الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مبادئ اللغة)
قال: (مبادئ اللغة: ومن لطف اللَّه تعالى إحداث الموضوعات اللغوية فلنتكلم على حدها وأقسامها وابتداء وضعها وطريق معرفتها. الحد كل لفظ وضع لمعنى).
أقول: من لطف اللَّه تعالى إحداث الموضوعات اللغوية فإنه لما علم حاجة الناس إلى تعريف بعضهم بعضًا ما فى أنفسهم من أمر معاشهم للمعاملات والمشاركات وأمر معادهم لإفادة المعرفة والأحكام أقدرهم على الصوت وتقطيعه على وجه يدل على ما فى النفس بسهولة لأنه كيفية للنفس الضرورى فخفت المؤنة وعمت الفائدة لتناولها للموجود والمعدوم والمحسوس والمعقول ووجودها مع الحاجة وانقضائها مع انقضائها وفيه من اللطف ما لا يخفى فلنتكلم على حدها وأقسامها وابتداء وضعها وطريق معرفتها لأن التفكر فى ألطاف اللَّه تعالى شكر على أن الحاجة ماسة فى هذا الفن إليه لما مر فى العربية. أما حدها: فكل لفظ وضع لمعنى ولفظ الكل لا يذكر فى الحد لأنه للماهية من حيث هى هى ولا يدخل فيها عموم ولأنه يجب صدقه على كل فرد ولا يصدق بصفة العموم وقد ذكره إما للإشعار بأنه لا يختص بقوم دون قوم وإما لأنه يحد الموضوعات اللغوية بصفة العموم فوجب اعتبارها فيه فكأنه قال: معنى قولنا: الموضوعات اللغوية كذا وكذا أن كل لفظ وضع لمعنى كذا وكذا وإن كان بين ظاهريهما فرق ستعرفه.
قوله: (لأن التفكر) بيان لترتب هذا الكلام على قوله: ومن لطف اللَّه لكن لا يخفى أنه مرتب على ما دل عليه الكلام من الاحتياج إلى التعرض للمبادئ الكلامية على ما أشار إليه بقوله (على أن الحاجة ماسة فى هذا الفن إليه) أى إلى التكلم على هذه الأمور (لما مر فى) بيان استمداد هذا الفن من (العربية).
قوله: (ولفظ الكل) إبراد لفظ الكل فى المحدود فاسد من جهة أن الحد للماهية لا للأفراد وفى الحد فاسد من جهة أنه لا يصدق على شئ من الأفراد، والشارح علل عدم ذكرها فى الحد بوجهين تنبيهًا على أن الحد نفس المحدود فى الحقيقة فلا يذكر ما يدل على الأفراد لا فى الحد ولا فى المحدود.
قوله: (فكأنه قال) يعنى أن ما ذكر تعريف لفظى للمحكوم عليه فى قولنا الموضوعات اللغوية توقيفية مثلًا فإن معناه أن كل لفظ موضوع فهو توقيفى، لكن الظاهر من صيغة الحمع العرف باللام تعلق الحكم بالمجموع، أو بكل جمع من الجموع ومن قولنا كل لفظ تعلقه بكل واحد من الأفراد على ما ذهب إليه من قال إن استغراق المفرد أشمل فيجوز أن يكون هذا المعنى قوله (وإن كان بين ظاهريهما فرق) لكن لا فرق فى التحقيق لما أن الحكم فى الجمع أيضًا على كل فرد من الأفراد على ما شهد به تتبع موارد الاستعمال وإطباق أئمة التفسير والأصول والنحو، وقد أشبعنا الكلام فى شرح التلخيص ويجوز أن يكون وجه الفرق أنه يعتبر فى عموم الجمع المحلى باللام الهيئة الاجتماعية بخلاف عموم كل الأفراد.
قوله: (من لطف اللَّه تعالى) يعنى من لطف اللَّه سبحانه (بعباده إحداث الوضوعات اللغوية فإنه) أى اللَّه والفاء لتفصيل ما قبلها إذ من حقه أن يعقب الإجمال (لما علم حاجة الناس إلى تعريف بعضهم بعضًا) وإعلامهم إياهم (ما فى أنفسهم) وضمائرهم (من أمر معاشهم للمعاملات والمشاركات) وذلك لأن الإنسان الواحد لا يستقل بمؤنته فى معيشته لاحتياجه فى بقائه إلى مأكل وملبس ومسكن صناعية ولا تكفيه الأمور الطبيعية للطف مزاجه وقربه من الاعتدال الحقيقى بخلاف سائر الحيوانات ثم إن تحصيلها بالصناعة لا يتم إلا بمعاونة من أبناء نوعه ومشاركة معهم ومعاملة بينهم ليشتغل كل واحد أو جماعة متعاونون ببعضها فيحصلون منه ما يكفيهم ويفضل منهم ويتعاملون بأن يعطى هذا ذاك ما فضل عنه ويأخذ منه ما يحتاج إليه مما حصله ذاك الآخر زائدًا على كفايته فينتظم أمر المعاش ولا شك أن المشاركة والمعاملة يحتاجان إلى أن يعلم بعضهم بعضًا ما فى ضمائرهم من الحوائج المتعلقة بأمر المعاش.
قوله: (وأمر معادهم لإفادة المعرفة والأحكام) أى الناس محتاجون إلى تعريف بعضهم بعضًا فى فى أنفسهم من أمر معادهم لإفادة معرفة الصانع جل جلاله بصفات ذاته وأفعاله المتعلقة بالدنيا كإرسال الرسل وإنزال الكتب أو بالعقبى كحشر الأجساد ورد الأرواح إليها وما يتبعه من الثواب والعقاب ولإفادة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعالهم وذلك لأن الإنسان مخلوق لمعرفة البارئ سبحانه وعبادته ومكلف
بهما ليسعد فى معاشه ومعاده ثم إن المعرفة لا تتم إلا بمقدمات نظرية مستندة إلى قضايا ضرورية يتوسل بها إلى المطالب والعبادة لا تتحصل إلا بمعرفة الأحكام المستندة إلى دلائلها والإنسان الواحد لا يستبد بتحصيل هذه المعارف المتعلقة بالمطلوبين بل يحتاج فيه إلى معين له من نوعه يساعده على تحصيل مرامه ولا تتصور هذه المساعدة إلا بما ذكرنا من الإعلام.
قوله: (أقدرهم) يعنى لا علم اللَّه سبحانه احتياج الناس فى تحصيل السعادة الدنيوية والدينية إلى إعلام ما فى الضمائر من أمرى المعاش والمعاد أقدرهم (على الصوت وتقطيعه) قطعًا مختلفة هى الحروف بآلات معدة لذلك من الحنجرة والعضلات والشفة وتركيبها (على وجه يدل على ما فى النفس) من المعانى المتكثرة إما بوضعها أو وضع تراكيبها الواقعة على أنحاء شتى بإزائها سواء كان ذلك الوضع من اللَّه أو من الناس فيحصل المطلوب (بسهولة لأن الصوت كيفية عارضة للنفس الضرورى) الممتد من قبل الطبيعة دون تكلف اختيارى كما أن الحروف كيفيات عارضة للصوت يصير بها قطعًا فخفت مؤنة الإعلام بها وعمت الفائدة لتناول الموضوعات اللغوية المأخوذة من القطع الصوتية (للموجود) حاضرًا كان أو غائبًا (والمعدوم) ممتنعًا كان أو ممكنًا (والمحسوس والمعقول ووجودها) عطف على قوله: لتناولها أى وجود الموضوعات (مع الحاجة) أى وقت عرضت (وانقضائها مع انقضاء الحاجة) بخلاف الكتابة لاحتياجها إلى أدوات يتعسر حضورها فى جميع الأوقات وبقائها مع الحاجة فربما يطلع على المراد من لا يراد اطلاعه عليه وبخلاف الإشارة لاختصاصها بالموجودات المحسوسة الحاضرة فلا تعم فائدتها وكذا سائر الأفعال الاختيارية لا شئ منها يتناول جميع المعانى (وفيه) أى وفى إحداث الموضوعات اللغوية (من اللطف ما لا يخفى) على المتدبر إذ بها يتوصل إلى انتظام الأحوال فى الأولى والأخرى.
قوله: (لأن التفكر) توجيه لقول المصنف فلنتكلم بالفاء يعنى إذا كان إحداثهما من لطف اللَّه وإنعامه فلنتكلم على حدها وأقسامها وطريق معرفتها وابتداء وضعها لأن التكلم عليها يستلزم التفكر فيها والتفكر فى ألطاف اللَّه تعالى والتكلم بها شكر فالتكلم المستلزم للتفكر بل الأمر به حثًا وتحريضًا متفرع على كون إحداثها من نعم اللَّه تعالى.
قوله: (على أن الحاجة) أى فلنتكلم لأن التفكر فى ألطاف اللَّه تعالى شكر مع أن الحاجة ماسة فى هذا الفن إلى التكلم فى هذه الأمور (لما مر فى) بيان استمداده من (العربية).
قوله: (ولفظ الكل) لفظ الكل يفيد العموم والاستغراق فلا يذكر فى الحد لأنه للماهية من حيث هى ولا يدخل فى الماهية من حيث هى عموم واستغراق ولأن الحد يجب صدقه وحمله على كل فرد من أفراد المحدود من حيث هو فرد له ولا يصدق الحد بصفة العموم على كل فرد وقد ذكر المصنف لفظ كل ههنا لأنه لا يحد الموضوع اللغوى بل يحد الموضوعات اللغوية بصفة العموم والاستغراق فوجب اعتبار صفة العموم (فيه) أى فى الحد وفى بعض النسخ فيها فالضمير للموضوعات والمعنى فى حدها وإنما عرف الموضوعات اللغوية لأنه قد تجرى الأحكام عليها كما يقال الموضوعات اللغوية كذا كذا فيحتاج إلى معرفتها فكأنه قال: معنى قولنا الموضوعات اللغوية كذا وكذا أن كل لفظ وضع لمعنى كذا.
قوله: (وإن كان بين ظاهريهما) أى ظاهرى المحدود الذى هو الموضوعات والحد الذى هو كل لفظ (فرق) فى العموم والاستغراق (ستعرفه) فيما بعد وهو أن الجمع المعرف باللام يستغرق جميع الأفراد بلا تفصيل بخلاف لفظ "كل" مطلقًا إلى نكرة فإنه يفيد الاستغراق التفصيلى ولهذا لو قال: للرجال عندى درهم لزمه درهم واحد ولو قال: لكل رجل عندى درهم لزمه دراهم بعدتهم وإنما قال: بين ظاهريهما لأن المتبادر من كل منهما ما ذكر فى معناه وإن جاز إرادة المعنى الآخر منه فلا يصح تعريف الموضوعات بكل لفظ إلا بارتكاب التأويل فى أحدهما وقد وقع فى بعض النسخ هكذا (وقد ذكره إما للإشعار بأنه لا يختص بقوم دون قوم أو بأنه لا يعنى به جميع ما يتكلم به قوم كما تبادر حين يقال: فلان يعرف لغة العرب لأنه عرف طار، بل يقال: لكل لفظة هذه لغة بنى تميم مثلًا وإما لأنه يحد الموضوعات اللغوية. . . إلخ) وحاصله أن الحد إما للموضوع اللغوى وذكر لفظ "كل" للإشعار بأن الحد والمحدود لا يختص بقوم دون قوم يعنى لو قال: لفظ وضع لمعنى لربما توهم أن هذا الحد إنما هو للموضوع اللغوى العربى فلما قال كل لفظ اندفع أو للإشعار بأن المصنف لا يعنى بالمحدود الذى هو الموضوع اللغوى بل اللغة جميع ما يتكلم به قوم كما يتبادر إلى الفهم فإنه إذا قيل فلان يعرف لغة
العرب يفهم منها الجميع عرفًا وإنما لا يعنى به ذلك لأنه عرف طار وأما بحسب أصل المعنى فاللغة تطلق على كل لفظة موضوعة فيقال هذه اللفظة لغة بنى تميم مثلًا وإما للموضوعات اللغوية. . . إلخ. وكأن هذه الزيادة كانت فى الأصل وضرب عليها لما فيها من التعسف الظاهر.
قوله: (ليسعد فى معاشه ومعاده)
(1)
من تأمل فيما ذكر من البيان المتعلق بالإعلامين ظهر عليه أن الأنسب بهذا المقام أن يقال: وأمر معادهم للمعرفة ولأنه قد ذكر بعد المعاش شيئين ينتظم بهما أمره وهما محوجان إلى أن يعلم بعضهم بعضًا ما فى ضمائرهم من الحوائج المتعلقة بذلك الأمر والواقع على طبقه ووزانه بالنظر إلى تقريره أن يذكر بعد المعاد أيضًا شيئان بهما ينتظم أمره وهما: المعرفة والعبادة المطلوبتان الواقعتان بالنسبة إلى ذلك الانتظام فى مرتبة واحدة وهما يحتاجان إلى إعلام الأمور التى يتحققان بها ومن جملتها معرفة الأحكام فيكون ذكر المطلوبين بعد الذكر وذكر مقدماتهما قبله ويحصل الانتظام.
قوله: (لأن الصوت كيفية عارضة للنفس) أى الصوت الذى أقدرهم اللَّه عليه ليحصل ما يحتاجون إليه من الإعلامات فإن قلت
(2)
: يفهم من قوله: إن الحروف كيفيات عارضة للصوت بها يصير قطعًا أن ملفوظًا هو المفرد وملفوظًا به هو التلفظ المتعلق بما يصدق عليه كلمة واحدة وهذا هو المفرد بعينه ولا فساد فيه.
قوله: (والتفكر فى ألطاف اللَّه تعالى والتكلم بها شكر) أى التفكر فيها والتكلم بها من حيث إنها ألطاف اللَّه تعالى شكر فإن التفكر والتكلم لو كان مجردًا عن تلك الحيثية لم يكن شكرًا كالتفكر فى خلق السموات ودقائقها مجردًا عن إثبات ذلك الخلق إلى اللَّه تعالى فإنه لا يكون ذلك التفكر شكرًا للَّه تعالى ولا يكون هذا المتفكر شاكرًا فيجب اعتبار الحيثية فى الكلام فكأنه قال: فلنتكلم على حدها وأقسامها من حيث إنها من ألطاف اللَّه تعالى.
(1)
هذا أول ما كتبه الشيخ الهروى على حاشية السيد بعد أن انقطعت كتابته أثناء القسم المنطقى فليعلم. كتبه مصحح طبعة بولاق.
(2)
قوله: فإن قلت. . . إلخ. كذا فى الأصل وتأمل هذه العبارة فإنها لا تخلو من سقط وتحريف. كتبه مصحح طبعة بولاق.
قوله: (ولا يدخل فى الماهية من حيث هى عموم واستغراق) تفصيل المقام أن لفظ الموضوعات اللغوية المذكورة فى المقام التعريف يجوز أن يراد منه مفهوم المفرد الذى هو الموضوع اللغوى والتعبير بلفظ الجمع لنكتة ومثل ذلك واقع فى التعريفات والوجهان المذكوران فى مقام التعليل يكونان باعتبار هذا المفهوم من غير اعتبار الجمعية بحسب المعنى يشعر بذلك قوله فيما بعد لأنه لا يحد الموضوع اللغوى واعترض على قوله: لأنه للماهية من حيث هى [فهذا ينافى قوله: يحد الموضوعات اللغوية بصفة العموم إذ يفهم منه أن الحد قد يكون لغير الماهية من حيث هى وإن أريد أن بعض أفراد الحد كذلك فلا ينطبق على الدعوى لأن المدعى أن لفظ "كل" لا يذكر فى شئ من الحدود وأجيب: بأن المراد هو الأول وهو موافق لقوله: ولأن الحد يجب صدقه على كل واحد وقوله: بل يحد الموضوعات اللغوية محمول على المسامحة يعنى أن الموضوعات اللغوية بصفة العموم محدودة بحسب الظاهر فوجب اعتبار العموم فى الحد أيضًا ليحصل توافق الحد والمحدود بحسب الظاهر] لا الحقيقة
(1)
يكون هناك محدود هى الماهية من حيث هى وجد عار عن اعتبار العموم فإن قلت: قوله: ولا يدخل فى الماهية من حيث هى عموم واستغراق ليس على ما ينبغى لأن عدم دخول شئ فى المحدود لا يقتضى عدم ذكره فى الحد كما فى التعريفات بالأمور الخارجة عن المحدود إذ أحد بمعنى العرف عندهم قلت: العموم والاستغراق لو كان داخلًا فى المحدود كما ذكر فى توجيه إيراد لفظ "كل" فى الحد لكان لذكره فى الحد وجه وإلا ليس حاله مثل حال سائر الأمور الخارجة عن المحدود التى بها يصح قيل هذا الوجه أعنى قوله لأنه للماهية من حيث هى مختص بما إذا حمل الحد على الحد الحقيقى، والوجه الثانى مذكور للحد بالمعنى الأعم.
المصنف: (ومن لطف اللَّه تعالى) أى: من إحسانه وإفضاله على عباده فهو صفة فعل بدليل قوله: إحداث الموضوعات وقوله: الموضوعات اللغوية أى المنسوبة للغة أى اللفظ عربيًا كان أو غير عربى.
(1)
تأمل هذا المقام إلى آخر القولة وحرر العبارة فلعلها لا تخلو من سقط وتحريف. اهـ. كتبه مصحح طبعة بولاق.
الشارح: (مبادئ اللغة) أى المبادئ التى هى من اللغة.
الشارح: (للمعاملات والمشاركات) أى أن انتظام أمر المعاش بهذين الأمرين وهما لا يحصلان إلا بتعريف ما فى الضمائر وقوله: لإفادة المعرفة والأحكام المناسب لما قبله أن يقول للمعرفة والعبادة فإن انتظام أمر المعاد بهما وهما لا يحصلان إلا بالتعريف والإعلام.
التفتازانى: (لكن لا يخفى. . . إلخ) اعتراض على الشارح فى جعل قوله: فلنتكلم. . . إلخ. مفرعًا على كون إحداث الموضوعات من لطف اللَّه تعالى باعتبار تضمنه التفكر فيها.
قوله: (إذ من حقه أن يعقب الإجمال) أى فاستعملت فيه الفاء التى للتعقيب لذلك.
قوله: (للطف مزاجه) قد عرفوا المزاج بأنه كيفية متشابهة تحصل من تفاعل عناصر متصغرة الأجزاء المتماسة بحيث تكسر سورة كل سورة الآخر فالعناصر المختلفة الكيفية التى هى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة إذا تصغرت أجزاؤها جدًّا واختلطت اختلاطًا تامًّا حتى حصل التماس الكامل بين أجزائها فعل صورة كل فى مادة الآخر فكسرت منه سورة كيفيته المضادة لكيفيتها حتى نقص العنصر البارد بفعل سورته من حر العنصر الحار فتزول تلك الكيفية التى هى الحرارة الشديدة من ذلك الحار ويحصل كيفية حر أقل تستبرد بالنسبة إلى الحار وتستحر بالنسبة إلى البارد وكذلك ينقص العنصر الحار بفعل سورته من برد العنصر البارد فيحصل برد أقل كما تقرر فإذا اشتد التأثير حتى حصل فى جميع الأجزاء كيفية متشابهة متوسطة هى فى درجة واحدة من الدرجات غير المتناهية بالقوة أعنى الدرجات التى هى بين غاية الحرارة وغاية البرودة وحصل التشابه بين الأجزاء فى نفس الأمر فتلك الكيفية هى المزاج ثم إن المزاج المعتدل الحقيقى ما كانت المقادير من الكيفيات الأربعة الحاصلة فيه متساوية متقاومة حتى يحصل كيفية عديمة الميل إلى الطرفين المتفاوتين فتكون على حاق الوسط بينهما قالوا وهو يندر وجوده وما ليس معتدلًا حقيقيًا إن غلب عليه من الأجزاء والكيفيات ما ينبغى له فهو المعتدل بحسب الطب وهو موجود وإلا فغير معتدل واتفقوا على أن أعدل أنواع المركبات أى أقربها بحسب المزاج إلى الاعتدال الحقيقى نوع الإنسان لأن النفس الإنسانية
أشرف وأكمل ولا بخل فى إفاضة المبدأ بل هى بحسب استعدادات القوابل فاستعداد الإنسان بحسب مزاجه أشد وأقوى فيكون إلى الاعتدال الحقيقى أقرب كذا يؤخذ من المواقف وشرحه.
قوله: (أو جماعة متعاونون) راعى المعنى فأتى بالصفة جمعًا مرفوعًا ثم تعاون الجماعة هو الاشتراك.
قوله: (ولا شك أن المشاركة) أى الحاصلة للجماعة المتعاونين فى تحصيل أمر بالاشتراك وقوله والمعاملة أى من الواحد أو تلك الجماعة للغير.
قوله: (لإفادة المعرفة) جارى الشارح فيه أن الإفادة هى الإعانة لا أن الإعانة لها وإنما الذى الإعانة له المعرفة باللَّه وصفاته والعبادة كما يدل عليه قوله بعد وذلك لأن الإنسان. . . إلخ.
قوله: (أو وضع تراكيبها) فيه سقط واو العطف والأصل: أو وضع تراكيبها أى أو وضعها ووضع تراكيبها بناء على أن المركبات موضوعة وضعًا نوعيًا.
قوله: (أو من الناس) ولا ينافى ذلك أن إحداث الموضوعات من اللَّه لأنه الخالق لأفعال العباد والغرض من هذا التعميم الرد على من زعم أن قوله: أقدرهم على الصوت. . . إلخ. يقتضى أن اللغات ليست توقيفية.
قوله: (فيحصل المطلوب بسهولة) أشار إلى أن قوله بسهولة متعلق بمحذوف لا بقوله يدل على ما فى النفس.
قوله: (كما أن الحروف. . . إلخ) لو جعل الضمير فى: لأنه كيفية. . . إلخ. راجعًا إلى الصوت الذى أقدرهم اللَّه عليه لتحصيل ما يحتاجون إليه لم يحتج إلى قوله: كما أن. . . إلخ. ثم قوله كما أن الحروف كيفيات عارضة للصوت فيه أنه يلزم قيام العرض بالعرض وأجازه الحكماء.
قوله: (والتفكر فى ألطاف اللَّه) أى من حيث كونها ألطافًا له لأن التفكر فى ألطاف اللَّه تعالى مجردًا عن تلك الحيثية ليس بشكر ثم إن هذا الحل يفيد أن التكلم بها وما يستلزمه من التفكر مع اعتبار الحيثية المذكورة شكر وحمل بعضهم التكلم على التكلم النفسى وهو التفكر وقوله: مع أن الحاجة. . . إلخ. أى أن التفريع صحيح لهذين الأمرين خلافًا للسعد حيث جعله للثانى فقط.
قوله: (ولأن الحد. . . إلخ) أى فالعلتان كل منهما لعدم ذكر كل فى الحد خلافًا للسعد.
قوله: (أن "كل" لفظ وضع لمعنى كذا) المناسب لما ذكره أولًا أن يزيد: وكذا.
قوله: (يستغرق جميع الأفراد بلا تفصيل) هو ما قال السعد يعتبر فيه الهيئة الاجتماعية وهو غير المجموع الذى ذكره السعد كما يؤخذ من جعله مقابلًا له.
قوله: (بل اللغة) أى بل لا يعنى باللغة.
قال: (أقسامها مفرد ومركب فالمفرد اللفظ بكلمة واحدة وقيل: ما وضع لمعنى ولا جزء له يدل فيه والمركب بخلافه فيهما فنحو بعلبك مركب على الأول لا الثانى ونحو يضرب بالعكس ويلزمهم أن نحو ضارب ومخرج مما لا ينحصر مركب).
أقول: الموضوعات اللغوية تنقسم إلى: مفرد ومركب فالمفرد اللفظ بكلمة واحدة أى الملفوظ الذى لفظ فيه بكلمة واحدة ومعنى الوحدة معلوم عرفًا.
وقال المنطقيون: ما وضع لمعنى وليس له جزء يدل فيه أى يدل على شئ حين هو جزؤه وداخل فيه فنحو: عبد اللَّه وبعلبك وتأبط شرًّا أعلامًا مركب على الأول لكونه أكثر من كلمة مفرد على الثانى إذ أجزاؤه لا تدل فيه وأن دلت مفردة أو فى وضع آخر ونحو يضرب وأخواته بالعكس أى مفرد على الأول إذ يعدّ حرف المضارعة مع ما بعده كلمة واحدة مركب على الثانى لأن حروف المضارعة جزء لها وتدل فيه على المتكلم ونحوه والمنطقيون يلزمهم أن نحو: ضارب ومخرج وسكران مما لا ينحصر مركب لأن جوهر الكلمة جزء منه ويدل فيه ما ضم إليه من الحروف والحركات جزء آخر ويدل فيه اللهم إلا أن يريدوا الأجزاء التى هى ألفاظ مترتبة وفيه تمحل ولا يشعر به الحد فيفسد.
قوله: (اللفظ بكلمة واحدة) ذهب الشارحون إلى أن معناه اللفظ بشرط أن يكون كلمة واحدة بمعنى أنه لا يشتمل على لفظين موضوعين، ولا يخفى أن ذكر اللفظ مستدرك وزاد الشارح العلامة أن اللام فى اللفظ للعهد أى اللفظ الموضوع اللغوى، والاستدراك فيه أكثر وتأويل الشارح المحقق أقرب لفظًا وإن كان الاستدراك بحاله مع اقتضائه أن يكون هناك ملفوظ وملفوظ به وليس كذلك، ويرد على كل منهما أنه إن أريد الكلمة اللغوية على ما يشمل الكلام والزائد على حرف واحد وإن كان مهملًا على ما صرح به فى المنتهى لم يطرد، وإن أريد الكلمة النحوية التى هى اللفظ الموضوع المفرد كان دورًا، وغاية ما يمكن أن يقال: إنه تفسير لفظى لمن يعرف مفهوم الكلمة ولا يعرف أن اللفظ المفرد بإزاء أى معنى وضع.
قوله: (يدل فيه) ذهب الشارحون إلى أن الضمير للمعنى أى ليس له جزء يدل
على شئ فى ذلك المعنى ولا يخفى بعده، وحسن ما ذهب إليه المحقق من أن جعل الضمير لما وضع أعنى اللفظ بمعنى أنه لا جزء له يدل على شئ حال كونه جزءًا من ذلك اللفظ؛ وإن جاز أن يدل فى حال آخر ولا خفاء فى أن المراد الدلالة الوضعية وإلا فلحروف المفرد دلالة عقلية فى الجملة.
قوله: (فنحو عبد اللَّه) يعنى أن العلم المنقول من المركب الإضافى أو المزجى أو الإسنادى مركب على التفسير الأول لأنه ليس لفظًا بكلية واحدة بل بكلمتين لأن الأجزاء منها ألفاظ موضوعة تعد فى العرف كليات، ولهذا قالوا: المركبات كل اسم من كلمتين ليس بينهما نسبة وكأن المراد بالكلمة الواحدة ما لا يكون أجزاؤه كليات لا حال كونها أجزاء ولا قبل ذلك لكنه يشكل بما أطبق عليه النحاة من أنه اسم وكل اسم كلمة وكل كلمة مفرد، والجواب أن المفرد المأخوذ فى تعريف الكلمة غير المفرد بهذا المعنى؛ وأما على التفسير الثانى فمثل هذه المركبات مفرد لعدم دلالة أجزائها على شئ حال كونها أجزاء، أما إذا اشترط فى الدلالة القصد والإرادة فظاهر، وأما إذا لم يشترط فلعدم فهم المعانى الأصلية عند القرينة الدالة على أنها مستعملة فى المعانى العلمية للقطع بأن عبدًا فى عبد اللَّه بمنزلة إن من إنسان ولا قائل فيه بالتركيب ودلالة إن على الشرط نعم أنها تدل حالة الانفراد وعدم جعلها أجزاء من الأسماء الأعلام، ولا خفاء فى أن ذلك موضوع آخر البتة فجعل قوله أو فى وضع آخر قسيمًا لقوله مفردة ليس على ما ينبغى، اللهم إلا أن يراد وضع آخر لذلك المركب بحيث تدل فيه الأجزاء وإن لم تكن مفردة لكن لا يخفى أن قوله: أو فى وضع آخر مغن من قوله مفردة.
قوله: (ونحو يضرب وأخواته بالعكس) فعند النحويين لا يمتنع دلالة جزء الكلمة الواحدة على شئ فى الجملة، ثم فيما ذكر الشارح إشارة إلى أنه لا فرق فى هذا المعنى بين المضارع الغائب وغيره على ما توهمه ابن سينا، فإن قيل حرف المضارعة علامة على أن فى الفعل ضميرًا يدل على المتكلم ونحوه لا أن الحرف يدل على المتكلم مثلًا والفعل مع الضمير مركب بالاتفاق، قلنا: كونها علامة ليس إلا بالوضع وكفى بهذا دلالة.
قوله: (والمنطقيون يلزمهم) يعنى أن هذا لازم عليهم وإن لم يقولوا به ولذا خص الإلزام بذلك دون ضرب ونحوه؛ لأنهم ربما يلتزمون كونه مركبًا حتى ذهب
بعضهم إلى أنه لا فعل فى لغة العرب بل كل ذلك مركبات، والجمهور اعتذروا عن مثل هذا الإلزام بأن المراد بالأجزاء ألفاظ أو حروف أو مقاطع مسموعة مترتبة متقدم بعضها على بعض والمادة مع الهيئة ليست كذلك فدفعه الشارح بأنه إرادة ما لا يفهم من اللفظ، ولا نعنى بفساد الحد سوى ما هذا واقتصر على ذكر اللفظ لشموله الحرف والمقطع لأنه حرف مع حركة أو حرفان ثانيهما ساكن على ما صرح به ابن سينا فى المويسيقى والفارابى فى كتاب الألفاظ والحروف؛ لكنهم أرادوا بالحرف ما لا حركة معه وباللفظ ما فيه تركيب فوق القطع، ولا يخفى أن اعتذارهم إنما هو فى المادة مع الهيئة لا فى المادة وما يضم إليها من الحروف والحركات، فإنها ربما تكون مترتبة وكأنه أشار إلى أن الهيئة ليست شيئًا غير الحروف والحركات المنضمة إلى المادة وهى بمجموعها لا يتصور ترتبها مع المادة.
قوله: (الموضوعات اللغوية تنقسم إلى مفرد ومركب) ويريد انقسام الكل إلى أجزائه ودليل الانحصار يعرف من مفهوميهما.
قوله: (أى الملفوظ) ظاهر تعريف المصنف للمفرد يقتضى أن المفرد هو التلفظ بكلمة واحدة وليس بصحيح فإنه اللفظ الذى هو كلمة واحدة لا التلفظ بها ففسره بأن اللفظ بمعنى الملفوظ وفسر الملفوظ بالذى لفظ ليظهر تعلق حرف الجر به فالمفرد هو الذى لفظ بكلمة واحدة فإن أى صار هو ملفوظًا بتلفظ كلمة واحدة ومآله أنه لفظ هو كلمة واحدة فإن ما يصير ملفوظًا بتلفظ كلمة واحدة لا بد أن يكون كلمة واحدة والمراد من الكلمة هى اللغوية (ومعنى الوحدة) التى ضمت إلى الكلمة (معلوم عرفًا) فإن ضرب مثلًا كلمة واحدة فى عرف اللغة بخلاف ضرب زيد فلا حاجة إلى تفسير الكلمة الواحدة لغة بما لم يشتمل على لفظين موضوعين ولا خفاء فى اعتبار قيد الوضع فى تعريف المفرد وإن لم يصرح به اعتمادًا على ما علم من كونه قسمًا للموضوعات اللغوية فلا ينتقض بالمهملات على أنا لا نسلم أن المهمل تطلق عليه الكلمة فى عرف اللغة وقال المنطقيون المنفرد ما وضع أى لفظ وضع لمعنى وليس لذلك اللفظ جزء يدل فيه أى يدل ذلك الجزء على شئ حين هو جزء داخل فيه والمركب بخلاف المفرد بحسب التعريفين فهو على الأول اللفظ بأكثر من كلمة واحدة ومحصله كما عرفت لفظ هو أكثر من كلمة واحدة
وسيصرح به الشارح وعلى الثانى هو ما وضع لمعنى وله جزء يدل فيه ولم يتعرض للمركب فى الشرح لظهوره (فنحو عبد اللَّه) من التراكيب الإضافية (وبعلبك) من المركبات المزجية (وتأبط شرًّا) مما يشتمل على النسب الحملية حال كونها (أعلامًا مركب على) التعريف (الأول لكونه) أى لكون مثل هذه الأمور المذكورة (أكثر من كلمة) واحدة (مفرد على) التعريف (الثانى إذ أجزاؤه لا تدل فيه) أى حين هى أجزاؤه وداخلة فيه على شئ أصلًا (وإن دلت) تلك الأجزاء (مفردة) أى حال انفراد بعضها عن بعض فإن هذه الدلالة ليست حين هى أجزاء له أوان دلت تلك الأجزاء مجتمعة أى حال اجتماع بعضها مع بعض لكن بحسب وضع آخر غير وضع العلمية فإن هذه الدلالة ليست من حيث هى أجزاء له أيضًا.
قوله: (إذ بعد حرف المضارعة مع ما بعده كلمة واحدة) أى عرفًا.
قوله: (مما لا ينحصر) أى من الأسماء بل الألفاظ المشتقة (فإن جوهر الكلمة) أعنى حروفها الأصول المأخوذة من المشتق منه التى تسمى مادة الكلمة (جزء منه) أى من نحو ضارب (ويدل فيه) على معنى المشتق منه (وما ضم إليه) أى إلى الجوهر (من الحروف) الزائدة (والحركات) على الوجه المخصوص التى تسمى صورة الكلمة (جزء آخر ويدل فيه) على معنى آخر يضم إلى معنى المشتق منه فإن لفظ ضارب مثلًا يدل بجوهره على الضرب وبصورته على ذات ما اتصفت به والتزام كون أمثال ضارب مركبًا بعيد.
قوله: (اللهم) إشارة إلى ما ذكروه من أن المراد بالأجزاء ألفاظ مترتبة فى السماع ولا ترتب للمادة مع الصورة فيه إذ تسمعان معًا ورد له بأنه تمحل أى احتيال لتصحيح الكلام (ولا يشعر به) أى بما ذكر من الأجزاء المخصوصة (الحد) لأن الجزء أعم من الجزء المترتب وغيره ولا دلالة للعام على الخاص (فيفسد) الحد إذ يجب أن يستعمل فيه ما هو ظاهر الدلالة على المراد كما تقدم.
قوله: (صار هو ملفوظًا بتلفظ كلمة واحدة) فاندفع ما يقال من أنه يقتضى أن يكون ملفوظًا به لكن هذا القائل يريد أنه يلزم أن يكون ملفوظ هو المفرد وملفوظ به يغاير ذلك المعنى والكلمة الواحدة فإن الفساد يلزم على هذا التقدير وإذا قيل هنا تقدير مضاف أى صار ملفوظًا بتلفظ كلمة واحدة اندفع الفساد إذ اللازم القول
بأن فهم كل واحد من الجزأين بعينه فهم الكل لأن لكل واحد من الجزأين حصولًا مغايرًا بالذات لحصول الجزء الآخر.
قوله: (على أنا لا نسلم أن المهمل. . . إلخ) على تقدير عدم إطلاق الكلم فى عرف اللغة على المهمل يجب أن يقال فى تفسير الكلمة الواحدة بما لم يشتمل على لفظين موضوعين أى لفظ موضوع لم يشتمل على لفظين موضوعين ليخرج عن تفسير الكلمة أيضًا الألفاظ المهملة.
قوله: (ليست من حيث هى أجزاء له) أى أجزاء لهذا اللفظ بحسب ذلك الوضع فيجوز عند اللَّه له أجزاء دالة على ذلك لكن ليس له جزء دال من حيث هو جزء له أى بحسب وضع مخصوص وإن اعتبر الوضع التركيبى يصدق أن له جزءًا دالًا من حيث هو جزء له أى بحسب وضع مخصوص آخر.
قوله: (من الحروف الزائدة والحركات) الاسم الذى هو مثل ضارب ومخرج له مادة هى حروفها الأصول وأمور زائدة هى الحروف الزائدة والحركات وتقدم البعض وتأخر البعض والسكون فإن كانت الصورة هى المجموع المركب من تلك الأمور فلا نسلم أنها لفظ وإن كانت عبارة عن الحروف الزائدة والحركة بشرط الوقوع على الوجه المخصوص من التقديم والتأخير وغيره فلا نسلم أنها دالة بل الدال هو المجموع فلا بدَّ من القول بأن مجموع المادّة وتلك الأمور لفظ فى عرفهم أو بأن الدال هو الحروف فقط وغير ذلك شرط لأن الحركة داخلة فى اللفظ باعتبار أن الضمة بعض من الواو والفتحة بعض من الألف والكسرة بعض من الياء.
التفتازانى: (ولا يخفى أن ذكر اللفظ مستدرك) أى لأنه يكفى أن يقال: المفرد هو الكلمة الواحدة.
التفتازانى: (والاستدراك فيه أكثر) أى لأن اعتبار الوضع فى اللفظ يغنى عنه اعتباره فى الكلمة لكن هذا لا يظهر إلا إذا حملت الكلمة على الكلمة النحوية لا اللغوية لشمولها للمهمل كما سيأتى.
التفتازانى: (على ما يشمل الكلام) أى المطلقة وضعًا على ما يشمل الكلام لأن الكلمة تطلق على الكلام وقوله: لم يطرد أى لدخول الكلام والمهمل فى المفرد
مع أنهما ليسا مفردين.
التفتازانى: (كان دورًا) أى لأخذ المفرد فى تعريف المفرد.
التفتازانى: (وغاية ما يقال: إنه تفسير لفظى. . . إلخ) أى: والكلمة يراد بها النحوية لكن يرد أن يقال: إنه إذا عرف الكلمة النحوية لا يجهل النسبة بينها وبين المفرد.
التفتازانى: (ولا يخفى بعده) أى لأن المتبادر عود الضمير إلى ما وضع.
التفتازانى: (ولهذا قالوا المركبات كل اسم. . . إلخ) لعل هنا سقطًا وأصله: المركبات المنقولة أعلامًا كل اسم. . . إلخ. وقوله: ليس بينهما نسبة أى مقصودة حال العلمية وإن كان قد يكون بينهما نسبة فى الأصل ووجه الاستدلال بما قالوه أنهم قد جعلوا الاسم مركبًا من كلمتين.
التفتازانى: (لكنه يشكل. . . إلخ) أى لاقتضائه أن الأعلام المذكورة من قبيل المفرد لا المركب وقد يجاب بمنع قوله وكل اسم كلمة ولا ينافى ذلك أن الاسم قسم من الكلمة إذ يجوز أن يكون القسم أعم من المقسم من وجه، وقوله: غير المفرد بهذا المعنى فالمفرد فى تعريف الكلمة بمعنى ما لا يدل جزؤه على جزء معناه دلالة مقصودة، والمفرد المعرف ما نطق به مرة واحدة عرفًا وفيه أن اصطلاح النحاة لا يخالف اصطلاح أهل اللغة فليس المفرد فى تعريف الكلمة مرادًا منه ما لا يدل جزؤه على جزء معناه فالإشكال باق.
التفتازانى: (فعند النحويين. . . إلخ) أى لأنهم يقولون فى: يضرب وأخواته أنه مفرد.
التفتازانى: (ثم فيما ذكره الشارح إشارة إلى أنه لا فرق. . . إلخ) حاصل المقام أن المذاهب فى المضارع وأخواته ثلاثة؛ أحدها ما قاله الشارح أن المضارع المبدوء بالياء والمبدوء بغيرها مفرد وهو الحق، ثانيها أن الكل مركب ونسب إلى الحكماء، ثالثها التفصيل بين المبدوء بالياء وغيره فالمبدوء بالياء مفرد وغيره مركب ووجه ما قاله الحكماء أن المضارع مطلقًا يدل جزؤه وهو حرف المضارعة على موضوع معين فى غير ذى الياء هو المتكلم وحده أو مع غيره والمخاطب وغير معين فى ذى الياء وهو الغائب والجواب عنه منع دلالة حرف المضارعة بانفراده على شئ بل المجموع على المجموع لأن المجموع موضوع لمجرد فعل الحال أو الاستقبال أولهما على
سبيل الاشتراك لموضوع خاص أعنى أنه موضوع لفعل المتكلم وحده إن كان بالهمزة وله مع غيره إن كان بالنون ولفعل المخاطب إن كان بالتاء ولنفعل الغائب إن كان بالياء وضعًا تضمنيًا فليس هنا كلمتان بوضعين فهى مفردات بخلاف ضربت لاستقلال تائه بالإسناد وإن لم تكن مستقلة فى اللفظ فالتاء ضربت ليست كالتاء فى: تضرب سواء كانت للمخاطب أو للغائبة لأنها ليست دالة على مسند إليه بوضع على حدة بل ولا على غيره من المعانى على سبيل الاستقلال فيكون مفردًا؛ لأنه ليس لجزئه دلالة على معنى بوضع مستقل وجعله مركبًا إن كان لإسناده معناه إلى تائه فخلاف ما عليه أهل اللغة لإجماعهم على أنه لا إسناد إلى حرف من حروف المضارعة وكيف لا وكون الشئ مسندًا إليه من خواص الأسماء وحروف المضارعة حروف مبانٍ فضلًا عن أن تكون حروف معان فضلًا عن أن تكون أسماء وإن كان كونه مركبًا لتركبه مع المستتر فيه وهو أنت للمخاطب وهى للغائبة فقد علمت أن المضارع موضوع لفعل الحال أو الاستقبال أولهما لموضوع خاص من متكلم أو مخاطب أو غائب لا له مع إسناده إلى الضمير المستكن فيه وليس الكلام إلا فى المضارع مع قطع النظر عن إسناده إلى شئ، لكن يرد أن يقال: إنما يلزم انتفاء كون يضرب وأخواته مركبة عندهم إذا قيل بالتركيب فى ذلك لما ذكر من الأمرين لا غير، وأما إذا قيل بالتركيب فى المضارع المبدوء بالياء وأخواته لكون حروف المضارعة فيه أجزاء مسموعة مرتبة دالة على المعانى المذكورة لم يلزم انتفاء التركيب.
التفتازانى: (على ما توهمه ابن سينا) أى توهم الفرق بين المبدوء بالياء والمبدوء بغيرها وكأن الفرق أن الغيبة مستفادة من أصل الفعل المضارع وهو الماضى.
التفتازانى: (فإن قيل حرف المضارعة. . . إلخ) حاصل الإشكال أنه إن أريد الفعل مع الفاعل المستتر فمركب اتفاقًا لا أنه مركب على الثانى لا الأول كما قال وإن أريد أن حرف المضارعة علامة على أن فى الفعل ضميرًا يدل على المتكلم ونحوه لا على التكلم ونحوه فلا تركيب أصلًا فلا يصح أن يكون مركبًا على الثانى لا الأول كما قال وحاصل الجواب أن المراد هو الثانى وهو مركب لأن كونه علامة ليس إلا بالوضع فيدل جزؤه على جزء معناه فيكون مركبًا على الثانى لا الأول كما قال، وقوله: لا أن الحرف يدل. . . إلخ. أى كما قاله الشارح،
وقوله: والفعل مع الضمير مركب مرتبط بقوله: على أن فى الفعل ضميرًا.
التفتازانى: (لا فعل فى لغة العرب لأن الفعل كلمة) أى قول مفرد ومثل ضرب ليس كلمة لتركبه من المادة والصيغة وأما فى لغة غير العرب ففيها الفعل لأنه عندهم للحدث فقط ويدل على الزمان بلفظ آخر.
قوله: (يعرف من تعريفيهما) أى من تعريف المنفرد بأنه الكلمة الواحدة والمركب بأنه الأكثر من كلمة واحدة أو تعريف المفرد بأنه ما لا يدل جزؤه على جزء معناه دلالة مقصودة والمركب بأنه ما دل جزؤه على جزء معناه دلالة مقصودة يعرف دليل الانحصار.
قوله: (فالمفرد هو الذى لفظ بكلمة واحدة. . . إلخ) وعليه لا يرد أن هناك ملفوظًا وملفوظًا به لكن هذا ظاهر على النسخة التى ليس فيها لفظ فيه أما على التى بأيدينا التى نصها هكذا أى الملفوظ الذى لفظ فيه بكلمة واحدة فإيراد أن هناك ملفوظًا وملفوظًا به ثابت.
قوله: (فلا حاجة إلى تفسير الكلمة الواحدة لغة بما لم يشتمل. . . إلخ) أى كما صنع السعد ولا يرد أن الكلمة لغة تشمل الكلام فيكون التعريف غير مطرد لخروج الكلام بوصف الكلمة بواحدة لغة وعرفًا، وقوله: ولا خفاء فى اعتبار قيد الوضع. . . إلخ. أى فاندفع شمول الكلمة لغة للمهمل فيصير التعريف غير مطرد كما قال السعد، ولذا قال السيد: فلا ينتقض بالمهملات.
قوله: (وسيصرح به الشارح) أى فى قوله: لأنه أكثر من كلمة.
قال: (وينقسم المفرد إلى اسم وفعل وحرف).
أقول: اللفظ الفرد ينقسم إلى اسم وفعل وحرف ووجه الحصر مشهور وهو أنه إما أن يستقل بالمفهومية أو لا الثانى الحرف والأول إما أن يدل بهيئته على أحد الأزمنة الثلاثة أو لا الثانى الاسم والأول الفعل وقد علم بذلك حد كل واحد منها للإحاطة بالمشترك وهو الجنس وبما به يمتار كل عن الآخر وهو الفصل.
قوله: (إما أن يدل بهيئته) إشارة إلى أن هذا القيد مراد فى تعريف النحاة وإن لم يصرحوا به احترازًا عما يدل على الزمان بجوهره كالأمس والغد، وهذا مع أنه تمحل كما ذكره الآن إنما يصح فى لغة العرب.
قوله: (إما أن يستقل بالمفهومية أو لا) سيأتى تحقيق هذا المعنى فيما بعد.
