الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: الشرعية واقعة
خلافًا للقاضى وأثبت المعتزلة الدينية أيضًا لنا القطع بالاستقراء أن الصلاة للركعات والزكاة والصوم والحج كذلك وهى فى اللغة للدعاء والنماء والإمساك مطلقًا والقصد مطلقًا قولهم باقية والزيادات شروط أخر رد بأنه فى الصلاة وهو غير داع ولا متبع قولهم مجاز إن أريد استعمال الشارع لها فهو المدّعى وإن أريد أهل اللغة فخلاف الظاهر لأنهم لم يعرفوها ولأنها تفهم بغير قرينة القاضى لو كانت كذلك لفهمها المكلف ولو فهمها لنقل لأنا مكلفون مثلهم والآحاد لا تفيد ولا تواتر، والجواب: أنها فهمت بالتفهيم بالقرائن كالأطفال قالوا: لو كانت لكانت غير عربية لأنهم لم يضعوها وأما الثانية فلأنه يلزم أن لا يكون القرآن عربيًا وأجيب بأنها عربية بوضع الشارع لها مجازًا وأنزلناه ضمير السورة ويصح إطلاق اسم القرآن عليها كالماء والعسل بخلاف نحو المائة والرغيف ولو سلم فيصح إطلاق اسم العربى على ما غالبه عربى كشعر فيه فارسية وعربية المعتزلة الإيمان التصديق وفىِ الشرع العبادات لأنها الدين والدين الإسلام والإسلام الإيمان بدليل {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} [آل عمران: 85]، فثبت أن الإيمان العبادات وقال:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 35]، إلى آخرها وعورض بقوله:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، قالوا: لو لم يكن لكان قاطع الطريق مؤمنًا وليس بمؤمن لأنه مخزى بدليل {مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192]، والمؤمن لا يخزى بدليل {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8]، وأجيب بأنه للصحابه أو مستأنف).
أقول: الحقيقة الشرعية واقعة خلافًا للقاضى أبى بكر وأثبت المعتزلة الحقيقة الدينية أيضًا وهى ما لا يعلم أهل اللغة لفظه أو معناه أو كليهما وزعموا أن أسماء الذوات كالمؤمن والكافر والإيمان والكفر كذلك دون أسماء الأفعال كالصلاة والزكاة والمصلى والمزكى ومحل النزاع الألفاظ المتداولة شرعًا وقد استعملت فى غير معانيها اللغوية فهل ذلك بوضع الشارع لها لمناسبة فتكون منقولات أو لا لمناسبة فتكون موضوعات مبتدأة أو استعملها فيها لمناسبتها لمعانيها اللغوية بقرينة من غير وضع مغن عن القرينة فتكون مجازات لغوية ثم غلبت فى المعانى الشرعية لكثرة دورانها على ألسن أهل الشرع ليس حاجتهم إلى التعبير عنها دون المعانى اللغوية فصارت حقيقة عرفية لهم حتى إذا وجدناها فى كلام الشارع مجردة عن
القرينة محتملة للمعنى اللغوى والشرعى فعلى أيهما تحمل، وأما فى استعمال أهل الشرع فتحمل على الشرعى بلا خلاف. ثم لم يذكر فى الأحكام والمحصول سوى مذهبين كونها حقيقة شرعية ونسبه إلى المعتزلة ونفيه ونسبه إلى القاضى والحق أنه لا ثالث لهما لنا القطع بأن الصلاة اسم للركعات المخصوصة بما فيها من الأقوال والهيئات وأن صلاة الظهر أربع ركعات بالإجماع والزكاة والصيام والحج كذلك أى هى لمعانيها الشرعية فالزكاة لأداء مال مخصوص والصيام لإمساك مخصوص والحج لقصد مخصوص وأنها سابقة منها إلى الفهم عند إطلاقها وهى علامة الحقيقة بعد أن كانت فى اللغة الصلاة للدعاء والزكاة للنماء والصيام للإمساك مطلقًا والحج للقصد مطلقًا وهذا لم يحصل إلا بتصرف الشرع ونقله لها إليها وهو معنى الحقيقة الشرعية وقد اعترض عليه بوجهين:
الأول: قولهم: إنها باقية فى المعانى اللغوية والزيادات شروط لوقوعها عبادات معتبرة مقبولة شرعًا والشرط خارج عن المشروط فلا نقل شرعًا فكان الصلاة أى الدعاء المقبول شرعًا ما اقترن بالركعات لا أن الصلاة اسم للركعات وهذا مردود بأنها لو كانت باقية فى المعانى اللغوية وهو فى الصلاة مثلًا أما الدعاء ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من دعى إلى طعام فليجب وإن كان صائمًا فليصل" أى فليدع لصاحب الطعام وأما الاتباع ومنه المصلى فى الحلبة لاتباعه السابق للزم أن لا يكون مصليًا إذا لم يكن داعيًا أو متبعًا واللازم باطل كالأخرس والمنفرد.
الثانى: قولهم: لا يلزم من استعمالها فى غير معانيها أن تكون حقائق شرعية بل هى مجازات وهذا أيضًا مردود فأولًا بأنه إن أريد بكون اللفظ مجازًا أن الشارع استعمله فى معناه لمناسبة للمعنى اللغوى اصطلاحًا لم يعهد من أهل اللغة ثم اشتهر فأفاد بغير قرينة فذاك معنى الحقيقة الشرعية فثبت المدعى وإن أريد به أن أهل اللغة استعملوها فى هذه المعانى والشارع تبعهم فيه فهو خلاف الظاهر فإنها معان حدثت وكان أهل اللغة لا يعرفونها واستعمال اللفظ فى المعنى فرع معرفته وثانيًا بأن هذه المعانى تفهم من هذه الألفاظ عند إطلاقها من غير قرينة ولو كانت مجازات لغوية لما فهمت إلا بقرينة.
وأنت بعد خبرتك بمحل النزاع لا تحتاج إلى التصريح بما فى كلامه من نظر القاضى ومتابعوه.
قالوا: أولًا: لو كان الأمر كذلك أى نقلها الشارع إلى غير معانيها اللغوية لفهمها المكلف لأنه مكلف بما تتضمنه والفهم شرط التكليف ولو فهمها إياه لنقل إلينا لأنا مكلفون مثلهم وقد قلنا: إن الفهم شرط التكليف ولو نقل إلينا فإما بالتواتر ولم يوجد قطعًا وإلا لا وقع الخلاف فيه أو بالآحاد وأنه لا يفيد العلم وأيضًا فالعادة تقضى فى مثله بالتواتر.
والجواب: أنها فهمت لهم ولنا بالترديد بالقرائن كالأطفال يتعلمون اللغات من غير أن يصرح معهم بوضع اللفظ للمعنى لامتناعه بالنسبة إلى من لا يعلم شيئًا من الألفاظ وهذا طريق قطعى لا ينكر فإن عنيتم بالتفهيم وبالنقل ما يتناول ذلك منعنا بطلان اللازم وإلا منعنا اللازمة.
وقالوا: ثانيًا: لو كانت أى لو كانت حقائق شرعية لكانت غير عربية واللازم باطل أما الأولى فلأن اختصاص الألفاظ باللغات إنما هو بحسب دلالتها بالوضع فيها والعرب لم يضعوها لأنه المفروض فلا تكون عربية وأما الثانية فلأنه يلزم أن لا يكون القرآن عربيًا لاشتماله عليها وما بعضه خاصة عربى لا يكون عربيًا كله وقد قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2].
الجواب: لا نسلم أنها لا تكون عربية وقد وضعها الشارع لها حقائق شرعية مجازات لغوية إذ المجازات الحادثة وإن لم تصرح العرب بآحادها عربية لاستقراء تجويز العرب نوعها سلمنا لكن لا نسلم أن القرآن كله عربى و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [يوسف: 2]، الضمير فيه ليس للقرآن بل للسورة وقد يطلق القرآن على السورة وعلى الآية ولذلك لو حلف لا يقرأ القرآن حنث بقراءة آية منه ولا يعارض بأن كل سورة وآية يصدق عليها أنه بعض القرآن لأن المراد أنه جزء الجملة المسماة بالقرآن وإذا شارك الجزء الكل فى معناه صح أن يقال هو كذا وهو بعض كذا بالاعتبارين كالماء والعسل بخلاف ما لم يشاركه فيه كالمائة والرغيف سلمنا أنها غير عربية وأن القرآن عربى لكن لا نسلم أن كونها فى القرآن يمنع كون القرآن عربيًا لأن العربى يقال ولو مجازًا على ما غالبه عربى كشعر فيه فارسى وعربى فإذا كثر أحدهما وندر الآخر نسب إليه المعتزلة.
قالوا: أولًا: الإيمان فى اللغة التصديق وفى الشرع العبادات المخصوصة ولا مناسبة مصححة للتجوز قطعًا أما الأول فبالإجماع وأما الثانى فلأن العبادات هى
الدين المعتبر والدين المعتبر الإسلام والإسلام الإيمان فالعبادات هو الإيمان أما أن العبادات هى الدين المعتبر فلقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، فذلك للمذكور وهو العبادات وأما أن الدين المعتبر هو الإسلام فلقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 18]، وأما أن الإسلام هو الإيمان فلأنه لو كان غير الإيمان لم يقبل من مبتغيه لقوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، ولكنه يقبل إجماعًا وأيضًا قال تعالى:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35، 36]، ولولا الاتحاد لم يستقم الاستثناء.
