى أن يؤخذ نقيض نتيجة السالبة فيكون موجبة أبدًا ويجعل صغرى وكبرى القياس لكليتها كبرى فينتظم قياس على هيئة الأول لأن الأكبر محمول فى نقيض النتيجة موضوع فى كبرى الثانى وينتج ما ينافى الصغرى وحيث كانت صادقة فرضًا كان منافيها كاذبًا وكذبه مستلزم لكذب ملزومه أعنى مجموع المقدمتين لأن الكبرى منهما صادقة فتعين كذب الأخرى أعنى نقيض النتيجة ولو فرض كذبهما معًا يحصل المطلوب أيضًا لكنه محال لكون الكبرى مفروضة الصدق فى القياس.

الشارح: (لأن القياس حينئذ) أى حينئذ كانت الكبرى ليست كلية وعكست إلى الجزئية وجعل عكسها صغرى والصغرى كبرى.

الشارح: (الموجبة الكلية) أى الصغرى وقوله مع الموجبتين الكبريين أى الكلية والجزئية وقوله والجزئية السالبة عطت على الموجبتين وهذه ثلاثة أقسام وقوله والكلية السالبة أى الصغرى وقوله مع السالبتين والجزئية الموجبة أى الكبريات وهذه ثلاثة أقسام أيضًا وقوله والجزئية الموجبة أى الصغرى وقوله مع الموجبتين والجزئية السالبة أى الكبريات وهذه ثلاثة أيضًا فالأقسام الساقطة اثنا عشر وفى بعض نسخ الشارح سقط قوله والجزئية السالبة قبل قوله مع السالبتين.

التفتازانى: (وإن جعلنا الصغرى موجبة سالبة المحمول. . . إلخ) فتجعل قولنا: لا شئ من الإنسان بفرس راجعًا إلى قولنا: كل إنسان هو ليس بفرس ثم يضم إلى: ولا شئ من الفرس بناطق فالحكم فى الكبرى ما ثبت له أنه فرس وهو مسلوب فى الصغرى فلم يتحقق الاندراج.

التفتازانى: (فاشتراط كلية الكبرى واضح) لأنها لو كانت جزئية لم يمكن أن

ص: 382

عكسها يكون كليًا ويكون كبرى الشكل الأول.

التفتازانى: (وإن كان مما يرد) عطت على قوله إن كان القياس فى الضروب التى يكون ردها إلى الشكل الأول بعكس الكبرى.

التفتازانى: (فكلية الكبرى شرطت فيه أيضًا لأنه لا بد. . . إلخ) يصير إلى أن قول الشارح فلابد من عكس النتيجة مرتب على محذوف تقديره ما ذكر.

التفتازانى: (لأنا إذا قلنا. . . إلخ) أى إذا كانت الصغرى سالبة كلية والكبرى موجبة كلية فالرد بعكس الصغرى وجعلها كبرى والكبرى صغرى ثم تعكس النتيجة ظاهر وأما إذا كانت الكبرى موجبة جزئية والصغرى سالبة كلية فالرد بعكس الصغرى وجعلها كبرى والكبرى صغرى ثم عكس النتيجة غير ظاهر لأن القياس حينئذ يكون مركبًا من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى والنتيجة حينئذ سالبة جزئية وهى لا تنعكس إن قيل لم لا يصح أن تجعل تلك النتيجة السالبة الجزئية مئولة بالموجبة السالبة المحمول كما فعل ذلك فى الضرب السادس من الشكل الثالث فتقول: لا شئ من ج ب وبعض أب تجعل الكبرى صغرى والصغرى بعد عكسها كبرى هكذا بعض أب ولا شئ من ب ج لينتج بعض أليس ج ثم تؤول هذه ببعض أهو ليس ج ثم تعكس إلى بعض ما ليس ج أأجيب بأنه لا فائدة فى ذلك العكس لأنه غير المطلوب إذ المطلوب من هذا القياس لو صح بعض ج ليس ألا بعض ما ليس ج أ.

التفتازانى: (نتيجة الشكل الأول) أى الذى حصل الرد إليه.

التفتازانى: (لكونه أجنبيًا) أى وشرط القياس أن لا يحتاج فى استلزامه النتيجة إلى أمر أجنبى من المقدمتين.

التفتازانى: (كذلك) أى أجنبى وحينئذ لا داعى للعدول عن البيان بعكس النقيض كما فعل المصنف إلى البيان باستلزام الموجبة الكلية السالبة الكلية التى تنعكس بالعكس المستوى المؤدى للمطلوب.

التفتازانى: (لكن على تقرير المتن) أى من عكس الكبرى عكس نقيض مواقف وقوله: عند صيرورتها صغرى الشكل الأول أى لا قبله لأن القياس حينئذ مركب من سالبة جزئية وموجبة كلية من الشكل الثانى، وقوله: على تقرير الشارح أى من أن الموجبة الكلية تستلزم السالبة الكلية، وقوله: قبلها أى لأن الشكل الثانى:

ص: 383

لا يتحقق من سالبتين فلابد قبل الرد إلى الأول من تأويل السالبة الجزئية بالموجبة السالبة المحمول حتى يختلف المقدمتان إيجابًا وسلبًا كما هو المعتبر فى الشكل الثانى.

التفتازانى: (فيصير هذا الضرب الثالث بعينه) أى لأن الجزئية السالبة حيث رجعت إلى الموجبة السالبة المحمول والموجبة الكلية الكبرى رجعت إلى السالبة الكلية كان ذلك هو الضرب الثالث بعينه من الشكل الثانى ولم يكن له ضرب رابع.

التفتازانى: (يعنى اشتراط الأمرين) يشير إلى أن الشرط فى كلام الشارح بمعنى الاشتراط للأمرين أو أن "ال" فى الشرط للجنس فلا يرد أن المعتبر فى الشكل الثانى شرطان لا شرط.

التفتازانى: (إذ لا معنى لصدق المجموع إلا صدق كل) أى فلا يتأتى صدق كل مع كذب المجموع.

قوله: (توافق صغرى الأول) لأن الأوسط محمول فى كل منهما.

قوله: (يوافق كبراه) لأن الأوسط يكون موضوعًا فى كل من عكسهما.

قوله: (فتكون الكبرى موجبة جزئية) أما كونها موجبة فلأن الشرط اختلاف الكيف وقد فرض أن الصغرى سالبة فلابد أن تكون الكبرى موجبة وأما كونها جزئية فلأن الكلام على تقدير عدم الكلية.

قوله: (وإن جعلتها) أى النتيجة.

قوله: (بنفسها) أى إذا عكست الكبرى وقوله أو بعكسها أى عكس النتيجة إذا عكس الصغرى وجعل عكسها كبرى.

قوله: (تؤول الصغرى بالموجبة السالبة المحمول) أى حتى يتحقق الاختلاف فى الكيف كما هو المعتبر فى الشكل الثانى فهذا التأويل ثابت قبل الرد إلى الشكل الأول على هذا كما مر.

قوله: (والنتيجة فى هذا البيان) أى بيان الرد بعكس النقيض وقوله موجبة سالبة المحمول أى لأن جعل عكس الكبرى عكس نقيض كبرى القياس يقتضى ذلك لأن الكبرى حينئذ موجبة سالبة الطرفين فالصغرى موجبة سالبة المحمول ليتكرر الوسط فتكون النتيجة موجبة سالبة المحمول هى فى المثال الذى فى الشارح بعض ج هو

ص: 384

ليس أعلى أن نتيجته هى بعض ج ليس أسالبة جزئية.

قوله: (وإن كان المذكور هنا) هو اعتبار السالبة اللازمة للموجبة الكلية.

قوله: (لا تخالف حدود القياس إلا بأحد طرفيها) فإن قولنا لا شئ من أليس ب لا يخالف كبرى الأصل الذى هو قولنا كل أب فى المحمول بخلاف عكس النقيض فهو مخالف بالطرفين.

قوله: (رجع إلى الضرب الثالث) أى الذى هو أجلى فى الإنتاج من الضرب الرابع بخلاف ما إذا عكس الكبرى بعكس النقيض وجعل هذا العكس كبرى فإنها حينئذ تكون موجبة كلية سالبة الطرفين فلا ترجع إلى الضرب الثالث فظهر أن ما صنعه الشارح لا تكلف فيه وأنه وجيه خلافًا للسعد.

قوله: (بأن المستقيم هو العكس المستوى لكونه لازمًا بخلاف المقدمة الأجنبية) يعنى أن الممنوع بيان الإنتاج بالمقدمة الأجنبية لأن البيان بها يستلزم أن ما عداها وحده غير مستلزم للمطلوب فلا يكون قياسًا إذ القياس ما يستلزم القول الآخر لذاته بخلاف البيان بعكس النقيض فإنه لكونه لازمًا لا يستلزم عدم قياسية ما عداه وحده فيكون حينئذ مستلزمًا للمطلوب.

قوله: (ولا دليل على رعاية الحدود) إشارة إلى ضعف القيل المذكور وقوله: على أنهم استعملوه فى الاقترانيات الشرطية إشارة إلى بطلانه.

قوله: (ولا بد من رد الصغرى. . . إلخ) راجع لأصل الكلام.

ص: 385

قال: (الشكل الثالث شرطه إيجاب الصغرى أو فى حكمه وكلية إحداهما يبقى ستة ولا ينتج إلا جزئية، أما الأول فلأنه لا بد من عكس إحداهما وجعلها صغرى فإن قدرت الصغرى سالبة وعكستها لم يتلاقيا وإن كان العكس فى الكبرى وهى سالبة لم يتلاقيا مطلقًا وإن كانت موجبة فلابد من عكس النتيجة ولا تنعكس وأما كلية إحداهما فلتكون هى الكبرى آخرًا بنفسها أو بعكسها وأما إنتاجه جزئية فلأن الصغرى عكس موجبة أبدًا أو فى حكمها.

فالأول: كلتاهما كلية موجبة كل بر مقتات وكل بر ربوى فينتج بعض المقتات ربوى ويتبين بعكس الصغرى.

الثانى: جزئية موجبة وكلية موجبة بعض البر مقتات وكل بر ربوى فينتج مثله ويتبين كالأول.

الثالث: كلية موجبة وجزئية موجبة كل بر مقتات وبعض البر ربوى فينتج مثله ويتبين بعكس الكبرى وجعلها الصغرى وعكس النتيجة.

الرابع: كلية موجبة وكلية سالبة كل بر مقتات وكل بر لا يباع بجنسه متفاضلًا ينتج بعض المقتات لا يباع ويتبين بعكس الصغرى.

الخامس: جزئية موجبة وكلية سالبة بعض البر مقتات وكل بر لا يباع بجنسه متفاضلًا فينتج ويتبين مثله.

السادس: كلية موجبة وجزئية سالبة كل بر مقتات وبعض البر لا يباع بجنسه فينتج مثله ويتبين بعكس الكبرى على حكم الموجبة وجعلها الصغرى وعكس النتيجة. فيتبين مع جميعه بالخلف أيضًا فتأخذ نقيض النتيجة كما تقدم إلا أنك تجعله الكبرى).

أقول: شرط الشكل الثالث أن تكون صغراه موجبة أو فى حكمها كما ذكرنا فى الأول وأن تكون إحدى مقدمتيه كلية ومن خواصه أن نتيجته لا تكون إلا جزئية.

أما الشرط الأول وهو إيجاب الصغرى فلأنه إنما يرتد إلى الأول بعكس إحداهما وجعلها صغرى لموافقته له فى الكبرى فالتى تعكسها إما الصغرى أو الكبرى فإن كانت الصغرى فإذا عكستها كانت الصغرى سالبة فى الأول، فلم يتلاق الطرفان وإن كانت الكبرى فهى إما سالبة أو موجبة فإن كانت سالبة فإذا جعلتها صغرى للأول لم يتلاق الطرفان مطلقًا فلا يلزم حمل الأصغر على الأكبر

ص: 386

ولا حيل الأكبر على الأصغر وإن كانت موجبة فعكسها جزئية فتجعلها صغرى والصغرى كبرى وهى سالبة فينعقد قياس فى الأول من صغرى جزئية موجبة وكبرى كلية سالبة فينتج جزئية سالبة ويتلاقيان على أن الأصغر محمول على بعض الأكبر ثم لابد من عكس النتيجة وإلا لكان غير المطلوب كما علمت لكن السالبة الجزئية لا تنعكس.

وأما الشرط الثانى وهو كلية إحدى مقدمتيه فلأنه لا بد من رده إلى الأول وكبراه كلية فالجزئية لا تصلح لذلك لا بنفسها ولا بعد عكسها لأن عكس الجزئى جزئى وأما أنه لا ينتج إلا جزئية، فلأن الصغرى لكونها عكس إحدى المقدمتين ووجوب إيجابها فى الأول تكون عكس موجبة أو ما فى حكمها فتكون الصغرى جزئية والجزئية لا تنتج إلا حزئية فضروب هذا الشكل بحسب الشرط المذكور ستة إذ تسقط السالبتان صغرى مع الأربع والموجبة الجزئية مع الجزئيتين ويبقى الموجبة الكلية مع الأربع والجزئية مع الكليتين:

الأول: كلية موجبة وكلية موجبة ينتج جزئية موجبة كل بر مقتات وكل بر ربوى فبعض المقتات ربوى بيانه بعكس الصغرى ليصير بعض المقتات بر وكل بر ربوى.

الثانى: جزئية موجبة وكلية موجبة ينتج جزئية موجبة بعض البر مقتات وكل بر ربوى ينتج كالأول بعض المقتات ربوى ويتبين كالأول بعكس الصغرى.

الثالث: كلية موجبة وجزئية موجبة ينتج جزئية موجبة كل بر مقتات وبعض البر ربوى ينتج كالأول أى كاللازم الأول أو كما أنتج الضرب الأول وهو بعض المقتات ربوى وبيانه لا يمكن بعكس الصغرى لأنه يصير من جزئيتين بل بعكس الكبرى وجعله صغرى ليصير بعض الربوى بر وكل بر مقتات ينتج بعض الربوى مقتات وينعكس بعض المقتات ربوى وهو المطلوب.

الرابع: كلية موجبة وكلية سالبة تنتج جزئية سالبة كل بر مقتات وكل بر لا يصح بيعه بجنسه متفاضلًا فبعض المقتات لا يصح بيعه بجنسه متفاضلًا وبيانه بعكس الصغرى كالأول.

الخامس: جزئية موجبة وكلية سالبة ينتج جزئية سالبة بعض البر مقتات وكل بر لا يصح بيعه بجنسه متفاضلًا ينتج بعض القتات لا يصح بيعه بجنسه متفاضلًا

ص: 387

وبيانه أيضًا بعكس الصغرى.

السادس: كلية موجبة وجزئية سالبة ينتج جزئية سالبة كل بر مقتات وبعض البر لا يصح بيعه بجنسه متفاضلًا ينتج بعض المقتات لا يصح بيعه بجنسه متفاضلًا وبيانه بأن يقضى على الكبرى بأنها فى حكم موجبة، وهى قولنا: بعض البر هو لا يباع على أن السلب هو جزء المحمول وقد أثبت السلب للموضوع ويسمى مثله موجبة سالبة المحمول وهى لازمة للسالبة وحينئذ تنعكس إلى قولنا: بعض ما لا يباع بجنسه متفاضلًا بر ويجعل صغرى لقولنا: وكل بر مقتات لينتج ما ينعكس إلى المطلوب وهذا الضرب قد يتبين بالخلف أيضًا وهو أن تأخذ نقيض النتيجة كما أخذت فى الشكل الثانى إلا أنك كنت هناك تجعله صغرى لكبرى القياس وههنا تجعله كبرى لصغرى القياس وذلك لأن عكس الصغرى دائمًا موجبة ونقيض النتيجة دائمًا كلية فتقول لو لم يصدق بعض القتات لا يباع لصدق نقيضه وهو كل مقتات يباع فإذا جعلناه كبرى لتمولنا كل بر مقتات أنتج كل بر يباع وكان الكبرى بعض البر لا يباع هذا خلف وتقريره ما تقدم وكذلك الضروب الخمسة الأخر وطريقه ما علمته ولا يخفى تفصيله.

