المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال: (و‌ ‌العلم ضربان علم بمفرد ويسمى تصوّرًا ومعرفة وعلم بنسبة - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ١

[عضد الدين الإيجي]

الفصل: قال: (و‌ ‌العلم ضربان علم بمفرد ويسمى تصوّرًا ومعرفة وعلم بنسبة

قال: (و‌

‌العلم ضربان

علم بمفرد ويسمى تصوّرًا ومعرفة وعلم بنسبة ويسمى تصديقًا وعلمًا).

أقول: إذا تصورنا نسبة أمر إلى آخر إثباتًا أو نفيًا وشككنا فيه فقد علمنا ذينك الأمرين والنسبة ضربًا ما من العلم لأنا لا نشك فيما لا نعلمه أصلًا ثم إذا زال الشك وحكمنا به فقد علمنا النسبة ضربًا آخر من العلم وهذا الضرب متميز عن الأول بحقيقته وبلازمه المشهور وهو احتمال الصدق والكذب فقد تقرر أن العلم ضربان: ضرب يتعلق بالمفرد ويسميه بعضهم تصورًا وبعضهم معرفة، وضرب لا يتعلق إلا بالنسبة. أى بحصولها ويسميه بعضهم تصديقًا وبعضهم علمًا فيخص هذا الضرب بالعلم بالاشتراك أو بالغلبة وقوله: ضربان؛ إشارة إلى أنهما نوعان متمايزان نوع قد يتعلق بالمفرد كما يتعلق بالنسبة ونوع لا يتعلق إلا بالنسبة فلا يرد تصور النسبة عليه.

قوله: (إذا تصورنا) إشارة إلى أن الشك من قبيل التصورات دون التصديقات وأن ليس العلم التصورى والتصديقى حقيقة واحدة تختلف باختلاف الإضافة كما فى تصور الإنسان والفرس، وكما فى التصديق بأن العالم حادث والصانع قديم بل حقيقة التصديق الإذعان والقبول وبالجملة المعنى الذى يعبر عنه بالفارسية بكرديدن على ما صرح به ابن سينا، وفي العرف بالحكم وحقيقة التصور الإدراك والوصول الخالى عن هذا المعنى سواء تعلق بمفرد كتصور الإنسان أو نسبة كتصور الكاتب للإنسان أو نفيه عنه من غير إذعان وقبول، والمراد بقبوله وعلمه بنسبته العلم بحصول النسبة بمعنى الإذعان والقبول فلا يدخل فيه تصور النسبة على ما توهمه الشارحون ثم هذا الكلام صريح فى أن التصديق هو العلم بحصول النسبة ووقوعها ولا يفهم من الحكم سوى هذا العلم فإنه الذى يحصل بعد إقامة البرهان وزوال الشك فعلى هذا طريق القسمة أن العلم إن كان حكمًا أى علمًا بحصول النسبة التامة فتصديق وإلا فتصور على ما هو رأى المحققين، وما ذكر فى المواقف من أن العلم إن خلا عن الحكم فتصور وإلا فتصديق ناظر إلى رأى الإمام، وأما ما يتوهم من ظاهر عبارة الكشف أن التصديق هو العلم المقارن للحكم على أن الحكم خارج عنه فمما لا ينبغى أن يلتفت إليه المحصلون.

ص: 222

قوله: (إذا تصورنا) إذا تصورنا نسبة أمر إلى آخر من حيث ثبوته له أو انتفاؤه عنه، (وشككنا فى هذا المتصور) الذى هو النسبة الثبوتية أو السلبية أى ترددنا بين إثباتها ونفيها، (فقد علمنا ذينك الأمرين والنسبة ضربًا ما من العلم أما النسبة فلأنا لا نشك فيما لا نعلمه أصلًا) وأما الأمران فلاستحالة العلم بها دونهما قلنا فى هذه الحالة ضرب من الإدراك ثم إذا زال الشك وحكمنا بأحد طرفى المتصور من الإثبات أو النفى فقد علمنا تلك النسبة ضربًا آخر من العلم وإنما خصصها لأن الأمرين باقيان على حالهما، (وهذا الضرب) من الإدراك، (متميز عن الأول بحقيقته) وجدانًا، (وبلازمه المشهور) وتنافى اللوازم دال على اختلاف حقائق ملزوماتها وهذا تحقيق حسن يدل على أن الشك من قبيل التصور وأن الحكم نفس التصديق وأنه إدراك إذ لا خفاء أن الحاصل بعد زوال الشك هو الحكم فقط فلو لم يكن علمًا وإدراكًا بل فعلًا كما توهمه المتأخرون لم يحصل هنا ضرب آخر من العلم متعلق بالنسبة.

قوله: (أى بحصولها) أى هذا الضرب لا يتعلق إلا بحصول النسبة التامة أو لا حصولها بخلاف الضرب الأول فإنه يتعلق بالمفرد وبالنسبة نفسها فكأنه قيل علم بمفرد وعلم بحصول نسبة ولا حصولها وأريد بالمفرد ما عدا حصولها ولا حصولها؛ فيدخل فيه ما لا يشتمل على نسبة وما فيه نسبة تقييدية أو إنشائية أو خبرية لم يرد عليها أحد طرفيها بعينه فإدراك كل واحد منها تصور، وأما التصديق فهو إدراك أن النسبة الخبرية واقعة أو ليست بواقعة فلا يرد أن تصور النسبة خارج عن حد التصور وداخل فى حد التصديق وإنما سمى الأول معرفة والثانى علمًا لما تسمعه من أئمة اللغة أن المعرفة تتعدى إلى واحد والعلم يتعدى إلى اثنين.

قوله: (بالاشتراك) يعنى أن لفظ العلم يطلق على المقسم وعلى القسم الثانى منه إما بالاشتراك بأن يوضع بإزائه أيضًا وإما بغلبة استعماله فيه لكونه مقصودًا فى الأكثر وإنما يقصد الأول لأجله، فإن قلت: التصديق ليس أخص مطلقًا من العلم بالمعنى المحدود فكيف جعله قسمًا منه قلت يكفيه كونه أخص من وجه على أن القسم هو العلم بمعنى الإدراك فيتناول التصديقات القطعية وغيرها يدلك عليه كلام الشارح والمصنف أيضًا حيث أورد اسم العلم واعتبر فى القضايا ما هى ظنية.

ص: 223

قوله: (وقوله ضربان) بيانه أنه لما اعتبر حصول النسبة فالنوع الثانى لا يتعلق إلا بحصولها أو لا حصولها والأول يتعلق بما عدا ذلك لمقابلته إياه سواء كان نفس النسبة أو غيرها من المفردات وقد فصلناه سابقًا.

قوله: (أى ترددنا بين إثباتها ونفيها) هذا التقرير يدل على أن النسبة الحكمية التى هى مورد الإيجاب والسلب يجوز أن تكون ثبوت أمر لأمر وأن تكون انتفاء أمر عن أمر، فيجوز أن يقال للنسبة الحكمية هذه نسبة ثبوتية بالاعتبار الأول وأن يقال لها هذه نسبة سلبية بالاعتبار الثانى فلو تصورنا نسبة أمر إلى أمر آخر من حيث ثبوته له وحكمنا بأن هذا الثبوت واقع أو حكمنا بأن هذا الثبوت ليس بواقع لكان القضية على التقدير الأول موجبة وعلى التقدير الثانى سالبة ولو تصورنا نسبة أمر إلى آخر من حيث انتفاؤه وحكمنا بأن هذا الانتفاء واقع أو حكمنا بأن هذا الانتفاء ليس بواقع لكان القضية على التقدير الأول سالبة وعلى التقدير الثانى موجبة وهذا التقدير تقتضيه عبارة الشارح بظاهرها ويمكن حمل كلام الشارح والمحشى على وجه آخر كما سيجئ.