والجواب: المعارضة بقوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، نفى أحدهما وأثبت الآخر فتغايرا فبطل كون الإيمان هو الإسلام أو نقول وقد ثبت أن الإسلام هو العبادات فبطل كون الإيمان العبادات وهو على الأول لرغبة لدليل المقدمة وعلى الثانى لدليل المدعى. والحل أن قولكم: لو لم يكن الإسلام هو الإيمان لم يقبل من مبتغيه ممنوع وإنما يلزم لو كان دينًا غيره وهو أول المسألة وقولكم: لولا الاتحاد لم يستقم الاستثناء قلنا ممنوع إذ شرطه صدق أحدهما على الآخر لاتحاد مفهوميهما وهو حاصل من جهة أن الإيمان شرط صحة الإسلام.
قالوا: ثانيًا: لو لم يكن الإيمان الأعمال بل التصديق لكان قاطع الطريق المصدّق مؤمنًا واللازم باطل أما الملازمته فبينة وأما بطلان اللازم فلأنه يخزى يوم القيامة والمؤمن لا يخزى أما الصغرى فلأنه يدخل النار بدليل قوله تعالى فى حقهم: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7]، والإجماع على أنه دخول النار وقد قال تعالى حكاية فى معرض التصديق عرفًا {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] وأما الكبرى فلقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8].
الجواب: أن قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8]، صريح فى الصحابة بدليل معه فلا يلزم أن لا يخزى غيرهم وأما هم فبرآء من قطع الطريق وغيره من أسباب دخول النار سلمنا لكن {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} ليس عطفًا على النبى بل استئنافًا وهو
مبتدأ ما بعده خبره وتقديره {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [التحريم: 8] لم قلتم: إنه ليس كذلك.
قوله: (الحقيقة الشرعية) هى اللفظ المستعمل فيما وضع له فى عرف الشرع أى وضعه الشارع لمعنى بحيث يدل عليه بلا قرينة؛ سواء كان ذلك لمناسبة بينه وبين المعنى اللغوى فيكون منقولًا أو لا؛ فيكون موضوعًا مبتدأ والحقيقة الدينية اسم لنوع خاص من ذلك وهو ما وضعه الشاعر لمعناه ابتداء بأن لا يعرف أهل اللغة لفظه أو معناه أو كليهما، والظاهر أن الواقع هو القسم الثانى فقط أعنى ما لم يعرف أهل اللغة معناه، وزعمت المعتزلة أن أسماء الذوات أى ذوات الموصوفات كالمؤمن والكافر أو ذوات الصفات كالإيمان والكفر من قبيل الدينية؛ يعنى أن أهل اللغة لم يعرفوا معانيها وأسماء الأفعال المفتقرة إلى تأثير وعلاج سواء أخذت بدون ما يتصف بها كالصلاة والزكاة؛ أو معها كالمصلى والمزكى ليست من قبيل الدينية وفى لفظ زعموا إشارة إلى أن هذا دعوى لا برهان عليها.
قوله: (ومحل النزاع) يعنى لا نزاع فى أن الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع المستعملة فى غير معانيها اللغوية قد صارت حقائق، وإنما النزاع فى أن ذلك بوضع الشارع وتعيينه إياها بحيث تدل على تلك المعانى بلا قرينة فتكون حقائق شرعية كما هو مذهبنا أو بغلبتها فى تلك المعانى فى لسان أهل الشرع والشارع إنما استعملها فيها مجازًا بمعونة القرائن فتكون حقائق عرفية خاصة لا شرعية وهو مذهب القاضى فإذا وقعت مجردة عن القرائن فى كلام أهل الكلام والفقه والأصول ومن يخاطب باصطلاحهم تحمل على المعانى الشرعية وفاقًا وأما فى كلام الشارع فعندنا تحمل عليها وعند القاضى تحمل على معانيها اللغوية وبعد تحرير محل النزاع ينبغى أن يعلم أن الآمدى فى الأحكام والإمام فى المحصول لم يذكرا سوى مذهبين أحدهما إثبات كونها حقائق شرعية ونسبه كل منهما إلى المعتزلة مع تصريح الآمدى بنسبته إلى الفقهاء أيضًا، وثانيهما نفى ذلك ونسبة كل منهما إلى القاضى وكلام المتن يوافق ذلك ولما كان فى كلام المنهاج ما يشعر بأن هناك مذهبًا ثالثًا حيث قال بعد تقرير المذهبين والحق أنها مجازات اشتهرت لا موضوعات مبتدأة نفاه الشارح؛ لأنه مذهب القاضى بعينه على ما تقرر فى محل النزاع وهذا تحقيق
جيد لو وافقه أدلة الفريقين.
قوله: (وأنت بعد خبرتك) يعنى أن فى كلا وجهى رد الاعتراض الثانى نظرًا أما الأول فلأن قوله فذلك معنى الحقيقة الشرعية ليس بمستقيم وإنما يصح لو كان بوضع الشارع وتعيينه بلا قرينة، وإلا فلا نزاع فى أنها بعد الغلبة والاشتهار حقائق بحسب عرف أهل الشرع لا الشارع، وأما الثانى فلأن قوله لو كانت مجازات لغوية لما فهمت إلا بقرينة إنما يصح لو لم تصر بالغلبة حقائق عرفية خاصة أعنى عرف أهل الشرع وإن لم تكن حقائق شرعية.
قوله: (منعنا بطلان اللازم) أى لا نسلم أنه لم يفهم لنا ولم ينقل إلينا غاية الأمر إنها لم تنقل بطريق التواتر والآحاد بل بطريق الترديد والتفهيم بالقرائن، وإن عنيتم بالتفهيم والنقل التصريح بوضع اللفظ للمعنى من غير اعتبار للترديد بالقرائن فلا نسلم لزوم التفهيم والنقل بهذا المعنى لم لا يجوز الاكتفاء بطريق التردد.
قوله: (ولا يعارض) قد اقتفى أثر الآمدى فى جعل هذا الكلام جوابًا عن معارضة الاستدلال على كون السورة أو الآية قرآنًا بأن من حلف لا يقرأ القرآن يحنث بقراءة السورة أو الآية وتقريرها أن ذلك وإن دل على كونه قرآنًا لكن عندنا ما ينفى ذلك وهو أنه يسمى بعض القرآن وبعض الشئ لا يصدق عليه أنه نفس ذلك الشئ وتقرير الجواب أن ذلك إنما يكون فيما لم يشارك البعض الكل فى مفهوم الاسم كالمائة فإن المائة اسم لمجموع الآحاد المخصوصة فلا يصدق على البعض بخلاف مثل الماء فإنه اسم للجسم البسيط البارد الرطب بالطبع فيصدق على الكل وعلى أيّ بعض منه فيصح أن هذا البحر ماء ويراد بالماء مفهومه الكلى وأنه بعض الماء ويراد بالماء مجموع المياه الذى هو أحد أفراد هذا المفهوم والقرآن من هذا القبيل فالسورة قرآن وبعض من القرآن بالاعتبارين على أن ههنا شيئًا آخر وهو أن القرآن قد وضع بحسب الاشتراك للمجموع الشخصى وضعًا آخر فيصح أن يقال: السورة بعض القرآن ويراد هذا المعنى وبهذا يشعر قوله المراد أنه جزء من الجملة المسماة بالقرآن لكن لا يساعده باقى الكلام هذا، ولكن إذا رجعنا إلى قانون النظر ظهر أن هذا ليس من المعارضة فى شئ وأن قانون التوجيه هو أن المعلل لا استدل على انتفاء اللازم بقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]، زعمًا منه أن الضمير للقرآن؛ أجاب المانع بأنا لا نسلم أن الضمير للقرآن بل للسورة فاستدل المعلل على
كون الضمير للقرآن بأنه إنا للقرآن أو للبعض منه كالسورة مثلًا والثانى باطل لأن بعض القرآن لا يكون قرآنًا فتعين الأول فأجاب بأنا لا نسلم عدم صدق الشئ على البعض منه، وإنما يصح لو لم يكن الاسم موضوعًا بإزاء مفهوم كلى يصدق على الجملة وعلى أى بعض منها.
قوله: (ولا مناسبة مصححة) هذا مما يناقش فيه بأن التصديق من أسباب العبادات ولوازمها العرفية.
قوله: (فالعبادات هو الإيمان) فإن قيل المدعى أن الإيمان هو العبادات قلنا صحة الحمل بين الصفات تقتضى اتحاد المفهوم، ولهذا لا تصح الكتابة ضحك كما يقال ضاحك فقولنا العبادات هو الإيمان والإيمان هو العبادات واحد.
قوله: (فذلك للمذكور) من العبادات المدلول عليها بقوله: ليعبدوا اللَّه على أنها للعموم أو العبادات المذكورة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرهما تعبيرًا عن الكل بما هو الأساس.
قوله: (ولولا الاتحاد لم يستقم الاستثناء) لأنه مفرغ فيكون متصلًا مستلزمًا لاتحاد الجنس أى ما وجدنا فيها بيتًا من بيوت المؤمنين إلا بيتًا من المسلمين وبيت المسلم إنما يكون بيت المؤمن إذا صدق المؤمن على المسلم، إذ التحقيق أن ليس المراد بالبيت هو الجدران بل أهل البيت.
