الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي لا ينسي من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، والحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، والحمد لله من اعتصم به نجاه، والحمد لله من وثق به لم يكله إلي غيره، والحمد لله الذي من استغاث به أغاثه، والحمد لله الذي من فوض الأمر إليه كفاه ووقاه، والحمد لله الذي هو يقيننا ورجاؤنا حين تنقطع الحيل وتقطع الأسباب، والحمد لله هو ثقتنا حين تسوء الظنون بأعمالنا، ثم الصلاة والسلام علي نبي الهدي ورسوله المجتبى محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم وعلي آله وأصحابه وأحبابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.
أما بعد: فهذه رسالة مختصرة تتحدث عن الاعتصام بالله جل وعلا وقد أشار إليّ والدي وأستاذي وشيخي -حفظه الله وأمد الله عمره في طاعة الله- أن أكتب هذه الرسالة مستعينًا بالله تعالي، ومما لاريب فيه أن الاعتصام بالله هو سبيل نجاة العبد في دنياه وأخراه، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله:"وأما الاعتصام به: فهو التوكل عليه والامتناع به والاحتماء به وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه ويعصمه ويدفع عنه فإن ثمرة الاعتصام به: هو الدفع عن العبد والله يدافع عن الذين آمنوا فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يفضي به إلى العطب ويحميه منه فيدفع عنه الشبهات والشهوات وكيد عدوه الظاهر والباطن وشر نفسه"(1).
والحقيقة التي نغفل عنها أن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان ولذلك تجد أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الذين هم صفوة الخلق قد ابتلوا فيها والعاقل لا يغتر بنعيمها، ويفوض أموره كلها إلي الله جل وعلا، فالله سبحانه وتعالي هو الواحد الأحد الذي بيده مقاليد السماوات والأرض فهو وحده سبحانه قادر علي رفع البلاء وقادر علي دفع الضر?
(1) مدارج السالكين لابن القيم 462.
وما علي العبد إلا أن يعبده سبحانه حق العبادة، وأن يعتصم به وحده في سائر أحواله في السراء والضراء، فهو سبحانه ناصر الضعيف ومفزع كل ملهوف، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه، سبحانه [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ](يس 82).
ما بين طرفة عين وانتباهها
…
يغير الله من حال إلي حال
ومن تأمل كتاب الله جل وعلا يرى آيات عديدة كلها فيها الأمر للعبد أن يفوض أمره إليه، فالله جل جلاله حسبه؛ قال تعالى [أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (1)] وقال تعالى:[قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ (2)] وقال تعالى-[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ](3) وقال تعالى: [الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (4)] وقال تعالى: [أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ](5) فهذه آيات فيها بيان من الله جل وعلا أن العبد لا منجاة إلا بالاعتصام به وحده؛
قال وهب بن منبه: قرأت في الكتاب الأول: إن الله يقول: (بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السماوات ومن فيهن والأرض بمن فيها فإني أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلي نفسه (6) وقد اشتملت هذه الرسالة علي فصول وذلك علي النحو التالي.
الفصل الأول: وفيه المطالب التالية:
المطلب الأول: الاعتصام لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: أنواع الاعتصام ?
المطب الثالث: حقيقة الاعتصام بالله?
المطلب الرابع: من هوا لله عز وجل الذي نعتصم به?
الفصل الثاني: الاعتصام بالله عند الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-
(1) سورة الزمر-36
(2)
سورة الزمر-38
(3)
سورة الأنفال-63
(4)
سورة آل عمران - 173
(5)
سورة النمل - 62
(6)
تفسير ابن كثير- 6/ 2633