قوله: (إما أن يدل بهيئته على أحد الأزمنة الثلاثة) فيه بحث وهو أنهم زعموا أن دلالة الأفعال على الأزمنة إنما هى بمجرد هيئاتها وصيغها واستدلوا على ذلك باختلاف الأزمنة عند اختلاف الصيغ وإن اتحدت المادة نحو ضرب يضرب واتحاد الأزمنة عند اتحاد الصيغ وإن اختلفت المادة نحو ضرب وطلب وفى المقدمتين نظر أما فى الأولى فلأن تصاريف الفعل الماضى كضرب وضربوا صيغ مختلفة مع اتحاد الزمان بل المجهول والعلوم كضرب وضرب مختلفان صيغة قطعًا ولا يختلف الزمان، وأما فى الثانية فلأن المضارع يدل تارة على الحال وأخرى على الاستقبال اشتراكًا على المذهب الصحيح فالصيغة واحدة والزمان مختلف وأيضًا اتحاد الزمان مع اتحاد الصيغة واختلاف المادة لا يدل على استناد الزمان إلى الصيغة لإمكان استناده إلى المواد المختلفة ضرورة جواز اشتراك المختلفات فى أمر واحد.
قوله: (وقد علم بذلك حد) لأن هذا تقسيم حقيقى للكلى إلى جزئياته فلا بد هناك من أمر مشترك بينها هو القسم ومن أمر مختص ينضم إليه به يمتاز كل عن مشاركاته فى ذلك المشترك وإنما قال وهو الجنس وهو الفصل مع احتمال أن يكون المقسم والميز عرضيين للأقسام بناء على أن المراد ههنا هو هذه المفهومات الاصطلاحية ولا شك أن المشترك بينها جنس والمميز فصل بخلاف الماهيات الحقيقية.
قوله: (ضرورة جواز اشتراك المختلفات فى أمر واحد) فإن قلت: يجب أن ينضم إلى هذه المقدمة مقدمة أخرى وهى أن الشئ الواحد يجوز أن يستند إليه الأمور المختلفة فجاز أن يستند إلى مادة واحدة الأزمنة المتخالفة وإن كان ذلك بمعونة من الهيئة كالاستناد الأول لأن دليل الخصم مركب قلت يلزم من المقدمة الثانية بيان ذلك أن مثل ضرب وطلب ونصر وغير ذلك لها مواد مختلفة وهيئة واحدة ودالة على الزمان الماضى وأيضًا مثل يضرب ويطلب وينصر وغير ذلك لها مواد مختلفة وهيئة واحدة ودالة على الحال والاستقبال وإذا جاز اشتراك المختلفات فى أمر واحد جاز أن تستند الدلالة على الزمان الماضى إلى مواد الأفعال المذكورة أولًا وأن تستند الدلالة على الحال والاستقبال إلى مواد الأفعال المذكورة ثانيًا ولزم من ذلك جواز استناد أمرين مختلفين إلى شئ واحد فجاز استناد الدلالة على الأزمنة إلى مادة واحدة لأنه يلزم مما ذكر أن مادة ضرب تدل على الزمان الماضى ومادة يضرب على الحال والاستقبال وكذا غيرهما فيلزم جواز استناد الدلالة على الأزمنة إلى مادة واحدة وإذا استندت الدلالة على الزمان إلى المادة وإن كان ذلك بمعونة الصيغة يبطل ما ذكره من أن دلالة الأفعال على الأزمنة إنما هى بمجرد هيئاتها.
التفتازانى: (وهذا مع أنه تمحل كما ذكره الآن) أى فى الجواب عما لزم المنطقيين فى تعريف المركب فهذا احتيال على تصحيح الكلام ولا يشعر بهذا القيد تعريف الفعل الذى ذكروه فيفسد التعريف كما تقدم، وقول التفتازانى إنما يصح فى لغة العرب أى دون لغة العجم؛ لأن قولك أبد وأمد متحدان فى الصيغة مختلفان بالزمان؛ فقول بعض المصنفين فى المنطق إن ما دل بهيئته على أحد الأزمنة كلمة، وعند النحاة فعل يرد عليه أن نظر المنطقى لا يخص لغة دون لغة، وأجاب السيد بأن الاهتمام باللغة العربية التى دون بها هذا الفن غالبًا فى زماننا أكثر ولا بعد فى اختصاص بعض الأحوال بهذه اللغة.
قوله: (وإن اتحدت المادة) الواو للحال وإن زائدة وكذا يقال فى قوله بعد وإن اختلفت المادة وقوله: كضرب ضربا ضربوا صيغ مختلفة فيه أن هذه ليس فيها اختلاف صيغ لأن الصيغة هى الصفة الحاصلة للحروف الأصلية باعتبار ترتيبها فى
اللفظ، وباعتبار الحركات والسكنات التى لها اختصاص بتلك الحروف والاختلاف فيما ذكر إنما هو لعارض اللواحق فالصيغة فيما ذكره واحدة وقوله: بل المجهول والمعلوم فيه أيضًا أن الاختلاف إنما هو لعارض البناء للمجهول والمعلوم وقوله فلأن المضارع. . . إلخ فيه أن المراد أن الزمان لا يختلف عند اختلاف المادة مع اتحاد الصيغة فيضرب مثلًا زمانه متحد مع زمان يقول مثلًا وهو إما الحال أو الاستقبال وقوله: وأيضًا اتحاد الزمان. . . إلخ يقال مثله بالنسبة للمقدمة الأولى إذ يجوز استناد الأمور المتعددة إلى شئ واحد.
قال: (ودلالته اللفظية فى كمال معناها دلالة مطابقة وفى جزئه دلالة تضمن وغير اللفظية التزام وقيل إذا كان ذهنيًا).
أقول: الدلالة الوضعية منها: لفظية، بأن ينتقل الذهن من اللفظ إلى المعنى ابتداء وهى واحدة لكن ربما تضمن المعنى الواحد جزأين فيفهم منه الجزءان وهو بعينه فهم الكل فالدلالة على الكل لا تغاير الدلالة على الجزأين مغايرة بالذات بل بالإضافة والاعتبار وهى بالنسبة إلى كمال معناها تسمى مطابقة وإلى جزئه تضمنًا.
ومنها: غير لفظية بل عقلية، بأن ينتقل الذهن من اللفظ إلى معناه ومن معناه إلى معنى آخر وهذا يسمى التزامًا وقيل: إن كان المدلول لازمًا ذهنيًا للمسمى وإلا فلا فهم فلا دلالة ويرد عليهم أنواع المجازات والتحقيق فيه أنه فرع تفسير الدلالة وأنه هل يشترط فيها أنه مهما سمع اللفظ مع العلم بالوضع فهم المعنى أم لا بل يكفى الفهم فى الجملة.
واعلم أن قوله: فى كمال معناها. الضمير فيه للدلالة اللفظية وهو خلاف المشهور فإن المعنى يضاف إلى اللفظ لا إلى الدلالة وأراد به التنبيه على أن المعنى لا ينسب إلى اللفظ إلا باعتبارها وعلى أن الدلالة واحدة وتختلف التسمية باعتبار ما تنسب إليه وأن التضمن فى ضمن المطابقة.
وما يقال: إنه يتبعها توسع قيل ذلك ما كان القصد فى الوضع إلى معرفة المجموع هذا وقد قال فى المنتهى أكثر ما يطلق اللفظ على مدلول مغاير مثل جاء زيد وقد يطلق والمراد اللفظ مثل زيد مبتدأ وزيد ز ى د لأنهم لو وضعوا له لأدى إلى التسلسل ولو سلم فإذا أمكن بنفسه كان الوضع له ضائعًا وقد يكون المدلول لفظًا آخر كالكلمة والاسم والفعل والحرف والجملة والكلام والشعر لأنهم لو لم يضعوا لها لطال فى التعميم والتنكير معًا.
ومن هذا كلامه لا يبعد أن يحترز بقوله: فى كمال معناها عن دلالتها إذا أريد بها نفس اللفظ لأنها ليست دلالة فى معناها بل فى لفظها.
قوله: (الدلالة الوضعية) إشارة إلى أن المراد تقسيم الدلالة التى يكون للوضع مدخل فيها إذ لا يضبط غيرها، وضمير دلالته للمفرد إلا أن الحكم فى المركب يعرف بالمقايسة وتسمى المطابقة والتضمن لفظية لأنهما ليستا بتوسط الانتقال من
معنى بل من نفس اللفظ بخلاف الالتزام فهذا حكم بأنها واحدة بالذات إذ ليس ههنا إلا فهم وانتقال واحد يسمى باعتبار الإضافة إلى مجموع الجزأين مطابقة وإلى أحدهما تضمنًا، وليس فى التضمن انتقال إلى معنى الكل ثم منه إلى الجزء كما فى الالتزام ينتقل من اللفظ إلى اللزوم ومنه إلى لازمه فيتحقق فهمان ومبنى هذا التحقيق على أن التضمن فهم الجزء فى ضمن الكل، والالتزام فهم اللازم بعد فهم الملزوم حتى إذا استعمل اللفظ فى الجزء أو اللازم مع قرينة مانعة عن إرادة المسمى لم يكن تضمنًا والتزامًا بل مطابقة لكونها دالة على تمام المعنى أى ما عنى باللفظ وقصد، اللهم إلا أن يقال: المسمى فى هذه الحالة مفهوم ومدلول وإن لم يكن مرادًا بناء على أنه لا يشترط فى الدلالة القصد والإرادة، وبهذا يشعر قوله ويرد عليهم أنواع المجازات يعنى غير نوع استعمال الكل فى الجزء واستعمال الملزوم فى اللازم الذهنى يعنى أن من اشترط فى دلالة الالتزام كون المدلول بحيث يمتنع تعقل المسمى بدونه أى اللازم البين بالمعنى الأخص على ما هو رأى المنطقيين يلزمه خروج دلالة أمثال هذه المجازات عن الأقسام الثلاثة، وقد يجاب بأن المنحصر فى الثلاث دلالة اللفظ والدال هناك اللفظ مع القرينة لكن التحقيق أن الخلاف فى هذا الاشتراط فرع تفسير الدلالة؛ فمن فسرها بفهم المعنى من اللفظ متى أطلق بالنسبة إلى العالم بالوضع اشترط ذلك، ومن فسرها بفهم المعنى منه إذا أطلق لم يشترط إذ يكفى الفهم والانتقال فى الجملة لا دائمًا وهذا أمر أهل الأصول والبيان.
قوله: (وأراد به) يعنى أن قصده بقوله كمال معناها إضافة للمعنى إلى الدلالة دون اللفظ التنبيه على أمور الأول: أن إضافة المعنى إلى اللفظ ليست إلا باعتبار دلالته عليه وإنما يضاف بالذات إلى الدلالة، الثانى: أن الفهم فى المطابقة والتضمن واحد يسمى باعتبار النسبة إلى مجموع المعنى مطابقة وإلى جزئه تضمنًا وذلك لأن مرجع ضمير كمال معناها هو بعينه مرجع ضمير جزء معناه، بخلاف ما إذا أضيف المعنى إلى اللفظ فإنه لا يفهم منه إلا اتحاد اللفظ دون الدلالة، الثالث: أن التضمن فى ضمن المطابقة إذ ليس ههنا تعدد دلالة ولما اتفق القوم على أن التضمن تبع للمطابقة وهذا يقتضى الإثنينة بل التأخر عن المطابقة مع القطع بأن فهم الجزء سابق أجاب بأنه توسع حيث ذكروا التبعية وأرادوا أن فهم الجزء ليس
بمقصود أصلى فى الوضع؛ وإنما يلزم بواسطة أنه لا يتصور فهم الكل بدون الجزء.
قوله: (لأنهم لو وضعوا له) أى لنفس اللفظ لفظًا آخر (لأدى إلى التسلسل) أى وضع الألفاظ لا إلى نهاية إذ لا بد من التعبير عن ذلك اللفظ بلفظ آخر وهلم جرًا، ولما كان هذا غير لازم لجواز أن يكتفى فى المرتبة الثانية أو الثالثة مثلًا بنفس اللفظ، أو يوضع له اللفظ الأول كما إذا وضع للتعبير عن لفظة أب وعن لفظة ب ج وعن لفظة ج أقال (ولو سلم) أى قدر عدم التأدى إلى التسلسل لكن
(1)
كان الوضع لنفس اللفظ ضائعًا إذ نفس اللفظ كاف فى التعبير عنه، ثم لا خفاء فى أن هذا ليس بوضع قصدى لكن هل يلزم منه وضع؟ حيث وقع الاتفاق والاصطلاح على أنه يطلق اللفظ ويراد نفسه والظاهر اللزوم لأنا إذا قلنا ضرب فعل ماض ومِن: حرف جر فالدال اسم والمدلول حرف وفعل؛ ودلالته عليه ليست إلا بحسب ذلك الاتفاق والاصطلاح، وفى كلام الشارح إشارة إلى هذا على ما تبين والتحقيق أنه وضع علمى لكن مثل هذا الوضع لا يوجب الاشتراك وإلا لكان جميع الألفاظ مشتركة ولا قائل به فكان المعتبر فى الاشتراك الوضع قصدًا أو المدلول مغاير للفظ.
قوله: (لطال فى التعميم والتنكير معًا) يعنى لو لم يضعوا بإزاء اللفظ اسمًا فإذا أريد حكمه على كل كلمة مثلًا أو بعض الكلمات لا على التعيين احتيج إلى عد جميع الكلمات، ثم الحكم بأن كل هذه المذكورات أو بعضها كذا وكذا فى الاسم والفعل وسائر ما وضع بإزاء الألفاظ، بخلاف ما إذا وضع فإنه يكفى أن يقال كل كلمة مفرد مثلًا وبعض الكلمات معرب من غير التطويل المتعسر، وهذا كما أنه لو لم يوضع بإزاء مفهوم الإنسان لفظ لاحتيج فى الحكم العام عليه أو الخاص ببعض مبهم منه إلى عد جميع أشخاصه، وقوله معًا معناه لأن فى كل من التعميم والتنكير يلزم التطويل ولخفاء هذا المعنى قد يسبق إلى بعض الأفهام أن المراد أنه يلزم التطويل عند اجتماع الأمرين بأن يراد التعبير عن جميع تلك الألفاظ بطريق التنكير، فإنه لا طريق حينئذ سوى تعداد جميعها بخلاف ما إذا أريد التخصيص
(1)
قوله: لكن. هكذا فى النسخ وفى العبارة سقط أو زيادة لكن كما هو ظاهر من عبارة العضد والسيد. كتبه مصحح طبعة بولاق.
دون التعميم فإنه يحصل بذكر بعض تلك الألفاظ، وإذا أريد التعميم لا بطريق التنكير فإنه يحصل بلفظ معرف عام للجميع من غير تطويل وفساد هذا الكلام غنى عن البيان.
قوله: (ومن هذا كلامه) مقتضى سوق هذا الكلام أن لإضافة المعنى إلى الدلالة دون اللفظ دخلًا فى هذا الاحتراز، وغاية ما يمكن فى تقريره أن الدلالة نسبة بين اللفظ والمعنى يضاف إليها كل منهما، ففى إضافة أحدهما إليها احتراز عن المضاف الآخر كأنه قيل فى كمال معناها لا فى لفظها بخلاف اللفظ فإنه إنما يضاف إليه المعنى دون اللفظ فلا إشعار فى إضافته إليه بهذا الاحتراز ولا يصح أن يقال فى معنى اللفظ لا فى لفظ اللفظ وفى هذا الكلام إشعار بأن هذه الدلالة وضعية وإلا لم يصح الاحتراز ووجه الاحتراز أنهم لم يعتدوا بهذا الوضع والدلالة بمنزلة الدلالة العقلية فلم يجعلوها من أقسام الدلالة كما لم يجعلوا اللفظ بسبب هذا الوضع مشتركًا وعلى هذا لا تكون الدلالة اللفظية الوضعية هى الانتقال من اللفظ إلى المعنى وفهمه منه بل أعم من ذلك.
قوله: (الدلالة الوضعية منها لفظية) المشهور أن الدلالة إما لفظية أو غير لفظية وغير اللفظية إما عقلية كدلالة الأثر على المؤثر أو وضعية كدلالة العقد المخصوص على العدد المعين واللفظية إما وضعية أو عقلية أو طبيعية واللفظية الوضعية تنقسم إلى مطابقة وتضمن والتزام والمصنف جعل دلالة اللفظ الفرد على قسمين لفظية تنقسم إلى مطابقة وتضمن وغير لفظية هى دلالة الالتزام واستعمل الدلالة مع فى وأنث الضمير الذى أضاف إليه المعنى حيث قال ودلالته اللفظية فى كمال معناها دلالة مطابقة وفى جزئه دلالة تضمن وغير اللفظية التزام فقد خالف المشهور فى تقسيم دلالة اللفظ إلى اللفظية وغير اللفظية وفى جعل الالتزام غير لفظية وخالف الظاهر الذى هو استعمال الدلالة مع حرف الاستعلاء وتذكير الضمير المضاف إليه المعنى فقال الشارح رحمه الله فى توجيهه الدلالة الوضعية ولم يقيدها بالإضافة إلى المفرد ليدخل فيها دلالة المركبات وكلام المصنف يمكن تنزيله على هذا أيضًا بأن يجعل الضمير فى قوله ودلالته راجعًا إلى اللفظ مطلقًا على قسمين أحدهما لفظية وهى أن (ينتقل الذهن من اللفظ إلى المعنى ابتداء) أى بلا واسطة معنى
فتخرج دلالة الالتزام عن اللفظية بهذا المعنى ضرورة أن انتقال الذهن إلى المعنى الالتزامى بوساطة المعنى الموضوع له ثم إنه أراد بيان اندراج التضمن فى اللفظية بالمعنى المذكور إذ فيه نوع خفاء فإن الظاهر على ما قيل إن الانتقال إلى المعنى التضمنى بوساطة المعنى المطابقى فقال (وهى) أى الدلالة الوضعية اللفظية (واحدة) بالذات (لكن ربما تضمن المعنى الواحد) الموضوع بإزائه اللفظ (جزأين) أى كل واحد منهما لتركبه من الجزأين فإذا أطلق ذلك اللفظ يفهم الكل (فيفهم منه) أى من اللفظ (الجزءان) أى كل واحد منهما (وهو) أى فهم كل واحد من الجزأين (بعينه فهم الكل) وذلك لأن اللفظ الموضوع للمعنى المركب إذا لاحظته النفس انتقلت منه ذلك المعنى المركب من حيث هو وتلاحظه ملاحظة واحدة إجمالية فليس ههنا انتقالات متعددة من اللفظ إلى أجزاء المعنى يتركب منها الانتقال من اللفظ إليه ولا ملاحظات متكثرة بحسبها يتألف منها ملاحظة المعنى بل ليس هناك إلا انتقال واحد إلى ذلك المجموع وملاحظة واحدة فليس هناك إلا فهم واحد بالذات ولا شك أنه قد فهم الكل وكل واحد من الجزأين إجمالًا وإذ ليس إلا فهم واحد فهو فهم الكل وفهم كل واحد فالدلالة على الكل لا تغاير الدلالة على الجزأين أى على كل واحد منهما مغايرة بالذات بل بالإضافة والاعتبار فإن ذلك الفهم الواحد إن أضيف إلى الكل واعتبر بالقياس إليه سمى فهم الكل ودلالة المطابقة وإن أضيف إلى أحد الجزأين واعتبر بالنسبة إليه سمى فهم ذلك الجزء ودلالة التضمن وهذا معنى قوله (وهى) أى الدلالة الوضعية اللفظية (بالنسبة إلى كمال معناها تسمى مطابقة وإلى جزئه تضمنًا) واستوضح ذلك بما إذا وقع بصرك على زيد من رأسه إلى قدمه دفعة واحدة فإنك تراه وترى أجزاءه برؤية واحدة فإن نسبت هذه الرؤية إلى زيد تسمى رؤيته وأن أضيفتا إلى جزء من أجزائه تسمى رؤية ذلك الجزء.
قوله: (ومنها غير لفظية) هذا هو القسم الثانى من قسمى الدلالة الوضعية وتسمى غير لنفظية (بل عقلية وهى أن ينتقل الذهن من اللفظ إلى معناه ومن معناه إلى معنى آخر وهذا) القسم (يسمى التزامًا وقيل) تثبت هذه الدلالة (إن كان المدلول) أى ما فرض مدلولًا من المعانى الخارجة عن الموضوع له (لازمًا ذهنيًا) للمسمى أى يكون بحيث يمتنع انفكاك تصوره عن تصور المسمى (وإلا فلا دلالة)
أصلًا ويرد على مشترطى اللزوم الذهنى (أنواع المجازات) التى ليس فيها للمعانى المجازية لوازم ذهنية للمسميات إذ هناك دلالة الالتزام ولا لزوم ذهنيًا (والتحقيق فيه) أى فى اشتراط اللزوم الذهنى أن الاشتراط فرع تفسير الدلالة وأنه هل يشترط فيها الكلية أم لا فمن قال: إنها فهم المعنى من اللفظ مهما سمع للعلم بالوضع اشترط اللزوم الذهنى ومنع وجود الدلالة فى أنواع المجازات المذكورة كأصحاب الميزان، ومن قال: إنها فهم المعنى من اللفظ إذا سمع للعلم بالوضع واكتفى بالفهم فى الجملة لم يشترط كأصحاب العربية.
قوله: (واعلم أن قوله فى كمال معناها) الضمير الذى أضيف إليه المعنى على تقدير تأنيثه كما هو فى أكثر النسخ راجع إلى الدلالة اللفظية (وهو) أى كون الضمير للدلالة اللفظية (خلاف المشهور فإن المعنى يضاف إلى اللفظ لا إلى الدلالة وأراد به) أى بخلاف المشهور الذى هو إضافة المعنى إلى ضمير الدلالة (التنبيه على أن المعنى لا ينسب إلى اللفظ إلا باعتبار الدلالة) ووجهه أنه لولا ذلك لكان الأولى متابعة المشهور (و) التنبيه (على أن الدلالة) أى الوضعية اللفظية (واحدة وتختلف التسمية) مطابقة وتضمنًا (باعتبار ما تنسب) الدلالة (إليه) من كمال المعنى وجزئه ووجه هذا التنبيه أنك إذا قلت: الدلالة إما على كمال معنى اللفظ وإما على جزء معناه فما نسب إليه تمام المعنى وجزؤه أعنى اللفظ شئ واحد فكأنك قلت دلالة لفظ إما على كمال معنى ذلك اللفظ أو على جزء معنى ذلك اللفظ فعلى هذا القياس إذا قيل الدلالة إما على كمال معنى الدلالة أو على جزء معناها كان ما نسب إليه المعنى وجزؤه أعنى الدلالة شيئًا واحدًا فإن جزء المعني لا يتصور إلا لدلالة يكون لها تمام المعنى فيفهم منه أن الدلالة التى لها جزء المعنى هى التى لها كمال المعنى فالدلالة المضافة إلى كمال المعنى هى بعينها المضافة إلى جزء المعنى فقد اتحدتا بالذات واختلفتا بالاعتبار وهو المطلوب.
قوله: (وإن التضمن فى ضمن المطابقة) عطف على قوله: إن الدلالة واحدة فإن قلت إذا اتحدتا ذاتًا فكيف يتصور كون التضمن فى ضمن المطابقة قلت: لما كان جزء المعنى فى ضمنه كان النسبة إلى الجزء كأنها فى ضمن النسبة إلى تمام المعنى فالدلالة بالاعتبار الأول كأنها فى ضمنها بالاعتبار الثانى ولا محذور فيه والمقصود أن التضمن ليس تابعًا للمطابقة (وما يقال إنه يتبعها توسع) إنما قيل ذلك
لما كان القصد فى وضع اللفظ للمعنى المركب (إلى معرفة المجموع) من حيث هو فالدلالة باعتبار انتسابها إلى الكل أصل وباعتبار انتسابها إلى الجزء تبع فليست التبعية ههنا على ما يتبادر إلى الوهم من أن التابع أمر مغاير بالذات للمتبوع هذا وأما استعمال فى فللدلالة أيضًا على اتحاد الدلالتين بالذات واختلافهما بالإضافة كما أشار إليه الشارح -قدس سره- بقوله: وهى بالنسبة إلى كمال معناها وتوجيهه أن لفظة فى ههنا للسببية فكأنه قيل دلالته اللفظية بسبب كمال معناها أى بسبب النسبة إليه مطابقة وبسبب النسبة إلى جزء معناها تضمن ولا يخفى أنه يتبادر منه إلى الفهم أن الاختلاف بحسب الاعتبار والنسبة دون الذات.
قوله: (على مدلول مغاير) أى للفظ مثل جاء زيد فإن لفظ "زيد" أطلق على الذات المعنية المسماة به.
قوله: (لأنهم لو وضعوا) تعليل لقوله: وقد يطلق والمراد اللفظ يعنى أطلقوا اللفظ على نفسه ولم يضعوا له لفظًا لأنهم لو وضعوا للفظ لفظًا آخر (لأدى إلى التسلسل) لأن لفظ الآخر على هذا التقدير يوضع له لفظ ثالث وهلم جرًا (ولو سلم) عدم تأدية وضع الألفاظ بإزاء الألفاظ إلى التسلسل بناء على جواز الوضع للبعض دون البعض (فإذا أمكن) التعبير عن اللفظ (بنفسه كان وضع لفظ آخر له ضائعًا) إذ الغرض الأصلى من الوضع هو التعبير وقد يكون الوضع لكل واحد من الألفاظ يودى إلى التسلسل فى الألفاظ أو دلالة المدلول على دليله بخلاف الوضع لبعضها دون بعض ثم إن أريد التعبير عن لفظ واحد أمكن أن يعبر عنه بنفسه فلا حاجة هنا إلى وضع لفظ آخر بإزائه وإن أريد التعبير عن ألفاظ كثيرة يتعذر التلفظ بكل منها أو يتعسر احتيج إلى الوضع فوضعوا الكلمة والاسم والفعل والحرف والجملة والكلام والشعر وغيرها بإزاء الألفاظ (لأنهم لو لم يضعوا لها لطال فى التعميم والتنكير معًا) أى إذا أريد أن يعبر عن كل فرد من أفراد الكلمة مثلًا ويجرى عليها حكم فلولا وضع لفظ الكلمة أو غيرها بإزائها لطال الكلام فإن قلت: الطول لازم للتعميم على تقدير عدم الوضع فما الفائدة فى ضم التنكير معه قلت: التعميم يتصور على وجهين، أحدهما: أن يراد التعرض لخصوصية كل فرد من أفراد الكلمة مثلًا وهذا الوجه يلزمه التطويل ولا يندفع بالوضع أصلًا بل لا بد من ذكر كل بعينه، وثانيهما أن يراد التعرض لخصوصيات
الأفراد بل شمولها من حيث إنها أفراد الكلمة فهذا القسم يستلزم الطول لولا الوضع فإذا وضع اندفع فالمراد من التنكير عدم التعين فلو لم يضم إلى التعميم لتوهم اندفاع الطول فى التعميم بسبب الوضع مطلقًا.
قوله: (ومن هذا كلامه) يريد أن كلامه دال على أنه يجعل اللفظ دالًا على نفسه حيث قال: على مدلول مغاير، وقال: وقد يكون المدلول لفظًا آخر فإنهما يدلان على أن للفظ دلالة على نفسه (فلا يبعد أن يحترز بقوله: فى كمال معناها عن دلالة الألفاظ إذا أريد بها نفس اللفظ لأن هذه الدلالة ليست دلالة فى معناها بل فى لفظها) فلا تسمى دلالة مطابقة وهذا الاحتراز إنما يتصور إذا لم تقيد الدلالة اللفظية بالوضعية لكن الظاهر من كلام المصنف تقييدها بذلك، والشارح قد صرح به أولًا حيث قال: الدلالة الوضعية ولذلك قال ههنا: لا يبعد أن يحترز ثم إن هذا الاحتراز لا يتعلق بتأنيث الضمير ولا تذكيره ولا باستعمال فى دون على بل يتأتى على جميع هذه التقادير. واعلم أنه قد وجد فى كثير من النسخ تذكير الضمير فى معناه فيرجع حينئذ إلى اللفظ المفرد أو إلى اللفظ مطلقًا، وتحمل لفظة فى على الظرفية مجازًا، فإن دلالة اللفظ على كمال معناه أو جزئه أقوى وأشد تعلقًا من دلالته على الخارج، فكأن المعنى والجزء ظرفان للدلالة قد استقرت، فيهما وعلى تقدير التأنيث يمكن جعله راجعًا إلى اللفظة فلا يخالف المشهور ولا يستلزم اتحاد الدلالتين ذاتًا ولا يحوج إلى توجيه ذلك بما قررناه مع ما فيه من النظر الذى لا يخفى على ذوى الفطانة واللَّه أعلم.
قوله: (أو طبيعية) الظاهر أن الدلالة الطبيعية يجوز أن تكون فى غير اللفظية أيضًا فإن الطبيعية كما تقتضى التلفظ بألفاظ عند عروض معنى فصار ذلك اللفظ دالًا على هذا المعنى تقتضى أيضًا وقوع الفعل عند عروض معنى آخر دالًا عليه.
قوله: (بعينه فهم الكل) يعنى أن الفهم والملاحظة والانتقال من اللفظ تتعلق بالمعنى المطابقى أولًا، وبالذات وبالجزء ثانيًا، وبالعرض بمعنى أن هناك شخصًا واحدًا من الفهم ثابتًا للكل حقيقة وللجزء تابعًا، فصح أن يقال: فهم كل واحد من الجزأين بعينه فهم الكل لكن يلزم من ذلك أن لا يكون الفهم مطلق حصول
الشئ فى العقل وإلا لم يصح القطع بسبب الحروف
(1)
بل الحروف سبب لصيرورته قطعًا وقد جعل القطع فيما سبق نفس الحروف حيث قال: وتقطيعه قطعًا مختلفة هى الحروف قلنا الحروف هى الكيفية العارضة للصوت لكنه قد يطلق على الصوت مع تلك الكيفية أيضًا.
قوله: (لكان الأولى متابعة المشهور)
(2)
لمخالفة المشهور لا يقتضى إلا، لكن يصح أن يكون باعثه على تلك المخالفة ولا يكون هذا التنبيه متعينا لذلك بحيث لو لم يكن لكان الأولى تركها.
قوله: (فما الفائدة فى ضم التنكير معه) يعنى أن الباعث على وضع مثل لفظ الكلمة اندفاع طول الكلام وعند التعميم
(3)
بل لجعل الكلام فما الفائدة فى ضم التنكير معه وحاصل الجواب: أن الطول المندفع بالوضع هو ما يكون مع التنكير لا مطلق الطول والظاهر أن قصد التعميم فى مثل الكلمة والاسم لا يكون إلا مع التنكير بالمعنى الذى ذكره لأن قصد التعميم مع ملاحظة خصوصيات الأفراد لمفهومات كلية تنكير أفراده ولا ينضبط فى عدد معين لا يكون واقعًا قطعًا فإن فرض الاحتمال العقلى فالأولى ما ذكره الفاضل التفتازانى من أن التعميم هو تعلق الحكم بكل فرد والتنكير هو تعلقه ببعض مبهم بأن يقال بعض تلك الأشياء.
قوله: (ولا يستلزم اتحاد الدلالتين ذاتًا) إذا جعل الدلالتان مختلفتين ذاتًا يراد بالفهم حصول الشئ فى الذهن لا الملاحظة كما لشعر بذلك تقريره فى بيان الاتحاد بالذات.
قوله: (مع ما فيه من النظر) يعنى أن التوجيه الذى ذكره للمخالفة والاتحاد يشتمل على تكلفات منها ما ذكره فى وجه النسبة الثانى ومنها ما ذكره فى بيان أن التضمن فى ضمن المطابقة، ومنها أنه جعل لفظة "فى" للسببية مع تفسيره بقوله أى بسبب النسبة إليه وأخذ الاتحاد من ذلك، وأما النظر الذى لا يخفى على ذوى
(1)
قوله: بسبب الحروف. هكذا فى النسخة التى بيدنا وهى سقيمة جدًا ليس معها غيرها ولعل لفظ بسبب محرف عن نفس كما تفيده العبارة بعد. كتبه مصحح طبعة بولاق.
(2)
هكذا فى الأصل وهى عبارة غير مستقيمة كأمثالها مما سبق ويأتى فارجع إلى الأصول السليمة فإن هذه النسخة التى بيدنا سقيمة وكثيرا ما وجدنا فيها من التحريف والسقوط. كتبه مصحح طبعة بولاق.
(3)
فى هذه العبارة تحريف ظاهر ونعوذ باللَّه من سقم النسخ. كتبه مصحح طبعة بولاق.
الفطانة فهو أن يقال: ليست الدلالة إلا كون الشئ بحيث يلزم من العلم به العلم بشئ آخر ولا يخفى أن العلم باللفظ الموضوع للمعنى المركب يستلزم العلم بالجزء وهذا العلم يغاير العلم المتعلق بالمعنى الذى هو الكل مغايرة بالذات وأما الملاحظة والتوجه والفهم المعتبر فيه أحدهما فلا مدخل لشئ منها فى حقيقة الدلالة.
الشارح: (ويرد عليهم أنواع المجازات) أى لعدم تحقق الانتقال فيها أصلًا ولا باعتبار الموضوع له الذى ليس مرادًا لأن شرط الانتقال اللزوم الذهنى وهو غير متحقق فى أنواع المجازات التى ليس فيها لزوم ذهنى فتكون المجازات المذكورة خارجة عن الدلالات الثلاث.
التفتازانى: (وضمير دلالته للمفرد. . . إلخ) يصح أن يكون الضمير راجعًا إلى اللفظ مطلقًا فلا حاجة إلى قياس المركب على المفرد كما فى السيد.
التفتازانى: (بخلاف الالتزام) أى فلا تسمى لفظية بمعنى أن الانتقال فيها بواسطة اللفظ فقط، فلا ينافى أنها لفظية بمعنى أن اللفظ له دخل ما فيها.
التفتازانى: (إذ ليس ههنا إلا فهم وانتقال واحد. . . إلخ) هذا الذى ذكره السعد هنا مجاراة للمصنف وإلا فقد ذكر السعد فى منهياته على المطول أن فهم الجزء من اللفظ الذى الكلام فيه متأخر عن فهم الكل منه يحصل بعد تحليل المركب إلى الأجزاء ضرورة أن الفهم تابع للوضع وهو لا يحصل إلا بالنسبة إلى الكل إذ ما يتبادر إلى الذهن عند سماع اللفظ إنما هو المعنى الموضوع له اللفظ لا غير، وقولهم الجزء سابق على فهم الكل معناه أنه يجب أن يفهم الجزء من اللفظ الموضوع بإزائه أولًا؛ ثم يفهم الكل من اللفظ الموضوع بإزائه، ونقله عبد الحكيم وأيده بما فى المفتاح من أن اللفظة متى كانت موضوعة لمفهوم أمكن أن تدل عليه بحكم الوضع، ومتى كان لمفهومها تعلق بمفهوم آخر أمكن أن يدل عليه بواسطة ذلك التعلق سواء كان المفهوم الآخر داخلًا فى مفهومها الأصلى أو خارجًا عنها فالحاصل من دلالة التضمن فهم الجزء من اللفظ بعد فهم الكل، وأما فهم الجزء فى ضمن فهم الكل فليس حاصلًا من دلالة اللفظ بل هو لازم لفهم الكل؛ سواء وضع له لفظ أولًا فلا دلالة للفظ عليه وإن اجتمعت معه والمنقسم إلى الدلالات الثلاث هو دلالة اللفظ فلا يضر خروج فهم الجزء فى ضمن فهم الكل عن
الدلالات الثلاث ولا يبطل الحصر.
التفتازانى: (ومبنى هذا التحقيق على أن التضمن فهم الجزء فى ضمن الكل) يعنى وهو باطل بل التضمن فهم الجزء بعد فهم الكل ففيه انتقال.
التفتازانى: (حتى إذا استعمل اللفظ. . . إلخ) هذا جار حتى على الصحيح من أن فهم الجزء وملاحظته بعد فهم الكل؛ لأن معناه مع استعمال اللفظ فى الموضوع له وكذا فى الالتزام حتى يتحقق الانتقال، وأما إذا استعمل اللفظ فى الجزء أو اللازم فلا دلالة على الجزء واللازم من حيث هو جزء ولازم للموضوع له، وإن كان فى الأصل قبل الاستعمال كذلك قال عبد الحكيم فى حواشى شرح الشمسية: دلالة للفظ على المعنى المجازى مطابقة عند أهل العربية لأن اللفظ مع القرينة موضوع للمعنى المجازى بالوضع النوعى كما صرحوا به، وأما عند المنطقيين فإن تحقق اللزوم بينهما بحيث يمتنع الانفكاك فهى مطابقة وإلا فلا دلالة على ما صرح به فى حواشى المطالع فى دلالة المعميات على معانيها ذكره العطار فى حواشى جمع الجوامع وسيأتى للسعد أن الانتقال متحقق وإن لم يكن المنتقل عنه مرادًا لبقاء الدلالة وجرى صاحب التحرير على ما جرى عليه المصنف من أن التضمن فهم الجزء ضمن فهم الكل والفهم واحد وتختلف التسمية باعتبار الإضافة وقال: إن المنطقيين يشترطون فى دلالة الالتزام اللزوم الذهنى بالمعنى الأخص، وقال: إن المجازات لا دلالة لها على المعنى المجازى من حيث إن اللفظ مستعمل فيها؛ لي ينتقل إليها بالقرينة الصارفة عن المعانى الحقيقية إليها فهى مرادات لا مدلولات فلا تورد المجازات عليهم كما قيل أى كما قاله العضد لانتفاء الغرض من إيرادها حينئذ إذ يلتزمونه ولا ضرر عليه إذ لا يستلزم نفى الدلالة نفى فهم المراد بالقرينة فليس للمجاز فى الجزء واللازم دلالة مطابقة كما قال السعد هنا؛ بل إنما فى المجاز فى الجزء واللازم استعمال يوجب الانتقال من المعنى الحقيقى إليه بالقرينة وفيه دلالة تضمنية فى الجزء والتزامية فى اللازم تبعًا للدلالة المطابقية على الموضوع له التى لم ترد وذلك لأنه بعد الوضع لا تسقط الدلالة فى الوضعى فكذا لا تسقط عن لازمه فتتحقق المطابقة والمراد غير متعلقها وقال فيما كتبه على "البديع": إن جميع المعانى المجازية إلا التضمن والالتزام مرادات باللفظ بالقرينة لا مدلولات له حتى لو استعمل اللفظ الموضوع لمعنى مركب ذى لازم ذهنى فى مجازى غيرهما مع قرينة
صارفة عن مدلولاته كان لهذا اللفظ ثلاث دلالات على غير المقصود وكان المقصود غير مدلول له بل مراد به، وأما إذا تجوز به فى التضمنى أو الالتزامى فمن حيث هو مستعمل فيه لا دلالة على واحد منهما ومن حيث هو موضوع لما هو جزءه ولازمه وإن لم يكن مرادهما مدلولان تضمنى والتزامى، قال شارحه ومن هنا ظهر أن الوجه عدم تقييد قول العضد ويرد عليهم المجازات بالتى ليس فيها المعانى المجازية لوازم ذهنية للمسميات ليخرج استعمال الكل فى الجزء واللزوم فى اللازم الذهنى؛ كما قيد به المحشيون فتأمل؛ ثم قال صاحب التحرير: وأما الأصوليون فللوضع دخل فى الانتقال تتحقق فى المجاز وتتحقق الدلالة الالتزامية بالمعنى الأعم.
التفتازانى: (اللهم إلا أن يقال: المسمى فى هذه الحالة مفهوم ومدلول) أى فحينئذ يتحقق الانتقال إلى اللازم المستعمل فيه اللفظ وإن كان المنتقل منه غير مراد فيكون دلالة المجاز التزامية وليس بلازم فى الدلالة الالتزامية أن لا يكون اللفظ مستعملًا فى اللازم لأنها الدلالة على اللازم والانتقال إليه مطلقًا سواء استعمل فيه اللفظ أو لا.
التفتازانى: (وهذا يشعر قوله ويرد عليهم) وجه الإشعار أنه خص الإيراد بالمنطقيين فيفيد أنه لا يرد على الأصوليين وما هذا إلا لتحقق الانتقال من الموضوع له إلى اللازم وإن لم يكن الموضوع له مرادًا.
التفتازانى: (مع القطع بأن فهم الجزء سابق. . . إلخ) هذا غير ظاهر على ما جرى عليه الشارح وجرى عليه هو أيضًا قبل هذا من أن فهم الجزء فى ضمن فهم الكل هو دلالة التضمن نعم هو ظاهر على رأى القطب شارح الطالع من أن التضمن سابق على المطابقة وأن فهم الجزء سابق فى الوجودين وهو مردود وقوله: لكن كان الوضع. . . إلخ. تحريف وصوابه: لكان الوضع. . . إلخ. وقوله: والظاهر اللزوم. . . إلخ. هذا ما ذكره أيضًا فى حاشية الكشاف وتعقبه السيد فى حاشية الكشاف بأن دلالة الألفاظ على أنفسها ليست مستندة إلى الوضع أصلًا لوجودها فى الألفاظ المهملة وجعلها محكومًا عليها لا يقضى كونها أسماء لما ذكرنا ودعوى وضعها وضعًا غير قصدى مكابرة فى قواعد اللغة لا يساعده عقل ولا نقل.
التفتازانى: (وفساد هذا الكلام غنى عن البيان) أما فساد حصول التخصيص بذكر بعض تلك الألفاظ إذا أريد التخصيص فلأنه إذا أريد التخصيص فلابد من ذكر الجميع ثم الحكم على البعض المخصوص بعد تعيينه بذكر الجميع فلابد من الطول وأما فساد أنه إذا أريد التعميم لا بطريق التنكير فيحصل بلفظ معرف عام للجميع فلأن حصوله باللفظ المعرف العام للجميع إنما هو من الوضع الذى يشمل الجميع.
قوله: (فقال الشارح فى توجيهه) أى توجيه ما ذكر كله وقوله الدلالة الوضعية أى إلى آخر ما يتعلق بذلك وقد علم أن المقسم الدلالة اللفظية بمعنى ما للفظ مدخل فيها واللفظية التى جعلت قسمًا هى اللفظية بمعنى ما لم ينتقل من اللفظ فيها بواسطة وغير اللفظية ما كان الانتقال من اللفظ فيها بواسطة.
قوله: (أى ما فرض مدلولًا) قدر ذلك لئلا يقتضى تحقق المدلولية قبل كونه لازمًا ذهنيًا مع أنه ليس كذلك.
قوله: (إذ هناك دلالة التزام ولا لزوم ذهنًا) هذا يقتضى تحقق دلالة الالتزام عند استعمال اللفظ فى اللازم فدلالته على ذلك اللازم المستعمل فيه دلالة التزامية لا مطابقية لوجود الانتقال من المعنى الموضوع له إليه وإن لم يكن الموضوع له مرادًا وكذا يقال فى استعمال اللفظ فى جزء معناه أنها تضمنية لملاحظة الموضوع له أولًا والانتقال منه إلى الجزء.
قوله: (وقد يكون الوضع لكل واحد. . . إلخ) بيان لحاصل الكلام.
قوله: (أو دلالة المدلول على دليله) عطف على التسلسل يعنى أنه لو وضع لكل واحد من الألفاظ لأدى إلى التسلسل إن لم يرجع إلى اللفظ الأول أو دلالة المدلول على دليله إن رجع إلى الأول فيدور.
قوله: (بخلاف الوضع لبعضها دون بعض) أى لا تؤدى إلى التسلسل فى الألفاظ ولا إلى دلالة المدلول على دليله.
قوله: (ثم إن أريد. . . إلخ) تفصيل للوضع للبعض دون البعض أو توضيح لقول الشارح فقوله: إن أريد التعبير عن لفظ واحد أمكن. . . إلخ. هو قول الشارح ولو سلم فإذا أمكن بنفسه كان الوضع له ضائعًا وقوله: وإن أريد التعبير عن ألفاظ كثيرة هو قول الشارح وقد يكون المدلول لفظًا آخر كالكلمة.
قوله: (حيث قال على مدلول مغاير. . . إلخ) وجه ذلك أن قوله: على مدلول مغاير يفيد أن اللفظ مدلول غير مغاير، وقوله: لفظًا آخر يفيد أن نفس اللفظ مدلول وليس لفظًا آخر ولم ينظر لقوله قبل وقد يطلق والمراد اللفظ لأنه ليس فيه ما يفيد أن له دلالة والفرض تحقيق دلالته حتى يحترز عنها.
قوله: (من النظر الذى لا يخفى) هو أن يقال: ليست الدلالة إلا كون الشئ بحيث يلزم من العلم به العلم بشئ آخر ولا يخفى أن العلم باللفظ الموضوع للمعنى المركب يستلزم العلم بالجزء وهذا العلم يغاير العلم المتعلق بالمعنى الذى هو الكل مغايرة بالذات وأما الملاحظة والتوجه والفهم المعتبر فيه أحدهما فلا دخل لشئ منها فى حقيقة الدلالة. اهـ هروى.
قال: (والمركب جملة وغير جملة، فالجملة ما وضع لإفادة نسبة ولا يتأتى إلا فى اسمين أو فى فعل واسم ولا يرد حيوان ناطق وكاتب فى زيد كاتب لأنها لم توضع لإفادة نسبة وغير الجملة بخلافه ويسمى مفردًا أيضًا).
أقول: المركب ضربان جملة وغير جملة؛ فالجملة ما وضع لإفادة نسبة أى لإعطاء ما يطلب فيها من تعيين أحد طرفيها بعينه ولا يتأتى إلا فى اسمين أو فى اسم وفعل لأن المسند إليه اسم والمسند اسم أو فعل والحرف لا يصلح لأحدهما وقد يتوهم ورود حيوان ناطق لإفادة نسبة النطق إلى الحيوان وكاتب فى زيد كاتب لأنه يفيد نسبة الكاتب إلى ضمير زيد وغلام زيد فإنه يفيد نسبة الغلام إلى زيد وأنها لا ترد لإن شيئًا منها لم يوضع لإفادة النسبة بل لذات باعتبار نسبة ويفهم منها النسبة بالعرض.