قوله: (فلتكون هى الكبرى آخرًا) لا خفاء فى أن الأول والثانى والرابع والخامس من ضروب هذا الشكل يرجع بمجرد عكس الصغرى إلى الشكل الأول، وتكون نفس الكلية كبرى وأما فى الضرب الثالث والسادس فلا تصير الكلية كبرى إلا بعد القلب أعنى الترتيب، فقوله: أو بعكسها معناه عكس الكلية فيما لها من الوصف أعنى قلبها من وصف الصغروية إلى وصف الكبروية ولا يصح حمله على ما هو المتعارف من عكس القضية؛ لأن كبرى الشكل الأول المرجوع إليه فى هذا الشكل لا تكون عكس إحدى المقدمتين فى شئ من الضروب، بل تكون إما نفس الصغرى كما فى الثالث والسادس أو نفس الكبرى كما فى البواقى وأما الشارح المحقق فقد حمله على العكس المتعارف كما هو الظاهر قصدًا إلى نفى ما يمكن أن يتوهم من أن الجزئية وإن لم تصلح للكبروية بنفسها لكن لم لا يجوز أن تعكس فتجعل كبرى وأنت خبير بأن هذا لا يطابق المتن أصلًا ولا يصلح شرحًا لأن عكس الكلية لا يكون كبرى الشكل الأول المرجوع إليه من الضروب.

ص: 388

قوله: (فلا يلزم حمل الأكبر على الأصغر ولا حمل الأصغر على الأكبر) بيان لعدم التلاقى مطلقًا إذ فى صورة سلب الصغرى إن لم يلزم حمل الأكبر على الأصغر، لكن لزم حمل الأصغر على الأكبر سلب حمل بالرد إلى الشكل الرابع بخلاف السالبتين فإنه لا يستلزم الحمل لا إيجابًا ولا سلبًا مثالًا لا شئ من (ج ب) وكل (ج أ) يرتد بعكس الصغرى إلى لا شئ من (ب ج) وهو يرتد بالتبديل أعنى جعل الصغرى كبرى والكبرى صغرى إلى الشكل الرابع وهو كل (ج أ) ولا شئ من (ب ج) وينتج بعض أليس ب لكنه لا ينتج ما هو المطلوب من الثالث أعنى بعض ب ليس ألأن السالبة الجزئية لا تنعكس، وأما لا شئ من (ج ب) ولا شئ من (ج أ) فلا ينتج أصلًا ولا يوجب التلاقى لا بحمل الأكبر على الأصغر ولا بعكسه لا إيجابًا ولا سلبًا.

قوله: (لكن السالبة الجزئية لا تنعكس) فإن قيل هى فى حكم موجبة سالبة المحمول على ما تقرر فى كثير من الأحكام وهى تنعكس قلنا: نعم تنعكس إلى موجبة سالبة الموضوع ومعناها إثبات الأكبر لما سلب عنه الأصغر والمطلوب إنما هو سلب الأكبر عما ثبت له الأصغر فأين أحدهما من الآخر.

قوله: (فلأن الصغرى) أى صغرى الشكل الأول الذى يرتد إليه هذا الشكل دائمًا موجبة جزئية لكونها عكس موجبة هى الكبرى كما فى الضرب الثالث والسادس من هذا الشكل أو الصغرى كما فى البواقى ونتيجة الصغرى الجزئية لا تكون إلا جزئية.

قوله: (ينتج كالأول أى كاللازم الأول) يوهم أن المذكور فى المتن فى هذا الضرب لفظه كالأول كما فى الضرب الثانى وأنه يحتمل أن يكون صفة للنتيجة بتأويل اللازم وأن يكون صفة للضرب، لكن المذكور فى نسخ المتن فى هذا الموضع لفظة: مثله والضمير للأول المذكور وهو الضرب مع ظهوره لا وجه لجعله عائدًا إلى الأول الذى هو صفة اللازم وليس بمذكور، وكأنه وقع فى نسخته ههنا أيضًا كالأول فأشار إلى أنه يحتمل أن يكون صفة للنتيجة بتأويل اللازم وأن يكون صفة للضرب أى كما أنتجه الأول، وحاصله حذف المضاف أى كنتيجة الأول وعلى التقديرين مثله مفعول به، لأن المماثلة بين الضربين إنما هو فى النتيجة دون البيان ويدل على ذلك قوله وهو بعض القتات ربوى؛ فإن الضمير ليس للإنتاج بل للازم

ص: 389

الأول أو لما أنتجه الضرب الأول ولو حملت قوله كما أنتج الضرب الأول على أنه مفعول مطلق فضمير هو يعود إلى ما دل عليه الكلام من النتيجة.

قوله: (وهى لازمة للسالبة) يريد أنهما متلازمتان لكن لظهور كون السالبة لازمة لها لم يتعرض له؛ وذلك لأنه لا فرق فى المعنى بين سلب الشئ عن شئ وإثبات سلبه له ولهذا لا تحتاج هذه الموجبة إلى وجود الموضوع وكما تنعكس الموجبة، وإن كانت جزئية تنعكس هذه السالبة لكن بأن يجعل السلب جزءًا من الموضوع فبعض الحيوان ليس بإنسان ينعكس إلى بعض ما ليس بإنسان حيوان وإن لم ينعكس إلى بعض الإنسان ليس بحيوان.

قوله: (عكس الصغرى دائمًا موجبة) للزوم إيجاب الصغرى (ونقيض النتيجة كلية) للزوم كون النتيجة جزئية لكن لفظ عكس ههنا زائد؛ لأن نقيض النتيجة إنما يجعل كبرى لصغرى القياس نفسها لا لعكسها.

قوله: (كما ذكرنا فى الأول) من أن ما فى حكم الإيجاب سالبة تستلزم موجبة سالبة المحمول.

قوله: (فلم يتلاق الطرفان) أى الأصغر والأكبر على أن يكون الأصغر موضوعًا له إيجابًا أو سلبًا لما علمت فى اشتراط الإيجاب فى صغرى الأول نعم لو قلبت المقدمتان حينئذ ارتد إلى الشكل الرابع من موجبة صغرى وسالبة كبرى وأنتج سلب الأصغر عن بعض الأكبر لكنه ليس بمطلوب ولا تنعكس إليه وأما إذا عكست الكبرى وهى سالبة وجعلت عكسها السالب صغرى للأول والصغرى السالبة فرضًا كبرى كان القياس من سالبتين ولم يتلاق الطرفان مطلقًا فلا يلزم حمل الأصغر على الأكبر ولا عكسه إيجابًا ولا سلبًا إذ لا قياس من سالبتين فى شكل فأى تصرف يفرض ههنا لم يفد نسبة بينهما.

قوله: (لكن السالبة الجزئية لا تنعكس) فإن قيل هى فى قوة موجبة سالبة المحمول على ما تقرر فى كثير من الأحكام وهى منعكسة فكذا ما يساويها أجيب بأنها تنعكس إلى موجبة سالبة الموضوع ومعناها إثبات الأكبر لما سلب عنه الأصغر والمطلوب الذى هو عكس السالبة سلبه عما ثبت له الأصغر وبينهما بون بعيد وستقف على كلام فى انعكاس الموجبة السالبة المحمول.

ص: 390

قوله (ولا بعد عكسها) مبالغة فى عدم ارتداده إلى الأول لأن شيئًا من المقدمتين لا يصلح كبرى للأول لا بنفسها ولا بعكسها لكونهما جزئيتين ولا يرد أن عكس إحداهما لو كان كليًا يصلح لذلك فإنه ظاهر الفساد لأن الوسط فى هذا العكس محمول وفى كبرى الأول موضوع، وقول المصنف: فلتكون هى الكبرى آخرًا أى عند الرد إلى الأول بنفسها أو بعكسها لأجل هذه المبالغة فكأنه قيل لابد من كلية لتصلح أن تقع كبرى للأول إما بنفسها أو بعكسها إذ الجزئية غير صالحة لذلك أصلًا لا بنفسها ولا بعكسها فاعتبار صلاحية الكلية بأحد الوجهين إشارة إلى عدم صلاحية الجزئية بوجه هذا هو المتبادر من تقرير الشارح ومنهم من قال معنى كلام المصنف أن الكلية تارة تقع كبرى للأول بنفسها أى من غير قلب لها عن حالها كما فى الضروب الأربعة أعنى ما عدا الثالث والسادس وتارة تقع هناك بعكسها أى بقلبها من وصف إلى آخر ما فى هذين الضربين إذ تعكس فيهما الكبرى وتجعل صغرى والصغرى الكلية بعينها كبرى وأما عكس الكلية مستويًا أو عكس نقيض فلا يكون كبرى للأول فى ارتداد شئ من الضروب الستة وزعم أنه وقع فى بعض النسخ أو بقلبها مكان أو بعكسها وأراد بعضهم تطبيق الشرح على هذا المعنى فقال: لا بد من كلية إحدى المقدمتين لتصير كبرى فى الأول لأن الجزئية لا تقع كبراه لا بنفسها ولا بعكسها لأنه أيضًا جزئى وبهذا القدر يتم الدليل، وأما قول المصنف فلتكون. . . إلخ. فلم يتعرض لشرحه اكتفاء بما سيجئ فى تفاصيل الضروب حذرًا من سآمة التكرار لأنه إشارة إلى كيفية رده إلى الأول كما سبق فالمراد بالعكس عكس الترتيب والضمير فى نفسها وعكسها للكلية أو إلى كيفية الإنتاج بعد الرد أى لتكون الكلية كبرى بعد الرد ملتبسة بنفس النتيجة كما فى الضروب الأربعة التى كبرياتها كليات أو بعكسها كما فى الضربين الباقيين فالمراد بالعكس هو المستوى والضميران للنتيجة ولا يخفى تمحله.

قوله: (فلأن الصغرى) الشكل الثالث لا ينتج إلا جزئية لأن القياس الحاصل بعد رده إلى الأول لا ينتج إلا جزئية لأن صغراه أبدًا عكس موجبة أو ما فى حكمها فإن كانت هى عين نتيجة الثالث فذاك وإن عكست فعكسها جزئى أيضًا وقد أشار إلى طريقى الإسقاط والتحصيل معًا.

قوله: (ينتج كالأول أى كاللازم الأول) يعنى أن قول المصنف فينتج مثله يحتمل

ص: 391

أن يكون معناه ينتج الضرب الثالث نتيجة مثل اللازم الأول المذكور سابقًا وهو الموجبة الجزئية فيكون مثله مفعولًا به أنه ينتج إنتاجًا مثل إنتاج الضرب الأول فيكون مثله مفعولًا مطلقًا ويختلف مرجع الضمير والمآل واحد ولذلك صرح باللازم بعدهما فإنتاجه مثل إنتاج الضرب الأول ولازمه كاللازم الأول وأما بيان إنتاجه فليس كذلك بخلاف الضرب الثانى فإن نتيجته وإنتاجه وبيانه كالضرب الأول وإنما تعين فيه جعل الأول صفة للضرب لقوله يتبين إذ لا معنى لقوله يتبين كاللازم الأول لأن البيان للإنتاج لا للازم.

قوله: (بأن يقضى) لا يمكن بيانه بعكس الصغرى وإلا لكان كبرى الأول جزئية ولا بعكس الكبرى لأنها سالبة جزئية لا تنعكس ولو انعكست لم تصلح صغرى للأول فاحتيج فى ذلك إلى زيادة تصرف هى أن تجعل الكبرى فى حكم موجبة ثم تعكس وتجعل صغرى لصغرى القياس فتنتج موجبة جزئية سالبة الموضوع فتنعكس إلى موجبة جزئية سالبة المحمول وتؤول إلى السالبة الجزئية المطلوبة.

وههنا أبحاث: الأول: أن الموجبة السالبة المحمول؛ ما سلب فيها محمولها عن موضوعها ثم أثبت ذلك السلب له فتشمل على مفهوم السالبة مع أمر زائد هو إثبات سلب المحمول عن الموضوع للموضوع، وأما الموجبة المعدولة فهى ما أثبت فيه عدم أمر وجودى للموضوع، فأنت إذا لاحظت مفهوم الكتابة وأضفت إليه مفهوم العدم ثم حكمت على الموضوع بثبوت ذلك العدم المضاف كانت القضية موجبة معدولة، وإن نسبت مفهوم الكتابة إليه وسلبته عنه ثم حكمت عليه بثبوت ذلك السلب كانت موجبة سالبة المحمول، فإن قلت قوله وقد أثبت السلب للموضوع دل على أن السلب نفس المحمول وقد صرح بأنه جزء له، قلت: السلب مضاف إلى المسلوب، وهو بمنزلة جزء منه، وقد أثبت للموضوع ذلك السلب المضاف فلا منافاة.

الثانى: أن الموجبة السالبة المحمول ملزومة للسالبة ولازمة لها فهما متساويان، وإنما لم يتعرض للحكم الأول لكونه ظاهرًا ثابتًا فى المعدولة كما هو المشهور دون الثانى لا لأنه غير محتاج إليه ههنا لأن لزومها للسالبة كاف فى لزوم عكسها إياها وبه يتم المقصود فإنه ذهول عن الحاجة فى النتيجة إلى رد الموجبة السالبة المحمول إلى السالبة المطلوبة، وبيان الحكم الثانى أن انتفاء المحمول عن الموضوع فى نفس

ص: 392

الأمر يستلزم صدق أن الموضوع منتف عنه المحمول إذ لو صدق أنه ليس بمنتف عنه المحمول لم يكن انتفاؤه عنه صادقًا فى نفس الأمر؛ فلا يحتاج الإيجاب السالب المحمول فى صدقه إلى وجود الموضوع كالسالبة بخلاف المعدولة، والسبب فى ذلك أن مآله فى الحقيقة هو السلب، وأما المعدولة فتشتمل على معنى الإيجاب تحقيقًا وإن كانت الصفة المثبتة عدمية.

الثالث: أن عقد الوضع تركيب تقييدى لا يقتضى وجود الموضوع، إنما المقتضى له فى الموجبة عقد الحمل، فالموجبة السالبة المحمول إذا لم يكن موضوعها سلبًا بل محصلًا أو معدولًا يجب أن لا تنعكس، لأن المحصل أو العدول يصير محمولًا فى العكس فيقتضى وجود الموضوع وليس بموجود فلا تصدق؛ فإن قلت: السلب الواقع محمولًا يتناول ذلك الموضوع العدوم وغيره من الموجودات التى يثبت لها ذلك السلب فقد وجد موضوع العكس قلت: التلاقى بين الموضوع والسلب المحمول إنما علم فى ذلك المعدوم دون غيره على أن المحمول على المعدوم فى الخارج سلبًا خارجيًا ربما كان شاملًا لجميع الأشياء المحققة والمقدرة فسلبه لا يصدق على شئ من الموجودات أصلًا فلا صدق للإيجاب فى العكس قطعًا.

قوله: (وهذا الضرب) طريقة الخلف فى هذا الشكل أن يؤخذ نقيض النتيجة فيكون كليًا لأنها جزئية أبدًا فيجعل كبرى وصغرى القياس لإيجابها صغرى، فينتظم قياس على هيئة الشكل الأول وينتج ما ينافى الكبرى الصادقة فرضًا وبقية الكلام على ما سبق وقد وقع فى أكثر النسخ، لأن عكس الصغرى دائمًا موجبة بزيادة لفظ عكس وهو فى الحقيقة مستدرك وإن أمكن توجيهه بأن إيجاب العكس يدل على إيجابها إلا أنه مستغنًى عنه.

التفتازانى: (لا يطابق المتن أصلًا) وذلك لأن المتن يقول: لا بد من كلية إحدى المقدمتين لتكون هى الكبرى آخرًا بنفسها أو بعكسها وأما كون الجزئية ربما يتوهم إن عكسها يصلح للكبروية فشئ غير هذا بالمرة.