قوله: (وهو على الأوّل) يعنى أن أصل المدعى أن الإيمان هو العبادات ومن مقدمات دليله أن الإيمان هو الإسلام تمسكًا بالوجهين فلو اقتصرنا فى الاستدلال بقوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، على نفى كون الإيمان هو الإسلام كان معارضة لدليل المقدمة وإن ضممنا إليه قولنا الإسلام هو العبادات فلا يكون الإيمان هو العبادات كان معارضة لدليل المدعى لدلالته على نفى المدعى.
قوله: (والحل) يعنى أن ما ادعيتم من أن الإيمان حقيقة شرعية فى العبادات إنما يثبت إذا ثبت أن الإيمان هو الإسلام ولا دلالة فى الآيتين على ذلك، أما الأولى فلأن مدلولها عدم قبول دين غير الإسلام وكون الإيمان غير الإسلام لا يستلزم كونه دينًا غيره حتى يلزم عدم قبوله بل هو عين النزاع؛ لأن المقصود هو أن يثبت أن الإيمان هو الإسلام والإسلام هو الدين فيثبت أن الإيمان هو الدين ثم يثبت أن الدين هو العبادات ليثبت أن الإيمان هو العبادات فقولنا الإيمان هو الدين
إحدى المقدمات المتنازع فيها وهذا معنى قوله وهو أول المسألة وأما الثانية؛ فلأنه يكفى لصحة الاستثناء صدق المؤمن على المسلم وهو لا يستلزم اتحاد الإيمان والإسلام بل يحصل بكون الإيمان من شرائط الإسلام.
قوله: (سلمنا) يعنى كون الذين آمنوا عامًا فى الصحابة وغيرهم لكنه ليس عطفًا على النبى حتى يتحقق الحكم بعدم إخزائهم وهذا المنع ضعيف إذ لا فائدة فى الإخبار بعدم إخزاء النبى.
قوله: (وهى) أى الحقيقة الدينية (ما لا يعلم أهل اللغة لفظه أو معناه أو كليهما) فتكون من الموضوعات المبتدأة على تقديرين قطعًا وعلى الثالث احتمالًا وزعمت المعتزلة أن أسماء الذوات يعنى ما هى من أصول الدين أو ما يتعلق بالقلب كالمؤمن والكافر والإيمان والكفر كذلك أى مما لا يعلم أهل اللغة لفظها أو معناها أو كليهما دون أسماء الأفعال أى ما هى من فروع الدين أو ما يتعلق بالجوارح فإنها ليست مما لا يعلمه أهل اللغة كما ذكر فلا يلزم كونها من الموضوعات المخترعة والمذكور فى الأحكام والمحصول أن الاسم الشرعى ما لا يعرف أهل اللغة لفظه ولا مسماه أو لا يعرفون أحدهما أو يعرفونهما معًا لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى وأن الكل فى ذلك سواء والتسمية بالدينية للتفرقة بين القسمين وما فى الكتاب من تفسير الدينية وإن لم يكن مفهومًا منها لكنه غير مناف له، ويقتضيه كلام المصنف حيث خالف المعتزلة فى إثبات الدينية مع الاتفاق فى الشرعية وأما حمله على إثبات الشرعية فى أسماء الأفعال دون أسماء الذوات وحينئذ تتحقق المخالفة فى الدينية من غير احتياج إلى ذلك التفسير فبعيد.
قوله: (أولًا لمناسبة) سواء وجدت ولم تعتبر أو لم توجد أصلًا وعلى التقديرين أعنى تقديرى النقل والوضع ابتداء يكون حقيقة شرعية مندرجة فى تعريف الحقيقة إما على الثانى فظاهر وإما على الأول ففيه إشكال لأن النقل لمناسبة وضع قد لوحظ فيه وضع سابق فلا يكون وضعًا أوّل كما ذكر من التفسير وإنما يندفع إذا أريد عدم ملاحظة الوضع السابق حال الاستعمال والمجاز محتاج إليها فى الاستعمال بناء على وجوب النظر فى العلاقة للتجوز.
قوله: (من غير وضع مغن عن القرينة) فيه إشعار بالوضع فى المجاز.
قوله: (حتى إذا وجدناها) إشارة إلى فائدة الخلاف فإنا إذا قلنا: إن الشارع وضعها لهذه المعانى على أحد الوجهين فإذا وجدناها فى كلامه مجردة عن القرينة حملناها على المعانى الشرعية إذ الظاهر أنه يتكلم باصطلاحه وهذه المعانى هى الحقائق بالقياس إليه، وإن قلنا: بعدم الوضع حملناها على المعانى اللغوية لأنه يتكلم على قانون اللغة وهذه الحقائق منها وأما فى استعمال المتشرعة من الفقهاء والمتكلمين فتحمل على المعانى الشرعية بلا خلاف أما على الأول فلأن ظاهر حالهم أنهم يتكلمون باصطلاح الشارع وأما على الثانى فلأن الظاهر أنه عرفهم وهذه بالقياس إليهم حقائق عرفية.
قوله: (ثم لم يذكر فى الأحكام والمحصول) قال فى الأحكام: لا شك فى إمكان الحقيقة الشرعية إذ لا إحالة فى وضع الشارع اسمًا من أسماء أهل اللغة أو من غير أسمائهم على معنى يعرفونه لم يكن موضوعًا لأسمائهم، ثم قال: وإنما الخلاف نفيًا وإثباتًا فى الوقوع والمجاز ههنا مفروض فيما استعمله الشارع من أسماء اللغة كلفظ الصوم والصلاة هل خرج به عن وضعهم أو لا فمنع القاضى أبو بكر من ذلك وأثبته المعتزلة والخوارج والفقهاء وقال فى المحصول الحقيقة الشرعية هى اللفظ الذى استفيد من الشرع وضعه للمعنى سواء كان المعنى واللفظ مجهولين عند أهل اللغة أو كانا معلومين لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى أو كان أحدهما مجهولًا والآخر معلومًا واتفقوا على إمكانه واختلفوا فى وقوعه فالقاضى أبو بكر منع منه مطلقًا والمعتزلة أثبتوا مطلقًا.
قوله: (كونها حقيقة شرعية) يشمل المنقول والموضوع المبتدأ كما يفهم من إطلاق كلامه فى الأحكام والمحصول وقد حققناه آنفًا.
قوله: (والحق أنه لا ثالث لهما) فإن القاضى ينفى كونها حقائق شرعية زاعمًا أنها مجازات لغوية ولهذا قال أولًا: وقد استعملت فى غير معانيها اللغوية فجعل الاستعمال فى الغير متفقًا عليه وإنما النزاع فى أنه هل هو بوضع من الشارع على أحد الوجهين وهو مذهب المعتزلة أو لا فتكون مجازات لغوية قطعًا وهو مذهب القاضى ولا ثالث لهما حينئذ ومنهم من زعم أن مذهب القاضى أنها مبقاة على حقائقها اللغوية فتصير المذاهب ثلاثة: كونها حقائق لغوية وكونها مجازات لغوية وكونها حقائق شرعية ولا خفاء فى بعد نسبة هذا المذهب إلى القاضى كيف وقد
قال الإمام فى المحصول: والمختار أن إطلاق هذه المعانى على سبيل المجاز من الحقائق اللغوية ولم يجعل القاضى مخالفًا لمختاره بل المعتزلة حيث قال بعدما بين وجوه المناسبة بينهما: فإن كان مذهب المعتزلة فى هذه الأسماء الشرعية ذلك فقد ارتفع النزاع وإلا فهو مردود بالدليل المذكور وأنت إذا تتبعت كلام الأحكام ظهر لك هذا المعنى أيضًا ولعل الزاعم إنما توهم ذلك بناء على ما اعترض به على دليل الخصم من أنها باقية فى معانيها اللغوية والزيادات شروط وليس بلازم كونه مذهبًا لأحد إذ قد يردّ دليل الخصم باحتمال لا يعتقد.
قوله: (لنا القطع) أى بالاستقراء كما صرح به فى المنتهى.
قوله: (وأنها سابقة) قيل: وإنما كرر المصنف لفظ مطلقًا مع الإمساك والقصد لأنه لو اقتصر على الأخير لتوهم رجوعه إلى الجميع أو إلى الأخير وليس شئ منهما بمراد.
قوله: (الأول قولهم إنها باقية فى المعانى اللغوية) أى لا نسلم أنها مستعملة فى غير المعانى اللغوية حتى يثبت كونها حقائق شرعية فيه، لِمَ لا يجوز أن تكون باقية على حقائقها اللغوية وفى جريان هذا المنع بسنده فى جميع الصور تعسف ظاهر وهذا المنع مردود بأنها لو كانت باقية فى المعانى اللغوية. . . إلخ، وإذا لم تكن باقية فيها فلابد أن تكون مستعملة فى غيرها قطعًا وليس هذا كلامًا على المستند غير مرضى كما توهم، والحَلْبة بفتح الحاء المهملة وسكون اللام: خيل تجمع للسباق.