وغير الجملة بخلافه أى ما لم يوضع لإفادة نسبة ويسمى النحويون غير الجملة مفردًا أيضًا بالاشتراك بينه وبين غير المركب.
قوله: (عن دلالتها إذا أريد بها) الضميران إما للدلالة فمشكل أو للألفاظ فقلق لأن سائر الضمائر للدلالة.
قوله: (لإفادة نسبة) أطلقها لتشمل الإخبارية والإنشائية الطلبية وغيرها فإنها جمل بلا خلاف وإن كان الإنشاء من قبيل التصورات دون التصديقات فليس كل ما هو جملة عند النحويين قفمية عند المنطقيين لكن تفسير الشارح إفادة النسبة بإعطاء ما يطلب فى النسبة من تعيين أحد طرفيها يعنى الإيجاب والسلب مما لا يستقيم فى الإنشائيات على ما لا يخفى.
قوله: (لأن شيئا منها لم يوضع لإفادة النسبة) ظاهر إلا فى كاتب من زيد كاتب فإن بين اسم الفاعل وفاعله إسناد إذ الإسناد نسبة أحد الجزأين إلى الآخر لإفادة المخاطب فلابدّ من القول بأن الإسناد مشترك بين معنيين تام وغير تام.
قوله: (ويسمى مفردًا أيضًا) يعنى يسمى غير الجملة مفردًا أيضًا كما أن غير المركب بسمى مفردًا، فإن المفرد يقال بإزاء الجملة والمركب والمثنى والمجموع.
قوله: (أى لإعطاء ما يطلب فيها) أى فى النسبة (من تعيين أحد طرفيها بعينه)
فإن قلت: الطرفان هما الإثبات والنفى أى إيقاع النسبة وانتزاعها وحينئذ لا يتناول التعريف الجمل الإنشائية، إذ ليست موضوعة لإفادة إثبات النسبة أو نفيها قلت: كما أن النسب الخبرية لها طرفان ثبوت وانتفاء كذلك النسب الإنشائية لها تعلق ثبوتى وتعلق سلبى نحو قولك: اضرب ولا تضرب، فإن الضرب فى الأول منتسب إلى المخاطب انتسابًا ثبوتيًا، وفى الثانى انتسابًا سلبيًا لكن لا على الوجه الذى ذكرتموه فإذًا المراد بالنفى والإثبات ههنا أعم مما ذكر، فإن قيل اللام فى قوله: لإعطاء، بل فى قول المصنف: لإفادة أهى صلة للوضع أم هى للتعليل قلنا الظاهر التعليل؛ لأن الجملة ليست موضوعة بإزاء الإفادة والإعطاء بل بإزاء أحد طرفى النسبة بعينه لكى يتوصل بها إلى إفادة المخاطب وإعطائه ما يطلب فيها من تعيين أحد طرفيها بعينه وعدم ترتب الغاية لا يقدح فى المقصود فمثل قولنا: النار حارة والسماء فوقنا داخل فى التعريف.
قوله: (لأن شيئا منها لم يوضع لإفادة النسبة) أى: لإفادة طرفيها بعينه بل لإفادة ذات باعتبار نسبة (ويفهم منها) أى: من الأمور المذكورة (النسبة بالعرض) والمفهوم منها بالذات هو الذات باعتبار النسبة ولا شك أن اللفظ إنما وضع لإفادة ما يفهم منه بالذات لا ما يفهم منه بالعرض فقولنا: اضرب زيد مثلًا موضوع لإفادة نسبة الضرب إلى زيد وهى المفهومة منه بالذات والتعرض للطرفين إنما هو لضرورة توقف النسبة عليهما، وقولنا: غلام زيد موضوع لإفادة الذات والتعرض للنسبة إنما هو بالتبعية، ويلوح لك حقيقة ذلك بالتأمل فى المركبات التامة إنشائية كانت أو خبرية وفى غيرها من المركبات التقييدية وما فى معناها.
قوله: (لها تعلق ثبوتى وتعلق سلبى) الظاهر أن لفظة اضرب مثلًا ليست مشتملة على نسبة لها تعلق ثبوتى بل النسبة المفهومة منها هى غير ذلك التعلق وإطلاق الطرفين هنا بعيد جدًا وأما الخبر فلنسبته طرفان وباعتبار اشتماله على النسبة قد يكون مفردًا للإيجاب وقد يكون مفردًا
(1)
.
قوله: (أى لإفادة طرفيها بعينه) فسره بذلك مع أنه قال فيما بعد إن قولنا: غلام زيد موضوع لإفادة الذات وحصل من ذلك خروج من تعريف الجمع على تقدير
(1)
هكذا فى الأصل وحرر العبارة. كتبه مصحح طبعة بولاق.
ترك التثنية على حالها من غير تفسير بما ذكر لأن المقصود إخراج هذه الأمور عما ذكر فى تعريف الجملة والمذكور فى التعريف ليس إلا ما ذكر فى التفسير.
التفتازانى: (فليس كل ما هو جملة عند النحويين قضية عند المنطقيين) لاختصاص القضية عندهم بما يصح أن يقال لقائله: إنه صادق فيه أو كاذب فلا تكون إلا خبرًا بخلاف الجملة فالجملة أعم من القضية والكلام يرادفها عند قوم من النحويين منهم الزمخشرى كما هو ظاهر الفصل وأخص منها عند آخرين من النحاة لشمول الجملة الفيد التام وغيره وأعم منها عند الأصوليين كاللغويين لنقل الآمدى فى الأحكام عن أكثر الأصوليين والإمام الرازى فى المحصول عن جميعهم أن الكلمة المركبة من حرفين فصاعدًا كلام قال صاحب البديع: فهو إذن ما انتظم من الحروف المسموعة المتواضع عليها الصادرة من مختار واحد فما انتظم أى تألف كالجنس وقوله من الحروف كالفصل والمراد حرفان فصاعدًا فخرج به المتألف من حرف واحد وحركته وخرج بالمسموعة المكتوبة والمعقولة وبالتواضع عليها المهمل وبالصادرة من مختار المسموعة من الجمادات فلا يسمى كلامًا وإذا لم يسم كلامًا لم يسم قرآنًا فما يسمع من الفوتغراف ليس كلامًا ولا قرآنًا وخرج بواحد الصادرة عن أكثر من مختار واحد كما لو صدر بعض حروف الكلمة من واحد والبعض من آخر فإنه لا يسمى كلامًا.
قوله: (لها تعلق ثبوتى وتعلق سلبى) قال الهروى: الظاهر أن لفظ اضرب مثلًا ليس مشتملًا على نسبة لها تعلق ثبوتى بل النسبة المفهومة هى عين ذلك التعلق.
قوله: (فإن الضرب فى الأول ينسب إلى المخاطب انتسابًا ثبوتيًا) المراد نسبة طلبه من المخاطب من حيث تحصيله وقوله فى الثانى إلى آخره، المراد: نسبة طلب الكف عن تحصيله من المخاطب.
قال: (وللمفرد باعتبار وحدته ووحدة مدلوله وتعددهما أربعة أقسام:
فالأول: إن اشترك فى مفهومه كثيرون فهو الكلى فإن ثفاوت كالوجود للخالق والمخلوق فمشكك وإلا فمتواطئ وإن لم يشترك فجزئى ويقال للنوع أيضًا جزئى والكلى ذاتى وعرضى كما تقدم.
الثانى من الأربعة: متقابلة متباينة.
الثالث: إن كان حقيقة للمتعدد فمشترك وإلا فحقيقة ومجاز.
الرابع: مترادفة وكلها مشتق وغير مشتق صفة وغير صفة).
أقول: المفرد لفظة إما واحد أو متعدد وعلى التقديرين فمعناه إما واحد أو متعدد فهذه أربعة أقسام:
القسم الأول: لفظ واحد لمعنى واحد وهو إما أن يشترك فى مفهومه كثيرون يحمله عليهم إيجابًا وهو الكلى فإن كان فى مفهومه تفاوت بشدة أو ضعف أو تقدم أو تأخر كالوجود للخالق والمخلوق فإنه للخالق أشد وأقدم سمى مشككًا وإلا سمى متواطئًا، وإما أن لا يشترك وهو الجزئى الحقيقى ويقال للنوع جزئى إضافى أى بالإضافة إلى جنسه.
ثم الكلى ينقسم باعتبار ما دل عليه إلى الذاتى والعرضى بما تقدم من تفسيرهما الثلاث.
الثانى: مقابل الأول أى لفظ كثير لمعنى كثير ويسمى المتباينة تفاضلت مثل إنسان وفرس أو تواطأت مثل سيف وصارم وفى بعض النسخ متقابلة متباينة أى يسمى بهما ولم يعرف بهذا اصطلاح من غيره.
الثالث: لفظ واحد لمعنى متعدد فإن كان للمتعدد حقيقة فهو المشترك وإلا كان للبعض حقيقة وللبعض مجازًا وهذا بناء على أن المجاز يستلزم حقيقة وإلا فقد يكون لهما مجازين.
الرابع: لفظ متعدد لمعنى واحد، ويسمى المترادفة.
وكل قسم من الأربعة ينقسم إلى مشتق وغير مشتق وسنفسره، وإلى صفة وهو ما يدل على ذات غير معينة باعتبار معنى معين كالضارب، وغير صفة وهو بخلافه كالرجل.
قوله: (وللمفرد باعتبار وحدته) إشارة إلى أن هذا التقسيم إنما هو بحسب الاعتبار دون الذات ألا يري أن القسم الثانى هو بعينه القسم الأول إذا اعتبر منه الفردان؛ بل أكثر هذه الأقسام متداخلة ومورد القسمة مطلق المفرد واحدًا كان أو أكثر.
قوله: (بحمله عليهم إيجابًا) يعنى بإمكان فرض صدقه على كثيرين.
قوله: (تفاوت بشدة) إشارة إلى أن ذكر كل من الأولوية والشدة يغنى عن الآخر ولهذا يقال هو ما يتفاوت بأولية أو أولوية؛ ومعنى ذلك أن العقل إذا لاحظ نسبة ذلك المفهوم إلى أفراده يحكم بأن اتصاف البعض به أولى أو أقدم كما فى اتصاف الخالق والمخلوق بالوجود بخلاف اتصاف الأب والابن بالإنسانية.
قوله: (ويقال للنوع) ظاهر كلام الشارح أن المراد به النوع الإضافى المندرج تحت جنس باصطلاح المنطق، ويحتمل أن يراد بالنوع والجنس الأخص والأعم.
قوله: (باعتبار ما دل عليه) إشارة إلى أن الكلام فى الألفاظ فاللفظ الدال على مفهوم الكلى يسمى كليًا وعلى الجزئى جزئيًا واللفظ الدال على كلى هو ذاتى يسمى ذاتيًا وعلى العرضى عرضيًا.
قوله: (الثانى مقابل الأول) اختار هذه النسخة ميلًا إلى الاصطلاح وإن كانت مرجوحة من جهة أن التفسير بكونه مقابل الأول فى محل الاستغناء ولهذا تركه فى القسم الثالث والرابع.
قوله: (فإن كان للمتعدد حقيقة فهو المشترك) لا يصح على إطلاقه إلا إذا كان المنقول من أقسام المشترك كالمرتجل وفيه كلام سيجئ.
قوله: (وهذا بناء على أن المجاز يستلزم حقيقة) فإن قيل على هذا التقرير أيضًا يجوز أن يكون للمعنيين مجازًا بأن لا يكون شئ من المعنيين نفس الموضوع له قلنا: نعم لكنه يصدق أنه حقيقة فى البعض مجاز فى البعض ضرورة وجود الاستعمال فى الموضوع له ويكون كل من المعنيين غير الموضوع له فيكون مجازًا فيهما.
قوله: (وهو ما يدل على ذات غير معينة) تحقيقه أن مفهوم الضارب شئ ما له الضرب من غير دلالة فى اللفظ على خصوصية كونه إنسانًا بل جسمًا أو غيره،
حتى لو تصور ما هو أعم من الشيئية لم يقدر موصوفه الشئ وإنما ذلك لضيق العبارة فلهذا لم يكن اسم الزمان والمكان من قبيل الصفات، إذ ليس معنى القتل مثلًا شيئًا ما فيه القتل بل زمان أو مكان فيه ذلك فخصوصية الذات معتبرة فيها.
قوله: (بحمله عليهم إيجابًا) أى بإمكان حمله عليهم بأن يشترك فى مفهومه كثيرون لا فى نفس الأمر بل بمجرد ملاحظة العقل لذلك المفهوم، وإنما قيد الحمل بالإيجاب؛ لأن الجزئى يمكن حمله على كثيرين سلبًا فالمعنى الحاصل عند العقل إن أمكن له بمجرد ملاحظته فرض اشتراكه وحمله على كثيرين فهو الكلى سواء فرض العقل الاشتراك أم لا وسواء أمكن ذلك فى نفس الأمر أم لا وإن امتنع فرض الشركة بين كثيرين فهو الجزئى الحقيقى، والكلى إما أن يكون فى مفهومه تفاوت باعتبار صدقه على أفراده وحصوله فيها بشدة أو ضعف أو تقدم أو تأخر أو أولوية وعدمها فهو المشكك كالوجود فإنه للخالق أشد لشدته فيما هو أثر الوجود كما أن بياض الثلج أشد لشدته فى تفريق البصر الذى هو أثر البياض وكذلك الوجود له أقدم لكونه مبدأ لما عداه بأسرها وأولى إذ هو له بذاته ولما سواه لا لذاته.
قوله: (ويقال للنوع جزئى إضافى) أى بالإضافة إلى جنسه لكن ليس إطلاق الجزئى الإضافى على النوع باعتبار خصوصه، إذ معناه المندرج تحت غيره سواء كان جزئيًا حقيقيًا مندرجًا تحت كلى أو كليًا مندرجًا تحت كلى آخر يصدق عليه صدقًا ذاتيًا أو عرضيًا فالجزئى بهذا المعنى أعم منه بالمعنى الحقيقى.
قوله: (ثم الكلى) أى اللفظ الكلى ولهذا قال: (ينقسم باعتبار ما دل عليه إلى الذاتى والعرضى) فإن الكلية والجزئية وإن كانتا صفتين للمعانى فى الحقيقة، قد توصف بهما الألفاظ فى المشهور بخلاف الذاتى والعرضى.
قوله: (الثانى مقابل الأول) هذا على النسخة التى توجد هكذا الثانى من الأربعة متقابلة متباينة وإنما تعرض لذكر المتقابلة فى هذا القسم لأنه أقوى فى التقابل مع الأول ضرورة مخالفته إياه فى جانبى اللفظ والمعنى.
قوله: (أى يسمى بهما) يعنى بكل واحدة من المتقابلة والمتباينة أو بمجموعهما أى بالمتقابلة الموصوفة بالمتباينة (ولم يعرف بهذا) أى بإطلاقه المتقابلة مطلقًا أو
مقيدًا (اصطلاح من غير المصنف) إذ المصطلح المشهور هو إطلاق المتباينة.
قوله: (وهذا بناء على أن المجاز يستلزم حقيقة) أى الحكم بأن اللفظ إذا لم يكن حقيقة للمتعدد كان للبعض حقيقة وللبعض مجازًا مبنى على أن المجاز يستلزم الحقيقة إذ لولا الاستلزام لجاز كون اللفظ لهما أى للمعنيين مجازين، ولما لم يكن المصنف قائلًا بالاستلزام لم يصح منه هذا الحكم، فإن منع بأن ليس المراد من معنى اللفظ ما استعمل هو فيه بل ما يصح استعماله فيه بمقتضى الوضع وكون اللفظ حقيقة لكل واحد من المتعدد هو أنه لو استعمل فيه لكان حقيقة لا أنه كذلك بالفعل وحينئذ يندفع ما ذكره لأن المجاز يستلزم المعنى الحقيقى قطعًا، وإن لم يستلزم الحقيقة يجاب على تقدير صحة ما ذكر بأن ليس المراد جميع ما يصح استعماله فيه كذلك وإلا لتعذر كونه حقيقة للكل لثبوت المجاز الظاهر وإذا أريد ما هو أعم من الجميع والبعض يتأتى القسم المذكور.
قوله: (ويسمى المترادفة) الظاهر اعتبار كون المعنى الواحد حقيقيًا للكل.
واعلم أن كل واحد من الألفاظ المتباينة إما كلى أو جزئى إلى آخر ما ذكر هناك، وأيضًا يحتمل أن يكون كل واحد منها أو بعضها مشتركًا أو حقيقة ومجازًا، وكذلك المشترك إما كلى أو جزئى، إما بحسبا معنييه أو أحدهما وقس الباقى على ما عرفت، وأن القسم الأولى أعنى اللفظ الواحد لمعنى واحد يوجد فى الاسم والفعل والحرف لكن الأخيرين لا يتصفان بالكلية والجزئية وكذا المتباينة والمشتركة والحقيقة والمجاز، وأما المشتق فيوجد فى الاسم والفعل دون الحرف وعليك بالتأمل فى البواقى.
قوله: (أى الحكم بأن اللفظ إذا لم يكن حقيقة للمتعدد) يجب أن يقال: على أن المراد بالمتعدد فى قول المصنف: لمعنى متعدد مجموع المعانى المتعددة التى يكون اللفظ لها فإن اللفظ إذا كان معناه المستعمل فيه متعددًا ولا يتحقق المجاز إلا مع الحقيقة فلا يكون فى جميعها حقيقة وجب أن يكون حقيقة فى البعض مجازًا فى البعض، وأما إذا كان المراد بالمتعدد ما هو أعم من الجميع والبعض فالقول باستلزام المجاز الحقيقة لا يدفع الفساد عن كلام المصنف إذ يجوز أن يكون للفظ معان مجازية ومعنى حقيقى يتحقق استعماله فى كل واحد منها والجواب الذى
ذكره هنا عن المنع يتم بحمل المتعدد على الجميع والجواب الذى ذكره الفاضل التفتازانى بقوله: قلنا نعم مبنى أيضًا على أن يحمل المتعدد على الجميع والقول بأن لفظ البعض فى قوله: حقيقة فى البعض مجاز فى البعض لم يقيد بقولنا من ذلك المتعدد فى غاية البعد وإن اعتبر ذلك فالجواب عن الجواب الذى ذكره عن المنع حاصل بأدنى تأمل وإذا حيل المتعدد على الجميع وقع النقصان من وجه آخر وهو خروج بعض أفراد المشترك من تعريفه الحاصل هنا وهى الألفاظ المشتركة التى وقع استعمالها فى المعنى الجازى أيضًا والألفاظ تتصف بالتباين والترادف والاشتراك وغيرها باعتبارات متكثرة يجب أن يقع الكلام على وجه يطابقها وغاية ما يمكن أن يقال فى دفع ذلك هو أن المراد إثبات الاشتراك لهذا القسم لا التعريف وتحصيل ما يصح أن يكون تعريفًا للمشترك.
قوله: (لأن المجاز يستلزم المعنى الحقيقى وإن لم يستلزم الحقيقة) لا يقال لا فائدة لهذا الكلام لأن المصنف قال: بعضه حقيقة وبعضه مجاز يجب أن يحمل الكلام على وجه يستلزم المجاز الحقيقة لا المعنى الحقيقى فقط لأنا نقول: مراد ذلك القائل أن المجاز إذا كان مستلزمًا للمعنى الحقيقى يستلزم الحقيقة أيضًا بالتأويل المذكور قطعًا وإن لم يستلزم الحقيقة بالمعنى الأصلى فالفائدة ظاهرة.
قوله: (على تقدير صحة ما ذكره) يعنى إن لم يرد من الحقيقة والمجاز والمعنى ما ذكر على تقدير أن يريد ذلك لم يرد بالمعانى المتعددة جميع ما يصح استعماله فيه كذلك أى بمقتضى الوضع وإلا لتعذر كونه حقيقة لأن المعانى المناسبة للمعنى الموضوع له كثيرة جدًا واللفظ إذا كان موضوعًا لمعنى إذا استعمل فيه يقال هذا اللفظ لذلك المعنى، والمصنف لما قال: لفظ واحد لمعنى متعدد يمكن أن يريد بالمقصود جميع ما استعماله فيه واللام للاختصاص الذى هو فى قوله لمتعدد يفيد قيدًا فى هذا الجميع ويحصل خروج البعض الذى لم يوضع اللفظ بإزائه ولم يستعمل فيه فصار المعنى جميع ما يصح استعماله فيه من المعانى التى يصح أن اللفظ له وحينئذ يتم كلام المصنف ويندفع اعتراض الشارح حينئذ.
التفتازانى: (إذا اعتبر منه الفردان) أى فرد اللفظ وفرد المعنى يعنى إذا اعتبر أحد المتباينين مع معناه الواحد كان ذلك من القسم الأول.
التفتازانى: (بإمكان فرض صدقه على كثيرين) أى فليس بلازم الصدق فى نفس الأمر ولا الفرض بالفعل.
التفتازانى: (وبهذا يقال هو ما يتفاوت. . . إلخ) أى كما قال فى التهذيب.
التفتازانى: (ويسمى ذاتيًا) ظاهره أن التسمية به كالتسمية بالكلى والجزئى وليس كذلك فإن اللفظ يتصف بالكلية والجزئية فى المشهور وإن كانت الكلية والجزئية من عوارض المعانى أو لا وبالذات ولا يتصف بالذاتية والعرضية إلا بالنظر إلى المدلول ففى الحقيقة الذاتى والعرضى هو المدلول لا اللفظ كما ذكره السيد وأشار إليه الشارح بقوله الكلى ينقسم باعتبار ما دل عليه إلى الذاتى والعرضى.
التفتازانى: (ميلًا إلى الاصطلاح) أى من تسمية الألفاظ الكثيرة لمعانى كثيرة متباينة.
التفتازانى: (إلا إذا كان المنقول من أقسام المشترك) وإليه فالعبرة فى المشترك بتعدد الوضع سواء كان الوضع للمتعدد ابتداء أى لم يكن الوضع لبعضها مسبوقًا بوضعه لبعض آخر منها تابعًا له فيدخل المرتجل أو كان مسبوقًا بذلك فيدخل المنقول أما إذا اعتبر فى المشترك أن يكون الوضع لكل ابتداء لم يدخل المنقول وبقى أنه يدخل فى المشترك الموضوع بالوضع العام لموضوع له خاص كأسماء الإشارة والموصولات وأخواتهما لأنها موضوعة لمعان كثيرة، والجواب أن ما ذكروا أن تعدد فيه المعنى لكن لم يتعدد الوضع فيزداد فى تعريف المشترك قيد تعدد الوضع لإخراج ما ذكر أو يقال: إن ما ذكر من أسماء الإشارة ونحوها موضوعة للمعانى الكلية بشرط الاستعمال فى الجزئيات فلم يتعدد المعنى فتخرج عن المشترك.
التفتازانى: (قلنا نعم لكنه يصدق. . . إلخ) مبنى على أن المراد بقول المصنف: لمعنى متعدد جميع المعانى المتعددة التى يكون اللفظ لها فإن اللفظ إذا كان معناه متعددًا ولا يتحقق المجاز إلا مع الحقيقة ولا يكون فى جميعها حقيقة وجب أن يكون حقيقة فى البعض مجازًا فى البعض وأما إذا كان المراد بالمتعدد ما هو أعم من الجميع والبعض فالقول باستلزام المجاز الحقيقة لا يدفع الفساد فى كلام المصنف إذ يجوز أن يكون للفظ معانٍ مجازية ومعنى حقيقى، فقوله: وإلا كان للبعض حقيقة وللبعض مجازًا لا يصح لجواز أن يكون للمتعدد الذى هو المعانى المجازية فقط ولا يرد أنه إذا حمل المتعدد على الجميع يصير تعريف المشترك فاسدًا
إذ لابد فى المشترك على هذا أن يكون مستعملًا فى جميع المعانى المتعددة على سبيل الحقيقة فيخرج الألفاظ المشتركة التى وقع استعمالها فى المعنى المجازى أيضًا لأنه إذا استعمل اللفظ المشترك فى المعنى المجازى يصدق عليه بالنسبة للمعانى الحقيقية أنه استعمل فى جميع المعانى التى يكون اللفظ لها حقيقة وبالنسبة لذلك يكون مشتركًا إذ الاشتراك ونحوه من الأمور التى تختلف بالاعتبار.
قوله: (لا فى نفس الأمر بل بمجرد ملاحظة العقل ذلك) فتدخل الكليات التى لا تصدق على شئ أصلًا كاللاشئ.
قوله: (باعتبار صدقه على أفراده وحصوله فيها) يعنى أن الزيادة معتبرة فى المصادقات لا فى نفس المسمى فتكون المصادقات أنواعًا وقوله شدة أو ضعف الأولى وضعف وكذا قوله أو تأخر الأولى وتأخر كما صنع فى قوله وعدمها عطفًا على أولوية.
قوله: (لكن ليس إطلاق الجزئى الإضافى على النوع باعتبار خصوصه) أى كما يتوهم ذلك من ظاهر قوله ويقال للنوع جزئى إضافى.
قوله: (هذا على النسخة التى توجد هكذا الثانى من الأربعة متقابلة متباينة) فى هذه العبارة تحريف وصوابه: هذا على غير النسخة التى توجد. . . إلخ.
قوله: (لذكر المقابلة فى هذا القسم) أى مع كونها فى الثالث والرابع أيضًا.
قوله: (لأن المجاز يستلزم المعنى الحقيقى قطعًا) أى وقول المصنف بعضه حقيقة وبعضه مجاز ليس المراد أن بعضه حقيقة بالفعل بل المراد أن بعضه يصح استعمال اللفظ فيه حقيقة وبعضه مجاز.
قوله: (على تقدير صحة مما ذكر) إنما قال ذلك لأن لقائل أن يمنع صحة ما ذكر بأن قول المصنف: بعضه حقيقة وبعضه مجاز معناه حقيقة بالفعل ومجاز بالفعل.
قوله: (بأن ليس المراد جميع ما يصح استعماله فيه كذلك) أى بمقتضى الوضع يعنى أنه إذا كان المراد بالحقيقة ما يصح أن يكون حقيقة بالاستعمال وإن لم يكن حقيقة بالفعل صار قول المصنف: إن كان حقيقة للمتعدد فمشترك ليس معناه إن كان كل ما يصح استعماله فيه بمقتضى الوضع حقيقة فمشترك لتعذر كونه حقيقة للكل لثبوت المجاز الظاهر لأن المعانى المناسبة للمعنى الموضوع له كثيرة جدًا فيصدق عليها أنه يصح استعمال اللفظ فيها بمقتضى الوضع وليست حقيقة وإن
أريد ما هو أعم من الجميع والبعض يتأتى القسم المذكور وهو أن اللفظ قد يكون للمعنيين مجازًا ورد بأنا نختار الأول ولا يتعذر كونه حقيقة للكل ولا يثبت المجاز لأن كل ما يصح استعماله فيه بمقتضى الوضع لا يشمل المجاز أصلًا إذ المراد ما يصح استعماله فيه ويكون اللفظ له وضعًا أوليًا ثم المراد بالمجاز فى قوله فحقيقة ومجاز ما يشمل الكناية فلا يقال: إن الحصر باطل.
قوله: (لا يتصفان بالكلية والجزئية) أى لأنهما من صفات المعانى حقيقة وإن اشتهر اتصاف اللفظ بهما ومعنى الفعل والحرف غير مستقل فلا يصلح للموصوفية وقوله وكذا المتباينة. . . إلخ. أى توجد فى الاسم والفعل والحرف لأنها صفات للألفاظ باعتبار معانيها وجميع الألفاظ متساوية فى صحة الحكم عليها وبها.
قال: (مسألة: المشترك واقع على الأصح لنا أن القرء للطهر والحيض معًا على البدل من غير ترجيح واستدل لو لم يكن لخلت أكثر المسميات لأنها غير متناهية، وأجيب بمنع ذلك فى المختلفة والمتضادة ولا يفيد فى غيرها ولو سلم فالمتعقل متناه وإن سلم فلا نسلم أن المركب من المتناهى متناه وأسند بأسماء الأعداد وإن سلم منعت الثانية ويكون كأنواع الروائح واستدل لو لم يكن لكان الموجود فى القديم والحادث متواطئًا لأنه حقيقة فيهما وأما الثانية فلأن الموجود إن كان الذات فلا اشتراك وإن كان الصفة فهى واجبة فى القديم فلا اشتراك وأجيب بأن الوجوب والإمكان لا يمنع التواطؤ كالعالم والمتكلم قالوا: لو وضعت لاختل المقصود من الوضع قلنا يعرف بالقرائن وإن سلم فالتعريف الإجمالى مقصود كالأجناس).
أقول: قد اطرد اصطلاح المصنف فى أنه يعبر بقوله لنا عن دليل المذهب المختار الذى يرتضيه وبقوله: استدل عن دليل المختار الذى يزيفه وبقوله قالوا عن دليل المخالف وإن كان المذكور واحدًا نظرًا إليه وإلى أتباعه هذا إذا كان المذهب المخالف
متعينًا وإلا عبر عنه بذكر ذى المذهب باسمه أو بالنسبة إلى المذهب أو بذكر المذهب فيقول مثلًا: القاضى الإمام، أو المبيح المحرم، أو الإباحة التحريم، وعن الأجوبة بأجيب أو الجواب، أو رد ونحوه، وعن السؤال بقيل أو اعترض أو أورد وأمثاله، ونحن نجرى على أثره رومًا للاختصار مع الوضوح. هل اللفظ المشترك واقع فى اللغة فيه خلاف والأصح وقوعه لنا إطباق أهل اللغة على أن القرء للطهر والحيض معًا على البدل من غير ترجيح وهو معنى الاشتراك وقولنا معًا احتراز عن المنفرد لأنه لواحد بعينه وإن كان قد يقع فيه شك.
وقولنا: على البدل عن المتواطئ لأنه للقدر المشترك وعن الموضوع للجميع وقولنا من غير ترجيح عن الحقيقة والمجاز استدل لو لم يكن المشترك واقعًا لخلت أكثر المسميات عن الاسم واللازم باطل فالملزوم مثله أما الملازمة فلأن المسميات غير متناهية وهو ظاهر والألفاظ متناهية لتركبها من الحروف المتناهية بضم بعضها إلى بعض مرات متناهية وإذا وضع كل لفظ من الألفاظ وهى متناهية لمعنى واحد كان الموضوع له متناهيًا وتخلو المعانى الباقية وهى الأكثر بل لا نسبة لها إلى ما وضع له لعدم تناهيها وأما بطلان اللازم فلأنه يخلّ بغرض الوضع وهو تفهيم المعانى.
الجواب: أن المسميات بالألفاظ هى المعانى المختلفة والمتضادة ولا نسلم أن
المعانى المختلفة والمتضادة غير متناهية نعم غيرهما وهى المتماثلة غير متناهية وأنها ليست بمسميات ولا يجب الوضع لها بخصوصياتها بل باعتبار الحقيقة التى اتفقت هى فيها إذ يعلم أن كل فرس وكل بياض ونحوهما لا اسم له بخصوصه سلمناه لكن لا يحتاج إلى التعبير إلا عما نعقله من المعانى وذلك متناه لامتناع تعقل ما لا يتناهى سلمناه لكن لا نسلم لزوم الخلو قولكم الألفاظ مركبة من الحروف المتناهية قلنا نعم ولكن لا نسلم أن المركب من المتناهى متناه وأسند المنع بأسماء العدد لعدم تناهيها مع تركبها من اثنى عشر اسمًا سلمناه لكن لا نسلم الثانية وهو بطلان اللازم إذ من المعانى المختلفة ما لا يوضع له اسم ويعبر عنه بالألفاظ المجازية بل قال ابن متويه: أكثر اللغة مجاز وكأنواع الروائح ولا يختل مقصود الوضع إذ يمكن التعبير عنها بالإضافة إلى المحل وغيرها وكذلك كثير من الصفات واستدل أيضًا لو لم يكن المشترك واقعًا لكان الموجود فى القديم والحادث متواطئًا واللازم باطل أما الملازمة فلإطلاقه عليهما حقيقة فلو لم يكن باعتبار وضعه لخصوصهما لكان باعتبار وضعه لأمر عام مشترك بينهما وهو معنى التواطؤ، وأما الثانية فلأن المسمى بالموجود إن كان هو الذات فليس أمرًا واحدًا فيهما وإن كان صفة فهو واجب فى القديم ممكن فى الحادث فلا يكون أمرًا واحدًا فيهما وإلا لكان الواحد بالحقيقة واجبًا لذاته ممكنًا وأنه محال.
الجواب: أن الاختلاف فى الوجوب والإمكان لا يمنع التواطؤ كالعالم والمتكلم فإنهما فى القديم واجبان وفى الحادث ممكنان مع أنهما مشتركان فى معنى قطعًا.
فإن قلت: لِمَ ألزم من الاشتراك معنى التواطؤ والتشكيك محتمل.
قلت: إما لأنه لا يرى التشكيك فإنه قال فى المنتهى: واعترض أن ذلك إن كان مأخوذًا فى الماهية فلا اشتراك وإلا فلا تفاوت ولم يجب عنه.
والجواب: أنه مأخوذ فى ماهية ما صدق عليه ذلك دون ماهيته وإما لأنه توسع فى تسمية الشئ بأحد قسميه.
قالوا: لو وضعت الألفاظ المشتركة لاختل المفصود من الوضع واللازم باطل بيان الملازمة أن الفهم لا يحصل مع الاشتراك لخفاء القرائن، قيل: وما يظن به ذلك فإما مجاز أو متواطئ.
الجواب: لا نسلم أن الفهم التفصيلى لا يحصل مع الاشتراك لأن المقصود
يعرف بالقرائن مفصلًا كما ترى سلمناه لكن ليس المقصود التفاهم التفصيلى فى كل اللغة تدليل أسماء الأجناس بل قد يقصد التعريف الإجمالى كما يقصد التفصيلى.
قوله: (وإلا عبر عنه) يعنى إن كان المخالف متعينًا بأن كان القولان على طرفى نقيض أى الحكم كذا أو ليس كذا من غير تصور واسطة يكتفى بقوله: قالوا لتعيين القائل وإن لم يتعين بأن يكون فى المسألة ثلاثة أقوال أو أكثر يعبر عن دليل المخالف بذكر اسم مثل: القاضى الإمام أو بالوصف الحاصل من مذهبه مثل: المبيح المحرم أو بنفس مذهبه مثل: الإباحة التحريم.
قوله: (وقولنا معًا احتراز عن المنفرد) لا خفاء فى ذلك وإنما الكلام فى أنه هل يفتقر إلى هذا الاحتراز بعد قولنا القرء للطهر والحيض فإنا نقطع بأن المنفرد ليس لمعنيين ولهذا ذهب الشارح العلامة إلى أنه احتراز عن المشترك معنى كالمتواطئ والمشكك وقولنا: على سبيل البدل عن الموضوع للجميع من حيث هو.
قوله: (بل لا نسبة إلى ما وضع له) فيه بحث لأن عدم التناهى لا ينافى نسبة الأكثرية لأن معناها زيادة عدده كما يقال: ما فوق العشرة أكثر مما دونه نعم لو أضيف الأكثر إلى غير المتناهى مثل أكثر المسميات على ما هو عبارة المتن لم يصح لأن معناه ما فوق النصف ولا نصف لغير المتناهى.
قوله: (المختلفة والمتضادة) سيجئ أن المفهومين إن اشتركا فى الصفات النفسية فتماثلان وإلا فإن كانا معنيين يمتنع اجتماعهما فى محل واحد من جهة واحدة فمتضادان وإلا متخالفان.
قوله: (من اثنى عشر اسمًا) هى الواحد إلى العشرة والمائة والألف والباقى تركيب مثل أحد عشر أو عطف مثل أحلى وعشرون أو تثنية أو جمع مثل مائتان وآلاف أو شبه جمع مثل عشرون وثلاثون إلى تسعين.
قوله: (بالإضافة إلى المحل) مثل: رائحة المسك والزعفران أو غير الإضافة كالوصف مثل: رائحة طيبة أو الإضافة إلى وصف المحل مثل: رائحة الحلاوة.
قوله: (وكذلك كثير من الصفات) كالحركات وأنواع الحرارات.
قوله: (فهو واجب فى القديم) أى لا يجوز زواله لكونه مقتضى الذات (ممكن
فى الحادث) أى يجوز زواله نظرًا إلى الذات إذ لا تقتضى الوجود فقوله: وإلا لكان الواحد بالحقيقة واجبًا لذاته ممكنًا ليس على ما ينبغى بل اللازم كون الواحد بالحقيقة واجبًا لذات ممكنًا لذات أخرى، وتحقيق الجواب أنه إن أريد بالواحد بالحقيقة الماهية النوعية الواحدة فالملازمة ممنوعة إذ الاشتراك فى المفهوم لا يقتضى ذلك وإن أريد الواحد بالمفهوم فبطلان التالى ممنوع إذ لا امتناع فى كون بعض أفراد المفهوم الواحد مختلفًا للبعض فى اللوازم، وإن كان المفهوم ذاتيًا لها كأنواع الحيوان فكيف إذا كان عارضًا.
قوله: (مع أنهما) أى العالم فى القديم والعالم فى الحادث مشتركان فى مفهوم العلم، وكذا المتكلم فى القديم والمتكلم فى الحادث مشتركان فى الكلام النفسى.
قوله: (فإن قلت لِمَ ألزم) أى المصنف (من الاشتراك المعنوى التواطؤ) أى كون اللفظ الموجود متواطئًا حيث علل لزوم التواطؤ بكونه حقيقة فى القديم والحادث فإن معناه أنه على تقدير عدم الاشتراك اللفظى لما كان حقيقة فيهما كان متواطئا، فقوله: معنى تمييز والتواطؤ مفعول منصوب ألزم وقد يصحف معنى التواطؤ على الإضافة فيعترض بأنه لم يلزم معنى التواطؤ من الاشتراك بل من نفى الاشتراك.
قوله: (واعترض) أى على التشكيك بأن ذلك الأمر الزائد الذى به التفاوت إن كان مأخوذًا فى مفهوم المشكك فلا اشتراك فيه للأفراد؛ لأنه يوجد فى الأشد دون الأضعف وإن لم يكن مأخوذًا فيه فلا تفاوت بين الأفراد فى ذلك المفهوم، مثلًا إن كان مفهوم البياض هو اللون المفرق للبصر مع الخصوصية التى توجد فى الثلج فلا اشتراك للعاج فيه وإن كان مجرد اللون المفرق فالكل فيه على السواء، والجواب أنه مأخوذ فى ماهية الفرض الذى يصدق عليه المشكك كبياض الثلج لا فى نفس مفهوم المشكك كالمطلق البياض؛ فالأفراد متفاوتة الماهيات فى ذلك المفهوم والمفهوم مشترك بين الكل.
قوله: (وإما لأنه توسع فى تسمية الشئ) الذى هو المشترك المعنوى بأحد قسميه الذى هو المتواطئ فذكر المتواطئ وأراد المشترك معنى.
قوله: (قيل وما يظن) دفع من جانب مانع الاشتراك لما يتمسك به المثبتون من المشتركات.
قوله: (واستدل عن دليل المختار الذى يزيفه) قد خالف هذا الاصطلاح فى مباحث النسخ حيث قال: واستدل بأن إبراهيم أمر بالذبح فإنه قد أورد عليه الاعتراض وأجاب عنه فبقى أصل الدليل سالمًا.
قوله: (هذا إذا كان المذهب المخالف متعينًا) وذلك بأن يقتسم المذهبان النفى والإثبات (وإلا) أى: وإن لم يكن الذهب الخالف متعينًا بأن لا يقتسما النفى والإثبات بل يكون هناك احتمالات كل واحد منها أو بعضها مذهب لطائفة (عبر عنه) أى: عن المذهب المخالف (بذكر ذى المذهب) إما (باسمه) لقبًا كان أو غيره (أو بنسبته إلى المذهب أو) عبر عنه (بذكر) نفس (المذهب) وقد مثل للثلاثة على الترتيب.
قوله: (وعن الأجوبة) يعبر عنها سواء كانت أجوبة عن الأدلة المزيفة على المختار أو عن أدلة الخصم.
قوله: (ونحوه) مثل عورض وقلنا.
قوله: (وأمثاله) أى أمثال ما ذكر من نحو لا يقال وإن قيل.
قوله: (هل اللفظ المشترك واقع فى اللغة) قد بقال: المشترك إما أن يجب وقوعه أو يمتنع أو يمكن؛ وحينئذ إما أن يكون واقعًا أو لا فانحصرت الاحتمالات العقلية فى أربعة وقد ذهب إلى كل منها طائفة إلا أن مرجعها إلى اثنين إذ لا يتصور ههنا وجوب ولا امتناع بالذات بل بالغير فهما راجعان إلى الإمكان، فالواجب هو المكن الواقع والممتنع هو المكن غير الواقع فلذلك لم يتعرض المصنف إلا للوقوع وعدمه.
قوله: (على أن القرء) هو بفتح القاف فى اللغة الفصيحة وقد يضم وقوله: (وهو معنى الاشتراك) أى كون اللفظ الواحد موضوعًا لمعنيين معًا على سبيل البدل من غير ترجيح معنى الاشتراك.
قوله: (وقولنا: معًا) حاصله أن اللفظ المفرد وهو الموضوع لمعنى واحد إذا وقع فى معناه شك بحيث يتردد بين معنييه صدق عليه أنه للمعنيين معًا من غير ترجيح وليس بمشترك فى نفس الأمر ولا عند المشكك فاحترز عنه بقوله: معًا إذ لا يصدق عليه أنه لهما معًا فلئن قلت كون اللفظ لمعنيين إما أن يراد به كونه موضوعًا لهما
فاللام على حالها، أو مستعملًا لهما فاللام بمعنى "فى" أو على حالها لوجود معنى الاختصاص هناك وعلى التقديرين لا يندرج فى التعريف المنفرد المشكوك فيه، إذ ليس موضوعًا ولا مستعملًا للمعنيين فلا حاجة إلى الاحتراز عنه قلت: لما دار وضعه واستعماله بين المعنيين عند التشكك جاز انتسابه إليهما فى الوضع والاستعمال بحسب الظاهر عنده فاحترز عنه زيادة احتياط.
قوله: (وقولنا: على البدل عن المتواطئ) أى احتراز عنه لأنه للقدر المشترك بين أفراده لا لها وقد يقال: فلا حاجة إلى الاحتراز عنه إذ ليس موضوعًا لأكثر من معنى واحد فهو خارج عن التعريف وكذلك إن قدر الاستعمال فإنه يستعمل فى القدر المشترك حقيقة فقط، وأما استعماله فى خصوصيات الأفراد فبالمجاز، والجواب: أن ذلك بحسب الظاهر أيضًا فإن المتواطئ يحصل على أفراده بطريق الحقيقة فيظن أنه موضوع لها أو يستعمل فيها حقيقة وليس كذلك بل هو موضوع للمشترك ومستعمل فيه وقد حمل هو على الأفراد فلذلك احترز عنه بقوله: على البدل، فإنه وإن كان موضوعًا للأفراد أو مستعملًا لها بحسب الظاهر لكن ذلك الوضع أو الاستعمال ليس على البدل بل باعتبار القدر المشترك.
قوله: (وعن الموضوع للجميع) أى: احتراز عن الموضوع لمجموع معنيين أو أكثر من حيث المجموع.
قوله: (وقولنا: من غير ترجيح عن الحقيقة والمجاز) يعنى أنه احتراز عن اللفظ بالقياس إلى معنييه الحقيقى والمجازى فإنه بهذا الاعتبار لا يسمى مشتركًا، وهذا الاحتراز إنما يحتاج إليه على تقدير اعتبار الوضع إذا قيل بكون المجاز موضوعًا وإلا فهو خارج به، وأما على اعتبار الاستعمال فالاحتياج إليه واضح لكنه يتوجه عليه شيئان أحدهما: أن اللفظ الموضوع لمعنيين على السوية لا يوصف بالاشتراك إلا بعد الاستعمال وقد يلزم كما فى الحقيقة والمجاز وثانيهما: أن اللفظ المنفرد إذا كان له مجازان متساويان قد استعمل فيهما يلزم أن يكون مشتركًا فالحق اعتبار الوضع كما ينبئ عنه قوله: وعن الموضوع للجميع حيث لم يقل: وعن المستعمل له، وأيضًا كون اللام صلة للوضع أظهر من كونها صلة للاستعمال.
قوله: (لخلت أكثر المسميات) يريد المعانى، وإنما أطلق عليها المسميات تنبيهًا على استحقاقها التسمية بالألفاظ (عن الاسم) أى اللفظ الدال عليها اسمًا كان أو
فعلًا أو حرفًا فإن الاسم بحسب اللغة يتناولها.
قوله: (وهو ظاهر) لأن من المعانى مراتب الأعداد التى لا تتناهى.
قوله: (لتركبها من الحروف التناهية) أى فى اللغة المفروضة؛ فإن حروف لغة العرب بل أية لغة فرضت متناهية قطعًا بل لو ادعى ذلك فى حروف جميع اللغات لم يبعد.
قوله: (مرات متناهية) إنما قال ذلك؛ ليلزم تناهى الألفاظ إذ لو كان الضم مرات غير متناهية كان الحاصل غير متناه.
قوله: (كان الموضوع له متناهيًا) لمساواته المتناهى الذى هو الألفاظ.
قوله: (وهى الأكثر) يعنى: أن المعانى الباقية هى أكثر المسميات فاللام فى الأكثر للعهد الخارجى ولذلك لم يؤنثه بل لا نسبة للباقية إلى ما وضع اللفظ له لعدم تناهى الباقية مع كونه منها هكذا قيل وقد يقلب الدليل فيقال: لو وقع المشترك فى اللغة على ما زعمتموه من اشتراك اللفظ بين معان متناهية لخلت أكثر المسميات إذ لو فرض اشتراك كل لفظ من الألفاظ المتناهية بين معانٍ كثيرة متناهية كان الموضوع له متناهيًا ضرورة أن المركب من أمور متناهية العدة كل واحد منها عدة متناهية يكون متناهيًا فى العدة فيخلو أكثر المعانى عن الاسم ويظهر منه أن المستلزم للخلو ليس عدم الاشتراك المدعى.