قوله: (لأن الأمرين باقيان على حالهما) توضيح المقام أن الشك يقتضي إدراك الوقوع واللاوقوع كما يقتضى إدراك الطرفين والنسبة الحكمية وبعد زوال الشك وحصول الحكم تصورات الطرفين والنسبة الحكمية باقية على حالها والتغير قد وقع فى إدراك الوقوع واللاوقوع فإن إدراكهما فى الشك من قبيل التصور ومن الضرب الأول وبعد زوال الشك من قبيل التصديق ومن الضرب الثانى والشارح قد ذكر لفظ النسبة فى قوله: وضرب لا يتعلق إلا بالنسبة وفسرها بالوقوع واللاوقوع فلا يبعد أن يراد بالنسبة المذكورة فى هذا المقام الوقوع واللاوقوع فقوله: إذا تصورنا نسبة أمر إلى أمر إثباتًا أو نفيًا يعنى به إذا تصورنا وقوع النسبة أو لا وقوعها وقول المحشى من حيث ثبوته له أو انتفاؤه عنه توضيح لهذا المعنى وأراد المحشى بقوله شككنا فى ذلك المتصور الذى هو النسبة الثبوتية أو السلبية الشك فى النسبة الحكمية التى هى ثبوت أمر لأمر من حيث وقوعها أو لا وقوعها، وأراد بقوله أى ترددنا بين إثباتها ونفيها توضيح

(1)

باعتبار لفظه أو الفاصلة فى قوله وشككنا فى

(1)

قوله: توضيح. كذا فى الأصل ولعل فى العبارة تحريفًا أو سقطًا. كتبه مصحح طبعة بولاق.

ص: 224

وقوعها أو لا وقوعها حيث لم يقل فى وقوعها ولا وقوعها بالواو العاطفة، وكذا يحمل لفظة النسبة المذكورة فيما بعد على الوقوع واللاوقوع وإذا كان الكلام محمولًا على ما ذكرنا فالمراد منه صحيح والإشكال مندفع ولا يلزم أن يكون انتفاء أمر عن أمر من قبيل النسبة الحكمية كما ذكر فى الحاشية السابقة.

قوله: (والأول يتعلق بما عدا ذلك) لقائل أن يقول إنه قال فى موضع آخر: إن التصور يتعلق بكل شئ ومن جملة الأشياء الوقوع واللاوقوع فيجب أن الضرب الأول به أيضًا والقسم الثانى هو إذعان وقوع النسبة أولا وقوعها والقسم الأول يشمل إدراك المفرد وإدراك وقوع النسبة ولا وقوعها أيضًا لكن لا على سبيل الإذعان والقبول وعبارة الشارح لا تبعد عن ذلك قيل: المراد بما عدا ذلك ما عدا وقوع النسبة أو لا وقوعها إذا تعلق به الإذعان والقبول والنفى متوجه بالمفيد ويلزم اندراج إدراك الوقوع واللاوقوع تحت التصور إذا كانا مجردين عن الإذعان والقبول وتعين منع الخلو فى أقسامه يعنى أن هنا ثلاثة أقسام كون المطلوب مجهولًا من جميع الوجوه وكونه معلومًا من جميع الوجوه وكونه مجهولًا من وجه معلومًا من وجه وما صرح به فى تقرير الشبهة هو القسمان الأولان وترك فيه القسم الثالث ولا يخفى أن دفع هذا النوع من الشبهة لا يمكن إلا بأحد الوجهين منع الحصر أو منع الفساد المذكور للأقسام وإذا كان تقرير الشبهة على ما ذكر يكون دفعها متعينًا؛ لأن يكون لمنع الحصر إذ لا مجال لمنع المذكور فى القسمين من الفساد لأن عدم كونه مطلوبًا على تقدير عدم الشعور وكونه مجهولًا مطلقًا كلام حق لا يليق بالمنع وكذا عدم كونه مطلوبًا على تقدير أن يكون حاصلًا من كل وجه، وإذا كان تقرير الشبهة على وجه يقع التصريح بالأقسام الثلاثة فلا يمكن دفعها بمنع الحصر إذ الحصر على هذا التقرير حق لا خفاء فيه فتعين دفعها لأن يكون بسبب منع الفساد المذكور للأقسام الثلاثة ولا مجال لمنع الفساد المذكور فى القسمين الأولين، فوجب أن يكون دفع هذه الشبهة بالتعرض لما ذكر فى القسم الثالث وقد وقع فى بعض النسخ هكذا وتعين منع الخلو فى أقسامه ولا يخفى ما فيه.

الشارح: (أقول إذا تصورنا. . . إلخ) أراد الفرق بين إدراك النسبة تصورًا وإدراكها

ص: 225

تصديقًا وقوله إثباتًا أو نفيًا تمييز لبيان ذات النسبة فكأنه قال: إذا تصورنا ثبوت أمر لآخر أو انتفاءه عنه كما يدل عليه كلام المحشى وقوله وشككنا فيه أى فى ذلك الأمر المتصور وهو النسبة أى لوحظت من حيث تعلق الإثبات والنفى بها على الاحتمال والسوية فهذا الشك تصور آخر غير تصور النسبة فى ذاتها الذى ذكر أولًا.

الشارح: (أى بحصولها) أى بأن الثبوت حاصل لا مجرد الحصول لأن مجرد الحبول إدراكه تصور لا تصديق.

التفتازانى: (إشارة إلى أن الشك من قبيل التصور) أى الذى له نقيض محتمل فقولهم: إن التصورات لا نقيض لها محمول على غير التصور الذى هو الشك والوهم ومحل الإشارة قول الشارح: فإذا زال الشك وحكمنا به فقد علمنا النسبة ضربًا آخر من العلم فإنه يفيد أن الشك ليس حكمًا ولا تصديقًا بل تصور وقوله: وأن ليس العلم التصورى. . . إلخ. أى لقوله فقد علمنا النسبة ضربًا آخر من العلم وقوله بل حقيقة التصديق الإذعان والقبول قد يقال: إن القبول والتسليم ليس بلازم فى التصديق بل المدار على مجرد الإيقاع والانتزاع وقوله: سواء تعلق بمفرد أو نسبة أى لا باعتبار أنها حاصلة أو ليست بحاصلة لأن المتعلق بها بهذا الاعتبار تصديق ولذلك قال من غير إذعان وقبول، وقوله: بحصول النسبة أى بأنها حاصله وقوله على ما هو رأى المحققين أى من أن التصديق بسيط وهو الحكم وقوله ناظر إلى رأى الإِمام أى من أن التصديق مركب من التصورات والحكم الذى هو إدراك وعلى هذا فقول المواقف وإلا فتصديق أى إلا يخل عن الحكم بل يكون معه الحكم الذى هو الإدراك الإيقاعى أو الانتزاعى فالمجموع تصديق وهو خلاف المتبادر من العبارة بل المتبادر منها أن العلم الذى معه الحكم هو التصديق والحكم ليس جزءًا بل اعتبرت مقارنته للعلم الذى هو التصديق فيكون ظاهرًا فيما رآه المتأخرون من أن الحكم فعل من أفعال النفس والإدراك المقارن له هو التصديق فالسعد حمل عبارة المواقف على ما ذكره لأن الظاهر منها مردود كما سيذكره فى عبارة الكشف.

قوله: (الذى هو النسبة الثبوتية أو السلبية) جرى على أن النسبة الحكمية هى الثبوت أو الانتفاء وقيل: إنها الثبوت فقط.

ص: 226

قوله: (وإنما خصصها لأن الأمرين. . . إلخ) أى إنما خص الشارح النسبة وأفردها بكونها معلومًا فى قوله فقد علمنا النسبة ضربًا آخر من العلم مع أنه قال سابقًا فقد علمنا ذينك الأمرين والنسبة لأن الأمرين باقيان على حالهما فى كونهما معلومين بالعلم الأول.

قوله: (أو لا حصولها) أى ففي كلام الشارح اكتفاء.

قوله: (وبالنسبة نفسها) أى لا بحصولها وقد علمت أن المراد بالحصول أنها حاصلة.

