الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال المؤلف رحمه الله:
12 -
عَزِيزٌ مَروي اثنيِن أو ثلاثه
…
مشهورٌ مروي فوق ما ثلاثه
ذكر المؤلف في هذا البيت قسمين من أقسام الحديث وهما:
العزيز والمشهور
، وبهما يتم التاسع والعاشر من أقسام الحديث التي في النظم.
العزيز في اللغة: مأخوذ من عزَّ إذا قوي، وله معاني أُخرى، منها القوة، والغلبة، والامتناع، لكن الذي يهمنا في باب المصطلح هو المعنى الأول وهو القوة.
أما في الاصطلاح فهو: ما رواه اثنان عن اثنين عن اثنين إلى أن يصل إلى منتهى السند.
والمؤلف هنا لم يشترط أن يكون مرفوعاً، فيشمل المرفوع، والموقوف، والمقطوع، لأنه قال "مروي اثنين" ولم يقل "مروي اثنين مرفوعاً"، ولهذا فإنه لا يشترط في العزيز أن يكون مرفوعاً.
ووجه تسميته عزيزاً: لأنه قوي برواية الثاني، وكلما كثُرَ المخبرون ازداد الحديث أو الخبر قوة، فإنه لو أخبرك ثقة بخبر، ثم جاء ثقة آخر فأخبرك بنفس الخبر، ثم جاءك ثالث، ثم رابع، فأخبروك بالخبر، لكان هذا الخبر يزداد قوة بازدياد المخبر به.
وقوله "أو ثلاثة".
"أو" للتنويع، ومن حيث الصيغة يحتمل أن تكون للخلاف لكنه لما قال فيما بعد "مشهور مروي فوق ما ثلاثة" عرفنا أن "أو" هنا للتنويع يعني أن العزيز هو ما رواه اثنان عن اثنين إلى آخره، أو ما رواه ثلاثة عن ثلاثة إلى آخره. فما رواه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهى السند يعتبر - في رأي المؤلف - عزيزاً لأنه قوي بالطريقين الآخرين.
ولكن المشهور عند المتأخرين: أن العزيز هو: ما رواه اثنان فقط.
وأن المشهور هو: ما رواه ثلاثة فأكثر، وعلى هذا فيكون قول المؤلف "أو ثلاثة" مرجوحاً، والصواب أن العزيز هو: ما رواه اثنان فقط من أول السند إلى آخره.
أما لو رواه اثنان عن واحد عن اثنين عن اثنين إلى منتهاه فإنه لا يسمى عزيزاً، لأنه اختل شرط، في طبقة من الطبقات، وإذا اختل شرط ولو في طبقة من الطبقات اختل المشروط.
وهل العزيز شرطٌ للصحيح؟
نقول: إن العزيز ليس شرطاً للصحيح.
وقال بعض العلماء: بل إنه شرط للصحيح.
قالوا: لأن الشهادة لا تقبل إلا من اثنين، ولا شك أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مشهود به، ولهذا فإن من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.
ولكن قد سبق لنا في كلام المؤلف أن هذا ليس بشرط وهو في قوله
…
"ما اتصل إسناده ولم يُشذ أو يُعل" ولم يذكر اشتراط أن يكون عزيزاً1.
ويُجاب عن قول من قال: بأن الشهادة لا تُقبل إلا باثنين.
بأن هذا خبٌر، وليس بشهادة، والخبر يكفي فيه الواحد، بدليل أن المؤذن يؤذن، ويفطر الناس على أذانه، مع أنه واحد، لأن هذا خبر ديني يكفي فيه الواحد، ويدلُّ لهذا: أن العلماء اتفقوا على قبول حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه سمع
1 تقدم ص 28.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
…
" 1. وهذا الحديث في ثلاث طبقات لم يُرو إلا عن واحد واحد، فدل ذلك على أنه ليس من شرط الصحيح أن يكون مروي اثنين فأكثر.
قوله: "مشهور مروي فوق ما ثلاثة".