قوله: (ولا نسلم أن المعانى المختلفة والمتضادة غير متناهية) المعانى منحصرة فى ثلاثة أقسام: المتماثلة والمتضادة والمتخالفة لما سيأتى من أنها إما أن تتساوى فى صفات النفس وهى ما لا يحتاج الوصف به إلى تعقل أمر زائد؛ كالإنسانية للإنسان والحقيقة والوجود، والشيئية له فهى المتماثلة كأفراد الفرس مثلًا أو لا، فإما أن تتنافى بأنفسها أى يمتنع اجتماعها فى محل واحد بالننطر إلى ذواتها فهى المتضادة كأنواع الألوان أو لا فهى المتخالفة كالسواد والحركة والحلاوة إذا تمهد هذا فنقول: لا نسلم أن المختلفة والمتضادة غير متناهية، وأما المتماثلة فإنها وإن كانت غير متناهية لكن لا يجب الوضع لها ولا يحتاج إليه بحسب خصوصياتها غير المتناهية بل باعتبار الحقيقة الواحدة التى اتفقت هى فيها.
قوله: (سلمناه) أى كون المختلفة والمتضادة غير متناهية أو وجوب الوضع والاحتياج إليه لخصوصيات المتماثلة.
قوله: (سلمناه لكن لا نسلم لزوم الخلو) يريد سلمنا الاحتياج إلى الوضع لجميع المعانى غير المتناهية لكن لا نسلم لزوم خلو بعض المعانى عن الألفاظ لولا الاشتراك فإن تركب الألفاظ من الحروف المتناهية لا يستلزم تناهيها لجواز تناهى الصور الحالة فى تلك الحروف بضم بعضها إلى بعض على وجوه مختلفة من الحركات والسكنات والعدة مرات غير متناهية أوَلا ترى أن مراتب الأعداد غير متناهية ويمكن التعبير عن جميعها بالتصرف فى اثنى عشر اسمًا فالمركب منها غير متناه لاختلاف وجوه التأليف فما ذكرناه أولى.
قوله: (إذ يمكن التعبير عنها بالإضافة إلى المحل) كأن يقال: رائحة المسك أو العنبر (وغيرها) كالموافقة والمخالفة للطبع فيقال: رائحة طيبة أو كريهة وفى بعض النسخ (لكن لا نسلم الثانية وهو بطلان اللازم إذ من المسميات المختلفة ما لا يوضع له اسم ويعبر عنه بالألفاظ المجازية بل قال ابن متويه: أكثر اللغة مجاز وكأنواع الروائح ولا يختل مقصود الوضع. . . إلخ) فقوله: وكأنواع الروائح عطف على قوله: المجازية، والتقدير: ويعبر عنه بالألفاظ المجازية وبالحقيقة كأنواع الروائح فإن التعبير عنها بالإضافة إلى المحل وغيرها على سبيل الحقيقة.
قوله: (وكذلك كثير من الصفات) فإن مراتب الشدة والضعف فى الحركة والحلاوة لم يوضع لخصوصياتها ألفاظ مع التمكن عن التعبير إما بالألفاظ المجازية أو الحقيقة.
قوله: (فلإطلاقه عليهما حقيقية) إما للاتفاق على ذلك كما ذكره الآمدى فى منتهاه وإما لعدم صحة سلب الوجود عن شئ منهما فى نفس الأمر.
قوله: (لكان) أى إطلاقه عليهما حقيقة باعتبار وضعه لمعنى عام مشترك بين القديم والحادث ضرورة انحصار إطلاق اللفظ حقيقة على معنيين فى الاشتراك اللفظى والمعنوى فإنه إذا لم يكن موضوعًا لخصوصية كل منهما والأمر مشترك بينهما، فإما أن لا يكون موضوعًا لخصوصية شئ منهما فلا يكون حقيقة فى واحد منهما، وإما أن يكون موضوعًا لخصوصية أحدهما فقط فهو فيه حقيقة وفى الآخر مجاز فإن قلت: المنقول حقيقة فى معنييه وليس من المشترك لفظًا ولا معنى قلت: إن لم يكن النقل لمناسبة فهو من المشترك اللفظى إذ هو موضوع لهما على السوية، وإن كان لمناسبة فهو حقيقة فى المعنى الأول مجاز فى الثانى بحسب
اللغة، وحقيقة فيه ومجاز فى الأول بحسب العرف ولاندراجه تحتهما لم يتعرض له المصنف فى التقسيم السابق لا يقال: على تقدير وضعه لأمر مشترك بينهما لا يكون حقيقة فى شئ منهما؛ لأن إطلاق العام على الخاص على تقدير الجواز من أقسام المجاز؛ لأنا نقول: إذا أطلق العام وأريد الخاص من حيث خصوصه كان مجازًا، وأما إن أطلق عليه باعتبار عمومه أى باعتبار ما فيه من معنى العام وتستفاد الخصوصية من القرائن حالية أو مقالية فهو حقيقة لم يطلق إلا على معناه، وكذلك إذا حمل العام على الخاص بحسب معناه كان حقيقة أيضًا كقولك: الإنسان حيوان.
قوله: (وهو) أى كونه موضوعًا لأمر عام مشترك بينهما (معنى التواطؤ) يعنى الاشتراك المعنوى كما سيأتى.
قوله: (وأما الثانية) أى المقدمة الثانية وهى بطلان اللازم.
قوله: (فليس أمرًا واحدًا فيهما) لأن ذات الواجب تعالى مخالفة لسائر الذوات بالحقيقة وإن كان المسمى صفة فهو واجب فى القديم تعالى ممكن فى الحوادث.
قوله: (وأنه محال) لأن الوجوب بالذات والإمكان من لوازم الماهيات وهما متنافيان وتنافى اللزوم ملزوم لتنافى الملزومات فيلزم منافاة الشئ لنفسه، والجواب: إن أريد بوجوب الصفة فى القديم أن تلك الصفة واجبة بذاتها فهو ممنوع كيف والوجوب الذاتى ينافى الصفة لاحتياجها إلى الموصوف؟ وإن أريد أن تلك الصفة واجبة لذات القديم سبحانه بمعنى: أن ذاته تقتضيها اقتضاء تامًا فهو صحيح، وعلى هذا فإمكانها فى الحادث أن ذاته لا تقتضيها كذلك ولا استحالة فى كون الصفة الممكنة فى نفسها الواحدة بالحقيقة ثابتة لذاتين تقتضيها إحدهما دون الأخرى، فظهر أن الاختلاف فى الوجوب والإمكان لا يمنع التواطؤ أى الاشتراك المعنوى لا حققناه من أن الوجوب والإمكان راجعان إلى ذاتى القديم والحادث فاللازم حينئذ اختلاف الذاتين لا الصفة والقول بأن رجوعهما إلى الصفة يستلزم كون إحدى الصفتين مخالفة للأخرى فى الحقيقة ولا يمنع ذلك من اشتراكهما فى أمر عام بوضع اللفظ بإزائه كالسواد والبياض المشتركين فى معنى اللون باطل لأنا ننقل الكلام إلى ذلك الأمر العام المسمى بالوجود فإنه واجب فى القديم ممكن فى الحادث.
قوله: (كالعالم والمتكلم فإنهما فى القديم واجبان) لاقتضاء ذاته إياهما (وفى الحادث ممكنان) لعدم اقتضاء ذاته لهما (مع أنهما) أى العالم فى القديم والعالم فى الحادث مشتركان فى معنى قطعًا وإن كانا ممتازين بحسب الخصوصيات، ولفظ العالم إنما هو موضوع بإزاء ذلك المعنى وكذا الحال فى المتكلم، أو مع أن القديم والحادث مشتركان فى معنى باعتبار العلم والتكلم هو الذى وضع بإزائه العالم والمتكلم، وإنما أورد المثالين توضيحًا للمنع بناء على أن الاشتراك المعنوى فيهما أظهر كما أشار إليه الشارح بقوله قطعًا.
قوله: (فإن قلت: لِمَ ألزم) يعنى أن اللازم من انتفاء الاشتراك اللفظى هو الاشتراك المعنوى المنقسم إلى التواطؤ والتشكيك فلا يستلزم شيئًا منهما فلِمَ ألزم المصنف من الاشتراك المعنوى اللازم لانتفاء الاشتراك اللفظى (التواطؤ والتشكيك محتمل) فقوله: معنًى منون: تمييز للاشتراك والتواطؤ منصوب على أنه مفعول ألزم، ولحتمل احتمالًا بعيدًا أن يضاف معنى إلى التواطؤ ويقدر الكلام هكذا: لم ألزم من عدم الاشتراك أى لفظًا فإنه المتجادر عند الإطلاق معنى التواطؤ.
قوله: (واعترض أن ذلك) التفاوت الذى بين أفراد المشكك (إن كان مأخوذًا فى الماهية) يعنى فى معنى المشكك (فلا اشتراك) معنويًا هناك ضرورة أن البياض المأخوذ مع خصوصية الشدة مثلًا معنى، والمأخوذ مع خصوصية الضعف معنى آخر، والفرض أن تلك الخصوصيات داخلة فى مسمى لفظ البياض فيكون مشتركًا لفظيًا لا معنويًا، وإن لم يكن التفاوت مأخوذًا فى مسمى المشكك بل يكون مسماه مثلًا مطلق البياض المشترك بين أفراده فلا تفاوت فى مسمى المشكك لتساويه فيها فيكون متواطئًا فلا تشكيك أصلًا، والجواب: أن التفاوت مأخوذ فى ماهية ما صدق عليه ذلك أى مسمى المشكك من أفراده دون ماهية مسماه فلا يلزم التواطؤ لاعتبار التفاوت فى الأفراد ولا الاشتراك لعدم اعتباره فى ماهية المسمى، والحاصل أن التفاوت إنما هو فى الإيراد لا مطلقًا بل باعتبار حصوله فيها وصدقه عليها فالمعنى الواحد إذا كان حاصلًا فى أفراد صادقًا عليها فإما أن تختلف تلك الأفراد فى حصوله فيها وصدقه عليها أو لا فالأول هو المشكك والثانى هو المتواطئ، وعلى هذا فقوله: إذا لم يكن التفاوت مأخوذًا فى المسمى فلا تفاوت إن أراد به أن لا تفاوت فى المسمى من حيث هو فمسلم لكن لا يستلزم ذلك التواطؤ لجواز
الاختلاف والتفاوت فيه بالقياس إلى الأفراد، وإن أراد أنه لا تفاوت أصلًا فممنوع لجواز التفاوت باعتبار الصدق عليها وبهذا القدر يتم الكلام، وأما إن المراد بما صدق عليه هل هو الحصص التى هى أفراد اعتبارية له أو الأفراد الحقيقية وأن مسمى المشكك هل يجوز أن يكون ذاتيًا لماهية الأفراد الحقيقية أو لا؟ وأن وجوه التفاوت داخلة فى ماهية الأفراد أو الحصص أو فى هوية إحداهما وأن التشكيك ينحصر بالاستقراء فى ثلاثة أقسام فما لا يتوقف عليه المرام مع احتياجه إلى تعمق فى الأنظار وتطويل فى الكلام.
قوله: (وإما لأنه توسع فى تسمية الشئ) أى: الاشتراك المعنوى بأحد قسميه الذى هو التواطؤ إطلاقًا للخاص على العام وأيًا كان فالمراد بالتواطؤ الاشتراك معنى.
قوله: (وما يظن به ذلك) أى الاشتراك لفظًا فإما حقيقة ومجاز بأن يكون موضوعًا لأحدهما واستعمل فى الآخر للمناسبة وكثر ذلك فيهما فاشتبه المعنى الحقيقى بالمجازى فظن أنه مشترك بينهما، وإما متواطئ لكونه موضوعًا للقدر المشترك فاستعمل فيهما باعتباره فظن الاشتراك بينهما.
قوله: (كما ترى) أى فى الألفاظ المشتركة المستعملة مع القرائن الحالية أو المقالية التى يفهم منها المقصود تفصيلًا.
قوله: (بدليل أسماء الأجناس) فإنها لا تدل على تفاصيل ما تحتها ولا يقصد بأنفسها ذلك بل يفهم أمر مجمل سواء قيل: إنها موضوعة للحقائق بقيد الوحدة أو لها من حيث هى لكنها تطلق على فرد منها باعتبار اشتماله عليها.
قوله: (بل قد يقصد التعريف الإجمالى) إما لأن العلم قد تعلق بمجمل، وإما لأن التفصيل يلزمه محذور.
قوله: (بحسب الظاهر عنده) يعنى أن اللفظ الموضوع على البدل للمفسر من غير توضيح يصدق على اللفظ باعتبار المعنيين اللذين وقع الترديد بينهما بالنسبة إلى الوضع بأن يقال: اللفظ إما أن يكون موضوعًا لهذا أو لذاك وكذا الاستعمال فإن الحاصل من هذا الترديد أن اللفظ إن لم يكن موضوعًا لهذا كان موضوعًا لذاك وإن لم يكن موضوعًا لذاك كان موضوعًا لهذا فوقع كل واحد منهما بدلًا عن
الآخر فصدق على هذا اللفظ أنه موضوع لهذين المعنيين على البدل أى إذا اندفع نسبة الوضع إلى أحدهما وجد نسبته إلى الآخر وهذا الحكم بالنظر إلى الظاهر هو الترديد الكائن عند المشكك وإذا قطع النظر عن هذا الظاهر ولوحظ حال اللفظ بحسب نفس الأمر لم يكن ذلك اللفظ موضوعًا إلا لأحدهما.
قوله: (يلزم أن يكون مشتركًا) بحسب الاتفاق على امتناع اجتماع الانفراد والاشتراك فى لفظ واحد بالاعتبارين وإلا يجوز التزام ما ذكره فإن اللفظ المنفرد إن اعتبر فيه اتحاد ما وضع له فاللفظ منفرد باعتبار مشترك وإن اعتبر فيه اتحاد ما استعمل فيه فلا يرد شئ.
قوله: (هى أكثر المسميات) لا يرد على هذه الإضافة أى إضافة الأكثر إلى المسميات ما ذكره الفاضل التفتازانى حيث قال: لو أضيف الأكثر إلى غير المتناهى قيل أكثر المسميات على ما هو عبارة المتن لم يصح لأن معناه ما فوق النصف ولا نصف لغير المتناهى وذلك لأن لفظ الأكثر الذى هو اسم مأخوذ من الكثرة التى هى الفرد ليس معناه إلا الزيادة بحسب الكثرة والعدد ولا يعتبر فيه أمر زائد هو الزيادة على النصف وما الدليل على ذلك واستلزم الزيادة بحسب العدد لكون الأكثر ما فوق النصف فى بعض الصور لا يوجب اعتباره فى الكل وإذا لم يعتبر النصف فى الأكثر تصير الإضافة صحيحة فمعنى قوله: المعانى الباقية أكثر المسميات أن البعض الذى هو المعانى الباقية عددها زائد على البعض الآخر ولا فساد.
قوله: (لعدم تناهى الباقية) فلا تثبت مناسبة عددية يحصل بها الضبط والتعيين مثل النصفية والثلثية وغير ذلك وانتفاء النسبة على هذا الوجه يستلزم عدم التناهى فقوله: بل لا نسبة لها يكون واقعًا موقعه.
قوله: (لكن لا يحتاج إلى التعبير إلا عما نعقله) بناء على أن المعانى المعقولة مضبوطة للواضع معلومة له فإذا وضع بإزائها الألفاظ حصل الاستغناء عن الألفاظ الواقعة بإزاء المعانى الآخر.
قوله: (ضرورة انحصار إطلاق اللفظ حقيقة على معنيين فى الاشتراك اللفظى والمعنوى) يرد عليه الألفاظ التى ليس لها أوضاع شخصية مثل الضمائر وأسماء الإشارة فإن لفظة "هذا" مثلًا تطلق على معانٍ كثيرة بطريق الحقيقة موضوعة لخصوصية كل واحد من المشار إليه وليس فيه اشتراك معنوى إذ ليس هذا اللفظ
موضوعًا بإزاء مفهوم كلى صادق على أفراد ما يشار إليه وليس فيه اشتراك لفظى أيضًا إذ ليس له أوضاع متعددة قيل لا يشترط فى الاشتراك اللفظى تعدد الوضع بل شرط فيه تعدد الموضوع له ولا يتعدد ذلك من تعريفهم المشترك.
قوله: (مخالفة لسائر الذوات بالحقيقة) يعنى أن الشارح أراد بقوله: فلأن الوجود إن كان هذا الذات أنه إن كان موضوعًا للذات والحقيقة المشتركة بين الفردين المستقلين القائمين بنفسهما لا الذات الموجود الخارجى وكذا فى جانب الصفة أى وإن كان حقيقة مشتركة بين الفردين الحالين فى القديم والحادث لزم أن تكون تلك الحقيقة واجبة بالذات وممكنة لأن الوجوب بالذات والإمكان من لوازم الماهيات.
قوله: (يعنى أنه يقتضيها اقتضاء تامًا) يمكن أن يقال: إن أريد بالاقتضاء التام أن وجود ما يقتضى المقتضى لا يتوقف على شئ مغاير لذات المقتضى فهو ممنوع فى الصفة المندرجة تحت المسمى بالوجود فى جانب الواجب تعالى لتوقف تلك الصفة على الإمكان الذاتى فيها وعلى الإيجاد من جانب الفاعل وإن أريد أن الصفة يستوعبها الموصوف بحيث يستحيل الانفكاك فهو لا يجب أن لا يكون بالنسبة إلى الصفة القائمة بالحادث وذلك ظاهر فلا يصح قول المعلل وإن كان صفة فهو واجب فى القديم ممكن فى الحادث فالأولى أن يفسر الواجب بما يفسره غيره وهو ما يجوز زواله فصار قول المعلل صحيحًا من هذا الوجه.
قوله: (لأنا ننقل الكلام إلى ذلك الأمر العام) فيه بحث لأن الوجوب والإمكان إذا كانا راجعين إلى الصفة ويستلزم أن يكون فردان من الصفة متخالفين فى الماهية لا يمتنع أن يكون هنا لفظ الموجود موضوعًا بإزاء مفهوم عام عارض لهذين الفردين إذ لا فساد فى أن ذلك الأمر العام واجب فى القديم ممكن فى الحادث ولما لم يكن الأمر الواحد الذى وضع لفظ الموجود بإزائه ذاتيًا لهذين الفردين لم يلزم من كون ذلك المعنى واحدًا مشتركًا بين هذين الفردين أن يجتمع الوجوب والإمكان فى شئ واحد حتى يلزم منافاة الشئ لنفسه.
قوله: (وأيًا ما كان فالمراد بالتواطؤ الاشتراك) بمعنى إذا كان هناك نسبة الشئ بأحد قسميه فإرادة الاشتراك معنى من التواطئ ظاهر وإذا قيل: كل ما هو مشترك معنى فهو من المتواطئ لانتفاء التشكيك لا يظهر ذلك التواطؤ وإرادة مفهوم الاشتراك معنى.
الشارح: (وهو معنى الاشتراك) وما قيل فى دفعه جاز كونه لمعنى واحد مشترك بين الحيض والطهر أو كونه حقيقة فى أحدهما مجازًا فى الآخر وكذا كل ما ظن أنه من المشترك اللفظى ويترجح الأول لأن الحقيقة أولى من المجاز مدفوع بأنه لا قدر مشترك بين الحيض والطهر وما قيل: هو الجمع لأنه من قرأت الماء فى الحوض إذا جمعته فيه والدم يجتمع فى زمن الحيض الرحم وفى زمن الطهر فى الجسد لا يخفى ما فيه وكذا كونه الشئ أو الموجود بعيد جدًا ويقتضى أن نحو الإنسان والفرس والقعود وما لا يحصى من أفراد القرء وهو باطل قطعًا وكونه حقيقة فى أحدهما مجازًا فى الآخر واشتهر المجاز بحيث يساوى الحقيقة فى التبادر نادر لا نسبة له بقابله فأظهر الاحتمالات كونه موضوعًا لكل من الحيض والطهر على البدل.
الشارح: (احتراز عن المنفرد) أى بجميع أحواله سواء كان مقطوعًا بمعناه أو مشكوكًا فيه وأما كون اللفظ للمعنيين فلا يخرجه بجميع أحواله فلذا جعل إخراجه بقوله معًا.
الشارح: (بضم بعضها إلى بعض) متعلق بقوله لتركبها.
الشارح: (هى المعانى المختلفة والمتضادة ولا نسلم. . . إلخ) يرد عليه أن مراتب الأعداد أنواع متخالفة وهى غير متناهية إلا أن يقال إن ما وجد منها متناه وإن كانت لا تقف عند حد.
الشارح: (إن كان هو الذات) أى بناء على رأى الشيخ الأشعرى من أن وجود الشئ عينه وعليه يكون لفظ الوجود مشتركًا اشتراكًا لفظيًا.
التفتازانى: (لتعين القائل) أى بكونه القائل بالنفى أو الإثبات كما فى مسألة المشترك التى نحن فيها فإن القولين فيها الوقوع وعدمه فلذا قال: قالوا: لو وضعت. . . إلخ.
التفتازانى: (إلى أنه احتراز عن المشترك معنى) أى فإنه باعتبار حمله على أفراده بطريق الحقيقة يصدق عليه أنه موضوع لأكثر من معنى واحد لكن ليس لذلك معًا باعتبار القدر المشترك.
التفتازانى: (لأن عدم التناهى لا ينافى نسبة الأكثرية. . . إلخ) أى وحينئذ فقول
الشارح: بل لا نسبة. . . إلخ. غير صحيح ورده السيد بأن أل للعهد والمعهود هو أكثر المسميات وعلى مقتضى ما ذكره السعد من أن ذلك يفيد أن الأكثر ما فوق النصف يكون الإضراب صحيحًا.
التفتازانى: (لأن معناه ما فوق النصف. . . إلخ) رد ذلك الهروى بأن الأكثر معناه الزيادة بحسب الكثرة والعدد ولا يعتبر فيه أمر زائد هو الزيادة على النصف ولا دليل على ذلك وإن كان يستعمل فى بعض الصور لما فوق النصف.
التفتازانى: (ليس على ما ينبغى) درج على أن ضمير لذاته راجع للواحد الحقيقى الذى هو الصفة وإنما كان ذلك على ما لا ينبغى لأن الصفة ليست واجبة لذاتها، وقوله: إن أريد الواحد بالحقيقة أى ولو جعلنا الضمير فى لذاته ليس راجعًا للواحد الحقيقى بل لوصوفه وهو الذات.
التفتازانى: (فالملازمة ممنوعة) سلم السيد الملازمة ومنع بطلان التالى حيث قال: ولا استحالة فى كون الصفة الممكنة. . . إلخ. عند إرادة ذات الموصوف لا ذات الواحد الحقيقى سواء كان المراد بالواحد الحقيقى النوع والحقيقة الواحدة أو المفهوم الصادق بالعارض والذاتى الذى ليس تمام الحقيقة خلافًا للسعد فإنه يبطل الملازمة عند إرادة النوع الحقيقى مع إرادة ذات الموصوف ويبطل اللازم إذا أريد المفهوم الصادق.
قوله: (كون اللفظ لمعنيين) أى المأخوذ من قوله على أن القرء للطهر والحيض.
قوله: (قلت لما دار وضعه. . . إلخ) دفع بذلك ما ذكره السعد من أنه لا افتقار إليه فى الاحتراز ومحصل الدفع أن الاحتراز به احتياطى.
قوله: (كما فى الحقيقة والمجاز) أى فإن الاستعمال شرط فى تحقق الحقيقة والمجاز.
قوله: (يلزم أن يكون مشتركًا) أى وليس كذلك للاتفاق على امتناع اجتماع الانفراد والاشتراك فى لفظ واحد بالاعتبارين.
قوله: (يريد المعانى. . . إلخ) أول بذلك لأنه لا معنى لكونها مسميات عند فرض خلوها عن الأسماء.
قوله: (بل لو ادعى ذلك فى جميع اللغات لم يبعد) لا معنى لهذا الإضراب بعد قوله بل أية لغة فرضت متناهية قطعًا إلا إذا كان المراد مجموع اللغات ومع ذلك لا
حاجة إليه.
قوله: (ولذلك لم يؤنثه) إذ لولا ذلك لوجبت المطابقة قال ابن مالك: وتلو ال طبق، وقوله: هكذا قيل يحتمل التبرى إشارة إلى أنه ليس بلازم أن يراد بالأكثر عند إضافته إلى المسميات التى لا تتناهى ما فوق النصف بل العدد الزائد وحينئذ فقول الشارح بل لا نسبة غير صحيح والتحقيق أنه إذا أريد النسبة العددية فالإضراب صحيح لأنها لا تكون فيما لا يعلم، وقوله: من اشتراك اللفظ بين معان متناهية إنما قيد بالمتناهية لضرورة أنه لا يتأتى الوضع لغير المتعقل وهو لا يكون إلا متناهيًا، وقوله: إن المركب من أمور متناهية العدة هى المعانى.
قوله: (كالإنسانية للإنسان) أى لأفراده.
قوله: (لجواز عدم تناهى الصور. . . إلخ) رده صاحب التحرير بأن الإخراج للصوت بضغط فى محال متناهية على أنحاء متناهية قال شارحه: أى الإخراج للصوت على وجه يحصل الحروف التى هى مادة الألفاظ يكون بضغط أى زحمة وشدة للصوت فى محال من الصدر والحلق وغيرهما متناهية على أنحاء أى أنواع من الكيفيات له متناهية فكيف لا تكون الألفاظ المركبة منها متناهية وهى هى.
قوله: (وأما لعدم صحة سلب الوجود عن شئ منهما) أى وهو علامة الحقيقة.
قوله: (ضرورة انحصار إطلاق اللفظ على معنيين فى الاشتراك اللفظى والمعنوى) اعترض بما وضع لأمور كثيرة وضعًا عامًا لموضوع له خاص كأسماء الإشارة والضمائر فإن لفظ هذا مثلًا يطلق على معان كثيرة بطريق الحقيقة وليس فيه اشتراك معنوى إذ ليس موضوعًا بإزاء مفهوم كلى ولا اشتراك لفظى لعدم تعدد الوضع إلا أن يقال المراد انحصار إطلاق اللفظ الذى لم يوضع وضعًا عامًا لموضوع له خاص.
قوله: (كما سيأتى) أى من أنه توسع فى تسمية الشئ باسم أحد قسميه أو أنه مبنى على نفى المشكك.
قوله: (بمعنى أن ذاته تقتضيها اقتضاءً تامًا) هذا التفسير مذكور فى المواقف ولا مانع من أن يراد به أنه لا يتأتى زواله فيكون موافقًا لما فسر به السعد الوجوب حيث قال أى لا يجوز زواله.
قوله: (والقول بأن رجوعهما. . . إلخ) أى كما يؤخذ من السعد، وقوله: لأنا نقول. . . إلخ. يرد بأن اتصاف المفهوم بالوجوب والإمكان باعتبار أفراده المختلفة الحقائق المندرجة تحته.
قوله: (فى ماهية ما صدق عليه) أى فى الأنواع الداخلة تحته فكل نوع ماهية أخذ فيها ذلك التفاوت والجميع أفراد للمشكك الذى هو الجنس الذى وضع اللفظ بإزائه.
قوله: (بل باعتبار حصوله فيها وصدقه عليها) ولذا فرق القرافى بين المتواطئ والمشكك بأن التفاوت إن كان بأمور من جنس المسمى فمشكك وإلا فتواطئ الأول كالبياض فإن أفراده تفاوتت باعتبار حصوله فيها وصدقه عليها والثانى كالإنسان فإن أفراده تفاوتت بالذكورة والأنوثة وهى ليست من جنس المسمى.
قوله: (وكثر ذلك فأشبه. . . إلخ) تقدم أن ذلك نادر بعيد لا يلتفت إليه.
قوله: (وأما متواطئ لكونه موضوعًا للقدر المشترك. . . إلخ) تقدم أنه لا يظهر فى مثل القرء للطهر والحيض.
قال: (مسألة: ووقع فى القرآن على الأصح كقوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وعسعس لأقبل وأدبر قالوا: إن وقع مبينًا طال بغير فائدة وغير مبين غير مفيد وأجيب فائدته مثلها فى الأجناس وفى الأحكام الاستعداد للامتثال إذا بين).
أقول: هل وقع المشترك فى القرآن قد اختلف فيه والأصح أنه قد وقع لنا قوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وهو مشترك بين الحيض والطهر وقوله:{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17]، وهو مشترك بين أقبل وأدبر.
قالوا: إن وقع فى القرآن فإما أن بقع مبينًا أو غير مبين وكلاهما باطل أما وقوعه مبينًا فإنه يلزم التطويل بلا فائدة لإمكان بيانه بمنفرد لا يحتاج إلى البيان فلا يطول وأما وقوعه غير مبين فإنه لا يفيد وحاصله لزوم ما لا حاجة إليه أو ما لا يفيد وكلاهما نقص يجب تنزيه القرآن عنه.
والجواب: لا نسلم أن وقوعه غير مبين غير مفيد لأنه يفيد فائدة إجمالية كما فى أسماء الأجناس ثم له فى الأحكام خاصة فائدة وهى الاستعداد للامتثال إذا بين وأنه مطيع بالعزم على الامتثال والاستعداد له كما يعصى بخلافه.
قوله: (طال بغير فائدة) ممنوع إذ ربما يقع البيان بالمجموع أو يشتمل الإبهام ثم التفسير على زيادة بلاغة كما يقرره علم المعانى.
قوله: (فأما أن يقع مبينا) كأن بقال مثلًا: عسعس بمعنى أقبل أو لا بمعنى أدبر.
قوله: (لإمكان بيانه بمنفرد) أى ما ليس بمشترك فلا يحتاج إلى بيان كأن يقال: أقبل أو أدبر وقد يقال: ربما لم يكن للمعنى المقصود لفظ منفرد فلا يمكن بيانه به.
قوله: (وحاصله لزوم ما لا حاجة إليه) أى فى إفهام المقصود وذلك على تقدير البيان أو ما لا يفيد المقصود وذلك على تقدير عدمه.
قوله: (والجواب) يعنى يختار وقوعه فى القرآن غير مبين وحينئذ إما أن يتعلق بالأحكام أو بغيرها فعلى الثانى تحصل فائدة إجمالية كما فى أسماء الأجناس وقد عرفت أنها قد تكون مقصودة وعلى الأول تحصل فائدة أخرى أيضًا وقد يختار وقوعه فيه مبينًا ولا نقص لأن ذكر الشئ مجملًا أولًا ومفصلا ثانيًا أبلغ وأوقع.
التفتازانى: (ممنوع إذ ربما يقع البيان بالمجموع) هذا مبنى على أن معنى قوله: طال بغير فائدة أن البيان بعد ذكر المشترك فيه تطويل من غير فائدة إذ يكفى ذكر البيان من غير ذكر المشترك وأما على أن معناه كما قال الشارح: إن المنفرد الذى يؤدى المراد مغن عن ذكر المشترك ثم بيانه لطوله بغير فائدة فلا يأتى هذا المنع.
قوله: (لأن ذكر الشئ مجملًا أولًا. . . إلخ) وأيضًا ربما لم يكن هناك منفرد يفيد معنى هذا المشترك المقرون بالبيان فلا يكون تطويلًا بل هو المتعين طريقًا للإفهام وأيضًا قد تكون القرينة لتعين المراد حالية فلا طول فى اللفظ.
قال: (مسألة: المترادف واقع على الأصح كأسد وسبع وجلوس وقعود قالوا: لو وقع لعرى عن الفائدة قلنا فائدته التوسعة وتيسير النظم والنثر للروى أو الوزن أو تيسير التجنيس والمطابقة قالوا: تعريف المعرّف قلنا علامته ثابتة).
أقول: قد اختلف فى أن المترادف هل هو واقع فى اللغة أم لا والأصح أنه واقع وقيل: ليس بواقع وما يظن منه من باب اختلاف الذات والصفة أو الصفات أو الصفة وصفة الصفة ونحوها لنا الاستقراء نحو جلوس وقعود للهيئة المخصوصة وسبع وأسد للحيوان الخاص وبهتر وبحتر للقصير وصلهب وشوذب للطويل.
قالوا: لو وقع المترادف لعرى الوضع عن الفائدة واللازم باطل أما الملازمة فلأن الواحد كاف فى الإفهام فلا فائدة لوضع الآخر وأما انتفاء اللازم فلأنه عبث وهو على الحكيم غير جائز.
والجواب: لا نسلم العراء عن الفائدة بل له فوائد منها: التوسع فى التعبير لكثرة الذرائع إلى المقصود فيكون أفضى إليه، ومنها تيسير النظم والنثر إذ قد يصلح أحدهما للروى أى القافية أو لوزن الشعر دون الآخر ومنها تيسير أنواع البديع كالتجنيس بأن يوافق أحدهما غيره فى الحروف دون صاحبه نحو رحبة رحبة ولو قال: واسعة لعدم التجانس وكالتقابل وهو ذكر معنيين متقابلين إذ قد يحصل بأحدهما دون الآخر، وإنما يتصور ذلك إذا كان أحدهما موضوعًا بالاشتراك لمعنى آخر يحصل باعتباره التقابل دون صاحبه كما قال خسنا خير من خسكم فقال خسنا خير من خياركم فوقع التقابل بين الخس والخيار بوجه ووقع بينهما المشاكلة بوجه آخر ولو قال خير من قثائكم لم يحصل التقابل.
قالوا: لو وقع الترادف لزم تعريف المعرف لأن اللفظ الثانى تعريف لما عرف بالأول وأنه محال.
الجواب: إنه نصب علامة ثانية لتحصيل المعرفة بهما بدلًا لا معًا وأنه غير محال.
قوله: (وما يظن منه) أى من المترادف فهو من اختلاف الذات والصفة بأن يكون أحد اللفظين موضوعًا لنفس الذات والآخر لصفة الذات كالإنسان والناطق، أو اختلاف الصافات كالمنشئ والكاتب أو الصفة وصفة الصفة كالمتكلم والفصيح أو
الجزء والصفة أو الجزء وصفة الصفة وأمثال ذلك.
قوله: (للروى) وهو الحرف الأخير من القافية، والقافية آخر كلمة فى البيت وقيل من آخر حرف فى البيت إلى أول ساكن قبله مع الحركة التى قبل الساكن، وقيل مع الحرف الذى قبل الساكن، وبالجملة قد يكون الروى هو الدال فيصح أسد دون سبع لكن لا ضرورة فى تفسير الروى بالقافية على ما فى أكثر النسخ ولا حاجة إلى عطفها عليه بأو على ما فى بعضها؛ إلا أن الشارح لما جعل اللام فى للروى متعلقًا بيصلح المقدر ومعلوم أن صلوح اللفظ المترادف إنما هو للقافية دون الروى فسره بها ولم يشعر كلامه بكيفية تفسير النثر بالمترادف والأولى أن يفسر الروى بالحرف الأخير من القافية أو الفاصلة على ما وقع فى عبارة علماء البديع ولا خفاء فى أن السجع والفاصلة قد تتيسر بأحد المترادفين دون الآخر.
قوله: (وكالتقابل) الأولى أن يقول وكالمطابقة على ما هو المذكور فى المتن والمتعارف عند علماء البديع وكأنه لاحظ معنى اللغوى؛ وإلا فالمقابلة عندهم هى الجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وبين ضديهما كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] الآية، وكذا إطلاقه المشاكلة على الجمع بين المعنيين المتوافقين كالخس بمعنى البقل والخيار بمعنى القثاء، إنما هو باعتبار اللغة وإلا فالمشاكلة عندهم ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوعه فى صحبته كقوله تعالى:{وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَة} [الشورى: 40]، {تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَم مَا فِى نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، وحين اعترض الشارح العلامة بأنه لا مدخل للترادف فى تفسير المطابقة، اللهم إلا على رأى من يشترط فيه الاتفاق بين اللفظين فى الوزن أو الحرف الأخير؛ تكلف الشارح المحقق ما تكلفه وأنت خبير بأن التجنيس فى رحبة رحبة والمطابقة فى خسنا خير من خياركم تحصل من اشتراك لفظ الرحبة بين الواسعة والفناء ولفظ الخس بين البقل والخسيس ولفظ الخيار بين الجياد والقثاء، وإن لم يوجد لفظ الواسعة والقثاء فلا مدخل للترادف فى ذلك وغاية ما يمكن أنه لما كان مثل لفظ الواسعة ولفظ القثاء موضوعًا فبوضع لفظ الرحبة ولفظ الخيار يتيسر التجنيس والمطابقة المذكوران.
قوله: (قد اختلف فى أن المترادف) الترادف توارد لفظين أو ألفاظ فى الدلالة على الانفراد بحسب أصل الوضع على معنى واحد من جهة واحدة فخرج بقيد
الانفراد التابع والمتبوع وباعتبار أصل الوضع الألفاظ الدالة على معنى واحد مجازًا والتى يدل بعضها مجازًا وبعضها حقيقة وبوحدة المعنى ما يدل على معان متعددة كالتأكيد والمؤكد وبوحدة الجهة الحد والمحدود، وقيل: فلا حاجة إلى تقييد الألفاظ بالمفردة احترازًا عن الحد والمحدود وقد يقال: إن مثل قولك الإنسان قاعد والبشر جالس قد تواردا فى الدلالة على معنى واحد من جهة واحدة بحسب أصل الوضع استقلالًا فإن سميا مترادفين وإلا احتيج إلى قيد الإفراد وهو الظاهر.
قوله: (وما يظن منه) يعنى وما يظن به أنه من قبيل الترادف ليس منه بل هو من باب اختلاف الذات والصفة أى بعضها موضوع للذات وبعضها للصفة كالإنسان والناطق أو اختلاف الصفة وصفة الصفة كالناطق والفصيح أو اختلاف الصفات المتعددة لذات واحدة لكن وقع الالتباس لشدة الاتصال بين هذه المعانى فظن أنها موضوعة لمعنى واحد.
قوله: (وهو على الحكيم غير جائز) ولا شك أن الواضع حكيم إن كان هو اللَّه سبحانه وإن كان غيره فكذلك لأن وضع هذا اللغات المشتملة على اللطائف الكثيرة والدقائق الغزيرة لا يتأتى إلا من حكيم له نوع اطلاع عليها.
قوله: (فيكون) أى التوسع فى التعبير أفضى إلى المقصود لإمكان التوصل إليه بأحدهما عند نسيان الآخر.
قوله: (إذ قد يصلح أحدهما للروى أى القافية) الروى هو الحرف الأخير من القافية الذى تبنى عليه القصيدة وتنسب إليه كاللام فى قوله قفا نبك والقافية عند الأخفش هى الكلمة الأخيرة من البيت كلفظة حومل فيه وعند غيره من آخر البيت إلى أقرب ساكن إليه مع الحركة السابقة عليه وقيل بل مع التحرك الذى قبله فعلى الأول القافية من حركة الحاء إلى آخر البيت وعلى الثانى من الحاء وإنما فسر الروى بالقافية لأن أحد المترادفين لا يصلح أن يكون رويًا بل قافية.
قوله: (أو لوزن الشعر) أى يصح الوزن بأحدهما دون الآخر وهو ظاهر هذا فى النظم وأما تيسر النثر فلأن الأسجاع فيه بمنزلة القوافى فربما صلح أحدهما لذلك دون الآخر وأيضًا فإن أحسن السجع ما تساوت قرائنه وقد يحصل ذلك بأحدهما فقط.
قوله: (وكالتقابل) الموجود فى الأحكام وفى أكثر نسخ المتن هو المطابقة وما
ذكره فى تعريف التقابل من أنه ذكر معنيين متقابلين تفسير للمطابقة على ما هو المشهور وأما التقابل فهو قسم منها وقد عرفوه بأن يؤتى بمعنيين متوافقين أو أكثر بما يقابلهما كقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82]، إلا أنه لا مناقشة فى الاصطلاحات فجاز أن يطلق التقابل على ما يسمى مطابقة وبالعكس.
قوله: (وإنما يتصور ذلك) أى حصول التقابل بأحد المترادفين دون الآخر والمقصود دفع ما قيل من أن الترادف لا دخل له فى تفسير المطابقة أصلًا إذ المعتبر فيها الجمع بين معنيين متضادين فقط إلا إن تعسر مع ذلك كون أحدهما موازنًا للآخر أو موافقًا له فى الحرف الأخير أو نحوهما وتقريره أن المعنى تيسير الترادف للمطابقة حصولها بأحد المترادفين دون الآخر وذلك ممكن إذا كان أحدهما موضوعًا بالاشتراك لمعنى آخر غير ما ترادفا عليه يحصل باعتبار ذلك المعنى الآخر التقابل دون صاحبه أى لا يكون هو موضوعًا للمعنى الذى يحصل التقابل باعتباره كما قال بصرى لبغدادى: خسنا خير من خسكم فقال البغدادى فى جوابه خسنا خير من خياركم فوقع التقابل بين الخس والخيار بوجه وهو أن يراد بالخس الخسيس وبالخيار خلاف الأشرار ووقع بينهما المشاكلة أيضًا بوجه آخر وهو أن يراد بالخس النبت المعروف وبالخيار القثاء والمراد من المشاكلة هو التناسب المسمى بمراعاة النظير أعنى جمع أمر مع ما يناسبه لا بالتضاد ولا لمشاكلة المصلحة التى هى ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوعه فى صحبته ولو قال: خسنا خير من قثائكم لم يحصل التقابل أصلًا بل كان هناك مشاكلة ثم إنك تعلم أن التقابل مع التشاكل فى هذا الكلام إنما نشأ من اشتراك كل من الخس والخيار بين معنييه فلاشتراك الخيار بين المعنيين مدخل فى حصول التقابل بخلاف كونه مرادفًا للقثاء إذ لا أثر له فى ذلك قطعا فإنا لو فرضنا أن القثاء لم يوضع لعناه لم يضر ذلك فى التقابل أصلًا نعم إذا فرض وضع القثاء لمعناه مقدمًا على وضع الخيار له كان لوضعه له مع ملاحظة وضعه للمعنى الآخر دخل فى حصول التقابل وبهذا يتم المطلوب إذ يكفى سندًا للمنع ولا يقدح فيه أنه لو عكس الغرض لم يكن لوضع القثاء أثر فى حصوله قيل هذا التوجيه إنما يصح لو كان عربيًا وقد صرح الجوهرى بخلافه والكلام فى المترادف من لغة واحدة إذ لا منكر له من اللغات المتعددة والصحيح أن تيسير الترادف للمطابقة فيما إذا أريد تكرارها بغير ما وقعت به أولًا فيقال مثلًا فيه قبض
وبسط وإمساك وإطلاق ويتكرر بدون استقباح والجواب بعد كونه مناقشة فى مثال جزئى لا ينحصر المطلوب فيه أن الخيار بعد استعمال العرب إياه صار فى حكم موضوعات لغتهم فإنهم قد اعتبروا وضعه لذلك المعنى وإن كان من غيرهم ثم استعملوه فيه فيرد أن اعتبار هذا الوضع مع وضع القثاء عندهم لذلك المعنى يستلزم عراء أحدهما عن الفائدة بالقياس إليهم وأما ما ذكره من التوجيه ففيه أن الأصل فى قرائن الأسجاع وتنافى حكمها اختلاف المعانى وأيضًا الحاصل من الترادف هناك فى الحقيقة دفع التكرار اللفظى لا حصول المطابقة ولا اختصاص له بها إذ قد يقصد دفع التكرار لفظًا فى تكرير غيرها معنى.
قوله: (وباعتبار أصل الوضع) فإن قلت: الدلالة بحسب الوضع تنقسم إلى المطابقة والتضمن والالتزام ولا اختصاص لها بأحدها فيه وعلى هذا التعريف توارد اللفظين الموضوعين لمعنيين لهما لازم ذهنى فإن كل واحد من هذين اللفظين يدل على الانفراد بحسب الوضع على المعنى الواحد الذى هو من جهة واحدة أى ليس لذلك المعنى جهتان يكون باعتبار كل واحد منهما مدلولًا للفظ كالإجمال والتفصيل فى الحد والمحدود فإن المعنى الواحد هنا من حيث الإجمال معنى المحدود حاصله أن المعنى يكون فى ضمن كل واحد من اللفظين على نهج واحد قلت: يمكن إخراج ما ذكر بقوله: بحسب أصل الوضع أى الأصل الذى هو الوضع فإن الدلالة المطابقية مبنيًا على الوضع والتضمن مبنية على كون المعنى جزءًا لا وضع اللفظ بإزائه والالتزام مبنية على كون المعنى لازمًا لما وضع اللفظ له فالمعنى توارد اللفظين فى الدلالة التى أصلها الوضع ومبنية عليه ولذا قال وباعتبار أصل الوضع الألفاظ الدالة على معنى واحد مجازًا وأنت تعلم أنه لا مجال لقولنا فى التعريف بحسب الوضع له قيل معنى وحدة الجهة اتحاد سبب الدلالة فى الحد والمحدود لتعدد السبب لأن فى الحد أوضاعًا مختلفة وفى المحدود وضعًا واحدًا وفى الصورة المفروضة تعدد السبب ظاهر وسيأتى كلام يحصل منه احتمال لهذين المعنيين لقوله من جهة واحدة فى الحاشية المكتوبة على قولهم إن الحد والمحدود مترادفان.
قوله: (حصولها بأحد المترادفين) حصر الآخر بتيسير الترادف للمطابقة يقتضى أن يكون لخصوصية اللفظ يدخلها فإذا تعدد اللفظ لمعنى واحد حصل التيسير إذ لو لم يحصل بأحدهما يحصل بالآخر.
الشارح: (نحو رحبة رحبة) ونحو اشتريت البر وأنفقته فى البر ومنه قول ابن الفارض:
فطوفان نوح عند نوحى كأدمعى
…
وإيقاد نيران الخليل كلوعتى
قوله: (توارد لفظين. . . إلخ) والمترادف لفظ دال بالوضع على مدلول لفظ آخر دال بالوضع باعتبار واحد.
