المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زعمه أن الإجماع لا بد فيه من اتفاق أمة الإجابة بفرقها المختلفة والرد عليه: - الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة

- ‌زعمه قَصْر الهجرة على المهاجرين قبل الحُديبية، وقَصْر الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية، والرد عليه:

- ‌استدلالُه بآية {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} والرد عليه:

- ‌استدلالُه بآية: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} ، والرد عليه:

- ‌استدلالُه بآيات سورة الحشر والرد عليه:

- ‌استدلاله بآية سورة الحديد والرد عليه:

- ‌استدلاله بآية سورة الأنفال والرد عليه:

- ‌استدلاله بآية سورة الفتح والرد عليه:

- ‌استدلالُه بحديث: ((المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض)) والرد عليه:

- ‌استدلالُه بحديث: ((الناسُ حيِّز وأنا وأصحابي حيِّز)) والرد عليه:

- ‌تشكيكه في أفضلية أبي بكر رضي الله عنه على غيرِه والرد عليه:

- ‌تشكيكه في أَحقِّية أبي بكر بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ العبَّاس بن عبد المطلب وابنه عبد الله رضي الله عنهما ليسَا من الصحابة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ خالد بن الوليد رضي الله عنه ليسَ من الصحابة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ معاويةَ رضي الله عنه ليسَ من الصحابة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما ليسَا من الصحابة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ صُحبةَ الكثيرين من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لغوية لا شرعية والرد عليه:

- ‌فهمه الخاطئ للصُّحبة الشرعيَّة والرد عليه:

- ‌زعمه أنَّ الإجماعَ لا بدَّ فيه من اتِّفاق أمَّة الإجابة بفِرَقِها المختلفة والرد عليه:

- ‌إنكاره القول بعدالة الصحابة والرد عليه:

- ‌آثارٌ في توقير الصحابة وبيان خطرِ النَّيل من أحدٍ منهم:

- ‌الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام أبوجعفر الطحاوي (322هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام ابن ابن أبي زيد القيرواني (386هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام أبوعثمان الصابوني (449هـ) رحمه الله:

- ‌الإمام أبو المظفَّر السمعاني (489هـ) رحمه الله:

- ‌الحافظ ابن كثير (774هـ) رحمه الله:

- ‌الحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ) رحمه الله:

- ‌الشيخ يحيى بن أبي بكر العامري (893هـ) رحمه الله:

- ‌آياتٌ وأحاديث في حفظ اللسان من الكلام إلَاّ في خير:

الفصل: ‌زعمه أن الإجماع لا بد فيه من اتفاق أمة الإجابة بفرقها المختلفة والرد عليه:

سابعاً: قوله: ((ثمَّ لا يُشترط أن يسبق في الموضوع أحدٌ ما دام للموضوع أدلَّته وبراهينه، فينطلق النَّقد على تلك البراهين والأدلة، ولا ينطلق على غير ذلك)) ، أقول: كان الأوْلَى بالمالكيِّ بدلاً من اللُّجوء إلى هذا الكلام عند إفلاسِه أن يتَّهم رأيَه ويقتدي ببعض أهل بيعة الرِّضوان الذين لَم يرتاحوا إلى بعض شروط الصُّلح وراجعوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، وكانوا فيما بعد يقولون: يا أيها الناس! اتَّهموا الرأي في الدِّين، والأدلَّة التي أشار إليها قد فهمها السَّلفُ فهماً صحيحاً، فلم يقصروها على المهاجرين والأنصار قبل الحديبية، والواجب الاعتماد على نصوص الكتاب والسنَّة وفقاً لفهم السلف، وكان الأليقُ بالمالكي أن يستحيي مِن ذِكر هذا الرأي الفاسد الذي لَم يسبقه إليه إلَاّ عبد الرحمن الحكمي.

ثامناً: أمَّا ما ذكره من حصول مصطلحات جديدة تعود بالنَّفع على العلم وأهله كعلم الأصول وعلم التجويد وعلم المصطلح وغير ذلك، فهذا شيءٌ محمود، وفيه تيسير العلم وتسهيل الوصول إليه، أمَّا ما ابتلي به المالكي من فهم خاطئ للنصوص وقصره الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحديبية فلا علاقة له في تلك المصطلحات، وإنَّما هو من الإحداث في الدِّين والتنكُّب عن سبيل المؤمنين.