قوله: (وأريد بالمفرد) أى فى قول المصنف ما عدا حصولها ولا حصولها وهذا توجيه آخر غير التوجيه الذى ذكره قبل من أن المراد بقوله علم بمفرد أى علم قد يتعلق بمفرد كما يتعلق بنسبة وقوله وعلم بنسبة معناه علم لا يتعلق إلا بنسبة أى حصولها أو لا حصولها وقوله قبل فكأنه قيل. . . إلخ. لا يلائم هذا التوجيه الأول.

قوله: (فلا يرد أن تصور النسبة. . . إلخ) أى لولا هذا التأويل لورد أن العلم بالنسبة صادق على تصورها فيكون تصديقًا مع أنه تصور فصار تعريف التصديق غير مانع وتعريف التصور غير جامع وحيث أريد بالعلم بالنسبة العلم بحصولها أو لا حصولها خرج تصور النسبة من التصديق وحيث أريد من العلم بالمفرد العلم بما عدا الحصول واللاحصول دخل فيه تصور النسبة.

قوله: (بأن يوضع بإزائه أيضًا) أى فيكون لفظ العلم موضوعًا للتصديق وللكلى الشامل له.

قوله: (وأما بغلبة الاستعمال) أى أن العلم وإن كان شاملًا للتصور والتصديق لكنه غلب فى فرد منه وهو التصديق واستعمل فيه.

قوله: (فإن قلت: التصديق ليس أخص مطلقًا من العلم المحدود) أى لأن العلم المحدود بصفة توجب تميزًا. . . إلخ. لا يشمل إلا التصور والتصديق اليقينى والتصديق يشمل التصديق اليقينى وغيره ولا يشمل التصور فيكون العلم أخص من وجه والتصديق أعم من وجه وقوله فكيف جعله قسمًا منه أى والقسم يجب أن يكون أخص مطلقًا من مقسمه.

قوله: (قلت يكفيه دونه أخص من وجه) منع للمقدمة الأولى وهى أنه لا بد أن

ص: 227

يكون المقسم أعم والقسم أخص، وقوله: على أن المقسم هو العلم بمعنى الإدراك تسليم له ومنع للمقدسة الثانية وهى قوله وجعل القسم ههنا العلم بالمعنى المحدود وترتيب الجوابين على ترتيب المقدمتين.

قوله: (يدل عليه كلام الشارح) أى حيث قال ثم إذا زال الشك وحكمنا به فإنه يقتضي أن المراد من الحكم ما عدا الشك.

قوله: (حيث أورد اسم العلم) أى أورد المصنف اسم العلم الظاهر مع أن المقام للإضمار فلا بد أن يكون لنكتة وهى أنه ليس بالمعنى الأول.

قوله: (واعتبر فى القضايا ما هى ظنية) أى اعتبر المصنف فيما سيأتى الظنيات حيث جعلها مقدمات القياس الخطابى.

ص: 228

قال: (وكلاهما ضرورى ومطلوب فالتصور الضرورى ما لا يتقدمه تصور يتوقف عليه لانتفاء التركيب فى متعلقه كالوجود والشئ والمطلوب بخلافه أى يطلب مفرداته بالحد والتصديق الضرورى ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه والمطلوب بخلافه أى يطلب بالدليل).

أقول: كل واحد من التصور والتصديق ينقسم إلى ضرورى يحصل بلا طلب ومطلوب لا يحصل إلا بالطلب ووجود الأقسام الأربعة وجدانى والمنكر مباهت فيعرض عنه أو جاهل بمعناه فيفهم فالتصور الضرورى ما لا يتقدمه تصور تقدمًا طبيعيًا أى لا يتوقف تحققه عليه وهو الذى متعلقه مفرد كالوجود والشئ، فلا يطلب بحد إذ لا حد له فإنه تمييز أجزاء المفرد ولا أجزاء له والمطلوب بخلافه وهو ما كان متعلقه مركبًا فتطلب مفرداته لتعرف متميزة وذلك حده فقد تبين أن كل مركب مكتسب بالحد ولا شئ من البسيط كذلك وهذا ما وعدناك فى بيان أن البسيط هو معنى الضرورى والتصديق الضرورى ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه وهو دليله وطلبه النظر ولا بأس أن يتقدمه تصور يتوقف عليه: ضروريًا كان أو نظريًا والمطلوب بخلافه أى يتقدّمه تصديق يتوقف عليه وهو دليله فيطلب بالدليل.

واعلم أنه لا يلزم من توقف التصور على تصور مفرداته أن تطلب بل قد تكون حاصلة من غير سبق طلب ولا نظر.

قوله: (واعلم) يعنى أن تفسير التصور الضرورى بما لا يتقدمه تصور يتوقف عليه غير جامع لجواز أن يكون تصور ضرورى يتوقف على تصور مفرداته الغنية عن الاكتساب، وإذا فسر بما يكون متعلقه مفردًا على ما يشعر به قوله: لانتفاء التركيب فى متعلقه لم يبق مانعًا أيضًا لجواز أن يكون البسيط مطلوبًا بالرسم غير معلوم بالضرورة، وكذا تفسير المطلوب بما يتقدمه تصور يتوقف عليه وبما يكون متعلقه مركبًا ليس بجامع لجواز أن يطلب البسيط بالرسم، ولا مانع لجواز أن يستغنى المركب عن الطلب وإنما اقتصر الشارح على الاعتراض الأول لأنه الوارد على صريح كلام المتن.

قوله: (ووجود الأقسام الأربعة وجدانى) لا يحتاج إلى استدلال فإن العاقل إذا

ص: 229

راجع نفسه ظهر له أن بعض التصورات والتصديقات حصل له بلا طلب وكسب وأن بعضًا منها يحتاج فى حصوله إلى ذلك، ومن أنكر شيئًا من هذه الأقسام فهو إما معاند يجحد الحق مع عرفانه فيعرض عنه لأن المكابرة تسدّ باب المناظرة وإما جاهل بمعنى ما أنكره فيفهم معناه ليرجع إلى وجدانه ويعود عن إنكاره.

قوله: (تقدمًا طبيعيًا) لما قيد المتقدم بالطبيعى جعل التوقف تفسيرًا له فوسط بينهما أداته ولو أجرى على إطلاقه كان قيدًا له، وفي قوله: وهو الذى متعلقه مفرد إشعار بأن قوله لانتفاء التركيب وإن كان تعليلًا لفظًا فهو مفسر معنى لوجوب جريانه فى الكل ويؤيده قول المصنف: أى تطلب مفرداته بالحدّ.

قوله: (وهو دليله) يقوى ما ذكرناه من عدم اختصاص الدليل بالمفرد أو هو على اصطلاح المنطقيين.

قوله: (واعلم) رد على ما ذكره فى تعريف التصور المطلوب والضرورى فإن تصور المركب قد يكون ضروريًا إذ لا يلزم من توقفه على مفرداته أن تطلب فيحدّ بها وقد خرج عن تعريفه فلا يكون جامعًا ودخل فى حد المطلوب فلا يكون مانعًا وأيضًا تصور البسيط قد يكون مطلوبًا بالرسم، وقد خرج عن حده ودخل فيما يقابله وإنما اقتصر على النقض بالمركب لوروده على صريح تعريفى الضرورى والمطلوب، وأما البسيط فإنما يرد إذا اعتبر ما ضم إليهما تعليلًا وتفسيرًا، ويمكن أن يقال لا يلزم من توقف التصديق على تصديق آخر أن يكون مطلوبًا بالدليل لجواز حصول الموقوف عليه بلا طلب كما فى الحدس فينتقض التعريفان طردًا وعكسًا.

الشارح: (تقدمًا طبيعيًا) المراد به هنا تقدم الجزء على كله لا ما يشمل تقدم العلل الناقصة وتقدم العد فلا يرد أن تصور النسبة يتوقف على تصور طرفيها مع أنها تكون ضرورية، والمراد بالتقدم الطبيعى بالنسبة للتصديق تقدم المعد الذى هو الدليل وقوله: أى لا يتوقف تحققه عليه أى تحققه فى نفسه وتوقفه عليه بأن يكون كلًا يتوقف على أجزائه.