التفتازانى: (لأن عكس الكلية لا يكون. . . إلخ) أى وذلك لما علمت أن الكبرى هى نفس الكلية الواقعة كبرى فى الشكل أو الصغرى التى جعلت كبرى.

التفتازانى: (وليس بمذكور) فيه أنه مذكور لقوله وهو بعض المقتات ربوى

ص: 393

وقوله وحاصله حذف المضاف أى حاصل الوجه الثانى وهو قوله أن يكون صفة للضرب.

التفتازانى: (لأن المماثلة. . . إلخ) دفع لما يقال كيف يصح فى الضرب الثالث أنه ينتج مثل الأول مع اختلافهما فى البيان وحاصل الدفع أن المماثلة ليست إلا فى النتيجة لا فى البيان فلا ينافى اختلاف الأول والثالث فى البيان.

التفتازانى: (وكما تنعكس الموجبة وإن كانت جزئية) أى الموجبة السالبة المحمول والغرض من ذلك بيان حكمة قول الشارح وهى لازمة للسالبة ومحصله أن ما لزم الموجبة السالبة المحمول يلزم السالبة المحضة فصح أن يقوم مقامها وسيأتى للسيد رده.

قوله: (لما علمت فى اشتراط الإيجاب فى صغرى الأول) وهو أن الحكم فى الكبرى على ما هو أوسط إيجابًا لأن عقد الوضع بطريق الإيجاب قطعًا فلو كانت الصغرى سالبة كان المعلوم ثبوته فى الأصغر هو الأوسط سلبًا فيتعدد الأوسط ولا يتلاقى الطرفان.

قوله: (إذ لا قياس من سالبتين) أى لكون المحمول فى الصغرى غير الموضوع فى الكبرى.

قوله: (وستقف على كلام فى انعكاس الموجبة السالبة المحمول) إشارة إلى ما ذكره فيما بعد من أن عقد الوضع تركيب تقيدى لا يقتضى وجود الموضوع إنما المقتضى له فى الموجبة عقد الحمل فالموجبة السالبة المحمول إذا لم يكن موضوعها سلبًا بل كان محصلًا أو معدولًا يجب أن لا تنعكس لأن المحصل أو المعدول يصير محمولًا فى العكس فيقتضى وجود الموضوع وليس بموجود فلا تصدق.

قوله: (فاعتبار صلاحية الكبرى بأحد الوجهين) أى فى قول المصنف: وأما كلية إحداهما فلتكن هى الكبرى آخرًا بنفسها أو بعكسها إشارة إلى عدم صلاحية الجزئية للكبروية بوجه لا لجواز وقوع عكسها كبرى إذا كانت كلية.

قوله: (وزعم أنه وقع. . . إلخ) تأييد لكون العكس قلبها من وصف الصغروية إلى وصف الكبروية.

قوله: (لأنه إشارة إلى كيفية رد الثانى إلى الأول) أى ففى التعرض له سآمة التكرار لأنه فى تفاصيل الضروب يبين كيفية الرد.

ص: 394

قوله: (أو إلى كيفية الإنتاج) أى يبين فى تفاصيل الضروب فيحصل سآمة التكرار.

قوله: (يعنى أن قول المصنف فينتج مثله. . . إلخ) أى فالشارح أراد أن يبين أن مثله يحتمل أن يكون مفعولًا به وأن يكون مفعولًا مطلقًا فما قاله السعد من قوله يوهم. . . إلخ. مدفوع.

قوله: (ما سلب فيها محمولها عن موضوعها ثم أثبت) أى أنه يعتبر أولًا سلب المحمول عن الموضوع ثم يحكم بثبوت ذلك السلب للموضوع فالفرق بين السالبة والمعدولة أن السلب جعل جزءًا من المحمول فى المعدولة وجعل نفس المحمول فى السالبة المحمول فهو محمول ثان والمحمول الذى سلب محمول أول، وأما السالبة البسيطة فالسلب فيها ليس جزءًا من المحمول ولا محمولًا ثانيًا.

قوله: (عدم أمر وجودى) لا مفهوم لوجودى إلا أن يقال: أراد به ما لا يشتمل على حرف السلب.

قوله: (فإن قلت قوله) أى: قول الشارح.

قوله: (قلت السلب مضاف. . . إلخ) أى فأراد بالجزء الجزء التشبيهى باعتبار المحمول الأول وذلك لا ينافى اعتباره محمولًا ثانيًا.

قوله: (ثابتًا فى المعدولة) فإن صدق قولنا زيد لا كاتب يستلزم صدق قولنا زيد ليس بكاتب وإلا لكان كاتبًا وهو ينافى لا كاتب وإذا ثبت فى المعدولة والسالبة المحمول أعم منها كان ثابتًا فى السالبة المحمول.

قوله: (لأن لزومها. . . إلخ) علة للنفى فى قوله لأنه غير محتاج إليه والضمير فى لزومها للسالبة المحمول وقوله للسالبة أى السالبة المحضة وقوله: فى لزوم عكسها أى السالبة المحمول إياها أى السالبة المذكورة يعنى أن السالبة لما لم تنعكس وقد لزمها السالبة المحمول التى تنعكس صح جعلها صغرى وصغرى القياس كبرى فى الرد إلى الشكل الأول.

قوله: (فإنه ذهول. . . إلخ) علة للنفى فى قوله: لا لأنه غير محتاج إليه يعنى أن نتيجة الضرب السادس لا تكون إلا سالبة جزئية والبيان المذكور لإنتاجه أفاد كون النتيجة موجبة سالبة المحمول فاحتيج إلى رد الموجبة السالبة المحمول الجزئية إلى السالبة الجزئية وإنما يتأتى هذا إذا كانت الموجبة السالبة المحمول مستلزمة للسالبة

ص: 395

البسيطة فظهر أنه لا بد من التعرض للحكم الأول الذى هو كونها ملزومة للسالبة.

قوله: (وبيان الحكم الثانى) هو كون السالبة المحمول لازمة للسالبة الذى ذكره الشارح.

قوله: (أن انتفاء المحمول. . . إلخ) هو السالبة البسيطة وقوله: إن الموضوع. . . إلخ. هو الموجبة السالبة المحمول وقوله فلا يحتاج. . . إلخ تفريع على لزوم الموجبة السالبة المحمول للسالبة.

قوله: (إن مآله فى الحقيقة هو السلب) أى وإن كان فى الظاهر قد حكم بثبوت السلب للموضوع.

قوله: (وليس بموجود) أى إذا كان موضوع الموجبة السالبة المحمول معدومًا فلا يصدق العكس لاقتضائه وجود الموضوع وليس بموجود.

قوله: (السلب الواقع محمولًا) أى فى القضية الموجبة السالبة المحمول وقوله: يتناول ذلك الموضوع المعدوم وغيره فإذا قلت: المعدوم هو ليس بواجب الوجود فليس واجب الوجود يشمل المعدوم وغيره فقد وجد موضوع العكس إذ هو بعض ذلك المحمول فيصدق.

قوله: (قلت التلاقى إنما علم. . . إلخ) أى فلا بد أن يكون الحكم فى العكس على هذا المعدوم الذى وقع فيه التلاقى دون غيره.

قوله: (ربما كان شاملًا. . . إلخ) أى كقولك: زيد المعدوم ليس بشئ فما ليس بشئ الذى هو السلب لا يصدق على الموجودات أصلًا.

قوله: (مستدرك) أى لأن المطلوب هنا كون الصغرى موجبة لا كون عكسها موجبة.

ص: 396

قال: (الشكل الرابع وليس تقديمًا ولا تأخيرًا للأول لأن هذه نتيجة عكسه والجزئية السالبة ساقطة لأنها لا تنعكس وإن بقيتا وقلبتا فإن كانت الثانية لم يتلاقيا وإن كانت الأولى لم تصلح للكبرى وإذا كانت الصغرى موجبة كلية فالكبرى على الثلاث وإن كانت سالبة كلية فالكبرى موجبة كلية لأنها إن كانت جزئية وبقيت وجب جعلها الصغرى وعكس النتيجة وإن عكست وبقيت لم تصلح للكبرى وإن كانت سالبة كلية لم يتلاقيا بوجه وإن كانت موجبة جزئية فالكبرى سالبة كلية لأنها إن كانت موجبة كلية وفعلت الأول لم تصلح للكبرى وإن فعلت الثانى صارت الكبرى جزئية وإن كانت موجبة جزئية فأبعد فينتج منه خمسة: الأول: كل عبادة مفتقرة إلى النية وكل وضوء عبادة فينتج بعض المفتقر وضوء ويتبين بالقلب فيهما وعكس النتيجة، الثانى: مثله والثانية جزئية، الثالث: كل عبادة لا تستغنى وكل وضوء عبادة فينتج كل مستغن ليس بوضوء ويتبين بالقلب وعكس النتيجة، الرابع: كل مباح مستغن وكل وضوء ليس بمباح فينتج بعض المستغنى ليس بوضوء ويتبين بعكسها، الخامس: بعض المباح مستغن وكل وضوء ليس بمباح وهو مثله).

أقول: الشكل الرابع: وقد يظن أنه هو الشكل الأول بعينه قدّم فيه الكبرى وأخر فيه الصغرى لموافقته له فى الصورة وليس كذلك لأن الأشكال تتعين باعتبار موضوع النتيجة ومحمولها كما علمت ولا يتعين ذلك إلا بتعين النتيجة فإذًا إنما يكون شكلًا أولًا لو كانت نتيجته نتيجته وليس كذلك بل نتيجته عكس نتيجة الأول لأن المطلوب فى قولنا: كل (ج ب) وكل (أج) بعض (ب أ) ولو جعلته من الشكل الأول لأنتج كل (أب) والجزئية السالبة ساقطة فى هذا الشكل لا تصلح صغرى له ولا كبرى لأنه إنما يرتد إلى الأول بأحد الطريقين إما عكس المقدمتين مع بقاء الترتيب وإما بقائهما مع عكس الترتيب ويعبر عنه بقلب المقدمتين ولا يتأتى شئ منهما إذا كانت فيه سالبة جزئية أما عكس المقدمتين فلأن هذه لا تنعكس وأما عكس الترتيب فلأن السالبة الجزئية حينئذ إن كانت كبرى صارت صغرى الأول سالبة فلا يتلاقى الطرفان وإن كانت صغرى صارت كبرى الأول جزئية فلا يعلم الاندراج وإذا سقط هذه فالصغرى إحدى الثلاث الأخر فلنتكلم على التقديرات الثلاث:

الأوّل: أن تكون كلية موجبة وحينئذ يجئ فى الكبرى الثلاث لأنها إن كانت

ص: 397

سالبة كلية عكست الصغرى ليرجع إلى الثانى أو عكستهما ليرجع إلى الأول وإن كانت موجبة كلية فإن شئت عكست الكبرى وإن شئت قلبت المقدمتين أى عكست الترتيب وإن كانت جزئية موجبة قلبت المقدمتين.

الثانى: أن تكون كلية سالبة وحينئذ يجب أن تكون الكبرى كلية موجبة وإلا لكانت إما موجبة جزئية أو كلية سالبة فإن كانت جزئية موجبة لم يمكن الطريقان أما قلب المقدمتين فلأن النتيجة لابد من عكسها وهى جزئية سالبة لا تنعكس. وأما عكسهما فلأنه تصير الكبرى جزئية فى الأول وإن كانت كلية سالبة صار القياس من سالبتين فلا ينتجان بأى تصرف تصرفت فيه وإلى أى شكل رددته لما علمت أنه لا قياس من سالبتين فى شئ من الثلاثة.

الثالث: أن تكون جزئية موجبة فيجب أن تكون الكبرى كلية سالبة وإلا لكانت موجبة لسقوط السالبة الجزئية فإن كانتا كلية لم يمكن الطريقان.

أما الأول وهو عكس المقدمتين فلأن عكس الكلية الموجبة جزئية فلا تصلح كبرى للأول.

وأما الثانى وهو قلب المقدمتين فلأنك إذا قلبت جعلت الجزئية الموجبة كبرى للأول فلا ينتج، وإن كانت جزئية فأبعد إذ الجزئيتان عكسهما جزئيتان فلا تنتجان بنفسهما ولا بعكسهما بوجه ولأن إنتاج الجزئية يستلزم إنتاج الكلية لأن لازم الأعم لازم الأخص، وقد علمت أن الكلية لا تنتج فقد علمت أن ضروب هذا الشكل خمسة:

الأول: كلية موجبة وكلية موجبة ينتج جزئية موجبة كل عبادة مفتقرة إلى النية وكل وضوء عبادة لازمه بعض المتفقر وضوء بيانه بالقلب فى الصغرى والكبرى ثم عكس النتيجة بأن تقول كل وضوء عبادة وكل عبادة مفتقرة فكل وضوء مفتقر فبعض المفتقر وضوء وهو المطلوب.

الثانى: مثله إلا أن الثانية أى الكبرى جزئية فتقول مكان كل وضوء عبادة بعض الوضوء عبادة والنتيجة والبيان كما فى الأول.

الثالث: كلية سالبة وكلية موجبة ينتج كلية سالبة كل عبادة لا تستغنى عن النية وكل وضوء عبادة ينتج كل مستغن ليس بوضوء وبيانه بالقلب فى المقدمتين ثم عكس النتيجة وهو ظاهر.

ص: 398

الرابع كلية موجبة وكلية سالبة ينتج سالبة جزئية كل مباح مستغن وكل وضوء ليس بمباح ينتج بعض المستغنى ليس بوضوء وبيانه بعكس المقدمتين حتى يصير جزئية موجبة وكلية سالبة فى الأول فينتج جزئية سالبة.

الخامس: جزئية موجبة وكلية سالبة ينتج جزئية سالبة بعض المباح مستغن وكل وضوء ليس بمباح فبعض المستغنى ليس بوضوء وهذا مثل الرابع فى اللازم والبيان بعكس المقدمتين.

قوله: (وفعلت الأول) جمهور الشارحين على أن الأول إشارة إلى طريق القلب والثانى إلى طريق العكس وهو الظاهر الوافق لما سبق فى بيان اجتماع كون الكبرى موجبة جزئية عند كون الصغرى سالبة كلية، إلا أن الشارح المحقق عدل عن ذلك وراعى الترتيب المذكور فى بيان سقوط السالبة الجزئية حيث قدم طريق العكس وهذا هو الحق عند من له معرفة بأساليب الكلام.

قوله: (لأن الأشكال تتعين باعتبار موضوع النتيجة ومحمولها) لأنه ما لم يتعينا لم يتعين الأصغر ولأكبر فلم تتعين الصغرى والكبرى فلم يعلم أن الأوسط محمول فى الصغرى موضوع فى الكبرى أو بالعكس أو محمول فيهما أو موضوع فيهما.