* * *

‌زعمه أنَّ الإجماعَ لا بدَّ فيه من اتِّفاق أمَّة الإجابة بفِرَقِها المختلفة والرد عليه:

قال في (ص:59) : ((3 ـ قد يُقال: إنَّ تقييدَك للصحبة بـ (المهاجرين والأنصار) خلاف الإجماع الذي استقرَّ عليه المحدثون من (اعتبار كل من لقي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام فهو صحابي)) ) .

ص: 112

وقد أجاب عن هذا الاعتراض بنفي وجود الإجماع، وأورد تساؤلات على هذا الاعتراض، آخرها قوله في (ص:60 ـ 61) : ((هل ما استقرَّ عليه المحدِّثون يُعدُّ إجماعاً حتى لو خالف في ذلك الأصوليُّون؟! بل هل ما أجمع عليه أهلُ السنَّة يُعدُّ إجماعاً معتبراً أم لا بدَّ من إجماع كل أمَّة الإجابة؟! فهذا سؤال يحتاج لبحث منفصل.

كل هذه الأسئلة بحاجة إلى بتٍّ فيها، ولا يحتمل هذا البحث الإجابة عليها؛ لكون كاتب هذا البحث لَم يبحثها بحثاً يرضى عنه، ولا يريد أن يتكلَّم بما لا يعلم فيقع في المحظور الذي حذَّر منه، وأنا أدعو إخواني للبحث المنصف فقط، أو محاولة ذلك على الأقل، مع التواضع في الاعتراف بالقصور في العلم)) .

وعلَّق على قوله: ((فهذا سؤال يحتاج لبحث منفصل)) بقوله: ((لأنَّ أقوى دليل للذين يرون الإجماع هو الحديث المشهور: (لا تجتمع أمَّتي على ضلالة) ، والحديث وإن كان فيه كلام من حيث الثبوت، لكن (الأمة) فيه لا تعني بعض الأمة، وإنَّما كل أمة الإجابة، كل المسلمين باختلاف مذاهبهم الفقهية والعقدية والسياسية، ومَن زعم بأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أراد من (أمتي) أنَّها تعني المحدثين أو أصحاب المذاهب الأربعة فقد جازف

!!)) .

ويُجاب عن ذلك بما يلي:

أوَّلاً: أنَّ تعريف الصحابي بأنَّه مَن رأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أو صحبه ثبت بأدلَّة سبق أن أوردتُ جملة منها في أول هذا الرَّد، وذلك كافٍ لاعتبار هذا التعريف، سواء أحصل فيه الإجماع أم لَم يحصل.

ثانياً: أنَّ الإجماعَ منعقدٌ على بطلان الرأي الفاسد للمالكي، وهو

ص: 113

قصْره الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحديبية؛ بدليل أنَّ المالكي لَم يجد له سلفاً في هذا الرأي إلَاّ مَن سَمَّاه: عبد الرحمن الحكمي.

ومِن الذين أخرجهم تعريفُ الصحابي عند المالكي: العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله وخالد بن الوليد وأبو هريرة وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص ومعاوية وغيرهم، وهم صحابة بإجماع العلماء على مختلف العصور، لَم يخالف في ذلك إلَاّ المالكي وقدوته الحكمي!

ثالثاً: إنَّ كلامَه واضحٌ في أنَّ الإجماع لايَتِمُّ إلَاّ باتِّفاق أهل السنَّة والجماعة وسائر فرق الضلال، ومقتضى ذلك نفي وجود الإجماع أصلاً؛ لأنَّه من المستحيل اتِّفاق أهل السنَّة وأصحاب البدع والأهواء على أمر عقدي، ولا شكَّ أنَّ الذين يُعتبر إجماعهم هم أهل السنَّة والجماعة دون غيرهم من أهل الأهواء، وقد بيَّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذكر افتراق الأمَّة ـ وهم أمَّة الإجابة ـ على ثلاث وسبعين فرقة ((كلُّها في النار إلَاّ واحدة)) ، وهم من كان على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وأصحابُه، فبيَّن أنَّ هؤلاء هم النَّاجون، فيكون الإجماع المعتبَر هو إجماعهم، ومن العجب أن يزعم زاعمٌ أنَّه لا بدَّ في الإجماع من اتِّفاق الفرق الثلاث والسبعين باختلاف مذاهبها الفقهية والعقدية والسياسية!