قوله: (وأنت بعد خبرتك بمحل النزاع لا تحتاج إلى التصريح بما فى كلامه من نظر) أما فى دليله على مذهبه فبأن يقال: دعوى كونها أسماء لمعانيها الشرعية حيث تسبق منها إلى الفهم عند إطلاقها إن كانت بالقياس إلى إطلاق الشارع فهى ممنوعة وإن كانت بالنسبة إلى إطلاق المتشرعة فاللازم حينئذ كونها حقائق عرفية لهم لا حقائق شرعية، وأما فى رده الأول على الاعتراض الثانى للخصم فأن يقال قوله: فذاك معنى الحقيقة الشرعية ممنوع فإن الاشتهار والإفادة بغير قرينة فى عرف المتشرعة لا فى إطلاق الشارع فهى حقيقة عرفية للمتشرعة لا حقيقة شرعية، وأما فى رده الثانى عليه فأن يقال ما قيل على دليله من أن السبق بلا قرينة بالقياس إلى أهل الشرع فكأن الصنف لم يفرق بين المعنيين لانتساب كل منهما إلى الشرع فى الجملة.
قوله: (لفهمها) أى لفهم الشارع غير المعانى اللغوية من المعانى الشرعية.
قوله: (لنقل) أى ذلك التفهيم إلينا.
قوله: (وإلا فلا وقع الخلاف فيه) أى فى نقل الشارع إياها إلى غير معانيها اللغوية.
قوله: (وإنه) أى النقل بالآحاد لا يفيد العلم مع أن المسألة علمية وأيضًا فالعادة تقضى فى مثله مما تتوفر الدواعى على نقله بالتواتر.
قوله: (وأما الثانية) أى بطلان التالى وقد وجد فى بعض نسخ المتن بدل الثانية الصغرى وله أيضًا وجه وإن كان الأول على قاعدته فى هذا الكتاب لأن المقدمة الأستثنائية لها شبه بالكبرى فى الذكر وفى قوة الصغرى عند الرد إلى الحمل كما ذكر.
قوله: (وقد وضعها) ضمن الوضع معنى الجعل فانتصب حقائق شرعية على أنه مفعول ثان ومجازات لغوية على الحالية.
قوله: (بل للسورة) باعتبار المنزل أو المذكور أو القرآن.
قوله: (ولا يعارض) أى لا يعارض ما ذكرناه من الدليل على إطلاق القرآن على كل سورة وآية بأن كلًا منهما يصدق عليه أنه بعض القرآن فلا يصدق عليها القرآن لا يقال إطلاق القرآن على السورة وكون الضمير راجعًا إليها سند للمنع وما ذكر فى بيانه توضيح له فالمعارضة كلام على السند لأنا نقول: بطلانه ههنا يقتضى اندفاع المنع المذكور ضرورة أنه إذا لم يطلق القرآن على البعض كان الضمير للكل فيكون عربيًا.
قوله: (وإذا شارك الجزء الكل فى معناه) أى فى معنى الاسم الذى يطلق عليه صح أن يقال هو كذا وهو بعض كذا بالاعتبارين: أما الأول فباعتبار وجود مسمى اللفظ فيه، وأما الثانى فباعتبار كونه جزءًا للجملة التى وجد فيها المسمى أيضًا.
قوله: (يقال ولو مجازًا على ما غالبه عربى) وإطلاق العربى على القرآن لا يستلزم كونه حقيقة فيه غايته أن يقال: الأصل فى الإطلاق الحقيقة لكن المجاز قد يتركب لما ذكرنا من الدليل على كونها حقائق شرعية.
قوله: (ولا مناسبة مصححة للتجوز) إذ ليس بين مطلق التصديق والعبادات المخصوصة علاقة يعتدّ بها فلا يكون الإيمان مجازًا فيها ولا حقيقة منقولة بل
موضوعًا مبتدأ.
قوله: (وأيضًا قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ} [الذاريات: 35]) دليل آخر على المقدمة القائلة: إن الإسلام هو الإيمان وكان المناسب أن يكون مقدمًا فى المتن على قوله: فثبت أن الإيمان العبادات وما قيل من أنه إنما أخره ليخص المعارضة المذكورة به يجعل الكلام قاصرًا عن المقصود فى هذا المقام.
قوله: (ولولا الاتحاد لم يستقم الاستثناء) لكنه استقام إذ تقدير الكلام فأوجدنا فيها بيتًا من بيوت المؤمنين غير بيت من المسلمين.
قوله: (أو نقول وقد ثبت أن الإسلام العبادات) يعنى بما ذكرتم فى دليلكم.
قوله: (معارضة لدليل المقدمة) يعنى لدليل المقدمة القائلة: إن الإسلام هو الإيمان.
قوله: (وهو أول المسألة) أى كون الإيمان دينًا هو المتنازع فيه لأن الدين هو العبادات بما ذكر فمن لا يسلم كون الإيمان العبادات كيف يسلم كونه دينًا.
قوله: (إذ شرطه) أى شرط كون الاستثناء مستقيمًا صدق أحدهما من المستثنى والمستثنى منه على الآخر لا اتحاد مفهوميهما والصدق ههنا حاصل من جهة أن الإيمان شرط صحة الإسلام بمعنى العبادات فكل مسلم صحيح الإسلام مؤمن ولا ينعكس كليًا.
قوله: (لو لم يكن الإيمان الأعمال بل التصديق) يعنى التصديق الخاص بكل ما علم مجيئه عليه السلام به من أمر دينى ضرورة فيكون من باب إطلاق العام على الخاص مجازًا أو نقلًا لمناسبة لا موضوعًا مخترعًا كما هو مذهبهم فيه وباقى الكلام ظاهر وصاحب الأحكام بعدما أورد أدلة المثبت والنافى الحقيقة الشرعية وزيفها قال: وإذا عرف ضعف المأخذ من الجانبين فالحق عندي فى ذلك هو إمكان كل واحد من المذهبين وأما ترجيح الواقع منهما فعسى أن يكون عند غيرى تحقيقه.
قوله: (وعلى الثالث احتمالًا) أى: على تقدير عدم العلم بالمعنى مع العلم باللفظ، وهو الثانى فى التقدير والثالث فى التقدير.
قوله: (وليس شئ منهما بمراد) بناء على أنه لو ذكر أفراد المطلق فى الأخير
فقط لقصد تعليم
(1)
بكل واحد من الإمساك والقصد إذ الفرق بالإطلاق والقصد بين اللغوى والعرفى واللغوى ليس إلا الصيام والحج فهما مناسبان ذكر الإطلاق وتوهم تعلقه بالجميع أو بالأخير فقط توهم لخلاف المراد.
المصنف: (أن الصلاة للركعات. . . إلخ) أى وهذه المعانى تسبق من هذه الألفاظ بدون قرينة وذلك علامة الحقيقة ففى كلام المصنف مقدمة مطوية.
المصنف: (رد بأنه فى الصلاة. . . إلخ) أى يقال للشخص إنه فى الصلاة وليس بداع ولا متبع كالأخرس والمنفرد فلو كانت الصلاة حقيقة فى الدعاء أو الاتباع لما صح إطلاقها بدونهما.
الشارح: (ما لا يعلم أهل اللغة. . . إلخ) عبارة الإسنوى الرابع الشرعية وهى اللفظة التى استفيد من الشارع وضعها كالصلاة للأفعال المخصوصة والزكاة للقدر المخرج قال فى المحصول سواء كان اللفظ والمعنى مجهولين عند أهل اللغة كأوائل السور عند من يجعلها اسمًا لها أو لغيرها أو كانا معلومين لهم لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى كلفظة الرحمن للَّه تعالى فإن كلًا منهما كان معلومًا لهم ولم يضعوا اللفظ له تعالى ولذلك قالوا حين نزل قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110]، إنا لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة أو كان أحدهما معلومًا والآخر مجهولًا كالصوم والصلاة. اهـ. فلم يفرق بين شرعية ودينية بل الكل شرعى.
الشارح: (كالأخرس) أى فالدعاء ليس بفرض فى حقه اتفاقًا قال فى شرح مسلم الثبوت وللمناقش أن يقول: إن القراءة فرض عندكم فيلزم منه أن لا يتأدى بدون قراءة مع أن الأخرس يتأدى منه فإن اعتذر عنه بأنه أقيم بدله تحريك اللسان للعذر فلهذا القائل أيضًا يتأتى هذا العذر إلى أن قال: والحق فى الرد أن هذا مكابرة فإنه علم من ضروريات الدين أن الصلاة هذه الأركان.
الشارح: (ولذا لو حلف لا يقرأ القرآن حنث بقراءة آية منه) هذا لا يصح دليلًا
(1)
لقصد تعليم. . . إلخ. كذا فى الأصل وفى التركيب خلل أضاع المعنى فحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.
على إطلاق القرآن على الآية عند المالكية للحنث بفعل بعض المحلوف عليه عندهم.
الشارح: (ولا مناسبة مصححة للتجوز) فيه أن المناسبة موجودة لأن الإيمان عند المعتزلة التصديق بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم والأقوال والأفعال فتجوز بنقل الإيمان عن مطلق التصديق إلى التصديق المخصوص ثم منه إلى التصديق وجميع العبادات لأنه جزؤها ولعله مبنى على أن التصديق ليس داخلًا فى العبادات التى هى الإيمان.
التفتازانى: (وفى لفظ زعموا إشارة. . . إلخ) يعنى أن التفرقة بين الدينية بأنها ما وضعه الشارح ابتداء بأن لا يعرف أهل اللغة. . . إلخ. وأنها أسماء ذوات الموصوفات أو ذوات الصفات والشرعية بأنها ما ليست كذلك مما فيه تأثير وعلاج لا برهان عليها وقد أشار بزعموا إلى ذلك.