قوله: (والجزئية السالبة ساقطة) مبنى هذا الكلام على ما تقرر من وجوب رد الكل إلى الشكل الأول وتحقيقه أن هذا الشكل لما خالف الأول المقدمتين كان رده إليه بعكسهما أو قلبهما ولا خالف الثانى فى الصغرى والثالث فى الكبرى كان رده إلى الثانى بعكس الصغرى وإلى الثالث بعكس الكبرى، فإذا كانت الصغرى موجبة كلية تنتج مع الكبريات الثلاث أما مع السالبة الكلية فلرجوعه إلى الأول بعكس المقدمتين دون عكس الترتيب لصيرورة صغرى الأول سالبة، وأما الموجبتين فلرجوعه إلى الأول بقلب المقدمتين ثم عكس النتيجة لا بعكس المقدمتين لعدم إنتاج الجزئيتين ولا تنتج مع السالبة الجزئية لتعذر الطريقين وأما ما ذكره الشارح من أن الكبرى حينئذ إن كانت سالبة كلية عكست الصغرى، فبهذا القدر لا يرجع إلا إلى الشكل الثانى وحينئذ لابدّ من عكس الكبرى ليرتد إلى الأول وكأنه سكت عنه لكونه معلومًا من الشكل الثانى، لكن ما ذكره من أن الكبرى إن كانت موجبة

ص: 399

كلية فإن شئت عكست فما لا ينبغى أن يصدر عن مثل الشارح؛ لأنه بهذا العكس لا يرتد إلا إلى الثالث وحينئذ لابدّ من عكس ذلك العكس ثم قلب المقدمتين ليرجع إلى الأول، ثم عكس النتيجة وهذا هدر إذ يكفى قلب المقدمتين ثم عكس النتيجة مثلًا إذا صدق كل ج ب وكل أج فنحن نرجعه إلى كل أج وكل ج ب ونعكس النتيجة أعنى كل أب إلى بعض ب أوهو يعكس كل أج إلى بعض ج أثم يعكس بعض ج أإلى بعض أج ويضمه إلى كل ج ب لينتج بعض أب ويعكس إلى بعض ب أوإن لم يقصد الرد إلى الشكل الأول بل اكتفى بالخلف ونحوه، فلا حاجة إلى عكس الكبرى ليرتد إلى الثالث لظهور جريانه فى الرابع ابتداء ثم لا يخفى أن هذا البيان جار فيما إذا كانت الكبرى موجبة جزئية، وقد اقتصر فيه على قلب المقدمتين وغاية ما يمكن أن يقال فى هذا المقام أنه حاول التنبيه على جواز رد هذا الشكل إلى الثانى فى بعض ضروبه والثالث فى بعض ضروبه مع بيانهما بالخلف ونحوه واكتفى بهذا التنبجه فى جانب الموجبة الكلية دون الجزئية.

قوله: (وقد يظن أنه هو الشكل الأول بعينه قدم فيه الكبرى) لأنها الأصل فى الإنتاج، وإنما ظن ذلك لموافقة الرابع الأول فى الصورة إذا لوحظ فيه التقديم والتأخير، وأيده أن بعض المتقدمين حصر الأشكال فى ثلاثة؛ بأن الأوسط إن كان محمولًا فى إحدى المقدمتين وموضوعًا فى الأخرى فهو الأول، وإن كان محمولًا فيهما فهو الثانى؛ وإن كان موضوعًا فيهما فهو الثالث وليس بصحيح؛ لأن تعين الأشكال وتمايزها إنما هو باعتبار تعين موضوع النتيجة ومحمولها ليتحقق نسبة الأوسط إليهما ولا تعين لها إلا بتعينهما فإذًا الرابع إنما يكون هو الأول لو كان نتيجته نتيجة وأما الاقتصار على الثلاثة فليس لاتحادهما بل لبعد الرابع عن النظم الطبيعى وصعوبة إبانة قياسيته وربما كان تحصيل النتيجة فى نفسها أسهل منها.

قوله: (إما عكس المقدمتين) لما خالف الأول فى مقدمتيه معًا وكانت كبراه كصغرى الأول وصغراه ككبرى الأول اتجه فى رده إليه طريقان ولا يتأتى شئ منهما مع السالبة الجزئية، فإن قلت: لِمَ لا يجوز حينئذ رده إلى الثانى بعكس الصغرى أو إلى الثالث بعكس الكبرى؟ قلت: السالبة الجزئية إن كانت صغرى لم

ص: 400

تنعكس ليرتد إلى الثانى وإن عكس الكبرى كان صغرى الثالث سالبة، وإن كانت كبرى لم تنعكس ليرتد إلى الثالث وإن عكس الصغرى كان كبرى الثانى جزئية.

قوله: (لأنها إن كانت سالبةكلية عكست الصغرى ليرتد إلى الثانى) من صغرى موجبة جزئية وكبرى سالبة كلية وينتج المطلوب بعينه وقد علمت إنتاج الثانى بالرد والخلف، فأخذ ههنا على أنه معلوم مسلم لا أنه أشير إلى طريق رده إلى الأول بعكس الكبرى ليرد أن توسيط الثانى لغو إذ يجب عكس الكبرى أيضًا فمآله إلى عكس المقدمتين فليعكسا ابتداء وكذلك قوله: فإن شئت عكست الكبرى إشارة إلى أنه بعكس الكبرى يرتد إلى الثالث من صغرى موجبة كلية وكبرى موجبة جزئية، وقد تبين إنتاجه سابقًا فأخذ ههنا مسلمًا وجعل مبدأ فى إنتاج الرابع، فلا يتوجه أنه تطويل للمسافة؛ لأن ذلك الضرب من الثالث إنما يرتد إلى الأول بعكس الكبرى وجعلها صغرى ثم عكس النتيجة فليكتف ههنا بقلب المقدمتين وعكس النتيجة، وقد نبه الشارح بالرد إلى الثانى والثالث على أنهما بعد الإحاطة بإنتاج قرائنهما بأى وجه كان صارا أصلًا للرابع يرد إليهما من ضروبه ما أمكن رده إلى واحد منهما فتعدد التصرفات والطرق فيها بحسب الظاهر ويعضد ما ذكرناه، قوله: فيما بعد فلا ينتجان بأى تصرف تصرفت فيه وإلى أى شكل رددته لما علمت من أنه لا قياس من سالبتين فى شئ من الثلاثة، وهو شرح لقوله: لم تتلاقيا بوجه ففي المتن إيماء إلى ذلك؛ وتوضيحه أن القسم الأول من التقدير الأول لا يمكن فيه قلب المقدمتين وإلا لكان صغرى الأول سالبة فتعين رده إليه بعكسهما معًا أو رده إلى الثانى بعكس الصغرى، فأشار إليهما وسكت عن رده إلى الثالث بعكس الكبرى وحدها، والقسم الثانى يتأتى فيه الرد إلى الأول بقلب المقدمتين لا بعكسهما وإلا لصارتا جزئيتين وإلى الثالث بعكس الكبرى لا إلى الثانى بعكس الصغرى لكونهما موجبتين، والقسم الثالث فى حكم الثانى إلا أنه ذكر فيه القلب فقط لاقتصاره فى التنبيه على موضوع واحد.

قوله: (وأما عكسهما فلأنه تصير الكبرى جزئية فى الأول) ويلزم أيضًا من ذلك كون الصغرى سالبة، ولا يمكن الرد إلى الثانى بعكس الصغرى لأنه تصير كبراه جزئية، ولا إلى الثالث بعكس الكبرى لأنه تكون صغراه سالبة.

قوله: (أما الأول وهو عكس المقدمتين) قيل: جمهور الشارحين على أن الأول

ص: 401

فى قوله: وفعلت الأول إشارة إلى طريق القلب، والثانى إلى طريق العكس نظرًا إلى ما سبق فى بيان امتناع كون الكبرى موجبة جزئية مع كون الصغرى سالبة كلية، وأما الشارح فقد راعى ترتيب ما ذكر فى إسقاط السالبة الجزئية وهو الحق عند العارف بأساليب الكلام.

قوله: (وإن كانت جزئية) أى: إن كانت الكبرى موجبة جزئية على تقدير كون الصغرى كذلك فالإنتاج أبعد منه إذا كانت الكبرى موجبة كلية؛ لأن المقدمتين حينئذ وعكسهما جزئيتان فلا تنتجان بنفسهما ولا بعكسهما بوجه إذ لا قياس من جزئيتين فى شئ من الأشكال السابقة.

التفتازانى: (وهو يعكس) أى الشارح يعكس وقوله وإن لم يقصد أى الشارح.

قوله: (أسهل منها) أى أسهل من أخذها من قياسية الرابع.

قوله: (لا أنه أشير. . . إلخ) رد على التفتازانى حيث قال: وأما ما ذكره الشارح من أن الكبرى إلى قوله: وحينئذ لا بد من عكس الكبرى ليرتد إلى الأول، وحاصل الرد أن الشكل الثانى قد أخذ مسلمًا معتبرًا إنتاجه فى ذاته من غير اعتبار رده إلى الأول وإن كان فى الحقيقة إنتاجه بواسطة رجوعه إلى الأول فيكفى فى بيان الشكل الرابع رجوعه إلى الثانى.

قوله: (وكذلك قوله وإن شئت عكست الكبرى. . . إلخ) رد على التفتازانى أيضًا حيث قال لكن ما ذكره من أن الكبرى إن كانت موجبة كلية فإن شئت عكست الكبرى فمما لا ينبغى أن يصدر عن مثل الشارح لأنه. . . إلخ. وحاصل الرد أن الشكل الثالث صار مسلمًا كما قيل فى الشكل الثانى.

قوله: (بحسب الظاهر) أى وفى الحقيقة مآلها إلى طريق واحد هو الشكل الأول.

قوله: (ويعضده. . . إلخ) لأنه يفهم منه أنه لو كان القياس يتأتى من سالبتين فى شئ من الأشكال الثلاثة لأمكن رد هذا الشكل الرابع إلى واحد منها لإنتاجه.

قوله: (على موضع واحد) هو قوله فى الثانى فإن شئت عكست الكبرى فهو كاف لعدم ذكر عكس الكبرى فى القسم الثالث ورده إلى الشكل الثالث فى بيان إنتاجه.

ص: 402

قوله: (وهو الحق عند العارف بأساليب الكلام) أى ما فعله الشارح من مراعاة ترتيب ما ذكره المصنف فى إسقاط السالبة الجزئية وجعل الأول إشارة إلى العكس، والثانى إلى طريق القلب هو الحق عند من يعرف أساليب الكلام من البلغاء فإن الأول على الإطلاق إنما هو طريق العكس فيكون الثانى طريق القلب ولا ينساق الذهن إلا إلى ذلك.

ص: 403

قال: (والاستثنائى ضربان: ضرب بالشرط ويسمى المتصل والشرط مقدمًا والجزاء تاليًا والمقدمة الثانية استثنائية وشرط إنتاجه أن يكون الاستثناء لعين المقدم فلازمه عين التالى أو لنقيض التالى فلازمه نقيض المقدم وهذا حكم كل لازم مع ملزومه وإلا لم يكن لازمًا مثل إن كان هذا إنسانًا فهو حيوان وأكثر الأول بإن والثانى بلو ويسمى ما بلو قياس الخلف وهو إثبات المطلوب بإبطال نقيضه. وضرب بغير الشرط ويسمى المنفصل ويلزمه تعدد اللازم مع التنافى فإن تنافيا إثباتًا ونفيًا لزم من إثبات كل نقيضه ومن نقيضه عينه فيجئ أربعة مثاله العدد إما زوج أو فرد لكنه. . . إلخ. وإن تنافيا إثباتًا لا نفيًا لزم الأولان مثاله الجسم إما جماد أو حيوان وإن تنافيا نفيًا لا إثباتًا لزم الأخيران مثاله الخنثى إما لا رجل أو لا امرأة).

أقول: القياس الاستثنائى ضربان:

الضرب الأول: ما يكون بالشرط ويسمى الاستثنائى المتصل وتسمى المقدمة المشتملة على الشرط شرطية ويسمى الشرط مقدمًا والجزاء تاليًا والمقدمة الأخرى استثنائية وشرطه بعد كون النسبة بين المقدم والتالى كلية دائمة أن يكون فى الاستثنائية الاستثناء إما لعين المقدم فلازمه عين التالى وإما لنقيض التالى فلازمه نقيض المقدم إذ لو انتفى أحدهيا لجاز وجود اللزوم مع عدم اللازم وأنه يبطل كونه لازمًا مثاله إن كان هذا إنسانًا فهو حيوان لكنه إنسان فهو حيوان لكنه ليس بحيوان فليس بإنسان ولا يلزم من استثناء نقيض المقدم نقيض التالى ولا من استثناء عين التالى عين المقدم لجواز أن يكون اللازم أعم كما فى المثال المذكور وكأنه قصد بذكر المثال التنبيه على هذا نعم لو قدر التساوى لزم ذلك لكن لخصوص المادة لا لنفس صورة الدليل وهو بالحقيقة بملاحظة لزوم المقدم للتالى وهو متصل آخر ثم إن أكثر استعمال الأول أى ما يستثنى فيه عين المقدم أن يذكر الشرط بلفظة "إن" فإنها وضعت لتعليق الوجود بالوجود وأكثر استعمال الثانى وهو ما يستثنى فيه نقيض التالى أن يذكر الشرط بلفظة لو فإنها وضعت لتعليق العدم بالعدم وهذا الثانى وهو المذكور بلو يسمى قياس الخلف وهو إثبات المطلوب بإبطال نقيضه كما إذا قلنا لو ثبت نقيض النتيجة لثبت متضمنًا إلى مقدمة من القياس فلزم المحال واللازم منتف فلا يثبت.

الضرب الثانى: ما يكون بغير شرط ويسمى استثنائيًا منفصلًا، ويلزمه تعدد

ص: 404

اللازم مع التنافى أى يلزمه التنافى بين أمرين وحينئذ يلزم من وجود هذا عدم ذاك ومن وجود ذاك عدم هذا إذ لولا ذلك والفرض أنه لا لزوم صريحًا لكان أحدهما لا يستلزم الآخر ولا عدمه فلا لزوم أصلًا فلا استدلال لأنه إنما يكون باللزوم على اللازم كما تقرر ثم التنافى إن كان إثباتًا ونفيًا كان هناك تنافيان وفى كل تناف لازمان وذلك أربع نتائج يلزم باعتبار التنافى إثباتًا أن يكون وجود كل واحد منهما مستلزمًا لعدم الآخر فيلزم من استثناء كل واحد نقيض الآخر وباعتبار التنافى نفيًا أن يكون عدم كل واحد منهما مستلزمًا لوجود الآخر فيلزم من استثناء نقيض كل واحد عين الآخر فيجئ اللوازم الأربعة.

مثاله: العدد إما زوج وإما فرد لكنه زوج فليس بفرد لكنه فرد فليس بزوج لكنه ليس بزوج فهو فرد لكنه ليس بفرد فهو زوج.

وإن كان التنافى إثباتًا لا نفيًا لزم الأولان أى من استثناء عين كل نقيض الآخر دون الأخيرين أى لا يلزم من استثناء نقيض كل عين الآخر وهو ظاهر.

مثاله: الجسم إما جماد أو حيوان لكنه جماد فليس بحيوان لكنه حيوان فليس بجماد ولو قلت لكنه ليس بجماد فهو حيوان أو ليس بحيوان فهو جماد لم يكن لازمًا لجواز انتفائهما كما فى الشجر.

وإن كان التنافى نفيًا لا إثباتًا لزم الأخيران أى من استثناء نقيض كل عين الآخر دون الأولين أى لا يلزم من استثناء عين كل نقيض الآخر وهو ظاهر.

مثاله: الجسم إما لا رجل أو لا امرأة إذ لا ينتنفيان وإلا كان رجلًا وامرأة لكن يجتمعان كالشجر لكنه ليس بلا رجل فهو لا امرأة أو ليس بلا امرأة فهو لا رجل ولو قلت لكنه لا امرأة فليس لا رجل أو لا رجل فليس لا امرأة لم يصدق لاجتماعهما فى الحجر.

قوله: (كلية دائمة) لا يجوز أن تكون الدائمة قيدًا زائدًا فى الكلية احترازًا عن المؤقتة إذ المؤقتة ليست بكلية، لأن معناها ثبوت اللزوم على جميع الأوضاع والتقادير الممكنة الاجتماع مع المقدم والأظهر أنه تفسير للكلية لأن معنى الدوام الثبوت فى جميع الأزمان وهو معنى الكلية لأنه يستلزم الثبوت على جميع الأوضاع.

ص: 405

قوله: (إذ لو انتفى أحدهما) أى أحد اللزومين لزوم عين التالى لعين المقدم، ولزوم نقيض المقدم لنقيض التالى لجاز وجود الملزوم بدون اللازم وهذا محال.

قوله: (وهو بالحقيقة) يعنى إذا كان بين المقدم والتالى تساو وتلازم فإنما يلزم من استثناء نقيض المقدم نقيض التالى، ومن استثناء عين التالى عين المقدم بواسطة قياس متصل آخر مقدمه تالى الأول وتاليه مقدم الأول، وقد استثنى فيه عين مقدمه أو نقيض تاليه.