ومقتضى ذلك أنَّه لا بدَّ من اتِّفاق من يقول: إنَّ القرآن مخلوقٌ، ومن يقول: إنَّ القرآن غير مخلوق، واتفاق من يُثبِت عذاب القبر ومن يُنكره، واتِّفاق مَن يُثبت معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء ومن يُنكره، واتِّفاق مَن لا يدعو إلَاّ الله ولا يستغيث إلَاّ به ومن يدعو أو يستغيث بالملائكة والجنِّ وأصحاب القبور، واتِّفاق مَن يعتقد أن الله يُرى في الدار الآخرة ومن يعتقد أنَّه لا يُرى أبداً!

ص: 114

ورؤية الله في الدار الآخرة اتَّفق عليها الصحابة ومَن تبعهم بإحسان على تتابع القرون، ودلَّت عليها آيات الكتاب العزيز والأحاديث المتواترة، وأنكرها الجهمية والمعتزلة والخوارج والرافضة والباطنية، فعلى قول المالكي لا بدَّ في الإجماع من موافقة هذه الفرق، وإلَاّ فإنَّها تبقى مسألة خلافية لا إجماع فيها!

ومن أراد الوقوف على تفصيل القول في مسألة رؤية الله في الدار الآخرة وذِكر الأدلة من الكتاب والسنة يُمكنه ذلك بالرجوع إلى كتب أهل السنة، ومن ذلك كتاب ((حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)) لابن القيم (ص:179 ـ 219) .

رابعاً: ما ذكره المالكي من أنَّ هذه التساؤلات التي ذكرها تحتاج إلى بتٍّ فيها ولا يحتمل هذا البحث الإجابة عليها، أقول: لقد بادر بالإجابة كما هو واضح من كلامه الذي يرى فيه أنَّ الإجماع لا بدَّ فيه من اتَّفاق كلِّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم الفقهية والعقدية والسياسية!

خامساً: قوله: ((وأنا أدعو إخواني للبحث المنصف فقط، أو محاولة ذلك على الأقل، مع التواضع في الاعتراف بالقصور في العلم!)) ، أقول: ما أحوج المالكي إلى الإنصاف والتواضع ومعرفة قدر نفسه؛ ليَسْلَم من الشذوذ واتباع غير سبيل المؤمنين.

سادساً: ما ذكره من أنَّ الإجماع لا بدَّ فيه من اتِّفاق أمَّة الإجابة باختلاف مذاهبهم الفقهية والعقدية والسياسية، فيه احتفاؤه بأهل البدع والأهواء على اختلافها وتعدُّدها مع نيله من أهل السنَّة، ومن كلامه بالإشادة بأهل البدع والأهواء قوله في قراءته (ص:70) : ((ولذلك كان أكثر بل كل التيارات التي نَصِمها بالبدعة كالجهمية والقدرية والمعتزلة

ص: 115

والشيعة والزيدية وغيرهم، كل هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله وتحقيق العدالة، وكانوا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر!!)) .

وقال أيضاً (ص:75) : ((لكن المعتزلة مثل غيرهم مِن الفرق أصابوا في أشياء وأخطؤوا في أشياء، لكنهم في الجملة لا يستغنى عنهم ولا عن تراثهم وعلومهم، وهم مسلمون متديِّنون بدين الإسلام باطناً وظاهراً!!!)) .

وقال أيضاً (ص:67) : ((وللقدرية نصوص شرعية يستشهدون بها مثلما للسنة والشيعة والمعتزلة نصوص شرعية يرون فيها الدليل الكافي على ما يذهبون إليه!!!)) .

ومن ذلك قوله في (ص:69 ـ 70) من قراءته بأنَّ قتلَ الجعد بن درهم والجهم بن صفوان كان سياسياً ولَم يكن من أجل البدعة!!

وأيضاً تأسفه (ص:71) من قراءته على سنوات أضاعها في بُغض ولعن الجهمية والقدرية، وأنَّه لَم يتنبَّه لبراءتهما وظلمه لهما إلَاّ بعد بحثه في الموضوع في فترة متأخرة!

وقال في (ص:83) من قراءته: ((وقد احتوت كتبُ العقائد ـ ومن أبرزها كتب عقائد الحنابلة ـ على كثير من العيوب الكبيرة التي لا تزال تفتك بالأمَّة!!!)) .