التفتازانى: (ولما كان فى كلام المنهاج ما يشعر بأن هناك مذهبًا ثالثًا. . . إلخ) وذلك لأنه قال: واختلف فى الحقيقة الشرعية كالصلاة والزكاة والحج فمنع القاضى وأثبت المعتزلة مطلقًا والحق أنها مجازات لغوية اشتهرت لا موضوعات مبتدأة. اهـ. وعلى ظاهر عبارته شرح الإسنوى حيث قال: إذا علمت ذلك فقد اختلفوا فى وقوعها فمنعه القاضى أبو بكر وقال: إن الشارع لم يستعملها إلا فى الحقائق اللغوية فالمراد بالصلاة المأمور بها هو الدعاء ولكن أقام الشارع أدلة أخرى على أن الدعاء لا يقبل إلا بشرائط مضمومة إليه وأثبتها المعتزلة فقالوا نقل الشارع هذه الألفاظ عن مسمياتها اللغوية وابتدأ وضعها لهذه المعانى لا لمناسبة فليست حقائق لغوية ولا مجازات عنها ثم قال واختار إمام الحرمين والإمام والمصنف أنها لم تستعمل فى المعنى اللغوى بقطع النظر عن حالة الاستعمال بل استعملها الشارع فى هذه المعانى لما بينها وبين المعانى اللغوية من العلاقة. اهـ.
التفتازانى: (لو وافقه أدلة الفريقين) إنما قال ذلك لأن أدلة القائلين بأنها ليست حقائق شرعية تقتضى أنها حقائق لغوية حيث قالوا: لو كان الأمر كذلك أى نقلها الشارع إلى غير حقائقها اللغوية لفهمها المكلف. . . إلخ. وقالوا لو كانت شرعية لكانت غير عربية.
التفتازانى: (بأن التصديق من أسباب العبادات. . . إلخ) يفيد أنه ليس داخلًا فى
مسمى الإيمان كما ذكرنا.
التفتازانى: (قلنا صحة الحمل. . . إلخ) يعنى أنه متى صح الحمل بين الصفات المشتق منها كان هناك اتحاد كالإيمان، العبادات أو العكس وأما المشتقات فصحة حمل أحد الأمرين منها على الآخر لا يقتضى الاتحاد.
التفتازانى: (على أنها للعموم) فقوله ليعبدوا اللَّه فى تأويل عبادة اللَّه وهو مضاف فيعم جميع العبادات وعلى هذا فذكر الصلاة والزكاة بعدها ذكر الخاص بعد العام.
قوله: (على تقديرين قطعًا) هما عدم العلم بهما وعدم العلم باللفظ مع العلم بالمعنى وقوله: وعلى الثالث احتمالًا هو عدم العلم بالمعنى مع العلم باللفظ وبقى ما إذا علم كل منهما لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى وهو الذى يسمى اللفظ فيه حقيقة شرعية لا دينية.
قوله: (من أصول الدين) أى إثباتًا كالإيمان أو نفيًا كالكفر وكذا يقال فى قوله أو ما يتعلق بالقلب أى دينًا أو عدمه يدل على ذلك التمثيل.
قوله: (للتفرقة بين القسمين) أى الفرعية والأصولية.
قوله: (وما فى الكتاب) أى الشارح.
قوله: (ويقتضيه كلام المصنف. . . إلخ) أى فعنده الدينية ليست من الحقائق الشرعية بل هى مجازات لغوية.
قوله: (وأما حمله. . . إلخ) أى حمل كلام المصنف على أن الشرعية تشمل الكل ولكنها ثابتة فى أسماء الأفعال مما فيه تأثير وعلاج كالصلاة دون أسماء الذوات مما ليس كذلك كالمؤمن والكافر والإيمان والكفر وحينئذ تتحقق مخالفة المصنف فى الدينية التى هى أسماء الذوات من غير احتياج إلى تفسير الدينية بما ذكر بعيد.
قوله: (قال فى الأحكام لا شك فى إمكان الحقيقة. . . إلخ) ظاهره أن الإمكان متفق عليه مع أنه قد قيل بنفى الإمكان بناء على أن بين اللفظ والمعنى مناسبة مانعة من نقله إلى غيره والمراد بالنقل ما يشمل الوضع لا لمناسبة ولعل صاحب الأحكام لم يكترث بذلك ومراده نفى الإحالة بالنظر لذاته.
قوله: (وفى جريان هذا المنع فى جميع الصور تعسف) لأنه لا يجرى فى نحو الزكاة فإنها فى اللغة النماء وفى الشرع التملك المخصوص.
قوله: (وليس هذا كلامًا. . . إلخ) أى بل هو إبطال للمنع.
قوله: (فهى ممنوعة) لا نسلم المنع لأن المراد القطع بفهم الصحابة قبل حدوث الاصطلاحات وأن الشارع استمر على إطلاقها على المعنى الشرعى إلا لدليل صارف عنه.
قوله: (فكأن المصنف لم يفرق) المصنف أراد السبق إلى الفهم من غير قرينة فى كلام الشارع كما تقدم فهذا التشنيع فى غير محله.
قوله: (لها شبه بالكبرى فى الذكر) أى فناسب أن يعبر عنها بالثانية وقوله وفى قوة الصغرى أى فناسب التعبير عنها بالصغرى.
قوله: (باعتبار النزاع) أى تذكير الضمير فى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: 1]، مع أنه للسورة باعتبار أنها منزل أو مذكور أو قرآن.
قال: (مسألة: المجاز واقع خلافًا للأستاذ بدليل الأسد للشجاع والحمار للبليد وشابت لمة الليل المخالف مخل بالتفاهم وهو استبعاد).
أقول: المجاز واقع فى اللغة خلافًا للأستاذ أبى إسحاق الإسفرايينى لنا أن الأسد للشجاع والحمار للبليد وشابت لمة الليل وقامت الحرب على ساق مما لا يحصى مجازات لأنها يسبق منها عند الإطلاق خلاف ما استعيلت فيه وإنما يفهم هو بقرينة وهو حقيقة المجاز المخالف قال لو كان المجاز واقعًا للزم الإخلال بالتفاهم إذ قد تخفى القرينة.
والجواب: أنه لا يوجب امتناعه غايته أنه استبعاد وهو لا يعتبر مع القطع بالوقوع نعم ربما يحصل به ظن فى مقام التردد.
قوله: (لزم الإخلال) أى فى الجملة وفى بعض الصور وذلك عند خفاء القرينة.
قوله: (قال: مسألة المجاز واقع فى اللغة) قيل: المناسب تقديم هذه المسألة على مسألتى دوران اللفظ بين الاشتراك والمجاز والحقيقة الشرعية لتوقفهما عليها.
قوله: (إذ قد تخفى القرينة) لم يتعرض لعدمها إذ لا يجوز استعماله بدونها بخلاف المشترك فإن قيل: هو مع القرينة لا يحتمل غير ذلك المعنى فكان المجموع حقيقة فيه، أجيب بأن المجاز والحقيقة من صفات الألفاظ دون القرائن المعنوية فلا تكون الحقيقة صفة للمجموع ولئن سلم لكن الكلام فى جزء هذا المجموع فالنزاع لفظى.
الشارح: (المخالف قال لو كان المجاز واقعًا للزم الإخلال بالتفاهم إذ قد تخفى القرينة. . . إلخ) حمل قول المصنف المخالف مخل بالتفاهم على أن المعنى قد يخل بالتفاهم فى الجملة وفى بعض الصور وهو حينئذ لا يقتضى عدم وقوع المجاز مطلقًا إلا أن يقال لما كان قد يخل منع سد الباب الخلل بالمرة وعبارة مسلم الثبوت وشرحه المجاز واقع فى اللغة بالضرورة الاستقرائية خلافًا لأبى إسحاق الإسفرائينى قال لأنه يخل بالتفاهم فإن الفهم إنما يتوجه إلى الحقيقة وهو ممنوع
لأنه لا يجوز استعماله من غير قرينة وحينئذ لا إخلال ومنقوض لأنه ينفى الإجمال لأنه أيضًا يخل بالفهم مع أنه واقع اتفاقًا ونقل عنه أنه يسمى المجاز مع القرينة حقيقة فيخرج حاصل مذهبه أن المجاز بلا قرينة غير واقع فى اللغة وهو غير صحيح موافق للجماهير فالخلاف لفظى حينئذ وعبارة التحرير بعد أن ذكر مذهب أبى إسحاق المذكور وهو بعيد على بعض المميزين فضلًا عنه لأن القطع به أثبت من أن يورد له مثال ويلزمه نفى الإجمال مطلقًا قال شارحه: لأنه من حيث هو مخل بفهم عين المراد وهو باطل فلا جرم أن قال السبكى الأستاذ لا ينكر استعمال الأسد للشجاع وأمثاله بل يشترط فى ذلك القرينة ويسميه حينئذ وينكر تسميته مجازًا وانظر كيف علل باختلال الفهم ومع القرينة لا اختلال فالخلف لفظى كما صرح به إلكيا.
قوله: (إذ لا يجوز استعماله بدونها) أى باتفاق.