قوله: (ومن أنكر شيئًا من هذه الأقسام) أى قائلًا إنه يجوز أن ما حصل لنا الآن بلا نظر إنما هو لحصوله فى الزمن الأول بالنظر لتطاول المدة لأن النفس قديمة فهو

ص: 230

إما معاند أو جاهل.

قوله: (لما قيد المتقدم بالطبيعى. . . إلخ) أى لما قيد الشارح المتقدم الذى فى المصنف بالتقدم الطبيعى جعل قول المصنف يتوقف عليه تفسيرًا له فوسط بينهما أى التفسيرية ولو أجرى المتقدم على إطلاقه ولم يقيد بالتقدم الطبيعى كان قوله يتوقف قيدًا له لأن المعتبر ليس مطلق تقدم.

قوله: (فهو تفسير معنى) نقل عنه ومن قال بأنه ليس تفسيرًا وإلا لم يكن مانعًا لجواز كون البسيط نظريًا بل بيان لانحصاره فى البسيط فقد غفل عن قوله: ولا شئ من البسيط كذلك. اهـ. ومحصله أن بعضهم قال: إن التعليل يفيد أن التصور الضرورى منحصر فى البسيط فكل ما صدق عليه أن تصوره ضرورى صدق عليه أنه بسيط ولا عكس فليس ذلك التعليل تفسيرًا وإلا لكان كل ما صدق عليه أنه بسيط صدق عليه أن تصوره ضرورى أيضًا حتى يكون تفسيرًا لأنه يجب فيه الصدق من الجانبين أى كل ما صدق عليه التفسير من الأفراد صدق عليه المفسر وبالعكس مع أنه لا يصدق كل ما انتفى عنه التركيب كان ضروريًا بالجواز كون البسيط نظريًا، وحاصل الرد أن هذا غفلة عن قول الشارح ولا شئ من البسيط كذلك أى ولا شى كما من البسيط بنظرى بل كل أفراده ضرورى فقد اعتبر الصدق من الجانب الآخر أيضًا فكان التعليل مقيدًا للتفسير.

قوله: (لوجوب جريانه فى الكل) أى وجوب جريان المعلل فى كل أفراد العلة أى كل ما صدق عليه أفراد العلة صدق عليه المعلل فحينئذ كل ما صدق عليه انتفاء التركيب وكان بسيطًا صدق عليه أنه ضرورى، وأما صدق العلة على أفراد المعلل أى كل ما صدق عليه أنه ضرورى صدق عليه أنه بسيط فأمر متفق عليه بين المحشى وبين الخصم الذى لم يجعله مفيدًا للتفسير فلذلك اقتصر على الأول.

قوله: (ويؤيده قول المصنف أى تطلب مفرداته بالحد) وجه التأييد أن قوله أى تطلب. . . إلخ. بإزاء قوله فى مقابله لانتفاء التركيب فحيث جعله تفسيرًا كان هذا أيضًا كذلك.

قوله: (يقوى ما ذكرنا من عدم اختصاص الدليل بالمفرد) أى لأنه هنا قد جعله التصديق وهو لا يكون إلا للمقدمتين.

قوله: (وأيضًا تصور البسيط قد يكون مطلوبًا بالرسم) يجاب عنه بأن المعلوم إنما

ص: 231

هو العرضيات المركبة فالعلم لها بالذات لا للبسيط إلا إذا قلنا: إن العلم للشئ بالوجه علم لذلك الشئ فإن قلت: إن قوله: وأيضًا تصور البسيط. . . إلخ. مناف لقوله لوجوب جريانه فى الكل قلنا لا منافاة إذ لم يقل لجريانه فى الكل بل قال: لوجوب جريانه فى الكل وهو إنما ينافى الجريان ولا وجوب الجريان فى الكل ولا يلزم من وجوب الجريان فى الكل الجريان فى الكل. اهـ من بعض الحواشى.

قوله: (ويمكن أن يقال) إنما قال ويمكن لأن قوله أى يطلب بالدليل تفسير لقوله بخلافه الذى هو يتقدمه تصديق يتوقت عليه فكأنه قال ما يتقدمه تصديق يتوقف عليه هو ما يطلب بالدليل فيتوجه عليه أنه ليس كما يتقدمه تصديق يتوقف عليه هو ما يطلب بالدليل، وأما إن جعل قيدًا فى المعنى كأنه قال يتقدمه تصديق هو دليله لم يتوجه عليه هذا الإيراد لكنه خلاف الظاهر فإن قلت: هل لنا أن نصنع مثل ذلك فى تعريف التصور المطلوب حتى لا يرد عليه اعتراض الشارح قلت ليس لنا ذلك لأنه يمنع منه قوله لانتفاء التركيب فى متعلقه فإنه يقتضى أن المدار فى المطلوب على التركيب وفى الضرورى على البساطة.

ص: 232

قال: (وأورد على التصور إن كان حاصلًا فلا طلب وإلا فلا شعور به فلا طلب وأجيب بأنه يشعر بها وبغيرها والمطلوب تخصيص بعضها بالتعيين وأورد ذلك على التصديق وأجيب بأنه يتصور النسبة بنفى أو إثبات ثم يطلب تعيين أحدهما ولا يلزم من تصور النسبة حصولها وإلا لزم النقيضان).

أقول: قد أورد على التصور أنه لا مطلوب منه لأنه إما حاصل فلا يطلب لكونه تحصيلًا للحاصل وإما غير حاصل فلا شعور به فلا يطلب لا يقال: إنه حاصل من وجه دون وجه لأنه يعود الكلام فيما يطلب من وجهيه. بل الجواب أنه يشعر بها أى بمفرداته التى ذكر أنها تطلب لتعرف متميزة وبغيرها مفصلة ويطلب تخصيص بعضها بالتعيين كمن يرى أشخاصًا كثيرة فيهم زيد ولا يعرفه بعينه فيسأل عنه من يعرفه فيضع يده على أحدهم ويقول زيد هو هذا أو يعرفه بعلامة علمها لزيد دون من عداه والتحقيق أنه ليس كل متصور متصورًا تفصيلًا أى تصورًا حاضرًا بل منه ما هو كالمخزون المعرض عنه يلتفت إليه بالقصد فيحضر فإذا استحضر جملة منه ورتبت حصل مجموع لم يكن كمن يبني ببناء ثم ربما انتقل الذهن منه إلى غيره مما كان مغفولًا عنه أو متوجهًا إليه ليعقله بوجه آخر كما ينتقل من الحر إلى الحارّ ومن الصوت إلى المصوّت وقد أورد على التصديق مثله فقيل لا مطلوب منه لأنه إما حاصل أو غير مشعور به كما تقدّم.

والجواب: أنه يتصور النسبة نفيًا أو إثباتًا والمطلوب تعيين أحدهما وذلك أن العلم بالنسبة من جهة تصورها غير العلم بحصولها وإلا لزم من تصورها العلم بحصولها فإذا تصورنا النفى والإثبات فشككنا فيهما أو حكمنا بتنافيهما لزم اجتماع النفى والإثبات وهما نقيضان.

قوله: (لأنه يعود الكلام) أى الوجه المطلوب إما معلوم فلا يطلب لكونه حاصلًا وإما مجهول فلا يطلب لكونه مغفولًا عنه.