قوله: (التابع والمتبوع) نحو حسن بسن.
قوله: (كالتأكيد والمؤكد) المراد التأكيد المعنوى.
قوله: (وقيل فلا حاجة. . . إلخ) أى إذا اعتبر فى الترادف اتحاد الجهة فلا حاجة إلى تقييد الألفاظ بالمفردة للاحتراز عن الحد والمحدود لخروج ذلك باعتبار اتحاد الجهة.
قوله: (وقد يقال. . . إلخ) إيراد على قوله: وقيل فلا حاجة. . . إلخ.
قوله: (عند نسيان الآخر) أى وعند تعسره كالألثغ الذى لا يقدر على النطق بالراء فيقول بدل البر القمح.
قوله: (فربما صلح أحدهما دون الآخر) كقولك ما أبعد ما فات وأقرب ما هو آت ولو كان لفظ انقضى فقط موضوعًا لهذا المعنى لفات السجع.
قال: (مسألة: الحد والمحدود ونحو عطشان نطشان غير مترادفين على الأصح لأن الحدّ يدل على المفردات ونطشان لا يفرد).
أقول: زعم قوم أن الحد والمحدود مترادفان وكذلك قالوا ما الحد إلا تبديل لفظ بلفظ أحلى وليس بمستقيم إذ الحدّ يدل على المفردات بأوضاع متعددة بخلاف المحدود وقال قوم إن التوابع نحو عطشان نطشان وشيطان ليطان من قبيل المترادف وليس بمستقيم لأن نطشان لا يفرد ولو أفرد لم يدل على شئ بخلاف عطشان.
قوله: (زعم قوم أن الحد) يريد الحد الحقيقى كما دل عليه الجواب ولأن اللفظى مرادف ودعوى الترادف فى الرسمى بعيدة جدًا.
قوله: (إذ الحد يدل على المفردات) أى أجزاء المحدود (بأوضاع متعددة) فدلالته عليها تفصيلية (بخلاف المحدود) فإنه يدل عليها بوضع واحد فدلالة إجمالية فهما وإن دلا على معنى واحد لا يدلان عليه من جهة واحدة وإنما اختار اتحاد المعنى فى الحد والمحدود دون ما ذهب إليه غيره من اختلافه فيهما لدلالة المحدود على الماهية والحد على جميع الأجزاء نظرًا إلى اتحاد الماهية وجميع أجزائها بحسب الحقيقة وأما الاختلاف بالاجمال والتفصيل فهو عند التحقيق راجع إلى الدلالة لا إلى نفس المدلول فى ذاته.
قوله: (لأن نطشان لا يفرد) أى لا يذكر منفردًا عن متبوعه (ولو أفرد لم يدل على شئ) أصلًا قال ابن دريد: سألت أبا حاتم عن معنى قولهم: بسن فقال ما أدرى ما هو (بخلاف عطشان) فإنه دال على معناه مجموعًا ومنفردًا فقد خرجا عن التعريف بقيد الانفراد وأن لم يعتبر أمكن إخراجهما بقيد وحدة الجهة.
قوله: (يريد الحد الحقيقى كما دل عليه الجواب) وذلك لأن لفظ الحد محمول على الاستغراق ولا يجوز أن يحمل على المفهوم الشامل لجميع أقسامه إذ البعض لا يدل على المفردات بأوضاع متعددة ولو أطلق الحد ولم يرد به المفهوم العام يراد الفرد الكامل الذى هو الحد الحقيقى.
قوله: (وإنما اختار اتحاد المعنى فى الحد والمحدود) فإن قلت: لا يلزم من كلامه اتحاد المعنى فى الحد والمحدود فإنه قال: الحد يدل على المفردات بأوضاع متعددة
بخلاف المحدود فإن أريد الدلالة المطابقة فقوله: بخلاف المحدود معناه أن المحدود لا يدل بالمطابقة على المفردات بأوضاع متعددة وهذا أعم من أن يدل عليها بالمطابقة بوضع واحد أو بغير المطابقة وإن أريد ما هو أعم فلا يلزم من ثبوت الدلالة على المطابقة مطلقًا اتحاد المعنى فهو ظاهر قلت: المتبادر من تلك العبارة هو الاختلاف بين الحد والمحدود بتوارد الوضع وعدم توارده هو الاشتراك فى القيود الباقية فإذا حمل الدلالة على المطابقة يلزم اتحاد المعنى بينهما.
الشارح: (لم يدل على شئ) وعند ذكره لا يفيد شيئًا أيضًا كما ذكره الآمدى ولكن الإسنوى ذكر أنه يفيد التقوية وفي التحرير أنه لتقوية متبوع خاص بزنته وأما التأكيد كأجمعين فلتقوية مدلول عام سابق فوضعه أعم من وضع التابع وعلى أن التابع لتقوية المتبوع فليس حرفًا لأنه يدل على معنى مستقل بالمفهومية كيف لا وليس معناه إلا معنى المتبوع وإنما لا يدل منفردًا لأنه وضع لتقوية متبوع قبله على زنته فهو بدونه مهمل لا يدل على شئ أصلًا.
قوله: (فى الرسمى بعيد) أى لأن الرسمى يفيد الخاصة بخلاف الحد.
قال: (مسألة: يقع من المترادفين مكان الآخر لأنه بمعناه ولا حجر فى التركيب قالوا: لو صح لصح خداى أكبر وأجيب بالتزامه وبالفرق باختلاط اللغتين).
أقول: قد اختلف فى وجوب صحة وقوع كل واحد من المترادفين مكان الآخر والأصح وجوبها إذ لو امتنعت لكان لمانع ضرورة واللازم منتف لأنه إما من جهة المعنى أو التركيب وكلاهما منتف أما من جهة المعنى فلأنه واحد فيهما وأما من جهة التركيب فلأنه لا حجر فى التركيب إذا صح وأفاد المقصود وذلك معلوم من اللغة قطعًا.
قالوا: لو صح وقوع كل مترادف مكان صاحبه لصح خداى أكبر كما يصح اللَّه أكبر لأنه مرادفه واللازم منتف.
الجواب: أوّلًا: بالتزام صحة خداى أكبر ممن يفهمه للخلاف فيه ولا إلزام إلا بمجمع عليه إذا لم يثبت بدليل.
وثانيًا: بالفرق بأن المنع ثمة لأجل اختلاط اللغتين فلا يلزم المنع فى المترادفين من اللغة الواحدة.
قوله: (قد اختلف فى وجوب صحة) لا خفاء فى أن المدعى لو كان نفس الصحة فى الجملة لم يتصور فيه خلاف، ولم يستقم قولهم لو صح لصح خداى أكبر فلذا جعل محل الخلاف وجوب الصحة ولزومها وتحقيق ذلك أن الصحة التى هى الإمكان إذا جعل جزءًا من المحمول تصير القضية ضرورية، كما يقال يجب إمكان بياض الزنجى ولما كان وجوب الصحة إذا أخذت جزءًا من القضية فى قوة الصحة إذا حديث جهة القضية صح جعل الامتناع نقيضا لوجوب الصحة فالذى قال إذ لو امتنعت حاصل أنه أخذ الصحة فى المدعى جزء المحمول وفى الاستدلال جهة الحمل لعدم تفاوت المعنى.
قوله: (ولا حجر فى التركيب) حمله الشارح المحقق على ما هو الظاهر من العبارة، وجمهور الشارحين على أن المراد تركيب ذلك المعنى الذى عبر عنه بأحد المترادفين إلى معنى آخر من محكوم عليه، أو به أو نحو ذلك لما صرح به فى المنتهى من أنه لا خلاف فى صحة إطلاق كل من المترادفين مكان الآخر إفرادًا،
وإنما الخلاف فى التركيب فمنهم من جوزه مستدلًا بأن معنى اللفظ لما صح أن يقرن بمعنى آخر مدلول عليه بلفظ وجب صحة ذلك الاقتران عند كونه مدلولًا للفظ الثانى لأن صحة التركيب من عوارض المعانى.
قوله: (قد اختلف فى وجوب صحة وقوع كل من المترادفين) عبارة المتن على النسخ المشهورة هكذا يقع كل من المترادفين مكان الآخر وأما النسخة الواقعة إلى الشارح رحمه الله ففيها يجب قيام كل من المترادفين مكان الآخر فاحتاج فى تصحيح الكلام إلى تقدير الصحة.
قوله: (لكان ذلك الامتناع لمانع ضرورة) لأن المصحح وهو اتحاد المعنى مع جهة الدلالة موجود وإذا وجد المقتضى لشئ كان امتناعه لمانع قطعًا ولا يتصور هناك مانع إلا من جهة المعنى أو التركيب وكلاهما منتف.
قوله: (لصح خداى أكبر) أى فى تحريمه الافتتاح.
قوله: (للخلاف فيه) يعنى فى هذا التركيب وصحته (ولا إلزام إلا بما هو مجمع عليه إذا لم يثبت بدليل) سواه وعلى هذا الجواب يبقى المدعى على عمومه وأما الجواب الثانى بالفرق فيقتضى تخصيصه بالمترادفين من لغة واحدة قيل والحق أن المجوز إن أراد أنه يصح فى القرآن فهو باطل قطعًا وإن أراد فى الحديث فهو على الخلاف الذى سيأتى وإن أراد فى الأذكار والأدعية فهو إما على الخلاف أو المنع رعاية لخصوصية الألفاظ فيها وإن أراد فى غيرها فهو صواب سواء كانت من لغة واحدة أو أكثر.
المصنف: (وبالفرق باختلاط اللغتين) لا دليل على منعه بعد الفهم إلا عدم فعلهم وليس بدليل نعم مع قصد الإفادة وعدم علم الخاطب فالمنع ظاهر.
الشارح: (فلأنه لا حجر فى التركيب) رد بأنه يقال صلى عليه دون دعا عليه.
التفتازانى: (ولم يستقم قولهم لو صح لصح خداى أكبر) أى لأن عدم صحة خداى أكبر لا ينافى الصحة فى الجملة والحاصل أنه لو حمل يقع كل من المترادفين مكان الآخر على معنى أنه حاصل وواقع بالفعل من كل مترادفين لكان باطلًا ولو حمل على معنى يصح أن يقع ولو فى بعض الصور لم يستقم قوله: لو
صح لصح خداى أكبر فتعين الحمل على أنه يجب صحة وقوع كل واحد من كل مترادفين مكان الآخر وقوله وتحقيق ذلك. . . إلخ. حاصله أن قوله: يقع. . . إلخ. معناه يصح أن يقع فالصحة أخذت جزءًا من المحمول وحينئذ تكون جهة القضية الضرورة فصار الحاصل: يجب صحة وقوع. . . إلخ ثم إن وجوب الصحة عند أخذها جزءًا من المحمول فى قوة الصحة إذا جعلت جهة القضية ولم تجعل جزء المحمول فلذلك جعل الامتناع نقيض وجوب الصحة فقال إذ لو امتنعت فالصحة أخذت فى المدعى جزء المحمول وفى الاستدلال جهة القضية لأنه لا تفاوت فى المعنى وهذا إذا اعتبر الكلام فى المصنف، وإن معنى قوله: لأنه بمعناه أنه لو امتنعت لكان لمانع واللازم منتف لأنه بمعناه وأما إذا اعتبر الكلام فى قول الشارح وهو الظاهر كان الدعوى وهى قوله وإلا صح وجوب صحة الوقوع والاستدلال هو قوله: إذ لو امتنعت. . . إلخ. وأن قوله: وإلا صح وجوبها بيان للقضية بجهتها وأصل الترضية يصح وقوع كل من المترادفين مكان الآخر أى يمكن ذلك وجهتها الوجوب ووجوب الصحة فى قوة الصحة إذا أخذت جهة القضية بأن تقول يقع كل من المترادفين مكان الآخر بالإمكان فلذا جعل الامتناع نقيضًا لوجوب الصحة فقال: إذ لو امتنعت. . . إلخ. يوضح ذلك أن قولك: زيد موجود بالإمكان فى قوة زيد وجوده ممكن بالضرورة.
قوله: (وأما النسخة الواقعة للشارح. . . إلخ) أى أنه لا حاجة إلى التأويل بالوجوب على النسخة التى نصها: يقع كل من المترادفين مكان الآخر لأن أل فى المترادفين للاستغراق والمعنى: يصح أن يقع كل من كل مترادفين مكان الآخر كما فهم السعد فليس قول الشارح: وإلا صح وجوبها تفسيرًا لنسخة يقع كل من المترادفين مكان الآخر بل تفسير لنسخة أخرى نصها: يجب قيام كل من المترادفين مكان الآخر.
قوله: (على الخلاف الذى سيأتى) أى فى رواية الحديث بالمعنى.
قوله: (أو المنع) أى فالقول بالجواز باطل.
قال: (مسألة: الحقيقة: اللفظ المستعمل فى وضع أوّل، وهى لغوية وعرفية وشرعية، كالأسد والدابة والصلاة، والمجاز المستعمل فى غير وضع أوّل على وجه يصح).
أقول: الغرض تعريف الحقيقة والمجاز وفيه بحثان:
الأول: فى الحقيقة: والحقيقة فى اللغة ذات الشئ اللازمة له من حق إذا لزم وثبت وفى الاصطلاح: اللفظ المستعمل فى وضع أول أى بحسب وضع أول كما يقال هذا المستعمل فى وضع الشرع أو فى وضع اللغة لكذا وليس فى صلة للاستعمال كما فى قولك استعمل فى هذا المعنى الفلاني وإلا لكان المراد بالوضع ما وضع له وهو خلاف الظاهر ولاحتاج إلى زيادة قيد وهو قوله فى اصطلاح التخاطب كما ذكره الجمهور وكان الحد بدونه مختلًا لأنه إذا كان التخاطب باصطلاح واستعمل فيما وضع له أولًا فى اصطلاح آخر لمناسبة بينه وبين ما وضع له فى اصطلاح التخاطب كان مجازًا مع أنه لفظ مستعمل فى شئ وضع له أولًا لكن ليس وضعه له أولًا فى اصطلاح التخاطب وإذا حملناه على ظاهره لم يحتج إلى ذلك القيد وصح الحدّ بدونه لأنه لم يستعمل فيه بوضع أول بل إما بلا وضع بل بالمناسبة أو بوضع غير أول بل ملحوظ فيه وضع سابق.
واعلم أن تعريفه هذا يعم الحقيقة اللغوية والشرعية والعرفية لأن الوضع المعتبر فيه إما وضع اللغة وهى اللغوية كالأسد للحيوان المفترس أو لا وهو إما وضع الشارع وهى الشرعية كالصلاة للأركان وقد كانت فى اللغة الدعاء أو لا وهى العرفية وهذه إما من قوم مخصوص وهى العرفية الخاصة بذلك القوم كاصطلاحات أهل كل صناعة من العلماء وغيرهم أو لا وهى العرفية العامة وغلبت العرفية عند الإطلاق فيها وتسمى الأخرى اصطلاحية وذلك كالدابة لذوات الأربع بعد أن كانت فى اللغة لكل ما يدب على الأرض.
الثانى: فى المجاز: والمجاز فى اللغة الانتقال مصدرًا بمعنى الجواز أو موضع الانتقال اسمًا للمكان منه وفى الاصطلاح اللفظ المستعمل فى غير وضع أول على وجه يصح والقيد الأخير احتراز عن مثل استعمال لفظ الأرض فى السماء وهذا ينطبق على مذهبى وجوب النقل فيه والاكتفاء بالعلاقة فكان أحسن مما يختص بمذهب نحو قولهم لعلاقة بينهما.
قوله: (الغرض تعريف الحقيقة والمجاز) يعنى أن الغرض من صدر المسألة تعريفهما وإلا فقد اشتملت المسألة على مباحث وأحكام، وفيه إشارة إلى أن المسألة وإن كانت عبارة عن إفادة التصديقات إلا أنها قد تشتمل على إفادة التصورات.
قوله: (الحقيقة فى اللغة ذات الشئ) لا خفاء فى أن هذا ليس وضعه الأول لأنه صيغة فعيل بمعنى فاعل أو مفعول على ما قرره أئمة العربية، وإنما أطلق على ذات الشئ لكونها ثابتة لازمة لكنه اقتفى أثر الآمدى فى الأحكام وهو أنسب لما أن اللفظ بالنسبة إلى معناه الموضوع له بمنزلة ذات الشئ وحقيقته وبالنسبة إلى الغير بمنزلة العارض.
قوله: (أى بحسب وضع أول) يعنى أن الاستعمال يكون باعتباره وبالنظر إليه ولأجله فاستعمال اللغوى الصلاة فى الأركان المخصوصة مجازًا؛ لاشتمالها على الدعاء ليس باعتبار وضع أول؛ بل باعتبار مناسبته للمعنى الموضوع له عند من يكتفى فى المجاز بالعلاقة المعتبر نوعها، وباعتبار وضع له ثان لما يشتمل على الدعاء مع ملاحظة وضعه السابق فى الدعاء، واعتبار مناسبة بينهما عند من يشترط فى أفراد المجازات السماع من أهل الوضع، واحترز بقوله ملحوظ فيه وضع سابق عما إذا نقل فى اللغة إلى معنى آخر مثلًا فإنه حقيقة لعدم ملاحظة الوضع السابق فاستعماله ليس إلا بحسب وضع هو أول فى الجملة وإن لم يكن أول على الإطلاق، وبهذا الاعتبار يدخل فى التعريف أنواع الحقائق حتى المشترك الذى علم تأخر وضعه لأنه أول بالنسبة إلى مجازه؛ إلا أنه يشكل بالحقيقة التى لا يكون لها وضع آخر أصلًا لا بالاشتراك ولا بالمجاز، اللهم إلا أن يقال أنه أول بالنسبة إلى وضعه المجازى على طريق الفرض والتقدير ولا يخفى ما فيه.
واعلم أن الآمدى فسر الحقيقة باللفظ المستعمل فيما وضع له أولًا فى اصطلاح التخاطب، وترك المصنف قيد اصطلاح التخاطب بناء على اشتهار أن قيد الحيثية مراد فى تعريف الأمور التى تختلف باختلاف الإضافات والاعتبارات خصوصًا عند تعليق الحكم بالمشتق فصار المعنى أنه اللفظ المستعمل فى الموضوع له من حيث إنه الموضوع له، وظاهر أن المجاز ليس كذلك على المذهب الصحيح وأن مثل إطلاق الوضع على الموضوع له شائع فى كلام المصنف فما ذكره الشارح من أنه لو أريد
بالوضع الموضوع له لزم خلاف الظاهر ولاحتيج إلى زيادة قيد اصطلاح التخاطب كلام قليل الجدوى، نعم لو قيل إنه إذا أريد بالوضع الموضوع له وكان قيد اصطلاح التخاطب مذكورًا أو مقدرًا لم يبق لقوله أولًا فائدة أصلًا لكان سديدًا لأن قولنا الحقيقة هى اللفظ المستعمل فيما وضع له فى اصطلاح التخاطب جامع مانع لا غبار عليه اللهم إلا أن يقصد صحة التعريف على رأى من يشترط النقل فى أفراد المجازات ويجعلها موضوعة فى معانيها، بقي إشكال قوى وهو أنه إن أريد الوضع الشخصى خرج كثير من الحقائق لأن جميع المركبات وكثيرًا من الأفعال ومثل المثنى والمجموع والمصغر والمنسوب وبالجملة كل ما تكون دلالته بحسب الهيئة دون المادة إنما هى موضوعة بالنوع دون الشخص، وإن أريد مطلق الوضع أعم من الشخصى والنوعى لم يخرج المجاز عن التعريف لما أنه موضوع النوع، وجوابه يطلب من شرحنا للتنقيح فى فصل قصر حكم العام.
قوله: (واعلم أن تعريفه هذا) صرح بذلك لما أن الآمدى عرف كلًا من الأقسام على حدة فقال: الحقيقة اللغوية هى المستعمل فيما وضع له أولًا فى اللغة، والشرعية هى اللفظ المستعمل فيما وضع له أولًا فى الشرع وهكذا العرفية، ثم قال وإن عممنا قلنا هى اللفظ المستعمل فيما وضع له أولًا فى الاصطلاح الذى به التخاطب ولما ترك المصنف هذا القيد كان مظنة أن يتوهم اختصاص تعريفه باللغوية؛ إلا أن الشارح قد فسر على وجه يزيل هذا الوهم ويعم الكل.
قوله: (والثانى المجاز) أى البحث الثانى فى المجاز وكان الأنسب التصريح بلفظ "فى" على ما فى بعض النسخ والمجاز فى الاصطلاح اللفظ المستعمل فى غير وضع أول على وجه يصح أى بحسب غير وضع أول؛ بل بمجرد المناسبة كما هو رأى الأكثر أو بوضع ثان ملحوظ فيه الوضع السابق كما هو رأى البعض فيصح على المذهبين بخلاف ما إذا قيل هو اللفظ المستعمل فى غير وضع أول لعلاقة فإنه لا يصح إلا على مذهب الأكثرين والحاصل أن قولنا على وجه يصح أعم من قولنا العلاقة فإن قيل قد تكون الحقيقة مستعملة بحسب وضع لا يكون أول لا مطلقًا ولا بالإضافة إلى وضع آخر كالأعلام المنقولة التى لا تتصور لها مجازات مثل جعفر قلنا يكفى فى أولية الوضع أن يكون له ثان بحسب الفرض والتقدير على أن مثل هذه الأعلام يجوز أن تستعمل فى جزء الموضوع له أو لازمه هذا وقد صرح
الآمدى فى الأحكام بأن الحقيقة والمجاز مشتركان فى امتناع اتصاف أسماء الأعلام بهما كزيد وعمرو ولعله أراد الحقيقة والمجاز اللغويين على ما يشعر به احتجاجه وإلا فهو مشكل.
قوله: (الغرض تعريف الحقيقة والمجاز) يعنى أن الغرض من هذه المسألة بيان الحقيقة والمجاز بحديهما وأحوالهما من الانقسام وغيره فالمراد من التعريف معناه اللغوى أعنى البيان وكذا أريد من البحث معناه لغة أعنى: التفتيش والكشف الكامل للتصوير وبيان التصديق وإن خص اصطلاحًا بالأخير غالبًا ويمكن أن يقال الغرض الأصلى هو الحدان وما ذكر من الأحكام فبالتبع.
قوله: (وفيه) أى فى تعريفهما (بحثان) أى كل واحد منهما ونقول بحثان أمر كلى وجد ههنا فى ضمن هذا الجزئى الذى هو تعريفهما.
قوله: (والحقيقة فى اللغة) فعيلة من حق يحق بالكسر إذا لزم وثبت فهى بمعنى الثابتة اللازمة ولذلك أطلقت فى اللغة على ذات الشئ اللازمة له ونقلت فى الاصطلاح منها إلى اللفظ المذكور للمناسبة فى اللزوم والثبات هذا هو المفهوم من ظاهر الشرح موافقًا للأحكام وأنت خبير بما ذكر فيها من التوجيهات الأخر فلا حاجة إلى ذكرها.
قوله: (أى بحسب وضع أول) الكلام يحتمل وجهين:
أحدهما: أن لفظ فى بمعنى السببية وقد وردت بهذا المعنى فى الأخبار كقوله عليه السلام: "عذبت امرأة فى هرة حبستها حتى ماتت" أى بسبب هرة حبستها "وفى النفس المؤمنة مائة من الإبل" أى بسبب قتلها "وفى خمس من الإبل شاة" فى التنزيل أيضًا كقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68]، وقوله تعالى:{لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} [النور: 14]، فالحقيقة اللفظ المستعمل بسبب وضع أول وبحسبه فلفظ فى ههنا كهى فيما يقال هذا اللفظ يستعمل فى الشرع وضع أو اللغة لمعنى كذا أى يستعمل له بسبب وضع أحدهما فهى متعلقة بالاستعمال على معنى السببية وليست صلة للاستعمال كما فى قولك استعمل اللفظ فى المعنى الفلانى وليس فى التعريف على هذا التوجيه إلا حمل فى على معنى يقل استعمالها فيه وقرينة أرادته إجراء الوضع على ظاهره الذى لولاه لاحتاج الحد إلى القيد المشهور
أعنى قولنا: فى اصطلاح التخاطب أو إلى اعتبار قيد الحيثية أعنى قولنا: من حيث هو موضوع له أولًا لئلا ينتقض بالصلاة مثلًا إذا استعملها الشارع فى الدعاء لمناسبة معناها الشرعى فإنها مجاز قطعًا ويصدق عليها أنها لفظ مستعمل فى شئ وضع له أولًا وإنما يخرج عن الحد بأحد القيدين إذ وضعها للدعاء ليس فى اصطلاح التخاطب ولا استعمالها فيه من حيث إنها موضوعة له أولًا فحمل فى على معناها المشهور يستلزم محذورين جعل الوضع بمعنى الموضوع له وهو خلاف الظاهر وتقدير قيد فى التعريف وحملها على السببية لا يستلزم إلا محذورًا واحدًا فهو أولى ويؤيد هذا الوجه قوله: أولًا أى بحسب وضع أول وثانيًا لأنه لم يستعمل فيه بوضع أول.
وثانيهما: يتوقف على تمهيد مقدمة هى أن المعنى ليس ظرفًا للاستعمال تحقيقًا بل تقديرًا فإنه لا تعلق بالمعنى تعلقًا مخصوصًا صار كأنه ظرف للاستعمال ومحيط به ولا شك أن الاستعمال متعلق بالوضع وناشئ منه بحيث يتصور هنا أيضًا ظرفية تقديرًا وكما يقال استعمل اللفظ فى معنى كذا بناء على الظرفية المقدرة يقال استعمل فى وضع كذا بناء عليها ولما كان مآل الظرفية هناك إلى تعلق خاص استعمل فيه اللام كثيرًا وإن كان استعمال فى أكثر ومآلها هنا إلى السببية استعمل فيه الباء أكثر وإن كان فى مستعملة أيضًا وإذا عرفت هذا فالشارح قدس سره حمل لفظة فى على الظرفية المقدرة للوضع بالقياس إلى الاستعمال وأجرى الوضع على ظاهره وما ذكره فى التفسير هو حاصل المعنى وباقى الكلام على ما تقرر آنفًا وأنت بعد خبرتك بمحصل كلامه عارف بتطبيقه على المراد وباندفاع ما قيل عليه من أن صرف فى عن كونه صلة للاستعمال وكونه بمعنى الباء مع تقدير مضاف أكثر خروجًا عن الظاهر ولا حاجة إلى زيادة القيد لاعتبار ملاحظة الحيثية لأن الشارح رحمه الله لم يقل: إن فى صلة للاستعمال أصلًا بل حكم أنه ليس صلة له ههنا كما هو صلة له فى قولك استعمل فى المعنى الفلانى وقد عرفت أن الأمر كذلك على وجهين وأما كونه بمعنى الباء فى الوجه الأول فهو وإن كان خلاف الظاهر لكن المحذور هنا واحد وهناك شيئان إذ لا بد من اعتبار قيد سواء كان قيد التخاطب أو الحيثية وإنما خص الأول بالذكر لشهرته فى هذا المقام وأما تقدير المضاف فالشارح برئ عنه إذ لا حاجة إليه فى شئ من الوجهين قطعًا وما ذكره من قوله
أى بحسب وضع أول فهو حاصل المعنى لا أن لفظ حسب مقدر هناك.
قوله: (بل إما بلا وضع بل بالمناسبة أو بوضع غير أول بل ملحوظ فيه وضع سابق) ينبه به على فائدتين:
إحداهما: الاختلاف فى أن المعنى المجازى هل وضع اللفظ بإزائه أو لا وهذا الخلاف لفظى منشؤه أن وضع اللفظ للمعنى فسر بوجهين الأول تعيين اللفظ بنفسه للمعنى فعلى هذا لا وضع فى المجاز أصلًا لا شخصيًا ولا نوعيًا لأن الواضع لم يعين اللفظ بنفسه للمعنى المجازى بل بالقرينة الشخصية أو النوعية فاستعماله فيه بالمناسبة لا بوضع والثانى تعيين اللفظ بإزاء المعنى وعلى هذا ففى المجاز وضع نوعى قطعًا إذ لا بد من العلاقة المعتبر نوعها عند الواضع قطعًا وأما الوضع الشخصى فربما يثبت فى بعض وهذا الخلاف جار على مذهبى وجوب النقل وعدمه فعلى الثانى استعمال المجاز لمجرد المناسبة المعتبرة نوعها والخلاف فى أن هذا الاعتبار وضع أو لا وعلى الأول استعماله بالمناسبة المعتبر نوعها مع الاستعمال الشخصى والنزاع فيما ذكر وليس الاستعمال مع القرينة مستلزمًا للوضع بالمعنيين حتى يتوهم تفرع الخلاف على المذهبين فمن قال بوجوب النقل قال بالوضع ومن قال بعدمه قال بعدم الوضع أيضًا ويمكن أن يقال: منشأ الخلاف أن الوضع هل هو تخصيص عين اللفظ بالمعنى فيكون شخصيًا متعلقًا بعين اللفظ بالقياس إلى معناه أو هو تخصيص اللفظ بالمعنى فينقسم إلى شخصى ونوعى فعلى الأول المجاز موضوع عند المشترطين النقل فى الآحاد إذ قد علم بالاستعمال تخصيص عينه بإزاء المعنى وليس بموضوع عند غيرهم فالاختلاف معنوى راجع إلى وجوب النقل وعدمه وعلى الثانى هو موضوع على الذهبين ويرد على هذا أن نقل الاستعمال لا يدل على الوضع الشخصى وأيضًا المشتقات كاسم الفاعل وغيره موضوعة لمعانيها الحقيقية بلا خلاف مع أن الظاهر أن وضعها نوعى كما سيشير إليه الشارح.
وثانيتهما: أن الوضع الأول هو ما لم يلاحظ فيه وضع سابق يعلم دلك من تفسيره غير الأول بما لوحظ فيه وضع سابق فلا يتجه حينئذ أن الأولية أمر إضافى لا يتحقق الوضع إلا إذا كان هناك وضع آخر هو ثان بالقياس إليه فيلزم أن يكون لكل حقيقة وضعان أحدهما بالقياس إلى ما هو حقيقة فيه وثانيهما بالإضافة إلى
غيره ويلزم فى كل لفظ كونه مشتركًا أو ثبوت المعنى المجازى مع كونه موضوعًا له جزمًا.
قوله: (واعلم أن تعريفه) يريد أن ما ذكره المصنف من تعريف الحقيقة يتناول جميع أنواعها لأن الوضع المعتبر فى التعريف أعنى الوضع الأول بالتفسير المذكور أما وضع اللغة. . . إلخ. وستسمع كلامًا على هذا فى بحث الحقيقة الشرعية وإنما لم للاصطلاحية مثالًا لأن ما نحن بصدده أعنى لفظ الحقيقة منها.
قوله: (الثانى فى المجاز) لفظ المجاز إما مصدر ميمى بمعنى الجواز أى الانتقال من حال إلى غيرها وإما اسم مكان منه بمعنى موضع الانتقال وقد نقل فى الاصطلاح إلى المعنى المذكور لمناسبة هى أن اللفظ قد انتقل إلى غير معناه الأصلى فهو متصف بالانتقال وسبب له فى الجملة وأن المستعمل قد انتقل فيه من معنى إلى آخر هذا هو الظاهر من الشرح وإن أمكن أن يقال فى توجيهه: نقل المجاز عن معناه اللغوى إلى معنى الجائز ومنه إلى اللفظ المذكور كما هو المشهور وقوله: فى غير وضع أول يتناول المجاز على تقديرى الوضع وعدمه فيكون أولى مما يختص بأحدهما، كقولهم: هو اللفظ المستعمل فى غير ما وضع له لمناسبة بينهما والبحث عن لفظة فى كما فى تعريف الحقيقة والقيد الأخير أعنى قوله على وجه يصح احتراز عن اللفظ المستعمل فى غير وضع أول على وجه لا يصح مثل أن يستعمل لفظ الأرض فى السماء وهذا التعريف الذى ذكر فيه هذا القيد ينطبق على مذهبى وجوب النقل فى المجاز وعدمه والاكتفاء بالعلاقة فكان أحسن مما يختص بمذهب، نحو قولهم: هو اللفظ المستعمل فى غير وضع أول لعلاقة بينهما أى بين الموضوع له أولًا وغيره إذ يتبادر منه إلى الفهم أن الاستعمال للمناسبة لا لها وغيرها وأيضًا بما يلتزم على تقدير وجوب النقل أن لاعتبار للعلاقة فى الاستعمال فلا ينطبق التعريف حينئذ على هذا المذهب.
واعلم أنه لا بد فى تعريف الحقيقة والمجاز على أى وجه كان من اعتبار حيثية الاستعمال أى الحقيقة اللفظ المستعمل بسبب وضع أول من حيث هو كذلك أى من حيث هو مستعمل بسبب الوضع الأول لئلا ينتقض بالمجاز الذى له حقيقة إذ يصدق عليه أنه لفظ مستعمل بسبب وضع أول فى الجملة وإن لم يكن استعماله المجازى بسببه وعلى هذا القياس.
قوله: (إجراء الوضع على ظاهره) يعنى أن الوضع يترك على ظاهره بناء على تكثر المحذور فى خلاف الظاهر وبعد ذلك يعلم أن المراد بلفظ فى معنى السببية قيل استعمال المصدر فى المشتق شائع وكذا اعتبار الحيثية فى مثل هذا التركيب وإرادة السببية من لفظ فى أبعد منهما أو تساويهما.
قوله: (وهذا الخلاف لفظى) يعنى: أنه قد وقع من الواضع تعيين اللفظ مع القرينة بإزاء المجازى بالاتفاق فإن فسر الوضع بتعيين اللفظ بنفسه للمعنى سواء كان ذلك التعيين بنفس اللفظ أو باللفظ مع القرينة فالتعيين المجازى وضع قطعًا وإن فسر بتعيين اللفظ بنفسه للمعنى أى التعيين المتعلق باللفظ فقط من غير أن ينضم إلى شئ آخر فالتعيين المجازى ليس بوضع.
قوله: (تخصيص عين اللفظ بالمعنى) أى تعيينه بإزائه ملحوظًا ذلك اللفظ بخصوصه سواء كان ذلك التعيين مع القرينة أو بدونها فيندرج فيه الوضع المتعلق بالإنسان ولفظ زيد ولفظ هذا والأوضاع المجازية ويخرج عنه المتعلق بالمشتقات، والمعنى الأول أعنى تعيين اللفظ بنفسه للمعنى لا يتناول الأوضاع المجازية ويتناول غيرها، والمعنى الثانى يتناول الكل وكذا الرابع.
قوله: (أى من حيث هو مستعمل) اللفظ الذى وقع فيه استعمال حقيقى ووقع فيه استعمال مجازى أيضًا يصدق على هذا اللفظ فى كل استعمال أنه يستعمل فى الجملة فى الوضع الأول وغير الوضع الأول فلا يتميز كونه حقيقة عن كونه مجازًا فإذا قلنا الحقيقة لفظ مستعمل بسبب وضع أول من حيث هو مستعمل لهذا السبب حصل التمييز وتلك الحيثية هى حيثية الوضع.
التفتازانى: (عند من يشترط فى أفراد المجازات السماع من أهل الوضع) جعل الخلاف فى وضع المجاز وعدم وضعه مبنيًا على وجوب النقل وعدم وجوبه وقد رده السيد بأن الخلاف المذكور جار على كل من وجوب النقل وعدمه.
التفتازانى: (هو أول فى الجملة) أى بالنسبة إلى المعنى المجازى، وقوله: لا بالاشتراك ولا بالمجاز ظاهره أنه إذا كان لها وضع آخر بالاشتراك لا إشكال وهو كذلك بالنسبة للمعنى الأول من المعنيين المشترك فيهما إذ يصدق على اللفظ بالنسبة
له أنه استعمل بوضع أول لأن له وضعًا ثانيًا وإن لم يكن اللفظ باعتباره مجازًا لكن يبقى الإشكال بالنسبة لهذا المعنى الثانى.
التفتازانى: (اللهم إلا أن يقال. . . إلخ) الأحسن ما قاله السيد من أن الوضع الأول هو ما لم يلاحظ فيه وضع سابق.
التفتازانى: (لم يبق لقوله أو لا فائدة أصلًا) قد يقال عند التقدير فائدته الاحتراز بالصراحة.
التفتازانى: (بقى إشكال قوى) هذا الإشكال غير وارد على تعريف المتن حيث اعتبر أن الاستعمال بحسب وضع أول ومن أجله لأننا نختار الثانى ولا يرد المجاز لأن الاستعمال فيه ليس بسبب الوضع الأول بل بالوضع الثانى أو اعتبار العلاقة من غير وضع على الرأيين فى المجاز.
التفتازانى: (وكثيرًا من الأفعال) الأولى وجميع الأفعال لأن جميعها باعتبار دلالة هيئتها موضوعة بالنوع حتى ليس وعسى وإن تجردا عن الزمان فى الاستعمال.
التفتازانى: (وجوابه يطلب من شرحنا للتنقيح) حاصله أن المراد بالوضع تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه سواء كان وضعًا شخصيًا أو نوعيًا قد خلت الحقائق التى وضعها نوعى وخرج المجاز لأن وضعه ليس تعيين اللفظ بنفسه بل مع القرينة وعبارته ولننبهك على فائدة جليلة وهى أن الوضع النوعى قد يكون بثبوت قاعدة دالة على أن كل لفظ يكون بكيفية كذا فهو متعين للدلالة بنفسه على معنى مخصوص يفهم منه بواسطة تعيينه له، مثل: الحكم بأن كل اسم آخره ألف أو ياء مفتوح ما قبلها ونون مكسورة فهو لفردين من مدلول ما ألحق بآخره هذه العلامة وكل اسم غير إلى نحو رجال ومسلمين ومسلمات فهو لجمع من مسميات ذلك الاسم وكل جمع عرف باللام فهو لجميع تلك المسميات إلى غير ذلك، ومثل: هذا من باب الحقيقة لمنزلة الموضوعات الشخصية بأعيانها بل أكثر الحقائق من هذا القبيل كالمستثنى والمصغر والمنسوب وعامة الأفعال والمركبات وبالجملة كل ما يكون دلالته على المعنى بالهيئة من هذا القبيل وقد يكون بثبوت قاعدة دالة على أن كل لفظ عين للدلالة بنفسه على معنى فهو عند القرينة المانعة عن إرادة ذلك المعنى متعين لما يتعلق بذلك المعنى تعلقًا مخصوصًا ودال عليه بمعنى أنه يفهم منه
بواسطة القرينة لا بواسطة هذا التعيين حتى لو لم يثبت من الواضع استعمال اللفظ فى المعنى المجازى لكانت دلالته عليه وفهمه منه عند قيام القرينة بحالها ومثله مجاز لتجاوزه المعنى الأصلى فالوضع عند الإطلاق يراد به تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه سواء كان ذلك التعيين بأن يفرد اللفظ بالتعيين أو يدرج فى القاعدة الدالة على التعيين وهو المراد بالوضع المأخوذ فى تعريف الحقيقة والمجاز. اهـ المقصود منه.
التفتازانى: (وقد صرح. . . إلخ) وعليه فخروج الأعلام عن الحقيقة لا يضر وقوله على ما يشعر به احتجاجه أى حيث قال: إن الأعلام لا تخص لغة بعينها، وقوله: وإلا فهو مشكل أى لأنه لا يمنع الحقيقة والمجاز غير اللغويين فيها وفى حواشي التلويح الخسروية الظاهر أنها عرفية عامة لأن أهل العرف العام لما قبلوها ويسلموها وتعارفوها بينهم كان بمنزل نقل جميعهم إياها وإن صدر عن واحد منهم فلا يرد أن الناقل فى العرفية العامة غير متعين.
قوله: (يعنى أن الغرض. . . إلخ) رد على السعد.
قوله: (أى كل واحد منهما) أى فهو من ظرفية الجزء فى الكل فلا يلزم ظرفية الشئ فى نفسه وقوله: أو تقول. . . إلخ. هو من ظرفية الكلى فى الجزئى بمعنى تحققه فيه.
قوله: (هذا هو المفهوم من ظاهر الشارح) أى: لا ما فهمه السعد من أنه وضعه الأول.
قوله: (وليس صلة للاستعمال كما فى قولك استعمل اللفظ فى المعنى الفلانى) النفى منصب على التشبيه فى قوله: كما فى قولك. . . إلخ. كما سيذكره.
قوله: (وما ذكره فى التفسير) أى من قوله أى بحسب وضع أول هو حاصل المعنى وهو الظرفية المقدرة التى تستعمل فيها الباء أكثر.
قوله: (وباقى الكلام على ما تقرر آنفًا) أى من قوله: وقرينة إرادته إجراء الوضع على ظاهره الذى لولاه لاحتاج. . . إلخ.
قوله: (بتطبيقه على المراد) أى من أن فى بمعنى باء السببية أو أنها للظرفية المقدرة التى تستعمل بدلها الباء أكثر.
قوله: (أن فى صلة للاستعمال) تحريف وصوابه: ليست صلة للاستعمال.
قوله: (على وجهين) هما كون فى بمعنى باء السببية وكونها للظرفية المقدرة والوضع عليهما باق على ظاهره.
قوله: (بل بالقرينة الشخصية) أى المعينة للمراد وقوله أو النوعية أى غير المعينة للمراد ويحتمل أن فى العبارة تحريفًا وأصله مع العلاقة الشخصية أو النوعية ويكون إشارة إلى مذهبى النقل وعدمه.
قوله: (وهذا الخلاف) أى فى كونه موضوعًا أو غير موضوع جار على مذهبى وجوب النقل أى اشتراط سماع شخص المجاز ونقله إلينا وعدم ذلك.
قوله: (فعلى الثانى) أى عدم الوجوب.
قوله: (والخلاف فى أن هذا الاعتبار وضع أولا) أى فالقول بالوضع وعدمه جار على اعتبار الاستعمال المذكور الذى هو مبنى على عدم وجوب النقل.
قوله: (والنزاع فيما ذكر) أى فى أنه وضع أو لا فهو جار أيضًا على القول بوجوب النقل، وقوله: وليس الاستعمال. . . إلخ. دفع لتوهم أن وجوب النقل والاستعمال الشخصى يستلزم الوضع بالمعنيين كما قال حتى يتوهم أن الخلاف على المذهبين أى مذهب وجوب النقل ومذهب عدمه وأراد بذلك الرد على التفتازانى.
قوله: (فمن قال. . . إلخ) بيان لتفرع الخلاف التوهم.
قوله: (منشأ الخلاف) أى فى أن المجاز موضوع أو غير موضوع.
قوله: (فلا يتجه. . . إلخ) رد على السعد.
قوله: (كونه مشتركًا) أى حتى يتحقق وضع أول وذلك إذا علم تأخر أحد الوضعين ومع ذلك يبقى الإشكال بالنسبة لاستعمال المشترك فى المعنى الثانى فإنه حقيقة وليس بوضع أول.
قوله: (أعنى لفظ الحقيقة منها) لما تقدم من أن الحقيقة لغة: من حق إذا ثبت وفى الاصطلاح: اللفظ المستعمل. . . إلخ. فهى فى اللفظ المستعمل حقيقة اصطلاحية.
قوله: (أى من حيث هو مستعمل) قال الهروى: اللفظ الذى وقع فيه استعمال مجازى أيضًا يصدق عليه فى كل استعمال أنه يستعمل فى الجملة فى الوضع الأول وغير الوضع الأول فلا يتميز كونه حقيقة عن كونه مجازًا فإذا قلنا الحقيقة لفظ مستعمل بسبب وضع أول من حيث هو مستعمل لهذا السبب حصل التمييز وتلك
الحيثية هى حيثية الوضع. اهـ. واعلم أن هذه الحيثية تغنى عن قيد فى اصطلاح التخاطب ولا يغنى ذلك القيد عنها.
قوله: (وعلى هذا القياس) أى يقاس على ذلك مثل قولهم اللفظ المستعمل فيما وضع له فى اصطلاح التخاطب ثم اعلم أن المراد بالمجاز الذى له حقيقة وينتقض به التعريف لولا الحيثية المجاز الذى له معنى حقيقى باعتبار وضع آخر كالصلاة المستعملة من اللغوى فى المعنى الشرعى إذ يصدق عليها أنها لفظ مستعمل بسبب وضع أول فى الجملة أى بالنظر لوضع الشرع وقد يقال إنه عند اعتبار السببية للوضع الأول فى الاستعمال لا يحتاج إلى قيد الحيثية إذ لا يصدق على لفظ الصلاة المذكورة أنها مستعملة بسبب وضع أول.
قال: (ولا بد من العلاقة وقد تكون بالشكل كالإنسان للصورة أو فى صفة ظاهرة كالأسد على الشجاع لا على الأبخر لخفائها أو لأنه كان عليها كالعبد أو آيل كالخمر أو للمجاورة مثل جرى الميزاب).
أقول: المجاز لا بد فيه من العلاقة بينه وبين الحقيقة وإلا فهو وضع جديد أو غير مفيد وهى اتصال ما للمعنى المستعمل فيه بالمعنى الموضوع له ويتصور من وجوه خمسة:
إحدها: الاشتراك فى شكل كالإنسان للصورة المنقوشة على الجدار.
ثانيها: الاشتراك فى صفة ويجب أن تكون ظاهرة لينتقل الذهن إليها فيفهم الآخر باعتبار ثبوتها له كإطلاق الأسد على الشجاع بخلاف إطلاق الأسد على الأبخر.
ثالثها: أنه كان عليها أى المستعمل فيه على الصفة مثل العبد للمعتق لأنه كان عبدًا.
رابعها: أنه آيل إليها كالخمر للعصير لأنه فى المآل يصير خمرًا.
خامسها: المجاورة مثل جرى الميزاب.