قال: (مسألة: وهو فى القرآن خلافًا للظاهر بدليل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]، {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194]، {سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وهو كثير قالوا المجاز كذب لأنه ينفى فيصدق قلنا إنما يكذب إذا كانا معًا للحقيقة قالوا: يلزم أن يكون البارئ تعالى متجوزًا قلنا مثله يتوقف على الإذن).
أقول: المجاز واقع فى القرآن وأنكره الظاهرية لنا قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، والمراد مثله ففيه زيادة.
قال فى المنتهى: قولهم: أتى بالكاف لنفى الشبيه غلط إذ يصير المعنى ليس مثل مثله شئ فيتناقض لأنه مثل مثله مع ظهور إثبات مثله.
وقد يقال: بأن نفى مثل المثل إنما هو بنفى المثل وإلا لزم التناقض فهو تصريح بنفى الشبيه مستلزم لنفى الشريك ولا نسلم ظهوره فى إثبات مثله بل قاطع فى نفيه لما ذكرنا ولا يبعد أن يقصد به نفى من يشبه أن يكون مثله فضلًا عن المثل حقيقة وقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، والمراد أهل القرية ففيه نقصان وقوله:{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]، شبه إشرافه على السقوط بالإرادة المختصة بذوات الأنفس وفيه استعارة.
فى المنتهى: قولهم: القرية مجتمع الناس، من قرأت الناقة، ومنه القرآن غلط فى المعنى والاشتقاق لأن مجتمع الناس غيرهم ولام قرية ياء ولام قرأ وقرآن همزة، وقولهم:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، حقيقة فإنها تجيبك أو أن الجدار خلقت فيه إرادة ضعيف وقوله:{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وليس الواقع جزاء اعتداء ولا سيئة ففيه إطلاق اسم الضد أو الشبيه وهو أى المجاز فى القرآن كثير نحو {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4]، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [الإسراء: 24]، و {الْغَائِطِ} [المائدة: 6]، و {وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، و {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ} [البقرة: 15]، {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ} [النور: 35]، {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا} [المائدة: 64]، وغيرها مما بلغت فى الكثرة حدًا يفيد الجزم بوجوده ولا يفيدهم التمحل فى صور معدودة إن أمكن المخالفون.
قالوا: أولًا: المجاز كذب لأنه ينفى فيصدق نفيه فلا يصدق هو وإلا لصدق النفى والإثبات معًا وإذا ثبت أنه كذب فلا يقع فى القرآن إجماعًا.
الجواب: إنما يصدق النفى وهو للحقيقة فإنما يلزم كذب الإثبات لو كان هو أيضًا للحقيقة.
قالوا: ثانيًا: يلزم من وجود المجاز فى القرآن أن يكون البارى تعالى متجوزًا واللازم باطل أما الملازمة فلأن من قام به فعل اشتق له منه اسم الفاعل وأما بطلان اللازم فلامتناع إطلاق المتجوز عليه اتفاقًا.
الجواب: أن مثله من إطلاق الأسماء عليه تعالى يتوقف على الإذن وقد انتفى فلذلك امتنع لا أنه لا يصح لغة واللازم صحته لغة.
قوله: (مسألة المجاز واقع فى القرآن) المجاز يطلق بحسب الاشتراك على ما سبق وعلى كلمة تغير حكم إعرابها بسبب زيادة أو نقصان أو على نفس الإعراب المتغير فأورد من القرآن أمثلة المجاز بالمعنى الثانى زيادة ونقصانًا وبالمعنى الأول استعارة وغيرها، ففى قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 1]، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، الجر والنصب أو الكلمة المعربة بهما وكذا فى الآيات الآخر إرادة الجدار استعارة لإشرافه على السقوط والاعتداء على المعتدى مجاز من مجازاته التى هى عدل إطلاقًا لاسم أحد الضدين على الآخر بجامع المجاوزة فى التحيل لا تنزيل التضاد منزلة التناسب بواسطة تمليح أو تهكم ليكون استعارة، فإنه لا يناسب المقام أصلًا والسيئة استعارة لا يشبه السيئة صورة إذ لو جعل مجازًا عن جزاء السيئة أو عن مسببها على ما ذهب إليه البعض لم يكن لحملها على جزاء السيئة فائدة لكن وصف السيئة بقوله مثلها يأبى هذه الاستعارة بمنزلة أن تقول زيد أسد مثله، والحق أن الآيتين من قبيل المشاكلة وتحقيق المجاز فيهما صعب جدًا واشتعال الرأس استعارة لانتشار بياض الشيب فى سواد الشباب وجناح الذل استعارة بالكناية جعل الذل والتواضع بمنزلة طائر فأثبت له الجناح تخييلًا والغائط مجاز عن الفضلات التى تقع فى المطمئن من الأرض، ومكر اللَّه مجاز عن صنيعه بالكفار فى جزاء مكرهم واستهزاؤه بالمنافقين استعارة عما يفعل بهم من إنزال الهوان والحقارة ونور السموات مجاز عن منوّرها وإيقاد النار مجاز عن تهييج الفتن وأسباب الحروب أو النار استعارة عن أسباب الحروب والإيقاد ترشيح أو الكلام تمثيل.
قوله: (قال فى المنتهى) إشارة إلى رد جواب المنكرين لوقوع المجاز فى القرآن عن بعض ما أورد فى الآيات زعمًا منهم أن قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، حقيقة فى نفى الشبيه ومعناه ليس كذاته شئ كما فى قوله تعالى:{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137]، أى بنفسه ومثلك لا يقول هذا أى نفسك كذا فى الأحكام وأن القرية مجتمع الناس من قرأت الناقة جمعت لبنها فى ضرعها ووجه الرد فى الآية الأولى؛ ولأن
(1)
ما ذكروا يستلزم التناقض لأنه مثل مثله ضرورة أن التماثل يكون من الجانبين فيكون الكلام صريحًا فى نفى مثل المثل مستلزمًا لإثبات المثل ولا يكون معناه ليس كذاته شئ ويشعر بإثبات المثل للَّه تعالى، لأن النفى يعود إلى الحكم لا إلى المتعلقات فقولنا ليس كابن زيد أحد يدل ظاهرًا على أن لزيد ابنًا وإن كان يحتمل أن يكون نفى المثل له بناء على عدمه، وقد يجاب عن الأول بمنع لزوم التناقض وإنما يلزم لو لم يكن نفى مثل المثل بنفى المثل دفعًا للتناقض وتحقيقه أن نفى مثل المثل مستلزم لنفى المثل ضرورة أنه لو وجد له مثل لكان هو مثلًا لمثله فلا يصح نفى مثل المثل فهذا الكلام صريح فى نفى الشبيه أعنى مثل المثل كناية عن نفى الشريك أعنى ثبوت المثل وعن الثانى بمنع كون هذا الكلام ظاهرًا فى إثبات مثله كيف ونقيضه وهو نفى مثله قطعى لئلا يلزم التناقض، وأيضًا يحتمل أن يكون لفظ المثل هنا مثله فى قولهم مثلك لا يبخل على معنى أن من كان على صفته وشبهه فهو لا يبخل فكيف هو فكذا المعنى ههنا أن من كان على صفة المثل وشبهه فهو منتف فكيف الثل حقيقة وحينئذ يكون الكلام لنفى الشبيه والشريك من غير تناقض، وأما فى الآية الثانية فمن جهة المعنى والاشتقاق أما المعنى فلأنه إن أريد بمجتمع الناس محل اجتماعهم على ما هو الظاهر فليس بمفيد لأنه غير الناس والمسئول إنما هو الناس وإن أريد به الناس المجتمعون على ما صرح به الآمدى فى الأحكام فغلط للقطع بأن القرية ليست اسمًا للناس المجتمعين، وأما الاشتقاق فلأن القرية من المنقوص وقرأت الناقة من المهموز.
قوله: (وقولهم) أى قول المنكرين فى قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، أن المعنى واسأل القرية بطريق الحقيقة فإنها تجيبك بخلق اللَّه تعالى الجواب فيها وفى قوله تعالى {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]، الإرادة حقيقية بخلق اللَّه
(1)
ولأن. . . إلخ. كذا فى الأصل ولعل قبل هذا سقطًا فحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.
تعالى الإرادة فى الجدار ضعيف للقطع بأنه ليس بمراد وإنه كان ممكنًا فإنما يقع عند التحدى وإظهار المعجزات، ولا يخفى أن لفظ أو فى قوله أو أن الجدار لم تقع موقعها.
قوله: (فلذلك) أى لانتفاء إذن الشرع امتنع إطلاق اسم التجوز على اللَّه تعالى وأيضًا لأن قولنا متجوز يوهم أنه يتسمح ويتوسع فيما لا ينبغى من الأقوال والأفعال، وهذا معنى قول صاحب المنهاج أو لإيهامه الاتساع فيما لا ينبغى.