قوله: (وأجيب بأنه يشعر بها) جمهور الشارحين على أن هذا إشارة إلى الجواب المشهور وهو أن الماهية المطلوبة مشعور بها من وجه، وهذا القدر يكفى فى التوجه إليها وطلب حقيقتها المجهولة كالروح يعلم من حيث إنه شئ به الحياة والحس والحركة وأن له حقيقة هذه صفاته فخطلب تلك الحقيقة بعينها وحاصله منع قوله

ص: 233

أن الوجه المجهول لا يطلب فمعنى قوله يشعر بها وبغيرها أن الماهية حاصلة بالحيثية التى تعمها وغيرها كالشيئية والوجود فلا تطلب ومعنى قوله: والمطلوب تخصيص بعضها بالتعيين أنها غير حاصلة من حيث التعيين فتطلب بهذا الاعتبار مثلًا الإنسان يعلم من حيث إنه موجود فلا يطلب ثم يراد تمييزه من بين الموجودات فينظر ليطلع على معان ذاتية وعرضية عامة وخاصة له فيمتاز عن غيره، ولا يخفى أن لا دلالة لكلام المتن على هذا المعنى فلهذا عدل عنه الشارح المحقق إلى ما هو مدلول الكلام إلا أنه لما كان مبينًا على ما ذكره المصنف من أن التصور المطلوب هو الذى يكون متعلقه مركبًا فتطلب مفرداته بالحد، وعلى أن التصور المطلوب نفسه حاصل البتة وإنما المطلوب التخصيص والتعيين حتى إنه لا يمكن تحصيل تصور لم يكن أصلًا وهذا باطل قطعًا أشار إلى تحقيق الجواب على وجه يشعر بإمكان تحصيل تصور لم يكن وإلى منع ما ذكره المعترض من أنه لو كان مشعورًا به امتنع طلبه لجواز أن يعقل بوجه فيتوجه إليه ويطلب تعقله بوجه آخر، وإلى أن المغفول عنه قد يحصل فضمير منه وغيره للمتصور المحضر وضمير تعقله لما كان متوجهًا إليه والانتقال إلى الحار انتقال من الشئ إلى قابله ومن المصوت إلى فاعله.

قوله: (لزم اجتماع النفى والإثبات) أى العلم بأن النسبة حاصلة وليست بحاصلة وهذا مع ظهوره قد خفى على كثير من الشارحين لذهولهم عن كون الإثبات والنفى عبارة عن إدراك وقوع النسبة ولا وقوعها.

قوله: (لا يقال) تلخيصه أنه إن أريد بالحاصل ما هو معلوم من كل وجه وبغير الحاصل ما لم يعلم أصلًا فالحصر ممنوع إذ قد يكون معلومًا من وجه دون وجه وإن أريد بالحاصل ما هو معلوم بوجه وبغيره ما يقابله يختار الأول وإن عكس اختير الثانى ولا محذور وإنما اقتصر الشارح على ما ذكرناه أولًا لتبادره من العبارة.

قوله: (لأنه يعود الكلام فيما يطلب من وجهيه) مأخوذ من كلامه فى المنتهى، حيث قال: لا يقال: إنه حاصل من وجه دون وجه فإنه مردود بعين الأول لأنه تفصيله وليس بشئ لأن الوجه المجهول ههنا ليس مجهولًا مطلقًا ليمتنع توجه النفس إليه بل هو معلوم ببعض عوارضه الذى هو الوجه المعلوم فلا يكون تفصيلًا

ص: 234

للأول ولا يعود الكلام كيف والشبهة إذا صرح فيها بالقسم الثالث صارت مقطوعًا بها فى حصرها وتعين فى الجواب منع الخلف فى أقسامها ولا مجال له فى القسمين الأولين فانحصر حلها فى هذا القسم وما استحسنه من الجواب راجع إلى ما ردّه وتقريره أنه يشعر بمفردات المطلوب التى ذكر سابقًا أنها تطلب لتعرف متميزة ويشعر بغير تلك المفردات مفصلة أى متفرقة مختلطة وهو حال عن المجموع ويطلب تخصيص بعض المشعور بها وهو تلك المفردات بالتعيين والتمييز لتعرف مجموعة ممتازة عن غيرها فإنها كذلك تطابق الماهية بكنهها وأما حال تفرقها واختلاطها فلا تستلزم إلا معرفتها بوجه ما فقد رجع إلى ما ذكرناه إلا أن فيه تفصيلًا ليس هناك وإنما خصص الكلام بالإجزاء وما يتركب منها اقتفاء للمصنف ولأنه أشكل وإلا فحال اللوازم وما يتألف منها كذلك أيضًا ثم شبه حال البصيرة ومدركاتها بالنظر بحال البصر وما يدرك به وعمم فيه فأورد ما يشبه الحد أولًا وما يشبه الرسم ثانيًا حققهما على وجه لا مزيد عليه وهو أن التصور على قسمين تفصيلى وهو أن يكون التصور حاضرًا مخطرًا بالبال متلفتًا إليه بالذات وإجمالى وهو ما ليس كذلك بل هو كالمخزون المعرض عنه وللمدرك أن يلتفت إليه بالقصد متى شاء بلا تجشم فيحضر ويصير مخطرًا بالبال وملحوظًا نفسه تفصيلًا وأنت إذا رجعت إلى نفسك وجدت أكثر معلوماتك من هذا القبيل فإذا استحضر جملة مما هو كالمخزون ورتبت على ما ينبغى حصل فى الذهن مجموع لم يكن وهذا هو الحد الحقيقى وفيه إشارة إلى أن تصور الحدود هو بعينه تصورات أجزائه مجتمعة لا أمر آخر يترتب عليه فمعنى تعريف لإجزاء للماهية أن لكل واحد منها مدخلًا فيه وأيد هذه الإشارة حيث شبه التركيب الذهنى بالخارجى فإن أجزاء البناء مادة وصورة إذا اجتمعت حصل مجموع هو البيت لا أنه يترتب عليها ولكل واحد منها مدخل فى وجوده فإن قيل: هل يعرض للأجزاء باجتماعها هيئة وحدانية هى من أجزاء المحدود كما فى البيت قلنا لا هيئة هناك هى جزء منه لانحصار أجزائه المادية والصورية فيما تصور واجتماعها من لوازم مطابقتها إياه لا من مقدماته كاجتماع المادة والصورة فى البيت.

قوله: (ثم ربما انتقل الذهن منه) أى من المجموع الحاصل بالترتيب (إلى غيره مما كان مغفولًا عنه) أى لم يتوجه إليه بخصوصه كما إذا رتبط جملة من متصوراته

ص: 235

ليمتحن أنه هل ينتقل منه إلى شئ أو لا وحصل الانتقال ومثله يفقد فيه الحركة الأولى، (أو) كان (متوجهًا إليه) بخصوصه، (لتعقله بوجه آخر) غير الذى توجه به إليه وهذا هو الحد الرسمى وقوله كما ينتقل تنظير يحقق جواز الانتقال من شئ إلى غيره فإن الذهن ينتقل من الحر إلى الحارّ من حيث هو حار ومن الصوت إلى المصوّت كذلك قيل الأول من المقبول إلى القابل والثانى من المفعول إلى الفاعل فإن قلت تحقيقه فى الحد والرسم يشعر بوجوب تركبهما أجيب بأن هذا هو المعتبر فى الصناعة لاشتماله على كل واحدة من الحركتين على القانون الصناعى وأما المفرد فلا يتصور فيه إلا الحركة الأولى فليس للصناعة مزيد مدخل ههنا ومن عمم أمكنه إجراء مثله فى المفردات.

قوله: (والجواب أنه يتصور النسبة نفيًا أو إثباتًا) أى يتصورها من حيث يتعلق بها النفى أو الإثبات وتصلح أن تكون موردًا لكل منهما بدلًا عن الآخر من غير أن يتعين أحدهما والمطلوب هو التعين فلا يلزم طلب ما لا شعور به أصلًا وهو ظاهر، ولا طلب ما هو حاصل وذلك لأن الحاصل هو العلم بالنسبة من جهة تصورها وهو مغاير للمطلوب الذى هو العلم بحصولها إثابتًا بعينه أو نفيًا بعينه ولا يستلزمه أيضًا إذ لو اتحد أو استلزمه فإذا تصورنا النسبة دائرة بين النفى والإثبات لزم العلم بحصول كل منهما فيلزم اعتقاد النقيضين معًا واجتماعهما فى الواقع أيضًا إن أريد ما يطابقه ولظهور الجواب فى التصديق وخفائه فى التصور ذهب الإِمام الرازى إلى امتناع اكتساب التصورات وانحصاره فى التصديقات.