هذا رأي المؤلف، وعلى القول الراجح نقول: مشهور مروي فوق ما اثنين، فالمشهور على كلام المؤلف هو ما رواه أربعة فصاعداً، وعلى القول الصحيح هو: ما رواه ثلاثة فصاعداً، ولم يصل إلى حد التواتر.
والمشهور يُطلق على معنيين هما:
1 -
ما اشتهر بين الناس.
2 -
ما اصطلح على تسميته مشهوراً.
أما ما اشتهر بين الناس فإنه أيضاً على نوعين:
أما اشتهر عند العامة.
ب ما اشتهر عند أهل العلم.
فأما ما اشتهر عند العامة: فلا حكم له؛ لأنه قد يشتهر عند العامة بعض الأحاديث الموضوعة فهذا لا عبرة به، ولا أثر لاشتهاره عند العامة، لأن العامة ليسوا أهلاً للقبول أو الرد، حتى نقول إن ما اشتهر عندهم مقبول، ولهذا نجد كثيراً من الأحاديث المشتهرة عند العامة قد ألَّف العلماء فيها مؤلفات مثل كتاب "تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث".
1 رواه البخاري كتاب بدء الوحي باب كيف بدء الوحي ومسلم كتاب الإمارة باب إنما الأعمال بالنية 155 – 1907.
ومما اشتهر من الأحاديث عندهم "خير الأسماء ما حِّمد وعُبِّد"1 وهذا مشتهر عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث لا أصل له، ولم يصح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أحب الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن"2.
ومثله "حب الوطن من الإيمان"3 وهو مشهور عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث موضوع مكذوب، بل المعنى أيضاً غير صحيح بل حب الوطن من التعصب.
ومثله حديث "يوم صومكم يوم نحركم"4 وهو مشهور عند العامة، على أنه حديث صحيح، وهو لا أصل له.
ومثله ما يقال "رابعة رجب غرة رمضان فيها تنحرون" وهو حديث منمق لا أصل له، ويعني أن اليوم الرابع لرجب، هو اليوم الأول لرمضان، وهو اليوم العاشر لذي الحجة، وهو باطل غير صحيح.
والنوع الثاني هو المشهور عند العلماء فهذا يحتج به بعض العلماء وإن لم يكن له إسناد، ويقول: لأن اشتهاره عند أهل العلم، وقبولهم إياه وأخذهم به، يدل على أن له أصلاً.
ومن ذلك حديث "لا يقاد الوالد بالولد" 5 يعني لا يُقتل الوالد
1 المقاصد الحسنة ص 103 والأسرار المرفوعة ص 193.
2 كتاب الآداب باب النهي عن التكني بأبي القاسم 2 – 2132.
3 كشف الخفاء جـ 1 ص 413 تذكرة الموضوعات 11 والسلسلة الضعيفة 36.
4 كشف الخفاء جـ 2 ص 211.
5 أخرجه الإمام أحمد 1/49 والترمذي كتاب الديات باب ماجاء في الرجل يقتل ابنه يقاد منه أم لا 1400.
بالولد قصاصاً، وهو مشهور عند العلماء، فمنهم من أخذ به، وقال لأن اشتهاره عند العلماء وتداولهم إياه واستدلالهم به يدل على أن له أصلاً.
ومن العلماء من لم يعتبر بهذا.
ومنهم من فصَّل وقال: إن لم يُخالف ظاهر النص فهو مقبول. كتب عليكم
أما إن خالف ظاهر النص فهو مردود، وهذا أقرب الأقوال الثلاثة وهو: أن ما اشتهر بين العلماء يُنظر فيه، فإن لم يُخالف نصًّا فهو مقبول، وإن خالف نصًّا فليس بمقبول.
مثلاً "لا يُقاد الوالد بالولد" 1 مخالف لظاهر النص وهو قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] . الآية. بل ويخالف قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} "البقرة: 178" الآية. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس
…
" 2. الحديث.
1 تقدم تخريجه ص 70.
2 أخرجه البخاري كتاب الديات باب قوله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 6878 ومسلم كتاب القسامة باب ما يباح به دم المسلم 25 – 1676.