وهذا يعم ما يكون أحدهما فى الآخر كون الجزء فى كله أو الحال فى محله أو المظروف فى ظرفه وما لا يكون كذلك بل هما فى محل واحد أو فى محلين أو حيزين متقاربين بل وما هما متلازمان فى الوجود كالسبب والمسبب وفى الخيال كالضدين ووجه الضبط أن يقال: إما بين ذاتيهما اتصال أو لا، والأول المجاورة، والثانى إما أن يحصلا لذات أو لا والأول وصفان بينهما تقدم وتأخر إذ لو اجتمعا لزم خلاف الفرض فإن استعمل المتقدم للمتأخر فالكون عليها أو بالعكس فالأول إليها والثانى أمران لا اتصال بينهما بالذات ولا هما فى محل واحد فإن لم تكن لهما حال يشتركان فيها فلا علاقة قطعًا وتلك الحال إما صورة محسوسة وهو الشكل أو غيرها وهو الصفة.
قوله: (وإلا فهو وضع جديد أو غير مفيد) لأنه إن عين بإزاء المعنى المجازى فوضع جديد وإلا فلا فهم منه لعدم التعلق فلا دلالة.
قوله: (وهى اتصال ما) أى العلاقة تعلق ما للمعنى المجازى بالمعنى الحقيقى أعم
من أن يكون اتصالًا وانضمامًا بين الذاتين كما فى المجاورة أو غيره كما فى البواقى.
قوله: (ويجب أن تكون) أى الصفة المشتركة (ظاهرة) فى المعنى الموضوع له (لينتقل الذهن) منه (إليها فيفهم) المعنى (الآخر) أعنى غير الموضوع له باعتبار ثبوت تلك الصفة له ولا يخفى أن مجرد ثبوتها له يوجب الفهم لكونها مشتركة؛ بل لا بد من قرينة خصوص مثلًا إذا أطلقنا الأسد ينتقل منه إلى الشجاع لكن لا يفهم منه الإنسان الشجاع إلا بقرينة مثل فى الحمام مثلًا.
قوله: (وهذا يعم) لما كان أنواع العلاقات كثيرة يرتقى ما ذكروه إلى خمسة وعشرين وقد حصرها المصنف فى خمسة حاول الشارح المحقق تعميم الخامس بحيث يتناول جميع ما ذكروه لأن مجاورة المعنى المستعمل فيه للمعنى الموضوع له يجوز أن تكون يكون أحدهما فى الآخر جزءًا منه أو عرضًا حالًا فيه أو مظروفًا متمكنًا فيه فيشمل ستة أقسام: إطلاق الجزء على الكل وبالعكس والحال على المحل وبالعكس والمظروف على الظرف وبالعكس ويجوز أن تكون بكونهما فى محل واحد أو فى محلين متقاربين أو فى حيزين متقاربين، ولا يتصور كونهما فى حيز واحد لاستحالته فيشمل ثلاثة أقسام كالحياة للعلم وكلام السلطان لكلام الوزير والراوية للمزادة، ثم أدرج ما هو أبعد فقال بل يشمل إطلاق السبب على المسبب وعكسه كالغيث على النبت والنبت على الغيث ويتكثر بتكثر السبب إلى الفاعلى والمادى والصورى والغائى ويشمل أيضًا إطلاق اسم أحد الضدين على الآخر كقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} [الشورى: 40]، وكقولنا للجبان أسد، ولو جعلنا الوجود أعم من اللفظى أيضًا لتندرج فيه المشاكلة أعنى التعبير عن شئ بلفظ غيره لوقوعه فى صحبته مثل:
* اطبخوا لى جبة وقميصًا *
لم يبعد بل لا يبعد أن يجعل المجاورة والاتصال شاملًا للكل كما ذهب إليه بعض الأصوليين من أن جميع العلاقات منحصرة فى الاتصال صورة أو معنى، واعلم أن الصفة الظاهرة المشترك فيها أعم من المحسوس والمعقول كما فى استعارة الورد للخد واستعارة الأسد للشجاع وحينئذ يندرج فيها الشكل فلا يصح جعل الاشترك فى الشكل قسمًا على حدة، ولهذا مال بعض الشارحين إلى أن المصنف
حصر أنواع العلاقات فى أربعة.
قوله: (لزم خلاف الفرض) وهو عدم الاتصال بين ذاتيهما.
قوله: (والثانى) أى إن لم يحصلا لذات فالمعنى المستعمل فيه والمعنى الموضوع له أمران ليس بين ذاتيهما اتصال، ولا هما حاصلان فى ذات فلا بد من اشتراكهما فى شكل أو صفة ظاهرة، وهذا وجه الضبط على وفق ما اعتبره المصنف من أقسام العلاقات، وإلا فالمشتركان فى الشكل أو الصنف قد يكون بينهما مجاورة أو اجتماع فى ذات.
قوله: (المجاز لا بد فيه) لا بد فى المجاز من العلاقة بين معناه المجازى ومعناه الحقيقى (وإلا) أى وإن لم يكن بينهما علاقة (فهو) أى المجاز بل استعماله فى المعنى المجازى (إنما وضع جديد أو غير مفيد) لأنه إذا لم يلاحظ مناسبة بين هذا المعنى والمعنى الحقيقى سواء كان هناك مناسبة أو لا فإما أن يقصد بالإطلاق تخصيص اللفظ به وتعيينه بإزائه فهو وضع جديد أو لا فلا يكون مفيدًا إذ المعنى المقصود لا يفهم منه بحسب الوضع إذ لا يتعلق به أصلًا بل نسبته إليه كنسبته إلى سائر المعانى والعلاقة اتصال ما بين المعنيين معتبر بحسب نوعه ويتصور ذلك الاتصال من وجوه خمسة: الأول الاشتراك فى شكل وهو الهيئة الحاصلة للمقدار من حيث إنه محاط بحد أو أكثر ولا خفاء فى ظهوره للشكل، الثانى الاشتراك فى صفة والمراد بها ههنا الأمر القائم بالغير ما عدا الشكل ويجب أن تكون ظاهرة الثبوت للمعنى الحقيقى ولها به مزيد اختصاص وشهرة لينتقل الذهن من المعنى الحقيقى أعنى الموصوف إلى الصفة فيفهم المعنى الآخر أعنى المجازى باعتبار ثبوت الصفة له كإطلاق الاسد على الشجاع للاشتراك فى صفة الشجاعة إذ لها فيه ظهور ومزيد اختصاص فينتقل الذهن منه إلى هذه الصفة وإذا منع مانع من اعتبارها قائمة بالأسد لاحظ ثبوتها لذات أخرف فيفهم المقصود (بخلاف إطلاق الأسد على الأبخر) فإنه لا يجوز لعدم ظهور هذه الصفة فى الأسد وهذان القسمان من المجاز يسميان مستعارًا وما عداهما مجازًا مرسلًا، الثالث أنه كان عليها أى كان المستعمل فيه أعنى المجازى على الصفة التى يكون اللفظ حقيقة فيها، الرابع أنه أى المستعمل فيه آيل غالبًا إلى الصفة التى هى المعنى الحقيقى، الخامس المجاورة وهذا
الوجه يعم الأمور المذكورة وكون الجزء فى كله شاملًا للأجسام والأعراض وكون الحال فى محله وكونهما فى محل واحد أو فى محلين متقاربين مختص بالأعراض اصطلاحًا كما أن كون المظروف فى ظرفه وكونهما فى حيزين متقاربين يختص بالأجسام وإنما لم يقل أو فى حيز واحد لاستحالة تداخل الأجسام وشغلها حيزًا واحدًا بخلاف حلول الأعراض الكثيرة فى محل واحد كالحركة والسواد فى الأسود المتحرك.
قوله: (بل وما هما متلازمان فى الوجود) عطف على قوله وما لا يكون كذلك باعتبار تخصيصه لما ذكر بعده أى بل ويعم ما هما متلازمان فى الوجود ولو عرفًا لتجاور بينهما فيه كالسبب والمسبب المجازيين فى الأجسام والأعراض وما همًا متلازمان فى الخيال والعلم كالضدين فإن الذهن ينتقل من ملاحظة السواد مثلًا إلى البياض وبالعكس فبينهما تلازم عرفي وتجاور هناك ثم إن المجاورة وإن كانت شاملة للأقسام لا يلزم أن يكون كل واحد منها معتبرًا بل المرجع فى ذلك الاستقراء.
قوله: (إنما بين ذاتيهما اتصال) يريد به اجتماعًا فى الأعيان أو فى الأذهان يدل عليه قوله فيما بعد: إذ لو اجتمعا لزم خلاف الفرض لا مطلق اتصال لئلا يلزم تقسيم الشئ إلى نفسه وإلى غيره وصاحب الأحكام بعد ما عد الوجوه الخمسة قال: وجميع جهات التجوز وإن تعددت غير خارجة عما ذكرناه.
ثم أعلم أن العلماء قد حصروا العلاقة المصححة للتجوز فى خمسة وعشرين بالاستقراء وإن كان بعض الأقسام منها متداخلة: الأول: استعمال اسم السبب للمسبب نحو "بلوا أرحامكم" أى صلوا. الثانى: عكسه كالإثم للخمر. الثالث: الكل للجزء كالأصابع للأنامل. الرابع: عكسه كالوجه للذات. الخامس: الملزوم للازم كالنطق للدلالة. السادس: عكسه كشد الإزار للاعتزال عن النساء فى قوله:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
…
دون النساء ولو بانت بأطهار
السابع: أحد المتشابهين فى صفة شكلًا أو غيره للآخر كالأسد للشجاع. الثامن: المطلق للمقيد كاليوم ليوم القيامة. التاسع: عكسه كالمشفر للشفة. العاشر: الخاص للعام نحو {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] أى رفقاء. الحادى عشر: عكسه كالعام المخصوص. الثانى عشر: حذف المضاف نحو {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
[يوسف: 82]، ويسمى مجازًا بالنقصان. الثالث عشر: عكسه نحو أنا ابن جلا. الرابع عشر: المجاورة كالميزاب للماء. الخامس عشر: الأول إليه. السادس عشر: الكون عليه. السابع عشر: المحل للحال. الثامن عشر: عكسه نحو {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: 107] أى الجنة. التاسع عشر: آلة الشئ له كاللسان للذكر. العشرون: أحد البدلين للآخر نحو الدم للدية. الحادى والعشرون: النكرة فى الإثبات للعموم نحو {عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: 14]. الثانى والعشرون: الضد للضد. الثالث والعشرون: المعرف باللام لواحد منكر نحو {وَادْخُلُوا الْبَابَ} [البقرة: 58]؛ أى بابًا نقلًا عن الأئمة. الرابع والعشرون: الحذف نحو: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]؛ أى لئلا تضلوا. الخامس والعشرون: الزيادة نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. هذا مجمل ما فصلوه وعليك التأمل فى ردها إلى ما ذكر فى الكتاب واللَّه أعلم بالصواب.
قوله: (لأنه إذا لم يلاحظ مناسبة) فعلى هذا يجب تقدير الكلام السابق هكذا لا بد فى المجاز من ملاحظة العلاقة وإلا أى وإن لم تلاحظ العلاقة بينهما أو يجب القول بأن العلاقة مناسبة معتبرة تلاحظ بين المعنيين لا مطلق المناسبة أو القول بأن انتفاء ملاحظة العلاقة لأنهم يحكمون بملاحظة العلاقة متى وجدت لكن قوله: سواء كان هناك مناسبة أو لا ينافى ذلك.
قوله: (إذ لا يتعلق به أصلًا) هنا بحث وهو أنه لا يلزم من عدم ملاحظة المناسبة عدمها كما يدل على ذلك قوله: سواء كان هناك مناسبة أو لا وحينئذ جار أن يكون بين المعنى المستعمل فيه وبين الموضوع له مناسبة كاملة وتنصب هنا قرينة واضحة على وجه يفهم من اللفظ عند الإطلاق هو المعنى المقصود وتعلق الوضع واللفظ بالمعنى أعم من أن يكون بالوضع له أو بالوضع لملزومه كالجزء واللازم وعدم فهم المتكلم المناسبة لا يستلزم عدم فهم المخاطب المعنى المجازى المقصود من اللفظ بحسب الوضع.
التفتازانى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) أى: فقد أطلق على الحسن وهو العقاب على السيئة لفظ السيئة والظاهر أن هذا من قبيل المشاكلة لا التضاد.
التفتازانى: (لوقوعه فى صحبته) أى لقصد وقوعه فى صحبته لأن الوقوع متأخر عن الذكر فلا يكون علة له.
التفتازانى: (ولهذا قال بعض الشارحين. . . إلخ) أى فجعل قوله أو فى صفة عطف عام على خاص لكن المقرر أنه لا يكون بأو.
قوله: (نحو بلوا أرحامكم أى صلوا) فى القاموس بل رحمه: وصلها وهو لا يفرق بين الحقيقة والمجاز.
قوله: (كالإصبع للأنامل) أى فى قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ} [البقرة: 19] ، وهو من مقابلة الجمع بالجمع المقتضية للقسمة آحادًا.
قوله: (كالعام المخصوص) الأولى كالعام الذى أريد به الخصوص كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ} [النساء: 54]، فإن المراد بالناس هو محمد صلى الله عليه وسلم وقيل نعيم بن مسعود، وأما العام المخصوص فقيل حقيقة.
قوله: (ويسمى مجاز) بالنقصان فيه إن هذا ليس من المجاز بمعنى اللفظ المستعمل فى غير وضع أول بل من المجاز بمعنى خلاف الأصل وليس الكلام فيه وكذا عكسه.
قوله: (ففى رحمة اللَّه أى الجنة) جعل الرحمة حالة فى الجنة ليس بمعنى إرادة الإحسان ولا الإحسان لأن ذلك ليس حالًا فى الجنة بل بمعنى أثر الإحسان لأنه الحال فيها.
قوله: (نحو الدم للدية) يقال: فلان أكل الدم أى الدية التى هى بدله.
قوله: (النكرة فى الإثبات للعموم) فيه نظر لأن العلاقة إطلاق الخاص وإرادة العام.
قوله: (المعرف باللام لواحد منكر) فيه نظر لأن ذلك ليس علاقة بل العلاقة المشابهة بين المبهم والمعين بناء على أن المعرف باللام للواحد المعين وضعًا.
قوله: (الحذف) أى حذف غير المضاف والمضاف إليه لأن حذفهما قد تقدم ثم إن هذا ليس من المجاز الذى نحن بصدده بل من المجاز بمعنى خلاف الأصل.
قال: (ولا يشترط النقل فى الآحاد على الأصح لنا أنه لو كان نقليًا لتوقف أهل العربية عليه ولا يتوقفون واستدل لو كان نقليًا لما افتقر إلى النظر فى العلاقة. وأجيب بأن النظر للواضع وإن سلم فللاطلاع على الحكمة قالوا: لو لم يكن لجاز نخلة لطويل غير إنسان وشبكة للصيد وابن للأب وبالعكس وأجيب بالمانع قالوا: لو جاز لكان قياسًا أو اختراعًا وأجيب باستقراء أن العلاقة مصححة كرفع الفاعل).
أقول: بعد الاتفاق على وجوب العلاقة فى المجاز هل يشترط فى آحاد المجازات أن تنقل بأعيانها عن أهل اللغة أم لا بل يكتفى بالعلاقة قد اختلف فيه والمختار أنه لا يشترط لنا أنه لو كان نقليًا لتوقف أهل العربية فى التجوز على النقل ضرورة ومن استقرأ علم أنهم لا يتوقفون وتستعمل مجازات متجددة لم تسمع من أهل اللغة ولا يخطئون صاحبه ولذلك لم يدوّنوا المجازات تدوينهم الحقائق واستدل عليه بأنه لو كان المجاز نقليًا لما افتقر إلى النظر فى العلاقة واللازم باطل، أما اللازمة فلان النقل دون العلاقة مستقل بتصحيحه والعلاقة دونه لا تصحح فاستوى فى الحالين وجودها وعدمها فلا معنى للنظر فيها وأما انتفاء اللازم فلإطباق أهل العربية على افتقاره إليه.
الجواب: أن اللازم هو الاستغناء فى المتجوز عن النظر فى العلاقة والذي اتفق عليه افتقار الواضع فى الوضع إليه لا افتقار التجوز فى تجوزه سلمناه لكن الاستغناء فى التجوز لا يوجب عدم افتقار المتجوز إليه مطلقًا إذ قد يفتقر إليه فى الاطلاع على الحكمة الباعثة على ترك الحقيقة إلى المجاز وتعرف جهة حسنه.
قالوا: أولًا: لو لم يشترط النقل فى الآحاد حتى جاز التجوز بمجرد العلاقة لجاز نخلة لطويل غير إنسان للمشابهة وشبكة للصيد للمجاوزة وابن للأب وأب للابن للسببية والمسببية وهما نوعان من المجاورة.
الجواب: أن العلاقة مقتضية للصحة وتخلف الصحة عنها لا يقدح فيه فإنه ربما كان لمانع مخصوص فإن عدم المانع ليس جزءًا من المقتضى والتخلف لمانع عن المقتضى جائز.
وقالوا: ثانيًا: لو جاز التجوز بلا نقل لكان قياسًا أو اختراعًا وهما باطلان أما لزوم أحدهما فلأنه إثبات ما لم يصرح به فإن كان لجامع مشترك بينه وبين ما صرح به مستلزم للحكم فهو القياس وإلا فهو إثبات ما لم يثبت من العرب لا هو ولا ما
يستلزمه وهو الاختراع وأما بطلانهما فالقياس سنبينه والاختراع ظاهر.
الجواب: لا نسلم أنه إذا لم يكن لجامع يستلزمه يكون اختراعًا وإنما يكون اختراعًا لو لم يعلم الوضع باستقراء أن العلاقة مصححة كما فى رفع الفاعل ونصب المفعول فإنه بالوضع قطعًا ولا يجب النقل فى واحد واحد بل قد علم علمًا كليًا بالاستقراء.
قوله: (وأجيب بأن النظر للواضع ولو سلم فللاطلاع على الحكمة) تقرير بعض الشارحين أن الأول لمنع الملازمة والثانى لبطلان التالى، وبعضهم بالعكس، وبعضهم أن كليهما لمنع الملازمة ولا يخلو عن تكلفات وتعسفات؛ فذهب المحقق إلى أن كليهما لمنع انتفاء اللازم وتقريره أن اللازم من اشتراط النقل فى آحاد المجازات هو استغناء المتجوز فى تجوزه أى تكلمه بالمجاز واستعماله اللفظ فى غير ما وضع له عن النظر فى العلاقة؛ لا استغناء الواضع فى وضعه ولا المتجوز فى أغراض أخر له، وقد ادعى المستدل إجماع أهل العربية على انتفاء هذا اللازم فمنع المجيب أولًا إجماعهم على افتقار المتجوز فضلًا عن أن يكون فى تجوزه وإنما الإجماع على افتقار الواضع فى وضعه، وبعد تسليم الإجماع على افتقار المتجوز منع إجماعهم على افتقاره فى تجوزه؛ بل فى أغراض أخر له وثبوت افتقار المتجوز فى الجملة إنما ينافى عدم الافتقار أصلًا لا عدم الافتقار فى التجوز على ما هو اللازم؛ فقوله سلمنا ليس تسليمًا لانتفاء التالى وافتقار المتجوز فى تجويزه بل لتحقق الافتقار فى حق المتجوز أيضًا عدم افتقاره على الواضع.
قوله: (ومن استقرأ) أى تتبع أحوالهم وتفاصيل نظمهم ونثرهم (علم أنهم لا يتوقفون) بل يعدون اختراع آحاد المجازات من كمال البلاغة قوله (للسببية والمسببية) يعنى يلزم أن يجوز ابن للأب إطلاقًا للمسبب على السبب وأب للابن إطلاقًا للسبب على المسبب وكل منهما نوع آخر؛ لكنهما تحت المجاورة من قبيل التلازم فى الوجود والشبكة للصيد نوع آخر منها من قبيل كونهما فى حيزين متقاربين، وإنما عدل عما ذهب إليه بعضهم من أن الحلاقة فى الابن هو الكون عليه، وفى الأب للابن هو الأول إليه؛ لأن الكلام فيما إذا اتحد المضاف إليه بأن يقال ابن زيد ويراد أبوه وأبو زيد يراد ابنه، ومعلوم أنه لا كون هناك ولا أول وأما
عند اختلاف المضاف إليه بأن يقال زيد ابن أى لمن كان أباه وزيد أب أى صائر إلى الأبوة لولده الذى سيولد فلا خفاء فى صحته، وإنما الكلام فى أن لفظ الابن هل يصير مجازًا بموت الأب وأيضًا على هذا المعنى لا معنى لاعتبار الأبوة والبنوة فى جانب المعنى بل كان ينبغى أن يقول لجاز ابن لمن كان ابنًا سواء صار أبًا أو لم يصر وأب لمن يصير أبًا سواء كان ابنًا أو لم يكن فليتأمل.
قوله: (وإنما يكون اختراعًا) إشارة إلى أن الواضع عين اللفظ بإزاء المعنى المجازى تعيينًا كليًا بمعنى أنه جوز إطلاقه على كل ما يكون بينه وبين المعنى الحقيقى نوع من العلاقات المعدودة علم ذلك باستقراء اللغة واستعمالات العرب، وإن لم يوجد التصريح به فى كل من الآحاد كما فى رفع الفاعل ونصب المفعول بل سائر ما يدل بحسب الهيئة كالمبنى للمفعول والأمر والمثنى والمجموع والمصغر والمنسوب وغير ذلك مما لم يصرح الواضع بآحادها بل علم بالاستقراء تعيين هيئاتها للدلالة على معانيها؛ إلا أن تعيين الهيئات للدلالة بنفسها أى من غير اشتراط قرينة خارجة عن اللفظ فصار كالأوضاع الشخصية ودخلت فى مطلق الوضع فكانت من قسم الحقيقة وتعيين المجازات للدلالة بمعونة القرائن المانعة عن إرادة المعانى الأصلية فخرجت عن قسم الحقيقة وعن أن يتناولها الوضع المطلق لكونه اسمًا للقسم الأول من التعيين.
قوله: (هل يشترط فى آحاد المجازات) إنما ذكر الآحاد لأن الخلاف فيها وأما النقل بحسب الأنواع فمما لا بد منه ضرورة أن العلاقة التى اتفق عليها ما كانت معتبرة بحسب نوعها.
قوله: (ولذلك) أى ولعدم اشتراط النقل فى الآحاد (لم يدونوا) فى كتب اللغة (المجازات تدوينهم الحقائق) إذ المذكور فيها هو المعانى الحقيقة وبعض المجازات المشهورة.
قوله: (مستقل بتصحيحه) أى بتصحيح التجوز لأنا متبعون لهم فى إطلاق الألفاظ على المعانى والعلاقة دون النقل لا تصحح التجوز، فاستوى فى حال النقل وعدمه وجود العلاقة وعدمها إذ مع النقل جاز الاستعمال وجدت العلاقة أو لا وبدونه لم يجز أصلًا فلا فائدة لها فلا معنى للنظر فيها.
قوله: (على افتقاره إليه) أبي افتقار المجاز أو التجوز أو المتجوز إلى النظر فى العلاقة، والجواب: أن اللازم على تقدير اشتراط النقل فى الآحاد هو استغناء المتجوز فى تجوزه عن النظر فى العلاقة فإن ادعيت على ذلك التقدير الاستغناء مطلقًا أو بالنسبة إلى الواضع منعنا الملازمة وإن ادعيت استغناء المتجوز فى تجوزه أو استغناءه مطلقًا منعنا بطلان التالى فيهما فإن أهل العربية لم يتفقوا على افتقار المتجوز فى تجوزه إليه ولا على افتقاره إليه فى الجملة بل اتفقوا على افتقار الواضع فى الوضع إليه ولنا فى الثانى بعد تسليم الاتفاق على افتقار المتجوز فى الجملة منع الملازمة لأن استغناءه فى التجوز لا يوجب عدم افتقاره إليه مطلقًا فتقدير كلامه (لافتقار المتجوز فى تجوزه) ولا افتقار مطلقًا (سلمناه) أى افتقاره مطلقًا لا افتقاره فى تجوزه إذ لا يصح الجواب حينئذ قطعًا، وقوله: افتقار الواضع فى الوضع إليه يدل على أن المجاز موضوع فى الجملة وإن كان وضعًا كليًا ولو قيل: افتقار الواضع فى تجويز الاستعمال إليه شمل الوضع وعدمه لكن المتبادر من افتقار الواضع ما ذكره.
قوله: (وهما) أبي السببية والمسببية (نوعان من) مطلق (المجاورة) كما عرفت معتبران بحسب النوع اتفاقًا ومنهم من قال: العلاقة فى الأول الاشتراك فى معنى، وفى الثانى: المجاورة، وفى الثالث: الكون عليه، وفى الرابع: الأول إليه غالبًا قال: ولما كانت العلاقة التى ذكرها المصنف أربعة أنواع ذكر لكل نوع صورة مشتملة عليه، والجواب: أن العلاقة المعتبرة نوعًا مقتضية لصحة الاستعمال وتخلف الصحة عنها فى بعض الصور لا يقدح فى الاقتضاء فإن التخلف ربما كان لمانع مخصوص بتلك الصور فلا يلزم منه قدح فى الاقتضاء؛ لأن عدم المانع ليس جزءًا من المقتضى بل التخلف لمانع عن المقتضى جائز وبهذا القدير يتم مقصودنا ولا يلزم تعيين المانع فما علم امتناع استعماله مع العلاقة حكم بوجود مانع هناك إجمالًا، وما لم يعلم فيه ذلك فإن علم أو ظن وجود مانع فيه لم يستعمل وإلا جاز استعماله؛ لأن الأصل عدم المانع ومنهم من قال ورد المنع من أهل اللغة عن هذه الإطلاقات ثم قال: وفى ورود المنع منهم نظر ومنع كون الصحيح لإطلاق النخلة على الإنسان هو الاشتراك فى الطول فقط بل هناك أوصاف أخر مشهورة.
قوله: (فلأنه) أى التجوز بلا نقل (إثبات ما لم يصرح به) من إطلاق اللفظ
على المعنى المجازى، فإن كان هذا الإثبات بجامع مشترك بين المعنى المجازى الذى لم يصرح باستعمال اللفظ فيه وبين معنى صرح بإطلاق اللفظ عليه مستلزم ذلك الجامع للحكم الذى هو استعمال اللفظ كان قياسًا وإن لم يكن الإثبات بجامع كان اختراعًا للغة لا تكلمًا بلغة العرب، وقوله: لو يعلم الوضع باستقراء أن العلاقة مصححة يدل على أن المجاز موضوع وضعًا كليًا، ولو قيل: لو لم يعلم جواز الاستعمال كان أشمل وفإنه أخد هذا المعنى من التشبيه فإن رفع الفاعل بالوضع قطعًا.
قوله: (إذ لا يصح الجواب حينئذ قطعًا) وذلك لأن ضمير سلمناه ولو كان راجعًا إلى افتقار المتجوز فى تجوزه يوجب أن يكون المنع قبل ذلك التسليم متوجهًا إلى بطلان عدم افتقار المتجوز فى تجوزه فيجب أن يكون التالى هكذا لا افتقر المتجوز فى تجوزه ولزوم هذا التالى القدم مسلم أيضًا ولا يحصل منعه من قوله: لكن الاستغناء فى التجوز لا يوجب عدم افتقار المتجوز إليه مطلقًا فلزم تمام الدليل وثبوت المدعى فلزم أن يقدر الكلام هكذا لا افتقار المتجوز فى تجوزه ولا افتقاره فى الجملة ويرجع ضمير سلمناه إلى افتقاره فى الجملة فيصير التالى هكذا: لما افتقر المتجوز فى الجملة أى لما افتقر مطلقًا ويكون قوله لكن الاستغناء. . . إلخ. منعًا للازمه فيصح الجواب ويتم الكلام.
التفتازانى: (أن الأول لمنع الملازمة. . . إلخ) فيكون معنى قوله: وأجيب بأن النظر للواضع أنا لا نسلم أنه لو كان نقليًا لما افتقر إلى النظر فى العلاقة لجواز أن يكون نقليًا ويفتقر إلى النظر فى العلاقة لأن النظر المأخوذ فى اللازمة هو النظر من الواضع وهو لا ينافى كون المجاز نقليًا ومعنى قوله وإن سلم فللاطلاع. . . إلخ. أنا نسلم الملازمة بناء على أن النظر المأخوذ فيها هو النظر من المتجوز فى تجوزه ولكن نمنع بطلان التالى والافتقار المتفق عليه إنما هو للمتجوز لا فى تجوزه؛ بل له فى أغراض أخر كالاطلاع على حكمة ترك الحقيقة إلى المجاز وتعرف جهة حسنه وقوله وبعضهم بالعكس أى جعل قوله بأن النظر للواضع جوابًا بمنع بطلان التالى وقوله: وإن سلم فللاطلاع على الحكمة جوابًا بمنع الملازمة فيكون معنى قوله
وأجيب بأن النظر للواضع أنا سلمنا الملازمة لأن النظر فيها من المتجوز فى تجوزه ولا شك فى عدم افتقار المتجوز فى تجوزه إلى النظر فى العلاقة بناء على اعتبار النقل فى المجاز لكن لا نسلم بطلان التالى لأن الإجماع على أن الافتقار إلى النظر إنما هو باعتبار نظر الواضع ومعنى قوله وإن سلم فللاطلاع على الحكمة أنا لو سلمنا أن الإجماع على الافتقار إلى النظر من المتجوز فلا نسلم صحة الملازمة لأن النظر المأخوذ فيها هو النظر من المتجوز لا فى تجوزه بل فى الاطلاع على الحكمة ولا شك أن اعتبار النقل لا يقتضى عدم الافتقار إلى النظر فى العلاقة من المتجوز لا فى تجوزه واستعماله اللفظ فى غير الموضوع له بل هو مفتقر إلى النظر فى العلاقة للاطلاع على الحكمة وقوله: وبعضهم أن كليهما لمنع الملازمة وعليه فمعنى قوله وأجيب بأن النظر من الواضع أنا لا نسلم عدم الافتقار إلى النظر فى العلاقة بناء على النقل لأن النظر المأخوذ فى الملازمة هو النظر من الواضع ولا يلزم من النقل عدم الافتقار إليه ومعنى قوله: وإن سلم فللاطلاع على الحكمة أنه لو سلم أن النظر المأخوذ فى الملازمة من المتجوز فلا نسلم الملازمة أيضًا لأن النقل إنما يوجب عدم افتقار المتجوز فى تجوزه لا عدم افتقاره فى يخرج آخر كالاطلاع على الحكمة والنظر المأخوذ فى اللازمة هو النظر من المتجوز لا فى تجوزه وعدم الافتقار إليه ليس بلازم للنقل وتكلفات هذه التوجيهات ظاهرة.
قوله: (الاستغناء مطلقًا) أى استغناء المتجوز فى تجوزه واستغناء الواضع فى وضعه.
قوله: (أو استغناؤه مطلقًا) أى ولو فى غير تجوزه.
قوله: (ولنا فى الثانى) هو استغناؤه مطلقًا وقوله: لأن استغناءه فى التجوز أى الذى هو لازم ضرورى للنقل لا يوجب عدم افتقاره إليه فى الجملة الذى جعل لازمًا فى الشرطية التى فى الدليل فصار التالى هكذا لما افتقر المتجوز فى الجملة.
قوله: (إذ لا يصح الجواب حينئذ قطعًا) أى لأن ضمير سلمناه لو كان راجعًا إلى افتقار المتجوز فى تجوزه لما صح قوله لكن الاستغناء فى التجوز لا يوجب عدم افتقار التجوز. . . إلخ. واقتضى أن المنع قبل ذلك التسليم متوجه إلى بطلان عدم افتقار المتجوز فى تجوزه فيجب أن يكون التالى هكذا لما افتقر المتجوز فى تجوزه ولزوم هذا التالى للمقدم مسلم أيضًا ولا يحصل منعه من قوله لكن الاستغناء. . .
إلخ. فلا بد أن يقدر الكلام هكذا لا افتقار المتجوز فى تجوزه ولا افتقاره فى الجملة ويرجع ضمير سلمناه إلى افتقاره فى الجملة ويصير التالى هكذا لما افتقر التجوز فى الجملة أى لما افتقر مطلقًا ويكون قوله لكن الاستغناء. . . إلخ. منعًا للملازمة، ثم أعلم أن ما درج عليه ابن الحاجب من أن الخلاف فى اشتراط سماع الآحاد حمله بعضهم على غير أشخاص المجاز قال ابن السبكى فى شرحه على ابن الحاجب: محل الخلاف آحاد الأنواع لا الأشخاص؛ إذ الشخص الحقيقى لا يصح كونه محلًا للخلاف لأن أحدًا لا يقول لا أطلق الأسد على هذا الشجاع إلا إذا أطلقه عليه العرب بعينه وأطال فى بيان ذلك ثم قال: فقد تحرر أن الخلاف فى الأنواع لا فى الجنس ولا فى جزئيات النوع الواحد وسبقه إلى ذلك القرافى وعبارة جمع الجوامع والمختار اشتراط السمع فى نوع المجاز قال المحلى: فليس لنا أن نتجوز فى نوع منه كالسبب للمسبب إلا إذا سمع من العرب صورة منه وقيل لا يشترط ذلك بل يكتفى بالعلاقة التى نظروا إليها فيكفى السماع فى نوع لصحة التجوز فى عكسه مثلًا ثم قال ولا يشترط السماع فى شخص المجاز إجماعًا.
قوله: (ومنع كون المصحح. . . إلخ) أى فما أوردوه من صور المنع ليس بحق لأنه لم يتحقق فيه المقتضى حتى يقال: إنه من صور المنع المورد من العرب.
قال: (قالوا: يعرف المجاز بوجوه بصحة النفى كقولك للبليد ليس بحمار عكس الحقيقة لامتناع ليس بإنسان وهو دور وبأن يتبادر غيره لولا القرينة عكس الحقيقة وأورد المشترك فإن أجيب بأنه يتبادر غير معين لزم أن يكون المعين مجازًا وبعدم اطراده ولا عكس وأورد السخى والفاضل لغير اللَّه والقارورة للزجاجة فإن أجيب بالمانع فدور وبجمعه على خلاف جمع الحقيقة كأمور جمع أمر للفعل وامتناع أوامر ولا عكس وبالتزام تقييده نحو جناح الذل ونارًا للحرب وبتوقفه على المسمى الآخر مثل {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]).
أقول: قال الأصوليون: يعرف المجاز بالضرورة بأن يصرح أهل اللغة باسمه أو بحدّه أو بخاصته وبالنظر بوجوه منها صحة النفى فى نفس الأمر كقولك للبليد ليس بحمار وإنما قلت: فى نفس الأمر ليندفع ما أنت بإنسان لصحته لغة وهذا بعكس الحقيقة فإن عدم صحة النفى علامة لها ولذلك لا يصح أن تقول للبليد: إنه ليس بإنسان الاعتراض عليه المراد بصحة سلبه سلب كل ما هو معناه حقيقة لأن معناه مجازًا لا يمكن سلبه وسلب بعض المعانى الحقيقية لا يفيد لجواز سلب بعض المعانى الحقيقية دون بعض فإذًا لا يعرف صحة سلبه إلا إذا علم كونه ليس شيئًا من المعانى الحقيقية وهو إنما يتحقق إذا علم أنه فيما استعمل فيه مجاز فإثبات كونه مجازًا به دور ووروده فى الحقيقة أظهر.
وقد يجاب بأن سلب بعض المعانى الحقيقية كاف فيعلم أنه مجاز فيه وإلا لزم الاشتراك وأيضًا فما ذكرت حق إذا أطلق اللفظ لمعنى لم يدر أحقيقة فيه أم مجاز أما إذا علم معناه الحقيقى والمجازى ولم يعلم أيهما المراد أمكن أن يعلم بصحة نفى المعنى الحقيقى عن المورد أن المراد هو المعنى المجازى فيعلم أنه مجاز.
ومنها: أن يتبادر غيره إلى الفهم لولا القرينة عكس الحقيقة فإنها تعرف بأن لا يتبادر غيره لولا القرينة الاعتراض يرد عليه المشترك إذا استعمل فى معناه المجازى إذ لا يتبادر غيره للتردد بين معانيه وعدم تبادر شئ منها وأنه علامة الحقيقة وليس بحقيقة فإن أجيب بأنا لا نسلم أنه لا يتبادر غيره بل يتبادر أحد معنييه لا على التعيين وهو غيره قلنا: لو صح ذلك لصدق على العين أنه يتبادر غيره إذ غير المعين غير المعنى وذلك علامة المجاز فليكن مجازًا فى المعين فلا يكون مشتركًا بل متواطئًا وقد يجاب بأنه إنما صح ذلك لو تبادر أحدهما لا بعينه على أنه المراد
واللفظ موضوع للقدر المشترك مستعمل فيه وأما إذا علم أن المراد أحدهما بعينه إذ اللفظ يصلح لهما وهو مستعمل فى أحدهما ولا نعلمه فذلك كاف فى كون المتبادر غير المجاز فلا يلزم كونه للمعين مجازًا.
ومنها: عدم اطراده بأن يستعمل لوجود معنى فى محل ولا يجوز استعماله فى محل آخر مع وجود ذلك المعنى فيه كما تقول {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، لأنه سؤال لأهلها ولا تقول: اسأل البساط وإن وجد فيه ذلك وهذا لا ينعكس أى ليس الاطراد دليل الحقيقة فإن المجاز قد يطرد كالأسد للشجاع الاعتراض السخى يطلق على غير اللَّه للجود واللَّه جواد ولا يقال له سخى وكذا الفاضل يطلق عليه للعلم واللَّه عالم ولا يقال له فاضل والقارورة تطلق على الزجاجة لاستقرار الشئ فيها والدن والكوز مما يستقر فيه الشئ ولا يسمى قارورة فإن أجيب عنه بأن المراد أنه يعرف بأن لا يطرد من غير مانع لغة أو شرعًا ولم يتحقق فيما ذكرتم من الأمثلة فإن الشرع منع السخى والفاضل للَّه واللغة منعت القارورة لغير الزجاجة قلنا: هذا دور فيجب أن لا تحصل المعرفة بهذا الطريق بيانه عدم اطراده إنما يعلم بسببه لأنه ممكن وهو إما عدم المقتضى أو وجود المانع وقد فرض أن لا مانع فهو لعدم المقتضى ولا مقتضى لصحة الإرادة إلا الوضع فينبغى أن يعلم وضعه لمقيد بقيد يختص بذلك المحل لا يتعداه إلى آخر ليعلم عدم جواز إرادة ذلك الآخر منه فإذًا يعلم عدم الاطراد بعدم الوضع وعدم الوضع بعدم الاطراد وهو الدور.
وقد يجاب بأن السخى لما دار بين كونه للجواد والجواد ممن شأنه أن يبخل ثم وجدناه لا يطلق على اللَّه تعالى مع جوده علمنا أنه ليس للجواد المطلق بل للجواد المقيد وهذا هو المراد وأنه واضح ولا يلزم الدور ولا النقض وكذا الآخران.
ومنها: جمعه على صيغة مخالفة لصيغة جمعه لمسمى آخر هو فيه حقيقة.
ووجه دلالته أنه لا يكون متواطئًا فيهما فإما مشترك أو حقيقة ومجاز وستعلم أن المجاز أولى مثاله أمور جمعًا للأمر بمعنى الفعل. ويمتنع أوامر الذى هو جمع الأمر بمعنى القول الذى هو حقيقة فيه باتفاق وهذا لا ينعكس إذ المجاز قد لا يجمع بخلاف جمع الحقيقة كالخمر والأسد.
ومنها: التزام تقييده فلا يستعمل فى ذلك المعنى عند الإطلاق نحو نار الحرب وجناح الذل.
ومنها: أن يكون إطلاقه لأحد مسمييه متوقفًا على تعلقه بالآخر نحو {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، ولا يقال: مكر اللَّه ابتداء.
قوله: (بأن يصرح أهل اللغة باسمه) بأن تقول هذا مجاز أو بعده بأن تقول هذا مستعمل فى غير وضع أول، أو بخاصته مثل أن تقول هذا مشروط بالقرينة أو يصح نفيه أو نحو ذلك من الخواص والعلاقات التى ينتقل الذهن منها إلى كونها مجازًا من غير طلب وكسب.
قوله: (منها صحة النفى فى نفس الأمر) بمعنى أن صحة نفى المعنى الحقيقى للفظ عند العقل وفى نفس الأمر عن المعنى المستعمل فيه علامة كون اللفظ مجازًا وعدم صحته علامة كونه حقيقة، وقيد بنفس الأمر لأنه ربما يصح النفى لغة واللفظ حقيقة كما فى قولنا: زيد ليس بإنسان ويشكل بالمجاز المستعمل فى الجزء أو اللازم المحمول كالإنسان بمعنى الناطق أو الكاتب على ما يقال: ما زيد بإنسان ويراد نفى خواص الإنسانية؛ فإن عدم صحة النفى متحقق ولا حقيقة.
قوله: (وهو) أى العلم بأنه ليس شيئًا من المعانى الحقيقية يتحقق إذا علم أن اللفظ فيما استعمل فيه مجاز وإذ لو لم يعلم ذلك لجاز أن يكون أيضًا من المعانى الحقيقية؛ فلا يحصل العلم بأنه ليس شيئًا منها وفيه بحث؛ لأن غايته الاستلزام دون التوقف للقطع بأنه يصح العلم بأن الإنسان ليس شيئًا من المعانى الحقيقية للأسد وأن يعلم استعماله فيه فضلًا عن أن يكون مجازًا.
قوله: (ووروده) أى ورود هذا الاعتراض على الحقيقة أظهر لكون الدور بمرتبة فإن عدم صحة النفى فى نفس الأمر إنما يعلم إذا علم أن اللفظ فيه حقيقة وأنه بعض معانيه بخلاف المجاز فإن العلم بصحة النفى يتوقف على العلم بكونه ليس شيئًا من معانيه وهو بكونه مجازًا فيه.
قوله: (وقد يجاب) عن هذا الاعتراض بوجهين: أحدهما لا نسلم أن المراد صحة سلب كل ما هو معناه حقيقة وأن سلب بعض المعانى الحقيقية غير مفيد بل هو كاف مفيد للمطلوب لأنا إذا وجدنا اللفظ مستعملًا فى شئ ليس من أفراد معنى حقيقى لذلك اللفظ علمنا أن ذلك اللفظ مجاز فيه إذ لو كان حقيقة لكان لذلك اللفظ معنى آخر وهو من أفراده فيلزم الاشتراك وهو خلاف الأصل ولا
يلزم الدور؛ لأن العلم بأنه ليس بعض المعانى الحقيقية لا يتوقف على العلم يكون اللفظ مجازًا فيه لجواز أن يكون بعضًا آخر بخلاف سلب كل المعانى فإنه لا يمكن بدون العلم بأن اللفظ ليس بموضوع له أصلًا، وثانيهما أن ما ذكرت من لزوم الدور على تقدير تمامه إنما يصح فيما إذا أطلق لفظ على معنى ولم يعلم أنه حقيقة فيه أو مجاز أما إذا علم للفظ المستعمل معنى حقيقى ومعنى مجازى ولم يعلم أيهما المراد فى هذا المقام لخفاء القرينة فصحة نفى المعنى الحقيقى عن المورد أى الحل الذى ورد فيه الكلام يدل على أن المراد هو المعنى المجازى فيعلم بذلك أن اللفظ مجاز وليس المراد بالمورد هو المعنى المجازى ليرد الاعتراض بأنا إذا لم نعرف المراد فكيف يمكننا سلب المعنى الحقيقى عنه أو إثباته له مثلًا إذا قيل:
طلع البدر علينا
…
من ثنيات الوداع
وقد صح فى هذا المقام أن يقال: الطالع ليس هو القمر علم أن المراد إنسان كالقمر فى الحسن والبهاء ولا يخفى أن هذا بالقرائن أشبه منه بالعلامات.
قوله: (بأن لا يتبادر) أى فعلامة الحقيقة أن لا يتبادر غير المعنى المستعمل فيه لولا القرينة الدالة على أن المراد غيره يعنى أن هذه علامة مطردة منعكسة إذ تبادر الغير علامة المجاز وعدمه علامة الحقيقة.
قوله: (الاعتراض) تقريره على ما ذكره الآمدى فى الأحكام وتبعه الشارحون أن هذه العلامة [هى التبادر](*) تنتقض بالمشترك فإنه حقيقة فى مدلولاته مع عدم تبادر شئ منها عند الإطلاق وأجاب الآمدى بأنه إن كان لجميع المدلولات على العموم فلا إشكال، وإن كان على سبيل البدل فهو حقيقة فيه لا فى المعين فالمعنى الحقيقى أعنى الأحد الدائر متبادر وغير التبادر أعنى العين ليس بمعنى حقيقى فلا إشكال واعترض عليه المصنف بأنه حينئذ يكون متواطئًا أى مشتركًا معنويًا؛ لأن له مفهومًا واحدًا لمعنيين فلا يكون مشتركًا لفظيًا ولما كان أصل الاعتراض فاسد إما على علامة المجاز فظاهر، وإما على علامة الحقيقة فلأن العلامة لا يجب انعكاسها عدل الشارح المحقق عن هذا التقرير إلى أن المراد الاعتراض بالمشترك المستعمل فى معناه المجازى كالعين فيما يشبه الهمس فإنه تحقق علامة الحقيقة أعنى عدم تبادر
(*) أى فإنه علاقة الحقيقة على هذا التقدير، وقوله:(فلا إشكال): أى لأن الجميع يتبادر منه، وقوله:(فهو حقيقة) أى فى الأحد الدائر.