قوله: (قلت: لا هيئة هناك هى جزء منه) قال بعض الأفاضل: هذا كلام فى غاية الصعوبة لأنه قول بأن جميع أجزاء الشئ موجودة والشئ معدوم أعنى عند عدم اجتماع الأجزاء وأنت خبير بأن ضرورة العقل حاكمة بأن الشئ ليس إلا جميع أجزائه وكلام العقلاء مشحون بذلك وهو أيضًا يعرف به فى مواضع عديدة وليس ما نحن فيه من قبيل اجتماع المادة والصورة لاستحالة وجودهما بدون الاجتماع، فلا يلزم من كون ذلك الاجتماع خارجًا عن المركب وجود أجزائه بدونه بخلاف ما نحن فيه هذا كلامه وهو مدفوع بأن جزء الشئ له ذات وصفة هى كونه جزءًا له والقول بأن جميع أجزاء الشئ موجودة والشئ معدوم صحيح إذا كانت الهيئة

ص: 236

الاجتماعية شرطًا لكونها أجزاء، فجاز أن تتحقق ذوات أجزاء الشئ مع عدم صفة كونها أجزاء ولا يتحقق ذلك الشئ وليس المراد بقوله كاجتماع المادة والصورة الاستدلال على خروج الهيئة الاجتماعية من الإنسان بل التشبيه والتوضيح فإن خروج الاجتماع هنا أظهر.

الشارح: (أو يعرفه) عطف على قوله فيضع وهو بضم الياء وتشديد الراء من التعريف.

الشارح: (ثم ربما انتقل الذهن منه إلى غيره) المراد بالغير غير الذات والحقيقة بأن يكون المتصور ليس من ذاتيات الشئ.

التفتازانى: (قوله: وأجيب بأنه يشعر بها) فيه تحريف وحقه أن يقول قوله بل الجواب أنه يشعر بها لأن الكتابة على جواب الشارح لا على جواب المصنف الذى عبر فيه بقوله: وأجيب، وقوله: وحاصله منع قوله أن الوجه المجهول لا يطلب أى منع قول المورد للشبهة أن غير الحاصل لا شعور به فلا يطلب وكان الأولى التعبير بذلك بدلًا عن قوله: إن الوجه المجهول لأنه يتوهم منه أنه جواب عن قوله: لا يقال.

التفتازانى: (لا دلالة لكلام المتن على هذا المعنى) أى لأنه قد قال سابقًا تطلب مفرداته بالحد فجعل المطلوب ليس الماهية المشعور بها بوجه من عوارضها.

التفتازانى: (أشار إلى تحقيق الجواب. . . إلخ) أى فالتحقيق الذى ذكره الشارح غير جواب المصنف الذى بينه الشارح بقوله: بل الجواب. . . إلخ. وما قاله جمهور الشارحين الذى قال: لا دلالة لكلام المتن عليه يرجع إلى ما رده الشارح بقوله: لا يقال إلخ.

قوله: (تلخيصه) أى تلخص الجواب عن الشبهة الواردة على التصرف المطلوب الذى هو فى حيز لا يقال.

قوله: (وبغيره ما يقابله) وهو الحاصل من كل وجه وغير الحاصل أصلًا.

قوله: (وإن عكس) هو أن يراد من الحاصل الحاصل من كل وجه وبغيره ما ليس كذلك بأن كان حاصلًا من وجه أو ليس حاصلًا أصلًا وهو عكس فى الجملة وقوله: اختير الثانى أى ويراد منه بعضه وهو الحاصل من وجه وقوله ولا محذور

ص: 237

أى لا يلزم طلب تحصيل الحاصل أو طلب ما لا شعور به.

قوله: (وإنما اقتصر الشارح على ما ذكرناه أولًا) وهو أن يراد بالحاصل الحاصل من كل وجه بغيره ما لم يحصل أصلًا ويمنع الحصر فيهما بأنه قد يكون معلومًا من وجه دون وجه.

قوله: (لتبادره من العبارة) أى من الحاصل وغير الحاصل فإنه يتبادر منها الحاصل من كل وجه وغير الحاصل رأسًا.

قوله: (مردود بعين الأول) أى بعين ما ردد به الأول الذى هو أن التصور إما حاصل أو غير حاصل.

قوله: (لأنه تفصيله) أى لأن الأول يصح حمله عليه بأن يراد من الحاصل الحاصل من وجه فيكون هذا الجواب المشار إليه بلا يقال. . . إلخ. عين الأول فيرد عليه أن يقال: إن كان حاصلًا فلا طلب وإلا فلا شعور به فلا طلب.

قوله: (كيف والشبهة إذا صرح فيها بالقسم الثالث) أى بأن يقال: إما حاصل من كل وجه أو ليس حاصلًا رأسًا أو حاصل من وجه وقوله: صارت مقطوعًا بها فى حصرها أى فالحصر لا يرد عليه المنع لاستيفاء الأقسام فلا يتأتى أن يجاب عن الشبهة حينئذ بمنع الحبر ويقال: إنه حاصل من وجه دون وجه وقوله: وتعين منع الخلف فى أقسامها أى تعين فى الجواب عن الشبهة حينئذ منع الفساد فى أقسامها لا منع الحصر كما قال القائل وقوله ولا مجال له فى القسمين الأولين أى لا مجال لمنع الفساد فيهما لأن الفساد فيهما ظاهر لأن الحاصل من كل وجه لا يتأتى طلبه وغير الحاصل كذلك.

قوله: (فانحصر حلها) أى حل الشبهة فى هذا القسم وهو الحصول من وجه دون وجه.

قوله: (وهو حال عن المجموع) أى مفصلة فى كلام الشارح حال عن المفردات وغيرها.

قوله: (فإنها كذلك تطابق الماهية بكنهها) أى الأفراد مجموعة مطابقة للماهية ومتحدة معها فمعرفتها بهذا الاعتبار هى معرفة الماهية بكنهها فإن الماهية عبارة عن الأفراد حال اجتماعها وأما بدون الاجتماع أى الأجزاء فى ذاتها فمعرفتها هى معرفة الماهية بوجه واعلم أن الحد مغاير للمحدود بالاعتبار فالحد تصورات الأجزاء

ص: 238

المجتمعة من حيث هى كترة وتصورات مجتمعة والمحدود هو تلك التصورات لا باعتبار تعددها بل باعتبار أنها تصور مجموع الأجزاء مثلًا إذا قلت الحيوان الناطق واعتبرت أن كلًا من الحيوان والناطق مغاير لصاحبه وقد انضم أحدهما إلى الآخر وحصل مجموع مركب منهما ويكون فى الذهن كثرة ويكون صورة كل جزء كأنها مرآة يشاهد بها ذلك الجزء قصدًا فهذا حصول الحد فى الذهن وإذا اعتبرت أنه حصل من ذلك معنى واحد هو بعينه الحيوان الذى هو بعينه الناطق وتكون صور الأجزاء كأنها مرآة واحدة مركبة يلاحظ بها الكل من حيث هو لا كثرة فيه قصدًا فهذا هو حصول المحدود فالحصول الأول مفيد للحصول الثانى فالأول كاسب والثانى مكتسب وهما متحدان ذاتًا مختلفان اعتبارًا وأما حصول الأجزاء متفرقة فمغايرة للحد والمحدود ذاتًا واعتبارًا.

قوله: (فقد رجع إلى ما ذكرناه) أى فإن حاصله أن المطلوب مشعور به باعتبار مفرداته المختلطة مع غيرها وغير حاصل باعتبار اجتماعها وتميزها عن غيرها لكن يرد أن الأفراد والأجزاء المذكورة حال تفرقها واختلاطها لم تجعل وسيلة لإدراك الشئ ذى الأفراد المذكورة فكيف يكون الشئ مشعورًا به باعتبارها.

قوله: (اقتفاء للمصنف) أى فإنه جعل المطلوب هو المركب من أجزاء هى هو.

قوله: (ولأنه أشكل) أى لأن الوجه المعلوم هو الوجه المجهول والفرق بينهما اعتبار الاجتماع والتمييز وعدمه.

