الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتح، ولكن جهادٌ ونيَّة، وإذا استُنفرتم فانفروا)) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، واللفظ للبخاري (2825) .
ثمَّ إنَّ الأنصارَ الذين أثنى الله عليهم في كتابه العزيز إنَّما حصَّلوا اسمَ النُّصرة ووصْفَها لكونِهم نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد حصَّل المهاجرون وصْفَ النُّصرةِ مع الهجرة، ومَن لَم يكن من المهاجرين والأنصار وقد نصر النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وجاهد معه في سبيل الله له نصيبٌ من هذا الوصف في الجملة، وله الثواب الجزيل من الله على ما حصل منه من النُّصرة، وقد نوَّه الله بفضل وثواب مَن آمن وجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته ـ ومنها تبوك ـ بقوله:{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} ، وأخبر أنَّه كافيه وكافي مَن اتَّبعه من المؤمنين في قوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} .
* * *
استدلالُه بآية: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} ، والرد عليه:
قال في (ص:27 ـ 29) : ((الدليل الثاني: قول الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} .
فهنا أخبر الله عز وجل بثلاث طوائف كانت كلُّها في عهد النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
الطائفة الأولى: السابقون من المهاجرين، وهذا قيْدٌ يُخرج المتأخِّرين من المهاجرين كخالد بن الوليد رضي الله عنه، ولا يدخل فيهم أبناء المهاجرين ولا رجال الوفود إن لَم يبقوا في المدينة، حتى ولو أسلموا قبل الحُديبية.
والطائفةُ الثانية: هم الأنصار، ولا يدخل فيهم أبناء الأنصار (الأطفال) كما لا يدخل في المهاجرين أبناءُ المهاجرين.
الطائفة الثالثة: الذين اتَّبعوهم بإحسان، كالمهاجرين بعد الحُديبية والمهاجرين من وفود العرب مِمَّن ثبت على الإسلام أيَّام الرِّدَّة، ومنهم أبناءُ المهاجرين وأبناء الأنصار، وقد يدخل في هؤلاء مَن حسن إسلامه من طُلقاء قريش وعُتقاء ثقيف وغير هؤلاء.
إذن فالمهاجرون والأنصار لَم يشترط الله فيهم (الإحسان) ؛ لأنَّ الهجرةَ والنُّصرةَ اللَّتين تقتضيان الإنفاقَ والجهادَ في أيَّام الضَّعف هما من أفضل الأعمال، ولا يحتاج هذا لقيد الإحسان، فلَم يقل: (
…
من المهاجرين بإحسان والأنصار بإحسان) ؛ لأنَّ الرَّجلَ إن قام بالهجرة التي تقتضي ترك الأوطان والأولاد هي غاية الإحسان، كما أنَّ النُّصرة التي أجلبت على الأنصار قبائل العرب، مع تحمُّلِهم مهمَّة حماية الإسلام في أيامه الأولى لا تحتاج لقيد الإحسان؛ لأنَّها في الذِّروة منه.
أما بعد قوَّة الإسلام والمسلمين فأصبحت الهجرةُ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تعود على نفس المهاجر بالمصلحة بعد أن كانت قبل ذلك تعود على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالمصلحة وعلى المهاجر أيضاً، أمَّا بعد فتح مكة فأصبح الالتحاق بالمسلمين يعني الغنيمة والسلامة لكثرة المال وأمن القتل.
ولهذا كلِّه نعرف لماذا قَصَرَ الله عز وجل الثناءَ على المهاجرين والأنصار فقط، ثمَّ قيد المهاجرين بالسابقين منهم، وهم المهاجرون الهجرة الشرعية!!)) .
ويُجاب على ذلك بما يلي:
الأول: أنَّه ليس في الآيةِ دليلٌ على ما أُورِدَت الآية من أجله، وهو قصر الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية، ثمَّ إنَّه جاء في سياق الآية عند المالكي زيادة حرف ((من)) قبل {تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} ، وهو خطأ، وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن الذي لَم يأت فيه حرف ((من)) قبل {تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} .
الثاني: جاء في الآية وصْف المهاجرين بالسابقين، وهو يدلُّ على أنَّ المهاجرين فيهم سابقون وفيهم متأخِّرون، وقد ذكر ابنُ كثير في تفسيره عند تفسير هذه الآية قولين في المراد بالسَّابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، أحدهما: أنَّهم الذين أدركوا بيعة الرِّضوان عام الحُديبية، والثاني: أنَّهم الذين صلَّوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدكان تحويل القبلةِ إلى الكعبة بعد الهجرة بستة عشر شهراً.
وعلى القول الأول يكون المهاجرون المتأخِّرون مَن هاجر بعد الحُديبية وقبل فتح مكة، ومِن هؤلاء خالد بن الوليد رضي الله عنه وغيره، وقد أخرجهم المالكي من الصحبة ذات المدح والثناء، وكذلك الهجرة ذات المدح والثناء.
الثالث: أنَّ الذين اتَّبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بإحسان ينقسمون إلى قسمين: القسم الأول: صحابة، وهم الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم ورأوه.
والثاني: الذين لَم يَصحبوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ولَم يرَوه، مِمَّن كان في زمنهم أو بعدهم.
ويحصلُ للجميع الأجرُ العظيمُ الموعود به في الآية.
الرابع: أنَّ ما ذكره عن المهاجرين بعد الحُديبية وقبل فتح مكة من أنَّ ((الهجرة تعود على نفس المهاجر بالمصلحة، بعد أن كانت قبل ذلك تعود على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالمصلحة وعلى المهاجر أيضاً)) غير صحيح؛ فإنَّ المصلحة تعود بجهاد مَن جاهد منهم على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ومن أوضح الأمثلة لذلك ما حصل لخالد بن الوليد رضي الله عنه من البلاء الحسن في الغزوات التي شهدها، ومنها غزوة مُؤْتة التي أمَّر نفسَه فيها بعد استشهاد الأمراء الثلاثة الذين عَيَّنَهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وما حصل من الفتح للمسلمين في إمارته، فقد روى البخاري في صحيحه (4262) بإسناده عن أنس رضي الله عنه:((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَعى زيداً وجعفراً وابنَ رواحة للناس قبل أن يأتيَهم خبرُهم، فقال: أخذ الرايةَ زيدٌ فأُصيب، ثمَّ أخذ جعفرٌ فأُصيب، ثمَّ أخذ ابنُ رواحة فأُصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)) .
وهذا السيف من سيوف الله لَم يظفر بشرف الصُّحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رأي المالكي الباطل الذي قَصَر فيه الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية.
ومن أوضَح الأمثلة أيضاً ثبوت العباس بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ـ وهو من الطُّلقاء ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما انهزم الناسُ يومَ حُنين، ففي صحيح مسلم (1775) من حديث العباس رضي الله عنه قال: ((شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمتُ أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلَم نفارِقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلةٍ له بيضاء، أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي، فلمَّا التقى