قوله: (لتعليق الوجود بالوجود) يعنى أن كلمة إن لتعليق ثبوت الجزاء بثبوت الشرط ولو لتعليق انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط سواء كان الشرط والجزاء مثبتين أو منفيين أو مختلفين وهذا ما قال صاحب المفتاح إن "لو" لتعليق ما امتنع بامتناع غيره ولا يخفى ما فيه ولنا فى تحقيق كونها لانتفاء الشئ لانتفاء غيره كلام يطلب من شرح التلخيص.

قوله: (ويسمى ما بـ "لو" قياس الخلف) قد يفهم من ظاهر العبارة أن كل قياس استثنائى متصل استثنى فيه نقيض التالى فهو قياس الخلف وليس كذلك، بل بشرط أن يقصد فيه إثبات المطلوب بإبطال نقيضه وحينئذ يكون عبارة عن قياسين أحدهما اقترانى شرطى والآخر استثنائى متصل يستثنى فيه نقيض التالى هكذا: لو لم يثبت المطلوب لثبت نقيضه وكلما ثبت نقيضه ثبت محال ينتج لو لم يثبت المطلوب لثبت محال لكن المحال ليس بثابت فيلزم ثبوت المطلوب لكونه نقيض المقدم، نعم فقد يفتقر بيان الشرطية إلى دليل فتتكثر القياسات فظاهر تمثيل الشارح مشعر بأن الاقتران المتصل هو أنه لو ثبت النقيض لثبت منضمًا إلى مقدمة، ولو ثبت منضمًا إلى مقدمة لزم محال وليس كذلك؛ لأنه بمجرده لا يثبت المطلوب وقد يقال إن الاقتران مركب من متصلة مقدمها نقيض المطلوب وتاليها أمر لازم له ومن حملية صادقة فى نفس الأمر مثلًا إذا كان المطلوب لا شئ من ج ب، فنقول: لو لم يصدق هذا لصدق بعض ج ب ومعنا حملية صادقة وهى كل ب أينتج لو لم يصدق هذا صدق بعض ج أوهو محال بدليله فصدق هذا حق وهذا قريب مما ذكرنا وهو معنى كلام الشارح، وبالجملة لا ينبغى أن يتوهم أن قياس الخلف على رأى المصنف قياس استثنائى بسيط وكذا على رأى من قال إنه قياس استثنائى من متصلة مقدمها نقيض المطلوب لأن مراده ما ذكرنا.

ص: 406

قوله: (ويلزمه تعدد اللازم مع التنافى) مثل هذا الكلام ينبغى أن يكون بيانًا لشرط الإنتاج أو لضبط النتائج لكن تعدد اللازم يأبى الأول، والتنافى يأبى الثانى لأن ظاهره التنافى بين اللوازم التى هى النتائج وهو ليس بلازم كما فى قولنا العدد إما زوج أو فرد لكنه زوج فليس بفرد لكنه ليس بفرد فهو زوج إذ بين النتيجتين تلازم لا تناف؛ فذهب بعض الشارحين إلى أن معناه أنه يلزمه تعدد أجزاء المنفصلة مع تنافيها فتسمى أجزاء المنفصلة لوازم لا أنها قد تكون نتائج القياس والنتائج لوازم، ولا يخفى ضعف هذا الكلام وأنه ليس بلازم أن يراد التنافى بين اللوازم بل المراد أنه لا بد فيه من تناف بين أمرين، هما جزء المنفصلة المستعملة فى القياس الاستثنائى المنفصل على ما صرح به الشارح العلامة وحققه الشارح المحقق بما لا مزيد عليه، وحاصله أن تعدد اللوازم إشارة إلى النتيجة والتنافى إلى شرط الإنتاج ليتفرع عليه تعدد النتائج.

قوله: (كما تقرر) من أن حقيقة البرهان وسط يستلزم المطلوب.

قوله: (الجسم إما لا رجل) المذكور فى نسخ المتن الخنثى إلا أن البيان فى الجسم أصح وأفصح.

قوله: (كلية دائمة) صرح فى المنتهى بالقيدين؛ فالكلية إشارة إلى أن النسبة الاتصالية الإيجابية بين المقدم والتالى شاملة لجميع الأوضاع الممكنة الاجتماع مع المقدم والدوام إلى استغراقها الأزمنة وكأن ذكره زيادة تأكيد وتوضيح وإلا فهو لازم لذلك الشمول، وقيل: أريد بالدوام أن تكون النسبة بين طرفى التالى دائمة بدوام النسبة بين طرفى المقدم أى: يكون الارتباط بينهما بحسب تحققهما فيطابق ما وضعت له أن من تعليق الوجود بالوجود فيخرج ما يكون صدق التالى فيه دائمًا بدوام صدق المقدم كقولنا: كلما كانت الشمس طالعة كانت بالغة نصف النهار أى: يكون ارتباطهما باعتبار صدقهما فقط، وإنما اعتبر الأول لأن المطلوب العلم بثبوت نسبة الأحكام إلى أفعال المكلفين إيجابًا وسلبًا لا العلم صدق القضية مطلقًا وفيه أن شمول النسبة بين المقدم والتالى جميع الأوضاع المذكورة إن كان فى التحقق فى الوجود كما هو المتبادر العتبر فى الفن فقد أغنى عن الدوام، وإن كان فى الصدق أو محتملًا لهما كان الدوام أيضًا كذلك؛ لأنهما معًا صفتان لتلك النسبة ولا بد من

ص: 407

كون الشرطية لزومية، ويعلم ذلك من قوله: وهذا حكم كل لازم مع ملزومه وقيل: مما ذكره فى النحو من أن كلمة المجازاة تدل على سببية الأول ومسببية الثانى والسبب والمسبب متلازمان.

قوله: (إذ لو انتفى أحدهما) أى أحد اللزومين لزوم عين التالى للمقدم المستثنى ولزوم نقيض المقدم لنقيض التالى المستثنى.

قوله: (ولا يلزم. . . إلخ) استثناء نقيض المقدم لا يستلزم نقيض التالى؛ لجواز كونه أعم ولا عينه لجواز انتفائه أيضًا إن كان أعم ووجوبه إن كان مساويًا واستثناء عين التالى لا يستلزم عين المقدم ولا نقيضه لجواز ثبوت الأخص وانتفائه مع ثبوت الأعم، نعم لو قدر التساوى بين المقدم والتالى لزم من استثناء نقيض المقدم نقيض التالى ومن استثناء عين التالى عين المقدم لكن ذلك بسبب لزوم المقدم للتالى فى المادة الخصوصة (وهو متصل آخر) قد استثنى فيه عين مقدمه أو نقيض تاليه فهناك اتصالان وبحسب كل نتيجتان.

قوله: (فإنها وضعت لتعليق الوجود بالموجود) وههنا فد علق وجود التالى بوجود المقدم ليتوصل من الوجود المعلق به إلى الآخر فناسب استعمالها، وقد تستعمل أن فيما يستثنى فيه نقيض التالى؛ إذ هناك أيضًا يرتبط وجود التالى بوجود المقدم لكن لا ليتوصل بأحدهما إلى الآخر، بل لينتقل من انتفاء وجود التالى إلى انتفاء وجود المقدم فيجوز استعمالها فيه.

قوله: (فإنها وضعت لتعلق العدم بالعدم) فيه مسألة؛ لأنها وضعت لتعليق وجود مقدر لثان بوجود مقدر لأول فى الزمان الماضى فيفهم منه انتفاؤهما معًا على معنى أن سبب انتفاء الثانى هو انتفاء الأول فى نفس الأمر بناء على أن وجود الأول سبب لوجود الثانى فانتفى بانتفائه من غير أن يلاحظ هناك أن سبب العلم بانتفاء الأول، والثانى ماذا هو بل مبنى الكلام على أنهما معلومان للمخاطب بلا استدلال من أحدهما على الآخر؛ ينكشف لك ذلك إذا تأملت فى معنى قولك: لو جئتنى لأكرمتك هذا هو المشهور فى اللغة، وقد تستعمل فى مقام الاستدلال فيفهم منها ارتباط وجود الثانى بوجود الأول مع انتفاء الثانى فيعلم منه انتفاء الأول وهذا المعنى يناسب الأول فى الربط بين الوجودين لكنهما يؤخذان هناك معًا مقدرين تقديرًا محضًا لا يجامع الوجود المحقق فيفهم انتفاؤهما تحقيقًا مع السببية

ص: 408

المذكورة وأما ههنا فقد اعتبر الربط بينهما وأن الثانى لازم للأول ومنتف فى الواقع فيتوصل به إلى العلم بانتنهاء الأول فمآل المعنيين إلى انتنهائهيا معًا فى الواقع، لكنهما أخذا فى الأول معلومين فلا يمكن الاستدلال بأحدهما على الآخر، وفى الثانى على وجه يمكن فيه ذلك وهو على قلته مستعمل فى اللغة، يقال: لو كان زيد فى البلد لجاءنا فيعلم منه أنه ليس فيه ومنه قوله: تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22].

وقوله: (وأكثر استعمال الثانى وهو ما يستثنى فيه نقيض التالى أن يذكر الشرط بلفظة لو) إشارة إلى استعمالها بالمعنى الثانى وقوله: فإنها وضعت، لتعليق العدم بالعدم إشارة إلى مناسبته للمعنى الأصلى المتعارف فى استعمالاتهم وقد عبر عنه بلازمه كما حققناه، وذكر بعضهم أن اللام ههنا ليست صلة للوضع إذ لو كانت موضوعة لتعليق عدم التالى بعدم المقدم لكان الاستثناء بالحقيقة لعين التالى لا لنقيضه بل هى للتعليل فإنها موضوعة لتعليق وجود التالى بوجود المقدم إذا كانا مقدرين، والغرض من هذا الوضع أن يستثنى فيه نقيض التالى لينتج نقيض المقدم فيلزم تعليق عدم المقدم بعدم التالى كما هو مقتضى الملازمة فإنه المقصود من سياق قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] هذا هو المختار عند المصنف، ودل كلام النحاة على أن الغرض من وضعها أن تستعمل لانتفاء اللازم لأجل انتفاء ملزومه؛ فإن من قال: لو أكرمتنى لأكرمتك، أراد أن انتفاء إكرامه لانتفاء إكرام المخاطب لا عكسه، والمراد بالآية انتفاء الفساد الناشئ عن تعدد الآلهة لأجل انتفائه وقال: وقد تستعمل لو لمجرد الملازمة من غير أن يقصد عدم الملزوم بعدم اللازم أو عكسه كما فى قوله عليه السلام: "لو لم يخف اللَّه لم يعصه".

قوله: (وهذا الثانى وهو المذكور بلو يسمى قياس الخلف) ظاهر كلام المصنف أن الاستثنائى الذي يستثنى فيه نقيض التالى إذا كان مذكورًا بلو يسمى قياس الخلف وتعريفه إياه بإثبات الشئ بإبطال نقيضه يتناول ما يكون قياسًا بسيطًا كذلك، والجمهور على أن الخلف قياس مركب بأن يوضع المطلوب غير حق فيلزمه وضع نقيضه على أنه حق ويكون ملزومًا لمحال؛ فهنا قياسان: أحدهما اقترانى شرطى هكذا لو لم يكن المطلوب حقًّا لكان نقيضه حقًّا ولو كان نقيضه حقًّا كان المحال ثابتًا؛ فينتج لو لم يكن المطلوب حقًّا لكان المحال ثابتًا والملازمة الأولى بديهية،

ص: 409

وأما الثانية فربما تحتاج إلى بيان بقياس واحد أو متعدد، وثانيهما استثنائى وهو أن توضع تلك النتيجة ويستثنى نقيض تاليها فينتج أن المطلوب حق ومثل قولنا: لو كان هذا إنسانًا لكان حيوانًا لكنه ليس بحيوان فليس بإنسان قياس مذكور بلو ولا يسمى خلفًا عندهم، وكذلك قولنا: لو صدق نقيض المطلوب لصدق كذا والتالى باطل لا يكون قياس خلف لبساطته، والجواب عن الأول: أنه أراد أن الثانى وهو المذكور أكثره بلو يسمى قياس خلف لا مطلقًا بل إذا كان إثبات شئ بإبطال نقيضه واعتمد فى ذلك على ما عقبه به من حده وما أوردتموه من المثال لا يندرج فيه إذ لم يؤخذ الموضوع هناك مقدمًا على أنه نقيض للشئ المطلوب، بل على أنه ملزوم لتاليه المرفوع فيلزم ارتفاعه الَّذي هو بعينه إبطاله فيكون هو المطلوب لا وسيلة إليه، وعن الثانى أن بعض الفضلاء المتأخرين اختار أن الخلف قياس استثنائى من متصلة مقدمها نقيض المطلوب وتاليها أمر محال يحتاج فى بيان لزومه إياه إلى قضية مسلمة فيكون قياسًا بسيطًا استثنائيًا يستثنى فيه نقيض التالى فلعل المصنف واففه فى ذلك، وعلى هذا فقول الشارح: لو ثبت نقيض النتيجة. . . إلخ بيان لاستلزام نقيضها للمحال أعنى المتصلة وقوله: اللازم محال بيان لبطلان تاليها وإن أمكن أن يقال: هو إشارة إلى تركيبه من اقترانى واستثنائى على وجه آخر.

قوله: (ويلزمه تعدد اللازم مع التنافى) أى يلزم الضرب الثانى التنافى بين أمرين هما جزء المنفصلة وأراد المنافاة العنادية على ما هو المتبادر منه لا الاتفاقية ويلزمه لأجل التنافى تعدد اللازم أى يكون هناك بسببه لزومات ولوازم متعددة ومثل للزومات المتفرعة على التنافى وجودًا وقوله: إذ لولا ذلك، معناه: لولا التنافى المستلزم لتعدد اللزوم واللازم والنهوض أنه لا لزوم صريحًا وإلا فهو الضرب الأول لكان أحد الأمرين لا يستلزم الآخر لعدم اللزوم بينهما صريحًا ولا عدمه لعدم التنافى المقتضى لذلك وكذلك لا يستلزم عدم أحدهما عدم الآخر لعدم اللزوم بينهما صريحًا ولا وجوده لعدم التنافى المقتضى إياه فلا لزوم أصلًا فلا استدلال هناك لأنه إنما يكون بالملزوم على اللازم كما تقرر سابقًا، وقد أشار بذلك إما إلى أن الاستدلال بالانفصال راجع إلى الاتصال واقتصر على أحد قسميه لأن الآخر بالآخرة يؤول إليه، وإما إلى ما تقدم من أنه لا بد فى الدليل من مستلزم للمطلوب وإلى ما تقرر فيه من وجوب المقدمتين لتنبئ إحداهما عن اللزوم والأخرى عن

ص: 410

ثبوت الملزوم فظهر أن لزوم التنافى باعتبار أنه شرط للإنتاج وإن ذكر لزوم تعدد اللازم لأجل التنافى بيان لحكمة اشتراطه فيه، وأن صلاحيته لذلك إنما هى لاستلزامه اللزوم ولولاه لم يكن وسيلة إلى الاستدلال فهو من تتمة الشرط المذكور وبطل ما توهم من أن حاصل تحقيق الشارح أن تعدد اللازم إشارة إلى تعدد النتيجة والتنافى إلى شرط الإنتاج كيف وتعدد النتائج قد فصله فيما بعد بما لا حاجة معه إلى هذا الإجمال؟

التفتازانى: (ولا يخفى ما فيه) لأنه جعل المعلق نفس الجزاء والمعلق عليه نفس الشرط مع وضوح فساده وقد قال صاحب المفتاح تمثيلًا لذلك كقولك لو جئتنى لأكرمتك معلقًا لامتناع إكرامك بما امتنع من مجئ مخاطبك وفيه أيضًا أنه جعل المعلق نفس امتناع الجزاء والمعلق عليه نفس الشرط مع وضوح فساده أيضًا، وقد وجه بعضهم كلامه بأنه على حذف مضاف فى الممثل له والمثال فقوله لتعليق ما امتنع تقديره لتعليق امتناع ما امتنع، وقوله معلقًا لامتناع إكرامك بما امتنع من مجئ مخاطبك على تقدير بامتناع ما امتنع من المجئ وقال السعد فى مطوله لا حاجة لذلك لأن تعلق الحكم بالوصف مشعر بالحيثية فكأنه قال إنها لتعليق ما امتنع من حيث إنه امتنع وهذا معنى تعليق امتناعه وكذا قوله بما امتنع.