قوله: (ففيه زيادة) هى الكاف فإن جعلت بمعنى المثل صار مثل المثل مستعملًا فى المثل فيكون مجازًا فإن قيل: مثل الشئ مثل لمثله أيضًا فلا يكون إطلاقه عليه مجازًا لما سبق من التحقيق، لا يقال: إنما يكون مثلًا لمثله أن لو كان للشئ مثل آخر؛ لأنا نقول: كونه مثلًا لمثله لا يتوقف على ثبوت المثل الآخر فى الخارج بل على تصوره وتقديره: ولا حجر من ذلك، أجيب بأن المفهومين متخالفان قطعًا فإذا استعمل ما وضع بإزاء أحدهما فى الآخر كان مجازًا، وما ذكرتم على تقدير صحته إنما يتأتى فيما أطلق مثل المثل على ذات المثل، والمراد فى المثال هو المفهوم لا الذات ولو أريد الذات أيضًا كان أيضًا مجازًا، لأنها لم ترد من حيث إنها مثل المثل بل من حيث إنها مثل وإن جعلت للتشبيه فقد استعمل ما يدل على التشبيه بمثل الشئ فى التشبيه به فكان مجازًا أيضًا، وعلى التقديرين فإما أن يكون المثل مضافًا إلى الشئ مستعملًا فى ذلك الشئ فهو المجاز والكاف على بابها، وإما أن تكون الكاف مقيدة بالمثل مستعملة فى غير معناها.
قوله: (فيتناقض) أى يتناقض المفهوم من الكلام حينئذ وما هو المراد منه لأن المفهوم نفى ذاته تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا مع إثبات مثله وذلك لأن الظاهر المتبادر من هذه العبارة ثبوت المثل فإنك إذا قلت: ليس شئ مثل مثل زيد تبادر منه إلى الفهم أن لزيد مثلًا وقد نفيت عنه أنه يماثله شئ ولا شك أنه إذا ثبت له تعالى مثل كان هو مثلًا لمثله فيندرج تحت النفى الوارد عليه فيلزم نفيه تعالى مع إثبات مثله والمراد نفى المثل مع ثبوت ذاته وهما متناقضان وبهذا التقرير يندفع ما يقال من أن اندراجه تعالى فى مثل المثل إنما هو على تقدير ثبوت المثل وهو ممنوع نعم لو لم يلزم من الكلام نفيه تعالى قطعًا وإثبات المثل ظاهرًا توجه عليه ما ذكر
وحينئذ يجاب بما سبق وقد يتوهم التناقض فى المفهوم وحده لأن ثبوت مثل الشئ من حيث هو مثل له يستلزم ثبوته فيلزم نفعى ذاته تعالى مع إثباته فعليك بالتأمل الصادق.
قوله: (وقد يقال) يعنى أن الكاف ليست زائدة ولا يلزم منه محذور وبيانه من وجهين:
أحدهما: أن الكلام مسوق لنفى المثل بطريق برهانى لأن ذاته تعالى وتقدس أمر مسلم لا ينكره أحد يصلح أن يكون مخاطبًا حتى المشركون إنما الشأن فى نفى المثل وإثباته فإذا نفى مثل المثل فصدقه إما بانتفاء المثل فإنه إذا لم يكن مثل لم يتصف بأن له مثلًا وإما بثبوته وانتفاء مثل المثل إذ لو انتفى الأول كان المثل ثابتًا ولو انتفى الثانى كان للمثل مثل فيصدق الإيجاب لا النفى لكن الثانى باطل لأنه لو تحقق المثل لتحقق مثل المثل قطعًا لأن الذات متحققة وهى مثل لمثلها فيلزم التناقض وهو انتفاء مثل المثل مع ثبوته فتعين الأول أعنى انتفاء المثل (فهو) أى الكلام أو نفى مثل المثل (تصريح بنفى الشبيه) عنه تعالى و (مستلزم لنفى الشريك) ضرورة أن شريك الشئ شبهه ومثل له (ولا نسلم ظهوره فى إثبات مثله) تعالى ليلزم ما ذكرتم من التناقض (بل) هو (قاطع فى نفيه لما ذكرنا) من الدليل القطعى والحاصل أن ثبوت مثله تعالى مستلزم لثبوت مثل مثله ونفى اللازم جعل دليلًا على نفى الملزوم.
الوجه الثانى: أن الكلام وارد على طريق الكناية فإن انتفاء مثل المثل والشبيه معه مستلزم لانتفاء المثل والشبيه معه عرفًا لأن الشئ إذا لم يكن له لجلالته ما يماثل مثله فبالطريق الأولى أن لا يكون له ما يماثله فأطلق الملزوم وأريد اللازم مبالغة فى نفى الشبيه هذا هو المشهور وما أشار إليه بقوله: ولا يبعد إلخ هو أن المقصود نفى من يشبه أن يكون مثلًا فيلزم انتفاء المثل حقيقة بطريق الاولى على سبيل الكناية أيضًا لكن المبالغة ههنا أكثر كما لا يخفى.
قوله: (من قرأت الناقة) يقال قرأت الناقة لبنها فى ضرعها أى جمعته وسمى القرآن قرآنًا لاشتماله على مجموع السور والآيات.
قوله: (لأن مجتمع الناس غيرهم) فقد استعمل القرية فى غير معناها فيكون مجازًا لا حقيقة كما زعموا وهذا غلطهم فى المعنى.
قوله: (فإنها تجيبك) لأن اللَّه سبحانه قادر على إنطاقها وزمان النبوة زمن خرق العوائد فلا يمتنع نطقها بسؤال النبى عليه السلام.
قوله: (ضعيف) لأن جواب الجدران غير واقع على وفق الاختيار فى عموم الأوقات بل إن وقع فإنما يقع بتقدير تحدّى النبى عليه السلام به ولم يكن كذلك فيما نحن فيه هكذا فى الأحكام وأما خلق الإرادة فى الجدار فليس مما جرى به العادة فلا يقع إلا بالتحدى أيضًا.
قوله: (ففيه إطلاق اسم الضد أو الشبيه) لأنه إن نظر إلى كون الواقع جزاء ليس اعتداء وظلمًا صريحًا بل هو عدل كان من إطلاق اسم الضد على الضد وإن نظر إلى كونه مثل الأول فى الصورة كان من إطلاق اسم أحد الشبيهين على الآخر وكذا نقول فى إطلاق اسم السيئة عليه.
قوله: (الجواب إنما يصدق النفى) أى نفى المجاز، والحال أن النفى للمعنى الحقيقى فلا يلزم كذب إثباته وإنما يلزم لو كان الإثبات أيضًا للمعنى الحقيقى وليس كذلك بل للمعنى المجازى فالحمار سلب عن البليد باعتبار معناه الحقيقى وثبت له باعتبار معناه المجازى فلا كذب فى المجاز.
قوله: (يتوقف على الإذن) هذا عند من جعل أسماءه توقيفية وأما عند غيره فإنما امتنع إطلاق المتجوز عليه سبحانه لأنه مما يوهم التسمح فى أقواله بالقبيح كما يفهم ذلك من قولنا فلان متجوّز فى مقالته.
قوله: (لما سبق من التحقيق) وهو أن المطلق إذا استعمل فى الفرد من اعتبار الخصوص فى اللفظ يكون حقيقة وهذا المعترض يدعى أن كل ما هو فرد لمثل الشئ فهو فرد لمثل مثله أيضًا فهو صحيح إذا كان وجه المماثلة من كل واحد من المثلين وذلك الشئ واحد، وعلى تقدير اختلاف ذلك الوجه لا يجب صدقه مثل قولنا: زيد مثل عمرو، وبكر مثل عمرو فى الشجاعة لا يلزم من ذلك أن يكون زيد مثل مثل بكر ولذا قال فى الجواب: وما ذكرتم على تقدير صحته قيل: يمكن أن يقال فى توجيه ما ذكره أن وجه المماثلة بين المثلين لشئ ثالث متحقق قطعًا لأن كون كل واحد من المثلين لذلك الشئ مثلًا له كاف فى المماثلة بين المثلين فيصدق قولنا: كل ما هو مثل الشئ فهو مثل لمثله.
قوله: (وحينئذ يجاب بما سبق) من كون شئ مثلًا لمثل شئ لا يتوقف على ثبوت المثل للشئ الثانى ومن تلك المقدمة يظهر وجه التوهم الذى ذكر فيما بعد فإنه لما جاز
(1)
ثبوت مثل الشئ مع مثل الشئ جاز أيضًا ثبوت مثل الشئ مع عدم ذلك الشئ.
قوله: (إذ لو انتفى الأول) أى: لو انتفى انتفاء المثل كان المثل ثابتًا ولو انتفى الثانى أى لو انتفى انتفاء مثل المثل كان للمثل مثل ونفى بالثانى فى قوله لكن الثانى باطل مجموع ثبوت المثل وانتفاء مثل المثل.
قوله: (أن المقصود نفى من يشبه أن يكون مثلًا) بأن يقال: قد يكون المشبه أدنى منزلة فى وجه الشبه من المشبه به وإذا صار المشبه هو المشبه به أن يكون مثلًا فيصح أن يقصد من تلك العبارة نفى من يشبه أن يكون مثلًا.
الشارح: (أتى بالكاف لنفى الشبيه) أى فليس الكاف زائدة ولا مجاز والمعنى: ليس للَّه شبيه، وقوله: إذ يصير المعنى ليس مثل مثله شئ فيتناقض أى المفهوم والمراد كما قال السيد أى وحينئذ فلا بد من المجاز إما بزيادة الكاف أو بالتجاوز فى مثل المثل وقوله مع ظهور إثبات مثله أى زيادة عن التناقض أنه ظاهر فى إثبات المثل فكيف يكون لنفيه أو أن المراد أن التناقض من جهة أنه يلزمه مجموع الأمرين أنه مثل مثله فيكون منفيًا وإن مثله ثابت على ما هو الظاهر من التركيب.