قوله: (فحال اللوازم كذلك) أى فإن الشعور به فى التعريف الرسمى هو اللوازم المختلطة بغيرها والمطلوب تخصيص بعضها مجتمعة ممتازة.

قوله: (وعمم فيه) أى فى التشبيه فإنه أورد أولًا المشبه به الذى يشبهه الحد وذلك بقوله: كمن يرى أشخاصًا. . . إلخ. والشبه به الذى يشبهه الرسم بقوله: أو يعرفه بعلامة.

قوله: (ثم حققهما) أى حقق الحد والرسم فإنه قد ذكر الرسم فى قوله ثم ربما انتقل الذهن منه إلى غيره.

قوله: (وجدت أكثر معلوماتك من هذا القبيل) أى المخزون المعرض عنه.

قوله: (ورتبته. . . إلخ) هذا بناء على اشتراط تقدم الجنس على الفصل وأما على القول بعدم اشتراطه فليس بلازم الترتيب.

ص: 239

قوله: (وفيه إشارة. . . إلخ) أى فى قوله: إن الحد الحقيقى عبارة عن المجموع المرتب الذى لم يكن إشارة إلى ذلك.

قوله: (فمعنى تعريف الأجزاء) جواب عما يقال إذا كان تصورات المحدود هى بعينها تصورات الأجزاء ولم يكن شيئًا آخر يترتب عليه فلا يكون لكون الحد كاسبًا معنى.

قوله: (كما فى البيت) أى فإن فيه هيئة وحدانية حاصله للأجزاء باجتماعها.

قوله: (لا هيئة هناك. . . إلخ) استشكله بعضهم بأن الحد ليس إلا جميع أجزائه المادية متفرقة كالجنس والفصل والهيئة الاجتماعية عارضة له فتكون عارضة له فتكون عارضة للمحدود أيضًا فإنهما متحدان. اهـ. وهو مردود بأنه سيأتى له أن الاجتماع تارة يكون معه أمر زائد كالهيئة للسرير وتارة لا كالعشرة.

قوله: (لانحصار أجزائه المادية والصورية فيما تصور) هذا بظاهره يدل على أن فى الحد هيئة لأنه متى وجدت صورة عارضة للمادة فهناك هيئة اجتماعية، ولكن هذا الظاهر ليس مرادًا لأنه ينافى ما قبله فالمراد بالأجزاء المادية والصورية جميع الأجزاء بحيث لا يشذ عنها جزء وإلا فلا صورة فى الحد.

قوله: (واجتماعها من لوازم مطابقتها. . . إلخ) جواب عما يقال: إن كون الهيئة ليست جزءًا ينافى أنه لا بد فى تصورات الأجزاء من الاجتماع، وحاصل الجواب أن الاجتماع وإن كان لا بد منه لكنه من لوازم المطابقة لا من مقومات الشئ.

قوله: (كاجتماع المادة والصورة فى البيت) أى فإن الاجتماع فيه من المقومات هذا وقد عرفت أن المحشى جعل الجواب المردود بقوله لا يقال هو عين الجواب الذى قاله المصنف واستحسنه وهو عين التحقيق لكن الحق خلاف ذلك بل الجواب المردود نظر فيه إلى أن المطلوب نفس الوجه والوجه المطلوب غير الوجه المشعور به كما إذا علم الروح من حيث إنه شئ به الحياة والحس والحركة وأن له حقيقة هذه صفاته فتطلب تلك الحقيقة بعينها وحاصل الرد أن الوجه المجهول واسطة فى عروض الطلب للحقيقة المتصورة والمطلوب حقيتة هو الوجه المجهول وهو مجهول مطلق فلا يطلب، وأما جواب المصنيف فنظر فيه إلى أن الحقيقة متصورة بذاتها لأنها عين مفرداتها ومفرداتها معلومة لكن لما كان معها غيرها لم تتميز عند الطالب فيطلب تميزها وتعينها فالمطلوب ليس تحصيل تصور لم يكن حاصلًا بل التعين

ص: 240

والتميز والتعين المذكور معلوم باعتبار مفهومه وغير معلوم باعتبار إضافته إلى الحقيقة ولما كان هذا الجواب مؤديًا إلى القول يكون المكتسب هو التعين وأنه ليس هناك تحصيل تصور لم يكن رده الشارح بقوله: والتحقيق. . . إلخ. وحاصل التحقيق أن المطلوب حاصل من وجه أعنى مفرداته، غير حاصل من وجه وهو ذاته ولا يعود الإشكال؛ لأن الوجه الحاصل لما كان داخلًا فى غير الحاصل كان غير الحاصل نفسه حاصلًا من وجه فلا يكون طلبًا للمجهول المطلق، وعبارة السعد تقتضى أن التحقيق الذى قاله الشارح غير جواب المصنف وأن جواب المصنف على ما شرحه الجمهور هو عين الجواب المردود بخلافه على ما شرحه الشارح فإنه غيره.

قوله: (ليمتحن. . . إلخ) استشكل بأنه لا يتأتى الانتقال إلى المطلوب إلا إذا علم مناسبة المبادئ له وهو سابق على الانتقال فإذا علم المناسبة قبل الانتقال فقد وجدت الحركة الأولى من المطلوب إلى المبادئ وإن لم يعلم المناسبة فلا، انتقال أصلًا فلا حركة أصلًا.

قوله: (وهذا هو الحد الرسمى) إن كانت الإشارة إلى قوله أو متوجهًا إليه ليعقله بوجه آخر كان باقيًا عليه الانتقال إلى المغفول عنه فيلزم أن يكون واسطة بين الضرورى والنظرى أو يكون ضروريًا مع جود الحركة الثانية والترتيب اللازم لها وإن كانت الإشارة راجعة إلى المستحضر المنقول منه إلى غيره مطلقًا سواء كان الغير مغفولًا عنه أو متوجهًا إليه ليعقله بوجه آخر، ورد عليه أن الحاصل بالرسم يكون نظريًا والنظرى لا بد فيه من الحركتين ولم توجد الأولى فى القسم الأول إلا أن يقال: نختار الثانى ونقول: إن اعتبار الحركتين فى النظرى أكثرى لا كلى.

قوله: (يشعر بتركيبهما) أى حيث قال فإذا استحضر جملة منه ورتبت ثم قال ربما انتقل منه إلى غيره.

قوله: (ومن عمم أمكنه. . . إلخ) بأن يقال الفرد حاصل فى الذهن لكنه غير ملتفت إليه فإذا التفت إلى المعلومات التى تناسب الشئ الذى تصوره بوجه فاطلع على مفرد والتفت إليه انتقل منه إلى المطلوب وعلى هذا فقد أمكن التعريف بالمفرد هكذا نقل عنه.

قوله: (وتبع التآمها هيئة) ظاهره أنه متى حصل اجتماع والتآم توجد الهيئة وهو

ص: 241

ينافى ما تقدم له من قوله: لا هيئة هناك وإن كان لا بد من الاجتماع وينافى ما سيأتى للشارح من أن العشرة هى مجموع الآحاد وليس هناك هيئة إلا أن يحمل على أن المراد بالهيئة الهيئة الخارجية أو الانتزاعية إن وجدت على ما سيأتى والمنفى فيما تقدم للمحشى وفيما سيأتى فى العشرة الهيئة غير الانتزاعية.

قوله: (وتلك الهيئة صورته) أى فالمراد بالصورة العرض اللاحق للشئ لا الجزء الذى يصير به الشئ بالفعل.

قوله: (هذا ما يقتضيه ظاهر عبارته) نقل عنه حيث قال: وصورته هيئته الحاصلة من التآمها. اهـ. يعنى أنه ليس هناك صورة هى جزء بل هناك هيئة عارضة للمادة من التآمها فيكون الشئ هو معروض الهيئة والكلام على مذهب المتكلمين إذ لا جزء صورى عندهم.

قوله: (المحال تقوم الجوهر بالعرض الحال فيه المتأخر عنه) إنما كان محالًا لأنه يلزمه تقدم المتقوم على ما تقوم به.