التفتازانى: (ولنا فى تحقيق كونها لانتفاء الشئ لانتفاء غيره كلام يطلب من شرح التلخيص) حاصله أن المعنى الكثير فى استعمال اللغة أنها لتعليق الوجود المقدر بالوجود المقدر فيلزم انتفاؤهما معًا وأن ذلك الانتفاء معلوم والغرض إفادة أن انتفاء الشرط سبب فى الخارج لانتفاء الجزاء من غير بيان أن سبب العلم ماذا هو واعتراض ابن الحاجب على ذلك العنى الذى قال به الجمهور من أن انتفاء السبب لا يدل على انتفاء السبب وإنما الأمر بالعكس فهى لانتفاء الأول لانتفاء الثانى لأن انتفاء المسبب يدل على انتفاء السبب بخلاف العكس، مردود بأن الذى قاله الجمهور ليس المراد به أن انتفاء الأول يدل على انتفاء الثانى بل إن انتفاء الأول سبب فى الخارج لانتفاء الثانى كما تقول: لو جئتنى لأكرمتك فإن معناه أن انتفاء الإكرام سببه انتفاء المجئ يدل على ذلك استثناء المقدم كما فى قوله: ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر وما قاله الجمهور استعمال لغوى كثير وأما

ص: 411

أرباب المعقول فيستعملون لو وإن ونحوهما أداة للتلازم دالة على لزوم الجزاء للشرط من غير قصد إلى القطع بانتفائهما ولذلك صح عندهم استثناء عين المقدم فهم يستعملونها للدلالة على أن العلم بانتفاء الثانى علة للعلم بانتفاء الأول وقد تستعمل إن ولو للدلالة على أن الجزاء لازم الوجود فى جميع الأزمنة فى قصد المتكلم وذلك إذا كان الجزاء معلقًا على ما يستبعد استلزامه له ويكون نقيضه أولى بالاستلزام، وفى حاشية السيد أن الحق أن استعمال أرباب المعقول استعمال لغوى أيضًا فإن أهل اللغة قد يقصدون الاستدلال فى الأمور العرفية كما يقال لك هل زيد فى البلد فتقول لا إذ لو كان فيه لحضر إلينا فيستدل بعدم حضوره على عدم كونه فى البلد ويسمى علماء البيان مثله بالطريقة البرهانية لكنه أقل استعمالًا من الأول خلافًا لما توهمه عبارة المطول من أن المعنى الثانى اصطلاح لأرباب المعقول.

التفتازانى: (أن كل قياس استثنائى. . . إلخ) أيما سواء قصد به إثبات الشئ بإبطال نقيضه أو كان مجرد إبطال الشئ ورفعه.

التفتازانى: (وحينئذ يكون عبارة عن قياسين) لأن إبطال النقيض بقياس اقترانى وإثبات المطلوب بقياس استثنائى يجعل نتيجة الأول شرطية متصلة ويستثنى نقيض التالى.

التفتازانى: (لو لم يثبت المطلوب. . . إلخ) مثلًا إذا قلنا: كلما صدق كل إنسان حيوان صدق عكسه وهو بعض الحيوان إنسان فنقول فى إثبات ذلك العكس بإبطال نقيضه لو لم يصدق بعض الحيوان إنسان عند صدق كل إنسان حيوان لصدق نقيضه معه وهو لا شئ من الحيوان بإنسان وكما صدق لا شئ من الحيوان بإنسان لزم المحال فالنتيجة لو لم يصدق بعض الحيوان إنسان عند صدق الأصل الذى هو كل إنسان حيوان لزم المحال لكن الشرطية الكبرى وهى كلما صدق لا شئ من الحيوان بإنسان لزم المحال تحتاج إلى بيان بأن يقال لأنها تضم إلى الأصل المفروض الصدق وهو كل إنسان حيوان لينتج سلب الشئ عن نفسه هكذا كل إنسان حيوان ولا شئ من الحيوان بإنسان ينتج لا شئ من الإنسان بإنسان ويحتمل أن المراد بالشرطية التى تحتاج إلى البيان الشرطية فى القياس الاستثنائى التى هى نتيجة القياس الاقترانى ويؤيد ذلك عبارته آخرًا والمآل واحد.

التفتازانى: (وظاهر تمثيل الشارح مشعر بأن الاقترانى. . . إلخ) وذلك ليس فيه

ص: 412

تعرض للمطلوب بل التعرض لمجرد إبطال النقيض فى ذاته مع أن الاقترانى المتصل فى قياس الخلف لا بد فيه من اعتبار أن بطلان النقيض وسيلة إلى المطلوب فلا بد أن يعتبر المطلوب على أنه لو لم يصدق لصدق نقيضه وكلما صدق نقيضه لزم المحال فلو لم يصدق لزم المحال لكن الحال باطل فبطل عدم صدق المطلوب فثبت صدقه، وقوله: لأنه بمجرده لا يثبت المطلوب أى بل يثبت مجرد إبطال النقيض مع أنه ليس مقصودًا لذاته بل هو وسيلة إلى إثبات المطلوب.

التفتازانى: (وقد يقال. . . إلخ) أى فليس بلازم أن تكون كبرى القياس الاقترانى الشرطى شرطية بل يجوز أن تكون حملية فيكون القياس الاقترانى مركبًا من شرطية وحملية.

التفتازانى: (وهذا قريب مما ذكرنا) الخلاف بينهما أن الكبرى فيما ذكره شرطية وفى هذا حملية كما مر.

التفتازانى: (وهو معنى كلام الشارح) فقوله لو ثبت نقيض النتيجة لثبت منضمًا إلى مقدمة من القياس، معناه: لو لم يثبت المطلوب لثبت نقيضه وهذه القضية الشرطية تضم إلى مقدمة صادقة من مقدمات القياس لينتج لو لم يثبت المطلوب للزم الحال لكن المحال باطل فرجع إلى قياسين.

التفتازانى: (وكذ على رأى من قال. . . إلخ) أى كذا لا يتوهم أنه قياس استثنائى بسيط.

التفتازانى: (لأن مراده ما ذكرنا) هو أنه لو لم يثبت المطلوب لثبت نقيضه وكلما ثبت نقيضه لزم المحال ينتج لو لم يثبت المطلوب لزم المحال فيعتبر مقدمة القياس الثانى ويضم إليه الاستثنائية أو يقال: لو لم يثبت المطلوب لثبت نقيضه ومعنا قضية حملية صادقة تضم إلى ذلك لينتج المحال والنتيجة تجعل مقدمة القياس الثانى.

التفتازانى: (وحاصله أن تعدد اللازم. . . إلخ) رده السيد بأن ذكر تعدد اللازم إنما هو لبيان حكمة اشتراط التنافى فهو من تتمته وليس إشارة إلى النتيجة.

التفتازانى: (إلا أن البيان فى الجسم أصح وأفصح) أى البيان بقوله: إذ لا ينتفيان وإلا كان رجلًا وامرأة لكن يجتمعان أصح وأفصح فى الجسم من البيان فى الخنثى لأنه يقال: ينتفيان فيكون رجلًا وامرأة أى بحسب الظاهر لوجود آلة الذكر

ص: 413

وآلة الأنثى وإن كان لا ينتفيان حقيقة وإلا كان رجلًا حقيقة وامرأة حقيقة ولعل المراد بالأفصحية الأوضحية لا يقال: إنهما ينتنفيان أيضًا فى الجسم إذ هو عام يشمل الخنثى لأنا نقول لا يجعل الجسم عامًا.

قوله: (باعتبار صدقهما فقط) أى فكما صدق أن الشمس طالعة صدق أنها بالغة نصف النهار لأنها إذا طلعت لا تزال متحركة من المشرق إلى المغرب وذلك يستلزم صدق أنها بالغة نصف النهار ولا يلزم أنه كلما طلعت الشمس وتحقق طلوعها يتحقق بلوغها نصف النهار فإن الطلوع يتحقق قبل البلوغ فقد تحقق ولم يتحقق فالتلازم بينهما صدقًا فقط.

قوله: (وإنما اعتبر الأول) وهو كون الارتباط بين نسبة التالى ونسبة المقدم بحسب تحققهما لأن المقصود من إيراد تلك المسائل المنطقية فى الكتب الأصولية التى هى وسائل الأحكام الشرعية الفرعية هو تحصيل تلك الأحكام والعلم بها إيجابًا أو سلبًا فيعلم بالدليل أن هذا الفعل واجب أو ليس بواجب وليس المقصود من إيرادها فى كتب الأصول صدق التالى دائمًا بدوام صدق المقدم وحيث كان المقصود من إيرادها ما تقدم فلا بد أن يعتبر الارتباط بينهما فى التحقق دون الصدق.

قوله: (فقد أغنى عن الدوام) إذ هو لازم له.

قوله: (بيان الدوام أيضًا كذلك) أى فى الصدق أو محتملًا لهما لأنهما معًا صفتان لتلك النسبة فلا يتغايران ويتقابلان؛ لأن النسبة الواحدة لا تتصف بالأمرين المتغايرين المتقابلين وحيث كان كذلك فأحدهما يغنى عن الآخر بأى معنى أردته منه.

قوله: (ولا بد من كون الشرطية لزومية) أى من شرط إنتاج القياس أن تكون الشرطية لزومية.

قوله: (ووجوبه إن كان مساويًا) أى وجوب الانتفاء.

قوله: (لكان الاستثناء بالحقيقة لعين التالى) أى لأن عدم التالى هو اللازم فيكون هو التالى والاستثناء لعينه لا لنقيضه.

قوله: (والغرض من هذا الوضع. . . إلخ) هو غير ظاهر لأنه إذا كان كل من الموجودين مقدرًا فقد علم انتفاؤهما معًا فلا يكون الغرض ما ذكر.

ص: 414

قوله: (فيلزم تعليق عدم المقدم بعدم التالى) أى فقوله لتعليق العدم بالعدم بيان للازم الموضوع له والمراد تعليق عدم الشرط بعدم الجواب لا العكس.

قوله: (والمراد بالآية انتفاء الفساد. . . إلخ) جواب عما يقال: إن الغرض المذكور كيف يصح فى الآية مع أن انتفاء التعدد لا يستلزم انتفاء الفساد لجواز أن يكون عند عدم التعدد يحدث اللَّه الفساد بإرادته.

قوله: (يتناول ما يكون قياسًا بسيطًا كذلك) أى يكون به إثبات الشئ بإبطال نقيضه.

قوله: (تحتاج إلى بيان بقياس واحد) قد مر فيما كتب على السعد بيانه.

قوله: (وعن الثانى) هو أن تعريفه يتناول ما يكون قياسًا بسيطًا كذلك وقوله من متصلة مقدمها نقيض المطلوب أى لا فرض غير المطلوب حقًّا كما هو رأى الجمهور فيقال فى إثبات عدم وجوب الزكاة على المديون: لو كانت واجبة على المديون للزم وجوبها على الفقير واللازم باطل فبطل ما أدى إليه من وجوبها على المديون وثبت نقيضه وهو عدم الوجوب عليه وقوله وعلى هذا فقول الشارح: لو ثبت. . . إلخ أى أن أصل القياس لو ثبت نقيض المطلوب للزم المحال لكن اللازم باطل فبطل ثبوت النقيض فثبتط المطلوب وأما قوله: لو ثبت نقيض المطلوب لثبت منضمًا إلى مقدمة من القياس فلزم الحال فهو لبيان استلزام النقيض للمحال وقوله واللازم منتف بيان لبطلان التالى فالقياس الخلفى بسيط على هذا الرأى.

قوله: (على وجه آخر) هو أن يقال: لو لم يثبت المطلوب لثبت نقيضه وكما ثبت نقيضه لزم الحال ثم تجعل النتيجة شرطية القياس الاستثنائى كما مر.

ص: 415

قال: (ويردّ الاستثنائى إلى الاقترانى بأن يجعل اللزوم وسطًا).

أقول: القياسات الاقترانية غير الشكل الأول علمت أنها ترد إليه فلنبين كيفط يردّ الاستثنائى إلى الاقترانى وطريقه أن يجعل الملزوم وسطًا وثبوته وهو الاستثنائى صغرى واستلزامه وهو المتصل كبرى.

مثاله من المنفصل الاثنان إما زوج أو فرد لكنه زوج فهو ليس بفرد فإنه يتضمن أنه كلما كان زوجًا لم يكن فردًا فتقول: الاثنان زوج وكل زوج فهو ليس بفرد فالاثنان ليس بفرد وعليه فقس.

قوله: (بأن يجعل الملزوم وسطًا) إشارة إلى ما سبق من أنه لا بد فى البرهان اقترانيًا كان أو استثنائيًا متصلًا أو منفصلًا من وسط مستلزم للمطلوب؛ فيلزمه مقدمة لثبوت الملزوم وأخرى لبيان اللزوم فالمقدمة الاستثنائية القائلة بثبوت الملزوم تجعل صغرى والمقدمة القائلة ببيان اللزوم تجعل كبرى وهذا ما قال فى المنتهى، ويرد الاستثنائى إلى الاقترانى بأن تجعل الثانية صغرى والأولى كبرى مثلًا نقول فى: إن كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه إنسان هذا إنسان وكل إنسان حيوان، وفى: لكنه ليس بحيوان هذا ليس بحيوان وكل ما ليس بحيوان ليس بإنسان وفى قولنا العدد إما زوج أو فرد لكنه زوج هذا زوج ليس بفرد، وفى لكنه ليس بفرد هذا ليس بفرد وكل ما ليس بفرد فهو زوج فالمراد بالملزوم ما يستلزم المطلوب لا ما هو المقدم فى المتصلة؛ فالشارح المحقق أورد البيان فى المنفصلة على وجه يشعر بأن البيان فى المتصلة أظهر، لكن ذكر فى بعض الشروح أن هذا فيما إذا أمكن جعل الملزوم محمولًا على موضوع المقدم واللازم محمولًا على الموضوع وأما فى مثل: لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا فلا بد من تعسف مثل أن يقال: النهار يلزم طلوع الشمس وكل لازم لشئ فهو موجود عند وجوده فالنهار موجود عند طلوع الشمس، وقد عرفت من تحقيق الشارح أن المراد بالمطلوب والوسط النفى والإثبات ففي لكن الشمس طالعة طلوع الشمس حاصل ومستلزم وجود النهار، وفى لكن النهار ليس بموجود عدم وجود النهار حاصل ومستلزم عدم طلوع الشمس فقد جعل ثبوت الملزوم صغرى والملزوم وسطًا وهو حقيقة الشكل الأول والاقترانى وإن لم يتمكن من تلخيص العبارة فيه.

