الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل إنَّ هذا من المالكي جفاءٌ في مَن هو أقربُ نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمه العباس رضي الله عنه الذي لوكان يُورَث صلى الله عليه وسلم لوَرثه عمُّه مع زوجاته صلى الله عليه وسلم وبنته رضي الله عنهن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((ألْحِقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأَوْلَى رجلٍ ذَكر)) متفق عليه، وأيضاً هو جفاءٌ لابن عمِّه
عبد الله بن عباس، الذي ضَمَّه صلى الله عليه وسلم وقال:((اللهمَّ علِّمه الكتاب)) رواه البخاري (75)، وفي لفظ عنده (143) :((اللهمَّ فقِّهه في الدِّين)) .
أقول: أفيكون هذان الرَّجلان العظيمان لَم يظفَرَا بشرف صُحبة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كما زعم هذا المالكي؟! نعوذ بالله من الخذلان.
* * *
زعمه أنَّ خالد بن الوليد رضي الله عنه ليسَ من الصحابة والرد عليه:
قال في (ص:43 ـ 45) : ((الدليلُ الثالث عشر: حديثُ خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف، وهو قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (لا تسُبُّوا أحداً من أصحابي؛ فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)، ثمَّ علَّق عليه هنا في الحاشية بقوله:((مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة)) .
ثمَّ قال: ((أقول: الحديث مشهورٌ بلفظ (لا تسُبُّوا أصحابي) ، وهو يخاطب خالدَ بنَ الوليد عندما تخاصم مع عبد الرحمن بنِ عوف في قضيَّة بني جَذِيمة بعد فتح مكة.
وهذا دليلٌ واضحٌ على إخراج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد وطبقته من الصحبة الشرعية لأكثر من دلالة:
الدلالة الأولى الأقوى: أنَّ تكملةَ الحديث فيه بيان للصحبة الشرعية، وأنَّها لا تُدرَك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(فلو أنفق أحدُكم مثلَ جبل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) .
فهذه هي الصحبة الشرعيَّةُ تماماً، وهي التي لَم يُدْرِكْها خالد بنُ الوليد، على فضله وبلائه وشجاعته، كما لَم يُدْرِكْها طبقةٌ كعمرو بن العاص ونحوه، فمن باب أولى ألَاّ يدركَها طلقاءُ مكة، ولا عُتقاءُ ثقيف، ولا الأعرابُ، ولا الوفودُ المتأخِّرون ونحوهم.
الدلالة الثانية: أنَّ خالد (كذا) أقرَّ بهذا ولم يقل: (يا رسول الله! أو لستُ من أصحابك؟!؛ لأنَّ خالد (كذا) يعرف الفرقَ بين الصحبة الشرعية التي قام عليها الإسلام، وبين الصحبة العامة أو اللَاّحقة التي يمكن أن يُطلق على أصحابها (التابعين) أيضاً.
الدلالة الثالثة: أنَّ قصَّةَ الحديث وقعت بعد فتح مكة، وبعد أن صحب خالد بن الوليد النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مدَّةً من الزمن، لكن لَم تشفع له في الحصول على فضيلة الصحبة الشرعية، فكيف بِمَن بعده؟!)) .
والجوابُ:
أنَّ قولَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا أصحابي)) ـ والمرادُ به عبد الرحمن بنُ عوف وغيرُه مِمَّن تقدَّم إسلامُهم ـ لا يدلُّ على حصر الصحبة في عبد الرحمن وأمثاله، وإنَّما يدلُّ على مزيد فضلِ هؤلاء، وإن كان غيرُهم قد شاركهم في الفضل، مع التفاوت الكبير بين الصحابة في الفضل، قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/431 ـ 433) : ((ومِمَّا يبيِّن أنَّ الصحبة فيها خصوصٌ وعمومٌ، كالولاية والمحبة والإيمان وغير ذلك من
الصفات التي يتفاضلُ فيها الناسُ في قَدْرِها ونَوعِها وصِفَتِها، ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبَّه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تسُبُّوا أحداً من أصحابي؛ فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) ، انفرد مسلمٌ بذكر خالد وعبد الرحمن دون البخاري، فالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يقول لخالد ونحوه:(لا تسُبُّوا أصحابي) ، يعني عبد الرحمن بن عوف وأمثاله؛ لأنَّ عبد الرحمن ونحوَه هم السابقون الأوَّلون، وهم الذين أسلموا قبل الفتح وقاتلوا، وهم أهلُ بيعة الرضوان، فهؤلاء أفضلُ وأخصُّ بصحبته مِمَّن أسلَم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وبعد مصالحة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أهلَ مكة، ومنهم خالد وعمرو بن العاص وعثمان ابن أبي طلحة وأمثالهم، وهؤلاء أسبق من الذين تأخَّر إسلامُهم إلى أن فُتحت مكة وسُمُّوا الطُّلَقاء مثل سُهيل بن عمرو والحارث بن هشام وأبي سفيان بن حرب وابنيه يزيد ومعاوية وأبي سفيان بن الحارث وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وغيرهم، مع أنَّه قد يكون في هؤلاء مَن برز بعلمِه على بعض مَن تَقَدَّمه كثيراً، كالحارث بن هشام وأبي سفيان بن الحارث وسُهيل بن عمرو، وعلى بعض مَن أسلم قبلهم مِمَّن أسلم قبل الفتح وقاتل، وكما برز عمر بنُ الخطاب على أكثر الذين أسلموا قبله.
والمقصود هنا أنَّه نَهْيٌ لِمَن صحِبَه آخراً أن يسبَّ مَن صحبه أوَّلاً؛ لامتيازهم عنهم في الصحبة بِما لا يمكن أن يشركهم فيه، حتى قال: لو أنفق أحدُكم مثلَ أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه.
فإذا كان هذا حالُ الذين أسلموا من بعد الفتح وقاتلوا، وهم من أصحابه التابعين للسابقين، مع من أسلم من قبل الفتح وقاتل، وهم