مع هذا ومع وصفه أيضاً في قراءته (ص:80 ـ 81) للكتب المؤلفة في العقائد بأنَّها تمزِّق المسلمين، وذِكره أمثلة كثيرة للكتب التي عوَّل عليها الحنابلة في العقيدة وهي كثيرة، منها كتاب التوحيد لابن خزيمة والشريعة للآجري وأصول السنة للالكائي وكتب ابن تيمية وابن القيم، مع ذلك يقول في (ص:154) من قراءته: ((أنا لا أرى معنى لمنع كتب الأشاعرة

ص: 116

والشيعة والإباضية وغيرهم من المسلمين من دخول المملكة في ضوء هذا التفجُّر المعرفي!!!)) .

فقد جمع في ذلك بين التهوين من شأن كتب أهل السنة والإشادة بكتب غيرهم، فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!

وكتاباته مبنيَّةٌ على النَّيل من أهل السنة، بدءاً من الصحابة رضي الله عنهم حتى مَن كان في هذا العصر على طريقتهم في المملكة وغيرها، ومع ذلك يزعم أنَّه حنبليٌّ، وأنَّه نشأ في هذه البلاد وتعلَّم فيها، فيقول في (ص:149) من قراءته: ((بل لا أعتبر نفسي إلَاّ حنبليًّا؛ بحكم النشأة والتعليم والبيت والتلقي والطريقة في الاستدلال)) .

أقول: ما زعمه مِن اعتبار نفسه حنبليًّا وأنَّه على طريقتهم في الاستدلال غير صحيح؛ لأنَّ طريقةَ مَن زعم أنَّه منهم ـ وليس منهم ـ هي طريقة أهل السنة والجماعة، وأمَّا هو فطريقته طريقة أهل البدع.

وأما ما ذكره من النَّشأة والتعلم، ثمَّ انحرافه عمَّا تعلَّمه، وعقوقه لِمَن علَّمه، فإنَّه يصدق عليه قول الشاعر:

فوا عجباً مِمَّن ربَّيتُ طفلاً أُلَقِّمُه بأطراف البنان

أعلِّمُه الرِّمايةَ كلَّ يوم فلمَّا اشتدَّ ساعِدُه رمانِي

وكم علَّمتُه نظمَ القوافي فلمَّا قال قافيةً هَجَانِي

وقال في (ص:122) من قراءته: ((وتتردَّد عندنا في العقائد ألفاظ كثيرة ومصطلحات فضفاضة لا نعرف معناها، أو على الأقل يختلف الناس في تحديدها من شخص لآخر، فنُطلقها بلا تحديد، مثل: (السلف الصالح ـ أهل السنة ـ أهل الأثر ـ أهل الحديث ـ الطائفة المنصورة ـ البدعة ـ الإجماع ـ

ص: 117

الضلالة ـ الأمة ـ علماء الأمَّة ـ الرافضة ـ الجهمية ـ الخوارج ـ النواصب ـ الشيعة ـ الكتاب ـ السنة

إلخ) ، وكذلك قول بعضهم:(عليك بما كان عليه الصحابة) ، نصيحة مطاطة؛ فإن كان يعرف أنَّ الصحابةَ قد اختلفوا في أمور كثيرة عقدية وفقهية وسياسية، فأيُّهم نتبع؟!!)) .

أقول: إنَّ الذي أرشد إلى اتِّباع ما كان عليه الصحابة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله صلى الله عليه وسلم في بيان الفرقة الناجية من ثلاث وسبعين فرقة:((هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي)) ، وفي لفظ:((هي الجماعة)) ، وبقوله في حديث العرباض بن سارية:((فإنَّه مَن يَعِش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنَّتِي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي)) الحديث، والصحابةُ رضي الله عنهم لَم يختلفوا في العقيدة.

ومِثْل اختلاف عائشة وابن عباس رضي الله عنهما في رؤية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ربَّه ليلة المعراج لا يُعدُّ خلافاً في العقيدة؛ لدلالة الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة وإجماع أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله في الدار الآخرة، وقد مرَّت الإشارة إلى ذلك قريباً.

ويَصف المالكيُّ كثيراً من علماء السنَّة بأنَّهم نواصب، فيقول في (ص:134) من قراءته بعد أن أشار إلى جملة منهم: ((ثمَّ تتابع علماءُ الشام كابن تيمية وابن كثير وابن القيم على التوجس من فضائل علي وأهل بيته وتضعيف الأحاديث الصحيحة في فضلهم مع المبالغة في مدح غيرهم!!

وعلماء الشام ـ مع فضلهم ـ بشرٌ لا ينجون من تأثير البيئة الشامية التي كانت أقوى من محاولات الإنصاف، خاصَّة مع استئناس هؤلاء بالتراث الحنبلي الذي خلَّفه لهم ابن حامد وابن بطة والبربهاري وعبد الله بن أحمد والخلال وأبو بكر بن أبي داود!!)) .