ص: 416

قوله: (القياسات الاقترانية غير الشكل الأول. . . إلخ) قد تقدم أن حقيقة البرهان ووجه الدلالة لا يوجد إلا فى الشكل الأول فهو المنتج فى الحقيقة وهو السبب للعلم بالإنتاج، فمن ذلك وجب أن تكون الدلائل كلها مشتملة على هيئة الشكل الأول، وإلا لم تنتج أصلًا، وقد بين اشتمال ما عداه من الاقترانيات على هيئته وكيفية ردها إليه فأراد أن يبين اشتمال الاستثنائيات على الاقترانى بل على الشكل الأول وكيفية ردها إليه (وطريقه أن يجعل الملزوم وسطًا) ولا بد فيه لما عرفت من أن الإستدلال إنما يكون بالملزوم على اللازم (وثبوته) لموضوع المطلوب (صغرى واستلزامه) لمحموله (كبرى) مثاله من الاستثنائى المتصل الذى استثنى فيه عين المقدم أن يقال فى كلما: كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه إنسان فهو حيوان هذا إنسان وكل إنسان حيوان فهذا حيوان ولو استثنى ههنا نقيض التالى يقال فى رده: هذا ليس بحيوان وكل ما ليس بحيوان ليس بإنسان فهذا ليس بإنسان، ولما كان رد القسم الأول ظاهرًا ومثال القسم الثانى مذكورًا فى صدر الكتاب اقتصر على ذكر المثال من المنفصل وهو راجع إلى المتصل لما عرفت من استلزام التنافى تعدد اللوازم ولذلك قال فإنه يتضمن أنه كلما كان زوجًا لم يكن فردًا فالزوج هو الملزوم الذى يجعل وسطًا فإن قلت: رد الاستثنائى متصلًا كان أو منفصلًا إنما يتم بما ذكره إذا كان المقدم والتالى فى المتصلة والمنفصلة مشاركين فى الموضوع كما فى الأمثلة المذكورة وإلا يشكل بقولنا: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكن الشمس طالعة فالنهار موجود وبقولنا: إما أن تكون الشمس طالعة، وإما أن يكون الليل موجودًا لكن الشمس طالعة فليس الليل بموجود قلت: أما الأول فيقال فى رده: هكذا النهار لازم لطلوع الشمس الوجود وكل ما هو لازم لطلوع الشمس الموجود موجود ينتج النهار موجود وأما فى الثانى فيقال: هكذا الليل مناف لطلوع الشمس الموجود وكل ما هو مناف لطلوع الشمس الموجود ليس بموجود، ينتج الليل ليس بموجود، والمراد بالملزوم أعم من أن يكون مذكورًا صريحًا أو ضمنًا صرح بكونه ملزومًا أو لا ولا بد فى الدليل من الملزوم للمطلوب الحاصل للمحكوم عليه كما تقدم إلا أن ثبوت هذا الملزوم لموضوع المطلوب ليس مأخوذًا من المقدمة الاستثنائية فقط لأن استلزامه لمحموله مأخوذ من المتصلة كبرى، وإنما ذلك من الأمثلة السابقة

ص: 417

فإن قيل: فليحمل قول المصنف ويرد على القضية المهملة فلا يحتاج إلى هذا التكلف بل الرد إنما هو فيما ذكرناه كما اختاره بعض الشارحين أجيب بأن ما سبق من المصنف يقتضى انحصار الدليل فى الشكل الأول فلا بد من الرد وقد أومأ إليه الشارح بأن الاقترانيات قد ردت إليه فلنبين كيف يرد الاستثنائى إذ فيه إشارة إلى أن الرد فى الاستثنائى على قياس الرد فى الاقترانى وقد علمت أنه لا بد من اشتماله على الشكل الأول فكذا ههنا فإن قلت: لو كان إنتاج الاستثنائى للاشتمال على هيئة الأول وجب أن لا يعلم إنتاجه بدون الرد إليه قلت: لا يجب ذلك إذ ربما كان ملاحظة العقل لهيئة الأول فيه بسهولة بحيث كلما يشعر به لاحظها وربما لاحظها العقل بتصرف آخر غير الرد كما فى بيان الأشكال بالخلف بوسط ملاحظة العقل هيئة الأول، وقد عرفت أنه لا يجب فيما لاحظه العقل التمكن من التعبير هذا ما يقال فى توجيهه مع مراعاة ما سبق من الكلام وإن كان فيه ما فيه كله أومأ إليه.

التفتازانى: (العدد إما زوج أو فرد) المراد عدد مخصوص كالاثنين كأنه قال: هذا العدد إما زوج أو فرد يدل عليه قوله: لكنه زوج وقوله: هذا زوج ليس بفرد فيه سقط والأصل وكل زوج ليس بفرد.

التفتازانى: (على وجه يشعر بأن البيان فى التصلة أظهر) حيث قال: واستلزامه وهو المتصل كبرى ثم قال فإنه يتضمن أنه كلما كان زوجًا لم يكن فردًا.

التفتازانى: (فيما إذا أمكن. . . إلخ) كما فى المثالين المتقدمين.

التفتازانى: (وأما فى مثل لو كانت الشمس طالعة. . . إلخ) أى لأن موضوع المقدم هو الشمس وموضوع التالى هو النهار.

التفتازانى: (وقد عرفت من تحقيق الشارح. . . إلخ) فإنه قال فى شرح قوله: ولا بد من مستلزم للمطلوب حاصل للمحكوم عليه فإن قلت: هذا يختص فيما أرى ببعض الدلائل وإلا فما تقريره فى نحو لا شئ من الملح بمقتات وكل ربوى مقتات وفى نحو لو كان الملح ربويًا لكان مقتاتًا وليس فليس قلت مهما جعلنا الوسط والمطلوب هما النفى والإثبات يزول هذا الوهم. . . إلخ. ما قال وحاصله أن الوسط هو نفى الاقتيات وهو حاصل للملح ومستلزم للمطلوب الذى هو نفى

ص: 418

الربوية فكأنه قال الملح سلب عنه الاقتيات وكل ما سلب عنه الاقتيات سلب عنه الربوية ينتج الملح ليس بربوى، فالمراد من النفى والإثبات هو الوجود والعدم مضافين إلى المفرد مركبًا تركيبًا تقييديًا واقعًا محمولًا أو موضوعًا كما تقدم عن السيد.

قوله: (وقد أشار بذلك) أى أشار الشارح بقوله لأنه إنما يكون بالملزوم على اللازم كما تقرر سابقًا.

قوله: (أما إلى أن الاستدلال. . . إلخ) أى لا إلى الثانى فقط كما قاله السعد.

قوله: (واقتصر على أحد قسميه) أى قسمى المتصل وهو الاستدلال بالملزوم على اللازم الذى يحصل باستثناء المقدم لينتج عين التالى، وقوله: دون الآخر وهو الاستدلال بنفى اللازم على نفى اللزوم الذى يحصل باستثناء نقيض التالى لينتج نقيض المقدم، وقوله: يرجع إليه أى لأن نفى اللازم ملزوم ونفى الملزوم لازم فقد استدل بالملزوم على اللازم.

قوله: (وأما إلى ما تقدم. . . إلخ) هو الذى اقتصر عليه السعد.

قوله: (وإن صلاحيته لذلك) أى صلاحية لزوم التنافى للاشتراط.

قوله: (وبطل ما توهم. . . إلخ) رد على السعد.

قوله: (بل على الشكل الأول) أى كما أومأ إليه أى حيث قال علمت أنها ترد إليه فلنبين كيف يرد الاستثنائى إلى الاقترانى.

قوله: (مذكورًا فى صدر الكتاب) أى فى قوله لا شئ من الملح بمقتات وكل ربوى مقتات فإنه مؤول بالملح سلب عنه الاقتيات وكل ما سلب عنه الاقتيات سلب عنه الربوية.

قوله: (مذكورًا صريحًا) أى كما فى إن كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه إنسان فالملزوم الذى هو الوسط مذكور صريحًا وكذا فى قولك الاثنان إما زوج أو فرد لكنه زوج فالملزوم هو الزوج وهو مذكور صريحًا، وقوله: أو ضمنًا أى كما فى قولك إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكن الشمس طالعة فإن الملزوم هو لازم من قولك النهار لازم لطلوع الشمس الموجود وكل لازم. . . إلخ. وكذا فى قولك: إما أن تكون الشمس طالعة وإما أن يكون الليل موجودًا لكن الشمس طالعة فالملزوم هو قولك الليل مناف لطلوع الشمس الموجود وكل مناف. . . إلخ.

ص: 419

وقوله صرح بكونه ملزومًا أو لا أى يذكر الاستلزام صريحًا أو ضمنًا.

قوله: (ليس مأخوذًا من الاستثنائية فقط) أى: لأن الاستثنائية فيما تقدم لكن الشمس طالعة والصغرى هى النهار لازم لطلوع الشمس الموجود فتوقفت على الاستلزام.

قوله: (ولا أن استلزامه. . . إلخ) أى لأن الاستلزام الذى أول به كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا لكن الشمس طالعة النهار لازم لطلوع الشمس الموجود ولم يؤخذ الوجود إلا من الاستثنائية فالاستلزام على هذا مأخوذ من المتصلة والاستثنائية.

قوله: (وإنما ذلك) أى كون ثبوت الملزوم لموضوع المطلوب مأخوذًا من الاستثنائية وكون استلزامه لمحموله مأخوذًا من المتصلة فى الأمثلة السابقة.

قوله: (مع مراعاة ما سبق من الكلام) أى من التأويل فى بعض الأمثلة وقوله وإن كان فيه ما فيه أى من أنه تعسف.

قوله: (كله أومأ إليه) أى بقوله فى الاقترانيات غير الشكل الأول علمت أنها ترد إليه فلنبين كيف يرد الاستثنائى فأومأ بذلك إلى الرد إلى الشكل الأول وإن كان فى البعض تعسف وأنه قد يلاحظ بسهولة. . . إلخ. ما قال هنا.

ص: 420

قال: (والاقترانى إلى المنفصل يذكر منافيه معه).

أقول: يردّ الاقترانى إلى الاستثنائى أيضًا فإلى المتصل ظاهر بأن يجعل الوسط ملزومًا للمطلوب وأما إلى المنفصل فبأن تأخذ منافى الوسط وتذكره مع الوسط مثله الاثنان زوج وكل زوج فهو ليس بفرد فمنافى الزوج الذى هو الوسط إنما هو الفرد فتقول الاثنان إما زوج أو فرد لكنه زوج فهو ليس بفرد.

قوله: (والاقترانى إلى المنفصل) إن أريد الحكم جزئيًا فظاهر، وإن أريد كليًا ففي مثل العالم متغير وكل متغير حادث ليس بظاهر؛ لأن منافى المتغير هو اللامتغير، وإذا قلنا العالم إما متغير أو لا متغير فاستثناء أحد الجزأين أو نقيضه لا ينتج المطلوب، اللهم إلا أن يجعل مقابل الوسط نقيض الأكبر بأن يقال: العالم إما متغير أو لا حادث لكنه متغير فليس بلا حادث، وأما ما وقع فى بعض الشروح من رد قولنا الطواف صلاة وكل صلاة لا تصح بدون الوضوء إلى قولنا الطواف إما فاسد بدون الوضوء وصحيح لكنه فاسد فلا يكون صحيحًا فليس بمستقيم؛ إذ لا تعرض فيه للوسط أصلًا.

قوله: (يرد الاقترانى إلى الاستثنائى) أما الرد إلى المتصل فبأن يجعل الوسط ملزومًا للمطلوب فيقال فى قولنا: الوضوء عبادة وكل عبادة بنية إن كان الوضوء عبادة فهو بنية لكن الوضوء عبادة ينتج أنه بنية وهو ظاهر والبرهان واضح.

التفتازانى: (لا ينتج المطلوب) هو حدوث العالم فى المثال المذكور وقوله: اللهم إلا أن يجعل. . . إلخ. وعليه فالمراد بمنافى الوسط ما يشمل المنافى صراحة أو لزومًا إذ يلزم من لا حادث أنه لا متغير وهو منافى الوسط الذى هو متغير.

ص: 421

قال: (والخطأ فى البرهان لمادته وصورته فالأول يكون فى اللفظ للاشتراك أو فى حرف العطف مثل الخمسة زوج وفرد ونحوه حلو حامض وعكسه طبيب ماهر ولاستعمال المتباينة كالمترادفة كالسيف والصارم ويكون فى المعنى لالتباسها بالصادقة كالحكم على الجنس بحكم النوع وجميع ما ذو فى النقيضين وكجعل غير القطعى كالقطعى وكجعل العرضى كالذاتى وكجعل النتيجة لمقدمة بتغيير ما ويسمى المصادرة ومنه المتضايفة وكل قياس دورى والثانى أن يخرج عن الأشكال).

أقول: الخطأ فى البرهان يكون لخطأ مادته ولخطأ صورته:

القسم الأول: وهو خطأ المادة يكون من جهة اللفظ ومن جهة المعنى أما اللفظ فلالتباس الكاذبة بابادقة إذا كان اللفظ يحتملهما وهو قد يكون للاشتراك إما فى أحد الجزأين، نحو هذا عين وهو يصدق باعتبار مفهوم لها وتريد بالعين مفهومًا لها لا يصدق باعتباره وإما فى حرف العطف مثل الخمسة زوج وفرد وهو يصدق بأنه مجموع مركب منهما فيفهم منه أنه زوج وأنه فرد ومثله هذا حلو حامض فإنه يصدق فى الجمع دون الأفراد وعكسه هذا طبيب ماهر إذا كان ماهرًا فى غير الطب طبيبًا فإنه بصدق فى الأفراد دون الجمع وقد يكون لاستعمال المتباينة كالمترادفة نحو السيف والصارم فيغفل الذهن عما به الافتراق فيجرى اللفظين مجرى واحد فيظن الوسط متحدًا ولا يكون وأمّا المعنى فلالتباس الصادقة بالكاذبة أيضًا وله أصناف:

الأول: الحكم على الجنس بحكم نوع منه مندرج تحته نحو هذا لون واللون سواد فيكون هذا سوادًا وهذا سيال أصفر والسيال الأصفر مرة فهذا مرة ويسمى مثله إيهام العكس كأنه لما رأى أن كل مرة سيال أصفر ظن أن كل سيال أصفر مرة ومنه الحكم على المطلق بحكم المقيد بحال أو وقت هذه رقبة والرقبة مؤمنة وفى الأعشى هذا مبصر والمبصر مبصر بالليل.

الثانى: عدم مراعاة جميع ما ذكر فى التناقض من القوّة والفعل والجزء والكل والزمان والمكان والشرط فإنه إذا لم يراع التبست الصادقة بالكاذبة.

الثالث: جعل الاعتقاديات والحدسيات والتجريبيات الناقصة والظنيات والوهميات مما ليس بقطعى كالقطعى وإجراؤها مجراه وذلك كثير.

الرابع: جعل العرضى كالذاتى نحو السقمونيا مبرد وكل مبرد بارد فإن السقمونيا مبرد لا بالذات أى لا يوجب ذلك إيجابًا أوّليًا بل بالعرض لأنه يسهل

ص: 422

الصفراء وانتقاصها عن البدن يوجب برودته وإنما البارد هو المرد بالذات وهذا غير الذاتى والعرضى بالمعنى المتقدم.

الخامس: جعل النتيجة مقدمة من مقدمتى البرهان بتغيير ما ويسمى مصادرة على المطلوب مثل هذا نقلة وكل ناقلة حركة فهذا حركة، ومن هذا القبيل الأمور المتضايفة مثل هذا ابن لأنه ذو أب وكل ذي أب ابن وكل قياس دورى وهو ما يتوقف ثبوت إحدكما مقدمتيه على ثبوت النتيجة بمرتبة أو بمراتب.

القسم الثانى: وهو خطأ الصورة يكون بالخروج عن الأشكال بأن لا يكون على تأليف الأشكال المذكورة لا بالقوة ولا بالفعل أو يكون ويفقد شرطًا من شروط الإنتاج كما تقدم.

قوله: (إما فى أحد الجزأين) يعنى جزأى القضية التى هى من المادة صرح بذلك تنبيهًا على أن قوله: وإما فى حرف العطف على هذا المحذوف لا على قوله فى اللفظ على ما هو الظاهر، ومعنى الاشتراك فى حرف العطف أنه قد يذكر ويراد أن كلًّا من المتبوع والتابع محمول، وقد يذكر ويراد أن المحمول هو المجموع لا كل واحد.

قوله: (فيظن الوسط متحدًا) كما يقال هذا سيف وكل صارم من الحديد ولا اتحاد لأن السيف اسم للذات والصارم باعتبار وصفا القطع.

قوله: (هذا لون واللون سواد) فإن قيل هو خطأ من جهة الصورة لعدم كلية الكبرى، قلنا المراد أن مثله يحمل تارة على الخطأ فى المادة بأن تجعل اللام للاستغراق وتارة فى الصورة بأن تحمل على مجرد الجنسية.

