المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أنواع التدليس … قال المؤلف رحمه الله: … ... … ... … وما - شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌أنواع التدليس … قال المؤلف رحمه الله: … ... … ... … وما

‌أنواع التدليس

قال المؤلف رحمه الله:

...

...

وما أتى مُدلّساً نوعان

وقوله "وما أتى مدلساً نوعان" هذا هو القسم العشرون من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم.

ف-"مدلساً" حال من فاعل أتى، و"نوعان" خبر المبتدأ، و"ما" اسم موصول بمعنى الذي، يعني والذي أتى مدلساً نوعان.

وقوله "مدلساً" المدلس مأخوذ من التدليس، وأصله من الدُّلسة وهي الظلمة، والتدليس في البيع هو أن يُظهر المبيع بصفةٍ أحسن مما هو عليه في الواقع، مثل أن يصري اللبن في ضرع البهيمة، أو أن يصبغ الجدار بأصباغ يظنُّ الرائي أنّه جديد، وهو ليس كذلك.

أما التدليس في الحديث فينقسم إلى قسمين: كما قال المؤلف رحمه الله "وما أتى مدلساً نوعان"، وبعض العلماء يقسِّمه إلى ثلاثة أقسام.

أما على تقسيم المؤلف فهو قسمان:

الأول: ذكره بقوله:

الأول الإسقاط للشيخ وأن

ينقلُ عمن فوقه بعن وأن

وهذا تدليس التسوية، بان يسقط الراوي شيخه، ويروي عمن فوقه بصيغة ظاهرها الاتصال.

كما لو قال: خالدٌ: إنّ عليًّا قال كذا وكذا، وبين خالد وعلي رجل اسمه محمد، وهو قد أسقط محمداً ولم يذكره، وقال إن عليًّا قال كذا وكذا.

فنقول هذا تدليس وهو في الحقيقة لم يكذب بل هو صادق، لكن

ص: 84

هناك بعض الأسباب تحمل الراوي على التدليس: كأن يريد الراوي أن يخفي نفسه لئلا يُقال عنه أنه أخذ عن هذا الشيخ مثلاً، أو أخفى ذلك لغرض سياسي، أو لأنه يخشى على نفسه من سلطان أو نحوه، أو لغير ذلك من الأسباب الأخرى، أو لأجل أن الشيخ الذي أسقطه غير مقبول الرواية، إما لكونه ضعيف الحفظ، أو لكونه قليل الدين، أو لأن شيخه الذي روى عنه أقل مرتبة منه، أو ما أشبه ذلك.

المهم أن أغراض إسقاط الشيخ كثيرة غير محصورة، لكن أسوأها أن يكون الشيخ غير عدل، فيسقطه من أجل أن يصبح الحديث مقبولاً، لأن هذا يترتب عليه أحكام شرعية كثيرة، وربما يكون الحديث مكذوباً من قبل الشيخ الساقط.

ولا يقبل حديث المدلس، ولو كان الراوي ثقة، إلا إذا صرح بالتحديث وقال: حدثني فلان، أو سمعت فلاناً، فحينئذ يكون متصلاً.

القسم الثاني: تدليس الشيوخ: وهو ألا يُسقط الشيخ ولكن يصفه بأوصاف لا يعرف بها، وإليه الإشارة بقوله:

والثاني لا يسقطه لكن يصف

أوصافه بما به لا ينعرف

مثل أن يسمي أحد شيوخه باسم غير اسمه، أو بلقبٍ غير لقبه، وهو لا يمكن أن يُعرف إلا بذلك الذي لم يسمه به، أو يصفُهُ بصفةٍ عامة كمن يقول: حدثني من أنفه بين عينيه، أو حدثني من جلس للتحديث.

والأمر الذي دفع الراوي أن يفعل ذلك هو مثل الأغراض التي تقدمت في النوع الأول، لأنه يخفي اسم الشيخ حتى لا يوسم الحديث بالضعف، أو لأجل أن لا يرد الحديث، أو لأسباب أخرى.

ص: 85

وهذا النوع كسابقه غير مقبول إلا إذا وصف من دلسه بما يعرف به فينظر في حاله.

وهل التدليس جائز أم حرام؟

نقول: الأصل فيه أنه حرام، لأنه من الغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من غش فليس منا" 1 ولا سيما الغش في الشيء الذي ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا أعظم من الغش في البيع، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لصاحب الطعام الذي أخفى ما أصابته السماء:"من غش فليس منا" فما بالك بمن يغش في سند الحديث، هذا يكون أعظم وأشد، ولكن ومع ذلك فقد كان يستعمله بعض التابعين، وغير التابعين، لأغراض حسنة، ولا يريدون بذلك الإساءة إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إلى الناس، وإنما يريدون بذلك بعض الأغراض الحسنة، ولكن هذا في الحقيقة لا يبرر لهم ما صنعوا، بل نقول: هم مجتهدون؛ لهم أجرهم على اجتهادهم، ولكن لو أصابوا وبينوا الأمر، لكان أولى وأحسن وأفضل.

1 أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب قوله عليه الصلاة والسلام: "من غشنا

" برقم 164 – 102.

ص: 86