ص: 118

ومثل ذلك قوله في (ص:48) : ((ثمَّ جاء بعد هؤلاء آل تيمية بحرَّان ثمَّ دمشق، وابن كثير إلى حدٍّ كبير، والذهبي إلى حدٍّ ما، أما ابن تيمية فاشتهر عنه النَّصب، وكُتُبُه تشهد بذلك، ولذلك حاكَمه علماء عصره على جملة أمور، منها بغضُ علي!!

ولَم يُحاكموا غيرَه من الحنابلة مع أنَّ فيهم نصباً وَرثوه عن ابن بطة وابن حامد والبربهاري.

والتيار الشامي العثماني له أثر بالغ على الحياة العلمية عندنا في الخليج، وهذا من أسرار حساسيتنا من الثناء على الإمام علي أو الحسين، وميلنا الشديد لبَنِي أمية، فتنبَّه!!

والنواصب لهم أقوال عجيبة كغلاة الشيعة، فمنهم مَن كان ينشد الأشعار التي قيلت في هجاء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يلعن عليًّا وهم الأكثر، ومنهم من يتَّهم عليًّا بمحاولة اغتيال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يُحرِّف الأحاديث في فضله إلى ذمٍّ، وغير ذلك مِمَّا لا أستحلُّ ذكره، والغريب في أمرنا سكوتنا عن هذه الطائفة التي كان منها من يذم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نفسَه!!!)) .

وهكذا يُبالِغ المالكي بالجفاء في أهل السنَّة والنَّيل بالباطل منهم ومن كتبهم، مع إشادته بأهل البدع والأهواء، وليس بغريب على مَن لَم يسْلَم منه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَسْلَم منه مَن جاء بعدهم على طريقتهم، فقد مرَّ في أثناء هذا الرَّدِّ نيلُه من كثير منهم، لا سيما الطلقاء، وإخراجُه كلّ مَن أسلم وصحب النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية أن يكونوا من أصحابه صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} .

ص: 119

وقد نقلتُ في كتابي: ((فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة)) جملةً من النقول عن بعض مَن وصفهم بأنَّهم نواصب تشتمل على توقير أهل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ومحبَّتهم وموالاتهم، والنقل عن ابن كثير (ص:37) وعن ابن القيم (ص:35)، وأمَّا الذهبي فقد قال في تذكرة الحفاظ (1/9) :((علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي، قاضي الأئمَّة وفارس الإسلام وخَتَن المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان مِمَّن سبق إلى الإسلام ولَم يَتَلَعْثَم، وجاهد في الله حقَّ جهاده، ونهض بأعباء العلم والعمل، وشهد له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالجنَّة، وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، وقال له:(أنت منِّي بِمنزلة هارون من موسى، إلَاّ أنَّه لا نبِيَّ بعدي)، وقال:(لايحبُّك إلَاّ مؤمن ولا يُبغضك إلَاّ منافق) ، ومناقب هذا الإمام جَمَّة أفردتُها في مجلد، وسَمَّيتُه بـ (فتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان إماماً عالِماً متحرِّياً في الأخذ؛ بحيث إنَّه يستحلف مَن يُحدِّثه بالحديث)) .

أَفَمِثل هذا الكلام يقوله ناصبيٌّ، كما زعم المالكي؟!

وأمَّا شيخ الإسلام ابن تيمية الذي له نصيبٌ كبير من حقد المالكي وذمِّه، والذي زعم زوراً أنَّه يُبغض عليًّا رضي الله عنه، فله كتاب ((فضل أهل البيت وحقوقهم)) ، وهو مطبوع، ونقلتُ عن هذا الإمام عدَّةَ نقول في كتابي المشار إليه في (ص:33 ـ 35) ، و (ص:44) ، ومن ذلك قوله رحمه الله في العقيدة الواسطية:((ويُحبُّون (يعني أهل السُّنَّة والجماعة) أهلَ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتوَلَّوْنَهم، ويحفظون فيهم وصيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خُمّ:(أُذكِّرُكم الله في أهل بيتِي)

)) إلى أن قال: ((ويتبرَّؤون من طريقة الروافض الذين يُبغضون الصحابةَ ويَسبُّونَهم، وطريقةِ النَّواصب الذين يُؤذون أهلَ البيت بقول أو عمل)) .

ص: 120