قوله: (وتقومه به على أن يكون محمولًا عليه بالمواطئة) إنما كان محالًا لأنه يلزمه اتحاد الجوهر والعرض وفي النسخ التى بأيدينا وتقوم به وهو تحريف.

قوله: (فى جزء آخر له جوهرى) أى فيعتبر المجموع المركب من الجوهر والعرض الحال فيه والمجموع قائم بذاته فيكون جوهرًا دخل فى قوامه العرض الحال فى جزئه الآخر وهو الجوهر، لكن أنت خبير بأن هذا المجموع المركب أمر اعتبارى فلا يكون جوهرًا.

قوله: (مجاز على سبيل التشبيه) أى تشبيه الأمر العارض للأجزاء عند التآمها بالصورة التى هى الجزء.

ص: 242

قال: (ومادة المركب مفرداته وصورته هيئته الخاصة).

أقول: لكل مركب مادة وهى كالخشب للسرير وصورة وهى كالهيئة السريرية له فمادته مفرداته التى يحصل هو من التئامها وصورته الهيئة الخاصة الحاصلة من التئامها ثم إن ذلك قد يكون زائدًا على مجموع المفردات كالمزاج الحاصل لأجزاء المعجون الذى به تظهر آثاره وقد لا يكون كهيئة العشرة لآحادها فإن العشرة وإن كانت غير كل واحد فليست إلا مجموع الآحاد ولم تحصل لها بعد الالتئام كيفية زائدة اللهم إلا بحسب التعقل إن كان.

قوله: (إن كان) يريد أن فى حصول كيفية زائدة بحسب التعقل أيضًا ترددًا إذ لا يعقل فى العشرة شئ غير مجموع الآحاد.

واعلم أن مبنى هذا الكلام على أن لا يراد بالصورة الجزء الذى يكون الشئ معه بالفعل بل هيئة وعرض فى قابل وحدانى بالذات أو الاعتبار على ما صرح به ابن سينا، أو يراد بالمركب الاعتبارى الذى اعتبر فيه العارض أيضًا للقطع بأن الهيئة السريرية عرض، وكذا المزاج للمعجون والعرض لا يكون جزءًا للجوهر.

قوله: (لكل مركب) إنما احتيج إلى بيان ما ذكره ههنا لما سيأتى من قوله وصورة الحد كذا وخلل المادة خطأ ونقص وصورة البرهان كذا.

ثم أعلم أن الشئ إذا التأم من أمور متعددة وتبع التئامها هيئة عارضة لها خاصة به فتلك الأمور مادته وداخلة فى قوامه وتلك الهيئة صورته والشئ هو تلك المفردات من حيث إنها معروضة لها هذا ما يقتضيه ظاهر عبارته ويكفيه فيما تعلقت به أرادته ولو فسرت المادة بالجزء الذى يكون المركب معه بالقوة والصورة بالجزء الذى يكون معه بالفعل لورد أن الهيئة السريرية والمزاج عرضان فلا يقومان جوهرًا فإما أن يقال المحال تقوم الجوهر بالعرض الحال فيه المتأخر عنه وتقوم به على أن يكون محمولًا عليه بالمواطأة وأما تقومه عنه على أن يكون عرضًا حالًا فى جزء آخر له جوهرى كما فى المثالين فلا استحالة فيه كما صرح به بعض الفضلاء وإما أن يقال إطلاق الصورة عليهما مجاز على سبيل التشبيه.

قوله: (ثم إن ذلك) المفردات إذا التأمت فلا شك أنه يحصل من التئامها أمر لم

ص: 243

يكن قبله ثم إن ذلك الحاصل منه قد يكون أمرًا زائدًا على مجموع المفردات من حيث هو؛ فيكون للمركب حينئذ صورة، وقد لا يكون فيكون المركب عين مفرداته مجموعة ولا صورة تعتبر هناك لا جزءًا ولا قيدًا.

قوله: (فإن العشرة) العشرة إن حملت على العدد نفسه فلا وجود لها فى الخارج، وإن حملت على المعدود فهى موجودة خارجًا لكنها عين آحادها فيه، وعلى التقديرين يحتمل أن يحصل لآحادها فى العقل كيفية زائدة عليها، وأن لا يكون هناك إلا مجموع تلك الآحاد وإليه أشار بقوله: إن كان يعنى أن حصول الكيفية الزائدة بحسب التعقل مشكوك فيه وحمله على الشك فى الوجود الذهنى بعيد.

قوله: (ثم إن ذلك الحاصل) يعنى أن لفظ ذلك يكون إشارة إلى ما هو مأخوذ من الكلام السابق وهذا المأخوذ صالح لأن ينقسم إلى ما هو عين المفردات وإلى ما هو زائد عليها وفي قوله فيكون للمركب حينئذ صورة إشارة إلى أن قوله: لكل مركب مادة وصورة ليس على إطلاقه كيف وقد قال فيما بعد أن المركب قد يكون عين المفردات وأيضًا فيه إشارة إلى أن الصورة ليست بمعنى الأمر الحاصل من الالتئام المنقسم إلى العين والزائد، وقد يقال أراد بالصورة الأمر الحاصل من التئام المفردات فإذا كان ذلك الحاصل أمرًا زائدًا على مجموع المفردات فيتحقق هنا صورة زائدة حاصلة للمركب وهذا معنى قوله فيكون للمركب حينئذ صورة، وإذا لم يكن زائدًا فالصورة عين ذلك المجموع فلا يكون للمركب صورة بل الصورة عينه.

الشارح: (كالمزاج الحاصل) الذى قاله فى شرح المواقف: إن المزاج جزء من المعجون صورى وهو محمول على أنه جزء صورى مجازًا وإلا فهو عرض قائم بمجموع الأجزاء.

قوله: (ثم إن ذلك الحاصل) يشير إلى أن اسم الإشارة عائد على الحاصل من حيث هو لا على الهيئة الحاصلة وعليه فكان الأولى أن يقال: فلا شك أنه يحصل من التآمها أمر لم يكن وهو المجموع إما وحده أو مع زائد عليه قائم به هو المعبر عنه بالصورة فالذى لا بد منه مطلقًا هو المجموع وأما الزائد عليه فتارة وتارة وعلى

ص: 244

هذا يكون قوله: كهيئة العشرة الإضافة فيه بيانية أى كهيئة هى العشرة أى المجموع وليس هناك هيئة عارضة لأجزائه ويكون قول المحشى: وتبع التآمها هيئة تقييدًا للعطف لازم على ملزوم ويحتمل أن الإشارة إلى الحاصل من حيث كونه هيئة فكأنه قال ثم إن الهيئة الحاصلة قد تكون أمرًا زائدًا على مجموع المفردات وقد لا تكون أمرًا زائدًا عليها قائمًا بها معتبرة معها وإن كانت تلك الهيئة حاصلة من التآمها لكن حصولها انتزاعى فقط وليست حاصلة لمجموع الأفراد عرضًا لها كما فى هيئة السرير وعلى هذا فلا بد من الهيئة عند الالتآم وقوله: وتبع التآمها هيئة عطف لازم على ملزوم والهيئة عامة تشمل الخارجية والانتزاعية؛ والخارجية هى القائمة بمجموع الأفراد العارضة له عروض العرض لما قام هو به بخلاف الانتزاعية لكنه لا يلائمه قوله: عارضة له إلى أن قال وتلك الهيئة صورته إلا أن يحمل على البعض وهو الهيئة الخارجية.

قوله: (فيكون للمركب صورة) هى الهيئة العارضة.

قوله: (يحتمل أن يحصل لآحادها فى العقل كيفية زائدة. . . إلخ) هذا لا ينافى قوله: أو لا فلا شك أنه يحصل من التآمها أمر لأن الحصول هناك بمعنى يشمل الحصول الانتزاعى الذى لا يعتبر عرضًا للأجزاء والاحتمال إنما هو فى الحصول المعتبر عرضًا للأجزاء بحيث تكون العشرة معه مركبًا اعتباريًا.

ص: 245