قوله: (مما ليس بقطعى) مبنى على أنه بجعل الحدسيات ظنية على ما سبق، وإن جاز أن تكون الناقصة صفة للتجريبيات والحدسيات جميعًا، ويريد بالقطعى ما لا يحتمل النقيض أصلًا عند الذاكر ولا بتشكيك المشكك فيخرج عنه الاعتقاديات ويكون استعمالها فى البرهان خطأ؛ لوجوب أن تكون مقدماته قطعية لا ظنية ولا اعتقادية كما مر.

قوله: (وهذا غير الذاتى والعرضى) لأن المراد بهما ههنا ما يكون إيجابه وإفادته للشئ بالذات أو لا بالذات.

ص: 423

قوله: (جعل النتيجة مقدمة) فإن قيل هذا خطأ فى الصورة لأن النتيجة حينئذ لا تكون قولًا آخر فلا يكون قياسًا؛ قلنا هو قول آخر نظر إلى ظاهر اللفظ.

قوله: (لا بالقوة ولا بالفعل) إشارة إلى أن ما يمكن رده إلى شئ من الأشكال أو كان قد حذف فى إحدى المقدمتين لا يكون خطأ.

قوله: (والخطأ فى البرهان) لما فرغ من بيان مادة البرهان وصورته أشار إلى ما يتعلق بهما من الخلل ليحترز عنه فخطأ البرهان إما لخطأ مادته وإما لخطأ صورته إذ لو صحتا صح البرهان قطعًا، والقسم الأول أعنى خطأ المادة يكون من جهتين جهة اللفظ وجهة المعنى؛ أما من جهة اللفظ فلالتباس القضية الكاذبة بالصادقة إذا كان ذلك الالتباس ناشئًا من اللفظ بأن يكون اللفظ يحتملهما أى: يحتمل الكاذبة والصادقة من حيث الدلالة (وهو) أعنى احتمال اللفظ للكاذبة والصادقة (قد يكون للاشتراك إما فى أحد الجزأين) سواء كان بحسب جوهره كالعين أو بحسب تصاريفه كالمختار فنقول مثلًا: (هذا عين وهو صادق باعتبار مفهوم لها) أى للفظة العين (وتريد بالعين مفهومًا لها لا يصدق) القول المذكور (باعتباره فيقع الالتباس بين الصادقة والكاذبة بواسطة اللفظ) فإذا استعمل هذا القول فى البرهان ويراد به المعنى الكاذب على توهم صدقه كان خطأ فى المادة (وإما فى حرف العطف) أى الاشتراك يكون فى حرف العطف (مثل الخمسة زوج وفرد وهو يصدق بأنه) أى العدد المخصوص الذى هو الخمسة (مجموع مركب من الزوج والفرد) لتركبه من الاثنين والثلاثة (فيفهم منه أنه زوج وأنه فرد) وهذا المعنى كاذب واللفظ يحتملهما فإنه إن لوحظ انضمام الفرد إلى الزوج أولًا ثم حمل المجموع على الخمسة كان المفهوم هو المعنى الأول الصادق، وإن لوحظ حمل الزوج على الخمسة أولًا ثم حمل الفرد عليها كان المفهوم المعنى الثانى الكاذب، وأما إن حرف العطف مشترك بين هذين المعنيين فالظاهر أن المراد الاشتراك لغة ليتناول المشترك والمتواطئ بالقياس إلى إفراده بل الحقيقة والمجاز أيضًا إذا اشتهر المجاز بحيث يقع الالتباس عند الإطلاق.

قوله: (ومثله) أى مثل المذكور فى صدق المعنى إذا أريد حمل المجموع من حيث هو وكذبه إذا أريد حمل كل واحد مع حمل الآخر فإن المز يصدق عليه أنه

ص: 424

حلو حامض بمعنى أنه مجموع مركب منهما ولا يصدق عليه أنه حلو وأنه حامض ومنشأ احتمال اللفظ للمعنيين ما أشرنا إليه فإنه إن ضم حامض مع حلو أولًا ثم حمل المجموع كان المفهوم هو المعنى الأول وهو صادق، وإن حمل عليه الحلو أولًا ثم ضم إليه حامض كان المفهوم المعنى الثانى وهو كاذب، وعكس مثال الخمسة قولنا: هذا طبيب ماهر إذا كان طبيبًا غير ماهر فى الطب وماهرًا فى الخياطة مثلا (فإنه يصدق فى الأفراد دون الجمع) يعنى: إن أفرد كل واحد فى الحمل عن الآخر وأريد أنه طبيب وأنه ماهر كان صادقًا وإن جمع بينهما وحمل المجموع من حيث هو مجموع كذب فاللفظ يحتمل الصدق والكذب والسبب ما أشرنا إليه إلا أنه فى الصدق عكس ما سبق من المثالين.

قوله: (وقد يكون لاستعمال) أى وقد يكون احتمال اللفظ للكاذبة والصادقة بواسطة استعمال الألفاظ (المتباينة) الدالة على معان متغايرة (كالمترادفة كالسيف والصارم) فإن الأول للذات مطلقًا، والثانى باعتبار كونه قطاعًا (فيغفل الذهن عما به الاقتراف فيجرى اللفظين مجرى واحدًا) فيحمل أحدهما على ما يحمل عليه الآخر فيقع الخطأ كما يقال فى سيف غير قاطع: إنه صارم بناء على أنه سيف وكل صارم فإنه كذا فالصغرى ههنا كاذبة قد التبست بالصادقة فإن قولنا: هذا سيف صادق، وقد يتوهم أن قولنا: هو صارم بمعناه فلفظ صارم يحتمل مفهومه ويحتمل معنى السيف لظن القائل ترادفهما، وأما قول الشارح: فيظن الوسط متحدًا ولا يكون، ففيه بحث لأن الخطأ فى البرهان حينئذ من جهة الصورة لخروجه عن هيئة الأشكال ضرورة اعتبار تكرر الوسط فيها على ما سبق.

قوله: (وأما المعنى) وأما الخطأ فى مادة البرهان من جهة المعنى (فلالتباس الصادقة بالكاذبة) كما أن الخطأ فيها من جهة اللفظ كان لالتباس الكاذبة بالصادقة فالخطأ فى مادة البرهان إنما هو لالتباس الكاذبة بالصادقة فقط، وذلك الالتباس إما من جهة اللفظ فهو القسم الأول، أو من جهة المعنى فهو هذا القسم، وله أصناف:

الأول: أن يحكم على الجنس بما هو حكم نوع منه على توهم انعكاس الموجبة الكلية كنفسها فيظن أن كل لون سواد لأن كل سواد لون وأن كل سيال أصفر مرة لأن كل مرة سيال أصفر ولهذا يسمى إيهام العكس (ومنه) أى ومن الحكم على

ص: 425

الجنس بحكم نوع منه أو من إيهام العكس لأن المطلق بالقياس إلى المقيد بحال أو وقت كالجنس بالقياس إلى نوعه فيقال فى رقبة كفارة الظهار: هذه رقبة فى كفارة وكل رقبة فى كفارة مؤمنة فإنه لما رأى أن كل رقبة فى كفارة قتل المؤمن خطأ رقبة فى كفارة توهم أن كل رقبة فى كفارة رقبة فى كفارة قتل الخطأ؛ فحكم على كل رقبة فى كفارة بحكم رقبة كفارة قتل الخطأ فهذا الحكم أعنى وصف الإيمان ثابت لرقبة مقيدة بحال هى كونها كفارة قتل الخطأ فأثبت للرقبة مطلقًا وكذا يقال فى الأعشى: هذا مبصر وكل مبصر مبصر فى الليل فالمبصر فى الليل حكم ثابت للمبصر فى وقت الظلمة غير الشديدة وقد أثبت للمبصر مطلقًا وكأنه توهم أن كل مبصر مبصر فى الوقت المذكور لأن كل مبصر فى هذا الوقت مبصر.

الثانى: من الخطأ المعنوى فى المادة: ما يقع من جهة التباس الكاذبة بالصادقة لعدم مراعاة جميع ما ذكر فى التناقض فإنه إذا لم يراع ربما ظن كون قضية نقيضًا لقضية كاذبة؛ فيظن كون الأولى حيث صادقة وهى كاذبة.

الثالث: من الخطأ المعنوى فى المادة: التباس غير القطعى بالقطعى فيجعل الاعتقاديات وغيرها مما ليس بقطعى كالقطعى فيستعمل فى البرهان ويجرى مجرى القطعى مع كونها غير مطابقة للواقع وهذا القسم من الخطأ كثير فى العلوم فإن أكثر الناس يجعل المشهورات والاعتقادات المأخوذة تقليدًا كالقطعيات ويستعملها فى البراهين معتقدًا للإصابة ولا يتخلص من ذلك إلا المرتاض باستعمال المقدمات القطعية الصرفة.

الرابع: من الخطأ المعنوى: جعل العرضى كالذاتى ففي المثال المذكور إحدى المقدمتين كاذبة لأنه إن أريد أن السقمونيا مبرد بالذات فهو كاذب لأن إيجابه للبرودة بالعرض كما ذكره لا إيجاب أولى وبالذات وإن أريد أنه مبرد فى الجملة أو بالعرض فالكبرى كاذبة إذ ليس كل مبرد مطلقًا باردًا بل المبرد بالذات بارد وعلى التقديرين قد جعل العرضى كالذاتى، فإن قلت: أريد بالأول المبرد مطلقًا وبالثانى المبرد بالذات فلا خطأ أصلًا، قلت: فلا يتكرر حينئذ الوسط ويكون الخطأ فى الصورة إلا أن التمثيل على التقديرين الأولين وليس الذاتى والعرضى بالمعنى السابق كما توهم إذ لا يتصور باعتباره خطأ فى البرهان فإن قلت: إذا قلنا الناطق يصدق عليه حيوان وكل ما يصدق عليه الحيوان فهو مركب من الحيوان وغيره كان

ص: 426

خطأ لجعل الحيوان العارض لبعض ما صدق عليه كالذاتى له فإن ما يصدق عليه الحيوان ويكون ذاتيًا فإنه يكون مركبًا منه ومن غيره قلت هذا فى التحقيق من قبيل إيهام العكس إذ كل ما كان الحيوان جزءًا له يصدق عليه فيتوهم أن كل ما يصدق عليه يكون جزءًا منه.

الخامس: من الخطأ المعنوى: (جعل النتيجة مقدمة من مقدمتى البرهان بتغيير ما) وإنما اعتبر التغيير بوجه ما ليقع الالتباس (ويسمى مصادرة على المطلوب مثل هذا نقلة وكل نقلة حركة فهذا حركة) فالصغرى ههنا هى عين النتيجة قد بدل فيها الحركة بما يرادفها ومنهم من يجعل الصادرة على المطلوب من قبيل الخطأ فى الصورة قائلًا: إن الخطأ فى الصورة إما بحسب نسبة بعض المقدمات إلى بعض وهو أن لا يكون على هيئة شكل منتج وإما بحسب نسبة المقدمات إلى النتيجة بأن لا يكون اللازم قولًا غير المقدمات وهو المصادرة ومن جعلها من قبيل الخطأ فى المادة ينبغى أن لا يفسره بالتباس الكاذبة بالصادقة إذ ليس ههنا التباس الكاذبة بالصادقة اللهم إلا أن يريد بالكاذبة ما ليس معلوم الصدق (ومن هذا القبيل) أى من قبيل جعل النتيجة مقدمة من مقدمتى الدليل (الأمور المتضايفة) فإن أحد المتضايقين فى قوة الآخر فإذا جعل أحدهما مقدمة من مقدمتى برهان الآخر كان كجعل النتيجة مقدمة من برهانها (مثل هذا ابن لأنه ذو أب وكل ذى أب ابن) لأن الصغرى فى قوة النتيجة (و) من هذا القبيل أيضًا (كل قياس دورى وهو ما يتوقف ثبوت إحدى مقدمتيه على ثبوت النتيجة) إما (بمرتبة أو بمراتب) وهو ظاهر.

القسم الثانى من الخطأ فى البرهان: ما يكون بحسب الصورة وهو أن يكون خارجًا عن الأشكال وذلك إما بأن لا يكون على تأليف الأشكال المذكورة لا بالفعل ولا بالقوة وإما بأن يفقد شرط من شروط الإنتاج كما تقدم بيانه.

الشارح: (هذه رقبة) مثال لما فيه المقيد بحال وقوله: وفى الأعشى لما المقيد فيه مقيد بوقت.

التفتازانى: (ومعنى الاشتراط فى حرف العطف. . . إلخ) أى فالمراد من الاشتراك الاشتراك لغة فيشمل المتواطئ فإن الواو لمطلق الجمع وتحته أفراد مستوية فيه فكون كل من المتبوع والتابع محمولًا أو أن المجموع محمول من أفراد مطلق الجمع الذى

ص: 427

هو معنى الواو.

التفتازانى: (مبنى على أنه يجعل الحدسيات ظنية على ما سبق) أى وإن كانت عند المناطقة قطعية وقوله: وإن جاز أن تكون الناقصة. . . إلخ. وعليه لا تكون الحدسيات ظنية مطلقًا بل إذا كانت ناقصة فلا ينافى أن تكون الحدسيات قطعية إذا لم تكن ناقصة.

التفتازانى: (ويكون استعمالها فى البرهان. . . إلخ) وعليه لا يقال: إن الخطأ فى المعنى لالتباس الكاذبة بالصادقة لأن مجرد كونها اعتقادبة ولو كانت صادقة فى الواقع موجب للخطأ فى البرهان ودرج السيد على غير ذلك فقيد الاعتقاديات بكونها غير مطابقة للواقع حتى يكون هناك التباس الكاذبة بالصادقة، لكن يرد على السيد أنه لو كانت الاعتقاديات مطابقة للواقع وليست معلومة بالدليل وذكرها فى البرهان يكون ذلك خطأ فى البرهان وليس داخلًا فيما ذكر لكن السيد جارى الشارح.

قوله: (فلالتباس القضية الكاذبة بالصادقة) أى أن الآتى بالبرهان التبس عليه القضية الكاذبة التى ذكرها فيه بالصادقة التى حقها أن تذكر فيه ففهم أنها صادقة مع أنها كاذبة.

قوله: (كالمختار) فإنه يكون اسم فاعل واسم مفعول فإذا كان الصادق اعتبار كونه اسم مفعول وأراد منه اسم الفاعل كذبت القضية لالتباس الكاذب بالصادق ومنشأه الاشتراك فى أحد جزئى القضية.

قوله: (ويراد به المعنى الكاذب. . . إلخ) كأن يريد من العين الشمس مع حملها على الباصرة.

قوله: (بل الحقيقة والمجاز أيضًا إذا اشتهر المجاز. . . إلخ) كأن يقال: هذا أسد وكل أسد حيوان مفترس مشيرًا بهذا إلى الرجل الشجاع ومريدًا من أسد فى الصغرى والكبرى الأسد الحقيقى فالصغرى كاذبة التبست بالصادقة لأن أسدًا يطلق على الرجل الشجاع كما يطلق على الحيوان المفترس فكأن أسدًا مشترك بينهما.

قوله: (للذات مطلقًا) أى قاطعًا أولًا والثانى باعتبار كونه قاطعًا فبينهما عموم وخصوص مطلق فهما متباينان تباينًا جزئيًا.

قوله: (كما توهم) المتوهم الأصفهانى حيث قال: وكأخذ العرضى مكان الذاتى

ص: 428

كأخذ الماشى جنسًا للإنسان مكان الحيوان.

قوله: (فإن قلت إذا قلنا. . . إلخ) أى فيصح أن يراد الذاتى والعرضى المتقدمان.

قوله: (إلا أن يريد بالكاذبة ما ليس معلوم الصدق) وهو النتيجة ههنا فقد التبست بالمعلومة الصدق وهى المقدمة كما يقال: كل وضوء رفع للحدث وكل ما هو رفع للحدث يصح بالنية فكل وضوء يصح بالنية ثم يستدل على قولنا: كل ما هو رفع للحدث يصح بالنية بقولك كل ما هو رفع للحدث وضوء وكل وضوء يصح بالنية فكل ما هو رفع للحدث يصح بالنية.

ص: 429