الغير ولا حقيقة وحين توجه الجواب بمنع عدم تبادر الغير عند الإطلاق بل يتبادر الأحد الدائر دفعه المصنف بأنه لو تبادر ذلك عند الإطلاق لصدق علامة المجاز على المشترك المستعمل فى أحد معنييه على التعيين لأنه يتبادر غيره الذى هو الأحد الدائر أعنى أحد المعنيين لا على التعيين وحينئذ يلزم أن يكون مجازًا فى المعين حقيقة فى غير المعين ويصير متواطئًا أى مشتركًا معنويًا لا لفظيًا، وأجاب الشارح عن هذا الدفع بأن المراد تبادر الغير على أنه مراد واللفظ مستعمل فيه لا على معنى مجرد الخطور، وحينئذ لا يلزم كون المشترك مجازًا فى المعين وإنما يلزم لو كان تبادر الأحد الدائر على أنه مراد واللفظ موضوع له مستعمل فيه وليس كذلك بل معلوم عند الإطلاق أن المراد أحدهما بعينه واللفظ مستعمل فيه وإن لم يعلم بالتعيين لأن اللفظ صالح لهذا بالانفراد ولذلك بالانفراد فالعلم بأن المراد بالمشترك أحد المعنيين بعينه كاف فى كون المبادر على لفظ اسم المفعول أى المعنى الذى تبادر غيره الذى هو أحد المعنيين لا على التعيين عند الإطلاق غير المجاز؛ لأن غير المعين لم يبادره على وجه كونه مرادًا بل على وجه الخطور فقط وإذ قد صدق على المعين أنه لا يبادره غيره على وجه الإرادة كان حقيقة لا مجازًا لا يقال فحينئذ يندفع نفس جواب الاعتراض؛ لأن أحد المعنيين لا على التعيين لا يتبادر على الوجه الذى يصلح أن يكون علامة لكون المشترك فى لازم أحد المعنيين مثلًا مجازًا لأنا نقول: لولا القرينة لتبادر غيره الذى هو أحد المعنيين بعينة على أنه مراد وإن لم يعلم بالتعيين ففى هذا التحقيق إرشاد إلى إصلاح الجواب، فقوله: فى كون المبادر هو على لفظ اسم المفعول من بادرته سابقته فهو مبادر أى مسبوق.
قوله: (ومنها عدم اطراده) ظاهر هذه العبارة أن عدم الاطراد هو أن يستعمل اللفظ المجازى فى محل لوجود علاقة ثم لا يجوز استعماله فى محل آخر مع وجود تلك العلاقة كالنخلة تطلق على الإنسان لطوله ولا تطلق على طويل آخر غير الإنسان، فعلى هذا لا وجه لقوله تقول: اسأل القرية ولا تقول: اسأل البساط إلا أن يريد أن المجاز فى الهيئة التركيبية أعنى إيقاع السؤال على القرية بناء على أنه سؤال لأهلها مع أنه لا يصح إيقاعه على البساط بأن تقول: اسأل البساط إذا أمرته بسؤال أهله، وبهذا تشعر عبارة الشارح أو يريد بعدم الاطراد أن يستعمل لفظ لمعنى لعلاقة ولا يستعمل ذلك اللفظ أو لفظ آخر فى معنى مع وجود تلك العلاقة،
كالقرية تستعمل لأهلها للمحلية ولا يستعمل البساط لأهله مع وجود المحلية والراوية تستعمل فى المزادة للمجاورة ولا تستعمل الشبكة للصيد مع المجاورة.
قوله: (ولا عكس) قد توهم بعض الشارحين أن هذا اعتراض على هذه العلامة بأنها غير منعكسة وليس بشئ؛ لأن من شرط العلامة الاطراد وأما الانعكاس فقد يكون كما فى الأولين وقد لا يكون كهذه وبعضهم أن المعنى ليس المجاز عكس الحقيقة أى خلافها فى هذه العلامة حتى يكون الاطراد دليل الحقيقة ثم قال: والأظهر أن المراد لا عكس كليًا كقولنا: كل غير مطرد مجاز أى ليس كل مجاز غير مطرد فأشار الشارح المحقق إلى أنه لا حاجة إلى هذه التكلفات بل معناه أنه لا عكس لهذه العلامة وأنها ليست بحيث إذا انتفت انتفى المجاز ولزمت الحقيقة إذ من المجاز ما لا يوجد فيه عدم الاطراد.
قوله: (الاعتراض) تقريره أن عدم الاطراد لا يصلح علامة للمجاز لتحققه فى بعض الحقائق كالسخى للإنسان الجواد والفاضل للإنسان العالم والقارورة للزجاجة التى تستقر فيها المائعات، فإن أجيب بأن علامة المجاز هو عدم الاطراد من غير مانع وهو غير متحقق فى هذه الأمثلة لوجود المانع قلنا: فيلزم الدور وبيانه على ما فى بعض الشروح أن العلم بأن عدم اطراده ليس لمانع لا يعلم إلا بالعلم بأنه مجاز فلو علم مجازيته بذلك كان دورًا وعلى ما ذكره العلامة أن عدم الاطراد لا يكون إلا لمانع من الاطراد؛ لأن موجب الاطراد وهو العلامة متحقق والمانع ليس هو العقل وهو ظاهر ولا الشرع أو اللغة لأن التقدير كذلك فتعين أن يكون هو العلم بكونه مجازًا وبعبارة أخصر موجب عدم الاطراد ليس هو الشرع ولا اللغة ولا العقل بل العلم بكونه مجازًا فيدور، ولما لم يكن فى هذه البيانات دليل على توقف العلم بعدم الاطراد على العلم بكونه مجازًا ذهب الشارح المحقق إلى أن عدم الاطراد لا بد أن يكون لوجود المانع عن الاطراد أو لعدم مقتضى الاطراد، وإذا فرض عدم المانع تعين أن يكون لعدم المقتضى ومقتضى صحة الإرادة على الاطراد حينئذ هو الوضع لا غير لما أن المقتضى فى الواقع إما الوضع أو العلاقة ولا حكم بعدم اطراد المجاز من غير مانع لزم إخراج العلاقة من اقتضاء الصحة؛ لأن من ضرورة المقتضى للشئ ترتبه عليه عند عدم المانع وإذا تقرر أن المقتضى هو الوضع لا غير لزم أن يعلم أن اللفظ موضوع للمعنى مع اعتبار قيد لا يوجد فى محل آخر ليعلم أنه لا تصح إرادة ذلك الآخر على الاطراد فعدم الاطراد إنما يعلم
بعدم الوضع للمعنى المستعمل فيه، فلو علم عدم الوضع له بعدم الاطراد لكان دورًا ولا يلزم ذلك عند ترك التقييد بعدم المانع لجواز أن يعلم عدم الاطراد بالعلم بالمانع، ومبنى هذا التحقيق على ما تقرر فى العلوم الحكمية من أن ذا السبب إنما يعلم بسببه وإلا فيجوز أن يعلم عدم الاطراد ولا يعلم سببه فلذا قال: وقد يجاب بأن السخى يعنى أن المراد يكون عدم الاطراد علامة المجاز أنه إذا استعمل لفظ فى شئ بناء على معنى وترددنا فى أنه حقيقة أو مجاز ثم وجدناه لا يستعمل فى شئ آخر مع وجود ذلك المعنى علمنا أنه فى ذلك الشئ مجاز وأنه ليس بموضوع لذلك المعنى وإلا لصح استعماله فى فرده الآخر ولا يلزم الدور؛ لأن عدم الاطراد قد يعلم بالنقل أو الاستقراء أو نحو ذلك ولا يرد النقض بالصور المذكورة لأنا لما وجدناهم لا يطلقون السخى والفاضل على اللَّه تعالى علمنا أن السخى ليس للجواد مطلقًا، والفاضل ليس للعالم مطلقًا بل مع خصوصية قيد لا يوجد فى اللَّه تعالى كجواز البخل والجهل مثلًا وككون الفاضل لمن زاد علمه على فرد من بين نوعه وكذا القارورة ليست لمقرّ المائعات مطلقًا بل مع خصوصية كونه من الزجاج.
قوله: (ووجه دلالته) إشارة إلى دفع اعتراض الشارح العلامة بأن الاختلاف فى الجمع لا يدل على التجوز لجواز أن يكون لاختلاف المسمى كالعيدان لعود الخشب والأعواد لعود اللهو، وذلك أن اختلاف الجمع يدل على أن اللفظ ليس متواطئًا فى المعنيين وهو ظاهر وقد علم كونه حقيقة فى أحد المعنيين اتفاقًا فلو لم يكن فى الآخر مجازًا لزم الاشتراك وهو خلاف الأصل فإن قيل فلا أثر لاختلاف الجمع بل كل لفظ علم كونه حقيقة فى معنى إذا استعمل فى معنى آخر يحمل على المجاز دفعًا للاشتراك قلنا: هذا يصلح دليلًا على المجازية وأما العلامة فهى الجمع على خلاف الجمع إذ به يعرف أنه ليس بمتواطئ ولا يخفى ما فيه.
قوله: (ويمتنع) أى لا يصح فى جمع الأمر بمعنى الفعل لفظ أوامر الذى هو جمع الأمر بمعنى القول الذى لفظ الأمر حقيقة فيه بالاتفاق.
قوله: (نحو نار الحرب) الظاهر أن مثله من قبيل الاستعارة التخييلية كأظفار المنية ويد الشمال والمحققون على أنه مستعمل فى معناه الموضوع له وإنما التجوز والاستعارة فى إثباته لما ليس له؛ خلافًا لصاحب المفتاح حيث جعله مجازًا مستعملًا فى الصورة الوهمية الشبيهة بمعناه الأصلى.
قوله: (ومنها أن يكون إطلاقه لأحد مسمييه) فيه إشارة إلى أن المشاكلة من قبيل
المجاز وأن المعنى المجازى أيضًا مسمى اللفظ نظرًا إلى الوضع النوعى وتحقيق العلاقة فى مجاز المشاكلة مشكل إذ لا يظهر بين الطبخ والخياطة علاقة تصحح استعماله فيها فى قوله:
قالوا اقترح شيئًا نجد لك طبخه
…
قلت اطبخوا لى جبة وقميصًا
وامتناع أن يقال: مكر اللَّه ابتداء يشعر بأن ليس مبناه على التشبيه، وكأنهم جعلوا المصاحبة فى الذكر علاقة.
قوله: (بأن يصرح أهل اللغة باسمه) كقولهم: هذا اللفظ
(1)
مستعمل فى غير وضع أول على وجه يصح أو بخاصته كقولهم: استعماله فى هذا المعنى متوقف على علاقة.
قوله: (لصحته) أى لصحة سلب الإنسان لغة وعرفًا عن الفاقد بعض الصفات الإنسانية المعتد بها كالبليد وغيره بناء على اعتبارات خطابية.
قوله: (وهذا) أى وهذا الوجه من علامة المجاز ملتبس بكونه عكس علامة الحقيقة إذ عدم صحة النفى فى نفس الأمر علامة لها ولو قيل: وهذا عكس الحقيقة لكان أظهر وتنبيهًا على إعراب لفظ "عكس" فى المتن بالرفع خبرًا لمبتدأ محذوف.
قوله: (الاعتراض) توجيهه أن يقال: ليس المراد بصحة السلب صحة سلب اللفظ من حيث هو عن المعنى لصحة سلب الألفاظ من حيث هى الألفاظ عن معانيها الحقيقية فى نفس الأمر كأن يقال للأسد: إنه ليس بأسد أى ليس بهذا اللفظ بل صحة سلبه بحسب معناه ولا يراد سلب جميع المعانى (لأن معناه مجازًا لا يمكن سلبه) قطعًا لأدائه إلى سلب الشئ عن نفسه بل سلب ما هو معناه حقيقة ولا يراد سلب بعض المعانى الحقيقية فإنه لا يفيد كما فى المشترك بل سلب جميعها ولا تعرف صحة سلب جميع ما هو معناه حقيقة عن المعنى المفروض إلا إذا علم أنه ليس شيئًا من المعانى الحقيقية، وهو أى: العلم بكونه ليس منها إنما يتحقق إذا علم أن اللفظ فيما استعمل فيه أى المعنى الفروض مجاز، فإثبات كونه مجازًا بعرفان صحة السلب يستلزم دورًا مضمرًا بواسطتين وورود هذا الاعتراض
(1)
كقولهم: هذا اللفظ. . . إلخ. هكذا فى النسخة التى بأيدينا ولعل هنا نقصًا يعلم بتصفح عبارة السعد. كتبه مصحح طبعة بولاق.
على الحقيقة أظهر؛ لأن العلم بعدم صحة سلب جميع المعانى الحقيقية عن المعنى المستعمل فيه يتوقف على العلم بكونه من المعانى الحقيقية، فإثبات كونه حقيقة فيه بعدم الصحة يستلزم دورًا صريحًا بمرتبة واحدة.
قوله: (وقد يجاب) والغالب من طريقته فى هذا الكتاب أنه يعبر عن سوانحه بـ "قد يقال" أو بـ "قد يجاب" فإن قلت: لو كفى سلب بعض المعانى الحقيقية لزم كون المشترك مجازًا فى كل واحد من معانيه قلت: ذلك إنما هو فيما لم يعلم أنه حقيقة فيه أو مجاز أما إذا علم كونه حقيقة فيه كما فى المشترك المعلوم اشتراكه بالنقل أو العلاقة فلا وأنت تعلم أن هذا الجواب إنما يجرى فى المجاز دون الحقيقة لأن العلم بعدم صحة سلب بعض المعانى الحقيقية عن المعنى المفروض إنما يتحقق إذا علم أنه بعض منها وإلا لصح سلب جميعها عنه؛ وكذا الجواب الثانى إذ حاصله أن معرفة كون اللفظ حقيقة أو مجازًا فى معنى مفروض بهذه العلاقة تستلزم الدور؛ أما إذا علم معناه الحقيقى والمجازى ثم استعمل اللفظ فى مورد ولم يعلم أى المعنيين هو المراد؛ أمكن أن يعلم بصحة نفى جميع المعانى الحقيقية عن المورد أن المراد هو المعنى المجازى، فيعلم أن هذا اللفظ فى هذا المحل مجاز وليس يمكن أن يعلم بعدم صحة سلب جميعها عنه أن المراد هو المعنى الحقيقى فيعلم أنه ههنا حقيقة؛ لأن اللفظ الموضوع للعام إذا استعمل فى الخاص كان مجازًا مع امتناع سلب المعنى الحقيقى عن المورد ولذلك تراه قد تعرّض فى الجوابين للمجاز دون الحقيقة.
قوله: (فإنها تعرف بأن لا يتبادر غبره لولا القرينة) فسر العكس بعدم تبادر الغير لولا القرينة وهو أعم من أن يتبادر هو أولا وجعل المشترك اعتراضًا على طرد علامة الحقيقة فإنها قد وجدت فى المشترك المستعمل فى معناه المجازى مع انتفاء الحقيقة وأما غيره فقد فسر العكس بتبادره إلى الفهم لولا القرينة وأورد المشترك على عكس علامة الحقيقة، وإنما اختار ذلك التفسير لوجهين؛ أحدهما: أن علامة الشئ خاصة له وقد تكون مفارقة غير منعكسة فإذا قيل: علامة المعنى الحقيقى أن يتبادر هو إلى الفهم لولا القرينة لم يتجه أن يقال: المشترك حقيقة فى كل واحد من معانيه ولا يتبادر شئ منها؛ إذ حاصله أنه وجد ههنا الحقيقة ولم توجد خاصتها ولا محذور فيه، وأما على توجيه الشارح فاللازم وجود خاصة الشئ
بدونه ولا خفاء فى استحالته، وثانيهما: إن سلم اتجاهه حينئذ فلا معنى للجواب بتبادر غير المعين بل الجواب إن أمكن بمنع عدم تبادره أو بمنع كونه حقيقة فيه، وأما على تفسيره فلا غبار عليه وتفصيل المقام أن يقال: علامة المجاز تبادر الغير مع انتفاء القرينة اتفاقًا ولا يرد المشترك على ذلك طردًا بالقياس إلى معناه الحقيقى وهو ظاهر بل عكسًا باعتبار معناه المجازى ويمكن حمل كلام المتن عليه لكن السؤال بعدم انعكاس العلامة ما عرفت حالة، وعلامة الحقيقة إما التبادر على ما ذكره الشارحون فلا يرد المشترك عليها طردًا بالنسبة إلى معناه مجازًا، وهو أيضًا ظاهر بل عكسًا بالإضافة إلى معناه حقيقة، وإما عدم تبادر الغير كما هو فى الشرح فلا ورود للمشترك على ذلك عكسًا باعتبار معناه الحقيقى، بل طردًا بالقياس إلى معناه المجازى.
قوله: (وهو غيره) أى أحد معنييه لا على التعيين غير المعنى المجازى.
قوله: (لصدق على العين) أى على كل معنى من معنيى المشترك أنه يتبادر غيره إذ غير المعين، أعنى أحدهما مطلقًا الذى هو المتبادر غير كل معنى من المعنيين ضرورة أن الكلى مغاير لكل واحد من جزئياته، ولصدق أيضًا على غير المعين أنه لا يتبادر غيره وذلك علامة الحقيقة فليكن حقيقة فيه فلا يكون مشتركًا اشتراكًا لفظيًا بل متواطئًا لكونه موضوعًا للقدر المشترك وتحرير الجواب: أنه إنما يصح ما ذكرتم من لزوم كونه مجازًا فى المعين وحقيقة فى غير المعين حتى لا يكون مشتركًا بل متواطئًا أن لو تبادر إلى الفهم مفهوم أحدهما لا بعينه على أنه المراد واللفظ موضوع للقدر المشترك الذى هو هذا المفهوم ومستعمل فيه وليس كذلك، فإنا نعلم أن المراد أحدهما بعينه إذ اللفظ يصلح بحسب الوضع لكل واحد من المعنيين بخصوصه وهو مستعمل فى خصوص أحدهما لكنا لا نعلمه، بل نجزم أن المراد إما هذا المعنى وإما ذاك المعنى وهذا هو المراد من تبادر غير المعين وكل واحد منهما مغاير للمعنى المجازى فنحن نجزم بإرادة معنى مغاير للمعنى المجازى، وإن لم نعلمه بخصوصه فيصدق عليه أنه يتبادر غيره وإن كان تبادره على الإجمال فانتفى عنه علامة الحقيقة بل وجدت له علامة المجاز ولا يصدق على شئ من المعنيين أنه يتبادر غيره بل هناك تردد بينه وبين غيره فانتفى عنه علامة المجاز بل وجدت له علامة الحقيقة.
قوله: (كما تقول: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] لأنه) أى السؤال (سؤال لأهلها)
يعنى: أن لفظة اسأل استعملت فى محل هو نسبة السؤال إلى القرية؛ بسبب تعلق السؤال بأهلها ولم تستعمل فى محل آخر هو نسبة السؤال إلى البساط (وإن وجد فيه ذلك) أى تعلق السؤال بالأهل وهذا مبنى على ما سيأتى من مذهب المصنف فى مثل قولنا: أنبت الربيع البقل فإن قلت: لعله أراد أن القرية أطلقت على أهلها لعلاقة الحلول وقد وجد ذلك فى البساط ولم يطلق على أهله قلت: فحينئذ كان يقول: لأنها محل لأهلها بدل قوله: لأنه سؤال لأهلها، وأيضًا عدم الاطراد أن يستعمل لفظ فى محل لوجود معنى ولا يستعمل ذلك اللفظ فى محل آخر مع وجود ذلك المعنى فيه لا أن يستعمل نظيره فيه وما ذكرتم من هذا القبيل.
قوله: (الاعتراض) يريد أن علامة المجاز أعنى عدم الاطراد وجدت فى هذه الألفاظ مع أنها حقائق فى هذه المعانى؛ فبطلت العلامة طردًا، وما قيل من أن كون السخى والفاضل حقيقتين فى غير اللَّه سبحانه مبنى على المشهور من أن إطلاق المشترك المعنوى على أفراده بطريق الحقيقة وهو موضع نظر لأنه من إطلاق العام على الخاص أو الجزء على الكل أو اللازم على الملزوم أو السبب على المسبب لاختلاف الاعتبارات مع أن الكل مجازات فيندفع بما حققناه سالفًا.
قوله: (فإن أجيب) هذا ما أجاب به الآمدى فى الأحكام، وأما انحصار المانع فى القسمين فقيل: لا دليل عليه، وأجيب بأن المانع إما شرعى أو لغوى أو عقلى اتفاقًا ولا مانع عقليًا من إطلاق الألفاظ على المعانى قطعًا فانحصر فيهما.
قوله: (هذا دور) أى كون عدم الاطراد بلا مانع علامة للمجاز دور بل مستلزم له، وبيانه أن عدم اطراد اللفظ فى معنى إنما يعلم بسببه؛ لأن عدم الاطراد أمر ممكن غير محسوس بذاته ولا بحسب آثاره وصفاته وكل ما هو كذلك لا يعلم إلا بسببه كما حقق فى موضعه وسبب عدم الاطراد إما عدم المقتضى للاطراد، وإما وجود المانع عنه إذ علة عدم الشئ عدم علة وجوده وقد فرض أن لا مانع، فعدم الاطراد إنما هو لعدم مقتضى الاطراد ولا مقتضى لصحة إرادة المعنى من اللفظ على الاطراد إلا الوضع فلا بد فى العلم بعدم اطراد لفظ فى معنى من العلم بعدم وضعه له، والفرض أنه قد أطلق اللفظ فى محل باعتباره ظاهرًا فينبغى أن يعلم وضعه لذلك المعنى مقيدًا بقيد مخصوص بذلك المحل المستعمل فيه لا يتعداه إلى محل آخر ليعلم عدم وضعه له مطلقًا فيعلم عدم جواز إرادة ذلك الآخر منه فإذن
يعلم عدم الاطراد بعدم الوضع لما ذكرنا وعدم الوضع بعدم الاطراد، لأنه جعل علامة لكونه مجازًا فإن قيل: إن أراد بالوضع فى قوله: ولا مقتضى لصحة الإرادة إلا الوضع ما يتناول المجاز أيضًا فعلى هذا مقتضى الاطراد، أعنى: الوضع موجود فى كل مجاز فلا يكون عدم الاطراد فى بعضه إلا لمانع عنه قطعًا والمقدّر خلافه: وأيضًا لا يناسبه قوله: وعدم الوضع لعدم الاطراد لدلالته على أن المجاز ليس بموضوع وإن أراد به ما لا يتناوله بطل الانحصار ضرورة صحة الإرادة على الاطراد فى بعض المجازات فهناك مقتضى الاطراد قطعًا ولا وضع بالمعنى المذكور، أجيب: بأنا نختار الثانى ونقول: لا مقتضى لصحة الإرادة على الاطراد إلا الوضع أو العلاقة المقتضية لذلك استقراء ففى العلم بعدم المقتضى لا بد من العلم بعدم الوضع وعدم العلاقة المصححة للاطراد، ويرجع حاصله إلى العلم بكونه مجازًا غير مطرد فيلزم أن يعلم كونه مجازًا بكونه مجازًا غير مطرد وهذا المحذور أظهر بطلانًا مما لزم هناك ولعله اقتصر على الوضع لذلك.
قوله: (وقد يجاب) عن أصل الاعتراض بأن هذه الألفاظ مطردة فى معانيها، فإن السخى دائر بين معنيى الجواد المطلق والجواد الذى من شأنه البخل وكذا الفاضل دائر بين العالم مطلقًا والعالم الذى من شأنه الجهل، ولما وجدناهما لا يطلقان على اللَّه تعالى مع جوده الشامل وعلمه الكامل علمنا أنهما موضوعان للمقيدين، وكذا القارورة دائرة بين المستقر مطلقًا والمستقر مع كونه زجاجًا فبعدم الاستعمال فى غيره علمنا أنها للثانى.
قوله: (وهذا) أى الجواد المقيد (هو المراد) من لفظ السخى إذا أطلق على غير اللَّه سبحانه (وأنه) أى ما ذكرناه (واضح ولا يلزم) حينئذ (الدور) إذ منشؤه اعتبار المانع (ولا النقض) لاطراد هذه الألفاظ فى معانيها.
قوله: (وكذا الآخران) أى الفاضل والقارورة وقد بيناهما ولا يمكن أن يجعل هذا جوابًا عما أورد على اعتبار عدم المانع إذ لو قيل: المانع الشرعى فى الفاضل والسخى عن الاطراد فى مطلق العالم، والجواد هو أنه لما لم يطلقا على اللَّه تعالى شرعًا علم كونهما للمقيد فامتنع الاطراد فى المطلق وهذا هو المراد من المانع فلا دور ولا نقض، أجيب بأن هذا المعنى جار فى قولنا {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وأمثاله ولا يتصور عدم الاطراد بلا مانع.
قوله: (ووجه دلالته أنه لا يكون متواطئًا فيها) أى: مشتركًا معنويًا وإلا لما اختلف جمعهما ضرورة أن هناك لفظًا واحدًا لمعنى واحد (فإما مشترك) لفظى (أو حقيقة ومجاز) لكن الثانى أولى لما سيأتى وبهذا التوجيه اندفع ما يقال: جاز أن يكون اختلاف الجمع بسبب اختلاف المسمى وإن كان حقيقة فيهما كما فى جمع عودى الخشب واللهو بل الأولى الاختلاف دفعًا لمحذور زيادة الاشتراك.
قوله: (ومنها التزام تقييده) إذ قد ألف من أهل اللغة أنهم إذا استعملوا لفظًا فى مسماه أطلقوا إطلاقًا وإذا استعملوه بإزاء غيره قرنوا به قرينة؛ لأن الغرض من وضع اللفظ للمعنى أن يكتفى به فى الدلالة عليه والأصل أن يكون ذلك فى الحقيقة دون المجاز لكونها أغلب فى الاستعمال هكذا فى الأحكام، فإذا وجدناهم لا يستعملون اللفظ فى معنى إلا مقيدًا بقيد هو قرينة دالة عليه علمنا أنه مجاز فيه نحو: نار الحرب وجناح الذل فإن لفظى النار والجناح لا يستعملان فيما أريدا به ههنا إلا مقيدين بما أضيفا إليه ولا عكس إذ قد يستعمل المجاز غير مقيد اعتمادًا على القرائن الحالية أو المقالية غير التقييد وإنما اعتبر فيه الالتزام احترازًا عن المشترك إذ ربما يقيد لكن لا يلتزم فيه ذلك.
قوله: (لأحد مسمييه) قيل: إطلاق المسمى على المدلول المجازى يشعر بالوضع فى المجاز.
قوله: (على تعلقه) أى اللفظ بالمسمى الآخر، يعنى: على إطلاقه عليه فإن إطلاق المكر على ما يتصور من اللَّه سبحانه يتوقف على إطلاقه على ما يتصور من الناس بدون العكس فالمتوقف مجاز، ويحتمل أن يراد على تعلق أحد مسمييه بالآخر من حيث الذكر معه والمآل واحد ولا عكس هنا أيضًا.
قوله: (لأدائه إلى سلب الشئ عن نفسه) قيل: إن كان المراد بصحة النفى صحة نفى شئ عن شئ آخر باعتبار العينية أى ليس الشئ الثانى عينًا للأول كما يشعر به قوله: كأن يقال للأسد: إنه ليس بأسد أى ليس ببليد فلا يصح أن يقال: علامة الحقيقة عدم صحة السلب إذ يصح سلب الإنسان عن البليد فإن لفظ الإنسان مفهوم كلى لا يكون ذلك المفهوم عين البليد وكذا قولنا لما هو فرد من مفهوم الشئ: إنه ليس بشئ فإن هذا السلب بالنظر إلى نفس مفهوم الكلام
مجردًا عن الاعتبارات الخطابية لا يصح كما لا يصح أن يقال للبليد: إنه ليس بإنسان وإذا كان المراد من السلب ما ذكر صح السلب وإن كان المراد صحة النفى بحسب الصدق فالمعانى الحقيقية التى صح سلبها عن نفسها بحسب الصدق كثيرة مثل أن يقال: مفهوم الكاتب ليس بكاتب ومفهوم الضاحك ليس بضاحك وزيد ليس بزيد وغير ذلك ولا فساد فى سلب الشئ عن نفسه بحسب الصدق والشق الأخير أثبت بقوله فيما بعد لأن اللفظ الموضوع العام إذا استعمل فى الخاص كان مجازًا مع امتناع سلب المعنى الحقيقى عن الموارد.
قوله: (فلا يكون مشتركًا اشتراكًا لفظيًا) وذلك لأنه إذا كان اللفظ حقيقة فى مفهوم أحد المعانى ومع ذلك يكون مشتركًا اشتراكًا لفظيًا بأن يكون موضوعًا أيضًا لجزئيات هذا المفهوم فصار ذلك المفهوم من جملة معانيه فيجب أن يوجد مفهوم أحد تلك المعانى الذى اعتبر أوّلًا من جملتها فينقل الكلام إلى مفهوم أحد المعانى الذى اعتبر ثانيًا وعلى هذا القياس فإذا كان اللفظ حقيقة فى المفهوم المفروض يجب أن لا يوضع اللفظ بإزاء معنى آخر.
قوله: (فيندفع بما حققناه سابقًا) بأن يقال: ليس المراد من قولنا السخى يطلق على غير اللَّه تعالى باعتبار خصوص ذلك الغير حتى يكون لفظ السخى مجازًا بل المراد أن لفظ السخى يطلق على مفهوم كلى فى غير اللَّه تعالى من غير نظر إلى خصوص الفرد فى ذلك اللفظ بل الخصوص مستفاد من القرينة ومراد منها وحينئذ يكون لفظ السخى حقبقة وعدم الاطراد بناء على أنه لا يطلق على هذا المفهوم فى ضمن ذات اللَّه تعالى والخصوص مستفاد من القرينة ومراد منها كما فى الغير وهذا القدر كاف فى المقصود.
قوله: (وسبب عدم الاطراد إما عدم المقتضى) لا يتوفر العلم بعدم الاطراد بعد العلم بسببه من حيث هو سببه من غير نظر إلى خصوصه ولو سلم فلِمَ لا يجوز أن يعلم بعد العلم بخصوص السبب الذى هو عدم العلة التامة للاطراد من حيث هو نظرًا إلى ذلك العدم بعدم أى جزء من أجزائها ولو سلم والمجاز
(1)
لا يكون عدم الوضع بل يعتبر ذلك فى المجاز مع غيره وتوقف العلم بالكلى على شئ لا
(1)
قوله: ولو سلم والمجاز. . . إلخ. كذا فى الأصل وهو نسخة سقيمة جدًا فارجع إلى أصل صحيح وحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.
يستلزم توقف العلم بالجزئى على ذلك الشئ ويجب بيان الآخر بأن يقال: نحن علمنا لفظًا مستعملًا فى شئ باعتبار معنى وأردنا أن نعلم أن ذلك اللفظ حقيقة أو مجاز إذ ليس لنا فى تلك الحالة شئ مجهول سوى الوضع وعدمه فالعلم الذى يحصل بالعلم بعدم الاطراد هو العلم بعدم الوضع وقد تقرر أن العلم بعدم الاطراد يحصل من العلم بعدم الوضع فيلزم الدور وظهر معنى قوله: وعدم الوضع بعدم الاطراد لأنه جعل علامة لكونه مجازًا.
قوله: (فلا بد فى العلم بعدم اطراد لفظ فى معنى) أى باعتبار معنى فإن العلامة للمجاز عدم اطراده باعتبار العلاقة، وإذا علم أن اللفظ لم يوضع بإزاء معنى معتبر فى استعماله علم أنه مجاز.
قوله: (يعلم دونه مجازًا بكونه مجازًا غير مطرد) وذلك لأنا فرضنا أنا وجدنا لفظًا مستعملًا فى معنى وأردنا العلم بأنه حقيقة أو مجاز فنعلم بعدم الاطراد أنه مجاز إذا صار العلم بعدم المقتضى هو العلم بعدم الوضع وعدم العلاقة؛ فقد وقع العلم بكون ذلك اللفظ مجازًا من العلم بكونه غير موضوع لذلك المعنى، وبأن العلاقة مفقودة بين معناه الحقيقى وهذا المعنى المستعمل فيه إذ لو تحقق أحدهما يحصل الاطراد والعلم بكونه غير موضوع لذلك المعنى يرجع إلى العلم بكونه مجازًا فيلزم أن يحصل العلم بكونه مجازًا من العلم بكونه مجازًا غير مطرد أى مع عدم الوضع لعلاقة.
قوله: (ولا يتصور عدم الاطراد بلا مانع) يمكن الجواب عن هذا الاعتراض بأن يقال: حاصل الجواب على هذا التقدير أن لفظ السخى حسن إطلاقه باعتبار الجود المطلق أو باعتبار الجود عما من شأنه أن يكون بخيلًا، ولما وجدناه لا يطلق على اللَّه تعالى شرعًا مع جوده الشامل علمنا أنه للمقيد فلا يكون الاطراد
(1)
فى المطلق بناء على وجود المانع وهو عدم إطلاق المريد؛ لأن ذوات كون اللفظ مستعملًا باعتبار معنى وبين كونه مستعملًا باعتبار معنى آخر المقيد يكون استعمال اللفظ
(1)
قوله: فلا يكون الاطراد، كذا فى النسخة ولعل الصواب: فلا يكون عدم الاطراد، كما هو ظاهر وقوله بعد: لأن ذوات. . . إلخ. انظر هذه العبارة وما فيها من الركة والتحريف البين وحررها وغيرها مما سبق ويأتى من التحريف إذا عثرت على أصل صحيح فإن الأصل الذى بيدنا محرف سقيم. كتبه مصحح طبعة بولاق.
متعينًا لأن يكون باعتبار أحدهما بعينه فإن عدم إطلاق الشارع يجعله متعينًا لأحد المعنيين فليس له المعنى الأخير فلا يكون الاطراد فيه، وإذا كان المراد من المانع المخصوص يجوز أن يكون عدم الاطراد فى الألفاظ المجازية لوجود المانع عنه مع عدم المانع المذكور؛ إذ انتفاء الخاص لا يوجب انتفاء العام فعلامة المجاز عدم الاطراد مع عدم ذلك المانع وهذا المانع متحقق فى الصور المذكورة فلا نقض بها ولما جاز تحقق عدم الاطراد مع وجود المانع لم يلزم الدور وتصور عدم الاطراد بلا مانع فى لفظ مستعمل باعتبار معنى يجزم بأن ذلك الاستعمال باعتبار هذا المعنى جزمًا حاصلًا من شئ هو عين عدم الإطلاق، ومع ذلك يتحقق هذا المعنى فى شئ لا يطلق اللفظ على ذلك الشئ باعتباره إذ لا يلزم من تأثير عدم الإطلاق حين التردد تأثيره مطلقًا، وليس المراد من المانع عدم الإطلاق مطلقًا حتى لا يتصور عدم الاطراد بلا مانع لما اختلف جمعهما أى لا يجوز أن يجمع لفظ واحد لمعنى واحد مستعمل باعتبار ذلك المعنى فى فرد على صيغة مخالفة لصيغة جمعه إذا استعمل باعتبار ذلك المعنى فى فرد آخر على وجه لا يجوز الموافقة فلو جمع لفظ واحد باعتبار معنى واحد على صيغتين مستعملتين فى طائفتين من أفراد ذلك المعنى لا يكون ذلك الاختلاف مما نحن فيه إذ ليس شئ من الصيغتين متعينًا لواحد من الطائفتين.
قوله: (لكن الثانى أولى) يعنى: أن ينضم إلى اختلاف الجمع مقدمة أخرى وهى أنه إذا وقع للفظ معنيان ولا يعلم الوضع لكل منهما والحمل على الحقيقة والمجاز أولى وهذا الاختلاف بعيد جدًا إذا كان تعدد المعنى معلومًا، فذلك الاختلاف يدل على تعدد المعنى والمقدمة المذكورة تدل على كون اللفظ مجازًا ولو علم تعدد المعنى من شئ آخر لكان لهذا الاختلاف مدخل.
الشارح: (لأن معناه مجازًا لا يمكن سلبه) أى اعلم أن المراد بصحة النفى فى علامة المجاز صحية نفى حمل المعنى على المستعمل فيه اللفظ حملًا متعارفًا على معنى نفى ثبوته له لا حملًا حقيقيًا على معنى نفى أنه هو لئلا يرد رأيت حيوانًا وقد رأيت زيدًا فإنه ليس بمجاز مع أنه يصح نفى حمل الحيوان على زيد حملًا حقيقيًا لأن زيدًا ليس نفس الحيوان لكنه يشكل بالمجاز المستعمل فى الجزء المساوى
أو اللازم كذلك كما تقدم.
الشارح: (بأن يستعمل لوجود معنى. . . إلخ) اعترض بأن عدم الاطراد للمجاز إنما يتمشى على اشتراط سماع الأحاد وهو قول مرجوح أما على أنه لا يشترط وإنما المشترط سماع نوع العلاقة فلم لا يطرد والمعنى قائم فعدم الاطراد دليل القول باشتراط سماع الآحاد وأجيب بأن كل حقيقة جرت عادة البلغاء فى التجوز على الانتقال منها إلى معنى دائمًا فالانتقال إلى غيره وإن كان لعلاقة مصححة غير مقبول لا لأنه غير منقول بل لأن تعارفهم على خلافه يمنع الأذهان عن الالتفات لغير هذا الانتقال فيما بينهم فاعتبر الشائع فى حقهم مانعًا مطلقًا لكن القرافى لم يمنع: أسأل السباط وما ماثله فلا يجعل عدم الاطراد علامة المجاز.
الشارح: (أن يعلم وضعه لمقيد) أى فيكون اللفظ حقيقة فى ذلك المحل لا غير.
الشارح: (ليعلم عدم جواز إرادة ذلك الآخر منه) أى على وجه الاطراد وإن أريد منه العلاقة فى بعض المحال.
الشارح: (ووجه دلالته أنه لا يكون متواطئًا فيهما) أى فباختلاف الجمع علم تعدد المعنى وحيث كان أحد المعنيين معلومًا أنه حقيقة وهذا المعنى الذى علم باختلاف الجمع دار بين الحقيقة والمجاز والحمل على المجاز أولى علم أن اللفظ فى هذا المعنى مجاز فاختلاف الجمع له دخل فى معرفة أنه مجاز لا علم تعدد المعنى فاندفع ما قيل: إنه لا دخل لاختلاف الجمع بل كل لفظ علم كونه حقيقة فى معنى إذا استعمل فى معنى آخر يحمل على المجاز دفعًا للاشتراك.
الشارح: (ويمتنع أوامر الذى هو جمع الأمر بمعنى القول) فى البحر المحيط للزركشى: أن أوامر ليس جمعًا قياسيًا إلا لآمره لا لأمر.
الشارح: (نحو نار الحرب وجناح الذل) ظاهره أن التجوز فى نار وفى جناح فالنار مستعملة فى الشدة والجناح مستعمل فى لين الجانب ومعنى اخفض حصل وصار التقدير حصل لهما لين جانبك الحاصل من الذل لهما.
التفتازانى: (كالإنسان بمعنى الناطق أو الكاتب) أى فإنه لا يصح نفى المعنى الحقيقى وهو الإنسان بمعنى الحيوان الناطق عنه إذ لا يصح أن نقول فى قول القائل: زيد إنسان أى ناطق أو كاتب زيد ليس بإنسان على معنى ليس بحيوان
ناطق فعدم صحة النفى متحقق ولا حقيقة وقوله على ما يقال: زيد ليس بإنسان ويراد نفى خواصه تحريف زيادة من الكاتب ولعل قوله: ويراد نفى خواص الإنسانية أى كالعلم والكرم مؤخر من تقديم وحقه بعد قوله: واللفظ حقيقة كما يقال زيد ليس بإنسان ثم إنه هل يرد ذلك على أمارة المجاز والصحيح أنه يرد لأنه قد جعل انتفاء الصحة علامة على الحقيقة والصحة علامة للمجاز فتكون علامة المجاز مطردة منعكسة ولم توجد الصحة فى المستعمل فى الجزء أو اللازم فلا يكون مجازًا مع أنه مجاز وفى مسلم الثبوت قيل: لا إشكال فإن سلب المعنى عن المستعمل فيه وإن لم يصح باعتبار المعنى المتعارف لكن يصح باعتبار العمل الحقيقى أقول: بل فيه إشكال فإن هذا عكس المجاز ولا يمكن أخذ النفى هناك باعتبار حمل الشئ على نفسه وإلا يلزم أن يكون قولك لزيد حيوان مجازًا فتأمل. اهـ.
التفتازانى: (لأن غايته الاستلزام) قال شارح مسلم الثبوت: الكلام فى اللفظ المستعمل استعمالًا صحيحًا فاندفع ما أورده التفتازانى بأنه يصح سلب المعانى الحقيقية للأسد عن الإنسان ولا يعلم استعماله فيه فضلًا عن المجازية. اهـ باختصار.
التفتازانى: (فلا إشكال) أى وإن الأحد الدائر متبادر منه وهو المعنى الحقيقى.
التفتازانى: (فظاهر) أى لأن علامة المجاز تبادر غيره منه ولا يتبادر من المشترك المستعمل فى أحد المعانى غيره حتى يكون مجازًا فى الأحد وقوله: إرشاد إلى اصطلاح الجواب أى فحاصل الجواب بأنه يتبادر غير معين أنه يتبادر كل من المعنيين بعينه إجمالًا وإن كان غير معين على التفصيل فالمراد معين وإن كان لا يعلم شخصه على التعيين.
التفتازانى: (إن المجاز فى الهيئة التركيبية) أراد بذلك المجاز العقلى فى النسبة الإيقاعية وعلى هذا فعدم الاطراد علامة للمجاز مطلقًا لا المجاز فى الطرف مع أنه الموضوع والمصنف لا يقول بالمجاز العقلى بل يرجع ما يتوهم فيه ذلك إلى المجاز اللغوى.
التفتازانى: (بهذا تشعر عبارة الشارح) أى حيث قال: لأنه سؤال أهلها ولم يقل: لأن القرية محل لأهلها.
التفتازانى: (ولا يخفى ما فيه) أى من أنه لا معنى لجعل اختلاف الجمع علامة
حيث كان المدار على دفع الاشتراك فى العمل على المجاز، وقد علمت أن اختلاف الجمع له مدخل فى معرفة كون اللفظ مجازًا لأنه يعرف تعدد المعنى.
التفتازانى: (فيه إشارة إلى أن المشاكله من قبيل المجاز) قال السعد فى شرح المفتاح: هو مشكل لعدم العلاقة وقال عبد الحكيم: القول بأنها مجاز ينافى كونها من المحسنات البديعية وأنه لا بد فى المجاز من اللزوم بين المعنيين فى الجملة وليس حقيقة وهو ظاهر فتعين أن تكون واسطة فيكون فى الاستعمال الصحيح قسم ثالث والسر فيه أن فى المشاكلة نقل المعنى من لباس إلى لباس فإن اللفظ بمنزلة اللباس ففيه إراءة المعنى بصورة عجيبة فيكنيه الوقوع فى الصحبة فيكون محسنًا معنويًا وفى المجاز نقل اللفظ من معنى إلى معنى فلا بد من العلاقة المصححة للانتقال والتغليب أيضًا من هذا القسم إذ فيه أيضًا نقل من لباس إلى لباس آخر لنكتة ولذا كان وظيفة المعانى فالحقيقة والمجاز والكناية أقسام للكلمة إذا كان المقصود استعمال الكلمة فى المعنى، وأما إذا كان المقصود نقل المعنى من لفظ إلى آخر فليس شيئًا منها. اهـ.
التفتازانى: (وتحقيق العلاقة فى مجاز المشاكلة مشكل) فى مسلم الثبوت: قيل فى دفع الإشكال كأنهم جعلوا المصاحبة فى الذكر علاقة واعترض عليه بأن المصاحبة فى الذكر تمكن فى كل لفظين فيجوز استعمال أحدهما فى معنى الآخر واعترض أيضًا بأن هذه المصاحبة ليست معدودة فى تعداد أنواع العلاقات، وأجيب عن ذلك بأنها نحو من المجاورة واعترض أيضًا بأن المشاكلة بعد الاستعمال والعلاقة يجب تحققها قبله، وأجيب عن ذلك بأن العلاقة قصد المشاكلة وهو قبل وقيل المجاورة فى الخيال هى العلاقة لا المصاحبة فى الذكر وفيه أيضًا بعد فإن المجاورة الاتفاقية غير كافية أقول: بل العلاقة التشبيه الادعائى فإنه لما اشتدت حاجته إلى الجبة شبهها بالطعام الذى به قوام بدن الإنسان وشبه خياطته بطبخه لكن لما لم يعرف هذا التشبيه من قبل لم يجز المجاز ابتداء بل بعد ذكر الحقيقة ولهذا لا يجوز مكر اللَّه ولا اطبخوا لى جبة ابتداء. اهـ. وبما ذكره آخرًا يرد على السعد قوله: وامتناع أن يقال مكر اللَّه ابتداء يشعر بأن ليس مبناه على التشبيه.
قوله: (كقولهم هذا اللفظ مستعمل. . . إلخ) لعل هنا سقطًا والأصل: كقولهم هذا اللفظ مجاز وقوله أو بعده كقولهم هذا اللفظ مستعمل. . . إلخ.
قوله: (ولو قيل وهذا عكس الحقيقة لكان أظهر) والكلام على حذف مضاف أى عكس علامة الحقيقة وكذا يقال فى الوجه غير الأظهر.
قوله: (لأدائه إلى سلب الشئ عن نفسه) ليس مراده نفى العمل الحقيقى أعنى العمل باعتبار العينية كما يتبادر بل نفى العمل المتعارف.
قوله: (فإثبات كونه مجازًا. . . إلخ) أى أن الكلام فى الإثبات دون الثبوت فاندفع ما قيل: إن غايته الاستلزام دون التوقف.
قوله: (وهذا هو المراد من تبادر غير المعين) أى الذى وقع فى الجواب.
قوله: (استعملت فى محل. . . إلخ) أى فاسأل موضوع لحدث وزمان ونسبة لمن يصح سؤاله فاستعملت فى حدث وزمان ونسبة للقرية لأنه سؤال أهلها مجازًا لغويًا ولم تستعمل مجازًا أيضًا فى نسبة السؤال إلى البساط لأنه سؤال أهله.
قوله: (فيندفع بما حققناه سابقًا) أى من أن استعمال الكلى فى الجزئى لا من حيث خصوصه حقيقة فالمراد أن لفظ السخى يطلق على مفهوم كلى متحقق فى غير اللَّه تعالى من غير نظر إلى خصوص الفرد فى ذلك اللفظ بل الخصوص مستفاد من القرينة ومراد منها ولا يطلق على مفهوم على متحقق فى ذات اللَّه تعالى فليس مطردًا.
