الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وظل نبينا - صلي الله عليه وسلم - يناشد ربه ما وعده من النصرويقول: "اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك" حتى إذا حَمِيَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال:(اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا). وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك. (1).
وبعد هذا التضرع العجيب والابتهال العظيم والاعتصام الكبير بالله جل وعلا جاء النصر المبين والفتح العظيم، ونصر الله نبيه - صلي الله عليه وسلم - أصحابه وخذل الله الكافرين والمشركين. ويالله ولهذا الاعتصام به جل وعلاه حتي سقط ردائه- صلي الله عليه وسلم - فلبى الله ندائه وأجاب دعوته وقبل ابتهاله.
وهكذا المؤمن يعتصم بربه في كل الأمور فيرى الخير العميم والنصرالعظيم والفتح المبين من عنده سبحانه وتعالى.
الفصل الثالث
الاعتصام بالله عند الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم
-
الموقف الأول:
(1) - الرحيق المختوم - 217 - انظر تفسير ابن كثير أيضا - 4/ 1550 .............
1 -
أخرج ابن عبد الحكم عن زيد بن أسلم قال: لما أبطأ على عمر بن الخطاب فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص، أما بعد فقد عجبت لإبطأكم عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنين، وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما أعرف، إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم، ورغبهم في الصبر والنية، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس، وأمُر الناس أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة، ووقت الإجابة وليعج الناس إلى الله وليسألوه النصر على عدوهم، فلما أتى عمروًا الكتابُ جمع الناس وقرأه عليهم، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس، وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين، ثم يرغبون إلى الله ويسألونه النصر ففتح الله عليهم (1)
فليتأمل كيف أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرهم بالاعتصام بالله عز وجل وأن يرفعوا أصواتهم بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل وأن يطلب النصر من عنده. فكان النصر حليفهم والفتح نصيبهم والظفر حظهم باعتصامهم بالله وبفضل الله عليهم.
الموقف الثاني:
ذكر في الكنز - 3/ 145 - في خلافة عمر رضي الله عنه عن عياض الأشعري قال شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنة وخالد بن الوليد وعياض رضي الله عنهم فقال عمر إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة. قال فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت واستمددناه، فكتب إلينا إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا وأحضر جندًا الله عز وجل، فاستنصروه فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصِر يوم بدر في أقل من عِدتكم فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني. (2)
(1) جامع الأحاديث - رقم الحديث - 31236 - حياة الصحابة للشيخ يوسف الكاندهلوي 3/ 432.
(2)
مسند أحمد 1/ 355 .......
وههنا يتضح جليا أن عمر -رضي الله تعالى - أمرهم بالاعتصام بالله عز وجل قائلا "وإني أدلكم على من هو أعز نصرا وأحضر جندا الله عز وجل".
فنعم الله فإنه من استنصره نصره ومن سأله أعطاه ومن استغاث به أغاثه ومن فوض أمره إليه كفاه. (1) -
الموقف الثالث:
أخرج ابن سعد عن ثُمامة بن عبد الله قال: جاء أنساً رضي الله عنه أكّارُ بستانِه في الصيف، فشكى العطش، فدعا بماء فتوضأ وصلى، ثم قال: هل ترى شيئاً؟ فقال: ما أرى شيئاً، قال: فدخل فصلى ثم قال في الثالثة -أو في الرابعة-: انظر، قال: أرى مثل جناح الطير من السحاب، قال: فجعل يصلي ويدعو فقال له أكاره: قد استوت السماء ومطرت، فقال: اركب الفرس الذي بعث به بشر بن شَفاف فانظر أين بلغ المطر؟ قال: فركبه فنظر، قال: فإذا المطر لم يجاوز بستانه. (2).
وهنا كيف اعتصم أنس رضي الله عنه بربه فظل يصلي يطلب من ربه وينادي مولاه حتي جاءه الغيث وهطل عليه المطر وارتوت أرضه بالماء.
الموقف الرابع:
(1) حياة الصحابة 3/ 432.
(2)
حياة الصحابة-3/ 297 ...................
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فعقبه لصٌّ مقنع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فذرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يوليني قتله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ (1).
فهذا الصحابي الجليل لما اعتصم بالله ودعاه من شر هذا اللص أنقذه الله من الهلاك بملك أيَّدَه من السماء.
الموقف الخامس:
أخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن خوات بن جبير رضي الله عنه أصاب الناسَ قحط شديد على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخرج عمر بالناس يصلي بهم ركعتين ثم بسط يده فقال اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك، قال فما برح من مكانه حتى مطروا، فبينا هم كذلك إذا الأعراب قدموا المدينة، فأتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين بينا نحن بوادينا في يوم كذا في ساعة كذا إذ أظلنا بغمام وسمعنا فيها صوتا: أتاك الغوث أبا حفص، أتاك الغوث أبا حفص. (2).
فانظر -رعاك الله- كيف اعتصم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بربه فاستغاث به واستسقاه فنزل الغيث وعم الخير واستبشر الجميع بفضل المولى القدير.
الموقف السادس:
(1) الإصابة 4/ 182. حياة الصحابة 3/ 98.
(2)
حياة الصحابة 3/ 388.