الشارح: (وقد يقال. . . إلخ) رد هذا الجواب والجواب الذى بعده صاحب التحرير بأن نفى مثل المثل الذى نحن فيه لا يصح فيه أن يقال بأنه لنفى المثل مجازًا أو كناية وإلا لم يصح نفى مثل مثل لثابت له مثل واحد لكنه صحيح فإذا قيل: ليس مثل مثل زبد أحد اقتضى ثبوت مثل لزيد وصرف لزوم التناقض إلى نفى مثل آخر غير زيد فلم يتحد محل النفى والإثبات وهذا الصرف أعنى إلى مثل آخر أظهر من صرفه السابق عن ظهوره فى إثبات المثل إلى نفى ذاته وإثباته لأسبقية هذا إلى الفهم من التركيب فالوجه دفع ابن الحاجب أى الوجه فى دفع قولهم أتى بالكاف لنفى الشبيه بأنه يستلزم التناقض لأنه مثل مثله مع ظهور إثبات مثله دفع
(1)
قوله: فإنه لما جاز. . . إلخ. كذا فى الأصل ولعلها عبارة سقيمة غير مستقيمة فحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.
ابن الحاجب.
التفتازانى: (يأبى هذه الاستعارة بمنزلة. . . إلخ) قد يقال: فرق بينهما لأن المراد بمثلها مثلها فى القدر لا فى كونها سيئة بخلاف زيد أسد مثله.
التفتازانى: (صعب جدًا) تقدم بيانه فتذكر.
التفتازانى: (ومكر اللَّه مجاز عن صنيعه بالكفار) وحقيقة المكر حيلة يجلب بها الشخص غيره إلى مضرة وقال الإمام الرازى: المكر إيصال المكروه إلى الغير على وجه يخفى فيه وعليه فمكر اللَّه حقيقة وإن كان لا يطلق على اللَّه إلا مشاكلة لإيهام المعنى الآخر.
التفتازانى: (واستهزاؤه بالمنافقين استعارة) وأصله السخرية والاستخفاف وهو لا ينسب إليه تعالى لكن قال الرازى أيضًا: إنه إظهار الإكرام وإخفاء الإهانة فيجوز صدوره عن اللَّه تعالى حقيقة لحكمة وقوله: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67]، لا يدل على أن كل استهزاء حقيقة جهل.
التفتازانى: (ونور السموات مجاز عن منورها) أصل النور كيفية تدركها الباصرة أولًا وبواسطها سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على اللَّه تعالى حقيقة بل لا بد من تقدير مضاف أو تأويل باسم الفاعل.
التفتازانى: (ومعناه ليس كذاته شئ) حمل المثل على الذات وهو إنما يتم إن كان المثل مشتركًا بين المماثل والنفس فإن كان المثل بمعنى الذات مجازًا كان نقيض المطلوب لهم من نفى المجاز لكن كون المثل مشتركًا خلاف الحق لأن الأصل عدمه والمجاز أولى لكن الذى فى الأحكام لا يناسب قوله الآتى لأن ما ذكروا يستلزم التناقض؛ لأنه مبنى على أن مثل ليس بمعنى نفس الشئ وذاته فإن كان كلام الأحكام بيانًا للمراد لا أن المثل بمعنى الذات كان مناسبًا لقوله: لأن ما ذكروا. . . إلخ. إلا أن الظاهر أن كلام الأحكام على أن مثل بمعنى الذات ولا مجاز أصلًا وقد علمت ما فيه.
التفتازانى: (ولأن ما ذكروا) تحريف وصوابه إسقاط الواو وقوله: يستلزم التناقض لأنه مثل مثله. . . إلخ. أى فيكون نفيًا للَّه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا وإثباتًا للمثل والمراد نفى المثل وإثبات اللَّه تعالى.
التفتازانى: (كناية عن نفى الشريك) ليس المراد الكناية الاصطلاحية كما فى وجه الآتى بل الكناية اللغوية من حيث إن نفى مثل المثل بنفى المثل دفعًا للتناقض كما تقدم وقوله أعنى ثبوت المثل الأولى حذف قوله ثبوت.
التفتازانى: (الجواب فيها. . . إلخ) وأيضًا لو كان المراد اسأل القرية حقيقة لما كان للتقييد بقوله التى كنا فيها فائدة إذ يكفى سؤال أى قرية وقوله: ولا يخفى أن لفظ أو فى قوله أو أن الجدار لم تقع موقعها رد بأنه إنما أتى بها لأن المراد أن كلًا منهما ضعيف وعدم صحة الأحد الدائر تفيد ذلك ولو أتى بالواو لاحتملت المعية ولم يستلزم أن كلًا منهما ضعيف.
قوله: (صار مثل المثل مستعملًا فى المثل) من استعمال اسم الملزوم فى اللازم لأن مثل المثل يلزمه مثل.
قوله: (مثل الشئ مثل لمثله) أى أن مثل الشئ يصدق عليه أنه مثل مثله لأنه لو لوحظ للشئ مثل كان هو مثلًا لمثله وقوله لما سبق من التحقيق هو أن المطلق إذا استعمل فى الفرد لا من حيث خصوصه كان حقيقة والمعترض يدعى أن كل فرد لمثل الشئ فهو فرد لمثل مثله أيضًا.
قوله: (لأنا نقول: كونه مثلًا لمثله. . . إلخ) إذا كان التقدير كافيًا فى تحقق مثل المثل فلا يصح أن يقال كما فى الهروى إنما يصح ما قاله المعترض أن لو كانت المماثلة بين الشئ والمثلين من وجه واحد، أما إذا اختلف الوجه فلا يلزم أن كل فرد لمثل الشئ فهو فرد لمثل مثله أيضًا أن تقول: زيد مثل عمرو وبكر مثل عمرو فى الشجاعة فلا يلزم من ذلك أن يكون زيد مثل مثل عمرو.
قوله: (وما ذكرتم على تقدير صحته) إشارة إلى منع ما ذكره المعترض من أن مثل الشئ مثل لمثله بمنع صحة قوله لأنا نقول كونه مثلًا لمثله لا يتوقف على ثبوت المثل فى الخارج بل على تصوره وتقديره ولا حجر فى ذلك.
قوله: (وإن جعلت للتشبيه) مقابل فإن جعلت بمعنى المثل فالكاف على الأول اسم وعلى الثانى حرف تشبيه وليس بزائد.
قوله: (وعلى التقديرين) هما تقدير أن الكاف اسم بمعنى مثل أو حرف تشبيه.
قوله: (لأن المفهوم نفى ذاته تعالى) قد يقال المفهوم نفى مثل مثله مع ثبوت ذاته
وثبوت مثله لأن النفى يعود إلى الحكم لا إلى المتعلقات والمثل والضمير من المتعلقات.
قوله: (وبهذا التقرير) هو أن الظاهر المتبادر. . . إلخ. وقوله يندفع ما يقال. . . إلخ. أى لأن الكلام مبنى على اعتبار الظاهر المتبادر وقوله وهو ممنوع أى ثبوت المثل ممنوع فنفى مثل المثل بنفى المثل فلا يندرج اللَّه تعالى فى مثل المثل.
قوله: (نعم لو لم يلزم. . . إلخ) استدراك على اندفاع القيل المذكور وقوله يجاب بما سبق أى من أن كون الشئ مثلًا لمثل شئ لا يتوقف على ثبوت المثل للشئ الثانى بل يتحقق بتصور مثل وتقديره وهو جواب غير مرض كما أشار إليه فيما سبق بقوله على تقدير صحته.
قوله: (من حيث هو) أى مثل الشئ وقوله مثل له أى للشئ وقوله ثبوته أى الشئ وهو اللَّه فى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، وقوله فيلزم نفى ذاته أى بنفى مثل المثل لأن اللَّه مثل لمثله وقوله: مع إثباته أى كما هو مقتضى ظاهر نفى مثل المثل من ثبوت المثل للشئ وهو مستلزم ثبوت الشئ وهو اللَّه.
قوله: (إذ لو انتفى الأول) هو انتفاء المثل وقوله كان المثل ثابتًا أى ثبت مثل المثل لأن اللَّه مثل لمثله فيصدق الإيجاب لا السلب فقوله الآتى فيصدق الإيجاب لا النفى راجع للشقين وقوله ولو انتفى الثانى هو ثبوت المثل وانتفاء مثل المثل وقوله: لكن الثانى هو ثبوت المثل وانتفاء مثل المثل وقوله: فيلزم التناقض وهو انتفاء مثل المثل مع ثبوته أى التناقض فى نفس مفهوم التركيب فهو تناقض غير التناقض الذى ذكره فى المنتهى فقول الشارح وإلا لزم التناقض أى التناقض فى المفهوم لا التناقض المبنى على الظاهر المتقدم وقوله ونفى اللازم جعل دليلًا على نفى الملزوم أى وذلك النفى لا يلزمه التناقض الذى ذكره فى المنتهى لأنه لا يتحقق بثبوت المثل بل بنفيه لئلا يلزم التناقض فى المفهوم وقوله والشبيه عطف تفسير على المثل وقوله معه أى مع اللَّه.
قوله: (فإن انتفاء مثل المثل) أى إن جعلت الكاف اسمًا لمعنى مثل وقوله والشبيه معه أى شبيه المثل إن جعلت الكاف للتشبيه والضمير عائد على اللَّه.