قوله: (لا يعلم إلا بسببه كما حقق فى موضعه) رد بأن توقف العلم بذى السبب على العلم بسببه إنما هو فى اليقينى الكلى الدائم لا فى اليقينى الجزئى غير الدائم ولا فى الظنون ومباحث اللغة مظنونة.
قوله: (إذ علة عدم الشئ عدم علة وجوده وقد فرض. . . إلخ) هكذا فى النسخ التى بأيدينا ولعل هنا سقطًا والأصل: إد علة عدم الشئ عدم وجوده أو عدم عدم المانع الذى هو وجود الشائع وقد فرض. . . إلخ.
قوله: (والفرض أنه قد أطلق اللفظ) أى إطلاقًا حقيقيًا وإنما اعتبر هذا الفرض لأن الكلام فى لفظ علمت له حقيقة واستعمل فى معنى لم يعلم أهو حقيقة فيه أم مجاز فمعرفة مجازيته بعدم وضعه مبنية على علم وضعه.
قوله: (عدم وضعه لهم مطلقًا) أى عدم وضعه للمحل مطلقًا بل باعتبار قيد لا يوجد فى الآخر.
قوله: (عدم جواز إرادة ذلك الآخر منه) أى على وجه الاطراد وإن جازت
إرادته منه بالعلاقة فى بعض المحال.
قوله: (أظهر بطلانًا) إذ فيه توقف الشئ على نوع منه.
قوله: (ولا يمكن أن يجعل هذا جوابًا. . . إلخ) أى لا يمكن أن يجعل قوله: وقد يجاب بأن السخى. . . إلخ. أى فالمراد بالمانع عدم الإطلاق على المطلق فعدم الاطراد فى السخى وما معه لمانع هو عدم الإطلاق بخلاف عدم الاطراد فى المجاز فلغير هذا المانع.
وقوله: (أجيب بأن هذا المعنى) أعنى: أن المانع وهو عدم الإطلاق على ما وجد فيه العلاقة جار فى قولنا: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وأمثاله ولا يتصور عدم الاطراد لغير مانع ورد ذلك الهروى بأن المراد بالمانع فى السخى ونحوه أن اللفظ له معنيان وعدم إطلاق الشارح السخى على اللَّه يجعله متعينًا لأحد المعنيين، وإذا كان المراد من المانع هذا المعنى المخصوص يجوز أن يكون عدم الاطراد فى الألفاظ المجازية لوجود المانع منه مع انتفاء المانع المذكور إذ انتفاء الخاص لا يوجب انتفاء العام فعلامة المجاز عدم الاطراد مع عدم ذلك المانع، وهذا المانع متحقق فى الصور المذكورة فلا نقض بها ولما جاز تحقق عدم الاطراد مع وجود المانع أعنى مانعًا آخر غير الذى فى الصور المذكورة لم يلزم الدور وليس المراد من المانع عدم الإطلاق مطلقًا حتى لا يتصور عدم الاطراد بلا مانع. هذا ملخص ما ذكره الهروى ويظهر أن قول السيد: ولا يتصور عدم الاطراد بلا مانع مبنى على أن المانع ليس عدم الإطلاق وهو موجود، فى نحو {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وحاصل رد الهروى أن عدم الإطلاق الذى جعل مانعًا فى الصور المذكورة عدم إطلاق مخصوص لا عدم الإطلاق مطلقًا فلا ينافى أن فى نحو {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} مانعًا هو غير عدم الإطلاق الذى فى الصور المذكورة وحاصل المقام أنه قد جعل من علامات المجاز عدم الاطراد فورد على طرد هذه العلامة السخى وما معه فإنه لم يطرد مع أنه حقيقة، فأجيب بأن عدم اطراد ذلك لمانع شرعى أو لغوى والذى جعل علامة للمجاز هو عدم الاطراد بلا مانع فورد عليه أن عدم الاطراد بلا مانع يكون لعدم مقتضى الاطراد ومقتضى الاطراد هو الوضع فإذا وضع لفظ لمعنى كان مطردًا فى جميع أفراده ولا يستعمل فى غيره مطردًا فمقتضى عدم الاطراد هو عدم الوضع فلا يعرف عدم الاطراد إلا بمعرفة عدم الوضع وهو لا يعرف إلا بعدم
الاطراد فجاء الدور فأجاب الشارح عن أصل الاعتراض على الصور المذكورة بأنها مطردة فى المعنى المقيد والمراد منها ذلك فصح جعل علامة المجاز عدم الاطراد ويعلم عدم الاطراد بالنقل ونحوه ولا يصح أن يجعل جواب الشارح جوابًا عن الدور والالتزام أن علامة المجاز عدم الطرد لغير مانع لأن المراد لغير مانع هو غير عدم الإطلاق وأن كان لمانع آخر، وأما الصور المذكورة فالمانع فيها عدم الإطلاق لأن المانع هو عدم الإطلاق فى المجاز أيضًا وهو جارٍ فى نحو {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، ولا يتصور فى المجاز عدم الطرد لغير مانع هو عدم الإطلاق وصحح الهروى أن يكون جوابًا عن الدور على ما علمته سابقًا.
قوله: (لما اختلف جمعهما) أى لما جاز أن يجمع لفظ واحد لمعنى واحد مستعمل باعتبار ذلك المعنى فى فرد على صيغة مخالفة لصيغة جمعه إذا استعمل باعتبار ذلك المعنى فى فرد آخر.
قوله: (وبهذا التوجيه) أى الذى دل على أن الكلام فى معنى علم أنه حقيقة والآخر غير معلوم أنه حقيقة.
قوله: (دفعًا لمحذور زيادة الاشتراك) أى لأن الاشتراك لولا الاختلاف يكون فى المفرد والجمع.
قوله: (فيما أريد به) الأولى فيما أريد بها.
قوله: (إذ ربما يقيد لكن لا يلتزم قيد ذلك) أى فيقال: العين الجارية تارة وتارة يحذف لفظ "الجارية" بخلاف المجاز فإنه متى وقع فيه التقييد لا يترك منه.
قال: (واللفظ قبل الاستعمال ليس بحقيقة ولا مجاز وفى استلزام المجاز الحقيقة خلاف بخلاف العكس الملزم لو لم يستلزم لعرى الوضع عن الفائدة النافى لو استلزم لكان لنحو قامت الحرب على ساق، وشابت لمة الليل حقيقة وهو مشترك الإلزام للزوم الوضع والحق أن المجاز فى المفرد ولا مجاز فى المركب وقول عبد القاهر فى نحو أحيانى اكتحالى بطلعتك أن المجاز فى الإسناد بعيد لاتحاد جهته ولو قيل لو استلزم لكان للفظ الرحمن حقيقة ولنحو عسى كان قويًا).
أقول: اللفظ بعد الوضع وقبل الاستعمال لا يتصف بكونه حقيقة ولا مجازًا لخروجه عن حدهما إذ لا يتناوله جنسهما وهو المستعمل ثم إن الحقيقة لا تستلزم المجاز إذ قد يستعمل اللفظ فى مسماه ولا يستعمل فى غيره ويعلم بالضرورة أن هذا غير ممتنع فهذا متفق عليه وأما عكسه وهو أن المجاز هل يستلزم الحقيقة أم لا بل يجوز أن يستعمل اللفظ فى غير ما وضع له ولا يستعمل فيما وضع له أصلًا فقد اختلف فيه احتج القائل بلزوم الحقيقة للمجاز لو لم يستلزم المجاز الحقيقة لعرى الوضع عن الفائدة وأنه غير جائز بيانه أن فائدة وضع اللفظ لمعنى إنما هو إفادة المعانى المركبة فإذا لم يستعمل لم يقع فى التركيب فانتفت فائدته وقد يجاب بأن الفائدة لا تنحصر فيما ذكرتم فإن صحة التجوز لما يناسبه فائدة، ثم نلتزم اللازم إذ لا كل ما يقصد به فائدة تترتب عليه واحتج النافى لاستلزامه لها بأنه لو استلزمها لكان لنحو: قامت الحرب على ساق وشابت لمة الليل من المركبات حقيقة واللازم منتف قطعًا وقد أجيب عنه بأنه مشترك الإلزام إذ الوضع لمعنى لازم للمجاز قطعًا فيجب أن تكون هذه المركبات موضوعة لمعنى متحقق وليس كذلك وهذا إلزامى.
والجواب المحقق: أن المجاز إنما هو فى المفردات واستعمالها متحقق ولا مجاز فى المركب حتى يلزم أن يكون له معنى فيلزم الاستعمال أو الوضع فيه فإن قلت فقد قال عبد القاهر فى نحو أحيانى اكتحالى بطلعتك: إن المجاز فى الإسناد فإن موجد السرور هو اللَّه تعالى قلنا هذا بعيد لاتحاد جهة الإسناد فإنه لا فرق فى اللغة بين قولك: سرنى رؤيتك ومات زيد وضرب عمرو فإن جهة الإسناد واحدة فى الكل لا يخطر بالبال عند الاستعمال غيرها والذى يزيل الوهم بالكلية أن يجعل الفعل مجازًا فى التسبب العادى ثم ذكر المصنف أن ههنا دليلًا من قبل النافى لو قيل به لكان قويًا وذلك أنه لو استلزم المجاز الحقيقة لكان للفظ الرحمن حقيقة
وهو ذو الرحمة مطلقًا حتى جاز إطلاقه لغير اللَّه وقولهم: رحمان اليمامة تعنت مردود وكذا لنحو عسى وحبذا من الأفعال التى لم تستعمل لزمان معين فإن قيل الجائز لغة قد يهجر شرعًا أو عرفًا قلنا: المراد العدم فى الجملة وقد ثبت، واعلم أنهم قد اختلفوا فى نحو: أنبت الربيع البقل لعدم كون الربيع هو الفاعل حقيقة فلا بد من تأويل فى اللفظ أو فى المعنى وإلا لكان كذبًا والتأويل فى اللفظ إما فى الإنبات أو فى الربيع أو فى التركيب فهذه احتمالات أربعة:
الأول: التأويل فى المعنى وهو أنه أورده ليتصوّر فينتقل الذهن منه إلى إنبات اللَّه فيه فيصدّق به وهو قول الإمام فخر الدين الرازى إن المجاز عقلى لا لغوى.
الثانى: أن التأويل فى أنبت وهو للتسبب العادى وإن كان وضعه للتسبب الحقيقى وهو قول المصنف.
الثالث: أن التأويل فى الربيع فإنه يتصور بصورة فاعل حقيقى فأسند إليه ما أسند إلى الفاعل الحقيقى مثل قولهم فى:
* صبحنا الخزرجية مرهفات *
حيث جعلوا المرهفات شرابًا وهو قول صاحب الفتاح إنه من الاستعارة والتخييلية.
الرابع: أن التأويل فى التركيب وهو أن كل هيئة تركيبية وضعت بإزاء تأليف معنوى وهذه وضعتا لملابسة الفاعلية فإذا استعملت لملابسة الظرفية أو نحوها كانت مجازًا نحو: صام نهاره وقام ليله وهذا مختار عبد القاهر والحق أنها تصرفات عقلية ولا حجر فيها فالكل ممكن والنظر إلى قصد المتكلم.
قوله: (وهو المستعمل) أى جنسهما هو اللفظ المستعمل كالجسم النامى وإلا فمجرد المستعمل فى موقع الفصل.
قوله: (المعانى المركبة) إشارة إلى ما ذهبوا إليه من أن وضع الألفاظ لإفادة المعانى التركيبية لا لإفادة مسمياتها للزوم الدور، وإن كان الدور مدفوعًا بأن فهم المعنى من اللفظ يتوقف على العلم بالوضع وهو إنما يتوقف على فهمه فى الجملة.
قوله: (ثم نلتزم) أى بعد منع الملازمة بناء على عدم انحصار الفائدة فى إفادة المعانى المركبة نمنع انتفاء اللازم بناء على أن العراء عن الفائدة لا يستلزم العبث فى
الوضع لجواز أن يوضع لغرض ولا يترتب عليه ذلك الغرض.
قوله: (لمعنى متحقق) فيه بحث.
قوله: (وهذا إلزامى) يعنى أن الجواب الأول: جدلي بمعنى أن هذا لا يتم حجة علينا لأنه مشترك الإلزام فما هو جوابكم فهو جوابنا والثانى: تحقيقى وهو منع كون أمثال هذه الصور من قبيل المجاز إلا باعتبار المفردات وهذا حق فى مثل: شابت لمة الليل لأن اللمة مجاز عن سواد آخر الليل والشيب عن حدوث البياض فيه بخلاف: قامت الحرب على ساق فإنه تمثيل لحال الحرب بحال من يقوم على ساقه لا يغفل ولا مجاز فى شئ من مفرداته وكذا قولهم للمتردد فى أمر: أراك تقدّم رجلًا وتؤخر أخرى وبالجملة المركبات موضوعة بإزاء معانيها التركيبية وضعًا نوعيًا بحيث يدل عليها بلا قرينة فإن استعملت فيها فحقائق وإلا فمجازات وهذا غير الإسناد المجازى الذى يقول به عبد القاهر ومن تبعه من المحققين فإنه ليس فى شئ من استعمال اللفظ فى غير ما وضع له، بل معناه أن حق الفعل بحكم العقل أن يسند إلى ما هو له فإسناده إلى غير ما هو له من الملابسات مجاز عقلى واتحاد جهة الإسناد بحسب الوضع واللغة لا ينافى ذلك وإنما ينافيه اتحاد جهته بحسب العقل وليس كذلك فإن إسناد الفعل إلى ما هو متصف به محلًا له فى المبنى للفاعل ومتعلقًا له فى المبنى للمفعول مما يقتضيه العقل ويرتضيه وإلى غير ذلك مما يأباه إلا بتأويل، فلذا قال الشارح المحقق: والذى يزيل الوهم بالكلية أن يجعل الفعل مجازًا وضعيًا عما يصح عند العقل إسناده إلى الفاعل المذكور ويتصف هو به وهو التسبب العادى فيكون أثبت مجازًا عن تسبب فى الإثبات وصام عن تسبب فى الصوم إلى غير ذلك وهذا مشكل فيما إذا أسند إلى المصدر مثل جدّ جدّه وبالجملة كلام المصنف فى هذا المقام يدل على قصر باعه فى علم البيان.
قوله: (وهو ذو الرحمة) أى رقة القلب وهذا فى حق اللَّه محال فيكون مجازًا ولم يستعمل فيما يصح عليه رقة القلب ليكون حقيقة، وظاهر كلام الشارح أن الرحمن حقيقة فى ذى الرحمة قديمًا كان أو حادثًا وقد استعمل فى القديم بخصوصه مجازًا مع عدم الاستعمال فى المطلق الذى هو معناه الحقيقى وما يقال من مجازيته بناء على أن الصيغة للمذكر وهم.
قوله: (وقولهم رحمان اليمامة) لا يقال الاستعمال فى الجملة وقد وجد وإن خالف الشرع والعرف؛ لأنا نقول هو كما إذا أطلق كافر لفظ اللَّه على مخلوق فلا يكون استعمالًا صحيحًا على أنك إذا تأملت عليت أن هذا الاستعمال ليس حقيقيًا لأنهم لم يريدوا رقة القلب.
قوله: (وكذا لنحو عسى) لا يقال لا نسلم أن هذه مجازات بل لم توضع إلا لمعانيها التى استعملت فيها ولو سلم، فلا نسلم عدم الاستعمال غايته عدم الوجدان وهو لا يدل على عدم الوجود لأنا نقول الكلام مع من اعترف بكونها أفعالًا مع الإطباق على أن كل فعل موضوع لحدث وزمان معين من الأزمنة الثلاثة ولا نعنى بعدم الاستعمال إلا عدم الوجدان بعد الاستقراء، على أن عدم جواز استعمال هذه الأفعال فى المعانى الزمانية معلوم من اللغة إلا أن الشارح أشار إلى أنه على تقدير الجواز لغة فالمراد عدم الاستعمال وقد ثبت باستقراء موارد الاستعمال.
قوله: (واعلم) لا خفاء فى أن مدلول إسناد الفعل إلى الشئ هو قيامه به وثبوته له بحيث يتصف به، وهذا لا يصح ظاهرًا فيما يسند إلى غير ما هو له من المصدر والزمان والمكان وغيرها نحو جدّ جده وأنبت الربيع البقل وجرى النهر ونحو ذلك فلا بد من صرفه عن ظاهره بتأويل إما فى المعنى أو فى اللفظ، واللفظ إما المسند أو السند إليه أو الهيئة التركيبية الدالة على الإسناد:
الأول: أن لا مجاز فيه بحسب الوضع؛ بل بحسب العقل حيث أسند الفعل إلى غير ما يقتضى العقل إسناده إليه، وهو قول الشيخ عبد القاهر والإمام الرازى وجميع علماء البيان.
الثانى: أن المسند مجاز عن المعنى الذى يصح إسناده إلى المسند إليه المذكور وهو قول المصنف.
الثالث: أن المسند إليه استعارة بالكناية عما يصح الإسناد إليه حقيقة وإسناد الإثبات قرينة لهذه الاستعارة وهو قول السكاكى.
الرابع: أنه لا مجاز فى شئ من المفردات بل شبه التلبس غير الفاعلى بالتلبس الفاعلى فاستعمل فيه اللفظ الموضوع لإفادة التلبس الفاعلى فيكون استعارة تمثيلية كما فى: أراك تقدم رجلًا وتؤخر أخرى وهذا ليس قولًا لعبد القاهر ولا لغيره من
علماء البيان لكنه ليس ببعيد، وأما ما ذكره الشارح المحقق فى تقرير الوجوه ففيه أبحاث:
الأول: أن قوله ليتصور معناه إن أراد به التصور المقابل للتصديق على ما هو الظاهر فهو ليس مدلول الجملة الخبرية فلا بد وأن يكون مجازًا لغويًا وإن أراد أنه أطلق ليعلم الحكم الذى هو مدلوله لكن لا ليكون مرجع الإفادة ومناط الصدق والكذب بل لينتقل منه إلى حكم آخر فيصدق به يكون هذا كناية، ولم يقل به الإمام الرازى ولا غيره ولم يطابق القواعد البيانية.
الثانى: إن جعل المسند موضوعًا للتسبب الحقيقى مجازًا عن التسبب العادى مع أنه لا يصح فيما أسند إلى المصدر مثل جدّ جده مخالف لما اتفق عليه علماء البيان من أن الفعل لا يدل إلا على الحدث والزمان من غير دلالة بحسب الوضع على أن فاعله يلزم أن يكون قادرًا أو غير قادر سببًا حقيقيًا أو غير حقيقى، وقد أقام الشيخ عبد القاهر على ذلك أدلة كثيرة وتبعه الإمام الرازى والسكاكى على أن التسبب الحقيقى لو أجرى على ظاهره لزم أن يكون فى الأفعال المسندة إلى غير الخالق مجاز باعتبار المسند أو الإسناد على ما افترى بعض الشارحين على الشيخ عبد القاهر من أنه ذهب إلى أن الإسناد فى: طلعت الشمس ومرض زيد مجازى.
الثالث: التأويل فى الربيع إن كان يجعله مجازًا عن القادر المختار على ما فهمه بعض القاصرين من كلام السكاكى فليس بمستقيم للقطع بأن المراد بالنية فى قولهم: أظفار المنية هو حقيقة الموت لا السبع ولتصريح السكاكى بأن المراد بها السبع بادعاء السبعية لها وإن أراد أنه شبه بالقادر المختار وتصوّر بصورته فأسند إلى القادر المختار على ما يشعر به كلام السكاكى لم يكن هذا مغنيًا عن القول بكون الإسناد مجازيًا لأن حق الإثبات مثلًا أن يسند إلى القادر دون الزمان المشبه بالقادر المتصور بصورته، وكذا إن جعل الاستعارة بالكناية هو اسم المشبه به المذكور بطريق الكناية وإيراد اللوازم دون التصريح حتى يكون قولنا: أظفار المنية بمنزلة أظفار السبع مجازًا عن السبع لأن الإسناد حينئذ يكون إلى الربيع فيفتقر إلى التأويل.
الرابع: أن قوله: وهو قول صاحب المفتاح إنه من الاستعارة التخييلية ينبغى أن يكون من سهو القلم، والصواب الاستعارة بالكناية وحملها على المعنى اللغوى
بمعنى أن ذلك تخييل لا تحقيق غلط لأنها اسم لنوع مخصوص من الاستعارة لا يفهم منه عند الإطلاق سواه ومع ذلك فليس قول صاحب المفتاح إنه استعارة تخييلية بل استعارة بالكناية ولو كانت هذه الاستعارة بالكناية مع التخييلية كما فى: أظفار المنية لكان أهون لكن صاحب المفتاح قد صرح بأنه لا تخييلية هنا وأن الإثبات أمر محقق لا مخيل وأما تمثيله بقوله:
* صبحنا الخزرجية مرهفات *
فمبنى على أن السكاكى لما رد الاستعارة التبعية إلى الأصلية لم يجعل "صبحنا" استعارة ولزمه جعل المرهفات استعارة بالكناية عن المشروبات وإيقاع "صبحنا" عليه قرينة على ما صنع به فى قوله: نقريهم لهذميات، فإن قيل كيف يتصور التأويل فى المسند إليه أو المسند فيما إذا كان أحدهما أو كلاهما مجازًا مثل: أحيا الأرض شباب الزمان ومعلوم أن ليس الإحياء مجازًا عن لفظ أنبت ليجعل مجازًا فى التسبب العادى ولا الشباب مجازًا عن لفظ الربيع ليجعل استعارة بالكناية عن القادر المختار، قلنا: وجهه أن يجعل الإحياء مجازًا عن التسبب العادى فى الإنبات والشباب استعارة بالكناية عن القادر المختار بتأويل جعله مرادفًا للفظ الربيع هذا، ومن نظر فى كلام الشيخ عبد القاهر والإمام الرازى علم أنه لم يخالف الشيخ أصلًا ولم يزد على تنقيح كلامه وأنهما اتفقا على أن ليس ههنا مجاز وضعى أصلًا لا فى المفرد ولا فى المركب؛ بل عقلى بأن أسند الفعل إلى غير ما يقتضى العقل إسناده إليه تشبيهًا له بالفاعل الحقيقى، ولما كان ذكر التشبيه موهمًا أن يكون هناك مجاز وضعى علاقته المشابهة حاول الشيخ إزالة الوهم فقال: هذا التشبيه ليس هو التشبيه الذى يقال بالكاف وكأنّ ونحوهما بل هى عبارة عن جهة راعوها فى إعطاء الربيع حكم القادر المختار كما قالوا: شبه ما بليس فرفع بها الاسم ونصب الخبر والعجب كل العجب من الشارح مع إحاطته بفن البيان واطلاعه على أقوال العلماء كيف خبط فى هذا المقام وأخطأ فى تقرير أقوال الأئمة العظام.
قوله: (من ضد أو نقيض) ظاهر كلام المصنف أنه يريد أن اللفظ قد يكون مشتركًا بين الضدين كالجون للأبيض والأسود، والقرء للطهر والحيض، أو النقيضين كالأمر للوجوب والإباحة مثلًا فإذا أطلق وأريد أحدهما وفهم الآخر بتخيل قرينة فقد فهم ما هو فى غاية البعد من المراد كما إذا فهم من قوله تعالى:
{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، الحيض والمراد الأطهار، ومن قوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] الوجوب والمراد الإباحة أى جواز الفعل على ما ذكر فى التنقيح من أن معنى قولهم الأمر للإباحة أن مدلوله جواز الفعل وإنما جواز الترك بحكم الأصل بخلاف المجاز فإنه على تقدير فهم المراد لا يؤدى إلى مستبعد؛ بل مناسب لما بين المعنيين من العلاقة حتى إن إطلاق اسم الضد على الضد لا يكون إلا بتنزيل التضاد منزلة التناسب لمشاكلة أو تهكم وتمليح، ولما لم يتحقق وضع اللفظ للنقيضين بالتحقيق حتى إن الشارحين إنما فرضوه فى لفظ النقيض إذا جعل لكل من الإيجاب والسلب لا للقدر المشترك قدّر الشارح المحقق تأدية المشترك إلى نقيض المراد بوجه لا يفتقر إلى وضعه للنقيضين وهو أنه قد يقال: لا تطلق فى القرء وأراد الحيض فيحمل على الطهر بتوهم قرينة ويفهم جواز التطليق فى الحيض وهو نقيض المراد أعنى التحريم أو وجوبه وهو ضد المراد ومبناه على ما تقرر فى العربية من أن النفى فى الكلام يرجع إلى القيد ويفيد ثبوت أصل الحكم فى مقابله حتى كأنه قيل لا تطلق فى الطهر بل فى الحيض جوازًا أو وجوبًا، أو فى الأصول من أن النهى عن الشئ يستلزم الأمر بضده لا بأن يؤخذ ضد التطليق على الإطلاق ليكون هو الإمساك والكف عن الطلاق؛ بل بأن يجعل التطليق فى الحيض ضد التطليق فى الطهر نظرًا إلى القيد فكأنه قيل طلق فى الحيض فإن حمل الأمر على الإباحة أى الجواز فنقيض المراد، أو على الإيجاب فضده وهذا القدر كاف فى التمثيل وأما ما يقال من أن المراد أنه يفهم الجواز إذا قيل لا تطلق فى القرء والوجوب إذا قيل طلق فى القرء فليس بمستقيم على ما لا يخفى.
قوله: (احتج القائل بلزوم الحقيقة للمجاز) فيه إشارة إلى أن لفظ الملزم فى المتن مرفوع بأنه فاعل احتج أو أمثاله، لأن قوله: القائل بلزوم الحقيقة للمجاز تفسير له ولك أن تتكلف فى إعرابه بالرفع وجهًا آخر.
قوله: (إفادة المعانى المركبة) إنما قيدها بالتركيب؛ لأن الغالب فى الاستعمال تأدية المعانى المركبة، وأما القصد إلى أدائها مفردة فهو قليل بالقياس إليه لا لما قيل فى المشهور من أن إفادة المعانى تستلزم الدور فإنه فاسد على ما حقق فى موضع آخر على أنه لو ترك التقييد لم يضرّ فى المطلوب أصلًا.
قوله: (ثم نلتزم اللازم) يعنى أن لنا بعد منع الملازمة كما مر أن نمنع بطلان اللازم الذى هو عراء الوضع عن الفائدة إذ ليس كل شئ يقصد به فائدة تترتب فائدته عليه.
قوله: (لكان لنحو قامت الحرب على ساق) أى التحمت واشتدت (وشابت لمة الليل) إذا ظهرت فيه تباشير الصبح (حقيقة) أى استعمال فيما وضعت هى له أولًا.
قوله: (وقد أجيب بأنه مشترك الإلزام) أى كما يمكن أن يلزم به الملزم يمكن أن يلزم به النافي؛ إذ الوضع لمعنى لازم للمجاز اتفاقًا وقطعًا، وهذا الدليل ينفيه بأن يقال: لو استلزم المجاز الوضع لوجب أن تكون هذه المركبات موضوعة لمعنى متحقق، وليس كذلك فلا يكون صحيحًا بجميع مقدماته (وهذا) جواب (إلزامى) لم تنحلّ به الشبهة ولم يتبين فسادها مفصلًا (والجواب المحقق أن المجاز إنما هو فى المفردات واستعمالها) فى معانيها الحقيقية فيما ذكر من المركبات (متحقق) فإن كل واحد من القيام والساق والشيب واللمة قد استعمل فيما وضع له أولًا (ولا مجاز فى المركب) من حيث هو مركب حتى يجب أن يكون له معنى فيلزم فيه، أى: فى المركب استعماله فى ذلك المعنى على القول بالاستلزام أو وضعه له على القولين.
قوله: (إن المجاز فى الإسناد فإن موجد السرور هو اللَّه) أريد بالإسناد الهيئة التركيبية التى فى: أحيانى اكتحالى بطلعتك فذلك ما سيأتى ذكره من مختار عبد القاهر فكأنه قيل: هذه الهيئة إنما وضعت للانتساب إلى الفاعل وههنا لم تستعمل فيه فإن فاعل السرور ليس هو الرؤية بل موجده هو اللَّه تعالى فهى مستعملة فى غيره فيكون مجازًا وعلى هذا معنى قوله لاتحاد جهة الإسناد أنه ليس يفهم منه معنيان مختلفان ليكون أحدهما بجهة الحقيقة والآخر بجهة المجاز كما فى لفظ الأسد (فإنه لا فرق فى اللغة بين قولك سرتنى رؤيتك ومات زيد وضرب عمرو فإن جهة الإسناد) باعتبار ما يفهم منه (واحدة فى الكل لا يخطر بالبال عند الاستعمال غير تلك الجهة) ويحتمل أن يراد بالإسناد المعنى أعنى الحكم الإسنادى وأن المجاز فى التركيب باعتبار الإسناد فإنه حقيقة فى الإسناد إلى الفاعل وقد استعمل فى إسناد آخر والجواب أن الإسناد ليس له جهتان ليكون التركيب حقيقة
فيه باعتبار جهة ومجازًا باعتبار جهة أخرى إذ لا يفهم فى اللغة من التركيب فى هذه الصور إلا الإسناد بجهة واحدة والذى يزيل توهم المجاز فى التركيب والإسناد بالكلية أن يجعل الفعل نحو سرّ مثلًا مجازًا فى التسبب العادى وحقيقة فى التسبب الحقيقى فيظهر أن المجاز فى المفرد لا فى المركب وإنما أورد ثلاثة أمثلة لأن الفعل إما أن يسند إلى غير فاعله كما فى الأول أو يسند إليه فإما أن يكون عدميًا كما فى الثانى أو وجوديًا كما فى الثالث.
قوله: (لكان للفظ الرحمن حقيقة) أى استعمال فى المعنى الحقيقى وهو ذو الرحمة مطلقًا ولم يستعمل فيه وإلا لجاز إطلاقه لغير اللَّه سبحانه ولم يجز قطعًا وأما قول بنى حنيفة فى مسيلمة: رحمان اليمامة، ومنه قول شاعرهم:
* وأنت غيث الورى لا زلت رحمانًا *
فباب من تعنتهم فى كفرهم ومردود فى عرف أهل اللغة أيضًا فلا يعتدّ به فالرحمن موضوع لمعنى عام ولم يستعمل إلا فى خاص مجازًا وقيل: هو من الصيغ الموضوعة للمذكر فاستعماله فى غيره كالبارئ تعالى مجاز وليس بشئ وقيل: هو مشتق من الرحمة أعنى رقة القلب التى لا تتصور فى حقه سبحانه فهو فيه مجاز وأما نحو: عسى من الأفعال التى لم تستعمل فى زمان معين مع كونه داخلًا فى مفهوم الفعل فمن إطلاق لفظ الكل على الجزء.
قوله: (الأول التأويل فى المعنى) وهو أن القائل أورد هذا المعنى أعنى إسناد الإثبات إلى الربيع لا ليصدّق به بل ليتصور فينتقل الذهن منه إلى إثبات اللَّه تعالى فى الربيع وعلى هذا فالمجاز عقلى لأن موضع هذا الإسناد بحكم العقل هو الفاعل الحقيقى وقد عدل به عنه إلى أمر آخر فقد تصرّف فى أمر يتعلق بالعقل لا لغوى إذ لم يتصرف فى أمر يتعلق بها أصلًا وأما قول المصنف: إنّ أنبت موضوع للتسبب الحقيقى واستعماله فى التسبب العادى مجاز فقد صرح به فى المنتهى وهو مذهب شرذمة من الناس وقد زيفه صاحب المفتاح وغيره.
قوله: (من الاستعارة التخييلية) لو قيل من الاستعارة بالكناية لكان أحسن إذ لا تخييلية فى: أنبت الربيع وإن كانت لازمة للاستعارة بالكناية غالبًا.
قوله: (وهذه وضعت لملابسة الفاعلية فإذا استعملت لملابسة الظرفية أو نحوها كانت مجازًا) بهذا ظهر فساد ما استبعد به المصنف كلام الشيخ من اتحاد الجهة
فى الإسناد.
قوله: (وهذا مختار عبد القاهر) ولعل الشارح رحمه الله إنما حكم بذلك بناء على نقل المصنف قوله فى هذا المقام إذ لو لم يحمل عليه لم يكن له تعلق بالمجاز الذى نحن بصدده وإن كان كلامه على ما نقل يدل على خلاف هذا إجمالًا وتفصيلًا أما الأول فحيث قال: واعلم أن حد كل واحد من وصفى الحقيقة والمجاز إذا كان الموصوف به المفرد غير حده إذا كان الموصوف به الجملة وأما الثانى فحيث قال المجاز فى أشاب الصغير هو أن الشيب إنما يحصل بفعل اللَّه تعالى ونحن لم نسنده إليه بل أسندناه إلى مر الغداة وإسناده إلى قدرة اللَّه تعالى حكم ثابت له لذاته لا بسبب وضع واضع فإذا أسندناه إلى غيره فقد نقلناه عما يستحقه لذاته فى الأصل فيكون التصرف فى أمر عقلى لا وضعى فلهذا يكون المجاز عقليًا وفى الإسناد لا وضعيًا وفى المفرد وإذا حمل كلامه على هذا كان راجعًا إلى ما ذكره الإمام ولم يكن له تعلق بهذا المقام ولهذا قيل لم يتنبه المصنف لمعنى المجاز فى الإسناد بل توهمه بمعنى المجاز فى المفرد واللَّه سبحانه أعلم بحقيقة الحال.
قوله: (والحق أنها تصرفات عقلية فالكل ممكن والنظر إلى قصد المتكلم) هذا على مذهبى الإمام وصاحب المفتاح ظاهر إذ للمتكلم أن يقصد هذا تارة ويقصد ذاك أخرى وأما مذهب المصنف ومختار عبد القاهر وإن كان كل واحد منهما أمرًا ممكنًا فى نفسه فإنه يتعلق بالوضع واللغة وليس للمتكلم أن يقصد أحدهما جاريًا على قانون اللغة إلا بعد ثبوته فيها وإذا ثبت أحدهما تعين للقصد اللهم إلا أن يقال كل واحد منهما ثابت فيها فله أن يقصد أيهما شاء لكن الكلام فى الثبوت.
قوله: (إذ ليس كل شئ يقصد به فائدته) يعنى: أن الواضع يقصد إلى الفائدة ولا يلزم من تحقق الوضع تحقق الفائدة فجاز تحقق الوضع مع عدم الاستعمال فيما وضع اللفظ بإزائه فلا يكون المجاز مستلزمًا للحقيقة.
المصنف: (وقول عبد القاهر أن المجاز فى الإسناد. . . إلخ) ليس مراده أنه على قول عبد القاهر يكون مثل: أحيانى اكتحالى بطلعتك من المجاز اللغوى الذى لا حقيقة له فيكون مجازًا لا حقيقة له فى الاستعمال بل مراده الإيراد على قوله:
والحق أن المجاز فى المفرد لأنه مجاز فى الإسناد وإن كان لا علاقة له بكون المجاز يستلزم الحقيقة أولًا لأن ذلك فى المجاز اللغوى فالمصنف يرى أن ما يقال فيه: إنه مجاز عقلى وهو مجاز فى الطرف وليس مجازًا عقليًا كما أنه ليس مجازًا لغويًا فى الهيئة التركيبية حتى يكون مثل: أحيانى اكتحالى بطلعتك مجازًا لغويًا لا حقيقة له.
الشارح: (المراد العدم فى الجملة وقد ثبت) أى فإذا هجر الاستعمال فى معنى شرعًا كان اللفظ غير مستعمل شرعًا فيما هجر فيه فلم يكن للفظ حقيقة شرعًا بل مجاز شرعًا يعنى أن لفظ الرحمن استعمل شرعًا فى اللَّه تعالى مجازًا لغة ولم يستعمل شرعًا بمعناه الأصلى اللغوى فصار مجازًا لا حقيقة له بهذا الاعتبار وكذا يقال فى العرف العام فتأمل.
التفتازانى: (على فهمه فى الجملة) أى فهمه لا من اللفظ.
التفتازانى: (على أن العراء عن الفائدة لا يستلزم العبث) أى فنمنع بطلان اللازم لكن هذا غير ظاهر على أن الواضع هو اللَّه.
التفتازانى: (فيه بحث) هو أن الواجب معلومية المعنى وإن كان موهومًا غير متحقق فى نفس الأمر والمعلومية متحققة أما تحققه فى الواقع فليس بواجب كالكواذب.
التفتازانى: (بخلاف قامت الحرب على ساق) قد يقال: إن قامت مستعار لاشتدت والساق مستعار للهول.
التفتازانى: (وهذا غير الإسناد الذى يقول به عبد القاهر) كأنه فهم أن المصنف يرى أنه هو عنده فلذا قال: وقول عبد القاهر. . . إلخ وقد علمت مراد المصنف به.
التفتازانى: (واتحاد جهة الإسناد) أى الذى تمسك به المصنف فى رد كونه مجازًا عقليًا.
التفتازانى: (هذا مشكل فيما إذا أسند إلى المصدر نحو جد جده) قال فى مسلم الثبوت وشرحه: قد اختلف فى نحو أنبت الربيع البقل على أربعة مذاهب؛ الأول أنه مجاز فى المسند وهو التسبب العادى وإن كان وضعه للتسبب الحقيقى وذلك قول ابن الحاجب وقرر بأن الفعل يدخل فى مفهومه النسبة إلى الفاعل القادر فإذا أسند إلى غير القادر يكون مجازًا ألبتة ورد بما اتفق عليه علماء البيان من أن الفعل لا يدل بحسب الوضع على أن فاعله يلزم أن يكون قادرًا أو غير قادر سببًا حقيقيًا
أو غير حقيقى فإن الفعل إنما أخذ فى مفهومه النسبة إلى فاعل ما لا الفاعل القادر وإذا كان الفاعل أعم كان الفاعل المختار وغيره والسبب الحقيقى وغيره فليس هناك تسبب حقيقى هو مدلول الفعل حتى يكون الانتقال إلى التسبب العادى مجازًا ورد أيضًا بأن من الأفعال ما ليس إسناده إلى الفاعل المختار فيلزم حينئذ أن تكون هذه الأفعال مجازات والتزامه بعيد كل البعد، ورد أيضًا بأن الحكم بدخول النسبة إلى الفاعل القادر لوجود بعض الأفعال مسندة إليه ليس أولى من العكس، ثم اعلم أن الخطأ من المترجمين فى تقرير كلامه ومرامه مصون عن هذه الشناعات فإنه لم يرد أن فى مدلول الفعل النسبة إلى القادر بل مراده أنه لما صدر ممن لا يعتقد ظاهره عرف أن فيه تأويلًا فأول هو فى المسند، وحكم بأن المراد منه ما يصلح لأن يسند إلى المذكور وههنا المذكور الإنبات وهو فى اللغة والعرف خلق النبات فتجوز عن التهيؤ والاستعداد له وهو التسبب العادى وعلى هذا القياس يؤول فى كل مثال بما يليق به وعلى هذا لا يرد عليه شئ فافهم وهو الذى اختاره الجونفورى فى تحقيق كلامه فى الفرائد. اهـ.
التفتازانى: (وبالجملة. . . إلخ) لا وجه لما قاله على ما علمت من تقرير كلامه.
التفتازانى: (حقيقة فى ذى الرحمة) أى لا بمعنى الرقة ثم إن هذين الوجهين لا يفيان بالرام لأنه لم يقم دليل على أن الرحمة رقة فى القلب بل يجوز أن تكون موضوعة بإزاء التفضل والإحسان، وإن كان هذا التفضل فى الإنسان لا يكون إلا برقة القلب وانعطافه وعدم إطلاقه على غيره لعدم وجود معناه فإنه اعتبر مبالغة كاملة وإنه ذو تفضل عظيم لسعة المرحوم المتفضل عليه وشموله لكل أحد وسعة المتفضل به من النعماء وهذا لا يوجد فى غيره قطعًا وبعد التنزل إطلاق العام على فرد منه ليس مجازًا لكن يبعد هذا أن الظاهر أن خصوصه مراد من لفظ الرحمن ولم يطلق الرحمن عليه تعالى لكونه فردًا من أفراد الكلى.
التفتازانى: (وما يقال من مجازيته. . . إلخ) وجه الوهم أن المراد بالمذكر ما قابل المؤنث لا ما اتصف بكونه له آلة الذكر.
التفتازانى: (لأنا نقول هو كما إذا أطلق كافر لفظ اللَّه على مخلوق. . . إلخ) فيه أن هناك فرقًا بينهما لأن لفظ اللَّه علم على الذات وأما رحمن فهو وصف والقاعدة اللغوية صحة إطلاقه على من ثبت له مبدأ الاشتقاق فالظاهر أن يقال: إن المختص
باللَّه تعالى هو المعرف الذى صار علمًا بالغلبة عليه من غير استعمال فى غيره.
التفتازانى: (إن أراد به. . . إلخ) فيه أنه أراد به التصرف فى المعنى بحسب العقل.
التفتازانى: (فلا بد وأن يكون مجازًا لغويًا) أى فلا يصح قوله وهو قول الإمام الرازى أنه مجاز عقلى وقوله ولم يطابق القواعد البيانية أى لأنه ليس فيه انتقال من اللازم إلى الملزوم على رأى بعض فى الكناية ولا انتقال من الملزوم إلى اللازم كما هو رأى آخر فيها وقد علمت أنه ليس المراد هذا ولا ما ذكره أولًا بل المراد به التأويل فى المعنى بالنظر إلى أن التصرف فى أمر عقلى لا وضعى فيكون مجازًا فى الإسناد.
التفتازانى: (جعل المسند للتسبب الحقيقى مجازًا عن التسبب العادى. . . إلخ) علمت أن مراده أن الفعل لما صدر ممن لا يعتقد ظاهره عرف أن فيه تأويلًا فأول المصنف فى المسند وحكم بأن المراد منه ما يصلح لأن يسند إلى المذكور وهنا أثبت فى اللغة والعرف معناه خلق النبات فتجوز به عن التهيؤ والاستعداد له وهو التسبب العادى ويؤول فى كل شئ بما يناسبه فيؤول جد جده بثبت جده وعلى هذا لا يرد عليه شئ مما ذكره.
التفتازانى: (وكذا إن جعل. . . إلخ) أى كما هو مذهب الجمهور.
التفتازانى: (مجازًا عن السبع) أى مجازًا منقولًا عن السبع الحقيقى فالسبع فى أظفار السبع بمعنى الموت.
التفتازانى: (لكان أهون) أى باعتبار وجود الاستعارة التخيلية معها.
التفتازانى: (وأما تمثيله بقوله صبحنا الخزرجية مرهفات. . . إلخ) جواب عما يقال: إن السكاكى قد قال بالتخيلية فى ذلك وقوله: وإنهما اتفقا. . . إلخ. قد يقال: إنهما وإن اتفقا على أن المجاز عقلى لكن اختلفا فى الموصوف به فعند الإمام الإسناد وعند الشيخ المركب وليس مراد الشارح من كون المجاز فى التركيب أنه المجار اللغوى على وجه الاستعارة التمثيلية حتى يقال: إنه ليس مذهب عبد القاهر ولم يقل به أحد من علماء البيان بل مراده المجاز العقلى وأن الموصوف به المركب لكن هذا على أحد وجهين للشيخ عبد القاهر وإلا فقد نقل عنه أن الموصوف بالمجاز العقلى هو الإسناد كما نقل عنه أنه الجملة.
التفتازانى: (كالأمر للوجوب والإباحة) فيه أن الإباحة والوجوب متضادان لا متناقضان.
التفتازانى: (على تقدير فهم المراد) تحريف وصوابه: على تقدير فهم غير المراد.
التفتازانى: (أو فى الأصول) عطف على قوله: فى العربية.
التفتازانى: (فليس بمستقيم على ما لا يخفى) أى لأن الوجوب والجواز مفهومان من كل من لا تطلق فى القرء وطلق فى القرء ولا معنى للتوزيع.
قوله: (أريد بالإسناد الهيئة التركيبية. . . إلخ) أى فالمجاز فى المركب باعتبار الإسناد وقوله: ويحتمل أن يراد. . . إلخ. فقول المصنف: المجاز فى الإسناد على حذف مضاف أى فى مركب الإسناد وعلى كل فالمراد المجاز اللغوى باعتبار الإسناد وهذا على فهم المحشى فى كلام الشارح، وأما على ما تقدم فى حل المصنف فالمجاز عقلى فى المركب باعتبار الإسناد.
قوله: (وهو أن القائل أورد هذا المعنى. . . إلخ) رد على التفتازانى على ما علمت.
قوله: (وهو مذهب شرذمة من الناس) أى لم يتفرد به المصنف.
قوله: (وقد زيفه صاحب المفتاح وغيره) إن كان بما تقدم إيراده ونقلناه عن شرح مسلم الثبوت فقد علمت رده.
قوله: (ولعل الشارح إنما حكم بذلك. . . إلخ) لا حاجة لذلك بل المصنف حيث قال: إن الحق أنه مجاز فى المفرد توهم اعتراضًا بأن الحق أنه مجاز فى الإسناد أى فى الهيئة التركيبية باعتبار الإسناد وأن المجاز مجاز عقلى وليس مراده أن ما قاله عبد القاهر فى المجاز اللغوى الذى نحن بصدده فيكون واردًا على أن المجاز يستلزم الحقيقة فيرد بأنه وإن كان مجازًا لغويًا تمثيليًا لكنه مستبعد كما ذكرناه سابقًا.
قوله: (إذا كان الموصوف به الجملة) ليس المراد على وجه الاستعارة التمثيلية بل على وجه المجاز العقلى.
قوله: (ولهذا قيل. . . إلخ) علمت عدم وروده بناء على ما حملنا عليه كلامه.
قوله: (فإنه يتعلق بالوضع واللغة) أى فإن كان أنبت فى اللغة للتسبب الحقيقى تعين قصد التجوز فى المسند وإن كان المركب موضوعًا للتسبب الفاعلى كان القصد إلى التجوز فى المركب.